بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

الخرافات الوافرة

في زيارات القبور

 

 

ألَّفَهُ (بالفارسيّة) آية الله:

السيد أبو الفضل بن الرضا البُرْقِعِيّ القُمِّيّ

(1908 - 1992م)

 

 

ترجمه إلى العربية وقدَّم له وهذَّبه وعلَّق حواشيه

سعد محمود رستم


 

 

 

 

 

 

 

 

P


 

مقدمة المترجم

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد المرسلين وخاتم النبيِّين أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ومن سار على نهجهم ودعا بدعوتهم إلى يوم الدين، وبعد،

فإن من أشدّ ما ابتُلِيَ به الأئمة الأطهار من آل الرسول عليهم السلام قيام جماعات من الغلاة أو الزنادقة المندسُّون بين صفوف تلاميذهم بدسِّ كثير من الأحاديث الكاذبة والترَّهات الباطلة والروايات الطائفية التي تبث الفرقة والاختلاف ونسبتها كذباً إليهم أو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبثِّها - كما يقول الأستاذ المحقق محمد باقر البهبودي(1) - في الصحائف والأصول ترويجاً لأفكارهم الضالة أو تخريباً للإسلام من داخله كي يختلط الحق بالباطل وتتنفر منه طباع المتفكِّرين وأنظار العالمين.

وقد بذل أئمة أهل البيت عليهم السلام جهداً كبيراً في فضح هؤلاء الغلاة ولعنهم والتحذير من أخطارهم وأفكارهم وإعلان البراءة من أقاويلهم وغلوِّهم بحقِّهم، كما بذل علماء الرجال (من الشيعة الإمامية) جهوداً مشكورةً في تعقُّب هؤلاء الغلاة وفضحهم وبيان أحوالهم، ويسَّروا بذلك السبيل على من أتى بعدهم ليعرف الأصيل من الدخيل والصحيح المقبول من الضعيف المتروك، وقد أجمع علماء الشيعة الأصوليون المحققون على تكفير الغلاة وتضليل أقاويلهم حتى قال مرجع الشيعة الإمامية الأعلى في عصره السيد أبو القاسم الخوئي (رح) في فتواه الشهيرة حول المفوِّضة الغلاة: «..إن الكتاب العزيز (أي القرآن) يدلُّ على أن الأمور الراجعة إلى التكوين والتشريع كلها بيد الله سبحانه (إلى أن قال): فهذا الاعتقاد [أي الغلوّ والتفويض] انكارٌ للضروري..فيبتني كفر هذه الطائفة (الغلاة والمفوضة)».

هذا علاوة على أن الأئمة من آل الرسول عليهم السلام وضعوا لمواجهة حركة الدس والوضع هذه قاعدة ممتازة شافية وكافية لو أُخِذَ بها لتطهَّر التراث الحديثي والروائي الشيعي تماماً من كل الخرافات والأباطيل والأكاذيب التي انتشرت فيه كثيراً مع الأسف، ألا وهي قاعدة العرض على القرآن الكريم، فقد روي هذا المعنى عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بعبارات متنوعة كقولهم «لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق الكتاب والسنة» و«ما جاءكم من حديث لا يصدِّقُه كتابُ الله فهو باطل» و«كلُّ شيءٍ مردودٌ إلى كتاب الله والسنَّة، وكلُّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف» ونحوها من الروايات العديدة(2) التي حكم بعض الأساطين بتواترها تواتراً معنوياً(3).

ومن جملة الموضوعات التي كثر افتراء الأحاديث الكاذبة فيها موضوع فضائل زيارات قبور الأئمّة من آل الرسول عليهم السلام، فقد وضع الغلاة أحاديث لا حصر لها في آداب هذه الزيارات وما على الزائر أن يفعله عند الأضرحة والعتبات، وما أُعِدَّ للزائر من عظيم الأجر والمثوبات والفوز بالجنات، واصطنعوا نصوصَ زياراتٍ وأدعية منمَّقة العبارات مليئة بالغلوّ والمبالغات مما يجافي روح التوحيد الناصع من الإطراءات ويناقض ما ذُكِر في كتاب الله من الآيات، ليقرأها الزوَّار عند قبور الأئمة أو قبور ذراريهم فينالوا ثوابات جُزافية وأجوراً هائلةً خياليَّة يمجُّها العقل والشرع.

وقد قام مؤلف هذا الكتاب بدراسة وتمحيص متون روايات فضائل زيارات القبور هذه ووَزَنَهَا بميزان القرآن الكريم ثم التاريخ والعقل، وَخَرَجَ بنتيجة مفادها أن جميع ما رُوِيَ في فضائل وأجور زيارات القبور لا يوجد فيها حديثٌ صحيحٌ واحدٌ! وأنها مما وضعه الغلاة والوضاّعون في العصور اللاحقة على زمن الأئمة عليهم السلام.

وأجمل ما في كتابه أنه قارن هذه الروايات الموضوعة المغالية بما صح عن أئمة العترة النبوية عليهم السلام بدءاً من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثم سائر الأئمة الكرام من وُلْدِهِ من أدعية توحيديّة خالصة ومن روايات يرفضون فيها المغالاة بحقهم والتجاوز في إطرائهم وتعظيمهم، ومن تأكيدهم على أن الله قريبٌ من الداعين لا يحتاج إلى الاستشفاع لديه بشفعاء ولا التوسل إليه بوسطاء بل هو قريب مجيب بابه مفتوح للسائلين حتى من العصاة والمذنبين، وهو أكرم مسؤول وخير مأمول..الخ، كما جاء في نصوص ذكرها من أدعية «الصحيفة العلوية» المروية عن علي بن أبي طالب عليه السلام، أو «الصحيفة السجادية» الشهيرة المروية عن الإمام زين العابدين السجاد عليه السلام، أو نصوص ممتازة اقتبسها من «نهج البلاغة» مما جمع الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام، أو غيرها من الأدعية الصحيحة الأخرى الموجودة في الموروث الروائي الشيعي الصحيح.

ملاحظات حول الترجمة:

كتب المؤلف كتابه هذا أو بالأحرى أعاد تحريره - (لأنه كان قد ألَّف النسخة الأولى لهذا الكتاب قبل عدة سنين) - في أواخر عمره بعد أن تعرض لمحاولة اغتيال من بعض غلاة المتعصبين الجهلة، ثم تعرض بعد مدة إلى فترة من السجن، وبعد خروجه بمدة تعرض إلى النفي، وقد أثَّرت تلك المضايقات والإيذاء على مزاجه -العصبيّ أصلاً- فكتب الكتاب بأسلوب لا يخلو من تشنِّجٍ وهجوميَّة وجرح، أو لحن أقرب في بعض المواضع إلى المهاترة وأبعد عن البحث العلمي الهادئ الرصين، ولمّا لم يكن الهدف من الترجمة إثارة الخلاف وبث الفرقة والتهجُّم على أحد أو التهكُّم منه، بل تقديم اجتهاد عالم مجتهد وتحقيق باحث ناقد في هذا الموضوع الهام ليطَّلع عليه الباحثون ويستفيد منه الدارسون، فقد اضطررت إلى تصرف يسير في الترجمة مع الحفاظ على المعاني والأفكار والنقد العلميّ، ويمكن إجمال التصرف اليسير بالنقاط التالية:

أولاً: خففت في بعض المواضع من حدّة اللهجة باستبعاد الأسلوب التهجُّمي أو التجريحي أو بعض عبارات التكفير أو الاتهام بالنفاق، مع المحافظة على المعنى والفكرة التي يريد إيصالها أو النقد الذي يريد قوله سواء للأفكار أم للأعمال أم للأشخاص بأسلوب معقول دون قدح أو طعن خاصَّةً إذا كان الطعن ذا علاقة بنيّات الناس التي هي غيبٌ لا يعلمه إلا الله.

ثانياً: اختصرتُ في مواضع قليلة جداً عندما رأيت شيئاً من الابتعاد في النقد أو إعادة للفكرة نفسها التي اتَّضحت من قبل فقمت بحذف التكرار لعدم فائدته. ثالثاً: بالنسبة إلى بعض الاقتباسات والشواهد التي يوردها المؤلف مجتزأة، أوردتها أحياناً بصورة أكمل - خاصة إذا كانت آية قرآنية - لما في ذلك من فائدة تعين على فهم مراده أكثر. رابعاً: ذكرتُ بين كلام المؤلف في بعض المواضع بعض الجمل التوضيحية من عندي يقتضيها السياق وتعين على فهم المراد، ووضعت ذلك بين معقوفتين [ ] لتمييزها عن كلام المؤلف.

هذا وقد علَّقْتُ في الحاشية بعض التعليقات القليلة من نقد لفكرة أو إبداء لملاحظة أو تأييدٍ لمطلب أو ترجمةٍ لشخصيَّةٍ غير مشهورة أو بيانٍ لهوية كتابٍ غيرِ معروفٍ أو تخريجٍ لحديثٍ أو بيانٍ لموضعه ونحو ذلك، وذَيَّلتُ تعليقاتي بكلمة (المترجم) لأميِّزها عن حواشي المؤلِّف.

نبذة عن المؤلِّف:

هو العالم المجتهد الناصح آية الله السيد أبوالفضل بن الرضا البرقعي القُمّيّ مولداً ثم الطهراني، يرجع نسبه إلى السيد أحمد بن موسى المبرقع ابن الإمام محمد التقى (الجواد) ابن الإمام على بن موسى الرضا سلام الله عليهم، الذي حلَّ في قم قبل ثلاثين جيلاً من ولادة السيد البرقعي، وله فيها قبر معروف.

ولد «أبو الفضل البرقعي» في مدينة قم/إيران سنة 1329 أو 1330هـ (حوالي 1908م)، وبعد تعلُّمه الكتابة والقرآن في الكَتَّاب بدأ طلب العلم الشرعيّ وعمره اثنتا عشرة سنة في المدرسة الرضوية إحدى مدارس الحوزة العلمية في قم, وترقى في المراتب العلمية فكان من أشهر أساتذته فى قم آية الله الشيخ عبدالكريم الحائرى اليزدى وآية الله العظمى حُجَّتْ كُوه كمره اى, وقد أُجيز من كليهما، ثم رحل كعادة الطلاب إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته العلميّة العليا فيها وتتلمذ على أيدي أكابر علمائها حينذاك لا سيما الشيخ عبد النبي النجفي العراقي وآية الله السيد أبو الحسن الأصفهانى فحصل على إجازات الاجتهاد منهما ومن عدد من الآيات الآخرين مثل آية الله أبو القاسم الكاشاني وآغا برزگ الطهراني وغيرهم.

استلم السيد «البرقعي» الإمامة والخطابة في مسجد «وزير دفتر» أحد المساجد المعروفة في شارع «شاهپور» جنوب طهران الذي بناه والدا المرحوم المناضل الدكتور محمد مصدِّق (صاحب نهضة تأميم النفط) إذْ كان العلامة «البرقعي» من أنصار الدكتور مصدِّق في ثورته، وكان منذ ريعان شبابه من الدعاة النشطين والحركيِّين المجاهدين في سبيل نصرة قضايا الإسلام والمسلمين وتعرض أكثر من مرة للنفي والإيذاء لمواقفه الجريئة ولدفاعه عن آية الله الكاشاني، كما كان صديقاً وموجِّهاً لشباب حركة «فدائيان إسلام» الإسلامية المعروفة وقائدها الشهيد «نواب صفوي».

بدأ العلامة «أبو الفضل البرقعي» بكتابة الكتب الإسلامية الدعوية المفيدة منذ وقت مبكر وكان من أهم ما كتبه في هذه الفترة كتاب «عقل ودين» [أي العقل والدين] وهو دورة عقائدية استدلالية في أصول الدين في مجلدين الأول في العدل والتوحيد والثاني في النبوة والإمامة والمعاد، وكتاب «حقيقة العرفان» [أي حقيقة التصوُّف] وهو نقد لبدع وغلوّ وانحرافات الصوفية الغلاة في بلده، وقد نال الكتابان شهرةً وقبولاً عاماً واستحسنهما الخاصة والعامة، ومن جملة كتبه في هذه الفترة أيضاً «فهرست عقايد شيخية وتضاد آن با اسلام» [أي فهرس عقائد الشيخيَّة ومخالفتها للإسلام]، و«تراجم الرجال» (عشرة مجلدات) و«تراجم النساء» (مجلدين)، وغيرها من الكتب والرسائل الإسلامية المفيدة ضمن إطار المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري.

بدأ في أواخر الأربعينيات من عمره بالتحول شيئاً فشيئاً عن بعض العقائد المذهبية الأساسية للمذهب الإمامي الاثني عشري، وترجع بدايات تحوله إلى تأثره بالعلامة المصلح السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي والأستاذ قلمداران من جهة، وإلى ما لقيه عقب تأليفه لكتابه «درسي از ولايت» [أي درسٌ عن الولاية] الذي ردَّ فيه ردَّاً مفصَّلاً ومدلَّلاً على فكرة «الولاية التكوينية» التي كان يروِّجُها بعض المشايخ المغالين في عصره، فقد أثار كتاب «البرقعي» هذا ردود أفعال مختلفة ومعركةً من الآراء بين مخالف وموافق، وكُتِبَت الكتابات وألقيت الخطب في الردّ عليه من قبل الغلاة لاسيما المرجع آية الله الميلاني الذي أصدر فتوى تعتبر كتابَ «درس عن الولاية» كتاب ضلالة وصاحبه ضالاً، وبعد سلسلة من الأحداث انتهى الأمر باجتماع عدد من مشايخ قم بزعامة أحد المراجع آنذاك وهو آية الله كاظم شريعتمداري وأرسلوا إلى الشاه ستة آلاف توقيع بأن هذا «المنحرف» يريد هَدْمَ مذهب أهل البيت عليهم السلام (!!) فأُخذ إلى المحكمة فلم يجدوا فيه ما اتهموه به فأطلقوا سراحه وعاد إلى مسجده، لكنه لم يسلم منهم إذْ هاجموا مسجده فيما بعد وأغروا به الأوباش والعوام فاستولوا على مسجده وطردوه منه.

بعد ذلك انصرف البرقعي للمزيد من البحث والتحقيق وبدأت تظهر كتاباته التي تدلُّ على خروجه عن أصول وأسس المذهب الاثني عشري، ويقول في هذا الصدد: «وفي تلك الأعوام كنت أجد فراغاً في الوقت ساعدني على المطالعة والبحث والتأليف والتدبر في كتاب الله، فتبين لي أنني وجميع علماء مذهبنا غارقون في الخرافات، وغافلون عن كتاب الله، وتخالف آراؤهم صريح القرآن وتعارضه..».

بيد أنه من الجدير بالذكر أنه - خلافاً لما ذكره بعضهم أو ما نشرته بعض المواقع على الإنترنت - لم ينتقل «البرقعي» إلى مذهب أهل السنَّة والجماعة بالمعنى المصطلح للكلمة، بل كان ينفي ذلك عن نفسه - وهو أعرف بنفسه من غيره - ويصرِّح بأنه كان ولا يزال من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (ونجد مثل هذا التصريح في مقدمة كتابنا الحالي وهو من أواخر ما ألّفه)، وأن حملته على مصادر الحديث تشمل حتى صحيح البخاري ومسلم، وأنه إنما نقد «الكافي» وأمثاله لأنه - أي الكافي - تحول إلى مرجع في بلاده، وأنه لا معنى لنقد مثل البخاري في بلد شيعيٍّ كإيران. وقد زرته شخصيّاً في أواخر عمره في ثمانينيات القرن الماضي ورأيته يصلي مسبلاً يديه ولا يسجد على السجادة بل على حجرة ملساء ويقيم في صلاته بحيّ على خير العمل. كما أنه من الواضح من كتاباته التي ألفها بعد تحوُّله - ومنها كتابنا الحالي - أن مشربه في الصفات الخبرية هو مشرب التنزيه المطلق، وكذلك في موضوع العدل الإلهي مشربه نفي الجبر والقول بالاختيار، وهذه من الأصول الكلاميّة للشيعة والعدليَّة كما هو معروف.

نعم لقد خرج عن الأصول المذهبية الخاصّة للتشيُّع الاثني عشري إذ نفى النص على الإمام عليٍّ وسائر الأئمة الاثني عشر ونفى عصمتهم ورجعتهم ونفى وجود الإمام الثاني عشر أي المهدي المنتظر وغيبته، وقال بعدم حِلِّيَّة نكاح المتعة، كما أعلن يدعو كل من أدّى إليه من الخمس شيئاً ليردّه إليه وأفتى بحرمة أخذ الخمس من غير الغنائم الحربية خلافاً للسائد بين الشيعة الإمامية، وانتهج نهجاً قرآنياً لا مذهبيَّاً منفتحاً على جميع مصادر المذاهب الإسلامية بلا تعصُّب لأحدها دون الآخر، وفيما يلي توضيح لمنهج البرقعي الذي انتهى إليه(4).

 

منهج البرقعي في استنباط أحكام الشريعة:

يضع البرقعي معايير ثلاثة رئيسية تمثل مرجعيّة الفقيه المسلم لاستنباط الشريعة والعقيدة وهي:

المعيار الأول: القرآن الكريم مع السنَّة القطعيَّة، وتأكيد البرقعي على هذا المعيار شديد، ومن هنا يمكن اعتباره ممن يُطلق عليهم «القرآنيُّون الشيعة» الذين برز تيارهم منذ بدايات القرن العشرين الماضي إذْ أحسُّوا بشيء من تغييب النص القرآني في الثقافة الشيعية لصالح الحديث الشريف فعملوا على ترسيخ المرجعية القرآنية لاسيما فكرة إمكان فهم النص القرآنيّ بلا حاجة للحديث على العكس تماماً من تيار أخباري كان له انتشار في الوسط الشيعي الإمامي حينذاك يرى أنه لا يمكن فهم نصوص القرآن إلا على ضوء الروايات والأخبار الواردة عن الأئمّة عليهم السلام.

 ويدافع البرقعي عن حجِّيَّة ظواهر القرآن بل يجعل للقرآن ميِّزة وهي أن وجود الناسخ والمنسوخ فيه، لو سلّمناه، يجبره اجتماع نصوصه جميعها في موضع واحد على خلاف الحال في السنة، كما أن نسخ القرآن لا بد أن يكون معلناً على الملأ ومن ثم ففرضيات مثل النسخ لا تزعزع قيمة القرآن ومرجعيته.

ويذهب البرقعي إلى أن جهل الناس - حتى بعض المتلبسين بلباس العلم- بالقرآن الكريم كان سبباً في كل هذا الزيف والتضليل الذي حصل في الثقافة الشيعية بالخصوص، إضافة إلى الجهد المرفوض الذي مارسه ويمارسه علماء الدين لإبداء النص القرآن غامضاً ذا بطون.

وانطلاقاً من قوّة المرجعية القرآنية، يحاول البرقعي تفسير انتصار المسلمين ووحدتهم في القرن الهجري الأول باعتمادهم مرجعية النص القرآن، أما في القرن الثاني، وحينما اعتمدوا على الروايات وظهرت مجاميع الأحاديث والأخبار، تفرّقوا وتمزّقوا كل ممزّق.

وعلى هذا الأساس، يشدِّد البرقعي النكير على علماء الدين الشيعة إذ بدل رجوعهم إلى النص القرآني في حلّ اختلافهم مع المسلمين رجعوا إلى أحاديثهم الخاصّة، واعتبروها المعيار لهم فأدى ذلك إلى نتائج سلبية فاحشة.

ولا يطال البرقعي في نقده علماء الشيعة فحسب، بل ينتقد المحدّثين والرواة وأصحاب مصادر الحديث كالكلينيّ والصدوق والمجلسي والطوسي وابن طاووس وغيرهم إذ يعتبرهم جاهلين بالقرآن وأنهم، لعدم اطلاعهم الوافي عليه، وقعوا فيما وقعوا فيه.

وقد ألّف البرقعي كتاباً باسم «أحكام القرآن» وهو كتاب في الفقه والفتوى يؤسِّس فيه فقهاً يعتمد بشكل رئيسيٍّ على النصِّ القرآني فحسب تقريباً.

المعيار الثاني: الفهم المقارَن للإسلام، ويعني البرقعي بالمقارنة، ضرورة أن نجعل المعيار هو الرجوع إلى روايات ونصوص وآراء مجموع المسلمين، لا مذهب واحد دون آخر، وبتجميع الشواهد والقرائن من مصادر الموروث الإسلامي العام نحصل على مفهوم إسلامي أو حكم شرعيّ إلهيّ، فهذا هو السبيل الوحيد المتوفِّر، أما الرجوع إلى مصادر الحديث الشيعية فقط أو السنية فقط فلن يحلّ المشكلة أبداً. وقد ألَّف البرقعي في هذا المضمار كتاباً في الأحاديث المتفق عليها بين الشيعة الإمامية والشيعة الزيدية وأهل السنة ويُعَدُّ من المؤلفات الممتازة جداً في بابه وعنوانه: «جامع المنقول في سنن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم» باللغة العربية ويقع في خمسة مجلدات.

المعيار الثالث: العقل، فقد اعتمد البرقعي في نقده للحديث على العقل الصريح تماماً كما اعتمد على القرآن(5).

أهداف البرقعي من مشروع نقد مصادر الحديث الشيعي:

يقدّم البرقعي عدة أهداف يرميها بمشروعه هذا وخلاصتها:

الهدف الأول: تطهير الإسلام من الخرافات والإضافات التي علقت به عبر الزمن؛ ليغدو مقبولاً في العصر الحاضر.

الهدف الثاني: تصحيح سمعة المذهب الشيعي ورفع الطعون عنه.

الهدف الثالث: تحقيق الوحدة الإسلامية العامة إذ الفرقة سببها هذه الأحاديث الموضوعة.

 الهدف الرابع: الدفاع عن القرآن الكريم إذ لعبت هذه الأحاديث بمعانيه وتعاليمه، فلا بدَّ من تعريتها ونقدها.

الهدف الخامس: الدفاع عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وتصحيح صورتهم في أذهان المسلمين.

الهدف السادس: الكشف عن بعض من أظهر الاعتقاد بأهل البيت عليهم السلام ثم دسّ الروايات الكاذبة عنهم، وبهدف تحطيم الدولة العباسية، أسَّس هذا الفريق من الرواة مذهباً خاصاً به مليئاً بالأوهام والخرافات، ثم جاء مَنْ بَعْدَهُم فأحسن الظنَّ بهم، وأخذ عنهم ما نقلوه ورووه(6).

اعتماد البرقعي منهج العرض على القرآن والعقل في نقد مصادر الحديث:

يرى البرقعي أننا لو استخدمنا منهج العرض على القرآن الكريم لما واجهنا اليوم مثل هذه المشكلات والخرافات، ويصرِّح بأنه وجد الكافي- أهم مصدر حديثي لدى الشيعة الإمامية- في كثير من مواضعه مغايراً للقرآن، مليئاً بالغلوّ والخرافات، غير موافق للعقل الإنساني.

وينقل البرقعي عن الأستاذ «حيدر علي قلمداران» - مؤيداً-: أنَّ علميّ الدراية والرجال على ما فيهما من فائدة، لا ينفعان في أن يغدوا معياراً، بل المعيار هو العرض على الكتاب شريطة الاعتقاد بأن القرآن لا يحتاج إلى تفسير.

ومن فكرة العرض على الكتاب هذه ثم العقل -كما يفيده العنوان الفارسي لكتاب ضخم ألّفه البرقعي بالفارسية في نقد أصول الكافي عنوانه: «عرض أخبار أصول بر قرآن وعقول»، (أي عرض أخبار أصول الكافي على القرآن والعقل)-، تعزَّزت بشكل قاطع عنده مقولة نقد المتن، حتى يمكننا القول: إن كتابه المشار إليه في نقد الكافي يعدّ من أبرز كتب نقد المتن الشيعية، بقطع النظر عن مدى نجاحه في خطوته هذه، وما يقوّي عند البرقعي معياريّة نقد المتن أن الرواة الكذابين كانوا يدّسون الروايات دون حاجة إلى إدراج اسمهم في سلسلة الأسانيد، من هنا، يبقى السبيل الوحيد لوزن النصوص ومحاكمتها هو الجلوس مع متنها لنقده وتمحيصه.

والذي يعزِّز - عند البرقعي- اعتماد نقد المتن أن أكثر المحدِّثين ورواة الأخبار كانوا غلاةً أو منحرفي العقيدة أو مجهولين، فلا يمكن الرجوع إليهم، علاوة على أنهم ما كانوا علماء ولا مجتهدين بل تجار وكسبة لا يفقهون القرآن، وأنه كيف نكتفي ببعض التوثيقات لهم دون ممارسة نقدٍ لمضامين الروايات التي نقلوها إلينا؟ وحتى الصدوق (381هـ) لم يكن بالنسبة للبرقعي سوى تاجر أرز جمع في خزنته ما سمعه ووجده، فوقع في اشتباهات كثيرة.

من هنا، اتخذ البرقعي معياراً في تقويم النصوص الحديثيّة وهو نقد المتن أولاً ثم اللجوء بعد صحّة المتن - عقلاً وقرآناً- إلى السند، وما لم يصحّ المتن فلا حاجة للبحث في السند فصحّته وبطلانه سيّان، آخذاً على العلماء الاقتصار على نقد السند.

وقد طوّر البرقعي من تصوُّره لأولويّة نقد المتن أن جعله معياراً للحكم على الرواة، فذهب إلى أن معرفة الراوي إنما تكون بدراسة رواياته، لا بمراجعة كلمات علماء الجرح والتعديل فقط، فمن علامات ضعف الراوي روايته الخرافات والمنكرات، ولهذا ضعّف البرقعي «علي بن إبراهيم القمّيّ» الذي يُنسب إليه تفسير القمِّيّ المعروف والذي عُدّ من أكابر علماء الشيعة عصر الحضور، وسبب تضعيفه له روايته - برأيه- الخرافات والغلوّ وما ينافي القرآن.

إن الأئمة عليهم السلام ابتُلوا وظلموا - من وجهة نظر البرقعيّ - بأعدائهم وبالمحيطين بهم على السواء فقد كان هناك متربّصون من جهة وجهّال غلاة من جهة أخرى، فلا سبيل إلا نقد المتن وتعرية المضمون.

أما معايير نقد المتن فلم يضف البرقعي عليها شيئاً مما كان علماء الحديث والدراية الإمامية قد ذكروه من قبل، من مخالفة القرآن بصريحه أو مفهومه، أو مخالفة السنة القطعية أو حقائق التاريخ، أو مخالفة العقل الصريح، أو مخالفة قواعد الأخلاق وأصولها، أو مخالفة الأصول العلمية المسلّمة، أو عدم نقل إلا عددٌ قليل جداً للخبر مع توافر الدواعي إلى نقله، أو ذكر ثواب هائل وعقاب عظيم على فعل يسير حقير...

نعم الشيء الذي حصل فيه تغيّر مع البرقعي ليس المعايير لاكتشاف عيوب متن الحديث بل التطبيقات العملية لتلك المعايير، حيث شهدت معه اتساعاً، رفضه الناقدون(7).

قائمة بأهم مؤلَّفات البرقعي بعد تحوّله المذهبي:

ذكر البرقعي في ترجمته الذاتية أسماء (77) مؤلفاً له بين كتاب ورسالة وتأليف وترجمة، معظمها باللغة الفارسية، وقد أشرنا إلى بعضها فيما سبق ونذكر هنا أهم العناوين التي ألَّفها بعد تحوُّله المذهبيّ إذ تعطينا فكرة عن عقائده وآرائه التي انتهى إليها:

- «تابشي از قرآن» [أي إشعاع من القرآن] تفسير كامل للقرآن الكريم في 12 جزءاً.

- «ديوان حافظ شكن يا گفتگويي با حافظ» [أي ديوان كسر حافظ أو حوار مع حافظ] وهو ديوان شعر كبير يرد فيه المؤلف على ديوان حافظ الشيرازي الصوفي المعروف قصيدة قصيدة.

- «تحريم متعِه در اسلام» [أي تحريم المتعة في الإسلام].

- «بت شكن يا عرض أخبار أصول بر قرآن وعقول» [أي كسر الصنم أو عرض أخبار الأصول (أي أصول الكافي) على القرآن والعقل].

- «بررسى خطبهء غديريه» [أي دراسة وتمحيص خطبة الغدير].

- رسالة «نقد المراجعات والردّ عليها» باللغة العربية.

- رسالة «اصول دين از نظر قرآن» [أي أصول الدين من وجهة نظر القرآن].

- «تضاد مفاتيح الجنان با آيات قرآن» [أي مخالفات كتاب مفاتيح الجنان لآيات القرآن].

- «دعاهايي از قرآن» [أي أدعية من القرآن].

- «بررسى علمي در احاديث مهدي» [أي دراسة علمية لأحاديث المهدي].

- «خرافات وفور در زيارات قبور» [أي الخرافات الوافرة في زيارات القبور] وهو الكتاب الحالي.

- «سوانح ايَّام» [أي سوانح الأيام] وهو ترجمة ذاتية لحياة المؤلف وما مرّ عليه وعلى وطنه إيران من أحداث وخطوب ويقع في 250 صفحة.

تلك أهم كتبه التي ألَّفها بعد تحوُّله أو استبصاره - على حدِّ قوله عن نفسه- وقد منع من طباعة ونشر أغلبها، فاكتفى بطباعة ما لم يسمح له بنشره على الآلة الكاتبة وتصوير عشرات النسخ عنها وتوزيعها بين معارفه وأصدقائه ومؤيديه.

وقد تعرض المؤلف في أواخر حياته للحبس عدّة أشهر (سنة 1987م) في سجن «إيوين» شمال طهران، ثم أُخْرِجَ منه، ثم بعد مدَّة نُفِيَ فترةً إلى مدينة «يزد» وسط إيران، ثم أمر مرشد الثورة بإطلاق حريته فعاد إلى طهران، واستقرّ في منزل ابنه في بلدة «كَنْ» إحدى الضواحي الشمالية لطهران، حيث وافته المنيَّة فيها في الشهر السابع من عام 1370 هجرية شمسية (حسب التقويم الإيراني) الموافق لـعام 1992م ودفن في تلك البلدة بجوار قبر «امامزاده شُعَيب» المعروف فيها، فرحمه الله وغفر له.

وفي الختام أود التذكير بأنه من نافلة القول أن عمل المترجم هو نقل نص من لغة إلى لغة بأمانة، وبالتالي فليس من الضروري أن يكون مؤيداً لكل ما يقوله صاحب النص تماماً بل قد يكون للمترجم أفكار مختلفة في بعض المواضع لكن ينبغي أن ينقل بأمانة بغض النظر عن موافقته أو عدم موافقته على كل ما يُقال، غاية ما في الأمر أنه يمكن للمترجم أن يعلق بعض التعليقات في الحاشية يعبر فيها عن ملاحظاته أو رأيه. أسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المترجم

 

 

+                  +                 +


 

المقدمة

الحمدُ لله مالك الملك ديَّان الدِّين مجيب الدَّاعين والمضطرِّين ومغيث المهمومين وصريخ المكروبين وهادي المضلِّين، وصلَّى الله على رسوله وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.

إحدى البدع التي تندرج تحتها آلاف البدع الأخرى والتي ابتُليت بها أكثر الشعوب وأنست بها وبدَّدَت فيها أعمارها وأموالها زيارات القبور والاهتمام البالغ بها.

بدايةً لا بد من توضيح عدة أمور في موضوع زيارة القبور:

الأوَّل- هل أرواح العظماء من الأولياء والصالحين والأنبياء والشهداء توجد في جوف القبر أو فوقه أو في أطرافه وتشعر وتعلم بزوّار القبر أم لا؟

الثاني- إن لم تكن تلك الأرواح موجودة حول القبر أو لم تكن في الدنيا أصلاً فهل تطَّلع على زوَّارها وهي في عالمها الأخروي أم لا؟

الثالث- ولو فرضنا أنها مُطَّلعة على زوّارها فهل تستجيب لطلبات زوّارها وتعود إلى الدنيا وتلبِّي حاجاتهم أم لا؟

الرابع- هل هناك فائدة من اطلاعها على آلام الناس وعذاباتهم ومصائبهم أم لا؟ وهل تسعد وتُسرّ بمديحها وتمجيدها وذكر فضائلها ومناقبها في نصوص الزيارات التي يقرؤها زُوَّارُها أم لا؟ وهل ترغب بأن يخضع الناس أمام قبرها ويخشعون مردِّدين أكثر ما يمكن من المدائح والإطراء أم لا؟ وهل يفيد مَن لا يملك الصبر والتقوى أن يثني على صبر أولئك العظماء وتقواهم أو هل يفيد من يبخل ببذل روحه وماله في سبيل الله ولا يكون مستعداً للجهاد في سبيل الدين أن يثني على جهاد أولئك العظماء وشهادتهم بأبلغ العبارات أم لا؟ وهل ينفعُ من لا يعلم عن دينه ما يكفي ولا علم له بكتاب الله وشريعته، مدحُه صاحب القبر لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أم لا ينفعه؟

الخامس- هل وظيفة الإنسان الثناء والتمجيد والمديح للأموات الماضين، وهل طلب الله من الإنسان مثل هذا العمل؟ وهل كُلِّفَ العباد بذكر حسنات الماضين أو سيئاتهم أم لم يُكَلَّفُوا بذلك؟

السادس- هل من سنة الأنبياء والأولياء تزيين القبور وتشييدها أو بناء القباب والأضرحة والمنارات وتعمير الأفنية والأروقة للمقابر ووقف البساتين والمنازل والأراضي والدكاكين للأموات وصرف ريعها على حفظ مقابرهم أم أن ذلك من سنن الظلمة الجبارين الطغاة؟!

بعد توضيح هذه الأمور وإقامة البرهان عليها ننتقل إلى دراسة أحاديث الزيارات وتمحيصها وبيان صحة أو سقم عباراتها وهل هي حقٌّ أم باطل. وهدفنا من بيان هذه المسائل أن نوضِّح حقائق أحكام الدين ونميِّزها عن الخرافات المذهبية والأباطيل والأوهام التي تُعرَض على الناس باسم دين الإسلام.

ولكن قبل أن أبدأ بموضوع الكتاب أرى من اللازم عليّ أن أصرّح أنني كنت ولا أزال من شيعة إمام المتقين وأمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام وأتباعه وآخذ أصول ديني وفروعه عن ذلك الإمام الكريم ولكنني أختلف مع أولئك الذين خرّبوا دين الإسلام باسم ذلك الإمام، وادَّعَوْا محبَّته ومحبَّة أولاده الأطهار لكنَّهم أوهنوا بناء الدين وأهملوا أصول الإسلام وفروعه وتعاليم القرآن بزيارات خرافية، ولا أعتبرهم من محبي عليّ عليه السلام حقَّاً.

ولن أستدلَّ في دراستي لموضوع هذا الكتاب إلا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأدلّة العقليّة، وبالنسبة للحديث لا بد من التذكير بوجوب رفض كل حديث يخالف القرآن أيّاً كان صاحبه، كما أَمَرَنا بذلك الله ورسولُهُ والأئمَّةُ عليهم السلام، أمّا إذا وافق الحديثُ القرآنَ الكريمَ فإننا نقبله ونضعه على رؤوسنا.

لقد جعل الله تعالى قرآنه ميزاناً نفرّق به بين الحق والباطل وسماه لذلك بالفرقان فقال: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان:1] كما اعتبر القرآن ميزاناً ومعياراً لمعرفة الصحيح من الخطأ فقال: ﴿ الله الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴾ [الشورى:17]، كما اعتبره القول الفصل أي الذي يفصل بين الحقِّ والباطل فقال: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾ [الطارق:13]، واعتبر القرآن أحسن التفاسير فقال: ﴿ وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان:33]، واعتبره هداية للناس وبياناً واضحاً لهم فقال: ﴿ ..أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الـْهُدَى وَالْفُرْقَانِ... ﴾ (البقرة:185) و﴿ هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ (آل عمران:138).

أما الأحاديث التي تدلُّ أيضاً على أن القرآن ميزانٌ لمعرفة الحقِّ من الباطل فهي كثيرةٌ ولكن لما كانت آيات القرآن ذاتها قد صرّحت بهذا المعنى بكل وضوح فهذا يغنينا عن ذكر الأحاديث في هذا الأمر، لذا سنكتفي بذكر ثلاثة أحاديث في ذلك نموذجاً:

1- في كتاب وسائل الشيعة (ج18:ص78) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَا وَافَقَ كِتَابَ الله فَخُذُوهُ وَمَا خالَفَ كِتَابَ الله فَدَعُوهُ».

2- وفي الصفحة ذاتها من وسائل الشيعة نقلاً عن كتاب الكافي بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «مَا لَمْ يُوَافِقُ مِنَ الحديثِ القرآنَ فَهُوَ زُخْرُفٌ».

3- وفي أصول الكافي (ج1: ص96) عن الإمام الرضا عليه السلام قال: «إذا كانت الرواياتُ مُخالِفَةً للقرآن كذَّبتُها».

بناء على ما ذُكر إذا أثبتنا بالبراهين والأدلة أن زيارات القبور والنذورات التي تُصرف لها مخالفة للقرآن الكريم، فالأجدر بمحبِّي الخرافات أن يردُّوا على كلامنا بالدليل والبرهان بدلاً من كيل الاتهامات لنا والافتراء علينا.

ولمَّا كنَّا نعتبر أن محاربةَ الخرافات أهمُّ من أيِّ جهاد آخر فإننا لا نهاب في هذا السبيل أيَّ إيذاء أو تهمة، إذ كلّما كان العمل مهماً أكثر كان أجره وثوابه عند الله أكبر، ولما كنا نعتبر بعض الأعمال التي يؤديها بعض المتظاهرين بالتقوى نوعاً من الوثنية فإننا نعتبر محاربتها جهاداً في سبيل الله لأن مخالفينا أفسدوا أصول الإسلام.

ولا يخفى أنَّ الأخ المجاهد والمحقِّق الجليل الأستاذ «حيدر علي قلمداران» رحمه الله ألَّف قبل كاتب هذه السطور كتاباً مفيداً جداً في موضوع «زيارة المزارات»، نقلتُ بعض مطالبه في الطبعة الأولى لكتابي هذا دون أن أذكر اسمه خشية أن يتعرّض إلى الخطر من جديد على أيدي الخرافيين أو يعتقله مسؤولو الحكومة، أَمَا وقد انتقل الآن إلى رحمة ربِّه، ولم يبقَ من عمر هذا العبد الفقير سوى أيَّام معدودة فإنني قمتُ بعد خروجي من آخر اعتقالٍ لي بإصلاح كتابي هذا واختصاره بهدف إتمام وإكمال ما ألَّفه ذلك الأستاذ الكريم، حيث ألحقتُ جزءاً من موضوعات النسخة الأولى من كتابي هذا بكتابه لِتَنَاسُبها مع موضوعه، ونقلتُ بعض موضوعات النسخة الأولى من كتابي هذا إلى كتابي الآخر الموسوم بـ «عرض أخبار أصول بر قرآن وعقول» (أي عرض أخبار أصول الكافي على القرآن والعقل) واكتفيتُ في هذا التحرير الثاني لكتابي الحاضر بذكر الموضوعات التي لم يذكرها المرحوم «قلمداران» في كتابه، هذا رغم أنه قد لا يخلو كتابي الحاضر من بعض الموضوعات التي ذُكرت في كتابه أيضاً.

وعلى كلِِّ حال آمل أن تكون موضوعات الكتابين مفيدةً لطلاب الحقّ. وأسأل الله تعالى لي ولذلك الأخ الفاضل المثوبةَ والأجر، إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِالله.

 

خادم الشريعة المطهرة

سيد أبو الفضل بن الرضا البرقعي

 

+                  +                 +


 

أين توجد أرواح الأنبياء والأولياء بعد وفاتهم؟

انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر:29]، للروح مكان وليست مجردة من الزمان والمكان ومكان الروح هو البدن الدنيوي أو القالب المثالي البرزخي. والبدن هو مرْكَب الروح وهذا الأمر واضح ومحسوس ولا يحتاج إلى البرهان. وهذه الروح المحدودة لما كانت محدودة ذاتاً فإن صفاتها كالعلم والفكر محدودة أيضاً لأن حدود العوارض هي حدود المعروض ذاتها ولا يمكن أن تزيد عليها.

فروح الكائن الحي لا تعلم كلَّ شيء وليست مطَّلعة على جميع الأشياء ولا جميع الأمكنة، بل إنما تستطيع بواسطة تحصيل العلم أو بواسطة الوحي الإلهي أن تكسب العلم كما قال الله لرسوله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 85]، وقال: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء:36]، وقال: ﴿ فَتَعَالَى الله الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه:114]، ونحوها من الآيات الكثيرة.

وهذا عندما تكون تلك الروح في الدنيا، أما عندما تخرج من البدن بالوفاة وتدخل القالب المثالي البرزخي فإن حقيقتها تبقى كما هي ولا تتغيَّر.

فالصالحون والأولياء يذهبون من هذا المكان إلى عالم ارفع وأسمى من هذا العالم وإلى قالب ألطف من الجسم الدنيوي. يقول الحق تعالى: ﴿ فَأَمَّا إِن كَانَ [أي المحتضر] مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ﴾ (الواقعة:88 و89)، وقال كذلك: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ الله لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران:169-171].

في هذه الآيات نقاط وأمور تحرِّر الإنسان من الأوهام والخرافات لذا نلفت نظر القراء الكرام إلىها:

عندما يقول الحقُّ عزَّ وَجلَّ: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾ [آل عمران:169] فمعناه أنهم أحياء رغم أنهم تُوُفُّوا أي قُبِضَت أرواحهم وأُخِذَت من أبدانهم، وقوله: ﴿ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ يدل على أنهم في الواقع نالوا حياةً أفضل في مكان أسمى وأرفع.

فالجملة الأخيرة تدل على أنه رغم قوله تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [الرحمن:26]، وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر:30]، إلا أن المقرَّبين من الله ينالون عنده -بعد رحيلهم من هذه الدنيا الفانية- حياةً ونعيماً لا يعلم كيفيتها سوى الله، في حين أن الكفار والفجار ينالون الألم والعذاب بعد موتهم.

إذا عرفنا ذلك فيجب أن نعلم أين هو المكان الذي يشير إليه قوله: ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾؟ إن قوله: «عِنْدَ رَبِّهِمْ» يفيد أنهم عند الله وليس عند الخلق ولا عند القبر. فأين يكونون عندما يكونون عند الله؟ تبيِّن الآية الكريمة: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام:127]، والآية الكريمة: ﴿ وَالله يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس:25]، أن «عند الله» هو «دار السلام»، فهو غير «عند الخلق» وغير «عند القبر» أو الدنيا، كما قال سبحانه: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:96]، فلا شك أن الرزق الذي يرزقونه ليس مثل الرزق والطعام الدنيوي(8).

وفي الجزء الآخر من الآية المذكورة يقول تعالى: ﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [آل عمران:170]، فما يؤتيه الله لهم من فضله ليس هو الدنيا لأنه كانت لديهم الدنيا ثم أُخذت منهم ليعطوا بدلاً منها مكاناً أوسع وأفضل.

أما الذين لا علم لهم بالقرآن فيتصوَّرُون أنَّ الشهداء لهم ارتباط بهذه الدنيا. في حين أن جملة: ﴿ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ﴾ [آل عمران:170] تدلُّ على أن الشهداء يذهبون إلى عالم يصبحون فيه بعيدين عمَّن خلّفوه وراءهم من الأحياء، آملين أن يلحق بهم أولئك الذين من خلفهم. فلو كان الشهداء لا يزالون في هذه الدنيا وكان لهم طريق إلى أقربائهم ومعارفهم لما كانت تلك الجملة صحيحة. فإذن الشهداء منفصلون عن أهل الدنيا. أضف إلى ذلك أن الله تعالى بيَّن في آخر تلك الآيات أن جميع المؤمنين سينالون ذلك النعيم والثواب: ﴿ وَأَنَّ الله لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران:171].

 

هل الأنبياء والأولياء يطَّلِعون على زوَّارهم؟

بعد أن أثبتنا أن الأرواح تذهب بعيداً عن الدنيا إلى عالم البرزخ نجيبُ فيما يلي عمَّا يقوله الذين يقرُّون بأن الشهداء أحياءٌ في عالم آخر غير عالم الدنيا، إلا أنهم يقولون: لمَّا كان الشهداء أحياءً فإنهم يطَّلِعُون على أحوالنا [حتى ولو كانوا في «دار السلام» وفي عالم آخر غير عالم الدنيا]!

فنقول: من الواضح أن قولهم هذا غير صحيح لأن حياة الشهداء لا علاقة لها بعلمهم ومعرفتهم بأحوالنا، لأنه ليس هناك تلازم بين الحياة وبين العلم بكل شيء والإحاطة بكل مكان، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له علم بما يجري لجيرانه ومجاوريه إلا إذا أعلمه الله أو أخبره الناس بذلك كما حصل عندما قُتل عددٌ كبيرٌ من أصحابه في بئر معونة ولم يدرِ بذلك. وتأخَّرت زوجته عائشة عن القافلة في العودة من سفر بني المصطلق وبقيت في البادية وحدها ولم يكن له علم بذلك، وضاع جمله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن له علم بمكانه، وفي معركة أحد أُصيب بحجر في جبينه وشفته وفكِّه ولو كان له علم مسبق بذلك لأبعد رأسه عن الضربة وانحرف بعيداً عن الضارب حتى لا يُصاب بذلك الحجر. وقال الله تعالى: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ﴾ [التوبة:101]، مما يدلُّ على أن النبيَّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له علم بنفاق بعض أتباعه، بل كان يعجبه كلام بعضهم دون أن يعلم بذات صدورهم وحقيقة نفاقهم كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة:204].

فإذا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حالَ حياته عالماً بكلِّ مكان ولا مطَّلعاً على كلِّ شيء، فالشهداء أيضاً لا يلزم أن يطَّلعوا وهم في حال الحياة البرزخية على كلِّ مكان وكلِّ شيء، وبالتالي فالحياة الأخروية مثلها مثل الحياة الدنيوية لا تستلزم العلم بكلِّ شيء، فاطِّلاع الذاهبين على أحوال الباقين يحتاج إلى برهان ودليل.

أضف إلى ذلك أن تلك الآيات التي مرَّت ذَكَرَتْ أنَّ الشهداءَ ﴿ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ مما يدلُّ على أن الشهداء لا اطلاع لهم على كل مكان، بل يذهبون إلى مكان لا خوف فيه ولا حزن ولا غمّ. في حين أنهم لو كانوا مطَّلعين على أحوال أهل الدنيا المساكين الذين يرتكبون سيِّئ الأعمال ويعانون من مصائب الدنيا لأزعجهم ذلك وأحزنهم، كما أنهم لو اطَّلعوا على آلام وعذاب ومعاناة زُوَّارهم لماتوا كمداً وغصَّة عليهم. فمثلاً لو اطَّلع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو عيسى عليه السلام أو مريم عليها السلام أو الإمام الرضا عليه السلام على آلام ومصائب ومشاكل الناس لاكتأبوا وأصابهم الحزن والغمّ وغَدَتْ «دار السلام» بالنسبة إليهم دار «غصَّة وحزن»، هذا إن فرضنا -والعياذ بالله- أن النبيَّ أو الإمام يستطيع أن يسمع أدعية جميع الناس ويطَّلع على حاجاتهم ويسمع أصواتهم وشكاويهم في آن واحد، فهذا يأتي إلى مزارهم ويقول: إن ابني مسجون ويتعرّض للتعذيب، والآخر يقول: لقد غزانا جيش الكفار وقتل منا الكثير، والثالث يقول: ابني ابتُلي بالسرطان، والرابع يقول: إني مبتلٍ بمرض نفسي، وآخر يشكو من سرقة جيبه في الحرم وأنه أصبح غريباً بلا مال، وآخر يشكو من أنه مستأجر ومالك منزله يؤذيه كلَّ يوم ويريد أن يخرجه من المنزل و... و... آلاف المفجوعين والمتألمين والمرضى والفقراء والمظلومين كلٌّ يبثُّ شكواه. هذا عدا عمَّن جاء إلى مراقدهم ليس بقصد الزيارة بل بقصد السرقة في حرمهم أو جاء بقصد الفاحشة وثالث يقرأ المراثي المليئة بالأكاذيب وبخلاف ما أنزل الله، وآخر مَلِكٌ أو وزيرٌ يدخل إلى الحرم وعلى كاهله آلاف الجرائم، وآخر عمله الخيانة وأكل أموال المستضعفين بالباطل فهو يكنز أموالاً طائلةً لقاء أراضٍ ميتة بور باسم الأوقاف، أو يأخذ حق التنازل (خلوّ الرجل أو الفراغة) من الفقراء، وآلاف الخيانات والآثام والفواحش والجرائم الأخرى، فلو اطَّلع صاحب القبر على كلِّ ذلك لأصابه الغم والألم ولسُلبت منه الراحة في عالم البرزخ وتبدَّل نعيمه إلى ألم وعذاب!

فلاحظوا افتراء ذلك الكذَّاب الذي وضع زيارةً نسبها إلى الإمام قال فيها: «أشهد أنك ترى مقامي وتسمع كلامي وتردُّ جوابي» هذا مع أنه لم يسمع جواب صاحب القبر، ولكنه يشهد على ذلك كذباً! وسنثبت في هذا المختصر أن أولياء الله بعد وفاتهم ليس لهم أي خبر عن الدنيا وأنهم في العالم الآخر (البرزخ) ليس لهم أي معرفة بأحوال عباد الله في الدنيا.

كما ذُكر في الآيات التي استشهدنا بها في الفقرة السابقة يدلُّ قوله تعالى: ﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ الله لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران:171] على أن الله ينعم على المؤمنين الصالحين ولا يضيّع أجرهم ويمنّ عليهم بمقام كريم في جنة دار السلام ثواباً على أعمالهم وحياةً أفضل آلاف المرات من الحياة الدنيا لا أنه يجعلهم يعيشون في حزن دائم ويعانون من غصص أخبار الدنيا.

فاتضح أن عبارة «عند الرب» تعني ذلك المكان الذي أشارت إليه آسيا زوجة فرعون حين قالت: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم:11]، فعند الله وعند الرب عالم غير هذه الدنيا الفانية.

فإن قال قائل: إن الله لا يحدّه مكان وتستوي إليه جميع الأمكنة فمن كان عند الله أو عند ربه فإنه يكون في كل مكان. قلنا: إن كان الأمر كذلك لصار كل كافر ومنافق وظالم بعد موته عند الله أيضاً حتى ولو كان يُعذَّب في قبره، لأن الله محيط بالجنة كما هو محيط بالنار، وعندئذ لا تبق هناك خصوصية للشهداء بأنهم «عند ربهم» مع أن هذه العنديّة مقام قرب اختصهم الله به، ويُقصد به أنهم في الواقع في عناية الرب وعند رحمته وهو المقام الذي سماه الله بـ«دار السلام» تمييزاً له عن «دار العذاب» فلم يقل الله أن الشهداء والصلحاء سيصيرون إلى دار العذاب عند ربهم!

بناء على ما ذُكر فإن أرواح الأنبياء والصلحاء والشهداء لا علم لها بالدنيا، كما أن تلك الآية تدل على أن أرواحهم ليست في قبورهم في الدنيا ولا حولها.

الذي يُستفاد من كتاب الله «القرآن الكريم» أنه ليس للإنسان مؤمناً كان أم كافراً سوى حياتين كاملتين الأولى «الحياة الدنيوية» والثانية «الحياة الأخروية». أما عالم «البرزخ»، ويُقال له أيضاً «عالم القبر»، فهو عالم الصمت والسُبات وانعدام الوعي بالدنيا، وهو حياة غير كاملة وبلا حركة وفي الواقع تشبه الغفوة في قاعة انتظار دخول يوم القيامة والبرزخ فاصل بين حياتين كاملتين. فالحياة التي ذُكرت للأموات بعد الدنيا سواء الصالحين أم الطالحين حياةٌ ناقصةٌ قبل يوم القيامة.

ويجب أن نعلم أن «عالم البرزخ» يبدو بالنسبة إلى أهل المحشر بعد بعثهم ونشورهم وكأنَّه لم يكن أو ما يشبه ذلك، أي أن ذلك الفاصل الزمني يكون غير مفهوم بالنسبة إلى أهل الحشر ويبدو لهم - بعد بعثهم - وكأنه حلم أو كأن حشرهم وقع مباشرة بعد موتهم في الدنيا!

والنقطة التي ينبغي أن ننتبه إليها هنا أن القرآن المجيد يذكر أحياناً جميع مراحل أمر ما وأحياناً يحذف الوسائط ويذكر بداية الموضوع ونهايته على نحو الإجمال فقط، فمثلاً يقول عن خلق الإنسان ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴾ [الروم:20]، ولكن يذكر في آية أخرى جميع مراحل هذا الخلق واحدة واحدة ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ﴾ [الحج:5].

كذلك يقول عن تحريك السحب ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ﴾ [النور:43]، والتي تدلُّ بظاهرها على أن الله يحرِّك الغيوم مباشرة، ولكن الله يفصّل الأمر في موضع آخر فيقول: ﴿ الله الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا ﴾ [الروم:48].

وكلام القرآن الكريم حول «عالم البرزخ» يسير على نفس ذلك المنوال، فغالباً ما يبِّين القرآن الكريم المصير النهائي للإنسان بعد الموت دون أن يذكر فترة عالم البرزخ، كما قال في شأن قوم نوح مثلاً: ﴿ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا ﴾ [نوح:25]، والذي يبدو من ظاهره وكأنَّ قوم نوح الكفار أُدخلوا النار فور غرقهم. ولكننا نفهم تفصيل هذه الآية من آية أخرى تحدَّثت عن آل فرعون وهي قوله تعالى: ﴿ فَوَقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر:45-46]، والتي تدلّ على أن الأشقياء يعانون من الغصص والآلام قبل أن يدخلوا نار جهنم يوم القيامة.

يمكننا أن ندرك من مثل هذه الآيات أن هناك بعد الحياة الدنيوية نوعين من الجزاء: الجزاء البرزخيّ وجزاء يوم القيامة. الثاني يتمّ بصورة وافية وكاملة في الحياة الأخروية والأوَّل نوع من السرور واللذّة أو الكَدَر والآلام في فترة الحياة البرزخية التي هي في الواقع شبه حياة وليست حياة كاملة والتي أجملت معظم آيات القرآن ذكرها وأعرضت عن تفصيلها، لأن القرآن أراد في معظم الموارد أن يجسِّم مسألة المعاد أمام الإنسان إذْ إنَّه عندما سيُبعث في الآخرة سيشعر أن فترة عالم البرزخ كانت قصيرةً جداً وحتَّى لو طالت فترة «عالم البرزخ» آلاف آلاف السنين فإنها ستبدو للإنسان بعد حياته الجديدة يوم القيامة وكأنها يوم أو بعض يوم أو ساعة من نهار شأن الإنسان في ذلك شأنه عندما ينام نوماً عميقاً بعد سفر طويل ويرى رؤيا مفرحة أو كابوساً محزناً تمرّ عليه فيه أحداث كثيرة ولكنه إذا استيقظ أحسّ كأنه نام لِتَوِّهِ!

من هنا يقول القرآن الكريم عن الذين يبعثون يوم القيامة: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ [يونس:45]، ويقول: ﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء:52]، ويقول: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴾ [الروم:55]، أو ﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾ [المؤمنون:113]، أو ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الأحقاف:35]، أو ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات:46].

تقول إحدى الآيات المتعلقة بـ «عالم البرزخ»: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون:99-100]، وتقول آية أخرى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الأنفال:50]، ونحوها في سورة محمد: الآية 27.

من الواضح أن الميّت يبقي جسمه في الدنيا وأما روحه فلا وجه لها ولا ظهر حتى تُضْرَبَ عليه، فلا بد أن يكون المراد بالآية الأخيرة القالب البرزخي للميت.

ومثلها قوله تعالى: ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس:26-27]، فهذه جنة برزخية وليست بجنة الآخرة وإلا لو كانت كذلك لعلم قومه بدخوله فيها.

وعلى كل حال فمن الواضح أن هناك بعد الموت نوع من الراحة والهناء أو نوع من الكدر والمرارة أو بعبارة أخرى هناك نعيم وعذاب برزخي لا يتمتع الإنسان خلاله بحياة كاملة وتشبه حالة الإنسان فيه حالة الجنين في رحم أمه قبل خروجه إلى الحياة الدنيوية الذي يعيش حياة غير كاملة إذ لا يدري بما يجري خارج رحم أمّه. فالحياة البرزخية حياة غير كاملة يمضي فيها الإنسان الفترة السابقة على الحياة الأخروية.

ولا يختص «عالم البرزخ» بالصالحين والشهداء بل يشمل المجرمين والكفار أيضاً، والكل مشترك في انقطاع الارتباط بالدنيا. وبناء عليه فليس المجرمون هم الذين تنقطع صلتهم في الدنيا فقط بل الشهداء والصالحون أيضاً يفقدون كل وعي واطلاع على الدنيا وأهلها والأخبار الوحيدة التي يمكن للأنبياء والصلحاء والشهداء أن يعرفوها عن الدنيا بعد وفاتهم هي ما يخبرهم به الصلحاء الآخرون الذين ماتوا بعدهم والتحقوا بهم. وهذا كله لأنه لا توجد حياة كاملة في «عالم البرزخ»، بل شبه حياة أو بعض حياة، حياة فاقدة لكثير من الصفات مثل السمع والبصر، وبعبارة أخرى إنها عالم اللاوعي(9) الذي يفقد فيه البشر صالحين كانوا أم طالحين السمع كما قال القرآن الكريم عن الأموات أنهم لا يسمعون شيئاً حتى يبعثوا ويحشروا يوم القيامة: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ الله ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [الأنعام:36]، حيث شبَّه الله تعالى في هذه الآية الكفارَ بالأموات الذين لا يسمعون شيئاً وقال أيضاً: ﴿ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ [النمل:80] ومثله قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ [الروم:52].

وقال أيضاً: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ الله يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [فاطر:22]. فكلُّ مخلوق بعد موته حتى الأنبياء والأولياء وغيرهم يفقد الحياة الكاملة ولا يكون له اطلاع عما يجري في الدنيا: ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النحل:20-21]، ومن المسلم به أن هذه الآيات تشمل الأنبياء والأولياء(10) لأنهم لا يَخلقون شيئاً وهم يُخلَقون ولا علم لهم بيوم القيامة.

أضف إلى ذلك أنَّ الله شبّه الحياة يوم القيامة والخروج من القبر بحياة النباتات في الدنيا. فكما تكون الأشجار والأعشاب في الشتاء بلا حياة ولا حركة ثم تدب فيها الحياة والحركة مجدداً في الربيع كذلك يكون البشر في «عالم البرزخ» في حالة سُبات وبلا حراك حتى إذا بُعثوا يوم القيامة تحرّكت أجسادهم وَحُشروا يهرعون إلى المحكمة الإلهية الكبرى. من هنا نفهم قول القرآن: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ [الروم:19] وقوله: ﴿ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق:11].

إذا علمنا أن الأرواح في عالم آخر فنقول لو فرضنا على سبيل المحال أن الأرواح تطلع على حوائج زوار قبورها فهل تحضر على الفور وترجع إلى الدنيا وتستجيب لعرائض الزوّار وطلباتهم؟ من الواضح أن القرآن والعقل يقولان إن الأنبياء والأولياء لا اطلاع لهم على ما في الدنيا نهائياً بل لا اطلاع لهم على أبدانهم، فضلاً عن أن يكون لهم علم بغيرهم كما قال تعالى: ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ الله مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 259].

ففي هذه الآية لم يكن لنبيِّ الله «عُزَيْر» عليه السلام الذي مات ورحل عن الدنيا مدّة مئة عام، أيُّ عِلْمٍ ببدنه أو براحلته (حماره) وحتى أنَّه لم يكن يعلم كم بقي ميتاً، مع أن عُزَيْراً عليه السلام كان يتمتَّع بمقام النبوَّة وهو أعلى من جميع الأولياء، لأنه -طبقاً للقرآن الكريم- كل إمام ومأموم لا بد عليه أن يؤمن بالأنبياء بما فيهم عزير عليه السلام كي يكون مؤمناً ومسلماً وإلا فمن كذّب بنبيٍّ واحد لا يكون مؤمناً مسلماً، كما قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [البقرة:285]،

وكما قال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء:136].

فيجب على جميع الشهداء والأئمة والصالحين أن يؤمنوا بكل رسول، وأصول الإيمان والإسلام هي تلك الأمور التي نصَّ الله عليها في كتابه، فإذا لم يكن لنبيٍّ عظيم من الأنبياء علمٌ ببدنه - بعد رحيله من الدنيا- ولا علم بمدّة موته فكيف سيعلم بأحوال الآخرين؟!!!.

من البديهي أنه لو كان هناك حديث يخالف ما ذُكر فإنه لن يكون مقبولاً لكونه مخالفاً لآيات القرآن، ومخالفة متن حديث للقرآن دليل على عدم صحّته.

لم يكن النبيُّ يعقوب عليه السلام يعلم - وهو في فلسطين - بأحوال ابنه يوسف عليه السلام وعاش مدَّةً طويلةً حزيناً على فراقه!

ولما طعن قوم نوح عليه السلام بأتباعه وطلبوا منه أن يُقْصِيهم أجابهم قائلاً: ﴿ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الشعراء:112].

كما لم يعلم أبو الأنبياء إبراهيم (ع) بحقيقة ضيوفه الذين كانوا من الملائكة حتى قال: ﴿ قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ ﴾ [الذاريات:25].

كما لم يعلم موسى عليه السلام أن أخاه هارون عليه السلام لم يكن له أي تقصير في عبادة قومه للعجل إلى أن بين له هارون ذلك (الأعراف:150) كما لم يعلم موسى بأن رفيقه في السفر نسي الحوت عند الصخرة (الكهف:62)، كما لم يعلم بأن عصاه التي أبدلها الله حية في بداية الأمر ستصبح يوم التحدي ثعباناً كبيراً بل أوجس في نفسه خيفة أن ينجح السحرة في خداع الناس (طه:67-68).

كما لم يعلم نبيُّ الله سليمان عليه السلام بأحوال قوم سبأ حتى أطلعه الهدهد على ذلك (النمل:22).

 ولما استيقظ أصحاب الكهف بعد 309 سنوات من النوم في الكهف لم يدروا كم لبثوا وقال بعضهم: ﴿ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف:19] مع أن أصحاب الكهف من أولياء الله.

فإذا لم يكن للأنبياء والأولياء علمٌ بحالهم فكيف يكون لهم علم بغيرهم؟

فإن قيل: إن قوله تعالى: ﴿ .. وَهُمْ رُقُودٌ.. ﴾ دليلٌ على أن أصحاب الكهف لم يموتوا بل كانوا نائمين....

قلنا: إن القرآن يعبّر أحياناً عن الموت بالرقود، كما قال تعالى عن الموتى الذين يُبعثون يوم القيامة: ﴿ قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ﴾ [يس:52] ووصف الله النوم بقوله: ﴿ الله يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر:42].

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «النوم أخ الموت»(11)، وجاء في حديث آخر: «إنكم ستموتون كما تنامون وستبعثون كما تستيقظون»(12)، وكلُّها تدل على أن بين النوم والموت سنخيَّة وتشابه كبير والفرق بينهما أن الروح تعود إلى البدن بسرعة في النوم، ولكنها لا تعود إلى جسم الميت إلا يوم القيامة.

فمثل الصالحين في عالم البرزخ كمثل من ينام نوماً هنيئاً قريراً يتمتَّع فيه بأحلام جميلة في حين أن المسيئين الطالحين مثلهم كمثل من ينام نوماً مضطرباً يعاني فيه من كوابيس مؤلمة. كما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(13).

اتَّضح إذن أن الحياة التي يعيشها أهل البرزخ حياة ناقصة أو شبه حياة، وليس في كونهم أحياء بهذه الصورة أيُّ دليل على اطلاعهم على الدنيا، بل آيات القرآن الكريم تنفي مثل هذا الاطلاع وتبيِّن أن رسل الله ينقطع علمهم عن الدنيا بعد وفاتهم فلا يعلمون شيئاً عن أحوال أممهم، يقول تعالى: ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة:109].

ويقول أيضاً: ﴿ وَإِذْ قَالَ الله يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة:116-117]، فهذه الآية تبين أن عيسى عليه السلام الذي كان من أولي العزم من الرسل ومن كبار الأنبياء لم يكن له علم بأحوال أمته، فكيف يعلم الإمام أو ابن الإمام بذلك؟!

فيبدو أن الذين يَدْعُونَ الأنبياءَ والأولياءَ والأئمَّة الراحلين ويستغيثون بهم ليس لهم أي علم بآيات القرآن، لأن القرآن يعتبر الذين يتوجهون بالدعاء -الذي يعدّ من صنوف العبادة- إلى مَدْعُوٍّ غَيْبِيٍّ آخرَ سوى الله مشركين. وسنذكر فيما يلي عدداً من الآيات دليلاً على ما نقول.

 

 

+                  +                 +


 

ماذا يقول القرآن الكريم حول الاستمداد من غير الله؟

أثبتُّ في كُتُبي «احكام قرآن» (أي: أحكام القرآن) و«تابشي از قرآن» (أي: إشعاع من القرآن) و«دعاهايي از قرآن» (أي: أدعية من القرآن)، أن الله تعالى يعتبر الذين يدعون أحياناً غيره مشركين، وفيما يلي بعض الآيات التي تدل على هذا الأمر:

1- ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله فَلا تَدْعُوا مَعَ الله أَحَدًا * وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا * قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ﴾ [الجن:18-20].

2- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأعراف:194].

3- ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر:13-14].

4- ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ الله مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف:5-6].

وخلاصة الكلام لا بد أن يكون دين الإمام والمأموم ودين النبيِّ ودين الأمّة واحداً. مهما كان للأئمّة والأولياء مقام عظيم عند الله فإنهم لم يكونوا يَدْعُونَ إلا الله، فعلى أتباعهم أيضاً ألا يَدْعُوا إلا الله كذلك وألا يشركوا بالله، لأن جميع الأنبياء والأئمّة مخلوقين ولا علم لهم بالدنيا بعد رحيلهم عنها ولا يعلمون أيّان يبعثون ومتى يحشرون.

تدل آيات القرآن على أن الأنبياء ورسل الله لا اطّلاع لهم بعد موتهم على الدنيا ولو اطّلعوا على الدنيا ومصائب أهل الدنيا ومعاناتهم لحزنوا وكربوا في حين أن الله تعالى يخبرنا أنهم في «دار السلام»، وأنهم ﴿ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ (يونس: 62)

و قد أخبر الله تعالى رسوله الكريم فقال: ﴿ فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ [الروم:52] (الروم: ٥٢، ومثلها في النمل: ٨٠).

فإذا كان رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم غير قادر على إسماع الموتى وكان الموتى غير قادريين على إجابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يمكنهم أن يسمعوا الآخرين ويجيبوهم؟!!

بالطبع لا ينبغي إعارة أي اهتمام للرواة المفترين الذين قاموا بوضع الأحاديث واختلاق أدعية الزيارات التي وضعوا فيها جمل مخالفة للقرآن من قبيل: «أشهد أنك تسمع كلامي وترى مقامي»، والعجب كيف اتخذ الناسُ القرآنَ مهجوراً وأقبلوا على تلك الزيارات المتضمنة لعبارات مخالفة للقرآن وضعها الغلاة.

ما ذكرناه كان اعتماداً على أنه بعد الوفاة وانفصال الروح عن البدن يتمتع الإنسان بنوع من الحياة في عالم البرزخ مشابهة لحياته الدنيوية أو الأخروية، أما إذا قلنا إن البرزخ معناه الحائل والحاجز بين شيئين وأن عالم البرزخ يشبه عالم الغياب عن الوعي أو النوم وأن معناه البرزخ بين الحياتين فعندئذ يكون الأمر واضحاً بشكل كامل ولا يحتاج إلى تفصيل، كما قال تعالى عن الذين يبعثون من قبورهم: ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات:46].

وَ سِرُّ ذلك أن في الدنيا حياةٌ، وفي الآخرة حياةٌ، وبين الحياتين فاصل وبرزخ غيرهما أي حالة تشبه حالة النوم أو فقدان الوعي(14)، كما تفصل قطعة الأرض الضيقة بين بحرين كما قال تعالى: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ﴾ [الرحمن:19-20].

 

 

+                  +                 +


 

كلام عليٍّ عن حال الأموات ومفارقتهم لعالم الدنيا
وانقطاع صلتهم بالأحياء

كلامُ أمير المؤمنين عليه السلام يفيد أن عالم ما بعد الموت خال من حركات الحياة ومقام تنقطع فيه الصلة والارتباطات بالدنيا فلا يعلم الراحل عن الدنيا أي شيء عما يجري فيها.

قال الإمام عليه السلام: «تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وحَشَدَةُ الإخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ ومُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ»(15)، وقال: «فَهُمْ جِيرَةٌ لا يُجِيبُونَ دَاعِياً ولا يَمْنَعُونَ ضَيْماً ولا يُبَالُونَ مَنْدَبَةً إِنْ جِيدُوا لَمْ يَفْرَحُوا وإِنْ قُحِطُوا لَمْ يَقْنَطُوا جَمِيعٌ وهُمْ آحَادٌ وجِيرَةٌ وهُمْ أَبْعَادٌ مُتَدَانُونَ لا يَتَزَاوَرُونَ»(16)! وقال لأبنائه وسائر من حوله وهو يحتضر على فراش الموت: «أَنَا بِالأمْسِ صَاحِبُكُمْ وأَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وغَداً مُفَارِقُكُمْ»(17).

يبدو أن مدعي التشيّع لا يقبلون كلام الإمام بل يعتبرونه حاضراً لديهم وحاضراً بشكل خاص في حرمه لذا يذهبون إلى لقائه من وقت إلى آخر!

وقال: «وأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً وأَمْوَالُـهُمْ مِيرَاثاً لا يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ ولا يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ ولا يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ»(18).

وقف أمير المؤمنين (ع) يتأوَّه أمام قبر الزهراء عليها السلام وقال:

ما لي وقفت على القبور مسلِّماً          قبر الحبيب فلم يَرُدَّ جوابي

أحبيبٌ ما لك لا تردُّ جوابَنا                     أنسيت بعدي خُلَّةَ الأحباب؟(19)

هذا ما يقوله الإمام عليه السلام فكيف يتوقّع مُدَّعُو التشيُّع لهُ الإجابةَ من الإمام أو ابنه أو حفيده لمن وقف أمام قبره وقال: «أشهد أنك تسمع كلامي وتشهد مقامي... وتردّ جوابي؟!».

وقد نقل الرواة(20) أن «جابر بن عبد الله الأنصاري» ذهب بعد أربعين يوم من شهادة الحسين إلى زيارة قبره فسلّم عليه قائلاً: يا حسين ثلاث مرات ثم قال: حبيبٌ لا يجيبُ حبيبَه. ثم قال: وأنَّى لك بالجواب وقد شَحَطَتْ أوداجُك على أثباجك(21)، وفُرِّقَ بين بدنك ورأسك! فأشهد أنك ابن النبيين، وابن سيد المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيد النقباء، وابن فاطمة سيدة النساء.. الخ.

أفلم يكن لـ «جابر» رضي الله عنه من العلم ما لمدعي التشيع في زماننا حتى يقول أن الإمام الحسين عليه السلام لا يجيبه.

هل ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام أن الزهراء عليها السلام لا تردُّ جوابه صحيح أم لا؟ نحن نقول إنه صحيح.

ومثال آخر عندما اعتقل أهل الكوفة «مسلم بن عقيل» وساقوه إلى دار الإمارة وأرادوا قتله قال: لديَّ وصيةٌ وخاطب عمر بن سعد فقال: وصيِّتي أن تخبروا الإمام الحسين عليه السلام عمّا جرى وتكتبوا له ألا يقترب من الكوفة!

فنسأل ألم يكن «مسلم» نائب الإمام الخاص، ألم يكن يعلم أن الإمام مطلع على كل الأمكنة ويجيب جميع الخلق أم أن مُدَّعي التشيع في زماننا يفقهون أكثر منه؟!

إذا رجع شخصٌ إلى أدعية الأئمَّة عليهم السلام المروية عنهم في «الصحيفة السجَّاديَّة» و«الصحيفة العلويَّة» وهي كتب أدعية أصيلة قويمة لا نكاد نجد فيها أيَّة عبارة تخالف القرآن، فإنه سيستغرب عندما يرى أن الأئمَّة الأطهار عليهم السلام يصرِّحون بعدم علمهم بأحوال أنفسهم يوم القيامة وأنَّهم أنفسهم خائفون جداً من ذلك اليوم ويطلبون من الله دوماً السلامة والنجاة فيه، كما سيلاحظ من الجهة الأخرى أن أدعية الأئمة عليهم السلام تلك ساكتةٌ تماماً عن موضوع حياتهم في القبر أو عالم البرزخ أو عن اطَّلاعهم على أحوال الدنيا وليس فيها أيَّة إشارة إلى ذلك الأمر.

على كلِّ حال التقصير هو من الرواة الكذَّابين الذين قاموا بوضع الزيارات دون أن يكون لهم أيُّ معرفة بالقرآن ولا أيُّ اطلاعٍ على كلمات الأئمة عليهم السلام.

 

 

+                  +                 +


 

مسألة الزيارة في كتاب الله وسنة رسوله

من المسلَّم بِهِ أن زيارات مراقد الأنبياء والأولياء والصالحين للاستمداد من أصحابها وكل تلك الآداب والطقوس المفصَّلة التي نجدها في كتب الزيارات لا أصل لها في شرائع الأنبياء ولا في الكتب المنزَّلة أي التوراة والإنجيل والقرآن، ولم يُشرع في الأديان الحقة مثل تلك العبادة ولم يُذكر في أي مصدر تاريخي أنه تم بناء قبة وضريح ومزارات على قبور الأنبياء الراحلين الذين بلغ عددهم 124 ألف نبيّ. كما لم يُذكر في كتب الأنبياء السابقين أيُّ شيء حول زيارة قبورهم أنفسهم أو قبور أولادهم. ودين الإسلام دين جميع الأنبياء كما قال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ﴾ [الشورى:13]، فلم يأت فيه أيضاً أمرٌ بالتردُّد إلى زيارات مراقد الأنبياء.

وفي القرآن الكريم سورة «التكاثر» المباركة التي ذمَّت المتكاثرين المتفاخرين على بعضهم الذين شغلهم التكاثر حتى زاروا القبور فقال الله تعالى لهم على سبيل التوبيخ: ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [التكاثر:3-4]، وقد قال الإمام عليّ عليه السلام بعد تلاوته لهذه الآيات:

«أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ المَقابِرَ يَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ وزَوْراً مَا أَغْفَلَهُ وخَطَراً مَا أَفْظَعَهُ لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكِرٍ وتَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ أَفَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ أَمْ بِعَدِيدِ الْهَلْكَى يَتَكَاثَرُونَ يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ وحَرَكَاتٍ سَكَنَتْ ولَأَنْ يَكُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً ولَأَنْ يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ أَحْجَى مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ وضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَةٍ ولَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الخَاوِيَةِ والرُّبُوعِ الخَالِيَةِ لَقَالَتْ ذَهَبُوا فِي الأرْضِ ضُلالاً وذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً تَطَئُونَ فِي هَامِهِمْ وتَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ وتَرْتَعُونَ فِيمَا لَفَظُوا وتَسْكُنُونَ فِيمَا خَرَّبُوا وإِنَّمَا الأيَّامُ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ بَوَاكٍ ونَوَائِحُ عَلَيْكُمْ أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ وفُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ وحَلَبَاتُ الْفَخْرِ مُلُوكاً وسُوَقاً سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلاً سُلِّطَتِ الأرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لا يَنْمُونَ وضِمَاراً لا يُوجَدُونَ لا يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الأهْوَالِ ولا يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الأحْوَالِ ولا يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ ولا يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ غُيَّباً لا يُنْتَظَرُونَ وشُهُوداً لا يَحْضُرُونَ وإِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا وآلافاً فَافْتَرَقُوا ومَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ ولا بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ وصَمَّتْ دِيَارُهُمْ ولَكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً وبِالسَّمْعِ صَمَماً وبِالحَرَكَاتِ سُكُوناً»(22).

لقد ابتدع الناس في زماننا بدعاً كثيرة راجت بين العوام، منها قيامهم ببناء هذه القبور الذهبية والفضية ونذر النذورات لها ووقف الأوقاف عليها حيث تُصرف الأموال الطائلة من قوت هذا الشعب الفقير على تلك القبور، وهذا عمل نهى الله عز وجل عنه في آيات عديدة كقوله تعالى: ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَالله لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ﴾ [النحل:56].

يجب أن نُفهم العوام أن الأولياء الذين رحلوا عن الدنيا ليسوا بحاجة لأن تُنذر إليهم النذور وتُوقف عليهم الأوقاف، أو أن تُرمى أوراق البنكنوت داخل أضرحتهم أو تُشترى لأجلهم الأعلام والعراضات والجنازير فكل ذلك إسراف لا يرضاه الشرع. وأساساً لا يؤمن الإسلام بأي واسطة بين العبد وخالقه بل أمر الناس أن يستقيموا إلى الله أي يتجهوا إليه مباشرة ويطلبوا حوائجهم منه دون واسطة. لقد ألغى الإسلام كل نوع من أنواع عبادة القبور وعبادة الأحجار وكل عبادة لغير الله تعالى، ولكن للأسف الشديد كما يطلب النصارى حوائجهم من المسيح عيسى بن مريم ومن أمه كذلك يطلب كثير من المسلمين حوائجهم من النبي والأئمة والأولياء، فيجب على العلماء أن يعلِّموا الناس الأحاديث التي وردت حول تسوية القبور والنهي عن البناء عليها أو الكتابة عليها، وكذلك النهي عن تجصيصها والصلاة إليها أو الذبح عندها وما هو حكم الشرع في مثل هذه الأمور.

وسنذكر بعضاً من ذلك في كتابنا هذا، وقد سبق وذكرنا ما جاء في هذا المضمار في كتابنا «جامع المنقول في سنن الرسول».

 

+                  +                 +


 

هل تعود أرواح الأولياء إلى الدنيا؟

ما الذي يتصوره الذين يحضرون عند قبور أولياء الدين وينتظرون منهم الشفاعة وتلبية الحوائج؟

هل يتصورون أن أولياء الله يعودون في كل لحظة وفي كل ساعة من عالم البقاء إلى عالم الفناء ليصغوا إلى طلبات زوّارهم؟

إن مثل هذا التصور لا يعدو وهماً محضاً وجهلاً، لأن كل من رحل عن هذا العالم الفاني لا يعود إليه، لاسيما أولياء الله وعظماء الدين الذين خرجت الدنيا من قلوبهم وكانوا مقبلين بكليتهم على الله ولم يكونوا يعيرون متاع الدنيا اهتماماً: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * ﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون:99-100].

بناء على هذه الآية لا يمكن لأرواح الأنبياء والأولياء أن يعودوا في كل لحظة إلى عالم الدنيا بناء على رغبة هذا أو ذاك، وليسوا مطيعين لأمر أحد من الناس في ذلك. وإذا ادَّعى بعض الناس أنهم قادرون على إحضار الأرواح: فنقول أولاً: إنهم كاذبون في دعواهم، وثانياً إنهم لا يملكون السيطرة على أرواح الأنبياء والأولياء لأن أرواحهم أقوى من أن تكون خاضعةً لإرادة أصحاب هذه الدعوى التي يتَّخذونها تجارة يتكسَّبون من ورائها، وثالثاً: يمكن أن نقول إن ما يُحْضِرُهُ هؤلاء هم الشياطين قرناء الإنسان (لأن كل إنسان يُولد في عالم الدنيا يولد معه قرينه الموكّل بالوسوسة له وإغوائه فإذا رحل الإنسان عن الدنيا كان شيطانه مطلعاً إلى حدّ ما على أحواله لأنه كان يراوده على الدوام) فيقولون أشياء ويظن محضري الأرواح أنهم قد أحضروا روح ذلك الفرد!

 

+                  +                 +


 

هل واجب المسلم الانشغال بمدح الراحلين أو ذمّهم؟

يقول أمير المؤمنين (ع) في وصف أهل الإيمان: «عَظُمَ الخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ»(23). إن عظمة الله تعالى أخذت بقلوب أوليائه فكان حضور الله ورقابته شاغلاً لهم عن الاهتمام بمدح الناس لهم أو ذمِّهم، بل كانوا يكرهون أن يقوم الناس بتمجيدهم وإطرائهم خشية أن يفتنوا بالغرور والعجب بالنفس، وينهون عن الإطراء وكثرة المديح(24) كما قال أمير المؤمنين (ع) لمن كان يبالغ في مدحه والثناء عليه: «فَلا تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لإخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى الله سُبْحَانَهُ وإِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وفَرَائِضَ لا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا، فَلا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الجَبَابِرَةُ ولا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ ولا تُخَالِطُونِي بِالمُصَانَعَةِ ولا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالاً فِي حَقٍّ قِيلَ لِي ولا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ، فَلا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ ولا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي إِلا أَنْ يَكْفِيَ الله مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي، فَإِنَّمَا أَنَا وأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لا رَبَّ غَيْرُهُ يَمْلِكُ مِنَّا مَا لا نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا وأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلالَةِ بِالهُدَى وأَعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى.»(25).

إن أمير المؤمنين (ع) هو ذلك الإمام الهمام ذاته الذي لما رأى الإيرانيين من أهل «ساباط» في المدائن قد جاؤوا إلى لقائه وترجلوا عن مراكبهم تكريماً له واحتراماً لَامَهُم على فعلهم ولم يرضَ أن يخضعوا له بهذه الطريقة ونهاهم عن ذلك، كما لم يكن يعتبر نفسه معصوماً، فهل يرضى مثل هذا الإمام بما يقوم به المدّاحون وقرّاء الزيارات من الغلوّ في حقه والتجاوز في مدحه والمبالغة في تمجيده ونسبة الصفات الإلـهية إليه؟!!

على كل حال لا علاقة للاحقين بحسن السابقين أو سوئهم، لذلك نهى الله تعالى في كتابه عن مدح الأمم السابقة أو ذمّها لأن كلَّ إنسان مسؤولٌ عن نفسه ولا يُسأل عن غيره: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة:141].

 إذن ما جاء في متون بعض الزيارات من لعن السابقين أو الإغراق في مدح الماضين لغوٌ لا طائل تحته ومخالف لنهج الشرع لاسيما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أحثوا في وجوه المدّاحين التراب»(26).

ما الذي يستفيده من لا يجاهد في سبيل الله إذا صرف وقته على مدح المجاهدين والثناء عليهم؟ وما الذي يجنيه من استولت عبادة الدنيا على قلبه ولم يمتنع عن عبادة الشهوات إذا قام بمدح أولياء الله؟ هل للإسلام برنامجا عمل يخالف أحدهما الآخر؟ هل يعتقد الذين يملؤون الكتب والمجالس بالمغالاة في المدائح والثناء والتمجيد للنبيِّ والأئمَّة ويبتكرون من عندهم معجزات لهم أن الأئمة كانوا يفعلون ذلك تجاه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومن سبقهم من الأئمة أيضاً؟ أليست عقائد الإسلام وأعماله واحدة بالنسبة إلى جميع الناس بلا أي فرق بين الإمام والمأموم؟ ماذا كانت أصول الدين لدى عليّ عليه السلام؟! هل كانت أصول الدين لدى الإمام غيرها لدى غيره؟! إنها أسئلة يجب على شعبنا أن يجيب عليها، فمنذ أن ترك شعبنا الجهاد وصَدَفَ عن العدالة واكتفى بالبكاء على مجاهدي صدر الإسلام والنوح عليهم أصابه الذل والهوان وتخلّف عن شعوب العالم الراقية. إنهم يظنون أن الإسلام معناه التزلّف إلى الرسول والإمام، فهل يخدعون الله بذلك أم يخدعون أنفسهم؟ وهل يظنون أن الإمام حاضر ويرضى بهذه البدع؟ هل من المعقول أن يأمر الإمام -(الذي كان أثناء حياته مبغضاً لمن يتملّقه ويبالغ في مدحه)- الناس أن يأتوا إلى قبره ليقفوا بخشوع أمامه ويقرؤوا صفحات من التمجيد والإطراء المغالي؟! حتى يقوم الذين يدَّعون التشيّع له، بعد ألف سنة من رحيله، بصرف الأموال والإغراق في المدائح المغالية والإطراءات المبالغة [التي تصبغ عليه صفات الله] ويخترعون القصائد الشعرية [المليئة بالغلوّ] التي لا سند لها ظناً منهم أن الإمام يُسرّ من مدائحهم تلك وإطراءاتهم؟!

+                  +                 +


 

هل كان من سنّة الأنبياء بناء المشاهد والأضرحة على القبور؟

لقد قام السلاطين الأنانيون المستبدُّون الظالمون الذين لم يكن لديهم أدنى علم بدين الله وأحكام شرعه ببناء المشاهد والقباب والأضرحة على قبور الأئمّة عليهم السلام وذراريهم من الأموال المحرمة التي سُرِقَتْ من قوت الشعب وسعوا إلى جذب الناس إلى تلك الأضرحة الذهبية ذات الزخارف والزينات الفخمة وعَمَروا تلك المشاهد والمقابر وأخلوا مساجد الله وذلك مثل السلاطين الصفوية والقاجارية الذين لم يكن لهم شغل سوى الانغماس في الشهوات والقتل وسلب أموال الشعب وخدمة الأجانب وترويج الخرافات وتخلّفت إيران بسبب تلك الحكومات الفاسدة حتى أصبحت [في عهدهم] من أكثر دول العالم تخلُّفاً. كان أولئك السلاطين يجمعون الأموال من الرشاوى والضرائب المفروضة على كاهل الشعب ولكي يكسبوا ودّ الناس قاموا -بدلاً من خدمة الرعية وعمران البلاد- بالبناء حول مقابر الأئمة والأولياء وبذلوا كل ما أوتوا من قوة في بناء القصور والقباب والمنارات المرتفعة، وكلُّها تبذير وإسراف وإفراط، لاسيما في البلاد التي ليس لأكثر أهلها بيوت يسكنونها ويأوون إليها وكثير من قراها أشبه بالخرابات وليس فيها تمديد للمياه ويعاني كثير من أهلها من البطالة، ففي مثل تلك الأوضاع كان أولئك الظالمون الفاسقون ينفقون المليارات على المقابر ويفرشونها بالمرمر ويزينون جدرانها بالنقوش والمنحوتات الفضية والذهبية والمرايا والكريستال. أحد أولئك السلاطين السفّاحين الذي قام بقتل كثير من وزرائه بل قتل بعض أولاده وأقربائه، هو الشاه «صفي الدين» حفيد الشاه «عباس الصفوي» الذي يقع قبره في جهة القبلة من حرم حضرة المعصومة في قم والذي زُيّن سقفه وجدرانه بالقيشاني المعرّق. ويقع إلى جانبه قبر الشاه «عباس الثاني» الذي بُني من مرمر رفيع وفي داخله صناديق مذهّبة وألماسيَّة وقد رفعه بعض الشعراء المتملّقين إلى درجة الأنبياء والعياذ بالله فقال في مدحه:

در ايام خاقان جم بارگاه

 

خديو جهانگير عباس شاه

سليمان غلامي ز خيل درش

 

به اقبال شه ساخت اين بارگاه

بهشت برين بود ماواى او

 

همين گشت تاريخ آن قبله گاه

أي:

في أيام السلطان الخاقان الملك الكبير بلاط

 

ملك الدنيا الشاه عباس

قام غلامه سليمان بجماعة بابه

 

بنى هذا الضريح لسعادة الشاه

لتكن جنّة الخلد مأواه

 

هكذا شُيِّدت تلك القبلة

كان السلاطين يظلمون ولكن المدّاحين والشعراء والأدباء والمتلبّسين بلباس أهل العم يمدحونهم طمعاً في أموالهم فكانوا يطهّرون أعمالهم بمدائحهم المليئة بالعبارات الكفرية. كل تلك الأبنية لحرم قبور الأئمة والأروقة والقباب والمنارات هي من بناء أولئك السلاطين الظلمة ووزرائهم الخونة. ولقد قام الشاه «بهلوي» الذي لم يكن له دين أساساً، ببناء باب فخم لحرم الإمام الرضا، وكان الأتابك الأعظم وابنه أمين السلطان هو الشخص ذاته الذي أخذ من إنجلترا مبلغ 400 ألف جنيه استرليني لكي يسمح لمتطفلي الإنجليز بعقد اتفاقية «ريجيه» التي تُعطي إنجلترا الحق الحصري في صناعة التبغ إلى أن نهض الشعب واستطاع إجبار الشاه على إلغاء تلك الاتفاقية بعد كثير من العذاب والمشقة. أجل، هذا الوزير ذاته هو الذي بنى الفناء الكبير لحرم حضرة المعصومة في قم كما صرف 100 ألف تومان على قبره، وجعله أحد الأدباء المتملّقين صنواً - والعياذ بالله- لخليل الرحمن إبراهيم الذي قام بتجديد بناء الكعبة فقال يمدحه:

زمين شد از دو بنا رشك آسمان برين

 

يكي بناي خليل ويكي بناي امين

خليل الرحمن گشت او بدان بناي قويم

 

امين سلطان گشت اين بدين بناي متين

أي:

حسدت السماء الأرض على بناءين

 أحدهما بناء الخليل (الكعبة) والثاني بناء الأمين بن أتابك!

فأصبح الخليل خليل الرحمن بذلك البناء القويم

وأصبح الأمين أمين السلطان بهذا البناء المتين

وكم من النفوس قتلها الشاه عباس الصفوي في أوَّل أمره، ومن جملة ذلك أنه غزا مدينة «هرات» -وكانت مدينة إسلامية- وحاصرها أربعة أشهر ثم اقتحمها بعسكره من القزلباش (أصحاب العصابات الحمراء على رؤوسهم) وقتل فيها حوالي أربعين ألف مسلم ثم أمر جنده بالإغارة عليها وأباح لهم السلب والنهب فلم يتركوا فيها درهماً ولا ديناراً ولا فضة وذهباً إلا وأخذوها وأتوا بها إلى محضر الشاه وعبَّؤُوها في الشوالات عنده، وقد جاء في كتاب «عالم آراى عباسى» وسائر كتب التاريخ أن الشاه قام بتحميل تلك الشوالات على ظهور الجمال والبغال ونقلها من «هرات» إلى «مشهد» وعندما قدم إلى مشهد حضر العلماء وكبار القوم فاستشارهم الشاه ماذا يفعل بتلك المسكوكات والأموال والذهب والفضة؟ فأشاروا عليه ببناء ضريح للإمام الرضا عليه السلام من الفضة والذهب وبناء المنارات والقبة وطلائها بالذهب وأن يبني منها فناء الحرم وأروقته. فأمر الشاه بذلك ونقشوا اسمه في أطراف الحرم والقبّة. والآن كيف تكون الجنَّةُ مأوىً للملك الذي قتل أربعين ألف مسلم؟! ألم يقل الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾ [النساء: 93]؟! وليت شعري: إذا كانت الصلاة في غرفة تحتوي في جدرانها على لبنتين مغصوبتين فقط باطلة، فما حال الصلاة في الحرم والأروقة التي بُنيت كلها بالأموال المغصوبة والمسلوبة؟ هل يمكن أداء الصلاة فيها؟ ولماذا يقيم العلماء فيها صلاة الجمعة؟ هل هناك في شرع الله فرق في حكم هذه المسألة بين حرم الإمام وبيوت سائر المسلمين؟! ومثلها القبة الذهبية والفناء الخاص بمقبرة حضرة المعصومة التي بناها «فتحعلي شاه» الملك القاجاري، كما بنى الملك «نادر شاه» حرم أمير المؤمنين (ع) وقبته وضريحه المذهّبة كلها، في النجف، بالأموال التي حصل عليها من السلب والنهب في حروبه بما في ذلك غاراته على مناطق في شمال العراق. فهل يرضَى الله وأنبياؤه وأولياؤه عن هذه القصور وأبنية حرم المقابر أم الشياطين والسلاطين؟ هل يحق لكل ملك ووزير أن يصرف أموال الشعب على مثل هذه الأعمال اللغو والباطلة بدلاً من أن يُعمر البلاد ويصرف الضرائب على تقدّم البلاد وتحسين الصناعة والزراعة؟

عندما كانت أوربا مشغولة بالأبحاث والاختراعات وإعداد القوات المسلحة وصناعة المدافع والطائرات هل كان من الجدير بسلاطين إيران أن يصرفوا ثروات البلاد على بناء القباب والمنارات الذهبية فوق القبور ويُبْقُوا إيران متأخِّرةً وبحاجة إلى أوربا لأجل شراء بندقية واحدة؟ هل كان أولئك الملوك والعلماء مطيعون للعقل والشرع أم للهوى والهوس؟ هل مجرد قيام أولئك الملوك والعلماء بإظهارهم الحب لقبور الأئمة وأولاد الأئمة أو احترامهم البالغ للـ «شاهزاده عبد العظيم» و«الشاهزاده حمزة» و«الشاهزاده جعفر» و«الشاهزاده قاسم» و«الشاهزاده يحيى» كافٍ لمحو ما ارتكبه أولئك الملوك من الجرائم والخيانات وللتكفير عن أعمالهم السيئة؟ إذا سألت الشيخية والصوفية أو المدّاحين الغلاة وقرّاء المراثي في المآتم وسدنة القبور ومستخدميها والمتولين عليها فإنهم سيقولون نعم سيكفيهم، أما القرآن الكريم فيقول كلا. هل يستحق شخص مثل «أحمد بن موسى» المعروف بـ«شاهچراغ» الذي ادعى الإمامة، أو «أبو السرايا» الذي خرج وألقى بالناس إلى الموت أن يُبنى على قبره ضريح وفناء وتُكتب الزيارات الخاصة به ويُشغل بها الناس؟ للأسف لما كان يمتلك قبة وضريحاً ذهبياً فإنه يُعتبر من عظماء الدين والأولياء الصالحين!!

أجل، لقد شغل السلاطين الظالمون المسلمين بالخرافات كي يبعدوهم عن حقائق دينهم ويستطيعوا الركوب على أكتافهم، كما قام وُعّاظ السلاطين والمتلبّسون بلباس أهل العلم والمحترفون للدين الذين يتخذونه حانوتاً يستأكلون به الدنيا بترويج مثل تلك الأعمال. ومن الجهة الأخرى عُطِّلَتْ أحكام الإسلام الحياتية والضرورية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار ووحدة المسلمين واتحادهم والمساواة والأخوَّة والعدالة، وتمَّ ترويج أحاديث تعطي وعوداً جُزافاً مبالغاً بها على زيارة مرقد إمام وأنها تساوي مئة ألف حجة أو ألف حجة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحجَّ بعد هجرته إلى المدينة سوى حجَّة واحدة، أما زائر القبر الفلاني فكأنه حجَّ ألف حجة!

أجل، قام جماعة من الكذَّابين المفسدين الغلاة بوضع الأحاديث ونشر البدع لأجل تضعيف الإسلام وزعزعة أعمدة الشرع والاستهزاء بقوانين الله عزَّ وجلَّ، كي يغترّ الذين يحسبون حساباً للقيامة وعذاب الآخرة فينشغلوا بهذه الأعمال التي لا طائل تحتها ويتصوروا أنها ستنجيهم من العذاب يوم الحساب، ويتجرَّؤُون على المعاصي ولا يجدون حاجة إلى تعلّم حقائق الدين الإلهي وبذل الأنفس والأموال في سبيل الله بل يَقْنَعون بتلك الأعمال التي لا تعدو تملّقاً وتزلّفاً ولا ينتج عنها سوى التخلّف والانحطاط ويأملون مع ذلك أن ينهض الأئمة وذراريهم ليشفعوا لهم يوم القيامة ويدافعوا عنهم. لقد أرادوا بمثل تلك الأحاديث الموضوعة أن يقلِّلوا من أهميّة الحجّ وعظمته الذي هو وسيلة لتواصل المسلمين وارتباط بعضهم ببعض، ويجعلوا زيارة قبر أو إقامة مأتم أهم من جميع السنن الشرعية.

أيّاً كان الهدف فقد كانت تلك السياسة مفيدة للاستعمار وأثّرت أثرها حتى أصبح أهم عمل ديني في نظر شعبنا اليوم الذهاب إلى زيارة القبور أو عقد مجالس العزاء التي لا تزيد معارف شعبنا سوى جمل مشوبة بالشرك تجعل لله وزراء وشركاء وتعتبر الأئمة «عين الله الناظرة ويده الباسطة» وتجعل حساب الخلق يوم القيامة بأيديهم أي بأيدي من هم على مذهبهم ومن ربعهم وجماعتهم!!

أما الإسلام الحقيقي الذي يوجب اليقظة والعزَّة والشهامة وكسب العلوم فقد كان معارضاً لطريق السلاطين والأمراء فكانوا يخافون من الإسلام الأصيل لذا كانوا يُبْعِدُون الناسَ عنه ويحضُّونهم على التذلُّل وعبادة القبور والتملّق لأصحابها والتزلّف للأموات.

أجل، لقد بدأ بناء المشاهد والمقابر بين المسلمين منذ زمن العباسيين وانطلقت القوافل من الشرق والغرب تشدّ الرحال لزيارة قبور الأولياء والصالحين، التي كانت تُضرب عليها في بداية الأمر القباب الطينية ثم صارت قباباً من الطوب والقرميد إلى أن وصل الأمر إلى القباب الفضية والذهبية وأصبح كل فقير مسكين يُنفق ما جمعه خلال سنة من الكد والسعي على الرحلة إلى زيارة قبر أو دفع مبالغ طائلة كحق التنازل (خلو الرجل) لاستئجار العقارات الموقوفة على تلك القبور أو رمي المال الذي كسبه من عرق جبينه داخل الأضرحة ليأخذه الطفيليون العالة على المجتمع من سدنة تلك المقابر تحت عنوان الأمناء والنظّار والمتولين لأمور الموقوفات وغيرها من العناوين ويصرفوه على أهواءهم وشهواتهم في أماكن للترفيه مثل جزيرة «كيش» وأمثالها. أجل، لقد شغل السلاطين الظالمون والمحترفون للدين، الذين يتخذونه دكاناً يسترزقون منه، شغلوا الناسَ بهذه الأعمال وأفرغوا جيوبهم. لقد غرق الناس في الخرافات إلى حدّ أصبح فيه كل مَن يكتب -مثل كاتب هذه السطور- أي شيء ضدها يُوصم بأنه عديم الدين ويُعتبر واجب القتل، أو على الأقل مستحقاً لقطع رزقه أو ملعوناً ومطروداً في نظر البعض الآخر!!

 

 

+                  +                 +


 

نقطة تستحق الانتباه

لم يكن لهذه القباب والمشاهد والزيارات وجود في صدر الإسلام في سيرة عليٍّ عليه السلام ولدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكما ذكر الأستاذ «قلمداران» في كتابه حول «الزيارة» عندما أرادت عائشة زوجة رسول الله أن تذهب إلى زيارة قبر أخيها «عبد الرحمن بن أبي بكر» لامها الصحابة واعتبروا أنها قامت بعمل نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد دُفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحجرة ذاتها التي تُوفي فيها، أي في حجرة عائشة وطيلة فترة حياة عائشة أي حتى مدة خمسين عاماً لم يأت أحد إلى تلك الغرفة قائلاً افتحوا لي أريد أن أزور قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! مما يبين أن زيارة القبر لم تكن عملاً رائجاً، وكان أحد التابعين ويدعى «أبو عمرو بن شراحيل الكوفي» (المتوفى سنة 104هـ) يقول: «لولا أن رسول الله نهى عن زيارة القبور لزرتُ قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم». وقد وُجدت بدعة زيارة القبور في القرون التالية وازدادت بشكل تدريجي، وذلك بعد أن اختلط المسلمون بأهل الملل والنحل المختلفة كاليهود والنصارى والمجوس والبوذيين والأقباط ورأوا في دولهم مقابر الفراعنة والملوك أمثال «كورش» و«داريوش» فراجت بين المسلمين مثل هذه الأمور حتى أنهم أطلقوا على ذراري الأئمة لقب «الشاه» - التي معناها الملك - تعظيماً لهم واحتراماً وانتشرت قبور: «شاهزاده عبد العظيم» (أي ابن الملك: عبد العظيم) و«شاهزاده حمزة» و«شاهزاده جعفر» و«شاهزاده جلال الدين» و«شاهزاده إبراهيم» و«شاهزاده فلان» و...الخ!! وانطلق الناس إلى زيارة قبورهم وقام سدنتها وخدّامها بتشجيع الناس على تلك الزيارات لما تدرُّه عليهم من منافع وأصبحت تلك الأماكن محلاً لتجمُّع كلِّ عاطل عن العمل ومتسوّل وعالة طفيلي يعتاش على النذورات الكثيرة من الذهب والفضة والأموال والسُجّاد والتحف الثمينة التي يأخذونها من الناس ويبيعونها في فناء تلك المزارات بأثمان باهظة!

ومن الجهة الأخرى بدأ أعداء القرآن بوضع الأحاديث التي تشجِّع هذه الأعمال العبثيّة فجعلوا زيارة قبر أفضل من مئة حجّ أو ألف حجّ وابتدعوا زيارات وفضائل، وقام الغلاة والكذّابون والوضّاعون بنشر هذه الأخبار. وتصوّر العلماء والمحدّثون المتأخِّرون أن هذه الأحاديث صحيحة وقاموا بتأليف كُتُبٍ قُرْبةً إلى الله جمعوا فيها تلك الأحاديث الموضوعة وقالوا إن أصل الزيارة من المستحبّات والمستحبّات يُتَسامَح في أدلَّتها، وأدلة السنن لا إشكال فيها!! وأرضوا بذلك الشيطان وشغلوا الناس بالشرك والخرافات حتى أنهم وضعوا حديثاً في فضل البناء على القبور وتعميرها وقد محّص الأستاذ الفاضل «قلمداران» في كتابه حول الزيارة ذلك الحديث سنداً ومتناً، ولكن قبل أن أذكر مزيداً من التمحيص لذلك الحديث لا بدّ أن نعلم رأي أئمة الدين حول تعمير القبور.

 

 

+                  +                 +


 

الأحاديث المتعلِّقة ببناء القبور وتجديدها

لو أردنا أن نذكر جميع الروايات التي وردت في ذمّ بناء القبور وتزيينها لطال بنا الكلام، لذا سنكتفي بذكر عدد من الروايات مما يكفي لإيقاظ كل منصف طالب للحق وإتمام الحجة:

1- روى الشيخ الصدوق والشيخ الحُرّ العاملي صاحب «وسائل الشيعة» أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي قِبْلَةً وَلَا مَسْجِداً فَإِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ لَعَنَ الْيَهُودَ حَيْثُ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»(27). بناء على هذا الحديث فإن جميع الروايات التي ذُكرت في كتب الزيارة والتي تقول اجعلوا قبر الإمام قبلة هي من وضع أشباه اليهود الذين افتروها على لسان الأئمة عليهم السلام.

2- وروى المحدِّث النوري في «مستدرك الوسائل» نقلاً عن العلامة الحليّ في كتابه «النهاية» رواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول: «نَهَى النبيُّ أن يُجصّص القبرُ أو يُبْنَى عليهِ أو يُكْتَبَ عليه لأنَّه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميِّت إليه...»(28).

3- وروى المحدِّث النوري أيضاً: «عن أمير المؤمنين (ع) قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تتخذوا قبري عيداً ولا تَتَّخذوا قبوركم مساجدكم(29)، ولا بيوتكم قبوراً...»(30).

4- وروى الشيخ «الحرّ العاملي» في «وسائل الشيعة» عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال: «لا ترفعوا قبري أكثر من أربع أصابع مفرّجات»(31).

5- وجاء في ج22 من «بحار الأنوار» للعلامة المجلسي، وفي كُتُبٍ حديثيَّة موثوقة أن الإمام الصادق عليه السلام قال: «لا تشرب وأنت قائم ولا تَطُف بِقَبْرٍ ولا تَبُل في ماء نقيع»(32).

6- وروى «زيد بن علي بن الحسين» عليهم السلام عن جدِّه علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: «نهى رسول الله عن لحوم الأضاحي أن تدخروها فوق ثلاثة أيام..... ونهانا عن زيارة القبور»(33).

7- الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أنا عند القلوب المنكسرة والقبور المندرسة»(34).

فهذا الحديث يدلُّ على أن الحقّ جلَّ وعلا لا ينظر إلى القبور المزيَّنة المزخرفة والمجدَّدة والمحلّاة بالمرايا والذهب ويمقتها.

8- رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «قبر رسول الله محصّبٌ حصباء حمراء»(35).

9- وروى «عبد الرزاق الصنعاني» الذي كان من قدماء الشيعة، عن ابن طاووس: «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قبور المسلمين أن يُبنى عليها أو تُجصَّص أو تُزرع، فإن خير قبوركم التي لا تُعرف»(36).

10- ونقل المرحوم آية الله «شريعت سنغلجي» رحمه الله عن كتاب «الذكرى» أن: «الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم سوّى قبر ابنه إبراهيم» ونقل أيضاً أن القاسم بن محمد قال: «رأيت قبر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والشيخين مسطّحة» ونقل أن قبور المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة كانت مسطّحة(37).

11- وروى الحرّ العاملي عن الإمام الصادق أنه قال: «لا تطيّنوا القبر من غير طينه»(38).

12- وروى المحدِّث النوري عن علي بن أبي طالب عليه السلام: «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يُزاد على القبر تراب لم يخرج منه»(39).

لاحظوا إلى أي حد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دقيقاً حتى أنه نهى أن يُزاد ولو مقدار قليل على تراب القبر، فما بالك بالفضة والجصّ وأحجار المرمر وغيرها من الأحجار الثمينة!

ولكن أمتنا لم تلق بالاً لهذه الأوامر بل أسرفت في تعمير قبور عظماء الدين ووصل الأمر إلى وضع الكذابين الغلاة رواية نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل تعمير القبور، وفيما يلي نقوم بدراسة هذه الرواية متناً وسنداً:

روى الحر العاملي في «وسائل الشيعة» (باب 26 من كتاب المزار) بسنده عن عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ السَّاجِيِّ وَاعِظِ أَهْلِ الْحِجَازِ عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال (ضمن حديث طويل): يَا عَلِيُّ! مَنْ عَمَرَ قُبُورَكُمْ وتَعَاهَدَهَا فَكَأَنَّمَا أَعَانَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَى بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ومَنْ زَارَ قُبُورَكُمْ عَدَلَ ذَلِكَ لَهُ ثَوَابَ سَبْعِينَ حَجَّةً بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وخَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ زِيَارَتِكُمْ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ...»(40).

 هذا الحديث فاسد السند كما هو فاسد المتن.

راويه الأول «عبد الله بن محمد البلوي» ضعّفه علماء الرجال واعتبروه كذّاباً ووضّاعاً وطعنوا به وقالوا: لا ينبغي الاعتناء بحديثه. وقد روى عن «عمارة بن زيد» الذي صرّح علماء الرجال بشأنه أنه رجل لا وجود له وأن ما نُسب إليه من روايات كله كذب. حتى أنهم لما سألوا «عبد الله بن محمد البلوي» من «عمارة» هذا الذي تروي عنه؟ فقال: رجلٌ نزلَ من السماء فحدَّثني ثم عَرَجَ!!(41).

والراوي التالي هو أبو عامر وَاعِظُ أَهْلِ الْحِجَازِ وهو مجهول الحال ومهمل.

فبالله عليكم لاحظوا كيف امتلأت بلاد الشيعة من القباب المطلية بالذهب والأضرحة والأفنية والأروقة المبنية على القبور ووكيف وُقِفَتْ الأوقاف على القبور استناداً إلى مثل هذا الحديث المتهافت -وهو بالمناسبة الحديث الوحيد الوارد في تعمير القبور- الذي يرويه كذاب وضّاع عن شخص معدوم عن شخص مجهول! أوقاف ذات عائدات هائلة أُوقفت ليُنفق ريعها على صيانة تلك المزارات ولكي يعتاش منها جماعة من الطفيليين العالة على المجتمع في حين أن أكثر الناس لا يجدون قوتهم وأن البلاد من أكثر البلدان تخلفاً وتأخراً من الناحية الصناعية.

والعجب من العلماء الذين ينقلون في كتبهم مثل هذا الحديث الفاضح!! وانظروا أي مصائب حلّت بالإسلام من ورائه، إذ ظنّ من جاء بعده من المسلمين أن هذه القباب والأضرحة وما فيها من الزينات والتشكيلات ليست بلا سند. لقد افترى «أبو عامر» المجهول هذه الرواية على الإمام الصادق (ع) كي يخدع بها العوام الذين لا علم لهم بكتاب الله، ولكن حبل الكذب قصير فإن هذا الراوي لم ينتبه إلى أن قبر أمير المؤمنين (ع) كان مخفياً زمن الإمام الصادق (ع) ولا أثر له! ولا يعلم أحد على وجه الدقة مكانه، وبالتالي فلم يكن هناك بناء حتى يُعمَّر وحتى يشترك من يعمّره مع سليمان في الأجر والثواب!!

وأما متن الحديث فإنه يشجع الناس على الذهاب إلى مجاورة قبر الإمام والتعطّل عن الكسب والعمل والصناعة مما يجعل البلاد بحاجة للأجانب ويجعل أهلها مستهلكين فقط، كما كان الشعراء ومدّاحو السلاطين يروّجون لهذه الخيانة أيضاً. من ذلك ما ورد في ديوان غزليات حافظ الشيرازي:

قبر امام هشتم وسلطان دين رضا

از جان ببوس وبر در آن بارگاه باش

أي: قبر الإمام الثامن وسلطان الدين «الرضا»

قبِّلْهُ من روحك وكن عند باب تلك العتبة

لقد ظن الشاعر أن الدين له شاه وسلطان وبلاط وأن كل من ذهب إلى بلاطه وجاور عتبته حصل على عين ثواب من ساعد سليمان في بناء بيت المقدس، وثواب سبعين حجة، هذا في حين أنه ليس لدينا أي دليل شرعي قويم واحد يدل على أن المشاركة في بناء بيت المقدس تعادل ثواب حجة.

أجل، لقد رغّب هذا الحديث الموضوع الناس بعمل لا طائل تحته وأغرى الناس بالمعاصي قائلاً إنكم لو زرتم قبر الإمام الفلاني غُفرت لكم ذنوبكم ورجعتم كيوم ولدتكم أمكم!! إذا كانت الذنوب تُغفر بهذه السهولة فلا خطر في ارتكاب كل جرم إذ أن زيارة واحدة ستزيح عن كاهلنا عقاب ذلك الجرم، وعندئذ فلماذا الخوف من يوم الجزاء والحساب، ولا بد أن جهنم خاصة بمن ليس لديهم مقابر وقباب وعتبات وأضرحة!! لو كان تعمير القبور مهماً وله كل هذه الفوائد ولو كان مشروعاً أصلاً فلماذا لم يقم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببناء قبر عمّه «حمزة» سيد الشهداء أو ابنه «إبراهيم» أو سائر الشهداء، ولم يضع على قبرهم لبنة واحدة، وهل علينا أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونتبع سنته أم نتبع سنن الملوك الذين يخدعون العوام؟

 

 

+                  +                 +


 

مسألة تعظيم الأموات وزيارات القبور

ينبغي أن نعلم أن مسألة الاهتمام بالأموات مسألة قديمة في الأمم السالفة وكان لها عندهم طقوس وشعائر وآداب خاصة فيدفن الميّت ويوضع ما يلزم من الطعام والمصابيح في غرفة الأموات وكانوا يظنون أن رضا الأموات أو سخطهم ودعاءهم للأحياء أو لعنهم لهم يؤثر في الأحياء، وقد جاء في كتاب «تاريخ جامع أديان» (أي التاريخ الجامع للأديان) تأليف «جان ناس» أن بعض الأقوام القدماء كانوا يعتقدون أن السماء بَلَدٌ مسكونٌ مثل الأرض وأن فيها الأشجار والأنهار وتعيش فيها أرواح الأموات التي يمكنها أن تأتي إلى الأرض وتلتقي في الرؤيا ببني آدم وإذا جاؤوا إلى أحد في منامه فلا بد عليه أن يهيّئ لهم طعاماً يأخذه إلى قبرهم ويشعل لهم فيه ناراً. وكان الآرييون القدماء يحترمون أرواح الأجداد إلى حد التمجيد، وكذلك كان الطورانيون، وتمارس بعض الأديان كالبراهمة في الهند والبوذية في الصين آداب وطقوس مفصلة أكثر تجاه الأموات، وكان الهندوس يحملون زوجة الميت بزينتها على محمل إلى جانب جثمان زوجها لتحرق معه. وكانت بعض الملل الأخرى تضرب أعناق عبيد وإماء الميت كي يكونوا أعوان سيِّدهم في العالم الآخر! وخلاصة الكلام إن الأمم القديمة كانت تخاف الأموات وترجوهم.

 لما ظهر دين الإسلام، دين التوحيد الخالص، كان العالم غارقاً في ظلمات الجهل والأوهام لذا بدأ بمحاربة الأوهام منذ فجر دعوته وأمر المؤمنين أن لا يتّكلوا على أحد سوى الله سبحانه وألا يعتبروا أحداً سوى الله مؤثراً في تقدير الأمور، وألا يعتبروا أي أحد قاضي الحاجات وباب الحوائج سوى الله تعالى، وأن يعلموا أن لا وسيلة توجب النجاة سوى العلم والإيمان والعمل الصالح، فيجب أن لا يتوسَّل المؤمنون إلى الله بشيء سواها وألّا يعتبروا أحداً سوى رب العالمين مؤثراً حقيقياً في هذا الوجود. ونهى الإسلام في بداية أمره عن زيارة الأموات ولم يسمح بذلك فيما بعد إلا لأجل العبرة [والدعاء لأصحابها] ومع ذلك نهى النساء اللواتي يُكْثِرْنَ من زيارة القبور كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «لَعَنَ الله زوّاراتِ القُبُور»(42)، كما نهى عن تعمير القبور وتزيينها، كما جاء في دعاء جوشن الكبير ومناجاة الله: «يا من في القبور عبرته».

ولكن مع الأسف سرت إلى المسلمين شيئاً فشيئاً روح عبادة الأوهام وعادت إليهم العادات الشركية وانطبق عليهم قوله تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف:106].

وقد قال الله العليم بعباده: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر:45]، أي إذا ذُكر الذين من دون الله كأرواح الأموات وأرواح الأولياء والأنبياء وغيرهم استبشروا بها. فالحفاظ على توحيد العبادة وأن لا يرجوا الإنسان غير الله أمر في غاية الصعوبة، ولم يكن المؤمنون في صدر الإسلام يتردَّدون إلى زيارة القبور وإذا فعل أحدهم ذلك تعرّض إلى اللوم.

وفي آخر ساعات عمره الشريف توجّه رسول الله إلى ربِّه داعياً متضرِّعاً وقال: «اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد»(43) لأنه كان يعلم أن روح عبادة الأموات راسخة في الناس وكان يخشى أن تُبتلى أمته بذلك. ولم يطل الزمن مع الأسف الشديد حتى قام محترفو الدين الذين يتخذونه حانوتاً يتكسّبون به ببناء مئات القباب والعتبات المزينة بالزخارف والمرايا التي تخدع العوام على قبور الأموات واخترعوا الثواب العظيم على شدِّ الرحال إلى زيارتها وأوقفوا لها الأوقاف ونذروا لها النذور إلى حدِّ أن أحد المتصدِّين لأمور الأوقاف ادَّعى أن ربع أملاك إيران موقوفة على قبور الراحلين. ورغم أن كل العائدات التي تأتي من هذه البدع غير شرعية ومحرّمة وأنه يتم أخذ ملايين التومانات شهريّاً في كل قرية باسم الآجار أو حقّ التنازل (خلو الرجل أو الفراغة)، فإن القليل منها يُصرف على تعمير القبور وسائر ما يتعلق بها من البدع في حين تُصرف البقية على القرّاء في المآتم وعلى مصاريف متولي شؤون المقابر والقائمين عليها والأمناء والمستأجرين ونتيجة لذلك يزداد الضغط يوماً بعد يوم على المستضعفين والفقراء وتزداد ديونهم ومشاكلهم، وقد بلغت بعض الإيرادات من بيع القبور المجاورة للإمام أو الصالح من ذرية الإمام مئات آلاف التومانات.

كل عدة سنوات يتم بيع الأشياء الثمينة من قبيل السجاد والثريات والذهب والمراوح وغيرها من النذور والهدايا المقدمة لقبر كل إمام أو حفيد الإمام بالمزاد العلني لتُصرف أثمانها في مصارف باطلة إضافة إلى الأموال النقدية التي تُرمى داخل الأضرحة أو التي تعود من الأملاك الموقوفة وأكثر قبور ذراري الأئمة تلك بل جميعها تمتلك مثل تلك العائدات، كقبر المعصومة في قم الذي يدر كل شهر ملايين التومانات من الأموال النقدية أو عائدات الأوقاف غير الشرعية هذا في حين أن أكثر الشعب لا يجد قوت يومه وضروريات حياته وأكثر القرى لا تمتلك الماء وتمد أيديها إلى الخارج لأجل إبرة أو برغي وحزقة. أليس من الحماقة أن يتم صرف تلك الأموال الطائلة على القبور أو وقفها عليها؟ جاء في صحيفة «كيهان» العدد 8642 الصادر بتاريخ 17/2/1351 هجري شمسي أن الحاج السيد حسين مَلَك الذي بلغت قيمة أمواله الوقفية ثلاثة مليارات تومان! أوقف السنة الماضية أربعمئة مليون تومان المتبقية من أمواله والموجودة في متحف «مَلَك» على شكل عملات مسكوكة ولوحات زيتية وسجاد وكتابات خطية للملوك وأشياء عتيقة على العتبة الرضوية المقدّسة... وهذه الأموال والأملاك ستُصرف على مصاريف وملذات متولّي تلك القبور من الطفيليين العاطلين عن العمل.

علماً أن وقف الأوقاف ونذر النذور على قبور الأموات بدعة وعمل مخالف للشرع.

ونتيجةً لهذه الأوقاف أصبح كثيرٌ من الأراضي الموات التي يتم وقفها تُبَاع أو تُؤَجَّر بعد أخذ خلو رجل (فراغة) باهظة، أي لو استأجر أحدهم مئة متر من الأرض الموقوفة فعليه أن يدفع مثلاً مئة ألف تومان خلو رجل دون أن يحصل على أي وصل إضافة إلى الآجار السنوي الذي عليه أن يدفعه. أليس هذا ظلماً وإفكاً؟ في نظرنا إن موقوفات إيران ليست من الباقيات الصالحات بل معظمها من الباقيات الطالحات، ويشهد الله أن عديداً من أوقاف القبور تُصرف إيراداتها على أمور لا ترضي الله ولا رسوله، هذا على رغم أنف عشرات الأحاديث في حرمة أو كراهة هذه الأعمال لاسيّما الأحاديث الناهية عن تعمير القبور أو تزيينها أو الاعتكاف فيها، فضلاً عن وقف الأملاك عليها مما يكون إثمه أكبر.

ويا ليت أولئك الأغنياء الذين يقفون أموالهم على تلك العتبات ينفقونها لوفاء ديون الغارمين وتزويج الأيامى والعزّاب بدلاً من مساعدة بعض الطفيليين على المزيد من الانغماس في الملذات والشهوات وزيادة الفساد في المجتمع يوماً بعد يوم. هذا فضلاً عن الأضرار الأخرى الناجمة عن تلك الأعمال مثل ابتلاء المجتمع بالشرك والخرافات.

وكما نقل المرحوم قلمداران عن كتاب «الذكرى» للشهيد الأول فإن وضع قماشة على القبر الشريف لنبي الله صلى الله عليه وآله وسلم لا دليل شرعي عليه، وتركه أولى، كما لم يكن عليٌّ عليه السلام يجيز المبالغة في بناء المساجد حيث نقرأ: عن عليٍّ عليه السلام أنه مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها وقال: «لا تُرفع المنارة إلا مع سطح المسجد»(44). ونقول لفقهاء وعلماء عصرنا لماذا لا توعّون الناس كما فعل الشهيد الأول وتقولون لهم إن هذه الزينات والزخارف والتزيين بالمرايا وأحجار المرمر والطلاء بالذهب إسراف وحرام وإتلاف للمال ويجب أن تُصرف الأموال على أعمال ذات نفع عام ويُؤخذ بواسطتها بأيدي الفقراء والضعفاء. إذا كان رمي قطعة قماش فوق قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إتلاف للمال، فما حكم تعطيل ملايين التومانات من الأموال برميها تحت القباب الذهبية للقبور؟

أجل، لقد راج شيئاً فشيئاً بناء مثل هذه القصور والزخارف على القبور وقراءة الجمل المشوبة بالعبارات الكفرية ودفع عوام الناس إلى التملّق والتزلّف إلى القبور، وأصبحت تلك الأمور في زماننا جزءاً من العقائد الأساسية للشيعة التي يُعدّ إنكارها كفراً!! ولو نطق شخص بكلمة خلافاً لذلك لسارع محترفو الخرافات الدينية الذين اتخذوا الدين حرفةً وحانوتاً يتكسَّبون به إلى تكفيره متجاهلين جميع الأدلة العقلية والنقلية التي جاء بها وكالوا له آلاف التهم حتى أصبحت محاربة هذه البدع ومجاهدة هذه الخرافات أصعب من مجاهدة عباد الأوثان وكل من أظهر الحق طُرد من المجتمع.

+                  +                 +


 

ذكرٌ لِخَاطِرَةٍ وبيانٌ لِفِكْرَةٍ

عندما كان كاتب هذه السطور في السجن(45)، قال لي أحد الشيوخ مشيراً إلى الآية 21 من سورة «الكهف» الشريفة [إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا]: كيف لا نبني ضريحاً على قبور أئمة أهل البيت الذين مقامهم أرفع من مقام أصحاب الكهف ولا نجدِّد قبورهم في حين أن القرآن يذكر أنهم بنوا على أصحاب الكهف مسجداً؟

فأجبته قائلاً: أوَّلاً لقد جاءت في الآية الكريمة كلمة «يتنازعون»، وانطلاقاً من قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء:59]، لا بد أن نتبيَّن: أيُّ الفريقين كان قوله موافقاً لتعاليم الله، وقد شرح آخرون كما فصّلتُ أنا في كتابي «الخرافات الوافرة في زيارات القبور» هذا الموضوع. ثم إن الفريق الأول الذين قالوا: «رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ» ذكروا الحق وذكروا اسم الله المبارك أما الفريق الثاني فلم يتمسكوا بأي دليل شرعي بل أرادوا مستبدين برأيهم أن ينفذوا هذا الرأي ببناء المسجد على رفات أصحاب الكهف.

وأضفتُ قائلاً له: إنَّ النبيَّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً عليه السلام كانا يعلمان بهذه الآية فلماذا لم يستنبطا منها ما تذكُرُهُ ولم يعملا بما تميل إليه، فلم يبنيا على قبر أحد ضريحاً ولا مسجداً ولم يأمرا الناس بضرب القباب وبناء الأضرحة، بل تمَّ دفنُ بعض عظماء الإسلام سرّاً كي لا يتحول قبرهم إلى مزار، كما نَهَيَا عن تعمير القبور وتزيينها؟ فهل مقام حمزة سيد الشهداء الذي استُشهد تحت لواء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقل من «سيد نصر الدين» في طهران حتى لم يبن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قبره مزاراً؟!

 وثانياً: جاء في الآية كلمة «مسجد» ولم تقل الآية: «لنتخذنّ عليهم قبة وضريحاً ومزاراً!!» فهل كلُّ هذه المقابر والقباب والأضرحة في إيران والعراق التي بُنيت على قبور الأئمة أو قبور أبنائهم وأحفادهم وبعضها يقع في أماكن نائية يصعب الوصول إليها ويتحمَّل المسافرون إليها متاعب جمة «مسجدٌ» أم شيء آخر؟ هل ضريح وعتبة الإمام الرضا في مشهد «مسجدٌ»؟

ثم قلتُ له: إن مقبرة «امام زاده زيد» في بازار (أي سوق) طهران و«امام زاده داوود» و«امام زاده عبد الله» و«امام زاده قاسم» و«سيد نصر الدين» و«امام زاده صالح» و... ليست بمسجد، فليس لدينا في المسجد «ضريح». هل يستأذن أحد قبل الدخول إلى المسجد ويقرأ صفحة كاملة من دعاء الزيارة ويقول: «السلام عليك يا....»؟ وهل يشدّ أحد الرحال من أصفهان إلى «مسجد الإمام» في بازار طهران ليصلي فيه؟ هل ينطلق أحد من خوزستان ويسافر لأجل أن يصلي في مسجد كبود في تبريز أو مسجد السلطانية في زنجان؟ هذا في حين أن كثيراً من الناس يشدُّون الرحال لأجل زيارة مراقد الأئمة أو أولادهم أو أحفادهم لأنهم يعتبرون أن مراقد الأئمة شيء غير «المسجد»!

وقلتُ له أخيراً: قم بتغيير مقابر الأئمة وذراريهم التي لا تخلو منها مدينة ولا قرية وابنها من جديد بما يتطابق مع أحكام الإسلام وأزل الضريح وأدعية الزيارات منها واجعلها مسجداً بسيطاً فقط وخالياً من الزخارف والزينات وانهَ الناس فيها عن دعاء غير الله فسأكون أول من يصلي في هذه المساجد وأدعو لك بعظيم الأجر والثواب لأنك أصبحت من بناة المساجد.

 

 

+                  +                 +


 

تمحيص آداب الزيارة

قبل أن ندرس موضوع الزيارات يجب أن ننظر في أمر الآداب الخاصة بزيارة المراقد والمذكورة في كتب الدعاء وغيرها ونرى هل لها من مستند صحيح أم لا؟

توجد في الكتب الخاصة بالزيارات مثل «مصباح المتهجِّد» للشيخ الطوسي و«مفاتيح الجنان» للشيخ عباس القمّيّ و«بحار الأنوار» للمجلسيّ وكتب ابن طاووس [مثل «إقبال الأعمال»] وكتاب «كامل الزيارة» لابن قولويه، مطالب وجمل وتعليمات تخالف العقل والشرع والتاريخ وهي من وضع الجهلة أو المغرضين. فمثلاً في فصل آداب زيارة الإمام الحسين (ع) نسبوا إلى الإمام الصادق (ع) قوله: إذا أردت أن تدخل الحائر فادخل من الباب الشرقي، هذا في حين أنه لم يكن هناك بناء على قبر الإمام الحسين (ع) في زمن الإمام الصادق (ع)، وبالتالي لم يكن هناك باب شرقي ولا غربي، بل إن كتابَيْ «مفاتيح الجنان» و«بحار الأنوار» عينهما يذكران أن الإمام الصادق عليه السلام قال: «كل من نظر إلى قبر الحسين وابنه في صحراء لا قريب فيها ولا صديق... الحديث» وسبب ذلك أنه لما لم تكن في ذلك الزمان أيَّة علامة للقبر كان وجدانه أمراً صعباً فلم يكن هناك حرم، فكيف قال الإمام ادخل من الباب الفلاني للحرم؟!

أضف إلى ذلك أنه من القبيح جداً أن يقول الإمام كل من أتى إلى منزلنا أو حرمنا فعليه أن يُقبّل عتبتنا ويتمسّح بباب وجدران منزلنا ويقبّلها، ويستأذن للدخول! وكلّ هذا الحُرُم لم تكن موجودةً أساساً، ثم إنه لا معنى لأن يقول الإمام عليك بقراءة إذن دخول من صفحتين ثم ادخل رغم عدم صدور الإذن والسماح بالدخول بعد!

هل كانت هذه الأعمال من سنة عليّ عليه السلام وطريقته أنه كلما أراد أن يأتي إلى منزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يتلو صفحتين لإذن الدخول!!

إن أحكام دين الإمام والمأموم واحدة ولا فرق بينها، وفي الإسلام سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطريقته هي التي يجب اتّباعها، وليس طريقة الملوك الذين يحتاج من يريدون الدخول عليهم أن يستأذنوا للدخول ويقفوا ساعات للانتظار.

جاء في كتابَيْ «بحار الأنوار» و«مفاتيح الجنان» وغيرها من كتب الشيعة منسوباً إلى الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إنَّ من الآداب تقبيل عتبة الحرم حتى إذا وصل إلى البند الثاني عشر من الآداب يذكر الذهاب إلى قرب الضريح وتقبيله والتمسّح به! هذا في حين أن الأضرحة لم تُبنَ إلا بعد قرون من زمن الأئمة عليهم السلام وقد بناها سلاطين الجور والوزراء الخائنون، فهذا يبين بوضوح أن هذه الروايات وُضعت في زمن أولئك السلاطين وإلا فإنَّ أئمة أهل البيت عليهم السلام لم ينطقوا بمثل هذا الكلام. ولا ندري لماذا ابتدعوا كل هذه الطقوس والآداب باسم الدين؟

كما جاء في تلك الكتب أنَّ كلَّ مَن أراد الذهاب إلى الحرم فعليه أن يغتسل ويقف بجانب باب الحرم حتى يرّق قلبه ثم يضع قدمه اليمنى وخده الأيمن على الضريح ومن الآداب الأخرى أنه يجوز أن يستدبر القبلة ويستقبل قبر الإمام في دعائه!! وأن يعطي لخدّام الحرم شيئاً من المال -أي يُوجد مركزاً للتسوّل- وأن يتصدّق على من يوجد هناك من الفقراء لأن ثوابه يكون مضاعفاً!! هذا مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تتخذوا قبري قبلةً»، وطبقاً للأحاديث التي جاءت في كتاب «الوسائل» باب 22 من أحكام الطواف أن أئمّة الإسلام قالوا: كل من نذر أو أوصى للكعبة أو المسجد الحرام فلا يجوز أن يعطي هذا النذر أو الوصية لخدّام الحرم أو حجّاب الكعبة حتى لا يحوِّل حرم الله إلى مركز للتسوّل(46)!

لقد وُضعت في كتب الدعاء والزيارة نصوص استئذان للدخول إلى الحرم والأروقة وآداب للزيارة منسوبة إلى الإمام كذباً، وأوضح دليل على كذبها أنه لم تكن في زمان الأئمة عليهم السلام قباب وأروقة وحرم للقبور فلم تكن مثل تلك الأشياء قد بُنيت بعد بمال السلاطين الحرام. لماذا أضاف المجلسيّ والقمّيّ وابن طاووس هذه الآداب والأحكام التي ما أنزل الله بها من سلطان إلى دين الله؟ هم أنفسهم نقلوا في كتبهم عن «محمد بن علي الشيباني»: أنه قال ذهبتُ أنا وأبي وعمِّي ليلاً خفيةً سنة 260هـ إلى زيارة مرقد أمير المؤمنين عليه السلام ورأينا القبر وسط البادية قد وُضِعَ حولَه عددٌ من الأحجار السوداء، ولم يكن عليه بناء.

إذن حتى سنة 260هـ التي توافق سنة وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام آخر أئمة الشيعة الظاهرين، لم يكن لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام حَرَمٌ ولا قُبَّةٌ ولا رُوَاقٌ ولا فِنَاءٌ ولا صَحْنٌ، فلنا أن نسأل من السادة ابن طاووس والشيخ الطوسي والمجلسي والقمي لماذا أوردتم هذه الروايات المنسوبة إلى الأئمة عليهم السلام حول الرواق والحَرَم؟

رُوي في كتابَيْ «بحار الأنوار» و«مفاتيح الجنان» في الزيارة المطلقة لأمير المؤمنين عليه السلام أنه إذا ظهرت قبّة الإمام فَقُلْ كذا، وإذا وصلتَ إلى باب النجف فاقرأ الدعاء الفلاني، وإذا وصلتَ إلى صحن الحرم فقل كذا، وإذا وصلت إلى الرواق فقل: «يا أمير المؤمنين عبدك»!! فما معنى هذه التعليمات في الوقت الذي لم يكن في زمن الإمام فناء ولا باب ولا قبَّة؟ لا ندري متى وفي أي زمنٍ نُسبت هذه الأقوال إلى الأئمّة عليهم السلام ووضعت على ألسنتهم؟!

فهل يجوز للسادة ابن طاووس والمجلسي والكفعمي والشهيد والشيخ الطوسي أن يضيفوا أشياء حسب ذوقهم إلى دين الإسلام سواء كان ذلك الأمر مستحباً أم غير مستحب؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «حلالُ محمَّدٍ حلالٌ إلى يوم القيامة وحرامُهُ حرامٌ إلى يوم القيامة»؟(47)، كما قال: «لا رأيَ في الدين، إنَّما الدين من الربِّ أمرُهُ ونَهْيُهُ» (وسائل الشيعة،ج18/ص40)، مما يعني أنه لا يحق لأحد أن يزيد على آداب وأحكام الدين أو ينقص منها؟.

لقد تمَّ إبعاد الناس- للأسف - عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وَشَغْلِهِمْ بالبدع وجَعْلِهِمْ يغترُّون بها، وقد رُوي عن الإمام علي عليه السلام في الكافي قوله: «السنة ما سنّ رسول الله والبدعة ما أُحدث بعده»(48).

وللأسف اخترع العلماء والمتقدّسون هذه الآداب لإظهار محبتهم للأئمة عليهم السلام وظنُّوا مخطئين أنهم يحسنون صنعاً. وظن اللاحقون استناداً إلى حسن ظنهم بهؤلاء السابقين أن تلك الأعمال هي فعلاً من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وجزءاً من الدين، فمثلاً ذكروا في زيارة أئمَّة البقيع أنه عند دخولك حَرَمِهِم اقرأ إذن الدخول وقُلْ لهم كذا وكذا، مع أنه لو كان الإمام قد قال للراوي فعلاً مثل هذا الكلام لكان من الطبيعي أن يسأله الراوي أيُّ حرم؟

وكذلك كتبوا في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه إذا ذهبت إلى زيارة رسول الله فقبّل منبره وافعل كذا وكذا عند عمود «حنانة» وامسح العمود بعينيك فإذا وصلت إلى باب جبريل ووقفت تحت الميزاب فقل كذا وكذا، فكأنَّهم يتصوَّرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحل حديثاً عن الدنيا وأن باب بيته والميزاب والمنبر والعمود هي عينها التي كانت في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم؟! ويبدو أنهم لم يقرؤوا التاريخ ولم يفكِّروا ولو ساعة أن الباب والعامود وسواها التي كانت زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد زالت منذ أكثر من ألف عام وهُدمت وجُدّد بناؤها مرات عديدة، فليت شعري! هل أوكل الله تعالى إلى هؤلاء أمرَ دينِهِ -والعياذ بالله- حتى يضيفوا إليه كلَّما أرادوه؟!

الآن نبدأ بتمحيص متون وأسانيد نصوص الزيارات لنرى هل تتَّفق مضامينها مع أحكام الإسلام وتعاليم القرآن أم لا؟ فإذا لم تتوافق مع القرآن كان ذلك دليلاً كافياً على أنها موضوعة مُخْتَلَقَة.


 

جُمَلُ الزيارات وآيات كتاب الله

للإجابة عن هذا السؤال نبدأ بدراسة متون نصوص الزيارات، ولكن لما كانت بعض تلك الزيارات طويلةً جداً وكان التحقيق في جميع جُمَلِهَا يطول فإننا سنضطرُّ إلى الإشارة إلى بعض جملها فقط ويمكن للقرّاء أن يراجعوا القرآن في الموارد الأخرى ويقارنوا متون الزيارات بكتاب الله سبحانه.

1- روى المجلسيُّ في كتاب «المزار» من «بحار الأنوار» في باب «زيارة النبيّ وسائر المشاهد في المدينة»(49) [نقلاً عن كتابَي علل الشرائع وعيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق] عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «إذا حجَّ أحدكم فليختم حجَّهُ بزيارتنا لأن ذلك من تمام الحجِّ!».

وهنا نتساءل: أولاً: عندما كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمامُ يحجُّ فإلى زيارة قبر أيِّ إمام كان يذهب؟؟ ولماذا لم يبيِّن الله تعالى في كتابه شرط كمال الحج هذا؟

ثانياً: لم يكن الإمام متكبراً حتى يجعل من زيارة قبره كمالاً للحجِّ خاصَّةً أن الله تعالى يقول: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ ﴾ [القصص:83]، ويقول أيضاً: ﴿ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم:32].

ثالثاً: لو قال الإمام مثل هذا الكلام حقَّاً فإنَّ قصده كان أن يزوره الناس ليستفيدوا من علمه حال حياته، وليس قصده أن يزوروا قبره، ولكن المحدّثين اعتبروا خطأً أن هذا الكلام دليلٌ على وجوب زيارة قبر الإمام!!

هل من الممكن أن يكون أئمة الهدى من آل الرسول عليهم السلام قد علَّمونا تلك الزيارات المملوءة بالغلوّ في حقِّهم والمبالغة في المديح والإطراء إلى حدّ أن ثلاثة مجلدات من «بحار الأنوار» خُصّصت لها، يَدْعُونَ الناس فيها أن يأتوا إلى قبورهم ويخشعوا أمامها ويمجِّدوهم بتلك العبارات المغالية كي يرضوهم فيشفعوا لهم في المحكمة الإلهية؟!

2- روى المجلسيُّ في الباب ذاته [نقلاً عن كتاب «قُرب الإسناد» للحميري] عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من زارني حيَّاً وميِّتاً كنتُ له شفيعاً يوم القيامة»». نفهم من هذا الحديث أنَّ اختيار الشفيع وانتخابه بيد الزوّار، هذا في حين أن الله تعالى جعل اختيار الشفيع حقّاً خالصاً له وسلب عن الخلقِ هذا الحقَّ، وقال بشأن شفاعة الملائكة: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ الله لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم:26]. وقال أيضاً: ﴿ وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ:23]، وكما قال الشاعر:

اگر خداى نبا شد زبنده اش خشنود شفاعت همه پيغمبران ندارد سود(50).      أي: إن لم يكن الله راضياً عن عبده لم تنفعه شفاعة جميع الأنبياء.

وأضيف قائلاً [في نقد متن هذه الرواية]:

أولاً: لو استحقَّ الإنسان الشفاعة لمجرَّد زيارته لقبر فيجب أن تشمل الشفاعة جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين زاروه حال حياته وجميع الفسّاق والفجّار الذين زاروا قبره فيما بعد وأن يدخل جميعهم الجنة بشفاعته. وبالتالي فإن القرآن والعقاب والحساب ستصبح كلُّها لغواً!!

ثانياً: تُبيِّنُ آياتُ القرآن الكريم، خلافاً لما يتصوَّره عوام الناس، أن الله تعالى لم يعطِ أفراد البشر حتى الأنبياء الإذن المطلق بالشفاعة لمن يريدون، ولا توجد آيةٌ تصرّح بإذن الله المطلق لأحد بأن يشفع لمن يشاء، بل لقد نفى الله الشفاعة [بهذا المعنى] يوم القيامة حتى للمؤمنين إذ قال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ ﴾ [البقرة:254].

ثالثاً: لقد حصرت بعض آيات القرآن الشفاعةَ بالله تعالى كقوله: ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ ﴾ [السجدة:4]، وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ لله الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزمر:44].

رابعاً: إذا كانت بعض آيات القرآن التي تتحدَّث عن شفاعة الملائكة تفيد أن الله أعطاهم الإذن بذلك، فلا يمكن أن نقيس على ذلك الأنبياء والأولياء، فمثلاً يذكر القرآن أن الملائكة تقبض أرواح بني آدم في حين أنه لا يمكن القول أن الأنبياء والأولياء أيضاً يقومون بمثل ذلك. أضف إلى ذلك أن شفاعة الملائكة والأنبياء والأولياء ليست سوى الرحمة الإلهية التي يتم إبلاغها للمشفوع له عبر الملائكة وربما الأنبياء والأولياء. لأن الله تعالى هو الوحيد البصير بعباده والخبير بأعمالهم وتصرّفاتهم، وآيات القرآن تدلُّ على هذا الموضوع بكلِّ وضوح.

3- وروى المجلسيُّ في الباب ذاته [نقلاً عن كتاب علل الشرائع للشيخ الصدوق] حديثاً منسوباً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من أتى مكة حاجّاً ولم يزرني في المدينة جفوته يوم القيامة. ومن جاءني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة»!. فانظروا كيف اتّهم هذا الراوي الكاذب الوضَّاع رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه سيجفو كل من لم يأتِ إلى زيارته، فهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجحف جافٍ حتى يتوعَّد كلَّ من لم يأت إلى زيارته بأنه سيجفوه يوم القيامة؟ حاشاه من ذلك، ولا أتصوَّر أن أيَّ عقل يمكنه أن يقبل هذا بشأن الرسول الكريم الذي وصفه ربُّهُ بأنه رحمةٌ للعالمين (الأنبياء: 107) [وبالمؤمنين رؤوف رحيم (التوبة:28)].

أضف إلى ذلك أن هذه الرواية تذكر أن كلَّ من شفع له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجبت له الجنة، أي أن الله مجبر على قبول شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحقِّ كلِّ شخص وأن يدخله الجنَّة بذلك، وهذا قلبٌ لمفهوم الشفاعة القرآني، إذْ إن القرآن الكريم يبيِّن لنا بأوضح العبارات أن الله تعالى هو صاحب الشفاعة وليس مطيعاً في شأنها لأحد بل يقول لرسوله: ﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ﴾ [الزمر:19]، فمتن هذا الحديث مخالف للقرآن ويجرِّئُ الناس على الذنوب ويغريهم بالمعاصي.

4- وروى المجلسيُّ في الباب ذاته [نقلاً عن كتاب «كامل الزيارة» لابن قولويه(51)] حديثاً آخر منسوباً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فيه: «ومن مات في أحد الحرمين: مكة أو المدينة لم يعرض إلى الحساب ومات مهاجراً إلى الله وحُشِرَ يوم القيامة مع أصحاب بدر»!.

وهذه الرواية تخالف قوله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأعراف:6]، فهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي تُوفِّيَ في المدينة يُحاسَب أم لا حساب له؟ القرآن يقول إنه حتى المرسلين سيُسألون، فما بالك ببقية الناس! في رأينا إن هدف الوضَّاعين من اختلاق هذه الأحاديث أن يصبح القرآنُ وتعاليمه مهجورةً.

5- وروى المجلسيُّ والحُرُّ العامليُّ في الوسائل (ج10/الباب التاسع عشر الموسوم بباب «استحباب النزول بالمعرّس(52) لمن مرّ به») حديثاً جاء فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل في منزل بين المدينة ومكة وغشيَ أهله(53) ثم أخذه النوم حتى طلعت الشمس فصلّى الفجر قضاءً، لذا من المستحبّ لكل من حجَّ أن يذهب إلى ذلك المنزل وينام فيه!

أقول: إذا صحّ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخذه النوم حتى صلّى صلاته قضاءً فهذا يدلُّ قطعاً على أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره ذلك المكان الذي فاتته فيه الصلاة، وبالتالي فلا ينبغي على أحد أن يذهب للنوم في ذلك المكان بل عليه أن يمرّ به بسرعة(54).

هذا إضافةً إلى أنه ما حاجةُ الحجَّاج الذين لن يعاشروا زوجاتهم(55) [بحكم إحرامهم] إلى النوم في ذلك المكان؟ أليس هذا الحديث استهزاء بالدين؟ والطريف أن كتاب وسائل الشيعة يروي في الباب عشرين من ذلك الجزء العاشر/ص291 عن الإمام الرضا عليه السلام روايةً في استحباب الرجوع إلى المعرِّس لمن تجاوزه و«أن شخصاً لم يعرِّس فأمره الرضا عليه السلام أن ينصرف فيعرِّس»!!

6- وروى المجلسيُّ في الباب ذاته [نقلاً عن كتاب ثواب الأعمال للشيخ الصدوق] روايةً أخرى أن الحسين صلوات الله عليه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «يا أبتاه! ما لمن زارنا؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يا بُنَيَّ مَنْ زَارَني حيَّاً وميِّتَاً، وَمَنْ زَارَ أباك حيَّاً وميِّتَاً وَمَنْ زَارَ أخاكَ حيَّاً وميِّتَاً وَمَنْ زاركَ حيَّاً وميِّتَاً كان حقيقاً عليَّ أنْ أزورَهُ يوم القيامة وأخلِّصه مِنْ ذُنُوبِهِ وأُدْخله الجنة»!(56).

أقول: هذه الرواية تُصَوِّرُ الإمام الحسين عليه السلام وكأنه كان منذ صغره ينتظر زيارة الزائرين ويستفهم عن أجرهم! وتُصَوِّرُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكأنَّه غفّارٌ للذنوب أو كأن الشفاعة ملك يديه أو يدي أهل بيته، هذا في حين أن القرآن الكريم يبين لنا قول الله تعالى لنبيِّه الكريم -صلوات ربِّي وسلامه عليه وآله-: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله ﴾ [التوبة:80] فالله تعالى ليس تابعاً مطيعاً لرسوله أو لغيره بل الأمر كلُّه بيديه تعالى وحده، وهو الوحيد الذي يملك غفران الذنوب.

7- وروى المجلسيُّ في الكتاب ذاته [نقلاً عن أمالي الصدوق] أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ زَارَ الحسنَ في بَقيعِهِ ثَبَّتَ الله قَدَمَهُ على الصراطِ يومَ تزلُّ فيه الأقدامُ».

أقول: فهل تكفي زيارة الإمام الحسن (ع) حتى تُغفر جميع زلات الإنسان؟ هل هذه الزيارة رشوة لنقض قوانين الله؟ ولماذا يُخَصَّصُ كلُّ هذا الثواب والأجر لزيارة قبر الإمام بعد موته ولا يوجد مثله لمن زار الإمام حال حياته؟!

8- وروى المجلسيُّ في الباب ذاته [نقلاً عن كتاب كامل الزيارة لابن قولويه] عن الإمام الجواد (ع) أنه سُئِلَ: «جُعلتُ فداك! ما لمن زار رسولَ الله صلى الله عليه وآله متعمِّداً؟ قال: له الجنَّة»!. قلت: إذا كان الأمر بهذه البساطة فجميع أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وآله ومعاصريه زاروه وبالتالي فطبقاً لهذه الرواية يجب أن يدخلوا الجنَّةَ جميعاً، فلماذا إذن تعترضون على بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقدحون بهم؟ إلا أن يقول بعضهم إن هذا الأجر والثواب هو لمن زار القبر لا لمن زار رسول الله ذاته صلى الله عليه وآله وسلم. إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ!

9- وروى المجلسيُّ في الباب ذاته عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «من زارني غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَمْ يَمُتْ فَقِيْرَاً».

قلتُ: فهل يُحِبُّ الإمامُ زيارةَ الناس له إلى هذه الدرجة التي تجعله يحكم بغفران جميع ذنوب زائره وأن كل من جاء إليه لا يموت إلا غنياً؟!

يقول علماء الاقتصاد إن الوصول إلى الرفاهية وسعة العيش يتطلَّب اتِّباع القوانين الاقتصاديّة الصحيحة والجدّ والنشاط ولكنّ رواة تلك الأحاديث يقولون إن من أراد الغِنَى فعليه أن يذهب لزيارة القبور!! فأيُّ القولين صحيح؟ أترك الحكم في ذلك إلى القارئ!

في رأيي إن أعداء الإسلام أرادوا إضعاف دين الإسلام بأمثال تلك الروايات وأن يُغروا الناس بالمعاصي ويصوِّروا لهم أن زيارة القبر كفيلة بغفران جميع جناياتهم وآثامهم.

10 - وفي الباب ذاته روايةٌ عن الإمام العسكري عليه السلام قال فيها: «من زار جعفراً وأباه لم يشكو عينه ولم يصبه سقم». فلنا أن نتساءل: لماذا كان الذين يزورون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويرونه يمرضون إذن؟ بل عليٌّ عليه السلام ذاته أصابه رمد العين كما مرض عددٌ من المهاجرين في سبيل الله من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عندما وصلوا إلى المدينة وأصابتهم الحمّة. فكيف لا يمرض زائرُ قبر حفيد حفيد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم؟! إن هذا الحديث مخالفٌ لكتاب الله وللعقل السليم. وروايات هذا الباب أغلبها من هذا القبيل. فاقرأ أنت الحديث المفصّل من هذا الكلام المجمل.

 

 

+                  +                 +


 

روايات الباب الثاني من أبواب زيارة النبيّ

1- أورد المجلسيُّ في هذا الباب رواياتٍ فيها دعوة الزائرين إلى تقبيل عامود التوبة وعامود حنانة ومنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن يمسحوا أعينهم بها، وأن يزوروا مقام جبريل والميزاب الذي كان فوق رأس جبريل.. الخ. ولنا أن نتساءل: هل تلك العواميد ومنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تزال موجودة بعينها الآن؟ ألم يكن المجلسيُّ أو رواةُ حديثه يعلمون أن تلك الأعمدة والمنبر قد اندثرت منذ مئات السنين؟!

2- وذكر المجلسيُّ في هذا الباب أدعيةً مفادها أن يقول زائر قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وقوفه أمام قبره وقراءته ألفاظ الزيارة وما فيها من عبارات الغلوّ في الإطراء والتمجيد - في آخر كلامه: «اللهمَّ إنَّكَ قُلْتَ: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ الله وَاسْتَغْفَرَ لَـهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ الله تَوَّابًا رَّحِيمًا(57). وإنِّي أتَيْتُ نَبِيَّكَ مُسْتَغْفِرَاً تَائِبَاً مِنْ ذُنُوبِي...الخ».

فنسأل: هل يجب على كلّ مذنب عاصٍ أن يذهب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأجل غفران ذنوبه كما يفعل النصارى عندما يذهبون إلى قسِّيسيهم ويعترفون بذنوبهم لتُغفر لهم؟ أليس هذا نوعٌ من اللعب بآيات القرآن والتحريف المعنوي لها؟

إن الله تعالى لم يقل أبداً إن كلَّ من أذنب عليه أن يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والآية التي ذُكرت في الرواية لا علاقة لها بذلك الموضوع، لأن سياقها الكامل كالتالي: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء:64-65]، فهذه الآيات تتعلق بالمنافقين الذين تخاصموا مع اليهود فقال اليهودي: أنا أقبل بحكم محمَّد ولكن المنافق قال: أنا لا أقبل بحكمه. كما أشارت إلى ذلك الآيات التي جاءت قبلها أي قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ الله وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ [النساء:61]، ثم قال تعالى: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء:65]، وذلك أن المنافقين الذين كانوا يدّعون الإسلام كانوا مستعدِّين للقبول بحكم «كعب بن الأشرف» اليهودي ولكنهم غير مستعدين للقبول بحكم نبيِّ الإسلام الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم!! وهذا معناه أنهم لم يكونوا يؤمنون بقوانين الله تعالى وأحكام شرعه ولا يعتبرونها صحيحةً عادلةً! أو أنهم لم يكونوا يعتبرون رسول الله -والعياذ بالله- عادلاً، وهذا أوضح دليل على كفرهم وإهانتهم لنبيِّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم. وبناء على ذلك فالآية تقول إن علامةَ الإيمان قبولُ حكم الشرع، وتقول: إذا أراد هؤلاء القوم أن يكفّروا عما ارتكبوه من إهانة وظلم بحقِّ النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعن اتِّهامهم له بالحيف وعدم العدل فعليهم أن يأتوا إليه ويطلبوا رضاه، وعلى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلب من الله المغفرة لهم علامةً على عفوه عنهم ورضاه عنهم. ولكنهم لم يفعلوا ذلك، لذا قال الله تعالى لرسوله في هذه الآيات: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [النساء:63]، ثم قال في الآية التالية: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء:64]، فهذا الاستغفار وطلب الاستغفار من الرسول هو بالنسبة إلى الظلم والإهانة التي فعلوها بحق النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وليس بالنسبة إلى جميع الآثام. فلاحظوا أن هذه الآية لا تعود للمؤمنين أصلاً. لذا يجب أن نقول لواضع تلك الرواية:

أولاً: الآية تتعلَّق بالمنافقين.

ثانياً: إن الله تعالى لم يقل إنَّ على كلِّ من ارتكب ذنباً أن يحضر إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل إن كلمة القبر لم تأت في الآية أصلاً، فالآية متعلِّقة بزمن حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتبيِّنُ أن على الناس أن يذهبوا إليه في منازعاتهم ودعاويهم فهذا كان واجبهم أثناء حياته صلى الله عليه وآله وسلم.

فلاحظوا كيف تلاعب هذا الوضّاع بمعاني القرآن واستخرج الشرك من آية التوحيد ليسوق الناس نحو عمل شركي! إن دين الإسلام ليس كالمسيحية في دعوته كل من ارتكب ذنباً أن يذهب إلى مخلوق مثله فضلاً عن أن يذهب إلى قبر مخلوق، ويطلب منه غفران ذنبه، بل قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة:186]. وقال كذلك: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ ﴾ [غافر:49]. وقال: ﴿ فَادْعُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [غافر:14]. وقال: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾ [هود:3]، وقال: ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد:19]، وقال: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [غافر:55]، وقال: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [فصلت:6]، فأمرهم أن يستقيموا إلى الله أي يتجهوا مباشرة إليه بوصفه إلههم ومعبودهم الأوحد ويطلبوا منه غفران ذنوبهم، ولم يقل لهم اذهبوا وابحثوا عن شفيعٍ ليأتيني ويشفع لكم.

كيف لم ينتبه المجلسيّ وسائر المحدثين إلى هذه الآيات واستسلموا إلى ذلك الحدّ إلى الرواة الكذبة؟!

وينقل المجلسيّ في «البحار»، باب «زيارة النبيِّ من قريب»، الحديث رقم (41) بدون سند عن ابن طاووس والشيخ المفيد وفيه: «إذا وردتَ مدينةَ النبيِّ صلى الله عليه وآله فاغتسل للزيارة...(إلى قوله عن كيفية الزيارة): يمشي إلى الحجرة فإذا وصلها استلمها وقبَّلها وقال: السلام عليك يا رسول الله...» إلى آخر الرواية المليئة بجمل الغلوّ في إطراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمبالغات في مديحه، ونتساءل هل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كسائر الناس يسرّ من تجاوز الحدّ في مدحه وإطرائه؟ وهل يطلع صلى الله عليه وآله وسلم - كالله تعالى- على أحوال جميع الناس والزوّار ويسمع ثناءهم وتمجيدهم له أم لا؟

3- ويروي المجلسيّ في الباب الأخير ذاته روايةً أخرى تقول: إنَّ على الحاجّ أن يذهب إلى المدينة ويزور قبور الشهداء و... ويزور بيت علي بن أبي طالب ودار جعفر بن محمد عليهما السلام ثم يقرأ نصّ الزيارة -التي لا سند لها- التي أوردها الشيخ المفيد وابن طاووس(58). ولنا أن نسأل: هل بيت علي بن أبي طالب (ع) ودار جعفر (ع) لا تزال موجودة؟ هل لأولئك السادة العلماء الحق في وضع زيارات؟ لقد جمع المجلسيّ في هذا الباب وأبواب أخرى كل دعاء وصلاة كتبها أي عابد أو شيخ وجعل العمل بها أمراً مشروعاً ومستحباً! فهل لغير الله أن يشرع «عبادات»؟!

 

 

+                  +                 +


 

ما رُوِيَ في باب زيارته (صَلَّى الله عَلَيه وَآلِهِ) من بعيد

1- روى المجلسيّ في هذا الباب [نقلاً عن أمالي الطوسي] عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن لله ملكاً من الملائكة سأل الله أن يعطيه سمع العباد فأعطاه الله فذلك الملَك قائم حتى تقوم الساعة ليس أحد من المؤمنين يقول: «صلَّى الله عَلَى مُحمَّد وَآلِهِ» إلا قال المَلَك: وعليك. ثم يقول المَلَك يا رسول الله! إن فلاناً يُقرئُكَ السلامَ. فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وعليه السلام.»(59). أي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيقول كل دقيقة: وعليه السلام... وعليه السلام... ويصبح هذا هو عمله!

2- ثم قال المجلسيُّ أيضاً في الباب ذاته: «قال المفيد والسيد والشهيد في زيارة البعيد: إذا أردت ذلك فمثّل بين يديك شبه القبر واكتب عليه اسمه وتكون على غسل ثم قم قائماً وأنت متخيِّل مواجهته عليه السلام ثم قل: اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله...»(60)، إلى آخر نص الزيارة التي كتبها أولئك العلماء حسب ذوقهم!! وأقول: وهل القبر التخيُّليّ يحتاج أيضاً إلى زيارة ودعاء وثناء ومديح؟! نسأل الله أن لا يقرأ عقلاء الدنيا كتبنا المذهبية فقد يظنوا أن ما فيها هو شريعة الإسلام فيستهزئوا بها.

3- أكثر الزيارات التي وردت في أبواب كتاب «المزار» (في كتاب بحار الأنوار) تضمَّنت عبارة تقول: «مُقرٌّ برجعتكم»، و«الرَّجْعَة» هي عودة الأئمّة وأعدائهم إلى عالم الدنيا قبل يوم القيامة ومقاتلة كل إمام لعدوِّه والانتقام منه والانتصار عليه، فمثلاً الإمام الحسين (ع) يقاتل يزيداً ويقتله ويأسر أهل بيت يزيد ويثأر لما كان قد فعله بالحسين وأهل بيته!! وهذه «الرَّجْعَة» في الواقع عقيدةٌ باطلة لأنها تخالف القرآن الذي يقول: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون:16]. ثم إذا كان الإمام سيرجع إلى الدنيا ليثأر من أعدائه ويجازيهم بما فعلوا فلماذا إذن الوعد والوعيد الإلهي والحساب والكتاب والعقاب يوم القيامة؟ أضف إلى ذلك أن في كتاب الله تعالى آياتٍ تفيد أن الظلم والشرك والكفر باقٍ في الدنيا حتى يوم القيامة، كما قال سبحانه بشأن بقاء اليهود والنصارى مثلاً إلى يوم القيامة: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ الله بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة:14]، وقال أيضاً: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [المائدة:64]. فإذا كان إمام الزمان أو سائر الأئمة سيأتون ويجازون جميع المسيئين ويطوون بساط الكفر والشرك من عالم الدنيا ويصبح جميع الناس مسلمين فإن ذلك سيكون مخالفاً لما تفيده الآيات المذكورة.

 

 

+                  +                 +


 

روايات باب زيارة فاطمة الزهراء عليها السلام

1- أوصت الزهراء عليها السلام علياً عليه السلام أن يخفي قبرها، ولكن المجلسيّ وبعض المحدثين حاولوا في كتبهم جعل قبرها معلوماً محدداً، لكن لما لم يكن موضع قبرها معروفاً اخترعوا قراءة زيارات متعددة في أمكنة متعددة!!

ينقل المجلسيّ عن «الكافي» أن الإمام الصادق (ع) سُئِلَ: «الصلاة في بيت فاطمة عليها السلام مثل الصلاة في الروضة؟ فقال: وأفضل»(61).

ولنا أن نسأل: هل بيت فاطمة عليها السلام لا يزال موجوداً؟ وكيف تكون الصلاة فيه أفضل من الصلاة في المسجد وفي بيت الله؟ فلماذا إذن كان أمير المؤمنين (ع) يصلِّي في المسجد ويترك العمل الأرجح والأولى؟ ألا تؤدِّي مثل هذه الروايات إلى التقليل من شأن المساجد وأهمّيّته وإلى عمارة المقابر؟

2- وروى المجلسيّ في الباب ذاته [نقلاً عن مصباح الأنوار]: عن أمير المؤمنين عليه السلام عن فاطمة عليها السلام قالت: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة! مَنْ صلَّى عليكِ غفر الله له وألحقه بي حيث كنتُ من الجنة.». فطبقاً لهذه الرواية يجب أن نقول أننا وصلنا إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنكون رفقاءه في الجنة لأننا نقول «صلى الله عليكِ»!!.

كما رووا أنه يجب أن نقول في زيارة فاطمة عليها السلام: «يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك صابرة وزعمنا أنا لك أولياء ومصدقون... فإنا نسألك إن كنا صدقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما [بالدرجة العالية] لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك»(62).

أقول: يا ترى لو أراد شخص أن يفهم معنى هذه الجمل وكيف امتحن الله فاطمة قبل أن يخلقها؟! لربما قيل له: إن الراوي لهذا الحديث هو وحده الذي يعلم معنى هذا الكلام مصداقاً لما يُقال: «المعنى في بطن الشاعر»!

ثم إن اللحاق بالدرجات العالية ليس بيد الزهراء عليها السلام، بل درجة كل شخص رهينة بإيمانه وعمله، اللهم إلا أن تكون جملة أو جملتان من الإطراء والمديح والتملّق كافيتان للحاق بالدرجات العالية!

وقد ذكر المجلسيّ هنا وفي موارد عديدة أخرى نصوص زيارات طويلة مليئة بصنوف المديح والإطراء منقولة عن الشيخ الطوسي والصدوق والمفيد وابن طاووس وغيرهم - رحمهم الله - وقال في آخر كلامه: «قالوا: ليست هذه الزيارات مأخوذة عن الله ورسوله بل رأيناها مناسبة»!! وكلامهم هذا يثير العجب إذ كيف يمكن لشخص أن يضيف أي شيء إلى دين الله حسب ذوقه دون الاستناد إلى دليلٍ شرعيٍّ صحيحٍ؟

فمثلاً يقول المجلسيّ في الباب ذاته: لم يرد أيُّ حديثٍ في زيارة الزهراء عليها السلام ولكن أصحابنا رأوا هذه الزيارة مناسبة!! أي مثلاً اعتبروا هذه الجمل مناسبة: «وزوجة الوصيّ، والحجة والسلام عليكِ يا والدة الحجج» فاعتبروا من المناسب أن يكون زوج فاطمة (ع) وأولادها حُجَجَاً، في حين أن القرآن يقول: ليس هناك أي شخص بعد رسل الله حجَّة(63) وذلك في قوله تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء:165]. وحضرة علي عليه السلام أيضاً اعتبر أن الأنبياء فقط هم الحجَّة وقال: «.. تَعَاهَدَهُمْ بِالحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ ومُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاتِهِ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله حُجَّتُهُ...»(64).

هل يجب أن نقبل كلام القرآن الذي يقول إنه لا حجّة بعد رسل الله أم قول الآخرين؟ نحن نعتبر دين الله أهم وأكبر وأعزّ من أي شيء آخر ونعتبر حضرة الزهراء عليها السلام والأئمة عليهم السلام دُعاةً للدين ومبلِّغين له وتابعين له، وأنهم لا يرضون أن يزيد أحدٌ على دينهم شيئاً أو ينقص منه بحجّة محبته لهم، ولا نشكّ أنهم أنفسهم لا يرضون بمثل هذا الكلام بل يرفضونه ويعارضونه.

 

 

+                  +                 +


 

روايات المجلسيّ في باب زيارة الأئمّة بالبقيع

1- أورد المجلسيّ(65) والشيخ الطوسي وابن طاووس عن رجل لم يُذكر اسمه عن أحد الأئمة دون بيان اسمه(66) زيارة تحتوي على كثير من الجمل المخالفة للقرآن. ففي أحد المواضع فيها: «أيها القُوَّام في البريّة بالقسط» ويا ليت كان الأمر كذلك واستطاع الأئمة الكرام عليهم السلام أن يبسطوا العدل بين الناس، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك مع الأسف وأُجبروا على أن يلزموا بيوتهم ويعيشوا مقهورين. ثم جاء في الزيارة: «السلام عليكم يا أهل النجوى» فإذا قُصد من النجوى مناجاة الله فلا إشكال في ذلك، أما إذا قُصد منها تعليم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم الأسرار الإلهية على نحو خفيّ خاص فإن ذلك لا يصحّ لأن دين الإسلام ليس فيه أمور مخفية أو أشياء خاصة بأناس دون آخرين بل الناس فيه سواء. قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ:28]، فالإسلام إذن ليس سرِّيّاً ولا نجوائياً.

وجاء في الزيارة: «وأُسيء إليكم فغفرتم» فنقول: إذا كان الأئمّة عليهم السلام قد غفروا فماذا تقولون أنتم؟ ولماذا تنوحون وتلعنون وتطعنون بحجّة مظلوميّة الأئمّة عليهم السلام؟ أتريدون أن تكونوا أكثر حرصاً على الأئمّة من أنفسهم؟ ثم جاء في الزيارة: «إنكم دعائم الدين وأركان الأرض»، هذا في حين أن الأئمة عليهم السلام أنفسهم كانوا يقولون: نحن متَّبِعُون للدِّين ومرشدون للناس إلى الدِّين ولم يقولوا إنهم أركان الدين ولا أصوله ولا فروعه. ثم ما معنى أنهم أركان الأرض؟ وما المقصود من كل هذا الإطراء؟ هل أَمَرَ الأئمةُ أنْفُسُهُم بهذه المدائح والإطراء المبالغ به لهم أم أنكم تقومون بذلك من عند أنفسكم؟ وهل سيمنع الأئمة بهذه الكلمات مِنْ تَعَرُّضِكُم لجزاء أعمالكم ويصبحون مطيعين لكم محامين عنكم في محكمة العدل الإلهية حتى يُصرف النظر عن خطاياكم وآثامكم؟ إن لم يكن الهدف من الزيارة كذلك فلماذا تقولون في آخرها: «هذا مقام من أسرف وأخطأ وأقرّ بما جنى ورجا بمقامه الخلاص وأن يستنقذه الله بكم». ونتساءل: هل الإمام حاضرٌ في جوف القبر ومطَّلعٌ على زائره ويمكنه أن يطلب من الله تعالى أن يصرف النظر عن جرائم هذا الفرد الطمّاع وذنوبه وخطاياه وإسرافه وخياناته فيجيب الله فوراً طلب الإمام ويطيعه في رجائه، ويضرب صفحاً عن كل قوانينه وتشريعات كتابه؟! أم أن الإمام لا علم له بكل هذه الإطراءات والمدائح لأنه ليس في عالم الدنيا بل في عالم البرزخ بعيداً عن سماع هذه الأمور ويَبْرَأُ من أهل الإسراف والإثم والفجور، والله تعالى لا يعطّل قانونه ولا يُلغي العمل بعدالته وتطبيق جزائه العادل على الآثمين المجرمين.

ليت أحدهم يقول لمثل هذا الزائر: عزيزي! استحِ من الله ودَعْ الإطراء والتملّق ولا تتوجَّه إلا إلى الله الذي جعل التوبة الطريق الوحيد إلى النجاة؛ فَتُبْ إليه واترك الإسراف والجرائم. أتظن أن الإمامَ مأمورٌ بالدفاع عن الجُناة والآثمين؟ أو أنه مطيع لك فيما تريد؟ فأيُّ إمام هذا الذي تتخيَّلُهُ وأيُّ دين وأيُّ إسلام وأي كتاب قانون هذا الذي اخترعته لنفسك؟!

هنا يقدّم المجلسيُّ والشيخ الطوسيُّ وآخرون تعليمات للزائر حول كيفية أداء صلوات معيَّنة ما أنزل الله بها من سلطان وليست إلا من اختراع الآخرين وظنونهم.

2- ثم أورد المجلسيُّ زيارةً طويلةً أخرى وقال في بدايتها: «وجدتُ في نسخةٍ قديمةٍ من مؤلَّفات أصحابنا زيارةً لهم عليهم السلام فأوردتُها كما وجدتُها»!(67)، أي هي نسخةٌ لكتابٍ لا يُعْرَف اسم مؤلِّفه ولا المصادر التي رجع إليها. وفي هذه الزيارة توجد جملٌ مخالفةٌ للقرآن وأكاذيب لا أساس لها ولا برهان عليها، فمن ذلك أنها تقول في إطراء الأئمّة عليهم السلام: «وشركاء الفرقان» أي شركاء القرآن! هذا مع أنه ليس لله تعالى شريك في الملك ولا في الحكم، وهو القائل: ﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف:26]، ومشاركته في الملك وفي الحكم شرك تشمله الآية التي يقول فيها الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر:65].

وذنب الشرك لا يُغفر، فانظروا كيف يُساق الناس نحو أفكار شركية بواسطة زيارات لا يُعلم من كاتبها، ولا سند لها.

وجاء في هذه الزيارة أيضاً: «وحفظة سرِّه ومهبط وحيه ومعادن أمره ونهيه»! ونسأل: هل أتى الله تعالى بدين سرّيّ؟ أليس هو القائل: ﴿ فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ ﴾ [الأنبياء:109]. أي أعلمتكم جميعاً على حد سواء، فلم يجعل بعض مطالب دينه أسراراً اختصَّ بها بعض عباده فقط.

ثم نسأل: هل من الجائز أن يبقى هذا السرّ مستوراً مخفياً أم لا بد من كشفه؟ إذا كان الجواب هو الأول فما علاقة الناس بمثل هذا السرّ وما فائدته لهم؟ إذن ينبغي عليهم أن لا يكونوا فضوليين كما لا يحق للأنبياء والأئمّة أن يفشوا تلك الأسرار. أما إذا كان المطلوب أن تُنقل تلك الأسرار في الكتب وتُعلّم للناس فلماذا تسمّى أسراراً إذن؟

والنقطة الثانية أنه لا معنى لقوله «ومهبط وحيه» لأنَّ الوَحْيَ انقطع بوفاة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، كما أكَّد ذلك الأئمّة من آله أنفسهم عليهم السلام بما في ذلك الإمام عليّ عليه السلام الذي قال: «فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ وخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ»(68). فكلُّ من ادَّعى الوحيَ بعد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم لإمام أو لغيره فقد خرج عن أصول الإسلام، فمهبط الوحي هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط.

كما تقول الزيارة أيضاً: «واجتباكم للخلافة وَعَصَمَكُمْ من الذنوب». ونسأل: إذا كان الله قد اجتباهم للخلافة فلماذا لم يُوفّق أكثرهم للخلافة ولماذا اعتبر عليّ عليه السلام في نهج البلاغة أن الخلافة تتم باختيار المهاجرين والأنصار، وقال في رسالته: «وإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لله رِضًا»؟(69)، والأهم من ذلك أنه عليه السلام أبدى عدم رغبته بالخلافة وعدم حاجته لها، فهل يمكن أن يجتبي الله تعالى الإمام للخلافة فعلاً فيُظهر عدم رغبته بها ويقول: «والله مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلافَةِ رَغْبَةٌ ولا فِي الْوِلايَةِ إِرْبَةٌ»(70) بدلاً من أن ينهض بهذا الواجب الذي اختاره الله له؟!.

كما لا تصحّ عبارة: «وَعَصَمَكُمْ مِنَ الذُّنُوب» لأن أمير المؤمنين (ع) ذاته يقول في إحدى خطبه: «فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ ولا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي إِلا أَنْ يَكْفِيَ الله مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي»(71). ويقول في «دعاء كميل»: «فتجاوزتُ بعض حدودك وخالفتُ بعضَ أوامركَ».

علاوة على ذلك إذا قبلنا بعبارة «وَعَصَمَكُمُ الله» واعتبرنا العصمة من إرادة الله التكوينية كانت النتيجةُ أنَّ المعصوم سيكون مجبوراً تكوينياً على الطاعة وغير قادر على المعصية، فيكون بذلك - من هذه الناحية - مثل النباتات وسائر المخلوقات التي لا خيار لها من أمرها ولا تستطيع أن تعصي مراد الله التكوينيّ منها، وليس في هذا أي فضل للإنسان بل مثل هذا يخالف ما نصَّ عليه القرآن الكريم من أن الله تعالى خلق البشر وجعلهم جميعاً مُخيَّرين وأصحاب إرادة حرّة يختارون من خلالها الطاعة أو العصيان إمَّا شاكرين وإمَّا كفورين.

أما إرادة التطهير في سورة الأحزاب أي قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب:33]، والتي يعتبرها بعضهم -خطأً- دليلاً على «العصمة التكوينية» لأهل البيت، فهي في الواقع إرادة تشريعية للطهارة وليست تكوينية، لذا نجد أن الله ذكر تكاليف شرعية وأوامر ونواهي قبل آية التطهير هذه وبعدها، وإرادة التطهير الشرعية هذه أرادها الله أيضاً لجميع المسلمين كما أرادها لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال تعالى: ﴿ مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ﴾ [المائدة:6].

وجاء في الزيارة أيضاً: «وفضَّلَكُم بالنوع والجنس» أي أنكم [أيها الأئمّة] أعلى في جنسكم من سائر البشر، هذا في حين أن الله تعالى يقول: ﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ [إبراهيم:11]، كما يقول: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الكهف:110]، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حيث بشريَّته إنسانٌ كسائر البشر من جنسهم عينه ونوعهم ذاته، ولا يمتاز من هذه الناحية على الآخرين، وإنما يمتاز بالوحي الذي أوحاه الله إليه [والرسالة الخاتمة التي بُعث بها ومقام الاصطفاء على العالمين].

هذه الزيارة إذن تتضمن جمل باطلة وخرافات كثيرة. من ذلك أنه جاء فيها: «وأودعكم علم المنايا والبلايا ومكنون الخفايا ومعالم التنزيل ومفاصل التأويل ومواريث الأنبياء كتابوت الحكمة وشعار الخليل ومنسأة الكليم وسابغة داود وخاتم الملك وفضل المصطفى وسيف المرتضى...» فجعل سيف المرتضى رديفاً لمواريث الأنبياء، ولا ندري ربما كان واضع الزيارة من الغلاة الذين يريدون أن يجعلوا علياً (ع) في عداد الأنبياء. وهنا ذُكرت في الزيارة ألفاظ مفصّلة في الإطراء والثناء والمدائح المبالغ بها مما نهى الله عنه ومما لا يرضى به أيُّ إمام. وهنا نتذكر أنه عندما أثنى أحد أصحاب أمير المؤمنين (ع) عليه في صفين نهاه الإمام عن ذلك وقال له: «إِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلالُ الله سُبْحَانَهُ فِي نَفْسِهِ وجَلَّ مَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ أَنْ يَصْغُرَ عِنْدَهُ لِعِظَمِ ذَلِكَ كُلُّ مَا سِوَاهُ... وقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الإطْرَاءَ واسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ ولَسْتُ بِحَمْدِ الله كَذَلِكَ...»(72). وبالطبع كان جميع الأئمة عليهم السلام كذلك.

والعجب أن المحدّثين ينتظرون أن يعمل الناسُ بمثل هذه الزيارات الفاضحة ويحثُّونهم على قراءتها في أيام مخصوصة وقد أحصى بعضهم أن الأيام المخصوصة تشكّل خمس السنة! وقد جمع المجلسيُّ في «البحار» كل زيارة كتبها كل عالم حسب ذوقه، مع أن أهل التحقيق يعلمون أن جميع أذون الدخول المذكورة في الزيارات لا سند صحيح لها.

وينقل المجلسيُّ عن كتاب «كامل الزيارة» لابن قولويه زيارةً لحمزة رضي الله عنه وإبراهيم ابن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ليس لها سند! ويروي في ذلك الموضع عن راوٍ كذاب اسمه «سهل بن زياد»(73) روايةً تَنْسِبُ إلى أمير المؤمنين عليٍّ (ع) أنه قال: «كُنْتُ أَنَا ورَسُولُ الله صلى الله عليه وآله قَاعِدَيْنِ في مسجد الفضيخ إِذْ وَضَعَ رَأْسَهُ فِي حَجْرِي ثُمَّ خَفَقَ حَتَّى غَطَّ وحَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُحَرِّكَ رَأْسَهُ عَنْ فَخِذِي فَأَكُونَ قَدْ آذَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ وفَاتَتْ فَانْتَبَهَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله فَقَالَ: يَا عَلِيُّ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: ولِمَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: كَرِهْتُ أَنْ أُوذِيَكَ. قَالَ: فَقَامَ واسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ومَدَّ يَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا وقَالَ: اللهمَّ رُدَّ الشَّمْسَ إِلَى وَقْتِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلِيٌّ فَرَجَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ حَتَّى صَلَّيْتُ الْعَصْرَ ثُمَّ انْقَضَّتْ انْقِضَاضَ الْكَوْكَبِ»(74).

لقد أراد هذا الراوي أن يختلق معجزة للإمام ولكنه لم ينتبه إلى أنه بهذه الرواية الموضوعة نزّل من مقام عليٍّ عليه السلام وإخلاصه إلى درجة أدنى من مرتبة مسلم عادي، لأنه نسب إلى حضرة الأمير سلام الله عليه أنه ترك صلاةً مفروضةً أي ارتكب حراماً لأجل أن لا يوقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهل يظنُّ أيُّ مسلم -مهما كان ضعيف الإيمان- بنبيِّ الإسلام عظيم الشأن الباذل ذاته في سبيل الله أنه -عليه آلاف التحية والثناء- يرضى أن يصلِّي إحدى الصلوات المفروضة قضاءً حتى لا يوقظه أحد من قيلولة العصر كما ادَّعى ذلك الراوي الجاهل؟! بكلِّ تأكيد كان عليٌّ عليه السلام - بما له من معرفة بأحوال النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم أكثر من أي أحد آخر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزعجه ويحزنه أن تفوته صلاة العصر، وبكلِّ تأكيد لم يكن عليٌّ عليه السلام ليرتكب معصية ترك الصلاة المستوجبة لحزن النبيِّ وانزعاجه، ومختصر الكلام إنه من المحال أن يرتكب عليٌّ عليه السلام عملاً يسخط الله ورسولَهُ، فكيف يمكن أن يعيد الله تعالى الشمس لمن ارتكب معصيةِ تركِ فريضةٍ عامداً؟

أضف إلى ذلك أنه لا يمكن العودة بالزمان إلى الوراء فإذا غربت الشمس وانقضى وقت العصر، فإن هذا الزمن لن يعود ثانيةً حتى ولو أُعيدت الشمس مجدداً إلى الظهور بعد غروبها لأن الوقت الذي انقضى قد انقضى ولا يمكن إحياؤه من جديد، غاية ما في الأمر أن رجوع الشمس ينشئ زمناً جديداً غير الزمن السابق. وأساساً، لو كان واجب عليٍّ في ذلك الظرف ترك الصلاة، لما كان هناك من داعٍ لإعادة الشمس، وبالتالي فإن الراوي الوضّاع لم يكن يدري ما يقول! والطريف في الموضوع أن أحداً على وجه الأرض لم يشعر بعودة الشمس للظهور بعد غروبها سوى «سهل بن زياد» ذلك الراوي الغالي الكذّاب؟! (هذا بمعزل عن أن عبارة «عودة الشمس» خطأ علمي لأن الأرض هي التي تدور حول الشمس، لذا ينبغي أن يُقال «عودة الأرض»).

ثم هل تتفق هذه الرواية مع القرآن الكريم؟

يقول الله تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ﴾ [إبراهيم:33]، ويقول أيضاً: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس:38-40]؛ وعليه فالله تعالى خلق للشمس نظاماً زمنياً ومكانياً خاصاً تسير عليه، وسخّر الشمس والقمر لمصلحة عباده وجعلهما يدوران بنظام خاص وحسبان دقيق، فإذا تحرك كل كوكب من مكانه أو اختلّ دورانه لاختلّ نظام الكون وتغيّر وضع العالم، وهذا طبعاً مما يعلمه جميع أهل العلم.

وليت شعري هل يمكننا أن نحكي هذه القصة لعلماء الفيزياء والفلك في القرن العشرين؟!

أجل، لقد قام الوضّاعون، على قدر ما استطاعوا، بوضع متون زيارات مليئة بالإطراء وعبارات الثناء والتمجيد المفرط ودوّنوا في ذلك كتباً. من ذلك أنهم أوردوا مثلاً في متن زيارة إبراهيم بن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الذي تُوفِّيَ وهو ابن 18 شهراً فقط عبارات فيها طلب الشفاعة منه؟! فلعلَّ واضع تلك الزيارة تصوّر أن الطفل ابن السنتين سيكون رقيق القلب يمكن خداعه بسهولة لذا سيُسرّ بالاستماع إلى عبارات زيارته المليئة بالمديح والإطراء فيشفع لزائره ويصبح وسيلة لغفران ذنوبه وسعادته! أو أوردوا في زيارة حمزة: «راغباً إليك في الشفاعة أبتغي بزيارتك خلاص نفسي متعوّذاً بك من نارٍٍ استحقّها مثلي بما جنيت على نفسي، هارباً من ذنوبي التي احتطبتها على ظهري، فزعاً إليك رجاء رحمة ربي، أتيتك من شقَّةٍ بعيدةٍ طالباً فكاك رقبتي من النار»!.

هذه الجمل مخالفة تماماً لأمر الله وأحكام شريعته، لأن القرآن الكريم أمرنا أن لا نلجأ إلا إلى الله وأن لا نستعين إلا بالله وعلّمنا أن الشفاعة ليست حسب رغبتنا وأنها منحصرة بيد الله وأننا إذا تحمّلنا أوزاراً ثقيلة من الذنوب على ظهورنا فلا ينقذنا من تبعاتها شيء سوى التوبة النصوح. إن تبتم غفر الله ذنوبكم، ولا ينبغي عليكم أن تُطْلِعُوا أحداً على ذنوبكم ولا يحقُّ لأي أحد أن يتتبع ذنوب الآخرين ويتجسس عليهم ويطَّلع على زلّاتهم. ولكن هذا المسكين الجاهل ترك أحكام الله وتعاليمه وتعاليم كتابه وآياته وذهب يطلب فكاك رقبته من النار بشفاعة حضرة حمزة -رضي الله عنه- وظنّ أن هذا الأمر بيده. الله تعالى قال للمذنب أنا معك في جميع الأحوال، عليمٌ بأعمالك وخبيرٌ بذنوبك وقادرٌ على نفعك وضرِّك، ولكن هذا الجاهل غفل عن آيات الله وذهب يقطع مسافات بعيدة حتى وجد حضرة حمزة رضي الله عنه ولم يدرِ أنه لا علم له بما في الدنيا بل هو سعيد منعّم يُرزق في دار السلام ولم يعد له أي صلة ولا أي شغل بالمذنبين الخطَّائين.

لقد أمر الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن يلجأ إليه فقال: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ [المؤمنون:97-98]، وقال له كذلك: ﴿ فَاسْتَعِذْ بِالله إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف:200]، وقال أيضاً: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا * قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ الله أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الجن:20-22]، وكان رسول الله يدعو ربه قائلاً: «إلـهي لا مفزع ولا مفرَّ إلا إليك»، فلاحظوا كم ذكروا في تلك الزيارات من مطالب مخالفة للقرآن!

كذلك نقرأ في زيارة حضرة حمزة رضي الله عنه: «ألْـهَمَنِي طَلَبَ الحوائج عنده»! ولكن الواقع أن الله لم يلهمه ذلك بل الشيطان هو الذي ألهمه أن يطلب الحوائج عند غير الله!! وقارنوا ذلك بالدعاء الصحيح المروي عن الإمام السجّاد عليه السلام الذي يقول فيه مناجياً ربَّه: «الحمدُ لله الذي أغلق عنا باب الحاجة»(75)، ويقول كذلك: «لا أطلب الفرج إلا منك»(76).

أجل، إن ما ذكره الخُرَافِيُّون من أعمال وزيارات للقبور ليس له أي مستند في الشرع، ويقول المجلسيُّ: «لا أدرِي لماذا لم يذكر العلماء في كتبهم زيارة أبي طالب وعبد المطلب وزيارة عبد مناف(77) والسيدة خديجة مع أن قبورهم معروفة في مكّة»!!

والجواب واضح أنه لا يوجد أي مستند لذلك أو أن وضّاعي الزيارات لم يجدوا الوقت الكافي لصنع زيارات لهم!!، وليت شعري هل يجب أن نصنع نص زيارة لكل قبر معروف؟! نحمد الله أنهم لم يدوّنوا لهم زيارات وإلا لوجب أن يدوّنوا زيارات لأبي ذرّ وسلمان و... و... رضي الله عنهم وكذلك لمئة وأربعة وعشرين ألف نبي وأولادهم وللسيدة آمنة وعبد الله والديّ نبي الإسلام ولحضرة جعفر والمقداد وعمّار وابن مسعود ومالك الأشتر وآلاف الصالحين غيرهم!

ثم يقول المجلسيُّ: صلّ في المدينة في بيت زين العابدين وبيت الإمام الصادق. ويبدو أن المجلسيَّ لم يكن يعلم أن بيوتهم قد تهدّمت منذ قرون وانتقلت تلك الأراضي إلى آخرين ولم تعد حدودها معلومة.


 

روايات باب «فضل النجف وماء الفرات» المليئة بالأكاذيب

1- روى المجلسيُّ في «البحار» [نقلاً عن علل الشرائع] عن الدقاق، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن البطائني عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن النجف كان جبلاً، وهو الذي قال ابن نوح: ﴿ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاء ﴾ ولم يكن على وجه الأرض جبلٌ أعظم منه، فأوحى الله عز وجل إليه: يا جبل أيعْتَصِمُ بكَ منِّي؟ فتقطَّعَ قطعاً إلى بلاد الشام وصار رملاً دقيقاً...»(78).

ونسأل: وهل عصى الجبلُ ربَّه إذا لجأ إليه مجرم؟ وما تقصير الجبل في ذلك؟ إذا كان الأمر هكذا فيجب أن تتحول جميع الجبال إلى رمل دقيق خشية من الله [لما يقع عليها من معاصي العباد]!

2- وروى المجلسيُّ في «البحار» [نقلاً عن علل الشرائع للشيخ الصدوق بسنده عن أبي الجارود رفعه إلى عليٍّ صلوات الله عليه] قال: «إن إبراهيم (ع) مرَّ بـ«بانقيا» فكان يزلزل بها، فبات بها فأصبح القوم ولم يزلزل بهم، فقالوا: ما هذا وليس حدث؟ قالوا: نزل هيهنا شيخٌ ومعه غلامٌ له، قال: فأتوه فقالوا له: يا هذا إنه كان يزلزل بنا كل ليلة ولم يزلزل بنا هذه الليلة فبِتْ عندنا، فبات ولم يزلزل بهم، فقالوا: أقم عندنا ونحن نجري عليك ما أحببت. قال: لا ولكن تبيعوني هذا الظهر ولا يزلزل بكم. قالوا: فهو لك. قال: لا آخذه إلا بالشرى. قالوا: فخذه بما شئت. فاشتراه بسبع نعاج وأربعة أحمرة فلذلك سمي بانقيا، لان النعاج بالنبطية نقيا. قال: فقال له غلامه: يا خليل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر ليس فيه زرع ولا ضرع؟ فقال له: اسكت فإن الله عزَّ وَجلَّ يحشر من هذا الظهر سبعين ألفاً يدخلون الجنَّة بغير حساب يشفع الرجل منهم لكذا وكذا»(79).

ينبغي أن نعلم أنه لن يدخل أحد الجنّة دون حساب وسؤال حتى الأنبياء والأولياء كما قال تعالى: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأعراف:6]. فأهل النجف إذن سيُسألون أيضاً عن أعمالهم كسائر الناس، ولا يمكن إعفاؤهم من المسؤولية بمثل هذه الأحاديث.

3- وروى المجلسيُّ أيضاً في «البحار» [نقلاً عن كامل الزيارة لابن قولويه بسنده عن حنان بن سدير] قال: «دخل رجلٌ من أهل الكوفة على أبي جعفر عليه السلام فقال عليه السلام له: أتغتسل من فراتكم في كل يوم مرَّة؟ قال: لا. قال: ففي كل جمعة؟ قال: لا. قال: ففي كل شهر؟ قال: لا. قال: ففي كل سنة؟ قال: لا. قال: فقال له أبو جعفر عليه السلام: إنك لمحروم من الخير»(80).

4- وروى المجلسيُّ في «البحار» كذلك [نقلاً عن كامل الزيارة بسنده] عن عليٍّ عليه السلام قال: «الماء سيد شراب الدنيا والآخرة وأربعة أنهار في الدنيا من الجنة الفرات والنيل وسيحان وجيحان: الفرات الماء، والنيل العسل وسيحان الخمر، وجيحان اللبن»!!(81). قلت: إذن لا فضل لأهل الجنّة علينا لأن تلك الأنهار الأربعة التي ذكرت في سورة «محمد» صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطاها الله - حسب هذه الرواية - لأهل الدنيا أيضاً!

5- وروى في هذا الباب عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «..نهران مؤمنان: نيل مصر والفرات(82)..... وإن نهر الفرات من شيعة عليٍّ عليه السلام!! (83»). قلت: لعلَّ بقية الأنهار جميعاً من أهل السنَّة، أو غير مسلمة!!

ثم روى أيضاً في الباب ذاته [نقلاً عن كتاب «فرحة الغَرِيّ»]: «أربع بقاع ضجَّت إلى الله أيام الطوفان: البيت المعمور فرفعه الله، والغري وكربلا وطوس»(84). فليت شعري لماذا لم تضجّ مكة والمدينة؟؟ وكذلك إذا رفع الله الغَريّ (النجف) وكربلاء وطوس -كما رفعَ البيت المعمور - فلماذا لا تزال النجف وكربلاء وطوس موجودة على الأرض؟!

6- وادَّعى المجلسيُّ أن "من خواص تربة النجف إسقاط عذاب القبر وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك"!! والدليل المحكم الذي ساقه المجلسيُّ على هذا الأمر هو الأحلام التي رآها بعضهم!! ومن هذا يتبيَّن أن أحد الأدلة التي يستند إليها المجلسيُّ المنامات والأحلام!! فقد روى المجلسيُّ أنه: «وذكر بعضهم أن معهم جنازة فأدخلوها وجعلوها على الصفة التي تجاه «مسلم بن عقيل» عليه السلام. ثم إن أحدهم نعس فرأى في منامه قائلاً يقول لآخر: ما تبصره حتى نبصر هل لنا معه حساب؟ وينبغي أن نأخذه منه عجلاً قبل أن يتعدَّى الرصافة فما يبقى لنا معه طريق [يعني ينبغي أن نحاسبه بسرعة قبل أن يصل إلى حدِّ النجف لأننا لن نستطيع محاسبته عندئذ!!] فانتبه وحكى لهم المنام فقال: خذوه عجلاً فأخذوه ومضوا به في الحال إلى المشهد الشريف [أي في النجف]»!!(85) وينبغي أن نقول - والعياذ بالله - يبدو أن الله تعالى أرسل مأمورين عديمي الكفاية سمحوا لبعض العباد أن يفرُّوا من المحاسبة على أعمالهم! نعم مثل هذا الإله مناسب لكتاب مثل «البحار»!!! أما ربُّ القرآن الكريم فهو غير ذلك، وهو يقول: ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ الله وَلِيّاً وَلا نَصِيراً ﴾ [النساء:123].

وأقول: في نظام الإله الحقيقي ليس للعباد من الأمر شيء ولا يمكن لأحد أن يفرّ من حكومته وجزائه. ولكن مع الأسف الشديد فإن قرّاء مراثي العزاء لدينا لا شغل لهم بالقرآن الكريم، بل شغلهم بالأحلام والمنامات التي ينقلها المجلسيُّ لأنها أكثر نفعاً لدكاكينهم!!

7- وأراد المجلسيُّ في الباب الثاني من هذا القسم ذاته أن يُثبت حسب ظنّه -استناداً إلى الأحلام والكرامات وروايات الغلاة- أن مكان دفن أمير المؤمنين (ع) -الذي كان مجهولاً حتى قرنين بعد وفاته- في النجف! ولا عجب من إصراره على هذا الأمر لأنه لو لم يُعلَم موضع مدفن الإمام لعُطِّلَت كلُّ تلك الموقوفات والنذورات ولما بقي سبب لتلك البوابات المذهّبة والقباب والمنارات الذهبية والجواهر والقصور الكثيرة!! ولكسد سوق الكثيرين!

يقول أحد العلماء المعاصرين وهو آية الله «الخالصي»: ذهبتُ إلى النجف ورأيتُ المنارات والقباب الذهبية والأبواب والأبنية المصنوعة من الذهب والفضة والجواهر الثمينة وقلتُ في نفسي: يا أمير المؤمنين! لقد كنتَ في حياتك تنام على التراب حتى خاطبك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبي تراب، وبينا أنا غارق بأفكاري إذا برائحة تعفُّن تعمّ المكان فجأةً وتبيَّن أن هناك جثماناً متعفّناً قد أُتي به من مكان بعيد ليُطاف به حول القبر، مع أن مثل هذا العمل بدعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام عن الطواف بقبر، كما لا يحبّذ شرع الإسلام حمل الجنازة من مدينة إلى أخرى، ولكن القائمين على أمور الدين لا يقومون بتوعية الناس حول هذه المسائل (وذلك لكي تُباع القبور في مدن مثل النجف ومشهد وقم و... بأسعار باهظة جداً!) فقلتُ للخدّام: لماذا تَدَعُونهم يلوِّثون جوَّ الحرم بمثل هذه الروائح، أليس لهذه المدينة مركزٌ صحيٌّ؟ فقالوا: أيها الشيخ! ألا تعلم أنهم يصنعون من خشب تلك التوابيت المتعفّنة ذاتها والمليئة بالجراثيم سحَّارات يملؤونها من التمر ويرسلونها إلى نواحي البلاد!!

 

 

+                  +                 +


 

الروايات في باب فضل زيارة قبر أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام

روى المجلسيُّ والشيخ المفيدُ وابن قولويه و...... أنه «ما خلق الله خلقاً أكثر من الملائكة وإنه لينزل كل يوم سبعون ألف ملك فيأتون البيت المعمور فيطوفون به، فإذا هم طافوا به نزلوا فطافوا بالكعبة، فإذا طافوا بها أتوا قبر النبيِّ (صَلَّى الله عَلَيه وَآلِهِ) فسلَّموا عليه، ثم أتوا قبر أمير المؤمنين عليه السلام فسلَّموا عليه، ثم أتوا قبر الحسين عليه السلام فسلَّموا عليه، ثم عرجوا، وينزل مثلهم أبداً إلى يوم القيامة.»!!(86).

قلتُ: في رأي كاتب هذه السطور لقد أراد واضع هذا الحديث أن يحرِّض الناس على الذهاب كل يوم آلافاً آلافاً لزيارة تلك القبور!

و روى أيضاً في الباب ذاته أنه: «من زار أمير المؤمنين عارفاً بحقه غير متجبر ولا متكبر كتب الله له أجر مائة ألف شهيد»!! هذا في حين أن الإمام ذاته استُشهد مرة واحدة فكان له أجر شهيد واحد. وقد قال عليٌّ عليه السلام: «يَوْمَ أُحُدٍ حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ المُسْلِمِينَ وحِيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ فقال لي النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم:«أَبْشِرْ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِك»)(87). وقال عليه السلام أيضاً: «نَسْأَلُ الله مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ»(88)، فلو قبلنا بتلك الرواية لأصبح ثواب الزائر أكثر من ثواب المزور، فتلك الرواية خفّضت من مقام الشهيد مع أن الله تعالى جعل للشهيد مقاماً رفيعاً جداً وجعله إلى جانب الأنبياء والصديقين كما قال سبحانه: ﴿ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ﴾ [النساء:69]. ولما كان الإمام عليّ عليه السلام حياً لم يقل أحد أن ثواب زيارته هو ثواب شهيد واحد ولو قال أحدهم مثل ذلك لاستُهزأ به وقيل له لماذا تضيف على الإسلام شيئاً من عندك، ولكنّ وضّاعي الحديث في القرون التالية لفّقوا ما شاؤوا من الروايات!

وقد جاء في رواية موضوعة أخرى أن لزائر أمير المؤمنين (ع) في كل خطوة يخطوها ثواب حجة وعمرة مقبولة. وبناء على هذه الرواية المكذوبة يكون ثواب الزائر أكثر من ثواب مئة ألف حج هذا في حين أن الإمام ذاته ربما لم يحج أكثر من عشر حجات!

إذا قبلنا بهذه الروايات لم يبق هناك أي لزوم لتحمّل مشاقّ الجهاد أو الذهاب إلى الحج إذ يكفي بدلاً من ذلك أن يقوم الإنسان بزيارة قبور الأئمة مرة واحدة!! يعني أنه في الواقع يصبح القبر - حسب تلك الروايات- أكثر أهمية من الكعبة! وهذا هو هدف الشيطان والاستعمار بعينه، لأن الكعبة محلّ وحدة المسلمين، أما القبور فموجبة لتفرّقهم وتشتُّتهم.

 

 

+                  +                 +


 

باب زيارات أمير المؤمنين المطلقة (التي لا تختصُّ بوقتٍ من الأوقات)

 كما قلنا لقد ملؤوا في أبواب الزيارة مئات الصفحات من المدح والإطراء والثناء والتمجيد وآداب الزيارات التي تحتاج إلى أناس عاطلين عن العمل كي يقرؤوا كل تلك الزيارات في الليل والنهار فلا يتمكَّنوا من القيام بشيء آخر.

وقد ورد في بعض تلك الزيارات خطاب لأمير المؤمنين: «يا أمين الله في أرضه»، هذا مع أن الله تعالى اعتبر «جبريل» عليه السلام أمين وحيه وقال: ﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ (التكوير:21) فلا ندري بأي شيء كان الإمام أمين الله، هل كان أمينه على حفظ دينه وعدم إعطائه لأحد أم على شيء آخر؟ ثم جاء في الزيارة: «وحجته على عباده» أي أن الأئمة «عليهم السلام» حجة الله على عباده، ولكن كما بيّنا سابقاً فإن القرآن الكريم ينفي وجود حجة بعد الرسل (سورة النساء: الآية 165). وهنا نريد أن نعلم هل الأئمة عليهم السلام حجة على أهل زمانهم أم على من جاء بعدهم بمئات السنين ولم يرهم؟ إن قيل إنهم حجة على من بعدهم فإن هذا سيخلق مشاكل لن تُحلَّ، لأن الأخبار والآثار المنسوبة إليهم مليئة بالمتناقضات الباطلة خلافاً للقرآن الكريم، فهل يمكن للحجّة أن تتضمن تناقضات؟

وكذلك جاء في تلك الزيارة المطلقة لأمير المؤمنين عليه السلام: «أنت أول مظلوم» فهل يمكن التصديق بأنه لم يظلم أحد على الإطلاق قبل أمير المؤمنين (ع)؟ ولو فرضنا أن هذه الجملة صحيحة فما الهدف من قولها وكتابتها سوى إيجاد التفرقة وإثارة الفتنة والطعن واللعن؟ فلن ينتج عنها سوى ذلك(89). وكذلك جاء في تلك الزيارة: «جئتُك عارفاً بحقك مستبصراً بشأنك معادياً لأعدائك»! هذا في حين أنه في زمننا هذا لا يوجد عدوٌّ لعليّ سوى الذين غيروا أصول دين عليّ عليه السلام وفروعه والتي كانت الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر فقط، فأضافوا عليها أصولاً وفروعاً أخرى باسم المذهب. فعليٌّ عليه السلام كان يعتبر نفسه تابعاً للدين ولم يكن يعتبر ذاته أو الإيمان به وبأولاده أصلاً من أصول الدين، أما أولئك الزائرون فإنهم اعتبروا الإيمان به من أصول الدين! لماذا لا يلاحظ قرّاء تلك الزيارات كل هذه الأوهام والخرافات بل تقع عندهم موقع الرضا إذْ تعجبهم ألفاظها المنمَّقة وعباراتها المسجّعة والمقفّاة؟

ثم يقول: «فاشفع لي إلى ربك يا مولاي فإن لك عند الله مقاماً معلوماً». وهنا نسأل: هل الشفاعة بيد الزائر أم بيد الإمام؟ الحقيقة التي قررها القرآن الكريم هي أن شفاعة النبي والإمام لشخص معيَّن تحتاج إلى إذن الله ابتداءً، فالله تعالى وحده الذي يعلم المستحقَّ للشفاعة من عباده، إذْ هو وحده البصير بعباده العليم بسرائرههم وضمائرهم وما تخفي صدورهم، وليس للأنبياء ولا الأئمة علمٌ بحقيقة العباد وسرائرهم، من هنا يقول سبحانه وتعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [البقرة:255]، ويقول: ﴿ قُلْ لله الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ﴾ [الزمر:44]. فإذا كانت الشفاعة بيد الله وحده فلا فائدة من طلبها من النبيّ أو الإمام، بل لا بدَّ من العمل بمرضاة الله وطلب الغفران منه وحده، وبالتالي فإن الزائر سأل من لا يملك وطمع بما لا طائل تحته وأضاع وقته سدى.

والإشكال الآخر في تلك الزيارة ذلك الدعاء الوارد في آخرها والذي يقول: «بحقِّ محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين آبائي» فكيف يكون أئمة أهل البيت عليهم السلام آباء الزائر؟! وهل يمكن أن يُقال لحضرة الزهراء أب؟ نحن لا ندري من الذي وضع تلك الزيارات؟ هل كان قصده خداع الشيعة وإلباسهم ثوب الغرور؟

ثم بعد تلك الزيارة وضعوا رواية منسوبة إلى الإمام الباقر عليه السلام يقول فيها: «ما قال هذا الكلام ولا دعا به أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين أو عند قبر أحد من الأئمة عليهم السلام إلا رفع دعاؤه في درج من نور وطبع عليه بخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكان محفوظاً كذلك حتى يسلم إلى قائم آل محمد عليهم السلام فيلقى صاحبه بالبشرى والتحية والكرامة إن شاء الله تعالى.»(90).

ولا أدري هل أرادوا السخرية بمثل هذه الرواية لأنه ما الفائدة من رفع دعائه في درج من نور وختمه بخاتم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتسليمه إلى قائم آل محمد ليحفظه للداعي؟ ثم إنه لم يكن هناك قائم في زمن الإمام الباقر حتى يقول إن دعاء الزائر سيُرفع ويسلّم إليه ليحفظه!! إن مختلق هذه الروايات لم يكن يدري ما يقول!

وفي الزيارة رقم 14 يمنّ الزائر على ربه فيقول: «اللهم عبدك وزائرك يتقرّب إليك بزيارة قبر أخي رسولك، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره»»(91)، فما معنى قوله «عبدك وزائرك»؟ ألا يدري أن الله لا يمكن زيارته؟!

وفي موضع آخر من هذا الدعاء أُطلق على أمير المؤمنين (ع) لقب «صاحب الميسم» والمقصود منه أن الإمام يَسِمُ أي يكوي وجوه المؤمنين والكافرين لكي يضع على جبينهم علامة بأن فلاناً مؤمن وفلاناً كافر. وهذا عمل لغو إذ ما الداعي إليه؟ هل يريد أن يعرّف الناس لله أو لملائكته وهم في غنى عن تلك العلامة؟ أم يريد أن يعرّف الناس للناس مع أن هذا لا يفيد في شيء ولا نتيجة له كما أنه لا يفيد يوم القيامة لأن المؤمنين في ذلك اليوم ستبيض وجوههم والمجرمين والكفار سيُحشرون سود الوجوه ولا حاجة لعلامات إضافية.

ونقرأ كذلك في تلك الزيارة شهادة الزائر للإمام: «إنك باب الله وإنك وجه الله»!

أما حضرة أمير المؤمنين عليه السلام فإنه يقول: «فَاسْتَفْتِحُوهُ واسْتَنْجِحُوهُ واطْلُبُوا إِلَيْهِ واسْتَمْنِحُوهُ فَمَا قَطَعَكُمْ عَنْهُ حِجَابٌ ولا أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَهُ بَابٌ وإِنَّهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ وفِي كُلِّ حِينٍ وأَوَانٍ ومَعَ كُلِّ إِنْسٍ وجَانٍّ»(92).

ويقول أيضاً: «واعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ والأرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ وتَكَفَّلَ لَكَ بِالإجَابَةِ وأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ وتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ ولَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ ولَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ..»(93).

والإمام السجاد عليه السلام يقول كذلك مناجياً ربَّه: «وبابك مفتوحٌ للراغبين»(94)، وبالتالي فالله تعالى شأنه ليس كالسلاطين الذين لهم حُجَّاب وأبواب يُدخل من خلالها إليهم، بل هو أقرب إلى عباده من حبل الوريد [وهو القائل: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة:186]].

فهكذا يتبيَّن أن مطالب تلك الزيارة مخالفة [للقرآن الكريم] كما هي مخالفة في الواقع لعقائد الأئمّة الهداة من آل النبيّ عليهم السلام.

وأما قوله «وأنَّكَ وجه الله» فلا يصحّ لأن «وجه الله» - كما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَلله الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله ﴾ [البقرة:115] - يدلّ كما قالوا على عنايته، وقد رُوي عن أمير المؤمنين (ع) أن «وجه الله» ذاته وليس لله وجه جسماني وإنما سُميت عناية الله بالوجه لأن كل من توجّه إلى شيء واعتنى به فإنما يفعل ذلك بوجهه فأُطلقت كلمة «الوجه» بحقِّ الله لهذا السبب، ولكن علم الله ذاتيٌّ وهو محيط بكلِّ شيء بذاته. فوجْهُ الله ذاته، وإذا رُويت رواية عن الغلاة تخالف هذه الحقيقة فيجب عدم قبولها.

وفي هذه الزيارة أيضاً قول الزائر للإمام: «أنت الصراط المستقيم»، مع أن الإمام عليَّاً عليه السلام سالكٌ للصراط المستقيم وليس عين الصراط لأن الإمام يصلِّي على الأقلّ خمسين ركعة في اليوم ويقرأ في صلاته: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة:6]، فإذا كان الإمام ذاته الصراط المستقيم لما جاز أن يطلب من الله أن يهديه إلى نفسه. وحتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذاته كان هادياً للناس إلى الصراط المستقيم كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ الله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الأُمُورُ ﴾ [الشورى:52-53]. فخاتم النبيين ذاته صلى الله عليه وآله وسلم مرشدٌ للناس إلى الصراط المستقيم لا أنه هو ذاته الصراط المستقيم(95)!

وفي موضع آخر من الزيارة نقرأ: «السلام عليك يا صفوة الله يا عمود الدين» هذا في حين أن الاصطفاء خاصٌّ بالأنبياء، وعمود الدين - طبقاً لتعليمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - هو الصلاة وإذا كان عمود الدين هو الإمام لزال ذلك العمود بوفاة الإمام!

وفي موضع آخر من الزيارة يقول الزائر للإمام: «أتيتُك وافداً لعظيم حالك ومنزلتك عند الله وعند رسوله، متقرِّباً إلى الله بزيارتك طالباً خلاص نفسي من النار، متعوِّذاً بك من نار استحقَقْتُها بما جنيتُ على نفسي»!!

وأقول: إذا كان كل من استحقّ نار جهنّم بسوء عمله يمكنه باللجوء إلى مخلوق آخر أن ينجو من عقاب الله، فلن يبقى هناك إذن أي معنى لخلق النار والجحيم ولا أي مفهوم للعقاب الإلهي. هذا إضافة إلى أن الله تعالى أمرنا في مواضع عديدة من كتابه الكريم أن نلجأ إلى الله، بل أمر رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ذاته أن لا يلجأ إلا إلى الله. في أي موضع من القرآن أو السنة أُمرنا بأن نلجأ إلى مخلوق؟ أليس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو القائل: «سبحان الذي لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه»(96) ويقول في دعاء آخر:

«يا من لا مفزع إلا إليه، يا من لا يُستَعان إلا به، يا من لا يُرجى إلا هو، يا من لا منجا منه إلا إليه، يا من لا يصرف السوء إلا هو» (دعاء الجوشن الكبير، الفقرات 38 و39 و90).

أولم يقرأ هؤلاء أدعية عليّ عليه السلام الذي كان يخاطب ربه متأسِّياً بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: «إنه لا يأتي بالخير إلا أنت ولا يصرف السوء إلا أنت»(97)

ويقول في دعاء آخر: «لا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه»(98)،

ويقول مستلهماً من الآية 22 من سورة «الجنّ» الكريمة: «اللهمَّ إنَّه لَنْ يجيرني مِنْكَ أحدٌ وَلَنْ أجدَ مِنْ دونكَ مُلْتَحَدَاً»(99)،

ويقول مستلهماً من الآية 68 من سورة «الفرقان» المباركة: «اللهم واجعلني من.... الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهاً آخَرَ»(100).

ويدعو حفيده الكريم حضرة الإمام الصادق عليه السلام مستلهماً من الآية 56 من سورة الإسراء المباركة فيقول: «اللهم إنك عيّرت أقواماً في كتابك فقلت: قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً؛ فيا من لا يملك كشف ضري ولا تحويله عنّي أحدٌ غيره صلّ على محمد وآله واكشف ضُرِّي»(101).

أضف إلى ذلك أن الإمام عليّاً عليه السلام رحل عن هذه الدنيا الفانية وانتقل إلى دار البقاء ولم يعد موجوداً في عالم الدنيا حتى يلتجئ إليه ذلك المغالي، وقد اعتبر الإمامُ نفسَه - في وصيّته التي أوصى بها بعد أن ضربه ابن ملجم- فانياً مفارقاً فقال: «أَنَا بِالأمْسِ صَاحِبُكُمْ والْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وغَداً مُفَارِقُكُمْ إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي وإِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي»(102).

إن أولئك الغلاة يريدون بتلك الخرافات والكفريَّات أن ينقذوا أنفسهم من العذاب والحساب باسم ذلك الإمام الهمام الذي كان ذاته يتأوَّه من خشية الله ويخاف من عذابه، متخيِّلين بأنهم بعملهم بتلك البدع سيُصرف النظر عن جرائمهم!! فما أبطل خيالهم وما أبعد ما يتوهَّمون!

ويروي المجلسيُّ في الحديث رقم 15من هذا الباب [نقلاً عن كتاب فرحة الغريّ] بسنده عن «صفوان الجمّال» قال: «لما وافيت مع جعفر الصادق (ع) الكوفة يريدُ أبا جعفر المنصور قال لي: يا صفوان! أنخ الراحلة فهذا قبر جدي أمير المؤمنين فأنختها، ثم نزل فاغتسل وغيَّر ثوبَه... وقال لي: قصِّر خطاك والق ذقنك الأرض فإنه يكتب لك بكل خطوة مائة ألف حسنة، ويمحى عنك مائة ألف سيئة، وترفع لك مائة ألف درجة، وتقضى لك مائة ألف حاجة، ويكتب لك ثواب كلّ صديق وشهيد مات أو قُتِل!!...»(103).

لا حظوا أن ما ذُكر هو ثواب خطوة واحدة فمعنى ذلك أنه عندما سيصل إلى القبر سيكون له ثواب مليارات الصدِّيقين والشهداء!! هذا في حين أن حضرة أمير المؤمنين عليه السلام ذاته نال ثواب شهيد واحد لأنه استُشهد مرَّةً واحدةً، وجميع الأئمة عليهم السلام كانوا يسألون الله في أدعيتهم ثواب الشهادة في سبيله أي ثواب شهيد واحد. ومن الطريف أن رواية «صفوان» هذه يُفهم منها أنه لم يكن هناك أثرٌ مُشاهَدٌ للقبر حتى أخبره الإمام الصادق عليه السلام بأن هذه البقعة هي مكان قبر جدِّه، هذا في حين أن «صفوان الجمّال» ذاته يخبرنا في الحديث رقم 18 أنه سأل الصادق عليه السلام عن زيارة مرقد أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: «فقال: يا صفوان إذا أردت ذلك فاغتسل والبس ثوبين طاهرين ونل شيئاً من الطيب.... (إلى قوله):... فإذا تراءت لك القبة الشريفة فقل: الحمد لله على ما اختصني به... الخ (إلى قوله):... فإذا نزلت الثوية وهي الآن تل بقرب الحنانة عن يسار الطريق لمن يقصد من الكوفة إلى المشهد فصل عندها ركعتين.. الخ (إلى قوله):.. فإذا بلغت إلى باب الصحن فقل: الحمد لله..الخ (إلى قوله): ثم ادخل وقل: الحمد لله الذي أدخلني هذه البقعة المباركة... الخ... (إلى قوله)... ثم قبِّل العتبة وقدِّم رجلك اليمنى قبل اليسرى وادخل وأنت تقول: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله..الخ»(104) وهذه الرواية تناقض الرواية السابقة لأنها تفيد أن القبر كان بناءً ظاهراً له صحنٌ وعتبةٌ وبابٌ [وطبعاً هذا ليس بصحيح]، فهذا يبيِّنُ كيف ينطبق على أولئك الكذّابين الوضّاعين المَثَلُ القائل: «حبل الكذب قصير»!

ومما جاء في هذه الزيارة أيضاً وصف حضرة الأمير عليه السلام بأنه «خازن الوحي»، وجاء فيها أيضاً أنه إذا دخلتَ المدينة فقل: «اللهمَّ لبابك وقفتُ» ولا ندري هل اعتبرَ بابَ المدينة بابَ الله أم اعتبر علياً عليه السلام بابَ الله؟!! وعلى كلّ حال فقد جعل لله باباً ثم قال: «ثمّ امش حتى تقف على الباب في الصحن وقل.... يا مولاي يا أمير المؤمنين! عبدك وابن عبدك وابن أمتك!...(إلى قوله)... يا أمين ربّ العالمين وديّان يوم الدِّين» هذا في حين أن عشرات الآيات القرآنية تنصُّ على أن «أمين ربّ العالمين» صفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن «ديَّان يوم الدِّين» صفةٌ للحقِّ تعالى الذي يقول في كتابه: ﴿ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لله ﴾ [الانفطار:19].

ويتواصل متن الزيارة الطويل المليء بالعبارات المغالية حتى يصل إلى قول الزائر: «السلام على ميزان الأعمال ومقلّب الأحوال» هذا في حين أن ميزان الأعمال ومعيار الحق والباطل في الأفعال هو كتاب الله وقوانين شريعته وليس علياً عليه السلام، لأن الله تعالى يقول: ﴿ الله الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الشورى:17].

ونتساءل هنا: بأي ميزان ستُقاس أعمال الإمام عليّ عليه السلام والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إن كان عليٌّ ذاته هو الميزان، وكيف سيزن الميزان نفسه؟ أضف إلى ذلك أن الله تعالى جعل الكتاب السماوي المنزَّل على كل أمَّة ميزاناً لها وبيَّن أن كلَّ أمَّةٍ ستُدعى يوم القيامة إلى كتابها كما قال سبحانه: ﴿ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية:28].

وأما عبارة «مقلّب الأحوال» التي وردت في الزيارة فهي خاصَّة بالله المتعال، أما الأنبياء والأولياء فلا يملكون تقليب أحوال أنفسهم فضلاً عن غيرهم، كما قال تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ الله ﴾ [الأعراف:188]، وكما أمر نبيه أن يقول: ﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ﴾ [الأحقاف:9]. فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدري ما أحوال الآخرين؛ وبالتالي لا يمكنه تقليب أحوالهم، فكيف يستطيع الإمام ذلك؟ إن أحوال العباد بيد الله وحده وهم تحت نظر الله وهو وحده مقلّب القلوب والأحوال لا غيره. وقد قال تعالى لرسوله الكريم: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال:63]. إذن مقلّب القلوب ومقلّب الأحوال والمؤثر هو الله المتعال، ولا ندري لماذا يصرّ وضّاعو تلك الزيارات على إثبات صفات الله وأسمائه للإمام وجرّ الناس نحو الشرك؟

ثم نقرأ في تلك الزيارة «السلام على شجرة التقوى، وسامع السِرِّ والنجوى»، هذا مع أن هذه الصفة الأخيرة مختصَّةٌ - كما تنصُّ عديد من آيات القرآن - بالله تعالى وحده كما قال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الله فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام:3]، ويقول: ﴿ أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [البقرة:77] (البقرة: ٧٧ وهود: 5، والنحل: 23 ويس: 76)، يقول: ﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الملك:13] ويقول: ﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه:7] ويقول: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ الله عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [التوبة:78].

فليت شعري هل عليٌّ عليه السلام هو الله - والعياذ بالله - حتى يعلم أسرار الناس وخفايا قلوبهم؟؟ لقد جاءت في «نهج البلاغة» نصوصٌ تبيِّن بوضوح أن عليّاً عليه السلام لم يكن بمقدوره أن يطَّلع على خيانات بعض أمرائه وقوَّاده إلا عن طريق عيونه وجواسيسه أو عن طريق رسائل الناس، كما كتب في رسالةٍ له يقول: «أمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَيْنِي بِالمَغْرِبِ كَتَبَ إِلَيَّ يُعْلِمُنِي...»(105)، كما أنه عيَّن «عُبَيد الله بن عباس» والياً على «البصرة» فاختلس مبلغاً كبيراً من بيت المال فلمّا علم الإمام بذلك بكى على المنبر(106). كما أنه عيّن «المنذر بن جارود» لجمع الصدقات ولكنّه أخذ الأموال لنفسه والتحق بمعاوية(107)! فكتب له الإمام بعد اطلاعه على خيانته: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلاحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ وظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ وتَسْلُكُ سَبِيلَهُ فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لا تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً ولا تُبْقِي لِآخِرَتِكَ عَتَاداً..»(108)، وعيَّن «أبا موسى الأشعري» والياً على «الكوفة» فظهر أنه لم يكن موافقاً له ولم يخدم الإمام كما يجب! وعيَّن «كميل بن زياد النخعي» والياً على «هيت» فترك الدفاع عن المدينة ولم يدفع غارة جيش العدوِّ عليها بل سلَّمها دون مقاومة فكتب له الإمام رسالةً يذمُّه فيها ويوبِّخه على ذلك(109)، وعهد الإمام بولاية «فارس» إلى «زياد بن أبيه» فانقلب عليه وأصبح من أعوان معاوية وقام بقتل كثير من شيعة أمير المؤمنين!(110) وكذلك عيَّن «مصقلة بن هبيرة» عاملاً له على «اردشير خُرَّة»(111) ولكنه خان الأمانة وقام بتقسيم الفيء -أي بيت مال المسلمين- بين أقربائه!(112) وقام بعزل «قيس بن سعد بن عبادة» الذي كان من الرجال المجرِّبين المحنَّكين المحبِّين للإمام المخلصين له عن ولاية مصر تأثُّراً بوشاية بعض النمَّامين [التي تبيَّن كذبها فيما بعد]، وعيَّن مكانه ابنَه المُتَبَنَّى «محمد بن أبي بكر» الذي تبيَّن أنه لم يكن يمتلك التجربة والحنكة الكافية للتصدِّي لتلك المسؤولية وبالتالي سقطت مصر وخرجت من سلطة أمير المؤمنين.

هل يجوز أن نقول إن عليَّاً عليه السلام كان يعلم أن أولئك الأفراد المذكورين كانوا خَوَنَة أو لم يكونوا أهلاً للمسؤولية ورغم ذلك عيَّنهم الإمام في مناصب مهمَّة وبالتالي كان شريكاً لهم على نحو ما في خياناتهم؟! يجب أن نقول: معاذ الله إن الأمر ليس كذلك بكل تأكيد. إذن فما معنى تلك الأباطيل مثل عبارة «سامع السر والنجوى» التي جاءت في نص الزيارة؟

يجب أن نعلم أن جميع الأنبياء والمرسلين الذين رحلوا عن الدنيا لم يكن لهم نصوص زيارات وليس لهم الآن، ولكن المجلسيّ يقول في كتاب المزار من كتابه «البحار» في الزيارة رقم 18 أن علماء الشيعة كتبوا نص زيارة لزيارة آدم ونوح عليهما السلام، ولكنهم لم يكتبوا نصوص زيارات لزيارة صالح وهود وإبراهيم عليهم السلام، وأنه يجدر صياغة زيارة لهم! وفي رأيي أن هؤلاء السادة لم يكن عندهم عمل يشغلهم لذلك أخذوا يكتبون زيارات لكل من رحل عن هذه الدار!

وقد استشهد واضع الزيارة رقم 18 في معرض إثباته لشفاعة حضرة أمير المؤمنين (ع) بقوله تعالى: ﴿ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء:28]، ولم يدرِ أن الشفاعة في هذه الآية هي فعل الملائكة، علاوةً على أن الله تعالى جعل الشفاعة في هذه الآية موقوفةً على إذنه ورضاه وإرادته، ولا تتمّ بإرادة الملائكة والعباد لأنّ الله تعالى وحده الذي يعلم أحوال عباده وحقيقة أفعالهم، وقد اعتبر الإمامُ عليٌّ عليه السلام ذاته - في نهج البلاغة - تلك الآيةَ متعلقةً بشفاعة الملائكة(113)، فيبدو أن واضع تلك الزيارة لم يرَ نهج البلاغة، لأن مرجع الضمير في «لا يشفعون» في الآية ذُكِر قبلها لذا اعتبر الإمام علي تلك الآيات متعلقة بشفاعة الملائكة.

أضف إلى ذلك أن الإمام يقول عن يوم القيامة: «فَلا شَفِيعٌ يَشْفَعُ ولا حَمِيمٌ يَنْفَعُ»(114)، ويعتبر تقوى الله وطاعته هي الشفيع للإنسان يوم المعاد فقال: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ..فَإِنَّ تَقْوَى الله دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ...فَاجْعَلُوا طَاعَةَ الله شِعَاراً دُونَ دِثَارِكُمْ... وشَفِيعاً لِدَرَكِ طَلِبَتِكُمْ»(115)، كما يعتبر القرآن الكريم هو الشفيع يوم القيامة لمن عمل به: «وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لا يَغُشُّ والهَادِي الَّذِي لا يُضِلُّ والمُحَدِّثُ الَّذِي لا يَكْذِبُ... واعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وقَائِلٌ مُصَدَّقٌ وأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ»(116). واعتبر في دعائه الله تعالى هو الشفيع وقال: «والشافع لهم ليس أحد فوقك يحول دونهم»(117). فبناء على كل ذلك فإن هذا الزائر الجاهل الذي يقول: «فإن لي ذنوباً كثيرة» ليس مصداقاً لقوله تعالى: «لِمَنِ ارْتَضَى» فعليه أن يذهب ويتوب من ذنبه.

وجاء في متن هذه الزيارة أيضاً مخاطبة أمير المؤمنين بعبارة: «إنك تسمع كلامي وتردّ سلامي» هذا في حين أننا أثبتنا في الصفحات الماضية أن هذه الجملة باطلة. ولقد ظن هؤلاء الجاهلون أن البشر (سامعون كل صوت) كمثل الله تعالى!! ولو سمع الأنبياء جميع الأصوات لخروا صعقى، كما حصل لموسى عندما سمع صوتاً من الجبل ﴿ وَخَرَّ موسَى صَعِقًا ﴾ (الأعراف:143)(118), وكان الأئمة عليهم السلام حالَ حياتهم، إذا كلّمهم عدّة أشخاص في وقت واحد يعجزون عن فهم كلامهم، فما بالك في ذلك بعد وفاتهم! وأساساً، إن صفة سماع كل الأصوات في وقت واحد من الصفات الخاصة بالله سبحانه كما جاء ذلك في كثير من الأدعية ومن جملتها دعاء الجوشن الكبير (الفقرة 99) حيث نقرأ: «يا من لا يشغله سمع عن سمع، يا من لا يمنعه فعل عن فعل، يا من لا يلهيه قول عن قول، يا من لا يُغلِّطه سؤال عن سؤال، يا من لا يحجبه شيء عن شيء»، ولا شك أن هذه الصفات لا يمكن أن نثبتها لأحد سوى الله عزَّ وجلَّ.

وفي الزيارة رقم 20 من هذا الباب نقرأ عبارة: «إني عذت بأخي رسولك»، هذا مع أن القرآن الكريم أوصانا مراراً أن نعوذ بالله وحده وأن لا نلجأ إلا إليه.

لقد جمع المجلسيُّ في كتابه هذا كلِّ زيارة رآها - في ظنه - حسنة العبارة مسجَّعة الكلمات، ومن جملة ذلك يقول بشأن الزيارة رقم 22: «إنها زيارة مليحة» ثم ينقل لنا زيارة من وضع الغلاة واختلاقهم، وفي الزيارة رقم 23 يأتينا بزيارة هي يقيناً من وضع النصارى أو المشبِّهة الذين يثبتون لله الأعضاء والجوارح، إذ نقرأ فيها مخاطبة الزائر للإمام عليٍّ (ع) بعبارة: «باب الله وعين الله الناظرة ويده الباسطة وأذنه الواعية» فاخترع واضع الزيارة لله تعالى عيناً ويداً وأذناً!!! ثم يقول في موضع آخر مخاطباً الإمام: «السلام على الأصل القديم والفرع الكريم، السلام على الثمر الجنيّ». فهنا يصف واضع هذه الزيارة عليَّاً (ع) بما وصفت النصارى به المسيح بن مريم (ع) بأنه قديم وأنه ثمرة الخليقة!! ويبدو أن هذا الزائر يقول بتعدد القدماء ولا يدري أن مثل هذا القول شرك بإجماع علماء الإسلام!

المرجع الأعلى للشيعة الإمامية في عصره يأمر بإزالة هذه الزيارة الشركية:

سمعتُ أن المرحوم الشيخ «محمد حسن النجفي»(119) صاحب «جواهر الكلام» الذي كان من مراجع الشيعة الكبار دخل يوماً حرم أمير المؤمنين عليه السلام فرأى هذه الزيارة ذاتها معلَّقةً في الحرم، فاستدعى الخدّام وقال لهم: ارفعوا هذه الزيارة الشركيّة ومزِّقوها، فعملوا بأمره. لكن رغم ذلك قام الشيخ «عباس القميّ» - مع الأسف - بعد سنوات بإدراج هذه الزيارة الباطلة ضمن كتابه «مفاتيح الجنان» تحت عنوان «الزيارة السادسة» ووضعها تحت تصرّف العوام!!.

في هذه الزيارة عبارةٌ تصف الأئمَّة بأنهم مشرِّعو الأحكام وتقول: «وعلى الأئمَّة الراشدين الذين فرضوا علينا الصلوات»! هذا في حين أن الله تعالى يقول: ﴿ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾ [الكهف:26]، ويقول: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله ﴾ [الأنعام:57]، ويقول: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ﴾ [الشورى:13] حيث يرجع الضمير المستتر لفعل «شَرَعَ لَكُمْ» إلى «الله» الذي ذُكِرَ في الآية التي قبلها. وقال سبحانه أيضاً: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله ﴾ [الشورى:21]، وبناءً عليه فإن التشريع وفرض الأحكام خاصٌّ بالله تعالى ولا يحقُّ لأيِّ إمام أو حاكمٍ أن يشرع للبشر أحكاماً بوصفها ديناً.

وفي هذه الزيارة أيضاً عبارة تصف عليَّاً عليه السلام بأنه شجرة طوبى وبأنه سدرة المنتهى وبأنه آدم ونوح وعيسى وموسى!! ويبدو أن واضعَ تلك الزيارة كان يعتقد أن الإمامَ هو عينُ كلِّ شيء! كما يعتقد ذلك أصحاب «وحدة الوجود» الذين يتصوَّرُون أنَّ الله عينُ الخلقِ والخلقَ عينُ الخالقِ! وبالتالي عليٌّ هو موسى ذاته، وموسى هو عليٌّ والعياذ بالله من هذه الضلالات والخرافات.

وفي هذه الزيارة أيضاً عبارة: «السلام على حبل الله المتين» هذا مع أن الإمام عليّاً عليه السلام ذاته اعتبر مراراً أن حبل الله المتين هو القرآن الكريم، وقال في ذلك: «وعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ الله فَإِنَّهُ الحَبْلُ المَتِينُ..»(120) وقال: «وَ إِنَّ الله سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ حَبْلُ الله المَتِينُ...»(121) فالإمام يعتبر القرآن الكريم حبل الله المتين الذي يجب على الإمام ذاته كما يجب على جميع المسلمين أن يتمسَّكوا به ويعتصموا به(122). ولكن واضع تلك الزيارة لفّق كل ما أراد ولو كان مخالفاً لكتاب الله ومخالفاً لكلام أمير المؤمنين عليه السلام ذاته! ومن هنا ندرك مقدار إيمان أمثال هؤلاء الغلاة بكلام عليٍّ عليه السلام وحقيقة دعوى محبتهم له وتعلّقهم بالأئمَّة عليهم السلام.

[التلاعب بمعـاني بعـض آيات القرآن](123):

قال الله تعالى في وصف عظمة القرآن: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الزخرف:3-4]، فلاحظوا أن صفتي «العَليّ» و«الحكيم» هما في تلك الآية للقرآن الكريم، ولكن واضع الزيارة حرّف معاني القرآن وجعل هاتين الصفتين خاصَّتين بالإمام عليّ عليه السلام فقال: «السلام على صاحب الدلالات الذي ذكر الله في محكم الآيات فقال تعالى وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ»! فانظروا كيف يتلاعب هذا الوضّاع بمعاني آيات القرآن لتحقيق هدفه وكيف جعل «العَليّ» و«الحكيم» اللتان هما صفتان للقرآن صفتين أو اسمين لعليّ بن أبي طالب عليه السلام!

[رحمة الله تعالى وكرمه هي الشفيع المستشفع به في أدعية الأئمّة الكرام]:

والطريف أنه رغم كل هذه الأباطيل المخرِّبة للإسلام فإن هذا الزائر يطلب الشفاعة!! وإني أتصوّر أنْ لو كان الإمام عليٌّ عليه السلام حياً وقال لأمثال هؤلاء الغلاة: إن الشفاعة لله وحده ولا أملكها أنا كما أنها ليست باختياركم ورغبتكم، لعادَوْهُ وخالفوه! ذلك لأنهم اخترعوا لأنفسهم شفاعةً تخلِّصهم من كلِّ ذنب وتسهِّل عليهم ارتكاب المعاصي، في حين أن الأئمة عليهم السلام لم يكن لهم مثل هذا الادّعاء، وقد كان عليٌّ عليه السلام يقول في دعائه: «وَقَدْ رَجَوْتُ مِمَّن تَوَلّانِي بِإحْسَانِهِ أَنْ يَشْفَعَ لِي عِنْدَ وَفَاتِي بِغُفْرَانِهِ»(124)، ويقول في دعاء كميل: «اللهمَّ إنِّي أتقرَّبُ إليكَ بِذِكْرِكَ وَأَسْتَشْفِعُ بِكَ إلى نَفْسِكَ..»، ويقول في دعاء آخر من أدعيته عليه السلام: «أنت الأول قبل خلقك والآخر بعدهم والظاهر فوقهم.... والدافع عنهم والشافع لهم، ليس أحدٌ فوقك يحول دونهم وفي قبضتك منقلبهم ومثواهم»(125)، فنلاحظ أن الإمام عليه السلام يعتبر الله تعالى شفيعَهُ. وكذلك يقول حضرة الإمام زين العابدين وسيد الساجدين عليه السلام في دعائه: «وإن شَفَعْتُ فلستُ بأهل الشفاعة. اللهم صلِّ على محمدٍ وآله وشفِّعْ في خطايايَ كرمكَ.... اللهم لا خفير لي منك فليخفُرْني عزُّكَ ولا شفيع لي إليكَ فلْيَشْفَعْ لي فضلُكَ...»(126)، ويقول أيضاً: «لا شفيعَ يشْفَعُ لي إليكَ... ولا ملاذ ألجأُ إليهِ منكَ..»(127).

لو كان أولئك الغلاة الوضّاعون لنصوص الزيارات مؤمنين حقاً بالقرآن الكريم ومحبِّين حقاً للأئمَّة عليهم السلام لما وضعوا تلك العبارات المغالية التي لا تفيد إلا في تقوية مذاهب الباطنية والشيخية والصوفية الغلاة، وتقديم أدلة يستشهدون بها على إثبات عقائدهم المنحرفة. وللأسف الشديد إن أكثر الناس لا يعلمون أن تلك الزيارات موضوعة ومخالفة للقرآن، وقد تضمَّنت الزيارةَ التي نحن في صددها كلَّ ما وضعه الغلاة في أوصاف عليّ عليه السلام ومن جملة ذلك أنه جاء فيها: «السلام على المولود في الكعبة المزوَّج في السماء»!.

[قصَّة ولادة الإمام عليّ عليه السلام داخل الكعبة المشرَّفة]:

موضوع ولادة أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام داخل الكعبة المشرَّفة الذي ذُكر في هذه الزيارة يقتضي منَّا شيئاً من التوضيح كي يطّلع القرَّاء الكرام على حقيقة الأمر، ويدركوا أن كلَّ روايةٍ أو زيارةٍ ذَكَرَتْ هذا القضيَّة ليست من كلام إمامٍ بل من وضع الكذّابين:

فاعلم أن قصَّة ولادة عليٍّ عليه السلام داخل الكعبة أحد مصاديق «رُبَّ مشهورٍ لا أصل له»، إذْ ليس لها أساسٌ محكمٌ يُعتمدُ عليه، ولا ريب أن لأمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام الكثير الكثير من الفضائل والخصال الرفيعة والمناقب العالية الصحيحة، مما يغنيه عن اختلاق فضائل مصطنعة له.

رغم أن علماء من أمثال «ابن عبد البرّ القرطبيّ» في كتابه «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» و«ابن حجر العسقلانيّ» في كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة» و«البخاري» و«مسلم» ذكرا في الباب المختص بمناقب علي بن أبي طالب الكثير من فضائل ومناقب وامتيازات أمير المؤمنين عليه السلام إلا أن أحداً منهم لم يُشِر إلى هذه القضية على الإطلاق، حتى «ابن أبي الحديد» الذي لا شبهة في شدّة علاقته ومحبَّته لأمير المؤمنين عليه السلام يقول في «شرح نهج البلاغة» (ج1/ص5): «واختُلِف في مولد عليٍّ عليه السلام أين كان؟ فكثيرٌ من الشيعة يزعمون أنه ولد في الكعبة، والمحدِّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أن المولود في الكعبة حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزَّى بن قُصَيّ». ولا شكَّ أنه لو كان لهذه القصة سندٌ معتبرٌ صحيحٌ لما توقَّف «ابن أبي الحديد» في ذكرها وإثباتها.

ورغم أن الشيخ «الكلينيّ» ذكر في باب «مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه» من كتابه «الكافي» أن علياً عليه السلام كان أول مولود من أبوين هاشميَّين إلا أنه لم يُشِرْ أي إشارة إلى ولادة الإمام داخل الكعبة.

وقد جمع العلامة المجلسيُّ في كتابه «بحار الأنوار»، في الجزء المختص بالإمام عليٍّ (ع) في باب «تاريخ ولادته وحليته وشمائله صلوات الله عليه» ثمان وثلاثين روايةً تذكر الروايتان 12 و13 منها أنه وُلد في بيت أبي طالب، في حين لا تذكر الرواية 18 والروايات من 22حتى 25 ومن 27 حتى36 أيِّ شيء عن ولادة الإمام داخل الكعبة رغم أنها تتحدَّث عن جميع فضائله ومناقبه عليه السلام.

أضف إلى ذلك أنه لو صحّت قصة ولادة عليّ (ع) داخل الكعبة لنقلها الكثيرون من أهل مكة سوى «يزيد بن قعنب» المشرك الراوي الوحيد لهذه القصَّة، ولما أُهمل ذكرُ هذه المنقبة في الأحاديث التي تبيِّن مناقب وفضائل الإمام عليه السلام ولاستند إليها العلويون وأولاد أحفاد عليّ (ع) في مواجهة خصومهم.

وعلى كل حال سنذكر هنا روايتين من روايات «بحار الأنوار» طبقاً للترجمة التي قام بها الحاج الشيخ «عباس القميّ»، وإذا راجع القارئ الروايات الأخرى حول ولادة عليّ (ع) التي ذكرها المجلسيُّ في البحار لما وجد فيها حديثاً أفضل من هاتين الروايتين:

أما الرواية الأولى فتقول: «كنتُ جالساً مع العبَّاس بن عبد المطلب وفريق من بني عبد العزَّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملةً به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلق، فقالت: ربِّ إني مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدِّقةٌ بكلام جدِّي إبراهيم الخليل، وإنه بَنَى البيتَ العتيقَ، فبحقِّ الذي بَنَى هذا البيت وبحقِّ المولود الذي في بطني لما يسَّرْتَ عَلَيَّ ولادتي. قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، والتزق الحائط، فرُمْنا أن ينفتح لنا قُفْلُ الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك أمرٌ من أمر الله عزَّ وجلَّ، [فَبَقِيَتْ في البيت ثلاثة أيام] ثم خَرَجَتْ بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين عليه السلام ثم قالت: إني فُضِّلْتُ على من تقدَّمني من النساء لأنّ آسية بنت مزاحم عَبَدَت الله عزَّ وجلَّ سرَّاً في موضع لا يحبُّ أن يُعبَدَ الله فيه إلا اضطراراً، وإن مريم بنت عمران هزَّت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رُطباً جنيّاً، وإنِّي دخلتُ بيت الله الحرام فأكلتُ من ثمار الجنّة وأرواقها(128)، فلمّا أردتُ أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة! سمِّيه عليَّاً فهو عليٌّ، والله العليُّ الأعلى يقول: إني شَقَقْتُ اسمَه من اسمي، وأدبتُه بأدبي، ووقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذِّن فوق ظهر بيتي، ويُقدِّسُني ويُمجِّدُني، فطوبى لمن أحبَّه وأطاعه، وويل لمن أبغضه وعصاه.»(129).

يقول الشيخ عباس القمي في كتابه «منتهى الآمال»: وفي بعض الروايات أنه لما ولد عليٌّ عليه السلام أخذ أبو طالب بيد فاطمة - وعليٌّ على صدره - وخرج إلى الأبطح ونادى:

يا رب! يا ذا الغسق الدجي

 

والقمــر المبتلــج المضــي

بيِّنْ لنا من حكمك المقضيّ

 

ماذا ترى في اسم ذا الصبي

قال: فجاء شئ يدبُّ على الأرض كالسحاب، حتى حصل في صدر أبي طالب فضمَّه مع عليٍّ إلى صدره، فلمّا أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مكتوب:

خصصتـما بالولـد الزكــيّ

 

والطاهــر المنتجــب الرضــيّ

فاسـمـه مـن شـامخ علـيٌّ

 

علـيٌّ اشــتــُقَّ من العلــــيّ

 قال: فعلَّقُوا اللوح في الكعبة وما زال هناك حتى أخذه هشام بن عبد الملك(130)، فأنزله من هنالك، ثم فُقِدَ!(131).

لاحظوا أن هذه الأسطورة (أرى من الحيف أن تُسَمَّى أمثال تلك الروايات حديثاً) تذكر أنه قبل نزول الوحي على النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كانت زوجة عمّه تعرف كثيراً من الأنبياء والأولياء الذين ذُكروا في القرآن وكانت مطَّلعة على الأخبار التي وردت في كتاب الله [كقصة امرأة فرعون المؤمنة ومريم ابنة عمران]، هذا مع أن القرآن الكريم يقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حول أخبار الأنبياء السابقين: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود:49]. والإشكالات الواردة على الرواية كثيرة نكتفي بما ذكرناه.

والنقطة الأخرى هي أن رواة الأحاديث التي أوردها المجلسيُّ في «بحار الأنوار» حول ولادة عليّ (ع) في الكعبة هم أشخاصٌ من مثل: محمد بن فضيل والمفضّل والأسدي والنخعي الذين وُصفوا في كتب الرجال بأنهم من الغلاة والضعفاء والملعونين والكذابين الذين يضعون الحديث، أو رواةٌ مجهولو الحال مثل: زكريا بن يحيى وعبد الله بن محمد، أو رُويت تلك الروايات عن أفراد مهملين ليس لهم أي ذكر في كتب الرجال مثل: أبو حبيبة وعمرو بن الحسن القاضي وأحمد بن عمر الربيعي (الربيقي) وأحمد بن محمد بن أيوب، أو عن أشخاص مثل: «سهل بن أحمد» الذي ضعّفه الشيخ الطوسي وقال عنه بن الغضائري: ضعيفٌ وضّاعٌ للحديث يروي عن المجاهيل، وأمثال «محمد بن سنان» الذي قال عنه الشيخ المفيد في رسالة «جوابات أهل الموصل في العدد والرؤيا»(132): «وهذا الحديث شاذ، نادر، غير معتمد عليه، طريقه محمد بن سنان، وهو مطعونٌ فيه، لا تختلفُ العصابةُ في تُهْمَته وَضَعْفه، وما كان هذا سبيلُهُ لم يُعْمَلْ عَلَيْهِ في الدِّين».

وقد جمع الأستاذ «قلمداران» رحمه الله في كتابه حول «الزيارة» ما ذَكَرَتْهُ كُتُبُ الرجال المعتبرة حول هذا الراوي «محمد بن سنان» فقال:

ألف) يقول النجاشي في رجال (ص252): «هو رجلٌ ضعيفٌ جداً لا يُعَوَّل عليه، ولا يُلتفت إلى ما تفرّد به».

ب) ويقول ابن الغضائري عنه: «محمد بن سنان غالٍ لا يُلتفت إليه».

ج) ويقول الشيخ أبو عمرو الكشيّ في رجال (ص332): عن أيوب بن نوح أنه كان يقول: «لا أستحلّ أن أروي أحاديث محمد بن سنان». وفي الصفحة 427 يقول: «روى حمدويه بن نصير عن أيوب بن نوح أن «محمد بن سنان» قال حين وفاته: «كل ما حدثتكم به لم أسمعه من أحد بل وجدته!»».

د) وقال ابن داوود في رجاله (ص505) بعد ذكره لمحمد بن سنان في قسم الضعفاء: «إن محمد بن سنان كان يقول: «لا تَرْوُوا عنِّي مما حدثتُ شيئاً، فإنَّما هي كُتُبٌ اشتريتُها من السوق!» ثم قال: والغالب على حديثه الفساد وعلماء الرجال متَّفِقُون على أنه من الكذَّابين.».

علاوةً على كل ذلك، فإن روايات ولادة الإمام عليّ (ع) في «بحار الأنوار» ضعيفة ومفضوحة ومتناقضة إلى درجة جعلت المحقِّق المحشيِّ لكتاب البحار الأستاذ «محمد باقر البهبودي» يقول معترفاً، بعد محاولاته الجمع بين الروايات المتعارضة والمتخالفة المنقولة في هذا الصدد:

«وأمّا اختلاف المتون في تلك الأخبار فلا يخفى على الباحث الخبير أن جيلاً من العلماء والرواة لما رأوا فيما مضى من الزمان إقبال الناس إلى القصص والأساطير صنَّفوا في تاريخ النبيِّ والأئمَّة عليهم السلام وغير ذلك كتباً على مذهب القصَّاصين من الحكماء فكانوا يأتون إلى حديث صحيح في قصة ساذجة لا تزيد على خمسة أبيات فيجعلونها أكثر من خمسين بيتاً. فترى واحدهم يصوِّرُ قصَّةَ ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وزواجه بخديجة (كأبي الحسن البكري في كتاب الأنوار) فيصورها بما يقدر عليه من الفصاحة والبلاغة وإيراد الشعر والقافية ويزيِّنه ويزيد عليه ما تلهم إليه قوَّةُ الخيال والذوق الشريف الأدبي من الصور العجيبة التي تناسب عبقريته. ومن ذلك قصص ولادة علي عليه السلام كما أثبتها المصنف قدِّس سرُّه من الروايات فترى أحدهم يجعل رسول الله صلى الله عليه وآله (قابلةً) لولادته والآخر يجعل ولادته عليه السلام في ذي الحجة ليخترع وجهاً لطيفاً في تسمية (يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر)، وآخر يأتي بقصّة مثرم بن رغيب بن الشيقنام؟!! وآخر يخترع له عليه السلام أسامي عجيبة عند كل فريق. فهذا وأمثاله من تزيينات القصَّاصين وإنّما صوَّروها وصنَّفوها لغرضٍ خالصٍ ونيَّةٍ صالحةٍ فلهم الأجر، ومكتبهم هذا هو المكتب الذي تبعه علماء الغرب وأدبائهم في عصرنا هذا لجلب العامة إلى الحقائق التاريخية وسمُّوه «رومانتيسم»!»(133).

[عبارات أخرى من الغلوّ في الإطراء]

نعود إلى عبارات الزيارة رقم (23) حيث جاء فيها: «السلام على من شَرُفت به مكَّة ومنى»!! هذا في حين أن الإمام نفسه كان يذهب إلى زيارة الكعبة لنيل الثواب وكسب الدرجات وكان أبناؤه الكرام يذهبون ماشين على أقدامهم إلى مكة لنيل الشرف بزيارتها والطواف في الكعبة المشرفة، وقام إبراهيم الخليل (ع) برفع قواعد البيت لكسب الثواب والتقرّب إلى الله فأثنى الله عليه بقوله: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة:127]. هذا وقد قال الله تعالى كذلك: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج:32]، فأوجب على جميع خلقه بما في ذلك النبيّ والإمام والمأموم أن يعظِّموا شعائر الله. ومناسك الحج والذهاب إلى مكة والتطواف بن الصفا والمروة من شعائر الله ومن تشريع رب العالمين لا من تشريع الخلق، كما قال سبحانه: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ [الحج:36]، وقال: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله ﴾ [البقرة:158]، وبالتالي فقد كان تعظيم شعائر الله وأدائها واجباً على أمير المؤمنين (ع) أيضاً، ولا يوجد مسلم يقلِّل من شأن تلك الشعائر سوى وضّاعي متون أمثال هذه الزيارة الغلاة مجهولي المذهب!!

ثم جاء في هذه الزيارة: «السلام على من رُدّت له الشمس فقضى ما فاته من الصلاة» وقد سبق أن بينَّا بطلان هذه القصة فراجعه(134). ونضيف هنا أن واضع هذه الزيارة لم يفكِّر جيّداً فيما يقوله إذْ قال: «فقضى ما فاته من الصلاة» بدلاً من أن يقول «فأدى ما فاته من الصلاة» لأن الشمس -حسب ادعائه- قد عادت وعاد وقت العصر وكان الهدف من كل تلك المعجزة المزعومة أن يؤدِّي عليٌّ الصلاةَ في وقتها، وإلا فإذا كان الشأن أن يصليها رغم ذلك قضاءً لما كان هناك حاجة لكل تلك المعجزة الكونية الخارقة!! فلاحظ كيف أن هؤلاء الوضّاعين لم يكونوا يفكرون فيما يضعونه من ألفاظ ولا ينتبهون إلى أن العبارات التي يضعونها لا تؤدِّي حتى مقصودهم!

وتواصل الزيارة عباراتها المغالية المخالفة للقرآن فتقول: «السلام على من عنده تأويل المحكم والمتشابه وعنده أم الكتاب»!! هذا مع أنّ الله تعالى بيَّن أن موضوع التأويل خاصٌّ بالآيات المتشابهات فقط أما هذا الراوي الغافل فقد أدخل المحكم في موضوع الآيات التي تحتاج إلى التأويل أيضاً!! أضِفْ إلى ذلك أنه تعالى - في القرآن - حصر العلم بتأويل المتشابهات بذاته الأحَديَّة فقال ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا الله ﴾، وهذا هو ما فهمه الإمام عليّ عليه السلام نفسه أيضاً من الآية فحصر تأويل المتشابهات بالله وحده فقال: «واعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ المَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ الإقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغَيْبِ المَحْجُوبِ فَمَدَحَ الله تَعَالَى اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً وسَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيمَا لَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً»(135)، إذْ يشير الإمام في خطبته هذه إلى الآية الكريمة من سورة آل عمران التي تقول: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران:7]، ويصرِّح بأن الراسخين في العلم أيضاً يقرّون بعجزهم عن تأويل المتشابهات وَيَكِلُونَ علمها إلى العالِم بالغيب المحجوب، وقد أوضحتُ هذه المسألة في كتابي «تابشى از قرآن» (أي شعاع من القرآن).

ويقول الحق تعالى في وصف ذاته: ﴿ يَمْحُوا الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد:39]، ولكن واضع تلك الزيارة يقول عن الإمام: «عنده أم الكتاب»! متجاهلاً كلام الله سبحانه.

وكذلك جاء في الزيارة عبارة: «السلام على النبأ العظيم» حيث اعتبر أن عليَّاً عليه السلام هو النبأ العظيم متلاعباً بمعاني ألفاظ القرآن، لأن سورة النبأ مما نزل في مكة وهي تشير إلى موضوع القيامة التي كان المشركون مختلفون حولها ويتساءلون عنها وكان عديدٌ منهم ينكرها فقال تعالى: ﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ﴾ [النبأ:1-4]، ثم بيَّنت الآيات التالية من السورة ذلك الأمر الذي كانوا يتساءلون عنه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا * يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾ [النبأ:17-18]. وهذا المعنى أكّدته آيات أخرى من القرآن كقوله سبحانه: ﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴾ [ص:67-68]، ولا بد من أن ننتبه إلى أن سورة «النبأ» مكية ولم يكن أحدٌ يختلف في مكَّة حول عليّ عليه السلام حتى يقول عنه سبحانه: ﴿ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴾ [النبأ:3]!.

علاوةً على ذلك فإن عليَّاً عليه السلام ذاته يقول في دعائه -كما جاء في دعاء يوم الاثنين في «الصحيفة العلويَّة» -: «الحمدُ لله الذي عرَّفني النَّبأ العظيم....»، مما يبيِّن أن واضعي تلك الزيارات لا علم لهم بالقرآن ولا بكلام أمير المؤمنين عليه السلام.

[قصّة الثعبان الذي كلّم أمير المؤمنين (ع) في مسجد الكوفة]

ثم جاء في الزيارة عبارة: «السلام على مُخَاطَبِ الثعبان على منبر الكوفة»، وفي هذا إشارة إلى قصَّة من وضع الغلاة تقول إن ثعباناً دخل مسجد الكوفة عدّة مرات ورفع رأسه وكلّم عليّاً (ع). وليت شعري كيف لم يقل أحد لهذا الخُرافيّ: لماذا لم يقم بعض أهله الكوفة أو مسلّحيها بالهجوم على ذلك الثعبان لمَّا دخلها بل تركوه يسير بحريَّة حتى يدخل المسجد؟ هل كانوا يعلمون أن في نيته تكليم عليّ (ع)؟! وكيف لم يخف أحد في المسجد منه ولم يختلّ النظام في المسجد بسببه؟ أضف إلى ذلك أن عصا موسى التي تحوَّلت إلى ثعبان مرَّة أو مرَّتين أحدثت كل تلك الضجَّة في الدنيا وأدَّت إلى إيمان عدد من الناس، أما هذا الثعبان فلم ينقل أحد خبر تكليمه لعليّ عليه السلام سوى هذا الوضّاع للزيارات الغالي في دينه! وثانياً لماذا يكلّم الثعبان عليَّاً وما فائدة ذلك؟ وأساساً مع وجود معجزة القرآن الكافية والخالدة الباقية ليس هناك حاجة لمعجزة أخرى، لذلك نجد أن القرآن الكريم يبيِّن لنا في سورة الإسراء أن المشركين عندما طلبوا من النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم معجزات خارقة كأن يفجر لهم الأرض ينبوعاً أو يُسقط عليهم السماء كسفاً أو يرقى إلى السماء...الخ أجابهم الرسول قائلاً: ﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ﴾ [الإسراء:93] ولسان حاله يقول أنا لستُ بقادر على هذه الخوارق وهي في قدرة الله وحده ولكنه تعالى منزّه عن فعل ما هو لغو وباطل إذ إن المعجزة متحققةٌ بالقرآن، فإن كان أولئك القوم صادقون في طلبهم الحقيقة فعليهم أن يعودوا إلى القرآن ويتدبّروا آياته.

[ليس لله خليفةٌ لأنه تعالى لم يَغِـبْ حتَّى يخلفه أحد]

ونقرأ أيضاً في الزيارة رقم (23) من هذا الباب عبارة: «السلام على أمين الله في أرضه وخليفته» هذا مع أنه ليس لله خليفةٌ لأن الخليفةَ هو الذي يخلف من غاب أو مات والله تعالى منزَّهٌ عن ذلك. أضف إلى ذلك أن الله تعالى لا يحدّه مكان حتى يخلفه شخص ويقوم مقامه إذْ لا يمكن لمخلوق أن يقوم مقام الله أو يفعل أفعاله، أما قوله تعالى للملائكة: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة:30] فالمقصود خليفة السابقين من المخلوقات ولم يقل تعالى «خليفة لي» أو «خليفتي». وقد فَهِمَ الملائكةُ المخاطبون بذلك الكلام المعنى جيداً وهو أن الله تعالى يريد أن يُوجِدَ مخلوقاً جديداً يخلف المخلوقات أو الآدميين السابقين الذين أُهلكوا بعد أن كانوا مفسدين في الأرض سفّاكين للدماء كما جاء في تتمَّة الآية: ﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة:30]، وإلا فإن خليفة الله ليس بسفّاك ومفسد والله تعالى لا يختار لخلافته كائناً سفّاكاً ومفسداً. وبالطبع قد تكون أمَّةٌ بأجمعها خليفة لأمة سابقة، لكن لا أحد يكون خليفةً لله كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ ﴾ [الأنعام:165]. وخليفة الله - إن وُجد على فرض المحال- لا يكون كافراً في حين أن الله تعالى يقول: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ ﴾ [فاطر:39]، وفي وصيته للإمام الحسن (ع) اعتبر الإمام عليّ (ع) نفسَه: «خليفة الأموات».

[المعجزات فعل الله تعالى لا فعل البشر]

ونقرأ في هذه الزيارة أيضاً: «السلام على صاحب المعجزات القاهرات والمُنْجِي من الهلكات»! ويبدو أن واضع الزيارة لم يقرأ في القرآن قول الله تعالى لرسوله بما معناه: إنك لا تملك أن تأتيهم بمعجزات لأن «المعجزة» فعلُ الله لا فعل البشر(136). وفي الإجابة عن مطالبة الذين كانوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتيهم بآية - وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يميل إلى ظهور معجزات غير القرآن كي يؤمن بعض المعاندين - قال تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأنعام:35]، ويقول: ﴿ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ الله قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام:37]. والأوضح من ذلك أن القرآن هو المعجزة والله تعالى هو الذي أوجده وأنزله على نبيه لذا قال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9]، وقال: ﴿ وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة:23]. ولو اجتمع جميع الأنبياء لما استطاعوا أن يأتوا من عندهم بسورة من مثله. ويقول سبحانه في سورة الإسراء عن معجزة سيدنا صالح (ع): ﴿ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفاً ﴾ [الإسراء:59]، وقال بشأن معجزة إبراهيم: ﴿ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء:69]. وبالتالي فهذه المعجزة لم تكن من صنع إبراهيم. وكذلك لما رمى سيدنا موسى (ع) العصا وتحوّلت إلى ثعبان خاف منها وفرّ هارباً ولو كانت من صنعه لما خاف منها لذا قال الحق سبحانه: ﴿ قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى ﴾ [طه:21]. وإذا نُسبت المعجزات إلى الأنبياء عليهم السلام فذلك لأن الله أوجدها بدعائهم تصديقاً لنُبُوَّتِهم. فدورهم هو الدعاء فقط. وبمثل ذلك نرى أن سيدنا عيسى (ع) كان يدعو فيحوّل الله تعالى هيئة الطير الطينية إلى طير حقيقي أو يحيي الموتى كما قال سبحانه: ﴿ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله ﴾ [آل عمران:49].

والمفارقة أن العلامة «المجلسيُّ» ذاته الذي أورد تلك الزيارات المليئة بالعبارات الخرافية بيِّنة الغلوّ، ذكر في باب «نفي الغلو» في المجلد السابع من الطبعة القديمة لبحار الأنوار عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: «لم تكن المعجزات فعل الأنبياء بل فعل الله»، فيا ليت وضاعي تلك الزيارات الذين يدّعون حبّ الأئمة عليهم السلام ذهبوا وقرؤوا كلمات الإمام الرضا عليه السلام كي لا يخترعوا معجزات ينسبونها إليه.

إضافةً إلى مخالفتها للقرآن الكريم فإن كلمات هذه الزيارات تخالف العقل أيضاً لأن الخالق الذي أوجد قوانين الطبيعة والعلل والمعلولات والأسباب والمسبّبات هو وحده القادر على خرق الطبيعة وإبطال مفعول العلل كإزالته أثر الحرارة للنار وتحويلها برداً وسلاماً، فهو خالق كل شيء سواء كان ذلك ناقة صالح (ع) أم إلانة الحديد لداود (ع). فكل المعجزات التي ينسبها الغلاة إلى الأئمة [أي إلى فعلهم] مخالفة للقرآن وليس لها مستند قرآني وموضوعةٌ مكذوبةٌ وهي مثل كل المعجزات التي تنسبها كل فرقة من الفرق الموجودة في الدنيا إلى قادتها ومرشديها. فلو لاحظنا مثلاً كتاب «تذكرة الأولياء» للشيخ «فريد الدين عطّار النيشابوري» لرأيناه ينسب إلى الشيوخ المرشدين الصوفية عشرات المعجزات(137)!!

وللأسف لهذه الخرافات مؤيدون متعصبون لها في مجتمعنا وكلما أراد أحد -مثل راقم هذه السطور- أن يخلّص الناس منها ويوعّيهم إلى بطلانها عاداه أولئك المتعصبون وكالوا له آلاف التهم بل هددوه في نفسه وماله وعرضه. ولكننا لما رأينا أن العقلاء لا يمكن أن يقبلوا بدين خرافيٍّ، وأن كثيراً من الشباب المثقفين خريجي الجامعات يتصوَّرون أن الدين هو هذه الخرافات ذاتها فينفرون منه ويتَّجهون نحو التيَّارات الإلحادية، رأينا من الضروري أن نبيِّن حقائق الدين وأن نتحمَّل في هذا السبيل كلَّ الأذى الذي يُوقِعُهُ بنا المتاجرون بالدِّين الذين يروِّجُون الخرافات التي تُرضِي العوام، محتسبين الأجر عند الله تعالى فليفعل أصحاب الحوانيت المذهبية بنا ما يشاؤون فإن العاقبة لأهل التقوى واليقين.

ونقرأ في هذه الزيارة أيضاً: «والمنجي من الهلكات الذي ذَكَرَه الله في محكم الآيات» وهذا افتراء واضح على الله، لأنه تعالى لم يذكر في آياته أبداً أن أحداً غيره «منجٍ من الهلكات» وواضع هذه الزيارة لم يستح من الله تعالى الذي بيّن أنه هو الذي كان دائماً المنجي لعباده لا غيره كما قال تعالى مثلاً: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [هود:58]، وقال: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ﴾ [هود:66]، وقال كذلك: ﴿ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ﴾ [طه:40]، وقال تعالى عن نوح: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ [الصافات:76]، واعتبر ذاته الأحدية «منجياً» لجميع الأنبياء والمؤمنين فقال: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس:103]، ومثلها كثير من الآيات الأخرى.

وفي رأي هذا العبد الفقير لقد كان المسلمون نائمون وكان هؤلاء الغلاة المنافقون مستيقظين ودسّوا في كتب الإسلام مطالب مخالفة للقرآن على قدر ما استطاعوا تحت اسم الحديث والزيارة والأدعية كي يسوقوا الناس نحو الشرك. والواقع أن وضع الحديث ابتدأ منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتواصل منذ ذلك الحين كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ولَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) عَلَى عَهْدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»(138).

أجل، إن هذا الغلوّ له سوابق ترجع إلى ألف عام ماضية. وهنا قال السيد ابن طاووس ومقلّدوه: صلّ ركعتين لكلّ من سيدنا آدم وسيدنا نوح وسيدنا عليّ فيكون المجموع ست ركعات! وليت شعري ألم يكن في القوم من يسأله ما هو دليلك على مشروعية هذه الصلوات؟! وهل يجوز للسيد ابن طاووس أن يحثّ الناس على عبادات دون أن يأتيهم بالدليل على مشروعيتها واستحبابها؟ ثم يروي بعد ذلك ناسباً إلى الإمام الصادق عليه السلام قوله: إنَّ كلَّ من قرأ هذه الزيارة - (التي رأينا مقدار امتلائها بالعبارات الشركية المضادّة للقرآن)- قُبِلَتْ زيارته وشفعته في مسألته بالغاً ما بلغ وأعطيته سُؤْلَه!. وكل هذا الكلام مخالف لكتاب الله، فهل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاضي الحاجات ومعطي المسائل؟ إن القرآن الكريم حصر كل هذه الأمور بالله وحده، وكذلك دعاء «الجوشن» وبعض الأدعية الصحيحة الأخرى [مثل أدعية الصحيفة السجادية والصحيفة العلوية وما جاء في نهج البلاغة] حصرت كل تلك الأوصاف بالله وحده، وفي هذا يقول الإمام عليّ عليه السلام بأفصح بيان:

«وأَخْلِصْ فِي المَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ والْحِرْمَانَ..... واعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ والأرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ وتَكَفَّلَ لَكَ بِالإجَابَةِ وأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ وتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ ولَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ ولَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ ولَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ ولَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ... ولَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنَةً وحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً وحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً وفَتَحَ لَكَ بَابَ المَـتَابِ وبَابَ الاسْتِعْتَابِ فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاكَ وإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ وأَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ وشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ واسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ واسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ وسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لا يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غَيْرُهُ مِنْ زِيَادَةِ الأعْمَارِ وصِحَّةِ الأبْدَانِ وسَعَةِ الأرْزَاقِ، ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ، فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ واسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ....»(139).

ثم أورد المجلسيُّ في هذا الباب زيارة برقم (34) طويلة المتن ومملوءة أيضاً بعبارات الإطراء [المتجاوز لحدود الشرع] والتمجيد المغالي المخالف للقرآن(140). ومن الطريف أننا نجد الزائر في هذه الزيارات يعتبر نفسه أحياناً مذنباً ومقصراً ومستحقاً للعذاب، ثم نراه مباشرة يعتبر نفسه من المتَّقين!! وفي هذه الزيارات عبارات من الطعن واللعن لأعداء عليٍّ عليه السلام رغم أنه مضت على تلك الحروب قرون متمادية واليوم جميع المسلمين يحترمون علياً عليه السلام ولا يعاديه أحد فلا فائدة من تلك العبارات سوى إثارة الفتنة وبثّ الفرقة بين المسلمين. وفي هذه الزيارة عبارات تجعل الإمام وارث الأنبياء والمرسلين وأنه وسائر الأئمة أفضل من سائر الأنبياء السابقين، مع أن الأئمة أنفسهم عليهم السلام نهوا عن مثل هذا الغلو بحقِّهم ولم يكونوا معجبين بأنفسهم على الإطلاق، حتى أن الإمام عليّاً عليه السلام يقول في وصيته للإمام الحسن عليه السلام: «واعْلَمْ أَنَّ الإعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ وآفَةُ الألْبَابِ»(141).

والعجيب أن العلامة المجلسيُّ أورد في «البحار» هذه الزيارات دون مستند صحيح سوى قوله: وجدتُ هذه الزيارة في كتاب قديم أو نقلتُ هذه الزيارة من نسخة قديمة أو مصباح الشيخ...الخ!

وفي هذه الزيارة الأخيرة نقرأ: «أشهد أنك مجازي الخلق» فهنا أكمل مفتري هذه الزيارة شركه بهذه العبارة، إذ إن الله تعالى يقول: ﴿ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [آل عمران:136] ويقول: ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ الله وَلِيّاً وَلا نَصِيراً ﴾ [النساء:123] ويقول: ﴿ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً ﴾ [النبأ:36] ويقول: ﴿ لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة:121] ويقول: ﴿ لِيَجْزِيَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [إبراهيم:51] ويقول: ﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ [البينة:8] ويقول: ﴿ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لله ﴾ [الانفطار:19].

فهل يجوز بعد ذلك أن ننسب لأحد سوى الله تعالى مجازاة الخلق؟!

إن مبتدع هذه الزيارة جعل الخير والشرَّ بيد الإمام وأصبح لذلك شاكراً له! كما اعتبره حافظه من نار الله والمتكفل بأمور دنياه وآخرته وبنجاته يوم الحساب! مع أن الله تعالى يقول لرسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم - وعليٌّ عليه السلام أحد أفراد أمته-: ﴿ قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً ﴾ [الجن:21]، ويقول سبحانه كذلك: ﴿ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام:107]، ويقول أيضاً: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الشورى:6].

هذا ورغم أن الله تعالى يقول في القرآن الكريم: ﴿ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران:38]، ويقول: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [إبراهيم:39]، كما أن الإمام السجاد عليه السلام يقول في الدعاء (51) من الصحيفة السجاديَّة، مخاطباً ربَّه سبحانه: «وجدتُكَ لدعائي سامعاً..»، إلا أن مفتري هذه الزيارة يقول للإمام فيها: «فأنت سامع الدعاء ووليُّ الجزاء» ومعنى ذلك: أن كل من يدعو ربه في الأرض أو في السماء ويقول «يا الله»، بإمكانه أيضاً أن يقول: «يا عليّ»!! وواضح أن مختلق ألفاظ هذه الزيارة جعل كتاب الله وتشريعاته وأحكامه وراء ظهره، ودبَّج من الألفاظ المغالية ما شاء.

إن القرآن الكريم بيَّن لنا بكل وضوح أن من يدعو غير الله ويتضرَّع إليه فقد أشرك، فقال: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ﴾ [الجن:20]، وقال: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله فَلا تَدْعُوا مَعَ الله أَحَداً ﴾ [الجن:18]، وقال أيضاً: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ﴾ [الإسراء:56-57]، وهناك مئات الآيات الأخرى التي تدل على عدم جواز دعاء غير الله وأنه شرك.

في الواقع لقد نقل المجلسيُّ كثيراً من هذه الزيارات المليئة بالعبارات الكفرية المغالية من كتاب «محمد بن المشهدي»(142) الموسوم بـ «المزار الكبير» ولا ندري هل كان «محمد بن المشهدي» هذا عابداً لله أم عابداً للإمام؟ وهذا المشهدي هو ذاته الذي أتحف الشيعة بالدعاء المعروف بِـ «دعاء الندبة»! وقد بيَّنْتُ في كتابي «بررسى دعاى ندبه» (بالفارسية، ومعناه: «دراسة وتمحيص دعاء الندبة») مخالفة كثير من عباراته للقرآن الكريم.

وفي الزيارة رقم (32) يروي الراوي أنه إذا وصلتَ إلى الحرم فقل: «أشهد أنك تسمع صوتي! أتيتك متعاهداً لديني وبيعتي»!! وليت شعري هل يتوقَّع أن يعود الإمام بعد ألف سنة من العالم الآخر إلى الدنيا كي يبايعه؟!

ونقرأ في هذه الزيارة أيضاً: «لا يَخِيْبُ من ناداكم»، مع أن الإمام زين العابدين السجّاد عليه السلام يقول في دعاء «أبي حمزة الثمالي»: «الحمدُ لله الذي أدعوه ولا أدعو غيرَه ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي، الحمدُ لله الذي أرجوه ولا أرجو غيرَه ولو رجوتُ غيرَه لخيَّبَ رجائي».

ونقرأ دعاءه في «الصحيفة السجّادية» (الدعاء الأول): «الحمدُ لله الذي أغلق عنَّا باب الحاجة إلا إليه»،

وفي الصحيفة ذاتها (الدعاء 28): «لا يشركك أحد في رجائي ولا يتَّفق أحد معك في دعائي ولا ينظمه وإياك ندائي»،

وفيها (الدعاء 51): «أدعوك فتجيبني.... فلا أدعو سواك ولا أرجو غيرك....».

فاختر أيها القارئ الكريم بين دعاء الإمام السجّاد عليه السلام وبين الدعاء والألفاظ التي وضعها «محمد بن المشهدي»!!

وفي هذه الزيارة جملةٌ يضع مفتريها بها علياً عليه السلام في مصاف الأنبياء!! إذْ يقول: «السلام على سفير الله بينه وبين خلقه..» ومعلومٌ أن السفارة الإلهية خاصة بالأنبياء.

هنا يجدر بالذكر أنه كانت توجد فرقة من الغلاة تُدْعَى «المفوِّضة» يعتقد أصحابها بأن الله تعالى فوّض أمر تدبير العالم لمحمّد وعليّ وأنهما مديرا أمور الكون! وقد وردت عن الأئمة الأطهار- عليهم السلام - أحاديث كثيرة في لعن «المفوِّضة» وتكفيرهم(143). ويظهر أن واضع هذه الزيارة التي نحن في صددها كان أحد أولئك الغلاة «المفوِّضة» لأنه يقول في زيارته هذه: «وفوَّضَ إليكم الأمور، وجعلَ إليكم التدبير..»! والواقع أن هذه الزيارة قد حَوَتْ كل خرافات الغلاة وضلالاتهم حتى صارت مصداقاً لقول القائل: لقد جمعت في حُسْنِك ما تفرَّق في غيرك من المحاسن!!

ومن جملة عبارات الغلوّ في زيارته قوله: «أعطاكم المقاليد وسخَّرَ لكم ما خلق..»! هذا مع أن الله تعالى بيّن في كتابه أن مقاليد السموات والأرض في يده وحده ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [الزمر:63]، كما بيّن أنه سخّر كل ما في الكون لفائدة عباده جميعاً مؤمنين كانوا أم كافرين ولم يخصّ أحداً بذلك كما في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان:20]. وليت شعري ماذا يريد مختلق هذه الزيارة هل يريد أن يجعل الله عاطلاً عن أي عمل ويجعل الإمام عليه السلام قائماً بكل الأعمال؟! مع أن الإمام ذاته كان يحتاج إلى الطعام كي يبقى حيَّاً فإذا بقي بضعة أيام دون أن يأكل مات من الجوع، أو إذا توقف عن التنفُّس دقائق معدودة فقد حياته!

وأيضاً نقرأ في هذه الزيارة المفتراة: «إياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم»، وهي جملة تخالف صريح القرآن كما سنبيِّنه عند مناقشتنا للزيارة «الجامعة» لاحقاً إن شاء الله.

ونقرأ في هذه الزيارة أيضاً: «عليكم الاعتماد يوم المعاد»، هذا في حين أن الله تعالى يقول: ﴿ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لله ﴾ [الانفطار:19].

وفي هذه الزيارة عبارات تصف الإمام بصفات خاصة بالأنبياء والملائكة مثل: «يا من اصطفاهم... أنتم السفرة الكرام البررة... يا عيون الله في خلقه»، فليت شعري هل يحتاج الله إلى عيون بين البشر ليطّلع على أحوال الخائنين؟! هذا مع أن الله تعالى نهى رسوله الكريم وجميع أمته عن التجسُّس فقال: ﴿ وَلا تَجَسَّسُوا ﴾ [الحجرات:12]، فكيف يمكن أن يكون الإمام عيناً؟ أوليس هو أيضاً مكلّفٌ؟!

وكذلك نقرأ في هذه الزيارة الموضوعة أنه اعتبر الإمام حافظاً له وحارساً فقال: «واحشروني في جملتكم واحرسوني من مكاره الدنيا والآخرة» ولم يقرأ هذا المسكين القرآن الكريم الذي قال الله تعالى فيه مراراً لرسوله الكريم: ﴿ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام:107] وقال: ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [هود:86].

والطريف أن «المجلسيّ» والشيخ «عباس القمّيّ» وأمثالهما نَقَلَا صلاةً عن «حسن مثلة الجمكراني» مجهول الحال وفي آخرها دعاء ننقله من «مفاتيح الجنان» يقول راويه فيه أنه يُسْتَحَبُّ الدعاء به بعد تلك الصلاة، وفيه:

 «يا محمَّدُ يا عليُّ! احفظاني فإنكما حافظاي وانصراني فإنكما ناصراي، يا محمَّدُ يا عليُّ! اكفياني فإنكما كافياي»!!

في حين أن الله تعالى يقول: ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة:116]، ويقول: ﴿ وَكَفَى بِالله وَلِيّاً وَكَفَى بِالله نَصِيراً ﴾ [النساء:45]، ويقول: ﴿ أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر:36] أي أنَّ الله وحده هو الكافي عبده. أما مثل ذلك المغالي المشرك فيعتبر غير الله أيضاً حافظاً وناصراً!

ولو أردنا أن نذكر جميع العبارات الخرافية في كتاب «مفاتيح الجنان» لاحتجنا إلى كتاب مستقل(144).

أَوَلَا يدري مختلق هذه الزيارة التي قال فيها: «واحشروني في جملتكم» أن الحشر والنشر ليسا بيد أي أحدٍ سوى الله وحده؟ ألم يقرأ قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجر:25] حيث قدَّم كلمة «هو» على فعل «يحشرهم» للدلالة على الحصر. بل إن الأنبياء والأئمة أنفسهم لا يعلمون زمن الحشر والنشر والقيامة فضلاً عن أن يتمكنوا من حشر أحد معهم، فالله تعالى يقول: ﴿ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ الله وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ﴾ [الأحزاب:63] ويقول: ﴿ إِنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ [لقمان:34]. ولا عجب ممن لا حظَّ له من العلم بكتاب الله أن يفتري تلك الأكاذيب ويروّج تلك العبارات الكفريَّة!

وكذلك نقرأ في الزيارة التي أوردها المجلسيُّ في هذا الباب برقم «34» عديداً من العبارات والجمل الكفرية التي لا تعدو أوهاماً باطلة، بل معظم عبارات هذه الزيارة مضادّة للقرآن الكريم، مثل قوله فيها: «السلام عليك يا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سيد الوصيِّين وحجّة رب العالمين على الأوَّلين والآخرين...... وملجأ ذوي النهي..... السلام عليك يا شجرة النداء وصاحب الدنيا والحجَّة على جميع الورى في الآخرة والأولى..... السلام عليك يا.. باب الله وحطّته وعين الله وآيته، السلام عليك يا عيبة غيب الله... ومجلي إرادة الله، وموضع مَشِيَّةِ الله، وأول من ابتدع الله والحجة على جميع من خلق الله، السلام عليك أيها النبأ العظيم والخطب الجسيم والذكر الحكيم والصراط المستقيم... السلام عليك أيها الحبل المتين... ومرشد البريات وعالم الخفيات، السلام عليك يا صاحب العلم المخزون وعارف الغيب المكنون وحافظ السرّ المصون والعالم بما كان ويكون... السلام عليك أيها العارف بفصل الخطاب ومثيب أوليائه يوم الحساب... ومهلك أعدائه بأليم العذاب.... وقاصم المعاندين الأشرار.... وعارف السرّ وأخفى، السلام عليك أيها النازل من عليين والعالم بما في أسفل السافلين ومهلك من طغى من الأولين ومبيد من جحد من الآخرين، السلام عليك يا صاحب الكرَّة والرجعة.... السلام عليك يا سامع الأصوات.... السلام عليك يا من حظي بكرامة ربه فجلَّ عن الصفات واشتق من نوره....الخ»(145).

ونحو هذه الجمل والعبارات الشركية المغالية المضادَّة للقرآن، التي تَحْرُمُ قراءَتُها ويُعَدُّ الاعتقاد بمضمونها خروجاً عن أصول الإسلام، هذا رغم أنه ليس من البعيد أن نجد من يسعى إلى إثبات معاني تلك الجمل متوسلاً بروايات وأخبار هي بدورها من وضع الغلاة المشركين أيضاً، مما لا يُعَوَّل على رواياتهم ولا يمكن إثبات أي شيء بها.

أجل، لقد أضفى واضع تلك الزيارة صفات الله تعالى على الإمام فقال: «كلَّ يا مولاي عن نعتك أفهام الناعتين وعَجَزَ عن وصفك لسان الواصفين، كيف أصف يا مولاي حسن ثناءك والأوهامُ عن معرفة كيفيتك عاجزة، والأذهان عن بلوغ حقيقتك قاصرة» فلاحظوا كيف وصف هذا المغالي عليّاً عليه السلام بعبارات هي ذاتها العبارات التي كان الإمام عليه السلام نفسه يصف بها ربّه تبارك وتعالى!!! وكيف جعل هذا المغالي عبد الله غير قابل لإدراك كنهه مثل الله سبحانه وتعالى.

انتبهوا إلى أن حضرة أمير المؤمنين عليه السلام وصف الله تعالى بذات العبارات التي استخدمها ذلك المغالي في وصف عليٍّ عليه السلام، فقد قال أمير المؤمنين كما جاء في «نهج البلاغة»: «الحَمْدُ لله الَّذِي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ ولا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ ولا يُؤَدِّي حَقَّهُ المُجْتَهِدُونَ الَّذِي لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ ولا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ»(146).

ولو أردنا أن نبيِّن جميع موارد تعارض جمل هذه الزيارة مع آيات القرآن الكريم لاحتجنا إلى كتاب مفصَّل.

وفيما يلي نزن بعض جمل هذه الزيارة بميزان القرآن الكريم:

جاء فيها: «السلام عليك يا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب... يا حجّة رب العالمين على الأوَّلين والآخرين»، أي أنك حجَّةٌ حتى على الذين كانوا قبل مجيئك إلى الدنيا وعلى جميع الذين يأتون بعدك حتى يوم القيامة ممن لم يراك ولم ترهم، وهذا الإطلاق يشمل أن يكون الإمام حجَّةً على جميع الأنبياء والمرسلين، وليت شعري ما معنى كون الإمام حجَّةً على من جاؤوا قبله؟؟

نترك الجواب لواضع ألفاظ تلك الزيارة!!

ويقول: «وملجأ ذوي النهي»، في حين أن الحق عز وجل يقول: ﴿ لا مَلْجَأَ مِنَ الله إِلَّا إِلَيْهِ ﴾ [التوبة:118].

ويقول: «السلام عليك يا شجرة النداء» مع أن الشجرة لم تكن هي التي نادت موسى ولم تنطق بشيء ولكن الله هو الذي أوجد صوت الكلام في ذلك المقام.

ويقول: «وصاحب الدنيا» مع أن القرآن الكريم يبين لنا أن الله تعالى هو مالك الدنيا ومالك رقاب جميع البشر بما فيهم الأنبياء والأئمة والأولياء ويقول في ذلك: ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [الحديد:2].

ويقول: «السلام عليك يا عيبة غيب الله»، مع أن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ الله وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾ [الأنعام:50].

ويقول: «السلام عليك يا.. مجلى إرادة الله»، مع أن الإمام الكاظم عليه السلام يقول: «إرادة الله هي الفعل لا غير ذلك»(147)، فالله تعالى ليس له ذهن ومجلى مرآة.

ويقول: «وموضع مَشِيَّةِ الله وأوَّل من ابتدع الله والحجَّة على جميع من خلق الله»، أما الإمام عليّ عليه السلام ذاته فيعتبر الأنبياء حجّة الله ويقول: «بَعَثَ الله رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ وجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ لِئَلا تَجِبَ الحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الإعْذَارِ إِلَيْهِمْ»(148). كما أنه يعتبر القرآن الكريم حجَّةً كافيةً ويقول في وصفه: «وأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمَاناً حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ ولَكُمْ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ دِينَهُ الَّذِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ وأَنْهَى إِلَيْكُمْ عَلَى لِسَانِهِ مَحَابَّهُ مِنَ الأعْمَالِ ومَكَارِهَهُ ونَوَاهِيَهُ وأَوَامِرَهُ وأَلْقَى إِلَيْكُمُ المَعْذِرَةَ واتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الحُجَّةَ»(149)، ويقول: «أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ ومَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ»(150)، ويقول كذلك: «فَالْقُرْآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ وصَامِتٌ نَاطِقٌ حُجَّةُ الله عَلَى خَلْقِهِ»(151).

يقول واضع الزيارة: «السلام عليك أيها النبأ العظيم والخطب الجسيم والذكر الحكيم»، هذا في حين أن الله تعالى اعتبر القرآن «الذكرَ الحكيمَ» لا الإمام الذي هو تابع للذكر الحكيم كما قال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران:58] ولكن يظهر أن واضع الزيارة لا عناية له بالقرآن مطلقاً.

ويقول واضع الزيارة: «ومرشد البريات وعالم الخفيات، السلام عليك يا صاحب العلم المخزون وعارف الغيب المكنون»، مع أن الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ [الأعلى:7]، ويقول كذلك: ﴿ إِنَّ الله لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران:5]، ويقول أيضاً: ﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه:7]، ولم يقل: عليٌّ يعلم الجهر وما يخفى.

ويخاطب واضع الزيارة الجاهل الإمام الذي لم يكن مطلعاً على خيانة بعض مسؤولي حكومته: «أنت عينه الحفيظة التي لا تخفى عليها خافية». وحقاً إن الإنسان ليستحي أن ينقل مثل هذه الأباطيل. ولا ينقضي العجب من المجلسيّ وأمثاله من المحدِّثين كيف سمحوا لأنفسهم بإيراد مثل هذه الزيارات الموضوعة؟! ألم يقرؤوا في كتاب الله قوله تعالى لرسوله الكريم: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [التوبة:101]، فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم نفاق بعض أهل المدينة الذين تمرّسوا في النفاق ومردوا عليه، فكيف يكون الإمام عالماً بما كان وما يكون؟! وعلى كلّ حال فهذه الزيارة مليئة بمثل هذه الترّهات.

ويروي المجلسيُّ في باب «زياراته صلوات الله عليه المختصة بالأيام والليالي»: «زيارة يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان» من كتابه «البحار»(152) عن شخص قيل قال إنه «الخضر» [ذكر ذلك المحدِّثون كالصدوق والكليني والمجلسيّ] - مع أنه شخص لا وجود له! - زيارةً رواها الكليني أيضاً في كتابه «الكافي» مفادها أنه لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليه السلام ارتج الموضع بالبكاء ودهش الناس..وجاء رجل باكياً وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاماً، وأخلصهم إيماناً.... إلى آخر الحديث الطويل.

قلت: القولُ بوجود شخص لا يزال حيَّاً منذ آلاف السنين مخالف لصريح القرآن الكريم الذي يبين أن جميع الأنبياء والأولياء قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تُوفّوا، إذ يقول سبحانه: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء:34]، ولكن واضعي تلك الزيارات -شأنهم شأن بعض غلاة مرشدي الصوفية الذين يدّعون أن الخضر ألبسهم خرقة السلوك- يدَّعون أنهم أخذوا متن هذه الزيارة عن الخضر!!

 

 

+                  +                 +


 

روايات ثواب الزيارات في عيد الغدير وزيارة حضرة المعصومة

ذكر المجلسيُّ في هذا الباب وفي الأبواب الأخرى رواياتٍ تنصُّ على ثواب عظيم مُغْرقٍ لمن زار قبر إمام، ثوابٌ هائلٌ لا يوجد عشر معشاره لمن زار الإمام أو زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حال حياته! فليت شعري ما هي الفائدة العظيمة من القبر؟ وكيف تكون زيارة قبر إمام أفضل وأعلى من زيارته في حال حياته؟! وهل المقبرة محترمة ومقدَّسة أكثر من النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نفسه؟!

ورُويَت حول زيارة قبر حضرة فاطمة المعصومة في قم رواية منسوبة إلى الإمام الصادق (ع) تقول: «من زار فاطمة بِقُمْ فله [وجبت له] الجنة»! ولا ندري كيف تكون زيارة الأنبياء والأئمة حال حياتهم غير مفضية إلى الجنة، أما زيارة قبر أحد أولادهم أو ذراريهم تؤدِّي إلى دخول الجنة، فهل قبر فتاة صالحة أعلى وأهم من قبر جميع الأنبياء والأولياء؟ وهل من زار حضرة موسى بن جعفر (ع) حال حياته يصبح من أهل الجنة بهذه الزيارة؟! إن هذا دليل واضح على أن هؤلاء الوضاعين والكذابين افتروا ما شاؤوا من العبارات ونسبوها إلى الأئمّة وإلى دين الله سبحانه غافلين عن قوله تعالى: ﴿ وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى الله الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل:116].

بمثل هذه الروايات الكاذبة يغترّ العصاة المسيئون والمتعدُّون لحدود الله ويريحون وجدانهم بلا وجه حقّ بزيارة مراقد أولياء الدِّين أو بنذر النذورات لبناء قبورهم وتعميرها وبناء كل تلك الأفنية والأروقة والقباب الذهبية والمنارات المطليّة بالذهب والفضة ووقف البساتين والمزارع والدكاكين والفنادق والبيوت والأراضي عليها وعلى قبور ذراري الأئمة بما تصل قيمته إلى مليارات التومانات، التي لن تفيد سوى ملء بطون أناس عاطلين عن العمل وطفيليين في المجتمع ممن يطلق عليهم سدنة ومتولي تلك المراقد أو المشرفين عليها. ولعمري لو أن حضرة المعصومة أُحييت لكفاها لُقَيْمَات من الطعام تقيم بها أودها ولم تكن بحاجة إلى كل تلك الموقوفات، بل لأبغضت كل تلك الزخارف والتجمُّلات، وعلى هذا المنوال سائر أولاد أئمة أهل البيت عليهم السلام ومن وقف عليهم الأوقاف.

ومن المفارقة أنه قد جاء في زيارة الغدير جملة تقول: «وفي مدح الله تعالى [لعليٍّ] غنىً عن مدح المادحين وتقريظ الواصفين».

قلتُ: فإذا كان الأمر كذلك وكنتم تقبلون بهذا المعنى فلماذا ملأتم عشرات الصفحات من الإطراء المغالي والثناء والمدائح المليئة بالغلوّ في زيارات الإمام؟!

[تواضع أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام ونهيه أصحابه عن تعظيمه وإطرائه]

لقد ورد في قسم «الحِكَم» من «نهج البلاغة» أن أمير المؤمنين عليَّاً عليه السلام قال وقَدْ لَقِيَهُ عِنْدَ مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ دَهَاقِينُ الأنْبَارِ (أي جماعة من القرويين في منطقة الأنبار في العراق) فَتَرَجَّلُوا لَهُ (أي نزلوا من على خيولهم) واشْتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟؟ فَقَالُوا: خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا! فَقَالَ عليه السلام: والله مَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا أُمَرَاؤُكُمْ وإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ ومَا أَخْسَرَ المَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ وأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الأمَانُ مِنَ النَّارِ!»(153).

وفي الكوفة لما أَقْبَلَ رَجُلٌ اسْمُهُ «حَرْبٌ» يَمْشِي مَعَهُ وهُوَ عليه السلام رَاكِبٌ فَقَالَ عليه السلام: «ارْجِعْ فَإِنَّ مَشْيَ مِثْلِكَ مَعَ مِثْلِي فِتْنَةٌ لِلْوَالِي ومَذَلَّةٌ لِلْمُؤْمِنِ»(154).

ولـمَّا مَدَحَهُ قَوْمٌ فِي وَجْهِهِ قَالَ عليه السلام: «اللهمَّ إِنَّكَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي وأَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْهُمْ اللهمَّ اجْعَلْنَا خَيْراً مِمَّا يَظُنُّونَ واغْفِرْ لَنَا مَا لا يَعْلَمُونَ»(155).

[الخلافة في نظر عليٍّ عليه السلام تتمّ بالبيعة والاختيار]

وقد جاءت في زيارة «عيد الغدير» عبارات في إثبات الخلافة المنصوص عليها من الله تعالى لعليٍّ عليه السلام وأن الله تعالى هو الذي نصَّبَه خليفةً أميراً على الأمّة، هذا في حين أن الإمام ذاته لم يستدلّ بمثل هذه الجمل على خلافته منذ أول يوم بل اعتبر أن الخلافة تتحقَّق بانتخاب الناس، وكان يقول مراراً على المنبر: «الأمير هو من جعلتموه أميراً عليكم»، ولو كان الله قد نصَّبه للخلافة وفرض حكومته على الأمّة فعلاً لوجب عليه أن يُظهر ذلك ويقول بأعلى صوته: أنا الإمام المنَصَّب مِنْ قِبَلِ الله ولكنه لم يفعل ذلك وليس هذا فحسب بل أظهر كراهته للخلافة ورغبته عنها فقال:

«والله مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلافَةِ رَغْبَةٌ ولا فِي الْوِلايَةِ إِرْبَةٌ ولَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا»(156)،

وقال: «دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وأَلْوَانٌ لا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ ولا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ... واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ ولَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وعَتْبِ الْعَاتِبِ وإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ ولَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً»(157)،

وقال: «إَِنِّي لَمْ أُرِدِ النَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِي ولَمْ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِي»(158)،

وقال: «فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ المَطَافِيلِ عَلَى أَوْلادِهَا تَقُولُونَ الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا ونَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا»(159)،

وقال في وصف بيعته بالخلافة: «وَ بَسَطْتُمْ يَدِي فَكَفَفْتُهَا ومَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَيَّ تَدَاكَّ الإبِلِ الْهِيمِ عَلَى حِيَاضِهَا يَوْمَ وِرْدِهَا حَتَّى انْقَطَعَتِ النَّعْلُ وسَقَطَ الرِّدَاءُ ووُطِئَ الضَّعِيفُ»(160)، كما استدل في الخطب رقم 34 و37 و136 وفي الرسالة رقم 1و7 على صحة خلافته ببيعة الناس له ولم يشر إلى أن الله تعالى هو الذي نصّبه خليفةً. واعتبر في رسالته السادسة في نهج البلاغة، وفي عشرات الأحاديث الأخرى، أن الخلافة إنما تتم بانتخاب المهاجرين والأنصار.

[مناقشة الاستدلال بآية «بلِّغ ما أنزل إليك» عَلَى النصِّ عَلَى عَلِيٍّ (ع) بالخلافة]

واستدلَّ واضع الزيارة في زيارته بآية: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة:67] على أن ما أُمِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغه هو تنصيب الله تعالى لعليٍّ خليفةً حاكماً على المسلمين، مع أن كلَّ ما تدلُّ عليه الآية الكريمة هو أمرُ الله تعالى رسوله بإبلاغ ما أنزله تعالى إليه.

ونسأل: هل أبلغ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ما أنزله ربه عليه أم لا؟ فإن كان قد أبلغ ما أنزله ربه عليه - وهو تعبير يُشار به إلى آيات القرآن الكريم - فما هي تلك الآيات التي أُمر بإبلاغها وأين موضعها من القرآن؟ فإذا كان ما أُمر بإبلاغه هو الخلافة المفروضة من الله لعليٍّ مباشرة بعد النبيّ فلماذا لا نجد حتى آية واحدة في القرآن الكريم فيها ذكر هذا الأمر؟ أما إذا لاحظنا سياق الآية (67) المذكورة من سورة المائدة وما جاء قبلها وما جاء بعدها لرأينا أن السياق كلَّه يتحدّث عن انحرافات اليهود والنصارى. ثم ألا يدلُّ ابتداء الآية التالية -مباشرة بعد الآية المذكورة- بعبارة «قُلْ» على أن ما جاء بعد «قُلْ» هو المقصود بـ ﴿ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾؟ خاصة أن ما ذُكر بعد «قُلْ» يتناسب تماماً مع ما جاء قبل الآية ويرتبط به إذ جاء قبلها كلام عن أهل الكتاب كما ذكرنا.

أضف إلى ذلك فقد جاء في آخر الآية المشار إليها قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ وهذا خطاب لا يمكن أن يُقصد به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! إذْ هل يُعْقَل أن يخاطب الله تعالى عدة آلاف من أصحاب رسوله (من المهاجرين والأنصار والمجاهدين المسلمين) الذين هرعوا إلى أداء الحج تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوصمهم بالكفر بدل أن يثني عليهم ويتقبّل سعيهم؟!

ثم إنه على فرض أن هذه الجملة الأخيرة موجّهة إلى من كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسب ادعاء مدعي الولاية فكان الجدير أن يخَاطبوا بها بعد إنكارهم مسألة ولاية عليّ ورفضهم لها، لا أنهم قبل أن يُبَلَّغوا بهذا الموضوع يُخاطَبوا بأن الله لا يهدي القوم الكافرين!! خاصَّةً أن هذه الآية لم تأتِ على أسلوب الآيات التي تذكر موضوعاً ما ثم تقول إن كل من لم يؤمن به سيكون من الكافرين، بل الآية -دون أن تذكر موضوعاً- خاطبت جماعة بأنهم قومٌ كافرون، مما يدلُّ على أن هذا الخطاب موجَّهٌ إلى أشخاص كانوا من قبل، ولأسباب أخرى، من الكافرين والآن خُوطبوا بذلك لأجل إتمام الحجة عليهم أو لإعلان المفاصلة معهم أو لسبب آخر، أما لو قُصد من تلك الجملة أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يُخاطَبون بذلك قبل إبلاغهم موضوع الخلافة الإلهية لعليّ في حين أنهم لم يقوموا بأي شيء بعد حتى يستحقُّوا الخطاب بأنهم قوم كافرون! هذا بمعزل عن أن القرآن مدح جُلَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع كثيرة وهذا لا يتناسب مع مخاطبة القرآن لهم ابتداءً بوصف الكفر.

ولاحظوا أن ختام الآية المستشهد بها يقول: ﴿ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة:67] فإذا كان المقصود بهذا الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف نتصور أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يشعر بالخطر مِنْ قِبَلِهِمْ كخشيته من اليهود والنصارى، رغم أن معظم أولئك الذين كانوا مصاحبين له كانوا مضحِّين بأنفسهم في الدفاع عنه ومطيعين له؟! وإذا كانوا كفّاراً أو منافقين فلماذا كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يعيش معهم ويكرمهم ويُؤَاكلهم ويتزوَّج منه ويعيِّن بعضهم لإمامة صلاة الجماعة؟ فكلُّ هذا يدلُّ على أن لحن الآية وسياقها لا يتناسب مع المقصود الذي يدعيه المستشهدون بها.

[ثناء أمير المؤمنين عليٍّ والإمام السجاد البالغ على أصحاب رسول الله]

أضف إلى ذلك أنه لو كان أغلب هؤلاء الأصحاب منافقين فلماذا مدحهم عليٌّ عليه السلام وأثنى عليهم كل الثناء؟ ألم يقل عليٌّ عليه السلام بشأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً وقَدْ بَاتُوا سُجَّداً وقِيَاماً يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وخُدُودِهِمْ ويَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ إِذَا ذُكِرَ الله هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ ومَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ ورَجَاءً لِلثَّوَابِ»(161)،

وقال عليه السلام أيضاً فِي مَدْحِ الأنْصَارِ: «هُمْ والله رَبَّوُا الإسْلامَ كَمَا يُرَبَّى الْفِلْوُ مَعَ غَنَائِهِمْ بِأَيْدِيهِمُ السِّبَاطِ وأَلْسِنَتِهِمُ السِّلاطِ»(162).

وكذلك دعا حضرة الإمام زين العابدين عليه السلام في الدعاء الرابع من الصحيفة السجّادية لأصحاب رسول الله وقال:

«اللهم وأصحاب محمَّد خاصة الذين أحسنوا الصحابة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذا تعلقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته. فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك...».

و وردت أدعية أخرى تثني على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتمدحهم، وذلك كدعاء يوم الثلاثاء في «مفاتيح الجنان» الذي يصلِّي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويعتبرهم «المنتجبين». وعلى كل حال طالما أن هناك آيات قرآنية واضحة في مدحهم فنكتفي بها ونستغني عن ذكر جمل الأدعية الواردة عن أئمة آل البيت عليهم السلام في مدحهم والثناء عليهم.

[مناقشة الاستدلال بآية التطهير على العصمة]

من جملة ما جاء في هذه الزيارة أيضاً إشارة إلى الآية 33 من سورة الأحزاب [أي قوله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ [الأحزاب:33] حيث اعتُبرت هذه الآية نصاً على عصمة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم أفضل من الأنبياء! في حين أنه لو كانت عبارة ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله ﴾ [الأحزاب:33] دالَّةً على العصمة لوجب أن يكون جميع المؤمنين معصومين وأفضل من الأنبياء! لأن الله تعالى قال في آية الوضوء مخاطباً جميع المؤمنين: ﴿ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة:6]، لكن الواقع أن إرادة التطهير في الآيتين ليست إرادة تكوينية بل إرادة تشريعية مفادها أن الله تعالى يريد من جميع المؤمنين الطهارة وشرعها لهم وأحبها منهم وأراد أن يختاروها بإرادتهم. وأصلاً لو كان المقصود من إرادة التطهير في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ [الأحزاب:33] الإرادة التكوينيَّة بمعنى خلق الله وإيجاده لأدّى ذلك إلى أن يكون أهلُ بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معصومين ذاتاً بقدرة الله وخَلْقِهِ وعندئذٍ فلن تكون لهم فضيلةٌ في ذلك لأن تمام الأشجار والأنهار مطيعةٌ لله تكوينيّاً ومعصومةٌ عن عصيانه، وإنما الفضيلة أن يختار الإنسان الطهارة والنقاء من الرجس أي الإثم، بإرادته الحرّة، فتبيَّن إذَن أنَّ المقصود من الآية هو الإرادة التشريعيَّة وقد اختصّ الله تعالى أهل بيت رسوله بهذه الإرادة لأنهم بطهارتهم الجسمية والروحية يحفظون حيثية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومكانته.

نعم، يوجد في هذا الباب روايات صحيحة السند أيضاً.

 

 

+                  +                 +


 

نقطة هامة جديرة بانتباه الدعاة

يقول بعض الخطباء إن الهدف من وضع وصياغة كل تلك الزيارات هو التعريف بالأئمّة عليهم السلام ودعوة الناس إليهم. لكن ينبغي أن يعلموا أن هذا العمل نهى عنه الإمام الصادق عليه السلام طبقاً لما رواه المرحوم «الكليني» الذي أورد عدة روايات عن الأئمة عليهم السلام ينهون فيها الناس عن الدعوة إلى إمامتهم. ودليل هذا الأمر واضح لأن الإمام تابع للدِّين وليس عين الدِّين وبالتالي فعلى الناس أن يَدْعُوا إلى الدِّين فقط. من جملة هذه الروايات الحديث الذي رواه الكليني بسنده عن «ثابت بن سعيد» قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «يا ثابت! ما لكم وللناس، كفوا عن الناس ولا تدعوا أحداً إلى أمركم، فوالله لو أن أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يهدوا عبداً يريد الله ضلالته ما استطاعوا أن يهدوه... كُفُّوا عن الناس ولا يقول أحد: عمِّي وأخي وابن عمي وجاري، فإن الله إذا أراد بعبد خيراً طيَّب روحه فلا يسمع معروفاً إلا عرفه ولا منكراً إلا أنكره..»(163).

 

+                  +                 +


 

الروايات الواردة في زيارة الإمام عليّ في السابع عشر من ربيع الأول

في هذا القسم أورد المجلسيُّ زيارة تحت عنوان «الزيارة التاسعة» عن الإمام الصادق عليه السلام، وهي زيارة «مرسلة» لا سند لها، وتحتوي العديد من الجمل المخالفة للعقل وللقرآن وللتاريخ، مثل مخاطبة أمير المؤمنين عليه السلام بعبارة: «السلام عليك يا وصيّ الأوصياء» مع أن التاريخ والعقل والحديث كلّها تشهد أن الإمام عليه السلام كان وصيّ خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم لا غير!

وجاء في الزيارة: «السلام عليك يا من عنده علم الكتاب». وقد أوضحتُ في تفسيري المختصر على القرآن الكريم الذي أسميته «تابشي از قرآن» (أي شعاع من القرآن) ذيل تفسيري لقوله تعالى في سورة «الرعد» المباركة (الآية 43): ﴿ قُلْ كَفَى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾، أن المقصود بمن عنده علم الكتاب علماء اليهود والنصارى لأن كتبهم كان فيها صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والبشارة برسالته كما تدلُّ على ذلك عشرات الآيات القرآنية.

وجاء في هذه الزيارة أيضاً: «أيها المتصدّق بالخاتم في المحراب»، هذا مع أنه لم يكن لمسجد المسلمين زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محراب(164)! وأوَّل من جعل للمسجد محراباً ومقصورةً هو معاوية!

ومما جاء في هذه الزيارة أيضاً: «السلام على نور الأنوار.... مُستَنْقِذِ الشيعة المخلصين من عظيم الأوزار»!

أقول: إن عبارة «نور الأنوار» من اختراعات الفلاسفة اليونان المشركين التي تلقّفها عنهم الغلاة، إذ كان الفلاسفة يقولون «لا يصدر من الواحد إلا الواحد» أي أن الله الواحد المجرّد لا يصدر عنه إلا واحد بسيط لأن الذات الأحدية لا تقبل الكثرات، فالله مصدر شيء واحد هو «العقل الأول» أو «نور الأنوار» وباقي الموجودات أوجدها «العقل الأول» الذي هو مصدر الكثرات، ومن الواضح أن هذا الكلام باطل ومخالف للقرآن لأن الله تعالى يقول: ﴿ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزمر:62]. ثم إن الله تعالى ليس مصدراً ولم يصدر عنه شيء لا واحد ولا كثير بل هو مُوجِدٌ وخالقٌ لكل الموجودات من العدم، لأن الله ليس له خارج وداخل حتى يصدر عنه شيء، إذْ التركيب من لوازم الصدور. وهكذا نرى أن هؤلاء الغلاة اقتبسوا كل عبارة من مصدر ونسبوها إلى الإمام وبثّوها بين المسلمين!

أما قوله في الزيارة: «مُسْتَنْقِذِ الشيعة المخلصين من عظيم الأوزار»! فلنا أن نسأل: كيف يكون أصحاب الأوزار العظيمة من الشيعة المخلصين؟! وهل كان الإمام عليّ عليه السلام والعياذ بالله إمام الفاسقين والعصاة والفاجرين؟ هل مثل هذه الكلمات مدحٌ لمقام عليّ عليه السلام أم ذمٌّ له؟ ثم ما الدليل على أن علياً عليه السلام سينجي كلَّ من ارتكب عظائم الذنوب والأوزار؟ والحال أن الله تعالى يقول لرسوله الكريم بصيغة الاستفهام الإنكاري: ﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ﴾ [الزمر:19]، فإذا لم يكن بإمكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينقذ أحداً من عذاب النار فكيف يمكن لعليّ عليه السلام أن يُنجِّيَ أحداً منه؟! ثم هل مقام عليّ وإمامته هي أن يحامي عن الفاسقين من أهل الكبائر وينقذهم من العقاب الذي يستحقونه؟ لقد كان عليّ عليه السلام ذاته -كما تشهد لذلك مئات الأدعية التي خلّفها لنا - يخشى ربَّه ويبكي خوفاً من الذنوب ويتأوّه من بعد الطريق وقلّة الزاد، فمثل هذا الإمام لا يمكن أن يكون سمساراً لمرتكبي الكبائر بل هو بريء من الموبقات وأهلها، وهو إمام المتقين وليس إمام أهل الأوزار والكذابين.

ثم تقول الزيارة في الجملة التالية: «يا وليَّ الله إن بيني وبين الله عز وجل ذنوباً قد أثقلت ظهري ومنعتني من الرقاد وذكرها يقلقل أحشائي، وقد هربتُ إلى الله عز وجل وإليك!»(165).

وينبغي أن نقول في جواب هذا الدعاء، أولاً: إن الله تعالى يقول: ﴿ لا مَلْجَأَ مِنَ الله إِلَّا إِلَيْهِ ﴾ [التوبة:118]، ويقول: ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ ﴾ [الشورى:47]، وعليّ عليه السلام يقول: «وأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ ومَانِعٍ عَزِيزٍ وأَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ والْحِرْمَانَ... واعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ والأرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ وتَكَفَّلَ لَكَ بِالإجَابَةِ وأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ وتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ ولَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ ولَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ»(166).

ويقول كذلك: «ولا شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ»(167).

بناء عليه، ما مِنْ موجودٍ يمكنه أن يحميكَ أمام الله تعالى، فإذا أردتَ الخلاص من ثقل ذنوبك وغفرانها فالطريق الوحيد لذلك هو العودة إلى الله والتوبة النصوح وأداء حقوق الخالق والمخلوق. وقد جاء في «نهج البلاغة» في الرسالة التي كتبها أمير المؤمنين (ع) إلى عامله على مصر «مالك الأشتر»: «هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ الله عَلِيٌّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الحَارِثِ الأشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وجِهَادَ عَدُوِّهَا... أَمَرَهُ بِتَقْوَى الله وإِيْثَارِ طَاعَتِهِ واتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وسُنَنِهِ الَّتِي لا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلا بِاتِّبَاعِهَا»(168).

وثانياً: إن الإمام ليس ساكناً في وسط القبر ولا بين الضريح المذهّب والمصنوع من الفضة المغصوبة، بل قد رحل عن الدنيا وانقطعت صلته بأهلها ولم يعد له شُغلٌ بِفِتَنِكَ وفسادِكَ أو فساد الآخرين، فلا تضيّع وقتك هباءً.

وثالثاً: إذا كان الإمام حاضراً فإنه لا يمكنه أن يعرف أصادق أنت فيما تقول أم كاذب؟ لأنه لا يعلم أحدٌ بقلوب العباد وحقيقة ما في صدورهم ونيّاتهم سوى الله عز وجل.

ورابعاً: إنّ الإمام بريءٌ ومتنفّرٌ من الآثمين الفسقة الفاجرين، وممقتٌ لمن باع آخرته بدنياه.

ثم نقرأ في الزيارة قول الزائر للإمام: «فاجعلني يا مولاي من همّك وأدخلني في حزبك» فأقول: ما المراد بهذا الكلام؟ أما الجزء الأول من الجملة فهو كلام أشبه بالكلام العامي وبعيد عن الفصاحة والبلاغة، وأما بقية الجملة فإذا قُصد بحزبك «حزب الله» فعلى كل مسلم أن يختار بإرادته الحرة أن يكون من حزب الله باتباعه لتعاليم الشرع، لا أن الإمام يأتي ويدخله فيه!! ثم تقول بقية العبارة «يا وليّ عصمة الدين» وليس لهذا معنى واضح.

يقول المجلسيُّ في هذه الزيارة كما يقول آخرون من المحدّثين أنه من المستحبّ أن يصلي الزائر ست ركعات لله يهدي ثوابها لأمير المؤمنين عليه السلام وركعتان لكلٍّ من آدم ونوح عليهما السلام!! ومن الواضح أن الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لم يشرّعا هذه الصلوات، فلا ندري كيف يوصي محدّثونا الذين يعلمون جيداً أن العبادات توقيفية تماماً ومنوطة بإذن الشارع وتعليمه بمثل هذه الصلوات؟! وإذا كان الشارع هو الذي شرع هذه الصلوات فعلاً فلماذا لم يعلم بها أحد سوى جماعة من الرواة الوضاعين والمجاهيل؟!

 

 

+                  +                 +


 

الروايات الواردة في زيارة عليّ (ع) ليلة المبعث ويومه

نقل المجلسيُّ والمفيد وابن طاووس والشهيد والشيخ عباس القمّي رحمهم الله زيارة خاصة بليلة المبعث ويومه عن رواة وضّاعين فيها أنه إذا وصلتَ (أي الزائر) إلى القبّة الشريفة فتوقَّفْ وقل كذا وكذا... ثم ادْخُلْ واجْعَلْ وجهك إلى الضريح وظهرك إلى القبلة وقل كذا وكذا... فهذه الآداب والتعاليم ليست من كتاب الله وسنة رسوله لأنه لم تكن هناك زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبّة ولا حرم وبالتالي فهي آداب مبتدعة، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام ذاته: «السُنَّةُ ما سَنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وآله والبدعة ما أُحْدِثَ من بعده»(169).

أضف إلى ذلك أن المشهور لدى مشايخنا أن ليلة بعثة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هي ليلة 27 رجب ودليلهم الوحيد هو شهرة هذا الأمر بين الشيعة. هذا مع أن «الشهرة» ليست من الأدلة الشرعية، خاصَّةً إذا كانت مخالفة للقرآن الكريم الذي يقول: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان:3]، وقال: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر:1] وقال: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة:185] فهذه الآيات كلُّها تشهد أن ابتداء الوحي ونزول القرآن كان في شهر رمضان وفي ليلة القدر بالذات، وبالتالي فليلة بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي ليلة القدر ذاتها، ولكن مشايخنا لاعتيادهم على قاعدة «خذ ما خالف العامة» يصرّون - مستخدمين تأويلات باردة- على أن القرآن نزل على دفعتين: الدفعة الأولى نزل جُمْلَةً إلى السماء الدنيا والدفعة الثانية نزل منجّماً على نحو تدريجيٍّ على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويصروّن على أن معنى «الإنزال» غير معنى «التنزيل»، وأقول: حتى لو كان ذلك صحيحاً فليس معناه امتناع استعمال «الإنزال» بمعنى «التنزيل» أو العكس. وقد عبَّر القرآن الكريم عن إنزال المطر بـ«إنزال الماء» (البقرة/22 والأنعام/99 والرعد/17) وبـ«تنزيل الماء» (العنكبوت/63 والزخرف/11)، ومن الواضح أن المطر ينزل دائماً بصورة واحدة، فهذا يدل على عدم صحة القول بأن معنى «الإنزال» يختلف دائماً عن معنى «التنزيل» وأنه لا يمكن استخدام أحدهما مكان الآخر، وعليه فلا يمكن بمثل ذلك الدليل المعلول القول بنزولَيْن للقرآن.

نعم، بعد أن يملأ المجلسيُّ صفحات عديدة من هذه الزيارة يقول بعدها: «أقول: لم أطَّلِعْ على سند هذه الزيارة ولا على استحباب زيارته عليه السلام في خصوص هذا اليوم لكنه من المشهورات بين الشيعة والإتيان بالأعمال الحسنة في الأزمان الشريفة موجب لمزيد المثوبة»(170). فلاحظوا كيف أضاف كل هذه الآداب إلى الدين دون دليل أو مستند، وليت شعري! كيف تكون الأعمال التي لا مستند شرعي لها موجبةً للمزيد من المثوبة والأجر؟! وكيف يكون للوقوف في مقابل قبر والإفراط في المديح والإطراء المغالي ثواب عظيم، مع أن الإمام نفسه نهى عن هذه الأعمال؟

وفي الزيارة خاطب واضعها أمير المؤمنين (ع) بـقوله: «السلام عليك أيها الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم» وواضح أنه أراد من هذه العبارات الردّ على أهل السنة الذين يطلقون على أبي بكر لقب «الصدّيق» وعلى عمر لقب «الفاروق»، لذلك نرى أن واضع هذه الزيارة يثير بهذه الألفاظ العداوة بين المسلمين ويبث الاختلاف وسوء الظن بينهم.

ونقرأ في هذه الزيارة وصف واضعها لعليّ بأنه: «معدن حِكَمِ الله وسرّه» ولا أدري ما المقصود من قوله «معدن حكم الله»؟ ولعمري لو أُعطي عليّ عليه السلام المجال يوم القيامة لمواجهة هؤلاء الوضاعين لحاكمهم قائلاً: لماذا تنسبون إلي أموراً لا مستند لها؟ ولقال لهم: متى أمرتكم أن تدعوني بعد موتي؟ لقد أتلفتُ عمري في الدفاع عن الإسلام وإرشاد الناس إلى التوحيد واجتناب الخطايا والذنوب التي يُعدّ الشرك أكبرها فلماذا تشجعون الناس باسمي على القيام بأعمال شركية؟! ولقد بايعتُ الخلفاء حفاظاً على وحدة المسلمين وقبلتُ مصاهرة الخليفة الثاني لي، فلماذا تسعون في إبعاد قلوب المسلمين عن بعضهم بحجّة موالاتي والتحزّب لي؟ فما عساهم أن يجيبوه؟

لقد أطلق كاتب هذه الزيارة كل ما حلا له من الألفاظ وأعجبه ونسبها إلى الإمام، من ذلك قوله: «السلام عليك يا تاج الأوصياء»! بل حتى اعتبر الإمام تاجاً لرأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «وتاجاً لرأسه». وللأسف فإن الشيخ عباس القمي نقل أكثر هذه المدائح والإطراءات المفرطة دون تدبّر أو تأمّل في كتابه «مفاتيح الجنان» ربما ظنّاً منه أن الأئمة أنفسهم عليهم السلام هم الذين قالوا عن أنفسهم تلك المدائح والثناءات!! وليت شعري هل قرأ الشيخ «عباس القمي» السيرة والتاريخ أم لا؟ لو قرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتاريخ الإسلام وكان له علم وافر بسيرة عليّ عليه السلام وسائر أئمة أهل البيت عليهم السلام لأدرك بكل بساطة أنه من المحال أن يرضى النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمَّةُ الكرام عليهم السلام مقدار ذرة بأمثال تلك الإطراءات المبالغ بها والمدائح والثناء المتكلّف.

نعم، لقد قام أشخاص من قبيل «ابن المشهدي» و«أبو قرّة»(171) والسيد «ابن طاووس» وأمثالهم بوضع زيارات لكل شخص وفي كل مكان ملؤوها بالدعاء والمديح وصنوف الإطراء، ومن جملة ذلك أنهم اخترعوا لمسجد الكوفة عدَّة مصاطبَ أو دُكَكٍ فمصطبة (دكة) للإمام السجاد ومصطبة للإمام الصادق وأخرى للأمير فهل يجوز تقسيم مسجد الله -بلا دليل بل بمجرَّد الظن- إلى مصاطب ووضع آداب خاصة لكل منها؟ هل يجوز أن نجعل أحكام الدين غير منضبطة بالأدلة الشرعية إلى هذا الحد؟ حتى أنهم صاغوا عبارات جميلة ومسجّعة في مدح وإطراء «مسلم بن عقيل» و«هانئ بن عروة» و«النبي يونس»! وربما لو كانت قبور المئة والأربعة وعشرين ألف نبيّ معلومة لوضعوا زيارة خاصة لكل منها وملؤوا الدنيا قباباً وأضرحة!

لقد تقدّم أعداء الإسلام في الصناعات والقوّة وبذلوا مساعيهم وجهدهم في الاختراعات والاكتشافات أما نحن فانشغلنا ببناء آلاف الأضرحة والحُرُم والزيارات حتى وقعنا أسرى للاستعمار وأصبح المسلمون من أكثر ملل الدنيا تخلّفاً حتى في الأخلاق والسلوك والأعمال.

لاحظ أيها القارئ الكريم لما كانت أوربا الطامعة تسعى بكل قواها نحو الرُّقِيِّ واكتساب القوَّة العسكرية والعلوِّ على سائر الأمم وتُغِير كالذئب الضاري لابتلاع الأمم الضعيفة مثل أندونيسيا والهند وأفريقيا و.... وكانت تعمل ليل نهار على إضعاف الدولة العثمانية، كان علماؤنا مشغولين بكتابة الزيارات وملئها بصنوف المدائح والإطراءات والطعن واللعن لمخالفيهم!! مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»(172). فهؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم علماء للإسلام بدلاً من السعي والاهتمام بحال المسلمين وتقدّمهم الذي هو من أهم الواجبات صرفوا أوقاتهم على بناء القباب والمنارات ووضع الأدعية والزيارات المبتدعة وما أصدق كلام حضرة أمير المؤمنين (ع) الذي قال:

«وَ مَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلا تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ فَاتَّقُوا الْبِدَعَ.. إِنَّ عَوَازِمَ الأمُورِ أَفْضَلُهَا وإِنَّ مُحْدِثَاتِهَا شِرَارُهَا»(173).

 

 

+                  +                 +


 

نظرة إلى روايات أبواب زيارة الإمام الحسين عليه السلام

حضرة الإمام الحسين-عليه آلاف التحية والسلام- سيد شباب أهل الجنة وإمام أهل التقوى وسيد الشهداء ونبراس المجاهدين في سبيل الله. ولكن مع الأسف بدلاً من أن يقتدي الناس بذلك الإمام الهمام ويضحّوا بأرواحهم في سبيل الحقّ وفي سبيل بيان حقائق الإسلام، جعلوا شهادته وسيلةً لكسب المال والجاه والشهرة والرياسة، وكلُّ من أراد أن يبيِّن حقيقةً من حقائق الدِّين الذي استُشهد سيد الشهداء لأجل اعتلائه ورفع رايته قام قرّاء المراثي في مآتم سيد الشهداء بالصدّ عن سبيله وكَيْل التهم له. ومما يُؤسف له أن معظم المراجع والمجتهدين يلزمون الصمت ويوافقون بشكل غير مباشر من خلال سكوتهم على تلك البدع ويَدَعون الدُّعاة إلى الحقِّ وحدهم في الميدان في مواجهة العوام!

إحدى البدع في هذا المجال بدعة «التطبير» أو «قمه زنى» أي «ضرب الرأس بالسيف (أو الساطور)» التي يشجّع عليها قرّاء المراثي قائلين كل من ضرب رأسه بالسيف إن كان شاباً حُشر مع حضرة علي الأكبر وإن كان صغيراً حُشر مع حضرة علي الأصغر فيحثونهم على هذه الأعمال الباطلة(174)!

إنَّ ضَرْبَ الرأس بالساطور بدعة لا تنسجم مع الفطرة ولا مع العقل السليم ينفر منها كل إنسان سليم الفطرة متَّزن التفكير، وبكل تأكيد لا يوافق دين الإسلام دين الفطرة على مثل هذه الأعمال. ولاحظ أيها القارئ الكريم وفكّر لحظة: هل من الممكن لشريعة من مبادئها قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» وقاعدة «لزوم دفع الضرر المحتمل» أن لا تحرّم ضرب الرأس بالساطور مع أن ضرره يقينيٌّ وليس محتملاً؟! فالشرع الذي يقول إنه إذا كان الصوم أو الوضوء أو أي فريضة أخرى تضرُّ بالإنسان ولو ضرراً محتملاً -بالطبع المقصود الاحتمال العقلاني المعقول وليس مجرد الخيال والوهم والاحتمال الضعيف جداً- فإنها تسقط عن الإنسان ويحرم عليه فعلها، فيجب أن يفطر ولا يصوم أو يتيمَّم بدل الوضوء...الخ، هل يسمح بإيقاع الضرر القطعيّ واليقينيّ على البدن؟!

ولكن يا للحسرة إن أكثر العلماء - كما هي عادتهم في مراعاة عوام الناس- لا يُظْهِرون الحقّ، وأرى أن المراجعَ والمجتهدين -الذين أدّت عدم مخالفتهم وممانعتهم الجدّية والصريحة لهذه الأعمال القبيحة إلى شيوعها بين العوام- مسؤولون أمام الله عزَّ وجلَّ. إن كثيراً من مراجع عصرنا أو القريبين من عهدنا مثل «آية الله نائيني» و«كاشف الغطاء» و«الشيخ هاشم العاملي» و«عبد الهادي الشيرازي» و«السيد محسن الحكيم» و«السيد أحمد الخوانساري» و«السيد أبو القاسم الخوئي» و«السيد محمد رضا الگُلپايگاني» لم يمنعوا هذه البدعة ولم يحرِّموها بشكل صريح، لا بل أيدها بعضهم بشكل ضمنيّ!

ولا يخفى بالطَّبع أن بعض المراجع والعلماء نَهَوْا عن هذه الأمور وحرّموها بكل صراحة وبشكل قطعيّ، ولكنهم قلَّة. ومن جملتهم العالم اللبناني المرحوم السيد «محسن الأمين العامليّ» الذي كتب في هذا رسالةً مفيدةً بعنوان «التنزيه لأعمال الشبيه» آمل أن تحظى باهتمام الشيعة(175)، ولكني لا أشك أن قرّاء المراثي والخطباء لا يميلون إلى تعرّف الناس على مثل هذه الرسائل. لذا لا يزال أكثرهم عديم الاطلاع على مطالبها بل كثير من مشايخنا المعمّمين لم يقرأها!

وقد ذكر المرحوم العلامة «الأمين»، إضافة إلى رسالته تلك، في الجلد العاشر من كتابه «أعيان الشيعة» ما يبيِّن حرمة ضرب الرأس بالسيف وغيرها من الأعمال التي تتمّ في أيام عاشوراء فقال:

«الخلل في إقامة العزاء جرح الرؤوس بالمدى والسيوف ولبس الأكفان وضرب الطبول والنفخ في الأبواق وغير ذلك من الأعمال وكلُّ هذا محرَّمٌ بنصِّ الشرع وحكم العقل، فجَرْحُ الرؤوس إيذاءٌ للنفس محرَّمٌ عقلاً وشرعاً ولا يترتَّب عليه فائدةٌ دينيةٌ ولا دنيويةٌ بل يترتَّب عليه، زيادةً على أنه إيذاء للنفس، الضررُ الدينيُّ وهو إبراز شيعة أهل البيت بصورة الوحشية والسخرية، وكلُّ ذلك كلبس الأكفان وباقي الأعمال مُزْرٍ بفاعله وبطائفته لا يرضاه الله ولا رسوله ولا أهل بيته فهو من عمل الشيطان وتسويل النفس الأمَّارة بالسوء سواء أَسُمِّيَ بالمواكب الحسينية أم بإقامة الشعائر أم بأيِّ اسم كان فالأسماء لا تُغيِّر حقائق الأشياء وعادات الطغام من العوام لا تكون دليلاً للأحكام.»(176).

على كل حال آمل أن يسأل شعبنا العلماء عن أمور الشرع في كل مورد وأن لا يقبلوا إلا ما قام عليه الدليل. لكنهم لا يفعلون ذلك للأسف ولهذا يقوم قرّاء المراثي في الليل والنهار بترغيب الناس بالبكاء والنواح وضرب الرؤوس وزيارات القبور. والناس يقومون بهذه الأعمال متصوِّرين أنها كافية لنجاتهم من نار جهنم! ولا علم لهم بمعارف الإسلام ولا خبر عن حقائق القرآن، وبهذه الأمور ابتعد الناس عن معرفة القرآن وأحكامه ومعارفه الإلهية. فمثلاً ترى خمسين ألفاً من فرق اللاطمين على صدورهم والضاربين ظهورهم بالجنازير لا يوجد واحد منهم يحسن آيتين من القرآن أو يعلم أمرين من معارف الدين، بل كل بضاعتهم التقليد الأعمى وشعارهم: «عندي الحسين فلا غم ولا حزن»! وليس كتّابنا وخطباؤنا ودعاتنا بأفضل من ذلك بكثير، فهاهو كبير المحدّثين «محمد باقر المجلسيّ» قد خصَّص ثلاثة مجلدات من كتابه «بحار الأنوار» للزيارات ونصوصها!

 

 

+                  +                 +


 

روايات باب وجوب زيارة الإمام الحسين (ع)

 عقد المجلسيُّ أول باب من هذه الأبواب تحت عنوان: «باب 1- أن زيارته صلوات الله عليه واجبةٌ مفترضةٌ مأمورٌ بها وما ورد من الذمِّ والتأنيب والتوعُّد على تركها وأنها لا تُترك للخوف»!. وقال بعد أن أورد روايات عديدة في هذا الباب: «ثم اعلم أن ظاهر أكثر أخبار هذا الباب وكثير من أخبار الأبواب الآتية وجوب زيارته صلوات الله عليه بل كونها من أعظم الفرائض وآكدها ولا يبعد القول بوجوبها في العمر مرَّة مع القدرة، وإليه كان يميل الوالد العلامة نوَّر الله ضريحه»(177).

بهذا أضاف المجلسيُّ فريضةً إلى فرائض الإسلام لم يكن لها وجودٌ زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل أُضيفت إلى فرائض الإسلام في عهد الصفويّة!!

وهنا أورد روايات مفادها أن زيارة قبر الإمام الحسين (ع) لازمةٌ مرَّةً في الشهر [فمن لم يستطع فمرَّة بالسنة على الأقل]، وأن مَنْ زَارَهُ «كان الله من وراء حوائجه وكُفِىَ ما أهمَّه من أمر دنياه... ويرجع إلى أهله وما عليه وزر ولا خطيئة إلا وقد محيت من صحيفته»، أو أنه «يُغْفَر له ما مضى من ذنوبه ويقال له استأنف العمل»، و«لم يكن له عوضٌ غير الجنَّة» و«تصافحه الملائكة... ويصافح رسول الله»، وأنه «إن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسلته»، ويتمنى جميع أهل القيامة لو كانوا من زوار الحسين، وأنه «من لم يكن للحسين (ع) زوَّاراً كان ناقص الإيمان» وأن «مَنْ ترك زيارته وهو يقدر على ذلك فقد عقَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعقَّنا (أي عقَّ الأئمّة عليهم السلام)»، «و إن كان [تارك الزيارة] من أهل الجنة فهو من ضيفان أهل الجنة» (أي لا يُمَلَّك فيها سكناً) (لعله سيسكن بالأجرة ويتنقَّل من بيت لآخر، ومن هنا يظهر أن جنّة الخرافيين فيها أيضاً أزمة سَكَن!!)، وأن «مَنْ ترك زيارة قبر الحسين (ع) من غير علة فهو من أهل النار» وكان من أكثر الناس جفاءً، وروايات أن جميع الحيوانات والوحوش تزور الإمام، وأن «من زار قبره على خوف يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر وتلقاه الملائكة بالبشارة ويقال له لا تخف ولا تحزن هذا يومك الذي فيه فوزك»، ورواية أن «من زار الحسين (ع) في كل شهر كان له من الثواب مثل ثواب مائة ألف شهيد من شهداء بدر»(178) هذا في حين أن صاحب القبر أي الإمام ذاته استُشهد مرَّةً واحدةً ونال أجر الشهادة مرَّةً واحدةً(179).

وأورد المجلسيُّ أيضاً روايةً تقول: «مَنْ أتى قبر الحسين (ع) تشوُّقاً كتب الله له ألف حجة متقبلة وألف عمرة مبرورة وأجر ألف شهيد من شهداء بدر وأجر ألف صائم وثواب ألف صدقة مقبولة وثواب [عتق] ألف نسمة أريد بها وجه الله... ويفسح له في قبره مدّ بصره ويؤمنه الله من ضغطة القبر ومن منكر ونكير أن يروعانه ويفتح له باب إلى الجنة ويعطى كتابه بيمينه ويعطى يوم القيامة نوراً يضي‏ء لنوره ما بين المشرق والمغرب..».

ورواية أنه «من زار الحسين محتسباً.. يكتب له بكل خطوة حجَّة وكلما رفع قدماً عمرةً» وأنه «إن كان شقياً كتب سعيداً ولم يزل يخوض في رحمة الله».

و رواية أنه: «من أتى قبر الحسين (ع) زائراً له عارفاً بحقِّه يريد به وجه الله والدار الآخرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر!». ورواية أن: «من زار قبر الحسين بن علي (ع) لا يريد به إلا الله غفر الله له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر!».

و رواية أن «من زار قبر الحسين (ع) لله وفي الله أعتقه الله من النار وآمنه يوم الفزع الأكبر ولم يسأل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا أعطاه!». ورواية أن «من زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (ع) وهو يعلم أنه إمام مفترض الطاعة على العباد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقُبِل شفاعتُه في سبعين مذنباً ولم يسأل الله جلَّ وعزَّ عند قبره حاجة إلا قضاها له!». ورواية أن «من أتاه ماشياً كتب الله له بكلِّ خطوةٍ حسنةً ومحا عنه سيِّئةً ورفع له درجةً، فإذا أتاه وكَّل الله به ملكين يكتبان ما خرج من فيه من خير ولا يكتبان ما يخرج من فيه من سيِّئ ولا غير ذلك، فإذا انصرف ودَّعُوهُ وقالوا: يا وليَّ الله! مغفورٌ لك، أنت من حزب الله وحزب رسوله وحزب أهل بيت رسوله والله لا ترى النار بعينك أبداً ولا تراك ولا تطعمك أبداً!».

و رواية تقول أن «من زار الحسين (ع) من شيعتنا لم يرجع حتى يغفر له كلُّ ذنب ويكتب له بكلِّ خطوةٍ خطاها وكلِّ يدٍ رفعتْها دابَّتُهُ ألف حسنةٍ وَمُحِيَ عنه ألف سيئة ويرفع له ألف درجة!».

و رواية تقول: «إنَّ الله وكل الله بقبر الحسين (ع) سبعين ألف ملك يصلون عليه كلَّ يومٍ شعثاً غبراً من يوم قتل إلى ما شاء الله، ويدعون لمن زاره ويقولون: يا ربِّ! هؤلاء زوَّار الحسين افعل بهم وافعل بهم!»(180).

ثم ينقل المجلسيُّ قصَّةً عجيبةً عن رجل يُدعى الحسين بن أبي حمزة قال: «خرجتُ في آخر زمن بني أمية وأنا أريد قبر الحسين (ع) فانتهيت إلى الغاضرية حتى إذا نام الناس اغتسلتُ، ثم أقبلتُ أريد القبر حتى إذا كنت على باب الحير خرج إلى رجل جميل الوجه طيب الريح شديد بياض الثياب فقال: انصرف فإنك لا تَصِلُ فانصرفت إلى شاطئ الفرات فأنست به حتى إذا كان نصف الليل اغتسلت ثم أقبلت أريد القبر. فلما انتهيت إلى باب الحائر خرج إلى الرجل بعينه فقال: يا هذا انصرف فإنك لا تَصِلُ: فانصرفت فلما كان آخر الليل اغتسلت ثم أقبلت أريد القبر، فلما انتهيت إلى باب الحائر خرج إلى ذلك الرجل فقال: يا هذا إنك لا تَصِلُ، فقلت: فلم لا أصل إلى ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسيد شباب أهل الجنة وقد جئت أمشي من الكوفة وهي ليلة الجمعة وأخاف أن أصبح ههنا وتقتلني مسلحة بني أمية؟ فقال: انصرف فإنك لا تَصِلُ. فقلت: ولم لا أَصِلُ؟ فقال: إن موسى بن عمران (ع) استأذن ربه في زيارة قبر الحسين (ع) فأذن له فأتاه وهو في سبعين ألف ملك فانصرف فإذا عرجوا إلى السماء فتعال، فانصرفت وجئت إلى شاطئ الفرات حتى إذا طلع الفجر اغتسلتُ وجئتُ فدخلتُ فلم أر عنده أحداً فَصَلَّيْتُ عنده الفجر وخرجتُ إلى الكوفة»(181). وغيرها من الروايات الخرافية والأكاذيب الفاضحة.

وإذا استفسر مستفسرٌ وسأل: وهل للملائكة وأرواح الأنبياء أجسام حتى تشغل ذلك المكان ولا تكون في مكان آخر، أم هل للأنبياء الحق في مغادرة عالم البقاء والعودة إلى دار الفناء؟؟ رموه بالعظائم واتهموه بآلاف التُّهَم!

و رووا كذلك «إن الله يباهي بزائر الحسين والوافد إليه الملائكة المقربين وحملة عرشه فيقول لهم: أما ترون زوار قبر الحسين عليه السلام أتوه شوقاً إليه وإلى فاطمة؟! وعزتي وجلالي وعظمتي لأوجبن لهم كرامتي، ولأحبنهم لمحبتي»(182).

و رووا «عن صفوان الجمال قال: قال لي أبو عبد الله (ع) لما أتى الحيرة: هل لك في قبر الحسين؟ قلت: وتزوره جعلت فداك؟ قال: وكيف لا أزوره والله يزوره في كل ليلة جمعة يهبط مع الملائكة إليه والأنبياء والأوصياء ومحمد أفضل الأنبياء ونحن أفضل الأوصياء. فقال صفوان: جعلت فداك! فنزوره في كل جمعة حتى ندرك زيارة الرب؟ قال: نعم يا صفوان..». قلتُ: لعلَّ الله تعالى - والعياذ بالله - يريد أيضاً أن ينال ثواب الزيارة!!! وإذا سأل متسائلٌ: كيف يهبط الله تعالى مع أنه ليس متحيِّزاً حتى يتحرَّك وينزل ويصعد!! سوف يُجاب: يا عديم الدين أنت منكرٌ للولاية، إيمانك ضعيف!

بل رووا «إن زائر الحسين (ع) مُشَفَّعٌ يوم القيامة لمائة رجل كلُّهم قد وجبت لهم النار ممن كان في الدنيا من المسرفين!». وفي رواية تالية أن زائر الحسين: «يكتب له شفاعة في أهل بيته وألف من إخوانه!»(183). وقد ذكرنا مراراً أن زيارة الإمام في حال حياته لم يكن لها واحد من ألف من هذا الثواب والأجر!.

إن مثل هذه الروايات، التي هي غيض من فيض، إذْ لم نذكر سوى واحد بالألف منها، قد أدَّت إلى اغترار شعبنا واستسهاله المعاصي، إذ إن بعض العوام صدق أن زيارة واحدة كفيلة بكل هذا الأجر وبالتالي كفيلة بإلغاء حسابهم وكتابهم يوم القيامة والتأثير على قانون الجزاء الإلهي، فلم يعد لهم خوف قوي كما ينبغي من عقاب الله على الذنوب والمعاصي.

ولا ريب أن جميع أمثال تلك الروايات مخالفة للقرآن الكريم، وقد علّمنا النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من آله عليهم السلام مراراً أن كل حديث لا يوافق القرآن «فاضربوا به عرض الحائط» أو «فدعوه» أو «فلم نَقُلْهُ» أو «فهو زخرف» أي قول كاذب باطل.

أضف إلى ذلك - وكما ذكر العالم المحقق حضرة الأستاذ قلمداران (رحمه الله) في كتابه «زيارة المزارات»- توجد أحاديث معارضة لتلك الأحاديث والروايات الكاذبة المذكورة، من ذلك روايةٌ رواها الحِمْيَرِيّ في كتابه «قرب الإسناد» ورواها الشيخ «الحر العامليّ» أيضاً، لم تعتبر زيارة الحسين حتى بمقدار حجٍّ واحدٍ(184)، في حين أن بعض الروايات السابقة جعلت للزائر ثواب ألف أو مئة ألف حجة! فهي بلا ريب من وضع الغلاة الكَذَبَة! وقد نهى الله تعالى عن الغلوّ وقال: ﴿ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى الله إِلَّا الْحَقَّ ﴾ [النساء:171]، وقال الإمام الصادق عليه السلام، كما جاء في باب «نفي الغلو» في المجلد السابع من «بحار الأنوار» (الطبعة القديمة): «إن الغلاة شَرُّ خلق الله»(185).

 

+                  +                 +


 

روايات باب فضل الصلاة في حرم الإمام الحسين (ع)

روى المجلسيُّ في هذا الباب [نقلاً عن كتاب «كامل الزيارات» لابن قولويه] ناسباً إلى الإمام الصادق (ع) قوله لمن سأله هل يصلي عند قبر الحسين(ع)؟ «فقال: نعم، ويصلِّى عنده، ويصلِّى خلفَه ولا يتقدَّم عليه...»(186) أي يجعل القبر أيضاً في قبلته؟!! ونسأل: فلماذا إذن نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُتَّخذ قبره قبلةً؟؟ كما تقدم ذكر الحديث في ذلك(187).

ويروي المجلسيُّ في الحديث رقم 39 [من الباب العاشر في جامع ما ورد من الفضل في زيارته عليه السلام] أن من أقام عند قبر الحسين (ع) كان له بكل يوم ثواب ألف، وكل درهم ينفقه له ثواب ألف درهم..(188)

قلت: لذا يجب أن يبقى عدد من العاطلين المستهلكين عند قبر الإمام ويقوم آخرون بالإنفاق عليهم، هذا فضلاً عن استحالة صدور هذه الأخبار عن الأئمّة عليهم السلام لأنه لم يكن لقبر الإمام الحسين (ع) في زمنهم بناء ولا فناء حتى يمكن للزائر أن يقيم ويعتكف فيه، مما يبين بوضوح أن هذه الرواية مما وضعه الوضَّاعون فيما بعد.

ثم يروي المجلسي في بابٍ بعنوان (فضل زيارة الإمام الحسين (ع) صلوات الله عليه في يوم عرفة) نقلاً عن الشيخ الصدوق [والطوسي وابن قولويه] منسوباً إلى الإمام الصادق (ع) قوله: «إن الله تبارك وتعالى يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي (ع) عشية عرفة. قال قلت: قبل نظره إلى أهل الموقف؟ قال: نعم! قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأن في أولئك أولاد زنا وليس في هؤلاء أولاد زنا»(189)! ولنا أن نتسائل: هل يعقل أن يَعْتَبر الإمامُ الصادقُ أن بعضَ أهل عرفات أولاد زنى أم أنه من الواضح أن الرواة الكذبة قد افتروا عليه ذلك؟ ثم إنه طبقاً للقرآن الكريم والأخبار الصحيحة فإن الأئمّة عليهم السلام لا يعلمون الغيب فكيف يُنسب للإمام علمه بأن من بين أهل عرفات من هو ولد زنى أما في زوّار كربلاء فليس من بينهم أي ولد زنى؟!

 

+                  +                 +


 

روايات باب زيارات الإمام الحسين (ع) المطلقة

تحت هذا الباب أورد المجلسيُّ وابن قولويه وأمثالهما زيارة لا شك أنها من اختلاق الغلاة والمفوِّضة وأصحاب العقيدة [المطابقة لعقيدة] الشيخيّة. وهي زيارة تخالف القرآن وتبثُّ الفرقة بين المسلمين. وقد نُسِبَت كذباً إلى الإمام الصادق (ع) حتى يرموا مسؤولية إيجاد التفرقة بين المسلمين عليه، في حين أن مقام حضرة الإمام الصادق (ع) أجلّ وأعلى من أن يثير الفتنة ويبثّ الفرقة بين أتباع جدِّه صلى الله عليه وآله وسلم.

إن الشيخية المفوّضة يقولون ليس الله هو الذي يدبّر السموات والأرض بل ليس هو بخالقها لأنه خلق نور محمّد وآله فقط! ثم تمَّ خلق بقية الموجودات بواسطة ذلك النور! ويستدلُّون على عقيدتهم هذه بجمل من هذه الزيارة وبهذا يشطحون بعيداً جداً عن القرآن الكريم الذي قال: ﴿ أَمْ جَعَلُوا لله شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد:16] وقال أيضاً: ﴿ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر:62].

بعد مجموعة من الجمل الخرافيّة يصل كاتب الزيارة إلى القول: «إرادة الربّ في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم»!!

قلتُ: كأن واضع الزيارة ظنَّ أن الإرادة الإلهية تذهب وتأتي ولم يدر أن إرادة الله هي عين إيجاد المراد وتحقُّقه، والإرادة الإلـهية هي عين فعله وليست مثل إرادتنا حيث نريد شيئاً في البداية ونصمِّم عليه ثم نأتي بمقدمات الفعل ونقوم به. وقد قال أمير المؤمنين (ع): «كَلَامُهُ فِعْلٌ مِنْهُ»(190) أي كلامه ليس حروفاً وجملاً بل هو عين فعله وإيجاده، وقال أيضاً: «إرادته هي الفعل» أي أنه ليس لله تعالى دماغ وذهن وقلب مثلنا ومركز في الدماغ تصدر منه سيّالات الإرادة بل كما يقول تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس:82]، ويصف أمير المؤمنين (ع) ذلك بقوله: «يَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ كَوْنَهُ كُنْ فَيَكُونُ لا بِصَوْتٍ يَقْرَعُ ولا بِنِدَاءٍ يُسْمَعُ وإِنَّمَا كَلامُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ»(191). وبالتالي لا معنى لما جاء في عبارات الزيارة من هبوط إرادة الربّ وصدورها من منازل البشر!!

ثم يقول في الزيارة: «أشهد أن دمك سكن في الخلد» فيبدو أن واضع الزيارة يظن أن تربة كربلاء هي الجنة!

ثم يقول واضع الزيارة: «يا وتر الله الموتور في السموات والأرض.... والسبيل الذي لا يختلج دونك من الدخول في كفالتك التي أمرت بها..» فهذا الزائر الجاهل ترك سبيل الله المستقيم المباشر وأخذ يلتمس سبيلاً يجعله في كفالة الإمام!! ألم يقرأ في صلاته: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة:6]؟ أولم يقرأ قول الله تعالى لرسوله وللمؤمنين: ﴿ وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ﴾ [النحل:91]؟ أو قوله تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفَى بِالله وَكِيلاً ﴾ [الأحزاب:3] أو قوله سبحانه: ﴿ وَكَفَى بِالله وَلِيّاً وَكَفَى بِالله نَصِيراً ﴾ [النساء:45]؟.

لقد هجر أولئك الجاهلون أو المغرضون كتاب الله وتشبّثوا بزيارات موضوعة لا تفيدهم شيئاً سوى الانحراف عن القرآن وتمجيد غير الله!

ثم يقول واضع الزيارة: «بكم فتح الله وبكم ختم». ويجب أن نقول لهذا الضّالّ أن أحد الأئمَّة الذين تتصوَّر أن افتتاح العالم واختتامه بيدهم، جاهد معاوية واحداً وعشرين شهراً وقال: «وسَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الأرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ المَعْكُوسِ والْجِسْمِ المَرْكُوسِ» وأراد أن يعزل معاوية عن ولاية الشام ولكنه مع الأسف الشديد جداً لم ينجح في ذلك بسبب عصيان أتباعه لأمره، واستشهد، [فحكم معاوية بعده ليس الشام فقط بل كل عالم الإسلام عشرين عاماً أخرى!!].

ثم يقول في الزيارة: «بكم يمحو الله ما يشاء وبكم يثبت» وأقول إن لم يكن هذا غلوَّاً فما هو الغلوّ إذن؟ فالله تعالى يقول: ﴿ يَمْحُوا الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد:39]، فأمّ الكتاب إذن ليس عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا عند الإمام عليه السلام حتى يمحو منه شيئاً أو يثبته! فمن الواضح أن مختلق هذه الزيارة لا علم له مطلقاً بكتاب الله!

ثم يقول واضع الزيارة: «بِكُمْ يُفَكُّ الذُلُّ مِنْ رِقَابِنَا» هذا في حين أننا منذ قرون ضُرب علينا الذل بسبب هذه الخرافات والأوهام والغلو والبدع الشركية وأصبحنا خاضعين للمستعمرين الكفرة!

اللهمَّ أَفْرِغْ عَلَيَّ صبراً وثبّت أقدامي وانصرني على أهل الغلوّ والخرافات. ولو أردتُ أن أبين جميع الخرافات في هذه الزيارة لطال بي المقال مما لا يتحمله هذا الكتاب المختصر.

وهنا يقول أيضاً: «اجعل قبر الإمام أمامك (أي في جهة القبلة لك) وصلِّ» هذا مضادٌّ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تجعلوا قبري قبلةً».

ثم يروي المجلسيُّ في هذا الباب الزيارةَ الثامنةَ نقلاً عن «كامل الزيارات» لابن قولويه بسنده عن «المُفَضَّل بن عُمَر» عن «جابر الجَعْفِيّ» قال: قال أبو عبد الله عليه السلام للمفضل: «..... ثم تسعى فلك بكل قدم رفعتَها أو وضعتَها كثواب المتشحِّطِ بِدَمِهِ في سبيل الله... الحديث».

قلتُ: إذا كان الزائر ينال بكل خطوة يخطوها نحو القبر ثواب الشهيد المتشحِّط بدمه في سبيل الله، فإنه عندما يصل إلى القبر يكون كأنه قد استشهد متشحِّطاً بدمه آلاف المرات وبالتالي يكون مقام الزائر أكبر من الإمام المزور لأن الإمام لم يستشهد سوى مرَّة واحدة!!

يا ليت هذا الوضّاع الجاهل المختلق لهذه الزيارة كان يعلم أن الأئمة الكرام عليهم السلام كانوا يتضرَّعون إلى الله لينالوا مرتبة الشهادة في سبيله مرَّةً واحدةً ويسألونه بكل إلحاح أن يجعل الشهادة من نصيبهم. ولكن هذا الزائر برحلته ونزهته هذه ينال أجر آلاف الشهداء!! أليس هذا لعب في الدين؟ ألم يقل الله تعالى: ﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً ﴾ [الأنعام:70]. على كلِّ حال يبدو أنه في دين الغلاة هناك فرق بين واجبات الإمام وواجبات المأموم، فالإمام يجب أن يجاهد ويقاتل حتى يفوز بالشهادة أما المأموم فيكفيه أن يقوم بزيارة فيحصل على أجر وثواب أكثر من الإمام!!

ثم يقول واضع الزيارة: «ولك بكلِّ ركعة ركعتها عنده كثواب من حج واعتمر ألف مرة وأعتق ألف رقبة وكأنما وقف في سبيل الله ألف مرة مع نبي مرسل!»، من الواضح أنه في دين الغلاة لا يوجد كتاب وحساب صحيح عند الله لأن الإمام وأصحابه استُشهدوا مرَّةً واحدةً ولكن زائر قبرهم ينال ثواب الجهاد ألف مرة مع نبيٍّ مرسل، وليس لأحد أن يعترض! لماذا، لأن الذين أوردوا تلك الزيارات في كتبهم علماء كبار فعلى الآخرين أن يلزموا الصمت ولا يتدخَّلوا فيما ليسوا له أهلاً!

وفي سند هذه الزيارة مسألة عجيبة بل كذب فاضح، لأن المفضّل روى عن «جابر بن يزيد» أن الإمام قال للمفضَّل! مما يعني أن المفضل ذاته لم يكن يدري ما حدَّثه به الإمام شخصيَّاً لذلك روى ما حدَّثَه به الإمامُ عن جابر!!! ولا أدري هل نتعجب من الرواة الوضّاعين أم من الذين أوردوا في كتبهم هذه المضحكات!

وفي زيارة أخرى في هذا الباب جاءت عبارة: «قد طَهُرت بك البلاد وطَهُرتْ أرضٌ أنت فيها»، وفي رأيي لو اجتمع واضع هذه الزيارة وجميع الزائرين على أن يستخرجوا من هذه الجملة معنىً مفيداً لما استطاعوا!

ثم في الزيارة رقم (30) التي علامات الوضع والاختلاق واضحة جداً فيها، يُنْسَبُ إلى الإمام الصادق (ع) أنه قال: «..إذا أردتَ الزيارة فادخل من الباب الشرقيِّ»، مع أنه لم يكن في زمن الإمام الصادق (ع) أي بناء ولا باب شرقي أو غربي أو شمالي أو جنوبي لقبر الحسين (ع).

وفي هذه الزيارة الموضوعة عبارة تقول: «لا إله إلا الله مع علمه منتهى علمه، والحمد لله بعد علمه منتهى علمه، وسبحان الله مع علمه منتهى علمه!» ويبدو أن واضع هذه الزيارة لم يكن يعي ما يقول ولا يفهم ما يكتب، فقد وضع لعلم الله منتهى مع أن علم الله عين ذاته وليس له قبل ولا بعد ولا حد ولا انتهاء.

ينبغي أن نعلم أن مدوّن كتاب «كامل الزيارات» أي ابن قولويه [ومعظم هذه الزيارات منقولة من كتابه] مثله مثل «الصفّار» كان كاسباً غير متعلّم، لذا جمع في كتابه كلَّما وضعه الرواة الكذَّابون الوضَّاعون! وكان من أهل قم ولم يكن في قم حينذاك حوزةٌ علميّةٌ، رغم أن معظم العلماء فيها -كما يقول صاحب «معالم الأصول» وآخرون - ليسوا سوى مقلّدين لمن سبقهم.

ثم يقول واضع الزيارة للإمام: «كنتَ نوراً في الأصلاب الشامخة، ونوراً في ظلمات الأرض، ونوراً في الهواء، ونوراً في السموات العلا، نوراً ساطعاً لا يُطْفَأ»، وهذا الكلام المضطرب يشبه كلام الكهنة الذي من الصعب أن نستخرج منه معنى أو مفهوماً مفيداً، ولا يفيد إلا في إدهاش العوام وإبهارهم حتى يستطيع واضع الزيارة أن يدَّعي قائلاً: لا يمكن بالطبع لكل شخص أن يصل إلى عمق معاني هذه الزيارة فليس كل وعاء أهلاً لاستقبال هذه المعارف!! وبهذا يستطيع أن ينسج ما يريد من هذه المعاني العميقة (!!). ولكن كل من كان له علمٌ بالقرآن الكريم والأحاديث الموثوقة للنبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة الهدى عليهم السلام يمكنه أن يدرك بسهولة بُعْدَ هذه الجمل عن طريقة كلام أئمة أهل البيت عليهم السلام.

وفي هذه الزيارة يلعن واضعها قاتلي الإمام الحسين (ع) ويقول: «اللهم أحلل بهم نقمتك وخذهم من حيث لا يشعرون» ويبدو أن واضع هذه الزيارة لا يدري أن الله تعالى قد أخذ قتلة الإمام الحسين (ع) المجرمين بذنوبهم منذ ألف عام وانتقم منهم وأنالهم ما يستحقون.

وفي رأيي أن هؤلاء الغلاة المندسُّون في وسط الشيعة كانوا في عهد العبّاسيّين ينافسون الخلفاء على الحكم فيتعرّضون للأذى والملاحقة والضرب والشتم من قبلهم فأرادوا أن يوجدوا مذهباً وملاذاً يعملون ضدَّهم من خلاله وتحت لافتته، ولما كان آل عليّ محبوبون ومحترمون مِنْ قِبَلِ أكثر الناس، لذلك قام أولئك الغلاة بوضع الأحاديث في تعظيم الأئمة من أولاد عليّ إلى أقصى ما استطاعوا وسلُّوا سيوفهم ضدّ دولة بني العباس باسم آل عليّ، وأوجدوا دكِّانا لهم وجذبوا الناس البسطاء مستغلين عواطفهم. ولم يكن يهمُّهم في الواقع أن تُقبل أكاذيبهم أو أن يرضى بها أئمَّة أهل البيت من آل علي عليهم السلام أم لا، وإنما كان يهمُّهم جذب العوام والوصول إلى مآربهم وقد نجحوا من خلال هذه الزيارات وغيرها من الروايات الخرافية إلى حدٍّ ما في تحقيق أغراضهم.

ثم يقول في هذه الزيارة: «فكن يومئذ في مقامي بين يدي ربي لي منقذاً فقد عظم جرمي»، ويبدو أن كاتب الزيارة لم يقرأ قوله تعالى لرسوله: ﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ﴾ [الزمر:19]. وكما جاء في القرآن الكريم لم يستطع نبي الله نوح (ع) أن ينقذ ابنه وزوجته من عذاب الله ولم يغن عنهما شيئاً، وكذلك نبي الله لوط (ع) لم يغن عن زوجته شيئاً ولم يستطع إنقاذها من قهر الله وعذابه. وقد أجاب الله تعالى طلب نوح (ع) منه أن ينقذ له ابنه بقوله: ﴿ قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود:46]. بل عاتب خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم عتاباً جميلاً لسماحه لبعض المنافقين بعدم الخروج معه فقال: ﴿ عَفَا الله عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [التوبة:43]. وأوصى سبحانه نبيه الكريم أن يقول: ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأنعام:15].

وقد وردت أحاديث عديدة عنه صلى الله عليه وآله وسلم في أن لا نجاة إلا بالعمل الصالح منها قوله: «أيها الناس! إنه ليس بين الله وبين أحد شئٌ يعطيه به خيراً أو يصرف به عنه شرّاً إلا العمل الصالح: أيها الناس! لا يدَّعي مُدَّعٍ، ولا يتمَنَّ مُتَمَنٍّ، والذي بعثني بالحق نبيّاً لا يُنجي إلا عملٌ مع رحمة الله، ولو عصيتُ لهويتُ، اللهم هل بلغت؟»(192).

أو قوله لعشيرته ولابنته فاطمة عليها السلام: «يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ! اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ الله، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ الله وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ الله! اشْتَرِيَا أَنْفُسَكُمَا مِنْ الله لَا أُغْنِي عَنْكُمَا مِنْ الله شَيْئاً سَلَانِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمَا»(193).

وفي أواخر دعاء كميل لأمير المؤمنين علي عليه السلام: «اغفر لمن لا يملك إلا الدُّعاء، فإنَّك فعَّالٌ لما تشاء..». وكذلك رُوي عنه عليه السلام قوله: «..وإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الخَوْفِ الأكْبَرِ وتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ المَزْلَقِ..»(194).

فواضع هذه الزيارة الجاهل لا علم له بحقائق الإسلام وأن الشفاعة لله جميعاً وأن إنقاذ المجرمين ليس لا بيد الزائر ولا بيد الإمام بل بيد الله وحده، كما نقرأ هذا المعنى في دعاء «الجوشن الكبير» في الفقرة 9 والفقرة 69 حين يخاطب الداعي الله عزَّ وجلَّ بقوله «يا شافع» و«يا شفيع».

ثم يقول واضع الزيارة: «يا ليتني كنتُ معك وأبذل مهجتي فيك نفسي فداكم ولمضجعكم» ولا يدري هذا الزائر أن النفس والروح يجب أن تُبذلا «في سبيل الله» لا في سبيل مضجع الإمام! ولا عجب إذن أن نسمع من قرّاء المآتم في عصرنا عبارة «عاشقان قبر حسين»! أي عشّاق قبر الحسين! ولكنهم ربما لا يدرون أنه حسب مندرجات بعض الزيارات في كتاب البحار للمجلسيّ من الممكن ليس فقط أن يكون الإنسان عاشقاً للقبر بل أن يفدي نفسه للقبر!

ونقرأ في هذه الزيارة مراراً عبارات من مثل: «و ضع خدك على القبر» أو «ثم ضع خدَّك الأيمن على القبر» أو «ثم ضع خدك الأيسر على الأرض وقل» أو «ثم تقبِّله وتمرّ سائر بدنك ووجهك على القبر» ونحوها.

ولنا أن نتساءل لو كان الإمام حياً وأراد الناس أن يتمسَّحوا به على ذلك النحو هل كان سيرضى بذلك! بالطبع لا، كيف وقد أراد بعضهم تقبيل يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يسمح لهم بذلك، ولما ترجّل رجال من أهل ساباط المدائن ليستقبلوا أمير المؤمنين (ع) وهو راكب على فرسه منعهم من ذلك ونهاهم عنه، وقد نقل عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «إنه كان يكره أن يُقَام له. فكانوا إذا قدم لا يقومون لعلمهم كراهته ذلك»(195)، بل لما قال له أحد أصحابه [وهو عبد الله الشخير أبو مُطَرِّف]: «يا رسول الله! أنت سيدنا وذو الطول علينا، فقال: السَّيِّدُ الله لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ»(196).

فهل يرضى الإمام بأن يضع أحدهم جبهته أو خده على الأرض لأجله؟ خاصة أن الإمام لم يعد في هذه الدنيا ولم يعد له اطلاع على ما يجري فيها. فما فائدة هذه التذلّلات والتملّقات، خاصة أنه بعد عالم الدنيا لا يوجد إلا عالم البرزخ الذي هو بمثابة قاعة انتظار للقيامة وعالم منقطع عن الدنيا. أجل لا ملجأ ولا ملاذ لأي إنسان نبيَّاً كان أم فرداً من عامة الناس سوى الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّه لا يُسْتَغَاث بي إنما يُسْتَغَاث بالله عزَّ وَجلَّ.»(197).

 

+                  +                 +


 

الزيارة (31) المروية عن جابر بن عبد الله ومقارنتها بالروايات السابقة

إحدى الزيارات في هذا الباب زيارة يؤمن بها جميع علماء الشيعة تقريباً وهي تختلف تماماً مع كل الروايات الأخرى. ولما كان جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه شخصاً موثوقاً لذا سنذكر زيارته هنا كي يطلع عليها القرَّاء الكرام:

أولاً- يقول «جابر» في زيارته يوم الأربعين لقبر الإمام الحسين عليه السلام: «.... والذي بعث محمداً بالحقِّ لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. قال عطية: فقلت لجابر: كيف ولم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً ولم نضرب بسيفٍ، والقومُ قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأولادهم وأرملت الأزواج؟؟ فقال لي: يا عطية! سمعتُ حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: مَنْ أحبَّ قوماً حُشر معهم ومَنْ أحبَّ عمل قومٍ أشرك في عملهم»(198).

أقول: شتّان بين مشاركة الزائر لهم في الثواب وبين ما رأيناه في بعض الروايات السابقة من أن للزائر بكل قدم ثواب كذا وكذا من الشهداء! وشتان بين ثواب شهادة واحدة وبين ما مرّ في بعض الزيارات من أن للزائر ثواب ألف شهيد! فهذا الحديث ينفي كل تلك الروايات ويبين أنها موضوعة.

ثانياً: في هذا الحديث أن جابرَ سلّم على الحسين (ع) ثلاث مرات ثم قال: «حبيبٌ لا يجيب حبيبه. ثم قال: وأنَّى لك بالجواب وقد شَحَطَتْ أوداجُكَ على أثباجك وَفُرِّقَ بين بدنك..»(199).

فعلى قول جابر لا يمكن للشهداء ولا للإمام أن يجيبوا من يخاطبهم، فأين هذا مما مرّ معنا من متون الزيارات التي وضعها الغلاة وقالوا فيها: «أشهد أنك تسمع كلامي وتردّ جوابي»! هل نصدِّق قول الغلاة أم قول جابر بن عبد الله رضي الله عنه؟ لا يستطيع أحد أن يدّعي أن معرفة الغلاة الكذابين بالدين أفضل من معرفة حضرة جابر رضي الله عنه.

+                  +                 +


 

الزيارة (32) المروية عن صفوان

يَنْسُبُ صفوان إلى الإمام الصادق (ع) قوله له: إذا وصلت إلى الحائر فقل كذا وكذا، وهذا بحد ذاته دليل على كذب رواة هذه الرواية إذْ لم يكن في زمن صفوان لا حائر ولا جدار. ثم ينقل عن الإمام قوله: إذا رأيت القبّة فقل كذا، وهذا أيضاً دليل آخر على كذب راوي هذا الخبر الذي لم يكن منتبهاً إلى حقيقة أنه لم يكن في زمن أئمة أهل البيت عليهم السلام قبّة على القبور، إذ ليس من سنن الإسلام بناء القباب على القبور!

ولا ينقضي العجب من العلماء الذين ملؤوا كتبهم من هذه الأكاذيب. ولا شك أنه إذا أورد الشيخ المفيد أو الكليني أو مئات آخرون في كتبهم رواياتٍ مكذوبة فإن ذكرهم لها في كتبهم لا يحوِّلها إلى روايات صحيحة، بل يجب القول إنّ أولئك العلماء الكبار - [على جلالة قدرهم]- اشتبهوا وأخطؤوا، وخطأ الكبار من أكبر الأخطاء! الزيارة (32) المروية عن صفوان

يَنْسُبُ صفوان إلى الإمام الصادق (ع) قوله له: إذا وصلت إلى الحائر فقل كذا وكذا، وهذا بحد ذاته دليل على كذب رواة هذه الرواية إذْ لم يكن في زمن صفوان لا حائر ولا جدار. ثم ينقل عن الإمام قوله: إذا رأيت القبّة فقل كذا، وهذا أيضاً دليل آخر على كذب راوي هذا الخبر الذي لم يكن منتبهاً إلى حقيقة أنه لم يكن في زمن أئمة أهل البيت عليهم السلام قبّة على القبور، إذ ليس من سنن الإسلام بناء القباب على القبور!

ولا ينقضي العجب من العلماء الذين ملؤوا كتبهم من هذه الأكاذيب. ولا شك أنه إذا أورد الشيخ المفيد أو الكليني أو مئات آخرون في كتبهم رواياتٍ مكذوبة فإن ذكرهم لها في كتبهم لا يحوِّلها إلى روايات صحيحة، بل يجب القول إنّ أولئك العلماء الكبار - [على جلالة قدرهم]- اشتبهوا وأخطؤوا، وخطأ الكبار من أكبر الأخطاء!

ثم قال في هذه الرواية أنه بعد الانتهاء من الزيارة: «اخرج ولا تُوَلِّي وجهك عن القبر حتى يغيب عن معاينتك»! فليت شعري هل يرى الإمام إدارة ظهر الزائر لقبره حتى ينزعج من ذلك ويستاء؟! هل كان الناس زمن أئمة أهل البيت عليهم السلام يتصرَّفون كذلك معهم؟ وهنا أذكر أنني خلال فترة تحصيلي العلمي في حوزة قم العلمية ثم في حوزة النجف العلمية كنت أرى عوام الناس يعودون القهقرى في صحن الحَرَم بعد انتهاء زيارتهم للضريح ولا يولُّونه ظهورهم إلّا بعد الخروج من الصحن، ولم أكن أدري حتى ذلك الحين أنهم أخذوا هذه الخرافات والأعمال غير المبرَّرة من كتب الزيارات التي دوّنها العلماء!!

 

+                  +                 +


 

الزيارة (33) المنقولة عن الشيخ المفيد

يروي الشيخ المفيد زيارةً مضرّةً علامات الكذب وقرائن الوضع فيها كثيرة. من ذلك ما جاء فيها من أنه إذا وصلتَ إلى باب صحن القبر ودخلتَ الصحن (الفناء) فقل كذا وكذا، وقد أوضحنا سابقاً مراراً أن أئمة أهل البيت عليهم السلام بريئون من هذه الحُرم والأفنية والأروقة التي بُنيت على قبورهم والتي لم يكن لها وجود في عهدهم. فكل زيارة تضمنت مثل هذا الأمر هي موضوعة بلا ريب. وفي هذه الزيارة لعن من حرّف الكتاب، أي حرّف معاني كلماته أو جمله وفسّرها بما يخالف مدلولاتها في اللغة العربية، وهذا النوع من التحريف يُقال لهذا «تحريف معنويٌّ» أما التحريف اللفظي فلم يقع في القرآن على الإطلاق لأن الله تعالى قد ضمن حفظ كتابه وصيانته وقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9]. أما التحريف المعنوي فقد قامت به أكثر فرق المسلمين خاصة الباطنية وجماعاتٌ من الصوفية أو من المدّعين كذباً حبَّ أهل البيت عليهم السلام. فمثلاً قالوا إن المقصود من البعوضة أو الإبل أو دابة الأرض أو القمر أو ناقة الله: هو عليّ عليه السلام وهكذا... فَلَعْنُ من حرّف الكتاب - الذي جاء في الزيارة - ينطبق على جميع هؤلاء!

ثم يقول واضع الزيارة للإمام: «فها أنذا وافد إليك بنصري» أي أنني جئتك بنصرتي لك!! فبالله عليكم أيها القرّاء المحترمين هل يسخر واضع هذه الزيارة من نفسه أم من الزائرين، حتى يقول للإمام إن لم أستطع نصرك أو لم أكن يوم عاشوراء حتى أنصرك فها أنا الآن جئتك بنصري لك!! أفلا يدري أن الإمام نال السعادة الأبدية وترك الدنيا إلى غير رجعة ولم تعد هناك حرب ولا حاجة لنصرته! ثم يقول: «ثم ارفع يديك إلى السماء وقل اللهم إني أشهد أن هذا القبر قبر حبيبك وصفوتك من خلقك.....» وهكذا يستمرّ صفحة كاملة في مخاطبة الله تعالى بأنه يشهد أن هذا القبر كذا وكذا... حتى يصل إلى دعاء صاحب القبر أن يشفع له ثم يقول: «إن لم تشفع لي ولا ينصرف زوَّارك يا مولاي بالعطاء والحباء والخير والجزاء والمغفرة والرضا وأنصرف أنا مجبوها بذنوبي مردوداً علىَّ عملي قد خيبت لما سلف مني فإن كانت هذه حالي فالويل لي ما أشقاني وأخيب سعيي وفي حسن ظني بربي وبنبيي وبك يا مولاي وبالأئمة من ذريتك ساداتي أن لا أخيب..» فبالله عليكم لاحظوا ماذا يقولون وأيَّ خبط وإضرار بالإسلام والتوحيد يفعلون!

ثم يصل إلى قوله: «تفضَّل عليَّ بشهوتي»!! والطريف أن هؤلاء يعتبرون أنفسهم بمثل هذه الكلمات الركيكة من العارفين بالله المخلصين لله ولرسوله!!

وفي موضع آخر من هذه الزيارة يقول مخاطباً الإمام: «أتيتك زائراً وبحقك عارفاً و.... والمنة عليَّ بجميع سؤلي ورغبتي وشهوتي» أي يطلب من الإمام أن يمنّ عليه بقضاء حوائجه وتحقيق رغباته ومشتهياته، أي أنه يعتبر الإمام قاضي الحاجات! أما عليٌّ عليه السلام فإنه يقول:

«وأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ ومَانِعٍ عَزِيزٍ وأَخْلِصْ فِي المَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ والْحِرْمَانَ....... فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ ورَزَقَكَ وسَوَّاكَ ولْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ وإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ ومِنْهُ شَفَقَتُكَ...»(200).

ورغم ذلك فإن الخرافيِّين عندما يواجهون بياناتنا التي ننوّر بها الناس ونوعّيهم إلى حقائق الإسلام والتوحيد يسخطون علينا ويتّهموننا بأننا -نعوذ بالله- أعداء للإسلام أو أعداء أئمة أهل البيت عليهم السلام ويحرّضون علينا الجهّال كما فعلوا ذلك مراراً.

ثم بعد ذكر واضع هذه الزيارة استحباب أداء صلوات وأدعية من عنده، يأتي بزيارة لا سند لها لحضرة «العباس» (ع) ويقول: «عُدْ إلى الضريح»، وهذه العبارة بحد ذاتها علامة على أن هذه الزيارة وُضعت بعد القرن الهجري الثالث أو في القرن الهجري الرابع على الأقل في زمنٍ كان قد أُنشئ فيه ضريح لحضرة العباس. على كل حال إن من يقرأ هذه الزيارة معتبراً ما يفعله عبادة يكون قد ارتكب بدعة في الواقع.

ونلفت الانتباه هنا أنه جاء في أوائل هذه الزيارة جملة توحيدية ممتازة يبدو أنها صدرت عن واضع الزيارة سهواً! إذ لو فهمها الناس جيداً لما ارتكبوا هذه البدع، يقول: «الحمد لله الواحد في الأمور كلِّها» أي أن الله تعالى منفرد ومتفرّد في فعل جميع الأمور ولم يتّخذ وزيراً ولا واسطة بل هو متفرِّدٌ وحدَهُ في جميع الأمور، فإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي أن يُطلب شيء إلا منه.

+                  +                 +


 

الزيارة (34) المنقولة عن ابن طاووس

ذكر ابن طاووس هذه الزيارة بدون سند ثم رواها عنه الآخرون رغم أن قرائن الوضع فيها واضحة وتتعلَّق بزمن كان لمراقد أئمّة أهل البيت عليهم السلام فيه قبّة وضريح، فقد جاء في أولها: «تقف على باب قبّته الشريفة... وتدخل وتجعل الضريح بين يديك ثم تقول كذا وكذا (عدة صفحات) ثم.... قبّل الضريح!!»

ومن المؤكد أن أولياء الله وأئمة أهل البيت عليهم السلام لا يرضون أن يقبّل المسلمون أضرحتهم التي صُنعت من الذهب والفضة وبناها السلاطين وأمراء الجور بالأموال المغصوبة من الناس!

[التوسُّل إلى الله يكون بالإيمان والعمل الصالح فقط وليس بالأئمة (ع)]

بمعزلٍ عن مخالفة كثير من جمل هذه الزيارة لكتاب الله، فإن من أوضح علامات الوضع فيها أن واضعها لم يفهم المعنى الصحيح للآية 35 من سورة «المائدة» المباركة فقال -وكأنه يستند إليها-: «لم يتوسّل المتوسّلون إلى الله بوسيلة هي أعظم حقّاً عنده منكم أهل البيت».

فأولاً: يجب أن نعلم أن لا أحد من مخلوقات الله، حتى الأنبياء العظام صلوات الله عليهم، له حق واجب على الله، بل لله المتعال الحقّ والمنَّة على جميع عباده، ولو كان لواضع هذه الزيارة الجاهل علمٌ بالقرآن لقرأ آياتٍ كقوله سبحانه وتعالى: ﴿ قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَا ﴾ [يوسف:90]، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الصافات:114]، وقوله كذلك: ﴿ وَلَكِنَّ الله يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [إبراهيم:11]، ولو قرأها لما لفَّقَ تلك الجمل.

ثم النقطة المهمّة أكثر هي استشهاده بالآية 35 من سورة المائدة على التوسل بالأئمة من أهل البيت عليهم السلام مما يستدعي أن نوضّح هذا الأمر - كما فعلتُهُ في سائر كُتُبي ومن جملتها تفسيري «تابشي از قرآن» (أي إشعاع من القرآن)، وغيره- ونبيِّن المعنى الصحيح لهذه الآية، والتي أحسن الأستاذ الشيخ «مرتضى مطهّري» في كتابه «العدل الإلهي» بيانَ معناها الصحيح، وذلك لكي يتَّضح خداع وضّاعي الزيارات ومغالطة الخرافيين في هذا الأمر.

يقول تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة:35].

أولاً: الخطاب في الآية - كما هو ظاهر- موجّه إلى المؤمنين، وطبقاً للآية 285 من سورة البقرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مشمولٌ بخطاب الله للمؤمنين، وبالطبع أئمة أهل البيت عليهم السلام أيضاً مشمولين بالخطاب، فلنا أن نسأل إذن ما هي الوسيلة التي كان يبتغيها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام للتقرّب إلى الله تعالى؟ هل كانت شيئاً سوى الإيمان والتقوى والعمل الصالح؟ هل الوسيلة التي يجب على الإمام كما يجب على المأمومين أن يطلبوها ويتوسلوا بها إلى الله شيء سوى الجهاد في الله وفي سبيل الله؟ هل يوجد في الدين فرق بين أحكام الإمام وأحكام المأموم؟! بالطبع لا، لذا يجب أن نقول إنَّ عَلَى المأمومين أنْ يقتدوا بالإمام ويتَّبعوه ويتأسُّوا به في كلِّ وسيلة توسَّل بها إلى الله.

في الواقع لقد ذكرَتْ الآيةُ الكريمةُ في آخرها - بعد الأمر بابتغاء الوسيلة - نموذجاً للوسائل التي يجب ابتغاؤها فقالت: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة:35] فأوضح الله تعالى المقصود بابتغاء الوسيلة فوراً، ولعلَّ هذا يفسّر لماذا يجتزئ أكثر المدافعين عن الخرافات الآية المذكورة في خطبهم وكُتُبهم فلا يُكْمِلُونها حتى آخرها ويقفون عند قوله تعالى: ﴿ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.

ثانياً: لم تقل الآية الكريمة: «ادعوا الوسيلة» بل قالت: «ابتغوا إليه الوسيلة» ومن البديهيّ أن الابتغاء غير الدعاء.

ثالثاً: لم يبقَ أحدٌ من أئمة أهل البيت عليهم السلام منذ أواخر القرن الهجري الثاني فما بعد حتى نتوسّل بهم كما لم تَعُدْ هناك إمكانية لطلبهم وابتغاء أرواحهم الطيبة في هذا العالم لأنهم انتقلوا منه! فكيف يمكن أن يأمرنا الله بابتغاء شيء لا يمكن ابتغاؤه؟!

رابعاً: هذه الآية إن قُصد بها كما يدّعي الخرافيون التوسّل بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أو أئمة الهدى عليهم السلام لم يكن العمل بها ممكناً إلا لمن كان يعيش مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة أو مع الإمام عليه السلام في الكوفة، فكيف كان للمؤمنين من أهل اليمن أو الشام أو خراسان أن يتوسّلوا بالإمام ويطلبوه؟ (إلا أن يشدّوا رحال السفر إلى مقر الإمام عليه السلام وهو أمر لم يكن ميسّراً للجميع) وإلا فلا يمكن ابتغاء أئمة الدين من أماكن بعيدة!(201)

خامساً: قوله تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ﴾ [الإسراء:56-57] يفسّر ويبيّن بوضوح معنى «الوسيلة» ولفظ «أقرب» في الآية المذكورة قرينة على أن المراد من الوسيلة هو «المنزلة» التي تتحصّل بالالتزام بأوامر الشرع ونواهيه فالذين هم عند الله يبتغون القرب والمنزلة منه.

ثم إن الآية تقول على نحو ضمني أن الذين تدعونهم هم أنفسهم يبحثون عن وسيلة تقرِّبهم من الله ولا شك أن الذي يبحث عن الوسيلة بنفسه لا يمكن أن يكون هو ذاته وسيلة.

سادساً: لماذا لا يشير مُدَّعو حبِّ آل الرسول عليهم السلام إلى ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام من توضيحات بشأن هذه الآية ولماذا لا يذكرون للناس ما تفضّل به أولئك الأئمة الكرام عليهم السلام؟!

فمن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إلهي وسيلتي إليك الإيمان بك».

وقول أمير المؤمنين عليه السلام: «إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ المُتَوَسِّلُونَ إِلَى الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى الإيمَانُ بِهِ وبِرَسُولِهِ والْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ فَإِنَّهُ ذِرْوَةُ الإسْلامِ، وكَلِمَةُ الإخْلاصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ، وإِقَامُ الصَّلاةِ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ، وإِيتَاءُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ، وصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنَ الْعِقَابِ، وحَجُّ الْبَيْتِ واعْتِمَارُهُ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ ويَرْحَضَانِ الذَّنْبَ، وصِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مَثْرَاةٌ فِي المَالِ ومَنْسَأَةٌ فِي الأجَلِ، وصَدَقَةُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ...»(202).

وكما نلاحظ فهذا الكلام هو في الواقع تفسير للآية التي سبق ذكرها من سورة المائدة.

وكذلك جاء في أدعية أمير المؤمنين عليه السلام قوله:

«قد جئتُ أطلب عفوَكَ ووسيلتي إليكَ كرمُكَ..»(203).

و «فقد جعلتُ الإقرار بالذنب إليك وسيلتي... مُتَوِسِّلٌ بكرمك..»(204).

و «فإني أتَوَسَّلُ إليكَ بتوحيدكَ وتهليلكَ وتمجيدكَ وتكبيركَ وتعظيمكَ..»(205).

و «يتوسَّلُ إليك بربوبيَّتِكَ..»(206).

ويروي «السيد بن طاووس» عن الإمام الحسين عليه السلام قوله في دعاء عرفة:

«ها أنا أتَوَسَّلُ إليك بِفَقْرِي إليكَ...»(207).

ويقول الإمام «زين العابدين وسيد الساجدين» عليه السلام:

«اللهمَّ إنِّي بِذِمَّة الإسلام أتَوَسَّلُ إليكَ..»(208).

و «وسيلتي إليكَ التوحيدُ، وذريعتي إليك أنِّي لم أُشْرِكْ بكَ شيئاً..»(209).

ويقول متأسّياً بجده الكريم: «اللهمَّ إنِّي أتقرَّبُ إليكَ بذكركَ وأستشفع بكَ إلى نفسكَ..»(210)، وأيضاً: «وبدعائك تَوَسُّلِيْ»(211).

فكما نلاحظ لم يتوسل عليّ عليه السلام وأئمة أهل البيت الكرام عليهم السلام - ولا حتى بهدف تعليم المأمومين وإرشادهم- في أدعيتهم بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ولا بالأنبياء السابقين عليهم السلام كأبي الأنبياء وخليل الرحمن إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم بل كان توسّلهم دائماً هو بالإيمان والإسلام والجهاد والعمل الصالح وبصفات الله ورحمته ولم يتوسّلوا على الإطلاق ببشر أو مخلوق. فلا أدري لماذا يتجاهل من يقولون إنهم شيعةٌ لعليٍّ والأئمة من آله كلماتهم هذه ويتوسّلون في الغالب بالإمام وبذراري الأئمة عليهم السلام مع أن الأئمة عليهم السلام لم يقولوا لهم توسّلوا بنا في أدعيتكم(212).

وهناك نقطة أخرى في هذه الزيارة وهي قول واضعها - كما جاء في دعاء «الندبة»-: «اللهم أبلغ سيدي ومولاي تحية وسلاماً» مما يدلُّ على أنه يعتقد -مُحِقَّاً-أن الله «حاضر ناظر قريب» منه وأن الإمام «غائب وبعيد» عنه، لذا يطلب من الله تعالى أن يبلّغه السلام! فلنا أن نسأله: لماذا إذن تخاطب الإمام في الزيارة وكأنه حاضر وناظر وتقول له كاذباً: «أشهد أنك تسمع كلامي وتردّ جوابي» أليس هذا تناقض محض؟ ولكن واضعي تلك الزيارات لا ينتبهون إلى تناقضاتهم هذه!.


 

الزيارة (35) المنقولة عن ابن طاووس عن قول رجل مجهول

روى السيد ابن طاووس هذه الزيارة عن رجل دون أن يذكر اسمه أو يبيِّن هويَّته!

قال المجلسيُّ: «35- زيارةٌ أخرى مطلقة رواها السيد (ابن طاووس) قدس الله روحه قال روي أن رجلاً أتى الحسين (ع) فأناخ راحلته بقرب الظلال ونزل وعليه حلية الأعراب ثم مضى نحو الضريح وعليه سكينة ووقار حتى وقف بباب الظلال ثم أومأ بيده نحو الضريح وقال السلام عليك يا وليَّ الله وحجته! سلام مسلِّم لله فيك رادٍّ إلى الله وإليك.... (إلى قوله):.. ثم حطَّ خدَّه على الضريح وقال أتيتك للذنوب مقترفاً فكن لي إلى الله شافعاً فها أنا ذا قد جئت عنهن نازعاً.... (إلى قوله):.. ثم وقف والضريح قبلته فصلى وأكثر ما لم أحصه ثم دعا واستغفر وسجد.... (إلى قوله): ثم جلس وهو يُهَيْنِمُ بما لم أفهمه ثم قام فوقف عند رأس الحسين (ع) وقال السلام عليك وعلى من اتَّبعك وشهد المعركة معك والواردين مصرعك، يا ليتني كنت معكم فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً أتيتك زائراً يا وليَّ الله وابن وليِّه ووصيَّ نبيِّه وانصرفت مودِّعاً غير سئم ولا قالٍ فاجعلني منك ببال! ثم انصرف إلى راحلته فركبها ومضى ولم أكلمه ولا كلَّمني»(213).

فبالله عليكم هل مثل هذه الروايات تصلح أن تكون مستنداً في الدين؟ وليت شعري ماذا كان قصد «ابن طاووس» من جمع هذه الزيارات بهذه الكيفية، وماذا كان قصد أولئك الذين نقلوها من كتابه؟ شخص مجهول جاء وأخبر الإمام عن ذنوبه وخطاياه ثم قام بعمل باطل أي بدلاً من استقبال الكعبة فقط استقبل الضريح وصلى وسرد مجموعة من العبارات الخرافية لعله ظن أيضاً مثل سائر الخرافيين أن الإمام بعد وفاته حاضر وناظر! لأنه قال: «فاجعلني منك ببال»! فما قيمة مثل هذه الأمور حتى تُعتبرَ قراءتُها مستحبَّةً، وهل أُوكل تشريع الواجبات والمستحبَّات لواضعي الزيارات؟ وبدلاً من أن يقوم حضرة السيد ابن طاووس بالحكم على انحراف الزائر عن الكعبة أثناء الصلاة بأنَّه عملٌ باطلٌ وخاطئٌ ويعتبرَ أن هذا العمل دليل على ضلاله وجهله، قام بنقل هذه الخرافة لنا في كتابه!!

 

الزيارة (36) المنقولة عن جابر الجعفيّ

روى هذه الزيارةَ ابنُ طاووس والمجلسيُّ وآخرون، ولكن اعلم أن العلامة الحليّ قال في رجاله نقلاً عن ابن الغضائري: «إن جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ثقة في نفسه، ولكنَّ جُلَّ من روى عنه ضعيفٌ»(214). أي أن الغلاة والضعفاء يكذبون ثم ينسبون أكاذيبهم إليه لشهرته، وقال النجاشي أيضاً: «روى عنه جماعةٌ غُمِزَ فيهم وضُعِّفُوا، منهم: عمرو بن شمر، ومفضل بن صالح، ومنخل بن جميل، ويوسف بن يعقوب. وكان في نفسه مختلطاً... وقلَّ ما يورد عنه شيءٌ في الحلال والحرام.»(215). ولذلك لا يمكننا أن نقبل كل ما يُروى باسم «جابر الجعفي»، هذه الزيارة كما لاحظتم في الزيارات السابقة علامات الوضع عليها ظاهرة وتعاني من عيوب الزيارات السابقة ذاتها، كقول الإمام فيها للزائر «فإذا أتيت قبر الحسين (ع) قُمْتَ على الباب»، وقوله بعد ذلك:

«ثم تمشي إليه فلك بكلِّ قدم ترفعها أو تضعها كثواب المتشحِّط بدمه في سبيل الله تعالى!! فإذا مشيتَ ووقفتَ على القبر فاستَلِمْهُ بيدكَ وقُلْ السلام عليك يا حجَّة الله في أرضه، ثم امض إلى صلاتك فلك بكل ركعة تركعها عنده كثواب من حجَّ ألف حجَّة واعتمر ألف عمرة وأعتق ألف رقبة وكمن وقف ألف مرَّة مع نبيٍّ مرسل»!!

وُضعت هذه الزيارة بالطبع، كما قلنا ذلك مراراً فيما سبق، في زمن كان قد بُني فيه على قبر سيد الشهداء عليه السلام ضريح وقبَّة وصحن وأبواب متعدِّدة ثم نُسبت هذه الزيارة كذباً وزوراً إلى الإمام المظلوم حضرة الصادق عليه السلام، وإلا فلم يكن في زمنه ضريحٌ للإمام الحسين ولا بناءٌ ولا بابٌ. ونقول في شأن ذلك الثواب الهائل الذي وُضع للزائر ما قلناه فيما سبق من أنه يجعل ثواب الزائر أعظم بكثير من ثواب المزور! أضف إلى ذلك أن واضع هذه الزيارة الجاهل يقول: «ثم امض إلى صلاتك فلك بكلِّ ركعة تركعها عنده كثواب من حجَّ ألف حجَّة واعتمر ألف عمرة!!...»(216)، فيبدو أنه لم يطَّلع على أدعية الأئمَّة الكرام عليهم السلام الذين كانوا يتضرَّعون إلى لله كي يتقبّل منهم حجَّاً واحداً، من ذلك مثلاً دعاء أمير المؤمنين عليه السلام: «أن تكتبني من حجَّاج بيتك الحرام المبرور حجُّهُم»(217).

وأقول: هل من يرفض نسبة تلك الأقاويل المغالية إلى الإمام منحرف؟ أم الشخص الذي يقبل كل ما يُنسب إلى الإمام ولو كان يخالف كل قواعد الشرع والعقل؟!

 

+                  +                 +


 

الزيارة (37) المنقولة عن الكفعمي

هذه الزيارة رواها «الكَفْعَمِيُّ»(218)، من علماء القرن التاسع الهجري، مباشرةً دون واسطة عن الإمام الصادق عليه السلام الذي كان يعيش في القرن الهجريِّ الثاني!! فأيُّ سند هذا؟ وهل بمثل هذا السند تكون الرواية صحيحةً؟! على كلِّ حال يقول «الكَفْعَمِيُّ» فيها: «وتصلِّي ركعات الزيارات وهي ثمان وتدعو بعد كل ركعتين منهما بما ذكرناه»(219).

وليت شعري! هل تشريع الصلوات المستحبة بيد «الكَفْعَمِيُّ» ومثله من العلماء؟! والأعجب أن علماءَنا يدرجون في كتبهم كلَّ ما رواه «الكَفْعَمِيُّ» و«ابن طاووس» و«ابن أبي قُرَّة»(220) و«ابن المشهدي»(221) و«ابن قولويه»(222) حتى لو كان بلا سند [أو كان رواتُهُ مجروحون في كتب الرجال ومتَّهمون بالغلوّ والكذب ووضع الحديث] دون أن يعلّقوا على الروايات الضعيفة أو ينتقدوها وكأنها وحيٌ منزل! أفلم يقرؤوا قوله تعالى: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ﴾ [الإسراء:36].

ثم يقول «الكفعمي» بعد ذلك: «قال: ثم زُرْ عليَّ بنَ الحسين ثم الشهداء والعباس»، هنا يقوم المجلسيُّ بعد هذه الرواية بتوضيح هام (!) فيقول: «بيان: الظاهر أن قوله ثم زُرْ إلى آخره.. من كلام المؤلِّف»، فالعجب العجاب من المجلسيّ الذي لم يُبْدِ أيَّةَ ملاحظةٍ أو انتقادٍ حول أصل الزيارة أو بعض عباراتها رغم كل الإشكالات التي فيها، ولم يجد ما يحتاج إلى التعليق سوى جملة «قال ثم زر عليّ بن الحسين» فبيَّن أنها للكفعمي وليست للإمام؟!!

 

+                  +                 +


 

الزيارة (38) المنقولة عن السيد المرتضى

يصرّح المجلسيُّ بأن هذه الزيارة ليست من كلام إمام من الأئمَّة بل من تأليف السيد المرتضى علم الهدى(223) ويقول: «زيارةٌ أخرى له صلوات الله عليه أوردها السيِّدُ وغيرُه والظاهر أنه من تأليف السيد المرتضى رضي الله عنه».

وهذه الزيارة زيارةٌ فصيحةٌ وبليغةٌ ومسجّعةٌ ومقفَّاةٌ وأجملُ من جميع تلك الزيارات التي نسبوها لإمامٍ من الأئمَّة عليهم السلام، وهذا يبيِّن بطلان رأي من قالوا أنه مما يثبت كون رواية ما أو دعاء أو زيارة من كلام الإمام فصاحتها وجمالها وبلاغتها، أي أنهم يجعلون بلاغة الزيارة وجمال عباراتها قرينة على صحة انتسابها للإمام! فمثلاً قالوا بشأن «الزيارة الجامعة» أو «دعاء الندبة»، التي تتضمَّن عديداً من الجمل والعبارات المخالفة للقرآن أو الكاذبة، إن فصاحة عباراتها وبلاغتها تدلُّ على أنها من كلام الإمام! هذا في حين أن هذه الزيارة رقم 38 التي أنشأها السيد المرتضى أجمل من «الزيارة الجامعة» و«دعاء الندبة» وأفصح منها رغم أنها ليست من كلام أي إمام، ولو قارناها بإنصاف بالزيارة رقم 30 أو سائر الزيارات التي مرَّت نماذج عنها فيما سبق لرأينا أن عبارات هذه الزيارة معقولةٌ أكثر ومقبولةٌ شرعاً وأشبه بالروايات الموثوقة الصحيحة وليس فيها أي عبارات عجيبة أو غريبة أو غير معقولة.

ورغم أن الزيارة التي دوَّنها السيد المرتضى لا تخلو من بعض العبارات الخرافية إلا أنها تتضمَّن نقاطاً ممتازة جديرة بالانتباه، من ذلك أنه جاء فيها مطلبٌ لا يوجد نظيره في سائر الزيارات وهو الإشارة إلى شهادة ابنين من أبناء أمير المؤمنين عليّ (ع) هما: «أبو بكر بن عَليّ» و«عثمان بن عَليّ» - رحمهما الله- اللذان نالا شرف الشهادة في واقعة كربلاء برفقة الإمام الحسين (ع)، وقد ذكر السيد المرتضى فضائل ومناقب هذين الشهيدين الكريمين في زيارته. هذا في حين أن واضعي الزيارات الغلاة الذين كانوا يُكِنُّون العداء للخلفاء تجاهلوا ذِكْرَ تضحية وشهادة هذين الشهيدين الكريمين نظراً لاسمهما المطابق لاسم الخلفاء!! وأسأل هؤلاء الغلاة: لو أنكم تحبون فعلاً وبصدق شهداء كربلاء وأصحاب الحسين سيد الشهداء (ع) وكتبتم كتباً ورسائل عديدة في زيارتهم وفضائلهم فلماذا لا تذكرون شهادة هذين الأخوين الكريمين لحضرة سيد الشهداء (ع)؟! إن هذا العمل بحدِّ ذاته دليلٌ على أن تلك الزيارات من وضع أشخاص مغرضين وليست من كلمات إمام من الأئمة عليهم السلام.

ولا يخفى أن هذه الزيارة الجيدة للسيد المرتضى تردّ كثيراً من مطالب الزيارات الأخرى وتُبْطِلُها فمن ذلك قول السيد المرتضى فيها: «وأنت مجدّل على الرمضاء لا تستطيع خطاباً ولا تردّ جواباً». فهذه الجملة تعارض الجملة التي ذُكرت مراراً في تلك الزيارات الموضوعة التي تقول: «أشهد أنك تسمع كلامي وتردّ جوابي».

ومن ذلك أيضاً أن السيد المرتضى في سلامه على الأنبياء يُبيِّن أن معجزاتهم فعل الله وليست من فعل الأنبياء وهذا يخالف عقيدة أهل الخرافات. ومن ذلك كذلك أنه اعتبر جميع الشهداء أئمَّةً ولم يحصر الإمامة في اثني عشر إماماً فقال بشأن جميع الشهداء: «السلام على الأئمة السادات» وهذا يوافق القرآن الكريم الذي يعلّمنا أنه ينبغي على المؤمنين، بوصفهم عباد الرحمن، أن يدعوا الله أن يجعلهم جميعاً أئمةً للمتقين فيقول تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ﴾ [الفرقان:63]..... ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ [الفرقان:74].

طبقاً لهذه الآية كل مؤمن يمكنه أن يطلب من ربه أن يجعله إماماً للمتقين وأن يسعى من خلال كسب العلم ومجاهدة النفس والالتزام بأوامر الشرع ونواهيه كي يكون أهلاً لمرتبة إمامة المتقين والأسوة للمؤمنين.

 

+                  +                 +


 

الزيارة (39) وما بعدها

لا يذكر المجلسيُّ لهذه الزيارة رقم 39 أي سند أو مصدر ولا يذكر حتى اسم راويها ولا الكتاب الذي استقاها منه، وبالتالي فلا ريب أن قراءة مثل هذه الزيارة بدعة، هذا رغم أن سائر الزيارات الأخرى ليست بأفضل حال منها!

أما الزيارة رقم 40 فيذكر المجلسي أنه نقلها من كتاب «المزار» لابن المشهدي ولكن الأخير أوردها في كتابه دون سند فهي إذن رواية فاقدة للاعتبار لا يُعوّل عليها.

ثم يذكر المجلسيُّ الزيارة رقم 41 وينقلها مرسلةً عن صفوان ولا ندري من هو الراوي أو الرواة الذين رووها عن صفوان، فهي إذن زيارة باطلة لا اعتبار لها. هذا إضافة إلى أن متنها يدل على وضعها إذ فيه ما يفيد أنه كان لقبر الإمام الحسين (ع) صحن وقبة وضريح وهو ما لم يحصل إلا بعد فترةٍ من عهد الأئمة عليهم السلام.

ونأسف لهؤلاء العلماء الذين بدلاً من عرضهم الدين الحقيقي للناس أوجدوا قباباً وأضرحة، وبدلاً من التوحيد وتوجيه الناس إلى التوجُّه المباشر إلى الله الواحد يوجِّهُونهم إلى الأنبياء والصالحين تحت عنوان التوسّل بهم إلى الله.

ثم يقول المجلسيُّ عن الزيارة رقم 42: «42 - أقول وجدتُ في نسخةٍ قديمةٍ من مؤلَّفات أصحابنا زيارةً أخرى له صلوات الله عليه»(224).

فهي إذن زيارةٌ لا يُعلم مؤلِّفُها وفاقدةٌ للسند. وثانياً: في متنها أيضاً نفس الإشكال الذي في متون الزيارات الموضوعة الأخرى التي وُضعت بعد بناء القباب والأضرحة والمشاهد على القبور. وثالثاً: في هذه الزيارة صلواتٌ ومدائحُ وثناءٌ على كل إمام من الأئمة الاثني عشر مما يبين أنها وُضعت بعد زمان الأئمة عليهم السلام. ثم يقول واضعها في آخرها: «ثم ضع خدَّك الأيمن على الضريح وقل:...»(225). ومن المسلّم به أنه لم يكن في زمن الإمام الذي نُسبت إليه الزيارة ضريحٌ بل السلاطين الظلمة هم الذين بنوا الضريح فيما بعد، وأوقفوا الموقوفات من قبيل البساتين والأراضي والبيوت والمزارع والحوانيت لأجل حفظ ذلك الضريح وصيانته، فكل ذلك تم في القرون التالية لزمن الأئمة عليهم السلام وقد بينا أن وقف الأراضي البور والأراضي المفتوحة عنوة عمل باطل، هذا بمعزل عن أن أصل وقف الأوقاف على مثل هذا الغرض أمر مرجوح وباطل وكذلك النذورات التي تُنذر للقبور وأهلها مرجوحة وباطلة.

على كل حال فإن الزيارة رقم 42 تتضمَّن كثيراً من الجمل المخالفة للقرآن!

 

+                  +                 +


 

باب 22-الزيارة في التقية وتجويز إنشاء الزيارة

روى المجلسيُّ وآخرون عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «تقول عند قبر الحسين (ع) ما أحببت»!!(226).

هنا يُنسب إلى الإمام إجازته للزائر أن يقول كل ما أحب قوله! وبناء على هذا فجميع الزيارات التي نسجها الغلاة ووضعوا ألفاظها المخالفة للشرع تستمد مشروعيتها من هذه الجملة التي تسمح للزائر أن يقول ما حلا له وما أحب قوله ولو كان كلامه يتضمن عقائد خرافية تضلّ الناس وتجعل الأجيال اللاحقة تظن أن زياراتهم مسندة وموثّقة، وهذا منشأ الفساد.

في نظرنا أن منشأ كل تلك العبارات الكفرية والأوهام الشركية التي انتشرت في متون الزيارات الموضوعة هو هذه الجملة: «تقول ما أحببت»، ولعلَّ هذا ما جعل الحاج الشيخ «عباس القمي» وأمثاله يظنون أن لتلك الزيارات وجهاً شرعيّاً لذا أوردها في كتابه «مفاتيح الجنان» أو الكتب المشابهة الأخرى.

إلى هنا نكتفي بما ذكرناه من زيارات مشهورة ومهمّة لدى العلماء ونعتقد أنه قد تبيَّن للقارئ المنصف أن متونها باطلة وأنها في الواقع افتراء على أئمة أهل البيت عليهم السلام.

وبالطبع فإن أسانيد تلك الزيارات أسانيد غاية في الوهن والتهافت وقد حقَّقْتُ في جميع أسانيدها فلم أجد أيَّ سندٍ منها خالياً من العيب بل جميعها بلا استثناء يتضمَّن راويين أو راوياً واحداً على الأقل ضعيفاً وفاسداً أو مهملاً ومجهولاً.

 

+                  +                 +


 

الزيارة الجامعة

قبل إنهاء الكتاب من المناسب أن نُلقي نظرةً سريعةًَ على «الزيارة الجامعة» التي تحظى بشهرة واعتبار بين العوام بله بين جماعة من العلماء. نقل المجلسيُّ هذه الزيارة من كتب الشيخ الصدوق [الذي أسندها إلى الإمام الهادي عليه السلام]. وقد قام الأستاذ المجاهد «قلمداران» رحمه الله بتحقيق سندها في كتابه حول «زيارة المزارات»، فلا حاجة إلى إعادة ما ذكره بشأن سندها، لذا سنهتم بتمحيص ونقد بعض ما جاء في متنها.

قال المجلسيُّ بعد ذكره هذه الزيارة: «إنَّها أصحُّ الزياراتِ سنداً وأعمُّها مورداً وأفصحها لفظاً وأبلغها معنىً وأعلاها شأناً!!»(227).

أولاً: كما ذكرتُ سابقاً ألّف السيد المرتضى زيارة أوردها المجلسيُّ تحت رقم 38، وهي تتمتع بسلاسة في التعبير وجمال في العبارات جَعَلَتْ المجلسيَّ يعتبر ألفاظها شافية رغم قوله بأنها حسب الظاهر من تأليف السيد المرتضى والشيخ المفيد. وزيارة السيد المرتضى في الواقع أفصح وأجمل وأكثر تأثيراً وما فيها من ثناء أوقع في القلب من هذه الزيارة، وبالتالي فمجرد فصاحة وبلاغة متن زيارة لا يكفي وحده دليلاً على أنها من كلام إمام من الأئمة عليهم السلام.

ثانياً: من المستحيل أن يدعو أي إمام من أئمة أهل البيت -الذين كانوا جميعاً في قمّة التواضع ونكران الذات والذين كانوا ينهون بشدة عن العجب بالنفس وعن الإغراق في المديح - أتباعه إلى المجيء لزيارته وتلاوة صفحات طويلة من عبارات الغلوّ والإغراق في الإطراء والمديح [المتجاوز لحدود الشرع] كي يرضى عن الزائر ويشفع له!

ثالثاً: من المعروف أن الحكومة الصفويَّة كانت تميل - تحقيقاً لمقاصد سياسية- إلى بث روح الغلوّ والمبالغة في صفات العظماء بما في ذلك عظماء الدين وأن يروج ذلك بين الناس. والمجلسيُّ إضافةً إلى أنه نشأ وترعرع في مثل ذلك الجوّ، كان نفسه أحدَ المبرِّرين لحكم أولئك الأفراد الفاسدين عديمي الأهلية مثل «الشاه سليمان» و«السلطان حسين» الصفَويَّيْن، مُضْفِيَاً عليهم صفة الشرعيَّة، إذْ كان يبالغ في مدحهم وتمجيدهم(228)، وكان لهذا العمل، بالطَّبع، آثارٌ سلبيَّةٌ على روحيَّته جعل هذه الزيارة غير المناسبة والبعيدة عن روح الشرع تبدو في نظره جيِّدةً ومقبولةً، ولكننا سنثبت أن بعض جملها مخالف للقرآن والعقل والتاريخ ومن المحال أن يكون الإمام الهادي عليه السلام قد أمر بقراءتها:

ألف) تخاطب الزيارة الأئمَّة من آل محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم بعبارة: «موضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي»، هذا في حين أن مثل هذه الأوصاف تختصُّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط، أما الآخرون فمهما علا شأنهم ليسوا موضعاً للرسالة ومختلفاً للملائكة ومهبطاً للوحي. هذا رغم أن المتعصِّبين الغلاة يجيدون توجيه وتبرير مثل هذه الجملة بتأويلات باردة تصرفها عن معناها الصريح الواضح إلى احتمالات عجيبة بعيدة عن الذهن وإلى معان ملتوية!

ب) وجاء في الزيارة خطابٌ للأئمَّة: «أقمتم حدوده»، هذا في حين أننا نعلم جيداً أن هذا يخالف بكل وضوح مسلمات التاريخ، إذ إن الأئمة الكرام عليهم السلام - باستثناء الإمام عليّ والإمام الحسن عليهما السلام- لم يكونوا مع شديد الأسف مبسوطي اليد ولم تُتح لهم فرصة وإمكانية إقامة الحدود الإلهية.

ج) بمعزل عن وصف هذه الزيارة - كما تفعل كثير من الزيارات أو الروايات والأدعية الموضوعة الأخرى- للأئمَّة بأنهم «بقية الله» ممَّا بينَّا عدم صحته في تفسيرنا للآية 33 من سورة الأحزاب في تفسيرنا «تابشى از قرآن» (أي إشعاع من القرآن)، فإن هذه الزيارة - شأنها شأن عدد من الزيارات الموضوعة الأخرى- تخاطب الأئمَّة بعبارة «إياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم»!! وهذا كلام مضادٌّ لكثير من آيات القرآن الكريم البيِّنة الواضحة مثل:

﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام:52].

﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ﴾ [الرعد:40].

﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء:47].

﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾ [الشعراء:113].

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية:25-26].

د) هل يعتقد العلماء الذين يروّجون لهذا الدعاء أو هذه الزيارة ويوصون العامة بقراءتها بمفادها حقيقةً؟ فقد جاء في هذه الزيارة: «ومن جحدكم كافر»! فالآن نسأل: إن جميع مسلمي العالم - باستثناء الشيعة الاثني عشرية والشيعة الإسماعيلية (=الذين يؤمنون بسبعة أئمّة)- رغم احترامهم لأئمة أهل البيت - عليهم السلام- إلا أنهم ينكرون أن يكون أولئك الأئمّة الكرام منصوصاً عليهم من عند الله ومنصّبين من قبل الله ورسوله، فهل أنهم بذلك يكونون جاحدين للأئمَّة وبالتالي كافرين؟ فإن كانوا كذلك فكيف تَدْعُون في أغلب الأوقات إلى الوحدة الإسلامية والاتفاق مع سائر المسلمين؟ هل تريدون التوحّد مع الكفّار؟!

يقول الإمام الصادق (ع): «عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصلوا معهم في مساجدهم»(229)، ويقول الإمام الكاظم (ع): «صلى حسنٌ وحسينٌ خلف مروان ونحن نصلي معهم.»(230)، فهل يمكن الاقتداء بالكفّار؟

والإمامِ [علي بن محمَّد] الهادي (ع) - الذي تُنْسَبُ هذه «الزيارة الجامعة» إليه - هو ابن الإمام «محمد بن علي التقي» المعروف بالإمام الجواد (ع) [الإمام التاسع من الأئمة الاثني عشر] الذي قَبِلَ مصاهرة الخليفة العباسي «المأمون» [وتزوَّج من ابنة الخليفة «أم الفضل»]، فكيف يمكن لابنه الإمام الهادي (ع) أن يعتبر من جحد الأئمّة كافراً؟ هل تُراه كان يعتقد أن أباه صاهر كافراً؟!

هـ) وجاء في الزيارة: «فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين، وأعلى منازل المقربين، وأرفع درجات المرسلين، حيث لا يلحقه لاحق، ولا يفوقه فايق، ولا يسبقه سابق، ولا يطمع في إدراكه طامع، حتى لا يبقى ملك مقرب، ولا نبيٌّ مرسل، ولا صدِّيقٌ ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل، ولا دنيٌّ ولا فاضلٌ، ولا مؤمنٌ صالحٌ ولا فاجرٌ طالحٌ، ولا جبَّارٌ عنيدٌ، ولا شيطانٌ مَريدٌ، ولا خلق فيما بين ذلك شهيد إلا عرَّفهم جلالة أمركم، وعظم خطركم، وكبر شأنكم، وتمام نوركم، وصدق مقاعدكم، وثبات مقامكم، وشرف محلكم، ومنزلتكم عنده، وكرامتكم عليه، وخاصّتكم لديه، وقرب منزلتكم منه.»(231).

هذه الجمل لا مستند شرعيَّ لها ولا دليل على صحَّتها، بل الدليلُ على خلافها لأن كلَّ إمامٍ لا بدَّ عليه أن يؤمن بالمرسلين ويكون تابعاً للأنبياء. وأمير المؤمنين عليٌّ (ع) ذاتُهُ كان يقول: «نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ الله ومَا وَضَعَ لَنَا وأَمَرَنَا بِالحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ ومَا اسْتَنَّ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَاقْتَدَيْتُهُ»(232).

و بعد أن ضربه ابن ملجم قال في وصيته لابنه الحسن (ع): «أَمَّا وَصِيَّتِي فالله لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ومُحَمَّداً صلى الله عليه وآله فَلا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وأَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ وخَلاكُمْ ذَمٌّ»(233).

وبالتالي فلا يمكن أن يكون التابع أعلى مقاماً من المتبوع. ولا أدري لماذا يلزم علماؤنا الصمت أمام هذه الزيارات المغالية، في حين أنهم يجمعون جميعاً على أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أعلى رتبة من الأئمة عليهم السلام.

ونسأل كذلك: كيف يمكن أن تكون منزلة الإمام أعلى وأرفع من جميع الملائكة المقرَّبين، مع أن أحد الملائكة المقرَّبين هو جبريل عليه السلام، الذي وصفه ربه بصفات مثل: ﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير:20-21]، وجعله معلِّماً لخاتم النبيِّين صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم:5]. فبناء على هذه الآيات كان جبريل عليه السلام معلّماً للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، والنبيُّ كان معلّماً لعليٍّ بإقرار أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام نفسه، فكيف يكون مقام تلميذ النبيِّ الأكرم أعلى مقاماً من معلّم معلِّمه؟! ثم من أي آية أو دليل شرعي استنبط واضع هذه الزيارة أن أحد أتباع النبي الأكرم أرفع وأعلى مقاماً من جميع الملائكة والأنبياء؟! أليس هذا ادعاء بلا دليل وافتراء على الله ودينه؟ ألم يقل الله تعالى: ﴿ لا تَفْتَرُوا عَلَى الله كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ﴾ [طه:61]، وقال: ﴿ تَالله لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ﴾ [النحل:56]؟ فلماذا إذن تسمحون بقراء ة مثل هذا الافتراء عند مزار أئمة الدين الكبار؟ ألا تستحيون من الله الحاضر الناظر الرقيب عليكم؟!

لقد لام الله تعالى في مواضع عديدة من القرآن من ينسبون إلى الله شيئاً دون دليل ونهاهم عن هذا العمل وحرّمه فقال مثلاً: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف:33].

إننا نعتقد أن الإمام الهادي (ع) لم يوصِ بقراءة هذه الزيارة بل اختلقها أحد الرواة الغلاة الذين وسوس لهم الشيطان، وهو مما ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:168-169].

ثم يقول واضع الزيارة واصفاً مقام الأئمّة: «حيث لا يلحقه لاحق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في إدراكه طامع»! فلنا أن نسأل: هل كان مقام الأئمة الرفيع نتيجةَ إيمانهم وعملهم الصالح وجهادهم وكدحهم إلى الله أم كان فضلاً إلهياً وجبراً من عنده؟ إذا كان فضلاً وجبراً من الله فلن يكون عندئذ للأئمة أي فضل، لأنهم - حسب هذا الفرض- لم يصلوا إلى هذا المقام بفضل إيمانهم وعملهم بل لأن الله جعلهم كذلك، شأنهم في ذلك شأن سائر المخلوقات من الأنهار والجبال والنباتات التي جعلها الله مطيعةً لأمره لا تملك إلا الانصياع لمراد الله وطاعته، أما إذا كان وصولهم إلى تلك المقامات العالية والقرب الإلهي منوطٌ - كما يقول الأئمة عليهم السلام أنفسهم - بعملهم وسعيهم فعندئذٍ يجب أن نقول: إنَّ كلَّ من سعى وأطاع الله ورسوله بإخلاص سيصل إلى مقام القرب الإلهي وينعم به، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً ﴾ [النساء:69].

وعندما قال رجل للإمام الرضا عليه السلام: «والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً، فقال: التقوى شرَّفهم وطاعة الله أحظتهم. فقال له آخر: أنت والله خير الناس، فقال له: لا تحلف يا هذا! خيرٌ منِّي مَنْ كان اتقى لله تعالى وأطوع له، والله ما نُسِخَت هذه الآية: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات:13]»(234).

ثم جاء في الزيارة: «حتى لا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا صديق ولا شهيد ولا عالم، ولا جاهل، ولا دني ولا فاضل، ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح، ولا جبار عنيد، ولا شيطان مريد، ولا خلق فيما بين ذلك شهيد إلا عرفهم جلالة أمركم، وعظم خطركم، وكبر شأنكم، وتمام نوركم، وصدق مقاعدكم، وثبات مقامكم، وشرف محلكم، ومنزلتكم عنده، وكرامتكم عليه، وخاصتكم لديه، وقرب منزلتكم منه.»

فنقول: هل السلاطين الجبابرة العنيدين مثل «جنكيز خان» و«تيمور لنك» و«لينين» و«استالين» و«هتلر» و«جانسون» و..... عرفوا شأن الأئمة وتمام نورهم وثبات مقاماتهم، كما عرف كل شيطان مريد مقامات الأئمة ومنزلتهم؟! إن لم يكن كذلك فما هذه الدعاوي أو الأكاذيب الفاقعة؟ ولماذا نقبل كل ما رواه المجلسيّ أو ابن طاووس أو.....؟ فإن لم تكونوا تقبلون بهذه الأقاويل فلماذا لا تُطْلِعون عامة الناس على ذلك؟!

إن الانتقادات الموجَّهة إلى عبارات هذه الزيارة أكثر مما ذكرناه بكثير ولكن حالي هذه الأيام وما أشعر به من فقدان الأمن والتشرّد عن المنزل إضافةً إلى ضعف الشيخوخة وآثار السجن والنفي والإبعاد لا تسمح لي بتفصيل أكثر مما ذكرت.

 

+                  +                 +


 

كلمة لعامة الناس

أجل، إن جُلَّ العلماء لا يقومون بواجبهم تجاه عامة الناس ولم يرتقوا إلى مستوى المسؤوليَّة التي ألقاها الله على عاتقهم في هذا الصدد، ومن الجهة الأخرى فإنَّ العوام الجهلة يقبلون كلَّ ما يسمعونه من الشيوخ المعمّمين والمتلبّسين بلباس أهل العلم دون أن يتأمَّلوا فيه، مع أن القرآن الكريم أمر الناس بالتفكّر والتأمّل ودعاهم إلى تدبّر كتاب الله، ومن الواجب على العلماء ومن مسؤوليتهم أن يعوِّدُوا الناسَ على التفكير وطلب الدليل، لكن كثيراً منهم لا يقومون بهذه المسؤولية خوفاً على جاههم ومقامهم لدى العوام ويلزمون الصمت ولا يخالفون خرافات العوام وانحرافاتهم إلا قليلاً.

وقد جرى الأمر على هذا المنوال منذ قديم الأيام، فمثلاً جاء في تاريخ ابن الفوطي أنه في سنة 664 هـ أُصيب معظم الناس، لاسيما الأطفال، بأمراض الحلق والخُنّاق (دفتيريا)، ولم يكن الأطباء قادرون على فعل شيء لمواجهة هذا الوباء، وفي أحد الأيام جاءت امرأةٌ وادَّعت أنها رأت في منامها امرأةً جنيَّةً تُدعى «أم عنقود» أشارت إلى بئر وقالت: لقد مات ابني في هذا البئر ولكن الناس لم يقدِّموا إليَّ التعازي، لذا جئتكم بمرض الخُنّاق. واشتهرت هذه الأسطورة في بغداد وذهب الناس أفواجاً أفواجاً ونصبوا خيامهم حول البئر وأخذوا يبكون وينوحون ويلطمون صدورهم ويعتذرون من الجنّيّة المذكورة ويطلبون منها العفو والشفاء وينشدون الأشعار من قبيل:

يا أم عنقود اعذرينا
 

 

مات عنقود وما درينا

لما درينا كلُّنا قد جئنا

 

لا تحرديننا فتخنقينا!

وفي إيران أيضاً كتبوا في ترجمة سيرة «فرهاد ميرزا» الذي كان أحد أولاد الملك القاجاري «فتحعلي شاه قاجار» وكان صاحب مؤلفات مثل «زنبيل» و«قمقام»: إنه لما عُهد إليه بولاية خراسان سمع يوماً صوت قرع الطبول في حرم الإمام الرضا (ع) فسأل عن الخبر فقيل له إنها بشرى، لقد صَنَعَ الإمامُ معجزةً وشَفَى أعمى. فأمر بإحضار الأعمى وسأله: هل كنت أعمى من الولادة أم أُصبت بالعمى فيما بعد؟ فأجاب الرجل: لقد خُلقتُ أعمى منذ ولادتي، وتوسّلتُ عدَّة ليالي بالإمام حتى رأيته في منامي قد جاءني ومسح بيديه على عينيَّ، والآن أصبحتُ مبصراً! فسأله الوالي «فرهاد ميرزا»: هل ترى الآن بشكل كامل؟ فأجاب: نعم. فتناول الأمير ورقةً بيضاء وسأله: ما لونها؟ فأجاب الرجل: أبيض، فأخذ الأمير رمانة وسأله ما لونها؟ فأجاب: أحمر، فأخذ ورقة شجرة وسأله ما لونها؟ فقال: أخضر، فقال له «فرهاد ميرزا»: أنت أبصرتَ ليلة البارحة فقط وتقول أنك كنت أعمى منذ ولادتك فكيف عرفت هذه الألوان؟ إنك رجل كاذب! ثم أمر بضربه بالسوط حتى يقول الحقيقة، وبعد أن ضُرب بالسياط اضطر للإقرار فقال: كنتُ رجلاً فقيراً فأتيتُ إلى خراسان وطلبتُ المساعدة من خُدّام الحرم، فاقترح عليّ أحدهم أن أتظاهر بالعمى ثم نأتي نحن فنربطك بالضريح وبعد ثلاث ليال تصيح وتقول لقد شفاني الإمام، عندئذ نحدث جلبةً وشوشرةًٍ ونصيح قائلين: حدثت معجزة! حدثت معجزة! عندئذ كلَّما يلقيه الزوار إليك من المال تعطينا نصفه! فقبلتُ بهذا العرض. فأحضر «فرهاد ميرزا» خادم الحرم وقال له: هل الإمام يشفي والله يعمي، هل إمامكم أرحم بالعباد من الله؟! ثم أمر بعزل الخادم المذكور وطرده من عمله.

أما أنا فقد حدثت لي قصة أيضاً خلال سفري إلى مدينة «بوشهر» حيث رأيت المدينةَ قد خلت من أهلها في يوم الأربعين لشهادة الحسين (ع) وكان الناس يذهبون فوجاً فوجاً رجالاً وركباناً للزيارة فسألتُ إلى أين يذهب الناس؟ فقالوا: يذهبون إلى أحد أولاد الأئمة واسمه «سوزعلي». فقلتُ لا يوجد بين أولاد الأئمة أحد اسمه «سوزعلي»!. فقالوا: إن لهذا السيد كشف وكرامات كثيرة، إنه يصنع المعجزات ويشفي المرضى ويوجد في ضريحه كثير من النذور والأثاث، ويأتي الناس إلى زيارته من مئة فرسخ. فتعجبتُ كثيراً وذهبتُ في ذلك اليوم إلى زيارة عالم المدينة ويدعى «السيد أبو القاسم البهبهاني» وقُدِّر أنه كان مريضاً فذهبتُ إلى عيادته وسألته عن الإمامزاده (أحد أولاد الأئمة) «سوزعلي»؟؟ فقال: لا تسألني فإن هذا يجلب لي ولك الصداع. فقلتُ لا تخف إنني غير باق هنا كثيراً وليس لي صلة بأي أحد في هذه المدينة فلن أخبر أحداً عما ستقوله لي، فقال: لقد أراد المأمورون الإنجليز أن يعبِّدوا جادةً من مدينة شيراز إلى مدينة بوشهر وواجهوا في وسط الجادة بناءً متهدّماً يحتمل الناس أن شخصاً قد دُفن فيه. كان هناك شخص متسوِّلٌ باسم «سوزعلي» ينام فيه بالليل، فصنع مأمورو الإنجليز شاهدة قبر وخبَّؤوها على بعد مئتي قدم من ذلك البناء المتهدّم وقالوا لـ«سوزعلي»: ادّع أنك رأيت رؤيا وقيل لك فيها إنه لا يوجد أحدٌ مدفونٌ في هذه الخرابة بل القبر الحقيقي يقع على بعد مئتي قدم منها فاحفروا هناك كي يظهر لكم القبر.

انتشر خبر هذه الرؤيا بين العوام فحملوا على أكتافهم الفؤوس وذهبوا وهم يصلون ويسلمون على النبي وآله وحفروا في المكان المشار إليه ووجدوا شاهدة القبر ولم يعرفوا اسم الشخص الذي عليهم أن يطلقوه على صاحب القبر فاضطروا أن يسمّوه باسم ذلك المتسوِّل «سوزعلي» الذي كان ينام في الخرابة فتحوّل ذلك القبر المزوّر إلى إمام زاده (أي أحد أحفاد الإمام) «سوزعلي»! وقد صُرفت عليه حتى الآن مئات آلاف التومانات وأصبح موضعاً للشموع والمصابيح والنذورات وأمثالها!

لقد وصل أمر الخرافات وجهل العوام وعدم تفكيرهم إلى حد أن أحد الأشخاص المكّارين أتى بصخرة من أحد الأحياء في مشهد ونشر خبراً بأن كل من يستطيع أن يرفع هذه الصخرة فهو ابن حلال فكان الناس يأتون فوجاً فوجاً لرؤية الصخرة ومحاولة رفعها!

أجل، هذه هي نتيجة عدم قيام العلماء بواجبهم وانتشار الجهل والانحطاط والغفلة بين المسلمين، هذا مع أننا نملك آلاف المشايخ والدعاة في «مشهد» الذين يتقاضون الرواتب باسم الإسلام والمسلمين ولكنهم لا يقومون بتوعية الناس بحقائق الإسلام!

أذكر أنني في زمن إقامتي في «مشهد» عندما خرجت من الحرم أوقفني رجل في وسط الرواق وأمام الناس وأمسك بلباسي وأخذ يتضرع إليِّ قائلاً: يا إمام رضا! إن لم تلبِّ حاجتي لن أتركك، وكان يطلب حاجته بكلِّ إصرار من هذا العبد الفقير، فقلتُ له ما حاجتك؟ فقال: يا إمام أنت تعرف حاجتي أفضل من أي أحد! وكلما سألته عن حاجته كان يجيب الإجابةَ ذاتها، ومهما حاولتُ أن أتخلّص منه لم استطع، فاضطررت أن أنادي خدّام الحرم لكي يشغلوه عنِّي حتى تمكنت من الهروب من قبضته بصعوبة.

وقد حدثت لي حادثةٌ غريبة أيضاً قرب بلدة «آباده» خلال أحد أسفاري إلى مدينة «شيراز»، وقد ذكرتُ الحادثة في كتابي حول ترجمة سيرتي الذاتية.

نعم، هذه هي حال العوام الناجمة عن انتشار الخرافات. إن علّة هذا الوضع المؤسف جهل الناس بحقائق الدين وبكتاب الله تعالى وعدم معرفتهم بعقائد الإسلام والقرآن، وعدم اطلاعهم الصحيح على سيرة وأقوال أئمَّة الدين لذا فهم يتقبَّلون كل خرافة أو أفكار كفرية وشركية تنسب إلى الأئمة عليهم السلام وتنشر باسمهم.... ويأتي أشخاص باسم المدّاحين وقرّاء المراثي في مآتم الحسين فيقدّمون للناس كل ما يشاؤون باسم الدين والإمام.

لقد لاحظتُ في حياتي كثيراً من هذه الوقائع التي أشرت إلى نماذج منها أعلاه، ومن ذلك أنه خلال إقامتي في خراسان رأيتُ جملاً قد تركه الناس يسير في الطرقات فكان يمشي حيث يشاء حتى دخل صحنَ الإمام الرضا (ع) (أو في الواقع الصحن الذي بناه الشاه عباس شارب الخمر وإلا فإن حضرة الرضا عليه السلام لم يكن لقبره صحن) فاجتمع جماعة من العوام حول الجمل وأثاروا ضجة وجلبة قائلين إن الجمل جاء لزيارة الإمام (ع) وقد انتشر الخبر إلى حدِّ قيام إحدى الصحف اليومية في ذلك الزمن بنشره. حتى أن شخصاً يُدعى «آية الله نمازي» قال لي: ما قولك في معجزة زيارة الجمل لقبر الإمام؟ فقلتُ له: لماذا لم يقم بالزيارة إلا هذا الجمل وحده ولم تأتِ بقية الجمال لزيارة الإمام؟ فقال: إن هذا الجمل شيعيٌّ يعتقد بالولاية أما بقية الجمال فليست كذلك!

أجل، لقد آذوا ذلك الجمل كثيراً وكانوا ينتفون وَبَرَهُ للتبرّك به وبعضهم يبيع الوبر للآخرين!

وفي زمن آخر في مدينة مشهد رأيتُ صخوراً كبيرة أمام الإيوان (الردهة أو الليوان) الذهبي لحرم الإمام الرضا (ع) فقلتُ لماذا لا يرفعون هذه الصخور من هنا؟ فقالوا: لقد جاءت هذه الصخور لزيارة الإمام!! قلتُ: كيف يأتي الصخر للزيارة، قالوا: إيمانها كامل أمَّا أنت الذي لا تصدِّق بذلك فإيمانك ناقص!!. يومئذٍ فهمت ما معنى الإيمان الكامل لدى بعضهم!

على كل حال وصل الأمر إلى حدِّ أنه كلمَّا وُجد عددٌ من العظام في أرضٍ يأتي جماعة ويشيعون رؤيا بأن هذه العظام تعود إلى مرقد أحد أحفاد الأئمة وانه قادر على الشفاء وتلبية حاجات الناس وكشف كرباتهم، وسرعان ما يتجمّع الناس حول ذلك المكان ويبنون عليه بناء ويوقفون على هذا القبر الخيالي الموهوم المال والسجاد والأثاث ويعيش جماعة من الطفيليين على عائدات الموقوفات والنذورات ويزدهر بيع القبور في أطراف حرم هذا «الإمام زاده» مجهول الهوية! من ذلك أنهم بنوا في مدينة جيلان ضريحاً قرب نهر «سفيد رود» لشخص يدعى «سيد جلال الدين أشرف» مع أنه لا يوجد أحد من أولاد الأئمة يحمل هذا الاسم ولكن تعال وانظر إلى مقدار الأموال التي تُرمى في ضريحه!! وصدق الشاعر المصري أحمد شوقي حين قال:

أحياؤنا يسترزقون بدرهم               وبألف ألف ترزق الأموات!

ويقولون إنه أنشد هذا البيت في زمن الجدب الذي كان الناس يبحثون فيه عن درهم ولكنهم في الوقت ذاته كان الكثيرون يرمون آلاف الدراهم على أضرحة الأولياء!

 

 

+                  +                 +


 

نتائج شيوع الخرافات

لقد أدَّى شيوع مثل هذه الخرافات والروايات والأحاديث الموضوعة إلى مشاكل يعاني منها عالم الإسلام ويجب على المسلمين الواعين والعالمين أن يبذلوا كل جهدهم لمواجهتها، من ذلك:

1- كثرة كتب الأحاديث والروايات غير الموثوقة التي تخلط الحق بالباطل وتحيّر طلاب العلم.

2- التعصُّب الطائفي لدى المتدينين وفقدانهم للعقل والإنصاف وتأييدهم غير المبرَّر لكثير من الأمور التي ليس لها أي سند.

3- إيجاد الغرور والافتخار لدى الجهال بمثل هذه الأمور وتحولها إلى وسائل معاش لجماعات من المستأكلين والمعتاشين بالدين.

4- إتلاف الوقت والمال في نشر الكتب الخرافية ووقف الأوقاف على المقابر والإسراف في هذا الأمر.

5- نشر الشرك والخرافات بين عامَّة الناس باسم المذهب والاستغلال السيِّئ لاسم الأئمة وأولياء الدين.

6- ترك الاقتداء بأفعال علماء الإسلام الأعلام وقلّة السعي والجهاد في سبيل الدين والانصراف إلى أعمال لا طائل تحتها مثل الزيارات والنذورات المرجوحة والباطلة والبكاء والنواح وتشكيل مواكب العزاء وضرب الرؤوس بالسيوف و...

7- إشاعة البدع ونشر الشعائر المخترعة التي ما أنزل الله بها من سلطان باسم المذهب والإسلام وإهمال أحكام الدِّين الحقيقيّة.

وللأسف كلما خطا أحدٌ خطوةً نحو تنوير أفكار المسلمين أو كتب في هذا الأمر كتاباً قام حُرَّاس الخرافات باتِّهامه وتكفيره وتفسيقه بحجَّة الدفاع عن أئمَّة أهل البيت وأولياء الدين ولم يعطوا العوامَّ فرصة سماع كلامه الإصلاحي.

لقد كان هدف كاتب هذه السطور من تأليفه هذا الكتاب أن أكشف أمر جماعةٍ من الغلاة المنحرفين الذين قاموا طيلة قرون عديدة باسم الإسلام وبحجَّة إبراز محبَّتهم وولائهم لأهل بيت النبيّ عليهم السلام بنسبة ما شاؤوا من الأكاذيب والأباطيل إلى الإسلام ونشر ما شاؤوا من العبارات الشركية المخالفة للقرآن والعقل والموجبة لهدم الإسلام وانحطاط المسلمين وتفرّقهم، في كتب الزيارات والأدعية باسم الحديث والرواية، وجعلوا الإسلام مجموعة من الخرافات والأوهام والغلوّ بحقِّ عظماء الإسلام وأبعدوا الناس باسم كرامات ومعجزات ومناقب عظماء الدين عن أصل الدين وعن القرآن الكريم، وأبقوهم جهلاء بمعارف الإسلام والقرآن وجعلوهم يصرفون كل اهتمامهم وانشغالهم على تعظيم النبيِّ والأئمة عليهم السلام وتمجيدهم، وخدعوهم بضرورة الذهاب نحو القبور والمزارات التي وضعوا لها ثواباً وأجراً لا حدَّ له ولا حساب ليقرؤوا زيارات مليئة بالعبارات المغالية التي لا يقرّها عقل ولا دين، وهكذا شغلوا الناس بأعمال لا طائل تحتها وسرقوا منهم دينهم ودنياهم وأموالهم وبثوا في عقولهم الخرافات باسم الدين، ولم ينهض العلماء الأعلام إلى مخالفة ذلك الأمر بل ساعدوا على انتشاره بشكل غير مباشر من خلال سكوتهم وصمتهم! ولقد قمنا في هذه الرسالة المختصرة بتمحيص عددٍ من متون الزيارات لإيقاظ المسلمين عسى أن ننقذ الناس من كيد الغلاة ومكرهم.

 

+                  +                 +

 


 

كلمة إلى قارئ الكتاب

أيها القارئ المحترم! اعلم أن العبادات - بإجماع كافَّة علماء الإسلام- توقيفية، أي لا يجوز أداء أي عبادة إلا ما أذن الله به وشرعه لنا وعلّمنا إياه رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

لذا قد تجد في بعض مطالب الكتاب أموراً غير مألوفة بالنسبة إليك [قد يصدمك بعضها]، فرجائي منك أن تتأمَّل فيها بكل جدِّيَّة وأن تُفَكِّر في كلِّ عمل تقوم به بقصد القربة إلى الله وتنتبه إلى دليله الشرعي، وبحكم قوله تعالى: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ﴾ [الإسراء:36]، عليك أن تجتنب كلَّ عمل ليس له مستندٌ قويمٌ ولا دليلٌ صحيحٌ على مشروعيَّته، ومن جملة ذلك شدّ الرحال لزيارات المراقد والتوسّل بغير الله والنذر إلى غيره تعالى و......

آمل أن يدفعك هذا الكتاب إلى إعادة النظر -على أقلِّ تقدير- في الأمور التي اعتدتَ على فعلها دون دليل شرعي متقن واعتقدتَ جوازها بل استحبابها.

وما توفيقنا إلا بالله، آملاً من الله تعالى أن يجعل هذه الرسالة في ميزان حسنات هذا العبد الفقير وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

خادم الشريعة المطهرة

السيد أبو الفضل بن الرضا البرقعي

2/9/1368 هـ ش

الموافق لـ 23/11/ 1989م

 

+                  +                 +


 

مصادر الكتاب للمؤلف والمحقق

1.     القرآن الكريم.

2.     الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، «الصحيفة العلوية»، و«نهج البلاغة».

3.     الإمام زين العابدين علي بن الحسين السجاد عليه السلام، «الصحيفة السجادية».

4.     البرقعي، آية الله السيد أبو الفضل بن الرضا، «جامع المنقول في سنن الرسول».

5.     البرقعي، «عرض أخبار أصول الكافي على القرآن والعقل».

6.     الحر العاملي (1104ﻫ)، «وسائل الشيعة» مؤسسة آل البيت، قم، 1409ﻫ.

7.     الحليّ، العلامة الفقيه الحسن بن يوسف بن المطهر (726 هـ)، رجال العلامة الحلي.

8.     الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمي (381ﻫ)، «اعتقادات الإمامية» ط حجرية.

9.     الصدوق، «التوحيد»، مكتبة الصدوق.

10.    الصدوق، «علل الشرائع»، قم، مكتبة الداوري.

11.    الصدوق، «من ‏لا يحضره ‏الفقيه»، ط3، قم، 1403هـ.

12. الطبرسي، الشيخ أمين الإسلام أبو على الفضل بن الحسن (560 هـ)، «إعلام الورى بأعلام الهدى»، قم، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1417هـ.

13.    الطبرسي، «مجمع البيان في تفسير القرآن»، بيروت، 1379هـ.

14.    الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (460 ﻫ.)، «تهذيب ‏الأحكام»، ط طهران.

15.    عباس القمي، الشيخ المحدث (1359هـ)، «مفاتيح الجنان»، قم.

16.    عبد الرزاق الصنعاني (211هـ)، «المصنَّف»، بيروت، المكتب الإسلامي، 1404هـ.

17.    الكشي، أبو عمرو محمد بن عمر (حوالي 350 هـ؟)، "رجال الكشي"، ط كربلاء.

18. الكُلَيْنِي، المحدث محمد بن يعقوب (329هـ)، «الكافي» (الأصول والفروع والروضة)، طهران: دار الكتب الإسلامية، 1365 هجرية شمسية.

19.    المامَقَانيّ، آية الله عبد الله (1350هـ)، تنقيح المقال في أحوال الرجال، ط حجرية.

20. المجلسي، الملا محمد باقر بن محمد تقي (1111 هـ)، «بحار الأنوار»، الطبعة الحجرية، وطبعة بيروت: مؤسّسة الوفاء، عام 1404هـ، (110 مجلدات).

21.    المطهَّري، الشيخ مرتضى، «العدل الإلهي»، الطبعة العاشرة، طهران.

22.    المفيد، الشيخ (413هـ)، «الإرشاد»، ط2، بيروت، دارالمفيد، 1414هـ/1993م.

23.    منصور علي ناصف، التاج الجامع للأصول من أحاديث الرسول.

24.    النجاشي (450 هـ)، رجال النجاشي، ط5، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416هـ.

25.    النوري الطبرسي، الميرزا حسين (1320هـ)، «مستدرك الوسائل»، ط حجرية.

المصادر الإضافية التي رجع إليها المترجم للتحقـيق:

1.  ابن أبي جمهور الإحسائي (880هـ)، «عوالي اللآلي»، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي، ط1، 1405هـ/1985م، قم، سيد الشهداء.

2.     ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله (235 هـ)، «الكتاب المصنف»، الرياض، 1409 هـ.

3.     ابن سعد، محمد بن سعد (230 هـ)، «الطبقات الكبرى»، ليدن، هولندا.

4.  ابن قولويه، الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد القمِّي (367 هـ)، «كامل الزيارة» (أو كامل الزيارات)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417هـ.

5.     الألباني، «صحيح الجامع الصغير»، الرياض، المكتب الإسلامي، 1406هـ.

6.  حامد النقوي، السيد (1306هـ) "خلاصة عبقات الأنوار"، قم، مؤسسة البعثة، 1405هـ

7.  الطهراني، آقا بزرگ (1388هـ أو 1389 هـ)، «الذريعة إلى تصانيف الشيعة»، إعداد: السيد أحمد الحسيني، ط2، 1406هـ/1986م، بيروت، دار الأضواء.

8.  العجلوني، إسماعيل بن محمد الجراحي (1162هـ)، «كشف الخفاء ومزيل الإلباس»، بيروت، 1405هـ.

9.  عماد الدين الطبري (525هـ)، «بشارة المصطفى لشيعة المرتضى»، ط 2، النجف 1383هـ.

10. الكتب التسعة، وتتضمن صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن الترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه وموطأ مالك ومسند الدارمي ومسند أحمد، طبع اسطنبول.

11. الهيثمي، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807هـ)، «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد»، بيروت، دار الكتاب العربي، 1407 هـ.

 

+                  +                 +


 

الهوامش

(1) انظر محمد باقر البهبودي ، «صحيح الكافي»، (ط1، بيروت، الدار الإسلامية، 1401هـ/1981م)، المقدمة، الصفحة ج .  وقد غربل الأستاذ البهبودي في كتابه هذا جميع روايات «الكافي» للكليني،  واستخرج ما رآه صحيحاً منه فكانت الروايات الصحيحة هي (4428) رواية فقط من أصل (16199) رواية، أي أنه أسقط حوالي ثلاثة أرباع أحاديث الكافي معتبراً إيّاها روايات مرفوضة وغير صحيحة.

(2) انظرها لدى الشيخ الكليني، « أصول الكافي»، كتاب فضل العلم، باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب،  ج1 /ص 67- 71.  والحر العاملي، «وسائل الشيعة»، ج 18/ص 79 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، والنوري الطبرسي، «مستدرك الوسائل»، ج 17/ص 304،  الباب 9 من أبواب صفات القاضي.

(3) الشيخ الأنصاري، الرسائل، ج1/ص245 -247. (أو ص68-69 من الطبعة الحجرية القديمة). 

(4) استقيت هذه النبذة عن حياة المؤلف أولاً من معرفتي الشخصية به، ثم من كتابه «سوانح أيام» (بالفارسية) الذي ترجم فيه لنفسه ترجمة ذاتية، ثم من كتاب «جريانها وجنبشهاى مذهبى سياسى ايران» (بالفارسية) للأستاذ رسول جعفريان، (ط2، طهران، 1381 هـ ش)، ص 355 - 356، ومن كتاب «أعلام التصحيح والاعتدال» للأستاذ خالد محمد البديوي (ط1، الرياض، 1427هـ/2006م)، ص 64 - 84.

(5) حيدر حبّ الله، «نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي»، (بيروت، دار الانتشار العربي، 2006)، ص647 -648،  بتصرف يسير.

(6) المصدر السابق، 648 - 649، نقلا عن مقدمة البرقعي على كتابه «عرض أخبار أصول الكافي على القرآن والعقل»، بتصرف يسير.

(7) المصدر السابق، 649 - 651.

(8) سيأتي مزيد من التوضيح لهذا الموضوع في بحث عالم البرزخ القادم.

(9) هذا يناقض ما ذكره المؤلف قبل ذلك (ص 11 -12) من أن الشهداءَ أحياءٌ عند ربهم يرزقون، وأنهم واعون لأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم..كما تفيده الآيات التي ذكرها من سورة آل عمران ومن سورة يس،  وفي رأيي ليس المؤلف بحاجة لنفي وعي الموتى حتى يثبت عدم سماعهم للأحياء،  إذْ يمكن أن يكونوا أحياء واعين تماماً ولكن في عالم آخر، لا يسمعون الأحياء، وبهذا يتم الجمع بين جميع الآيات القرآنية التي ذكرها. (المترجم)

(10) استدلال المؤلف بهاتين الآيتين على عدم حياة الشهداء والأنبياء ليس في محله، إذْ لا يمكن للقرآن الكريم أن يكون متناقضاً، يثبت حياة الشهداء وأنهم منعَّمون يرزقون ويستبشرون بمن وراءهم في موضع،  ثم يثبت أن جميع الأموات، بما في ذلك الشهداء، غير أحياء ولا يشعرون في موضع آخر!، بل هاتان الآيتان كما يدلّ عليه سياقهما وكما يُجمع على ذلك جميع المفسرين تتحدثان عن الأصنام التي كان يدعوها المشركون فيبين الله تعالى أنها حجارة صماء ميِّتة لا حياة فيها وأن آلهتهم التي عبدوها لا تخلق شيئاً ولا تشعر أيان يُبعث عَبَدتُها. (انظر تفسير مجمع البيان للطبرسي (ج6/ص 147) وتفسير شُبَّر، ومن تفاسير أهل السنة: انظر تفاسير الطبري والبغوي والبحر المحيط والقرطبي والآلوسي وفتح القدير للشوكاني وتفسير البيضاوي وتفسير التحرير والتنوير لابن عاشور والجلالين للسيوطي وتفسير أبي السعود..الخ ذيل تفسيرهم للآيتين المذكورتين من سورة النحل). (المترجم)

(11)  عوالي اللآلي لابن أبي جمهور الإحسائي (880هـ)، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي، ط1، 1405هـ/1985م، قم، سيد الشهداء، ج4/ص72. والحديث رواه من أهل السنة الحافظ «الهيثمي» في «مجمع الزوائد» عن جابر بن عبد الله قال سُئِل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقيل: يا رسول الله! أينام أهل الجنة؟ فقال  صلى الله عليه وسلم : ﴿ النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون ﴾. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والبزار ورجال البزار رجال الصحيح. (انتهى مجمع الزوائد/ كتاب البعث/باب في أكل أهل الجنة وشربهم). (المترجم)

(12) الشيخ الصدوق، الاعتقادات، ص 64، والمجلسي، بحار الأنوار، بقية أبواب المعاد وما يتبعه، ج7/ص47. ولفظه: (والذي بعثني بالحق لتموتُنَّ كما تنامون ولتُبْعَثُنَّ كما تستيقظون.. الحديث). (المترجم)

(13) بحار الأنوار، ج6/ ص284، والتاج الجامع للأصول، ج1/ص376-377، وهذا الحديث الذي رواه الفريقان يتفق مع الآية 46 من سورة غافر المذكورة أعلاه ومع آيات القرآن الكريم الأخرى.

(14) ولكن هذا القول غير صحيح ويتنافي مع القول الأول الذي تدل عليه آيات القرآن التي تثبت حياة الشهداء ووعيهم الكامل وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ويتمنَّوْنَ أن يعلم قومهم بما غفر لهم ربهم وأدخلهم جنات النعيم كما قال تعالى في سورة يس: ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ ﴾ (يس: 26-27). (المترجم)

(15) نهج البلاغة، الخطبة 83.

(16) نهج البلاغة، الخطبة 111.

(17) نهج البلاغة، الخطبة 149.

(18) نهج البلاغة، الخطبة 230.

(19) المجلسي، بحار الأنوار، ج47، ص 217. ونسبه إلى الديوان المنسوب إلى الإمام عليٍّ (ع). (المترجم)

(20) المجلسي، بحار الأنوار، ج 65/ ص 130،  وج 98 /ص 195 - 197، ناقلاً عن كتاب «بشارة المصطفى لشيعة المرتضى» لعماد الدين الطبري (525هـ)، وهو موجود فيه في ص 74 من طبعة النجف الأشرف الثانية سنة 1383هـ  للكتاب. (المترجم)

(21) أوداجك: جمع وديج وهو وريد العنق، وشحطت أوداجك أي تقطعت عروق عنقك وتدفَّقت الدماء منها. وأثباجك: جمع ثبج: ما بين الكاهل إلى الظهر. (المترجم)

(22) نهج البلاغة، الخطبة رقم 221.

(23) نهج البلاغة، الخطبة 193.

(24) كما ورد عن رسول الله  صلى الله عليه وآله  أنه قال: ﴿ لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيْسَى بْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ ﴾ (البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء) و«خلاصة عبقات الأنوار» للسيد حامد النقوي (1306 هـ)، قم: مؤسسة البعثة، 1405 هـ،  ج3/ص 301. (المترجم)

(25) نهج البلاغة، الخطبة رقم 216.

(26) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج12/ص132، الحديث الأول. (المترجم)

(27) وسائل الشيعة، ج2، باب 65، ص887.  (المترجم)

(28) مستدرك الوسائل، الطبعة الحجرية، ج1/ص127.

(29) في الأصل: مساجد. (المترجم)

(30) مستدرك الوسائل، الطبعة الحجرية، ج1/باب 55 من أبواب الدفن وما يناسبه، باب كراهة بناء المساجد عند القبور، ص132.

(31) وسائل الشيعة، ج2/باب 31 من أبواب الدفن، ص858.

(32) وسائل الشيعة، ج10/باب 92 من أبواب المزار في كتاب الحج، وج1/ص241. وسفينة البحار، ج2/ص99.

(33) مسند الإمام  زيد، كتاب الحج، باب الأكل من لحوم الأضاحي.

(34) الحديث لا أصل له في المرفوع، وقد ذكره العجلوني في «كشف الخفاء»  ج2/ص 325، في التعليق على الحديث رقم 2836. ولفظه فيه: ﴿ أنا عند المنكسرة قلوبهم المندرسة قبورهم وما وسعني أرض ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ﴾. (المترجم)

(35) وسائل الشيعة، ج2/باب 37 من أبواب الدفن، ص864.

(36) المصنف لعبد الرزاق، ج3/ص506.

(37) توحيد عبادت (أي كتاب توحيد العبادة)، انتشارات دانش، ص149.

(38)  وسائل الشيعة، ج2/باب 16 من أبواب الدفن، ص864.

(39) مستدرك الوسائل، الطبعة الحجرية، ج1، باب 34 من أبواب الدفن، ص146.

(40) الشيخ الطوسي، «تهذيب ‏الأحكام»، ج6/ص 227.

(41) رجال العلامة الحليّ، ص24.

(42) الحديث رواه لدى أهل السنة: الترمذي وابن ماجه في سننهما وأحمد في مسنده، وقال الترمذي: وَفِي الْبَاب عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،  ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده عن ابن عباس قال: ﴿ لعن رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم  زائراتِ القبور والمتخذاتِ عليها المساجد والكنس. ﴾. انظر مصنف ابن أبي شيبة: ج2/ص 269. (المترجم)

(43)  روى الشيخ الصدوق في «علل الشرائع» بسنده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له الصلاة بين القبور؟ قال: ﴿ صلِّ في خلالها ولا تتخذ شيئاً منها قبلةً، فإن رسول الله (صَلَّى الله عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ) نهى عن ذلك وقال: ولا تتخذوا قبري قبلةً ولا مسجداً فإن الله تعالى لَعَنَ الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد!. ﴾ «علل الشرائع»/باب العلة التي من أجلها لا تتخذ القبور قبلة، ( ج 2/ص 358)، وروى الصدوق نحوه أيضاً في كتابه «من‏لا يحضره‏الفقيه» ( ج1/ص 178) باختلاف يسير.  (المترجم). ومن طرق أهل السنة أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد في مسنده/مسند أبي هريرة، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : (اللهمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُصَلَّى له، اشْتَدَّ غضبُ الله على قَومٍ اتخذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِم مَسَاجِدَ) المنصف لابن أبي شيبة: ج2/ص269. (المترجم)

(44) وسائل الشيعة، ج3/ص505، باب كراهة طول المنارة.

(45) لا يخفى أن أحد أسباب غضب مسؤولي الدولة عليّ وسجنهم لهذا العبد الفقير هو تأليفي لعدد من الكتب من جملتها هذا الكتاب أي الخرافات الوافرة في زيارات القبور.

(46) إذا نذر أحدهم للكعبة نذراً فبما أن الكعبة لا تحتاج للمال فعليه أن يعطي هذا النذر للحجاج الذين لا يملكون زاد السفر أو لأبناء السبيل أو للفقراء أو لمن سُرق ماله وانقطع السبيل به.

(47) رواه الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله  عليه السلام  عن الحلال والحرام فقال: ﴿ حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجئ غيره، وقال: قال عليٌّ  عليه السلام : ما أحدٌ ابتدع بدعةً إلا ترك بها سنةً. ﴾. (الكافي:  ج 1/ ص 58، ح19) (المترجم).

(48) بحار الأنوار، الطبعة الجديدة، ج2/ص266، حديث 23.  (المترجم)

(49) قمنا في أغلب هذا الفصل بتمحيص روايات «المجلسي» في «بحار الأنوار» لأن المطالب التي ذكرها موجودة في كتب سائر محدثي الشيعة أيضاً. (المؤلف).   قلت (المترجم): ويقع باب  المزار في المجلد 97 منه هذا ومن الجدير بالذكر أن «بحار الأنوار» من الكتب التي أراد مؤلفها أن يجمع ويقمِّش فيها كل ما وجده في عصره من كتب الرويات والأحاديث والأخبار والآثار بغض النظر عن كونها معتمدة أم غير معتمدة وموثوقة أم غير موثوقة ومسندة أم غير مسندة بل حتى لو كانت مجرد وجادات (أي كتب قديمة وجدها في خزانة ما أو عند شخص ما دون أن يعرف من صاحبها وما سندها!)، بل المجلسي نفسه يصرح في عدد من مواضع كتابه «بحار الأنوار» بعدم صحة خبر أو قصة رغم روايته لها! فكأنه أراد أن يوثق التراث المنقول ويترك للعلماء التحقيق فيه، ولذلك فإجماع علماء الشيعة الإمامية قاطبة - حتى أشدّ الأخباريين تعصّباً - على أنه ليس كل ما في البحار صحيحاً بل هو - على حد قولهم - كالبحر يضم الخزف والحصى وما لا ينفع كما يضم اللؤلؤ والمرجان، لذا فالإنصاف يقتضي معرفة ذلك، ولا ينبغي أن نتصور أن كل رواية موجودة في كتاب «بحار الأنوار» مقبولة لدى الشيعة ومعتمدة لديهم!! (المترجم)

(50) من المناسب هنا أن أنقل بعض الفقرات من كتاب «العدل الإلهي» للشيخ مرتضى المطهّري، هذا رغم أن رأيه في موضوع الشفاعة غير صحيح في بعض الموارد لأنه لا يذكر الآية الكريمة حتى آخرها، كما يفعل سائر المشايخ (أنظر ص283 من الطبعة العاشرة لكتابه العدل الإلهي)، ولكن مع ذلك فقد ذكر مطالب ممتازة حول الشفاعة جديرة بالانتباه إليها، إذ يقول: [[إن النوع الخاطئ من الشفاعة الذي اعتُبر مرفوضاً لدلائل عقلية ونقلية هو أن يستطيع المذنب الآثم أن يحرّض وسيلة ما على أن تتدخل في الحكم الإلهي بما لها من نفوذ وتمنع ذلك الحكم، أي تماماً كما يحصل في الوساطات والمحسوبيات التي تتمّ في المجتمعات البشرية المنحطّة. كثيرٌ من عامَّة الناس يتوهَّم أنَّ شفاعة الأنبياء والأئمَّة -عليهم السلام- هي كذلك؛ إذ يظنون أن النبيَّ الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم  وأمير المؤمنين (ع) وحضرة الزهراء سلام الله عليها والأئمة الأطهار لاسيما الإمام الحسين (ع) أصحاب نفوذ في حكومة الله فهم يُعْمِلُون نفوذَهُم ويغيِّرون إرادةَ الله وينقضون قوانينه. وهذا هو التصور ذاته الذي كان للعرب زمن الجاهلية تجاه أصنامهم التي جعلوها شركاء لله ، إذْ كانوا يقولون إن الخلق منحصر بيد الله ولا شريك له فيه، أما في إدارة العالم فالأصنام تشارك الله، فشرك عرب الجاهلية لم يكن شركاً في «الخالق» أو «الخالقية» بل كان شركاً في «الربّ» أو «الربوبيَّة». أحياناً يحصل في حياة المجتمعات البشرية أن يقوم أحد الناس بإنشاء مؤسَّسة ثمَّ َيَكِلُ إدارتها إلى شخص آخر، أو يقوم بإدارتها بنفسه بالمشاركة مع آخرين. كانت عقيدة المشركين في الله والعالم وإدارته على ذلك النحو. وقد حارب القرآن الكريم هذا الشرك بشدَّة وأعلن مراراً أنه ليس لله  شريك في الخلق والإيجاد كما لا شريك له في الأمر والتدبير والربوبية، فهو وحده الذي ابتدع العالم وهو وحده المدبّر له. هو وحده مالك العالمين وهو وحده ربّ العالمين. كان المشركون الذين يتصورون أن «ربوبية العالم» موزعة بين الله وغيره لا يشعرون أنهم ملزمون بالسعي للحصول على رضا «الله»، ويقولون يمكننا بتقديم القرابين للأصنام وعبادتها أن نحصل على رضا «أرباب» آخرين وتأييدهم لنا، حتى ولو كان ذلك مخالفاً لرضا «الله»، إذ أننا لو استطعنا الحصول على رضا تلك الأصنام الآلهة فإنها تستطيع أن تدبِّر لنا الأمر وترتِّب لنا وضعنا مع «الله»! إذا وُجد بين المسلمين من يعتقد مثل هذا الاعتقاد بأنه توجد إلى جانب نظام السلطة الربوبية، سلطة أخرى تمتلك القدرة على التصرف مثلها فإن هذا لن يكون سوى شرك محض. وإذا ظن رجل أن طريق الحصول على رضا الله تعالى هو غير طريق الحصول على رضا الإمام الحسين مثلاً وأن كلاً من الاثنين يمكنه أن يؤمِّن سعادةَ الإنسان، فهو واقعٌ في ضلال كبير. في هذا الوهم يُقال إن الله ترضيه أشياء والإمام الحسين (ع) أشياء أخرى، مثلاً الله يرضى عن العبد إذا أدّى فرائضه من صلاة وصوم وزكاة وحج وجهاد وصدق وأمانة وخدمة للخلق وبرّ للوالدين وأمثالها وَتَرَكَ المعاصي مثل الكذب والظلم والغيبة وشرب الخمر والزنا، أما الإمام الحسين (ع) فلا شأن له بمثل هذه الأعمال والوصول إلى رضاه يتم بأن يبكي الإنسان على ابنه علي الأكبر أو على الأقل يتباكى! ويستنتج من هذا التقسيم أن تحصيل رضا الله صعب في حين أن الوصول إلى رضا الإمام الحسين (ع) سهل إذ يتم من خلال البكاء ولطم الصدور. وعندما يحصل على رضا الإمام الحسين (ع) فإنه أي الإمام يتوسط له في نظام الله ويشفع له ويسيِّر له أمره، بل يمكنه حتى أن يصفي له حساب الصلوات والصوم والحج والجهاد والإنفاق في سبيل الله التي لم يقم بأي شيء منها ويمحي له جميع الذنوب والآثام بجرّة قلم كما يُقال.  مثل هذا التصور للشفاعة تصوُّرٌ باطلٌ وخاطئٌ وليس هذا فحسب بل هو شركٌ في الربوبية وإهانةٌ للساحة المقدسة للإمام الحسين (ع) الذي كان أبرز مفاخره «عبوديته» الكاملة لله عز وجل كما كان أبوه شديد الغضب جداً على «الغلاة» ويستعيذ بالله من أقاويلهم. إن الإمام الحسين (ع) لم يُقتل كي يُنشئ - والعياذ بالله- نظاماً نداً لنظام الله تعالى أو لشريعة جدِّه رسول الله أو ليفتح طريقاً للهروب من قانون الله عز وجل. لم تكن شهادته لأجل إضعاف البرامج العملية للإسلام وأحكام القرآن، بل على العكس إنما نهض لإحياء الدين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وضحَّى بنفسه وتقدّم نحو الشهادة لإحياء شرعة الإسلام.]]. انتهى. قلتُ: فأنصف أيها القارئ العزيز! هل صيغت أدعية الزيارات الموجودة إلا على أساس ذلك التصوُّر الشركيّ؟ وهل رأيتَ حتى الآن قارئاً للمراثي أو مدّاحاً على المنبر يقول كلاماً مغايراً لذلك التصوّر الذي اعتبره المطهّري باطلاً أو رأيته يخالف ذلك التصوّر ويحاربه ويبين للناس أنه خلاف للشرع؟! أجل، ينقل مؤلف «العدل الإلهي » في موضع آخر من القسم ذاته من كتابه هذا عن المجلد الثاني لشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد جزءاً من خطبة النبيّ -صلى الله عليه وآله- التي قالها في أواخر عمره: ﴿ أيها الناس! إنه ليس بين الله وبين أحد نسب ولا أمر يؤتيه به خيراً أو يصرف عنه شراً إلا العمل، ألا لا يَدَّعِيَنَّ مُدَّعٍ ولا يتمنَّيَنَّ مُتَمَنٍّ، والذي بعثني بالحق لا يُنْجِي إلا عملٌ مع رحمةٍ ولو عصيتُ لهويت. اللهم هل بلّغت؟ ﴾.

(51) معظم الروايات التي أوردها المجلسي في كتاب «المزار» منقول عن كتاب «كامل الزيارة» لـ«ابن قولويه» لذا يجدر بنا أن نعرِّف القارئ عليه: فهو هو الشيخ أبو القاسم، جعفر بن محمد بن جعفر بن قولويه القمِّي، من أبرز الشخصيات بين رواة الشيعة في القرن الرابع الهجري، ويُعَدُّ من أفضل تلامذة محمد بن يعقوب الكليني صاحب «الكافي»، ومن أبرز مشايخ الشيخ المفيد، ولد في قم وتوفي فيها سنة 367 هـ ومن أشهر مؤلفاته: «كامل الزيارات» المليء والمشحون - مع الأسف - بالروايات الضعيفة والموضوعة. (المترجم)

(52) جاء في حاشية «وسائل الشيعة» للحُرِّ العامليِّ (ط. مؤسسة آل البيت، 1414هـ): [المعرّس:  مسجد ذي الحليفة، كان رسول الله  صلى الله عليه وآله  يعرِّس فيه ثم يرحل لغزاة أو غيرها والتعريس: نومة خفيفة.]. (المترجم)

(53) ليس في أحاديث الباب التي رواها المجلسيُّ في «البحار» ولا الحُرُّ العامليُّ في «الوسائل» أي إشارة إلى أن رسول الله  صلى الله عليه وآله  جامع أهله أو بنى بإحدى زوجاته في ذلك المكان، ومن الواضح أن المؤلِّف البرقعي اشتبه عليه المعنى العربي لألفاظ الحديث وخلط بين لفظ «التعريس» الذي معناه: نزول القوم من السفر آخر الليل للاستراحة والنوم الخفيف، وبين «الإعراس» مصدر أعْرَسَ فلانٌ بأهله أي بنى بها، أو غشيها. (المترجم)

(54) كما ذكرتُ في كتابي «جامع المنقول في سنن الرسول» نقلاً عن «وسائل الشيعة» (ج3/ص207)، والمصنف لعبد الرزاق (ج1/ص587)، أنه لما فاتت النبي الأكرم  صلى الله عليه وآله  الصلاة أدّاها قضاءً وقال جملة فحواها: ﴿ قوموا فتحوَّلوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة ﴾. أما رواية المجلسي فعلى العكس من ذلك تقول إذا مررتم من ذلك المكان فعودوا إليه من جديد!

(55) كما قلت في الحاشية قبل السابقة: اشتبه على المؤلف البرقعي فهم معنى «التعريس» بالعربيَّة فظنَّه المبيت لمعاشرة الأهل، مع أن التعريس هو الاستراحة من السفر والنوم الخفيف فقط لاغير، ولا علاقة له بغشيان الأهل مطلقاً، والواقع أن روايات وسائل الشيعة واضحة في ذلك إذ جاء في بعضها: ﴿ عن العيص بن القاسم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الغسل في المعرس؟فقال: ليس عليك فيه غسل، والتعريس هو أن تصلي فيه وتضطجع فيه، ليلاً مَرَّ به أو نهاراً. ﴾. (المترجم)

(56) بحار الأنوار، ج97/ص140. (المترجم)

(57) النساء، آية 64.

(58) بحار الأنوار، ج97/ص 160، الحديث رقم 40. (المترجم)

(59) بحار الأنوار، ج 97/ص181، الحديث رقم 2. (المترجم)

(60) بحار الأنوار، ج 97/ص182، الحديث رقم 11. (المترجم)

(61)  بحار الأنوار، ج97/ص193، الحديث رقم5. (المترجم)

(62) بحار الأنوار، ج97/ص193، الحديث رقم11. وهو في الكافي للكليني،  ج 4 /ص 556. (المترجم)

(63) لا يخفى ما في استدلال المؤلف من ضعف لأن معنى الآية أن الله تعالى أرسل الرسل إتماماً للحجّة على الناس حتى لا يعتذر معتذر يوم القيامة ويحتجّ بأنه لم يطّلع على مراد الله وشرعه. فالحجّة هنا تعني العذر. فقد انقطع ببعثة الرسول -صلى الله عليه وآله-  العذر بالجهل، وهذا لا يمنع أن يكون في كل عصر من الأولياء والصالحين والعلماء من يكونون حُجَّةً على العباد بعلمهم وصلاحهم، وقد سمى السنّة والشيعة بعض علمائهم بحجّة الإسلام. (المترجم)

(64) نهج البلاغة، الخطبة 91. 

(65) بحار الأنوار، ج97/6- باب زيارة الأئمة بالبقيع عليهم السلام، ص 203، حديث رقم 1. (المترجم)

(66) هل سند الدين وتكليف المؤمنين على هذه الدرجة من الوهن والضعف حتى يتم إبلاغه عن طريق رجل مجهول لا يعرف اسمه وعن إمام غير معين؟

(67) بحار الأنوار، ج97/6- باب زيارة الأئمة بالبقيع عليهم السلام، ص 206، حديث رقم 8. (المترجم)

(68) نهج البلاغة، الخطبة رقم 133.

(69) نهج البلاغة، الرسالة رقم 6.

(70) نهج البلاغة، الخطبة رقم 205.

(71) نهج البلاغة، الخطبة رقم 216.

(72) نهج البلاغة، الخطبة رقم 216.

(73) قال الشيخ الطوسي في الفهرست والاستبصار عنه: ﴿ ضعيف جداً عند نقّاد الأخبار ﴾. وقال ابن الغضائري عنه: ﴿ سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي، كان ضعيفاً جداً فاسد الرواية والدين... يروي المراسيل ويعتمد المجاهيل ﴾.  

(74) الفروع من الكافي، (ج1/ص319)،  وحديث ردت الشمس على علي بن أبي طالب رواه بعض أهل السنة أيضاً ولخّص العجلوني ما جاء في ذلك في كتابه «كشف الخفاء» فقال: ﴿  قال الإمام أحمد لا أصل له وقال ابن الجوزي موضوع، لكن خطَّؤُوه، ومن ثم قال السيوطي: أخرجه ابن مندة وابن شاهين عن أسماء بنت عميس وابن مردويه عن أبى هريرة وإسنادهما حسن، وصححه الطحاوي والقاضي عياض... وأقول في عمدة القاري للعيني، كفتح الباري للحافظ ابن حجر، أن الطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل أخرجوه عن أسماء بنت عميس ﴾ انتهى باختصار من كشف الخفاء. (المترجم)

(75) الصحيفة السجادية، الباب الأوَّل.

(76) مفاتيح الجنان، أواخر دعاء «أبي حمزة الثمالي».

(77) نلفت نظر القارئ الكريم إلى أن «عبد مناف» لم يكن مسلماً، ورغم ذلك فحضرة المجلسي يتعجّب من عدم وجود زيارة له في الكتب؟!!

(78) بحار الأنوار، ج97/7- باب فضل النجف وماء الفرات، ص 226، حديث رقم 1. (المترجم)

(79) المصدر السابق، ص 226-227، حديث رقم 2. (المترجم)

(80) المصدر السابق، ص 226، حديث رقم 4. (المترجم)

(81) المصدر السابق، ص 226-227، حديث رقم 5. (المترجم)

(82) المصدر السابق، ص 230، حديث رقم 20. (المترجم)

(83) المصدر السابق، ص 230، حديث رقم 18. (المترجم)

(84) المصدر السابق، ص 331، حديث رقم 22. (المترجم)

(85) المصدر السابق، ص 233. (المترجم)

(86) بحار الأنوار، ج97/3- فضل زيارته صلوات الله عليه والصلاة عنده، ص 257، ح 1. (المترجم)

(87) نهج البلاغة، الخطبة رقم 156.

(88) نهج البلاغة، الخطبة رقم 23.

(89) إن تلك الجمل لا تفيد سوى السلاطين الصفويين الخبثاء والمفرّقين الذين يستفيدون منها لخلق الخصومة والأحقاد بين المسلمين.

(90) بحار الأنوار، ج97/ص 268. (المترجم)

(91) بحار الأنوار، ج97/ص271. (المترجم)

(92) نهج البلاغة، الخطبة 195.

(93) نهج البلاغة، الرسالة 31.

(94) الصحيفة السجادية، دعاؤه يوم الفطر.

(95) في الواقع لما كان رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  بنص كتاب الله تعالى أسوةً للمؤمنين وصاحب الخلق العظيم واتِّباعُهُ  السبيل لنيل محبة الله ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ..  ﴾ (آل عمران: 31)، ولما أمرنا الله تعالى في عديد من آيات كتابه بإطاعته طاعة مطلقة دون قيد ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله  ﴾ (النساء: 64) ﴿ وَأَطِيعُواْ الله وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ (آل عمران: 132)، فهو  صلى الله عليه وآله وسلم  معصوم في كل ما يبلِّغه عن الله تعالى من دين في أقواله وأفعاله وتقريراته، وبالتالي فيصحُّ تماماً اعتباره   صلى الله عليه وآله وسلم  «الصراطَ المستقيم» وأن يُطْلَقَ عليه ذلك اللقب، وليس في هذا أي إطراء مبالغ به، بل هذا أدنى حقُّه، فقد كان عليه وآله أفضل الصلاة والسلام قرآناً يمشي على الأرض، كما وصفه بذلك بعض أصحابه. وعليٌّ عليه السلام بحكم كونه من أصحاب الكساء الذين دعا لهم رسول الله مراراً اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجز وطهرهم تطهيراً، ولا شك أن دعاءه  صلى الله عليه وآله وسلم  مستجاب لوجود المقتضي وانتفاء المانع وقد قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  بحق عليٍّ عليه السلام: «عَلِيُّ مَعَ القُرْآنِ والقُرْآنُ مَعَ عَلِيٍّ لَنْ يَفْتَرِقَا»، كما أن علياً - عليه السلام - إمام عترة النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم التي خلّفها فينا وأمرنا بالتمسك بها مع القرآن الكريم فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ الله وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ﴾ كما أنه - بإجماع المسلمين-  من الخلفاء الراشدين الهادين المهديين الذين أُمِرْنَا باتباع سنتهم والعضّ عليها بالنواجذ ، فمن هذه الزاوية أيضاً يصحّ تلقيبه بالصراط المستقيم وليس في هذا أي غلوّ.  (المترجم)

(96) مفاتيح الجنان، من التسبيحات المتعلقة بأعمال يوم عرفة، نقلاً عن كتاب «الإقبال» للسيد ابن طاووس.

(97) الصحيفة العلوية، دعاؤه في اليوم الثاني من الشهر.

(98) الصحيفة العلوية، دعاؤه في التهليل ودعاؤه عند دخوله المسجد.

(99) الصحيفة العلوية، دعاؤه في اليوم الرابع والعشرين من الشهر، ومفاتيح الجنان، دعاء «أبي حمزة الثمالي».

(100) الصحيفة العلوية، دعاؤه في اليوم الثاني والعشرين من الشهر.

(101) مفاتيح الجنان (الباقيات الصالحات) الباب الثالث من أدعية العافية وغيرها.

(102) نهج البلاغة، الرسالة 23.

(103) بحار الأنوار، ج97/ص 279 - 280. (المترجم)

(104) بحار الأنوار، ج97/ص 280-281. (المترجم)

(105) نهج البلاغة، الرسالة 33.

(106) نهج البلاغة، الرسالة 41. (المؤلف).  قلت (المترجم): ليس في نص الرسالة ذكر لاسم عبيد الله بن عباس ولا  غيره، بل كل ما فيها توبيخ الإمام لشخصٍ من عمّاله خان الأمانة واستولى على أموال بيت المال.

(107) إن الذين يحبون علياً عليه السلام بصدق ويتولونه بإخلاص لا بمجرّد الادعاء والذين يعلمون كيف كانت حياة ذلك الإمام الهمام وشخصيته، يعرفون تمام المعرفة أنه كان شديد الحرص على رعاية حق الناس وحفظ أموال بيت مال المسلمين وأنه كان بالغ الدقّة في هذا الأمر، إلى حد أنه لم يكن يرضى أن يُصرف زيت مصباح بيت المال على أمر شخصي لا يتعلَّق بأمور الناس، كما لم يكن يسمح لأقرب أقربائه أن يستفيدوا من بيت المال بأدنى مقدار إضافي على ما يأخذه الآخرون، وبناءً عليه فإنه من المستحيل أن يعهد مثل هذا الإمام لشخص بأمر يتعلق بالأموال العامة أو يولِّيَه أمراً من أمور المسلمين إلا إذا كان حسن الظن به وكان لا يحتمل خيانته ولو بأدنى احتمال.

(108) نهج البلاغة، الرسالة 71.

(109) نهج البلاغة، الرسالة 61.

(110) نهج البلاغة، الرسالة 44.

(111) بلدةٌ من بلاد العجم في جنوب إيران ذكر المؤلف أنها خوزستان. (المترجم)

(112) نهج البلاغة، الرسالة 43.

(113) نهج البلاغة، الخطبة رقم 91.

(114) نهج البلاغة، الخطبة 195.

(115) نهج البلاغة، الخطبة 198.

(116) نهج البلاغة، الخطبة 176.

(117) الصحيفة العلوية، دعاؤه في اليوم الرابع عشر من كل شهر.

(118) استدلال المؤلف بهذه الآية ليس في محله، لأنها لا تدلّ على أن موسى (ع) خرَّ صعقاً لسماعه صوتاً من الجبل بل لأن ربّه تجلى للجبل فجعله دكَّاً: ﴿ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ  ﴾ (الأعراف: 143) (المترجم) .

(119) هو آية الله الفقيه الأصولي الشيخ «محمَّد حسن بن الشيخ باقر بن الشيخ عبد الرَّحيم»، انتهت إليه الرئاسة العامة للشيعة الإمامية في عصره والمرجعيَّة في التقليد وكان إمام علمائهم المحقِّقين، اشتهر بالشيخ حسن الجواهري وكان من عظماء القرن الثالث عشر الهجري ونوابغه، ومن أشهر كتبه موسوعته الفقهية المقارنة «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» تقع في أكثر من 50 مجلداً. توفي سنة 1266هـ. (المترجم)

(120) نهج البلاغة، الخطبة 156.

(121) نهج البلاغة، الخطبة 176.

(122) في الواقع ليس في تسمية رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أو الإمام علي  عليه السلام  بالحبل المتين أي غلوّ، كيف لا وهو إمام المتقين ومولى الموحدين ونبراس العابدين وأسوة المجاهدين والثقل الأصغر الذي أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وآله- أن نتمسك به، وكيف لا وقد قال عنه رسول الله - صلى الله عليه وآله- عليٌّ مَعَ القُرْآنِ والقُرْآنُ مَعَ عَلِيٍّ لَنْ يَفْتَرِقَا؟! هذا وليس من الضروري أن يكون الإمام  عليه السلام  حيَّاً في الدنيا حتى تصحّ تسميته بحبل الله المتين وصراطه المستقيم، بل هو كذلك بعد وفاته لمن تمسَّك بسيرته ومنهجه وتأسَّى بأخلاقه وشمائله وتعلَّم من كلماته وَحِكَمِهِ ومواعظه وعضَّ بالنواجذ على سنَّته وهديه. (المترجم)

(123) العناوين الفرعية التي بين معقوفتين هي من المترجم بقصد التوضيح. (المترجم)

(124) الصحيفة العلوية، داؤه في المناجات.

(125) الصحيفة العلوية، دعاؤه في اليوم الرابع عشر من كل شهر.

(126) الصحيفة السجادية، داؤه (ع) في ذكر التوبة وطلبها.

(127) الصحيفة السجادية، دعاؤه (ع) بعد الفراغ من صلاة الليل.

(128) قال محشِّي البحار : في «علل الشرائع» و«البشائر»: (وأرزاقها) وفى (ك) و(ت): (وأوراقها).

(129) المجلسي في «بحار الأنوار» (ج 35 /ص 8 - 10، الحديث رقم 11)  نقلاً عن [علل الشرائع ومعاني الأخبار للصدوق والغيبة للنعماني: عن الدقاق عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن محمد بن سنان، عن المفضل، عن ثابت بن دينار، عن سعيد بن جبير قال: قال يزيد بن قعنب.. الحديث]، وقال بعد روايته: ﴿ روضة الواعظين عن يزيد بن قعنب مثله ﴾ اهـ  (المترجم)

(130) هذه الرواية أوردها أيضاً المجلسي في «بحار الأنوار» (ج 35 /ص 18 - 19)  نقلاً عن [أبي علي بن همام رفعه]. (المترجم)

(131) منتهى الآمال، الشيخ عباس القميّ، ص 141 و142.

(132) في الصفحة 20 منه، في معرض تعليقه على رواية (شهر رمضان ثلاثون يوماً لا ينقص أبداً)، التي في سندها «محمد بن سنان». (المترجم)

(133) «بحار الأنوار»، لمجلسي، المجلد الخاص بأمير المؤمنين (ع)، حاشية الصفحة 42 فما بعد. (المؤلف). قلت: هو المجلد 35 ص 39 في الطبعة الجديدة للبحار. (المترجم)

(134) راجع الصفحة 90-91 من هذا الكتاب.

(135) نهج البلاغة، الخطبة 91.

(136) لعله يشير إلى قوله تعالى : ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ الله وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ (العنكبوت: 50)، أو قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لله فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ المُنتَظِرِينَ ﴾ (يونس: 20) (المترجم)

(137) ليس هناك إشكال في ظهور خوارق على أيدي أولياء الله الصالحين ولا تسمى معجزة بل تسمى كرامة، وإنما الإشكال أن تُعتبر تلك الخوارق من فعل البشر، فإذا اعتُبِرَتْ من فعل الله أظهرها على أيدي أوليائه فلا إشكال في ذلك بإجماع المسلمين. (المترجم)

(138) نهج البلاغة، الخطبة 210.

(139) نهج البلاغة، الرسالة 31.

(140) أعتقد أن المجلسيَّ لما كان من أنصار السلاطين الفسقة الفاسدين وحاشيتهم مؤيديهم والمتزلّفين إليهم أمثال الشاه سليمان والشاه سلطان حسين الصفويَّيْن وكان يصوِّر أن حكومة أولئك السلاطين مُؤَيَّدَة مِنْ قِبَلِ أئمة أهل البيت عليهم السلام وكان يبالغ في مدح أولـئك السلاطين وتمجيدهم، تخيَّل خطأً أن أئمة أهل البيت أيضاً -والعياذ بالله تعالى-  يُسَرّون أيضاً من مثل هذه المدائح المفرطة والإطراءات وصنوف التمجيد.

(141) نهج البلاغة، الرسالة 31.

(142) هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن جعفر بن علي المشهدي الحائري، المعروف بمحمد ابن المشهدي وابن المشهدي الراوي عن أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي وصاحب كتاب «المزار الكبير» الذي اعتبروه من أقدم الكتب المدوّنة في الزيارات وأن الأصحاب اعتمدوا على كتابه، وهو الأصل في عدة من الأدعية والزيارات. ويبدو أن ابن المشهدي كان من مشايخ الإمامية في القرن السادس الهجري ولكن بعضهم قال إن شخصه مجهول جداً، حتى قال السيد الخوئي (رح) في معجمه: ﴿ لم يظهر لنا اعتبار هذا الكتاب في نفسه، فإن محمد بن المشهدي لم يظهر حاله بل لم يُعلم شخصه ﴾!.  (المترجم)

(143) قال الشيخ الصدوق (محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي) (305 ـ381ﻫ) في كتابه «اعتقادات الإمامية» الذي يُعَد الكتاب الأساسي والأهم والأقدم في بيان عقيدة الشيعة الإمامية: [[ اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفار بالله جل جلاله وأنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلة، وأنه ما صغَّر الله جل جلاله تصغيرهم شئ، وقال جلّ جلاله : ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ الله الْكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ الله وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ. وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ المَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ (آل عمران: 79-80) وقال الله عز وجل: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾ (المائدة: 77)  ... وكان الرضا (ع) يقول في دعائه: ﴿ اللهم إني بري‏ء من الحول والقوة ولا حول ولا قوة إلا بك. اللهم إني أعوذ بك وأبرأ إليك من الذين ادَّعوا لنا ما ليس لنا بحقّ. اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا. اللهم لك الخلق ومنك الرزق وإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين. اللهم لا تليق الربوبية إلا بك ولا تصلح الإلهية إلا لك فالعن النصارى الذين صغَّروا عظمتك والعن المضاهئين لقولهم من بريتك. اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولاحياةً ولا نشوراً. اللهم مَنْ زَعَمَ أنَّا أربابٌ فنحنُ منه بَراءٌ ومَنْ زَعَمَ أن إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن براءٌ منه كبراءة عيسى ابن مريم عليه السلام من النصارى. اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون واغفر لنا ما يدَّعُون ولا تَدَعْ على الأرضِ منهم دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً ﴾.  وروي عن زرارة أنه قال: ﴿ قلت للصادق عليه السلام: إن رجلاً من وُلْدِ عبد الله بن سبأ يقول بالتفويض فقال عليه السلام: ما التفويض؟ فقلت يقول: إن الله عز وجل خلق محمداً  صلى الله عليه وآله  وعلياً (ع) ثم فوَّض الأمر إليهما فخلقا ورزقا وأحييا وأماتا، فقال (ع): كذب عدو الله، إذا رجعت إليه فاقرأ عليه الآية التي في سورة الرّعد، ﴿ أَمْ جَعَلُواْ لله شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ (الرعد/16) فانصرفتُ إلى الرجل فأخبرته بما قال الصادق (ع) فكأنما ألقمته حجراً، فقال:وكأنما خرس ﴾.]] انتهى. الشيخ الصدوق، «اعتقادات الإمامية»/باب الاعتقاد في نفي الغلو والتفويض، ص74 فما بعد، والمجلسي، «بحار الأنوار»: ج 25/ ص 341 - 344. (المترجم)

(144) لكاتب هذه السطور كتاب مختصر عنوانه «تضاد مفاتيح الجنان با آيات قرآن» (بالفارسية أي: تعارض مفاتيح الجنان مع آيات القرآن).

(145) بحار الأنوار، المجلسي، ج97/ زيارة رقم 34، ص 347 - 352.

(146) نهج البلاغة، الخطبة الأولى.

(147) توحيد الشيخ الصدوق، مكتبة الصدوق، ص147

(148) نهج البلاغة، خطبة 144.

(149) نهج البلاغة، خطبة 86.

(150) نهج البلاغة، خطبة 161.

(151) نهج البلاغة، خطبة 183.

(152) بحار الأنوار، المجلسي، ج97/ص 356، الحديث رقم1. (المترجم)

(153)نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 37.  

(154) نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 322. 

(155) نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 100.

(156) نهج البلاغة، الخطبة 205.  

(157) نهج البلاغة، الخطبة 92. 

(158) نهج البلاغة، الرسالة 54.

(159) نهج البلاغة، الخطبة 137.

(160) نهج البلاغة، الخطبة 229.

(161) نهج البلاغة، خطبة 97.

(162) نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 465. 

(163)  الكافي، للكليني، ج 1 /ص 165، الحديث 1 من ( باب الهداية أنها من الله عز وجل). (المترجم)

(164)  حول الاستدلال بحديث التصدّق بالخاتم على إمامة أمير المؤمنين (ع) وإمارته راجع كتاب «شاه راه اتحاد» (أي طريق الإتحاد) تأليف الأستاذ الفاضل حيدر علي قلمادران، ص145 فما بعد.

(165) بحار الأنوار للمجلسي، ج97/ص376. (المترجم)

(166) نهج البلاغة، الرسالة رقم 31 وهي وصية الإمام علي عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين. (المترجم

(167) نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 371.

(168) نهج البلاغة، الرسالة 35.

(169) بحار الأنوار للمجلسي، ج2/ ص 226، نقلاً عن معاني الأخبار للشيخ الصدوق. (المترجم)

(170) بحار الأنوار للمجلسيّ، ج97/ص383. (المترجم)

(171) هو أبو الفرج المعروف بابن أبي قرّة وهو محمد بن علي بن محمد بن محمد بن أبي قرة العناني [وقيل: العيناثي] من مشايخ النجاشي، مؤلِّف عددٍ من الكتب في الأدعية والزيارات مثل: «عمل الشهور» و«عمل شهر رمضان» و«عمل الجمعة» و«التهجُّد» و«المزار».  قال آقا بزرگ الطهراني في «الذريعة»: ﴿ ولعله من أحفاد أبى على المعروف بابن أبي قرة الذي كان منجم الخليفة الفاطمي بمصر، كما في فهرس ابن النديم «ص 388 » ﴾ انتهى.  ويُكْثِرُ السيد رضي الدين بن طاووس الحلّي (ت 644هـ) في كتاب أدعيته الشهير بـ  «إقبال الأعمال» النقل عن كتب ابن أبي قرة مثل «المزار» و«عمل شهر رمضان» و«عمل الشهور». كما ينقل الكفعمي المتوفى (ت 905هـ)  في كتابه «الجنة الواقية» كثيراً عن كتاب «التهجد» لابن أبي قرَّة هذا. (المترجم)

(172) الكافي، للكليني، ج2/ص 163، الحديث رقم 1 من باب «الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم»، ومثله الحديثان رقم 4 و5. (المترجم)

(173) نهج البلاغة، خطبة 135.

(174) سمعتُ أن رأس الأشرار والأراذل والأوباش في مدينة «أردبيل» كان رجلاً ظالماً فاسقاً شارباً للخمر يبتزّ الضعفاء أموالهم ويجرّد سكينه على كل من يقف في وجهه، ثم لما يأتي يوم عاشوراء يشارك في المواكب بحماس ويمارس التطبير!   وقد اشتكى عليه الناس مراراً لدى مسؤولي القضاء ليخلِّصوهم من ظلمه وابتزازه لهم فلم يكن يسعفهم أحد، حتى شكوه في النهاية إلى صديق له فقال لهم: سأكفيكم شره هذه السنة. وكان هذا الصديق من الذين يحملون الخشب في مراسم التطبير كي توضع على جبهة الضاربين عندما يأخذهم الحماس والهيجان ويضربون بقوة حتى يقع الضرب على الخشب فلا يؤذي الضارب ولا يؤدي إلى إزهاق روحه، فخرج يوم عاشوراء مع صاحبه الأزعر وعندما حمي الوطيس واشتد الضرب وضع له الخشبة على رأسه كالعادة فكان يضرب عليها لكنه سحب فجأة الخشبة فضرب الأزعر نفْسَه على رأسه ضربة قوية أودت بحياته وكُفي الناس شرّه!

(175) سمعتُ أن السيد «جلال آل أحمد» ترجم هذه الرسالة إلى الفارسية تحت عنوان «عزادارى هاى نا مشروع» أي أعمال مراسم العزاء غير المشروعة.

(176) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين العاملي، ج10/ص 363. (المترجم)

(177)  بحار الأنوار، ج98/ ص 10. (المترجم)

(178) انظر هذه الروايات في بحار الأنوار، للمجلسي،  ج 98/ صص 2 و4 و5 و7 و9 و17-18 و37، وكلها أوردها المجلسيُّ نقلاً عن كتاب «كامل الزيارات» لابن قولويه. (المترجم)

(179) قال حضرة أمير المؤمنين علي (ع) في كتابه للأشتر النخعي لما ولّاه على مصر الذي يعدّ من خطب الإمام الموثوقة (لأنه من الممكن لمن يستمع الخطبة أن ينسى شيئاً منها أو يزيد فيها أو ينقص منها، ولكن هذا الاحتمال ضعيف جداً بالنسبة إلى الرسالة المكتوبة): ﴿ وأَنَا أَسْأَلُ الله بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ ...أَنْ يَخْتِمَ لِي ولَكَ بِالسَّعَادَةِ والشَّهَادَةِ ﴾ (نهج البلاغة، الرسالة 53)، وقال أيضاً في حرب صفين: ﴿ إِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَيْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَةَ ﴾ (نهج البلاغة، خطبة 171). وقال أيضاً في دعائه: ﴿ فإذا كان مما لا بد منه الموت، فاجعل منيَّتي قتلاً في سبيلك ﴾ (الصحيفة العلوية، دعاؤه في صفين قبل رفع المصاحف).  فيا ليت كان المجلسيُّ معاصراً للإمام عليه السلام حتى يقول له يمكنك بدلاً من طلب الشهادة من الله أن تطلب منه الحصول على هذا الثواب ذاته بزيارتك لمرقدك!!

(180)  انظر هذه الروايات الأخيرة في بحار الأنوار، للمجلسي،  ج 98/ صص 18 - 20 ، و23 - 25 و54، وكلها أوردها المجلسيُّ نقلاً عن كتاب «كامل الزيارات» لابن قولويه. (المترجم)

(181) بحار الأنوار، المجلسي،  ج 98/ص57 نقلاً عن كتاب «إقبال الأعمال» للسيد ابن طاووس، وهو في  ص 38 منه (طبع إيران، سنة 1314هـ). (المترجم)

(182) وسائل الشيعة، الحر العاملي،  (ط مؤسسة آل البيت)،  ج 14/ ص 497، حديث رقم 6. (المترجم)

(183)  الروايات الثلاث الأخيرة هي في بحار الأنوار، للمجلسي،  ج 98/صص 60 و77 و310، وكلها أوردها المجلسيُّ نقلا عن كتاب «كامل الزيارات» لابن قولويه. (المترجم)

(184) وسائل الشيعة، ج10/باب استحباب اختيار زيارة الحسين على الحج والعمرة المندوبين، الرواية 15. (المؤلف).  قلت ونص الرواية هو: ﴿ عن حنان بن سدير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في زيارة قبر الحسين؟  فإنه بلغنا عن بعضكم أنه قال تعدل حجة وعمرة؟ قال فقال: ما أصعب هذا الحديث! ما تعدل هذا كله، لكن زوروه ولا تجفوه وإنه سيد شباب الشهداء وسيد شباب أهل الجنة وشبيه يحيى بن زكريا وعليهما بكت السماء والأرض ﴾.  (المترجم)

(185)  عقد الشيخ الصدوق (رح) في كتابه الهام: «اعتقادات الإمامية» باباً كبيراً بعنوان: ﴿ نفى الغلوّ بالنبيّ والأئمّة صلوات الله عليه وعليهم ﴾ أورد فيه - بعد الاستشهاد بعدد من آيات القرآن -  (94) أربعةً وتسعين روايةً عن الأئمة من آل البيت عليهم السلام في نفي الغلو وإبطاله والتشنيع على أصحابه والبراءة منهم، ومن أقاويلهم، بل لعنهم ، وقد أجمع علماء الإمامية على اعتبار الغالي كافراً نجساً. (المترجم)

(186) كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه، ص 239/ح2، والمجلسي، عنه في بحار الأنوار، 10-باب جوامع ما ورد من الفضل في زيارته (ع)،  ج 98/ص 78،  والنوري الطبرسي عنه في مستدرك الوسائل، ج 10/ص 328 . (المترجم)

(187) راجع الصفحة 52 من هذا الكتاب.

(188)  بحار الأنوار، ج 98/ص 78،  ح 39، نقلاً عن «كامل الزيارات». (المترجم)

(189)  بحار الأنوار، باب 12-  فضل زيارته صلوات الله عليه في يوم عرفة أو العيدين، ج 98/ص 85، ح رقم 4، نقلاً عن كتابَيْ الشيخ الصدوق: «ثواب الأعمال»  و«معاني الأخبار»، ونحو ح رقم 5 نقلاً عن «كامل الزيارات» لابن قولويه. (المترجم)

(190) نهج البلاغة، خطبة 186.

(191) المصدر السابق.

(192)«الإرشاد»، الشيخ المفيد (413هـ)، ط2، بيروت، دارالمفيد، 1414هـ/1993م،  ج 1/ ص182،  و«إعلام الورى بأعلام الهدى»، الشيخ الطبرسي (548هـ)، قم، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1417هـ،  ج 1/ص 264. وقد نقله المجلسي عنهما في بحار الأنوار، ج22/ص467.  (المترجم)

(193)  الحديث رواه البخاري ومسلم في الصحيحين والترمذي والنسائي في السنن وأحمد في مسنده وغيرهم بعدة أسانيد وألفاظ متقاربة، واللفظ لمسند أحمد،  وقد نقل العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان (ج 15/ص333) هذه الروايات ذيل تفسيره لقوله تعالى ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾.  (المترجم).

(194)  نهج البلاغة، الرسالة 45.

(195)  عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي، ج 1/ص 435 ، ح 141، وهو في مصادر أهل السنَّة في سنن الترمذي: ج 5، كتاب الأدب/13-باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل، ح 2754 مع اختلاف يسير .

(196)  «الطبقات الكبرى»، ابن سعد، ج1/ص 311. والحديث أخرجه بلقظ قريب كل من أبي داود في سننه وأحمد في مسنده،  وصححه الألباني في «صحيح الجامع الصغير» حديث رقم 3700.

(197)  رواه من أهل السنة  الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» كتاب الأذكار/باب ما يستفتح به الدعاء..، وقال بعده: «رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث.».

(198)  بحار الأنوار، ج98/ص 195- 196، ح 31، عن كتاب «بشائر المصطفى لشيعة المرتضى». (المترجم)

(199) المصدر السابق.

(200) نهج البلاغة،  الرسالة  31.

(201) روى الكشي في رجاله (طبع كربلاء، ص 253) بسنده عن مصادف قال: ﴿ لما لبَّى القوم الذين لبُّوا بالكوفة [أي قالوا: لبَّيْكَ يا جعفر] دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرتُهُ بذلك، فَخَرَّ ساجداً وألْزَقَ جؤجؤَهُ بالأرض وَبَكَى، وَأقبل يلوذُ بإصبعه ويقول: بَلْ عَبْدُ الله قِنٌّ داخرٌ مراراً كثيرةً، ثم رفع رأسه ودموعُهُ تسيلُ على لحيته، فندمتُ على إخباري إيّاه، ... ﴾.  (المؤلِّف). (والقِنُّ: هو المتمِّحض في العبودية والرقِّ. والداخر: هو الخاضعُ لله المنقاد لَهُ). (المترجم)

(202) نهج البلاغة،  الخطبة 110.

(203) الصحيفة العلويَّة، دعاؤه (ع) في الاستغفار في سحر كل ليلة عقب ركعتي الفجر.

(204) المصدر السابق، دعاؤه (ع) في الاستغفار في المناجاة في شهر شعبان.

(205) المصدر السابق، دعاؤه (ع) في الاستغفار في الشدائد. 

(206) المصدر السابق، دعاؤه (ع) في ليلة الجمعة علَّمه لكميل بن زياد النخعي. ومفاتيح الجنان، دعاء كميل.

(207) مفاتيح الجنان، دعاء يوم عرفة.

(208) مفاتيح الجنان، دعاء يوم الخميس.

(209) الصحيفة السجَّاديَّة، دعاؤه (ع) في دفع كيد الأعداء.

(210) الصحيفة العلوية، دعؤه المعروف بدعاء كميل.

(211) مفاتيح الجنان، داء أبي حمزة الثمالي.

(212) في الواقع إن موضوع التوسل بالأئمة والصالحين والاستشفاع بهم إلى الله هو المستند الرئيسي الذي يتمسّك به من يلجأ إلى المشاهد ويطلب حوائجه من أصحابها من الأولياء والأئمة، لذا نجد هذه الفكرة منتثرة ومكررةً في جميع الزيارات، مثل قول الزائر: ﴿ فاشفع لي عند ربِّك فان لي ذنوباً كثيرةً وإن لك عند الله مقاماً معلوماً وجاهاً عظيماً وشأناً كبيراً وشفاعةً مقبولةً.......   (إلى قوله)....فكن لي إلى الله شفيعاً، فما لي وسيلةٌ أوفى من قصدي إليك وتوسُّلي بك إلى الله... ﴾ [بحار الأنوار للمجلسي، ج 97/باب زياراته (أي علي بن أبي طالب عليه السلام) المطلقة، الزيارة رقم 20، ص 295.]، أو قوله: ﴿ أتيتكما (للإمامين) زائراً ومتوسِّلاً إلى الله تعالى ربي وربِّكما ومتوجِّهاً إلى الله بكما، مستشفعاً بكما إلى الله في حاجتي هذه فاشفعا لي فإن لكما عند الله المقام المحمود والجاه الوجيه والمنزل الرفيع والوسيلة... ﴾ [المصدر السابق، الزيارة رقم 23، ص 307.]. لذلك أراد المؤلف ردّ مشروعية التوسل إلى الله بالأشخاص - أيا كان مقامهم حتى ولو كانوا أنبياء - من أساسه، وحصر التوسل إلى الله بالأعمال، أو بصفات الرحمة لذاته الأحدية. هذا وموضوع جواز التوسل إلى الله بالصالحين من الموضوعات الخلافية التي انقسم العلماء بشأنها، إذ وردت بعض النصوص - حتى في مصادر الحديث المعتبرة لدى أهل السنة - بما يفيد جواز التوسل، فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا صَحِيحًا «عَنْ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا أَنْ يَدْعُوَ فَيَقُولَ: اللهمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ الله إنِّي أَتَوَسَّلُ بِك إلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي لِيَقْضِيَهَا لِي اللهمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ» وَرَوَى النسائي نَحْوَ هَذَا الدُّعَاءِ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ ماجه عَنْ عُثْمَانَ بْنِ العتبية «أَنَّ رَجُلًا ضَرِيراً أَتَى النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ: اُدْعُ الله أَنْ يُعَافِيَنِي فَقَالَ: إنْ شِئْت دَعَوْت وَإِنْ شِئْت صَبَرْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك. فَقَالَ: فادعه. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ اللهمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا رَسُولَ الله يَا مُحَمَّدُ إنِّي تَوَجَّهْت بِك إلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى اللهمَّ فَشَفِّعْهُ فِيّ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ النسائي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ العتبية وَلَفْظُهُ «أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ الله اُدْعُ الله أَنْ يَكْشِفَ لِي عَنْ بَصَرِي. قَالَ فَانْطَلِقْ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ: اللهمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِك إلَى رَبِّي أَنْ يَكْشِفَ عَنْ بَصَرِي اللهمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ قَالَ فَرَجَعَ وَقَدْ كَشَفَ الله عَنْ بَصَرِهِ». وقد كتبت في موضوع التوسل وما يجوز فيه وما لا يجوز كتبٌ ورسائلُ عديدة من المخالفين والموافقين يمكن لمن أراد التوسع في الموضوع أن يرجع إليها. (المترجم)

(213) بحار الأنوار، ج 98/ص 227- 228 . (المترجم)

(214) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج 1 /ص 201 - 204. (المترجم)

(215) النجاشي (450 هـ) ، رجال النجاشي، ط5، قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، 1416 هـ،  ص 12. (المترجم) 

(216) بحار الأنوار،  ج 98 /ص 230 .  (المترجم)

(217) الصحيفة العلوية، دعاؤه في اليوم الثلاثين من الشهر.

(218) الكفعميّ (840 - 905 هـ = 1436 - 1500م): هو الشيخ تقى الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح الكفعمي مولداً - نسبةً إلى قرية (كفر عيما) بناحية الشقيف بجبل عامل جنوب لبنان - اللوزي محتداً، الجب شيثي مدفناً ومزاراً، توفى بها عام 905هـ، ومزاره في بلدة «جب شيث» - من بلدات جبل عامل جنوب لبنان - معروف. أديبٌ كاتبٌ من علماء الشيعة الإمامية، أقام مدَّةً في كربلاء، له نظمٌ وشعرٌ، وصنَّف 49 كتاباً، من أشهر مؤلفاته كتابه في الأدعية والزيارات الموسوم بـ «جُنَّةُ الأمان الواقية وجَنَّةُ الإيمان الباقية» المعروف بـ «مصباح الكفعمي»، طبع مراراً، كما له «الاحتساب من كتب الأدعية لبعض الأصحاب» و«البلد الأمين والدرع الحصين من الأدعية والأعمال والأوراد والأذكار» وغيرها. (نقلاً عن كتاب الذريعة لآقا بزرگ الطهراني والأعلام للزركلي). (المترجم)

(219) بحار الأنوار،  ج 98 /ص 230- 231 . (المترجم)

(220) راجع ترجمته في حاشية ص 157 من هذا الكتاب. (المترجم)

(221) راجع ترجمته في حاشية ص 134 من هذا الكتاب. (المترجم)

(222) راجع ترجمته في حاشية ص 73 من هذا الكتاب. (المترجم)

(223) هو من فقهاء الشيعة الإمامية المشهورين وأخ «الشريف الرضي» جامع نهج البلاغة. (المؤلف). قلت (المترجم): واسمه علي بن الحسين بن موسى واشْتُهِرَ بالسيد المرتضى وعلم الهدى ولد سنة 355 وتوفي في 433 هـ. وقد تولى رئاسة الطائفة الإمامية في عصره وترك عدة مؤلفات قيِّمة أهمها: «الشافي في الإمامة» وكتاب «تنزيه الأنبياء والأئمة» و«الغُرَر والدُّرَر» ويُعْرَف بـ«أمالي المرتضى»، و«الانتصار». (المترجم)

(224) بحار الأنوار،  ج 98 /ص 262.  (المترجم)

(225) بحار الأنوار،  ج 98/ ص 267. (المترجم) 

(226) بحار الأنوار،  ج 98/ ص 284، نقلاً عن «كامل الزيارات» لابن قولويه. (المترجم)  

(227) بحار الأنوار،  ج 99/ص 145، من الطبعة الجديدة. (المترجم)

(228) على سبيل المثال يقول المجلسيُّ في مقدمة كتابه المعروف «زاد المعاد» (بالفارسية) ما ترجمته: ﴿ ....ولما كان إنهاء هذه الرسالة وابتداء واختتام هذه العجالة قد تمّ في عهد دولة العدالة وأواني سلطنة السعادة للحضرة العليا سيد سلاطين الزمان ورأس سادة العصر عصارة أوراق الملة والدين ونقاوة أحفاد سيد المرسلين بستان الورد المصطفوي ومنارة الأسرة المرتضوية.... (إلى قوله): مؤسس قواعد الملة والدين ومروّج شريعة آبائه الطاهرين، حياض ساحة بلاطه ملاذ الخلائق وطافحة بتقبيل شفاه سلاطين زمانه، لسان حالها وهي تحطّ رحالها في الصرح الممَرَّد لعزّته وجلاله: قد مسَّنا الضُّرُّ أيُّها العزيز، أعني السلطان الأعظم والخاقان الأعدل الأكرم ملجأ الأكاسرة وملاذ القياصرة محيي مراسم الشريعة الغرّاء ومشيّد قواعد الملة البيضاء السلطان ابن السلطان والخاقان ابن الخاقان الشاه سلطان حسين الموسوي الحسيني الصفوي بهادر خان لا زالت رايات دولته مرفوعة وهامات أعدائه مقموعة...الخ ﴾!! (المترجم)

(229) وسائل الشيعة، ج5/ ص 382، حديث رقم 8.

(230) وسائل الشيعة، ج5/ ص 383، حديث رقم 9.

(231) بحار الأنوار، ج 99/ ص 130. (المترجم)

(232) نهج البلاغة، الخطبة 205.

(233) نهج البلاغة، الخطبة 149.

(234) الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، 58- باب قول الرضا لأخيه زيد بن موسى..، الحديث رقم 10.

 

+                  +                 +