دراسة علمية لأحاديث المهدي
تأليف
آية الله العظمى العلامة سيد أبو الفضل بن الرضا البُرقَعي القُمي
الحمد لله الذي أنعم على عباده بنعمة الإسلام، واختار منهم أفضل عباده وأطهرهم لإبلاغ رسالة الحرية والتحرُّر من كل عبودية سوى عبودية الله، والصلاة والسلام على أهل بيتِ نبي المحبة والرحمة الكرام الأطهار، وعلى صحبه الأجلاء الأبرار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن الدينَ الذي نفخر به اليوم ثمرةٌ لجهاد رجال الله وتضحياتهم؛ أولئك الذين كانت قلوبهم مُتَيَّمةً بحب الله، وألسنتهم لَـهِجَةً بذكر الله، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل حفظ رسالات الله ونشرها، واضعين أرواحهم وأموالهم وأعراضهم على أكفهم ليقدِّموها رخيصةً في سبيل صون كلمة الله سبحانه و سنة نبيه الكريم، لا تأخذهم في ذلك لومة لائم، ولا يخشون إلا الله.
أجل، هكذا قامت شجرةُ الإِسْلاَمُ العزيز واسْتَقَرَّت ضاربةً بجذورِها أعماق الأرض، بالغةً بفروعها وثمارها عنان السماء، مُعْليةً كلمة التوحيد والمساواة.
ولكن في أثناء ذلك، تطاولت على قامة الإسلام يد أعدائه الألدَّاء، وظلم علماء السوء وتحريف المتعبِّدين الجَهَلة، فَشَوَّهُوا صورة الإسلام الناصعة بشركهم وغلوهم وخرافاتهم وأكاذيبهم، إلى درجة أن تلك الأكاذيب التي كان ينشرها المتاجرون بالدين غطَّت وجه الإسلام الناصع. وقد اشتدَّ هذا المنحى من الابتعاد عن حقائق الدين وعن سنة رسول الله الحسنة، بمجيء الصفويين إلى حكم إيران في القرن التاسع الهجري ثم بقيام الجمهورية الإسلامية في العصر الحاضر، حتى أصبحت المساجد اليوم محلاً لِـلَطْمِ الصدور وإقامة المآتم ومجالس العزاء، وحلَّت الأحاديث الموضوعة المكذوبة محل سنة النبيص، وأصبح المدَّاحون الجهلاء الخدّاعون للعوام، هم الناطقون الرسميون باسم الدين؛ وأصبح التفسير بالرأي المذموم والروايات الموضوعة المختَلَقة مستمسكاً للتفرقة بين الشيعة والسنة، ولم يدروا للأسف من الذي سينتفع ويستفيد من هذه التفرقة المقيتة؟
إن دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية التي تُرْفع اليوم في إيران، ليست سوى ضجَّة إعلامية ودعاية سياسية واسعة، القصد منها جذب الأنظار وإعطاء صورة جيدة عن حكومة إيران الشيعية في العالم. إن نظرةً إلى قادة الشيعة في إيران وزعماءهم الدينيين ومراجعهم تدل بوضوح على هذه الحقيقة وهي أن التقريب بين المذاهب الإسلامية والأخوَّة والمحبَّة الدينية بين المسلمين، على منهج حُكَّام إيران الحاليين، ليست سوى رؤيا وخيالٍ وشعارات برَّاقة لا حقيقة لها على أرض الواقع.
في هذا الخِضَمّ نهض أفراد مؤمنون موحِّدون من وسط مجتمع الشيعة الإمامية في إيران، دعوا إلى النقد الذاتي وإعادة النظر في العقائد والممارسات الشيعية الموروثة، ونبذ البدع الطارئة والخرافات الدخيلة، وإصلاح مذهب العترة النبوية بإزالة ما تراكم فوق وجهه الناصع منذ العصور القديمة من طبقات كثيفة من غبار العقائد الغالية والأعمال الشركية والبدعية، والأحاديث الخرافية والآثار والكتب الموضوعة، والعودة به إلى نقائه الأصلي الذي يتجلى في منابع الإسلام الأصيلة: القرآن الكريم وما وافقه من الصحيح المقطوع به من السنة المحمدية الشريفة على صاحبها آلاف التحية والسلام وما أيَّدهما من صحيح هدي أئمّة العترة الطاهرة وسيرتهم؛ وشمَّر هؤلاء عن ساعد الجِدّ وأطلقوا العِنان لأقلامهم وخطبهم و محاضراتهم لإزالة صدأ الشرك عن معدن التوحيد الخالص، ولسان حالهم يقول: «انهض أيها المسلم وامحُ هذه الخرافات والخزعبلات عن وجه الدين، واقضِ على هذا الشرك الذي يتظاهر باسم التقوى، وأعلن التوحيد وحطِّم الأصنام».
لقد اعتبر «حيدر علي قلمداران القمِّي» - وهو أحد أفراد تلك المجموعة من الموحِّدين المصلحين - في كتابه «طريق الاتحاد»، أن سبب هذه التفرقة هو جهل المسلمين بكتاب الله وسيرة نبيه، وسعى من خلال كشف الجذور الأخرى لتفرُّق الفرق الإسلامية، إلى التقدّم خطوات مؤثرة نحو التقريب الحقيقي بين المذاهب. ولا ريب أن جهود علماء الإسلام الآخرين مثل آية الله السيد أبوالفضل ابن الرضا البرقعي، و السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي، وآية الله شريعت سنكلجي، ويوسف شعار وكثيرين آخرين من أمثال هؤلاء المجاهدين في سبيل الحق، أسوة ونبراس لكل باحث عن الحق ومتطلِّعٍ إلى جوهر الدين، كي يخطوا هم بدورهم أيضاً خطوات مؤثرة في طريق البحث والتحقيق التوحيدي، مُتَّبِعين في ذلك أسلوب التحقيق الديني وتمحيص الادِّعاءات الدينية على ضوء التعاليم الأصيلة للقرآن والسنة، ليعينوا ويرشدوا من ضلوا الطريق وتقاذفتهم أمواج الشرك والخرافات والأباطيل، ليصلوا بهم إلى بر أمان التوحيد والدين الحق.
إن المساعي الحثيثة التي لم تعرف الكلل لِرُوَّاد التوحيد هؤلاء لَهِيَ رسالةٌ تقع مسؤوليتها على عاتق الآخرين أيضاً، الذين يشاهدون المشاكل الدينية لمجتمعنا، ويرون ابتعاد المسلمين عن تعاليم الإسلام الحيَّة، لاسيما في إيران.
هذا ولا يفوتنا أن نُذَكِّر هنا بأن هؤلاء المصلحين الذين نقوم بنشر كتبهم اليوم قد مرُّوا خلال تحوُّلهم عن مذهبهم الإمامي القديم بمراحل متعددة، واكتشفوا بطلان العقائد الشيعية الإمامية الخاصة - كالإمامة بمفهومها الشيعي والعصمة والرجعة والغيبة و... وكالموقف مما شجر بين الصحابة وغير ذلك - بشكل متدرِّج وعلى مراحل، لذا فلا عجب أن نجد في بعض كتبهم التي ألفوها في بداية تحولهم بعض الآثار والرسوبات من تلك العقائد القديمة لكن كتبهم التالية تخلَّصت بل نقدت بشدة كل تلك العقائد المغالية واقتربوا للغاية بل عانقوا العقيدة الإسلامية الصافية والتوحيدية الخالصة.
***
تُمثِّلُ الكتبُ التي بين أيديكم اليوم سعياً لنشر معارف الدين وتقديراً لمجاهدات رجال الله التي لم تعرف الكَلَل. إن الهدف من نشر هذه المجموعة من الكتب هو:
1- إمكانية تنظيم ونشر آثار الموحِّدين بصورة إلكترونية على صفحات الإنترنت، وضمن أقراص مضغوطة، و بصورة كتب مطبوعة، لتهيئة الأرضية اللازمة لتعرُّف المجتمع على أفكارهم التوحيدية وآرائهم الإصلاحية، لتأمين نقل قِيَم الدين الأصيلة إلى الأجيال اللاحقة.
2- التعريف بآثار هؤلاء العلماء الموحِّدين وأفكارهم يشكِّل مشعلاً يهدي الأبحاث التوحيدية و ينير الدرب لطلاب الحقيقة ويقدِّم نموذجاً يُحْتَذَى لمجتمع علماء إيران.
3- هذه الكتب تحث المجتمع الديني في إيران الذي اعتاد التقليد المحض، وتصديق كل ما يقوله رجال الدين دون تفكير، والذي يتمحور حول المراجع ويحب المدَّاحين، إلى التفكير في أفكارهم الدينية، ويدعوهم إلى استبدال ثقافة التقليد بثقافة التوحيد، ويريهم كيف نهض من بطن الشيعة الغلاة الخرافيين ، رجال أدركوا نور التوحيد اعتماداً على كتاب الله وسنة رسوله.
4- إن نشر آثار هؤلاء الموحِّدين الأطهار وأفكارهم، ينقذ ثمرات أبحاثهم الخالصة من مقصِّ الرقيب ومن تغييب قادة الدين والثقافة في إيران لهذه الآثار القَيِّمة والتعتيم عليها، كما أن ترجمة هذه الآثار القَيِّمة لسائر اللغات يُعَرِّف الأمّة الإسلامية بآراء الموحدين المسلمين في إيران وبأفكارهم النيِّرة.
***
لا شك أنه لا يمكن الوصول إلى مجتمع خالٍ تماماً من الخرافات البدع وإلى المدينة الفاضلة التي تتحقق فيها الطمأنينة في ظلِّ رضا الله سبحانه وتعالى، إلا باتِّباع التعاليم النقيَّة الأصيلة للقرآن الكريم وسنة نبي الرحمة والرأفة ص. إن هدف القائمين على نشر مجموعة آثار الموحِّدين هو التعريف بآثار هؤلاء المجاهدين العلميين الكبار، كي تكون معرفة الفضائل الدينية والعلمية لهؤلاء الأعزاء، أرضية مناسبةً لنموّ المجتمع التوحيدي والقرآني في إيران وقوّته، وذلك لنيل رضا الخالق وسعادة المخلوق.
نسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكلمات المختصرة وسيلة لعلوّ درجات أولئك الأعزاء، وأن يمنّ علينا بالعفو.
a
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة العبودية له، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وآخر رسل الله محمد المصطفى وعلى آله الأطهار وصحبه الأبرار.
وبعد، فقد كان المسلمون طول القرون المنصرمة سبَّاقين للآخرين في تحصيل العلم والمعرفة وتعلُّم العلوم المختلفة، وذلك ببركة تعاليم الإسلام العزيز واتِّباعاً منهم لكلام رسول الله ص، حتى صار العلماء المسلمون في أواخر فترة الخلافة العباسية سادة العلوم في عصرهم، وتحول بيت الحكمة الذي تأسس في بغداد في النصف الثاني من القرن الهجري الثاني في عهد خلافة هارون الرشيد العباسي، إلى أكبر مؤسسة علمية وبحثية في العالم، ولا يزال بيت الحكمة يُعتَبر مظهراً من مظاهر الحضارة الإسلامية وذلك بفضل نشاطاته الثقافية والعلمية في المجالات المختلفة من تأليف وترجمة واستنساخ وأبحاث متنوعة في المجالات العملية المختلفة سواء الطب والهندسة أم العلوم الإنسانية.
ولا شك أن هذه القوة العلمية للمسلمين كانت بمثابة شوكة في أعين أعداء الإسلام، لذلك سعوا من خلال بثِّ أسباب الفرقة والاختلاف بين المسلمين إلى تحطيم عَظَمَة الإسلام هذه وسؤدده الذي يعود الفضل فيه إلى وحدة المسلمين وتماسكهم والأخوة السائدة بينهم، فأثار أعداء الإسلام عواصف النزاعات والتفرقة بين المسلمين كي يحجبوا جمال الحق عن أبصارهم، ويخفوا شمس الدين المشعة خلف غيوم البدع والخرافات. وكما يقول الشيخ سعدي الشيرازي: الحقيقــة مكـان مزَينٌ ألا ترى أن كل مكان اعتلاه الغبار لكن الهوى والرغبات أثارا الغبار فوقه لا يقع عليه النظر ولو كان الرجل بصيراً إن المساعي المخطط لها وعلى المدى الطويل لأعداء الإسلام، لأجل إغلاق أعين المسلمين عن حقيقة الدين وإضعاف المسلمين عن تعلُّم معارف الدين ونشرها، وإبعادهم عن سنة النبي الأصيلة الهادية، أدت إلى حدوث فجوة عميقة واختلاف كبير في أمة الإسلام وأصبح أبناء الإسلام اليوم يعانون بشدَّة من تبعات هذه الفجوة وآثارها المشؤومة.
وبموازاة مساعي أعداء نبي الإسلام ص العِدائية الرامية إلى تحريف تعاليم الإسلام وتشويهها وإدخال البدع المختلفة في الدين، أدرك أشخاصٌ مؤمنون أطهار شفيقون هذا الخطر، ونهضوا مشمِّرين عن ساعد الجِد والجهاد المتواصل لإحياء معالم الإسلام والسنة النبوية الأصيلة، وتناولوا بأيديهم -بشجاعة منقطعة النظير- أقلامهم وأخذوا يكتبون ويؤلفون في نشر ثقافة الإسلام الأصيلة والعقائد الإسلامية الصحيحة النقية بين أوساط الشيعة عُبَّاد الخرافات، وصدحوا بينهم بنداء التوحيد بصوت عال أيقظ المتاجرين بالدين والبدع من نوم غفلتهم مذعورين! لقد ضحى هؤلاء الموحدون الطالبون للحق والحقيقة بمصالحهم الشخصية فداء للحقيقة، وقدموا أرواحهم في هذا السبيل هديةً رخيصةً للحق تعالى، وصاروا عن حق مصداقاً لقوله تعالى:﴿أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٦٢﴾ [يونس : ٦٢] .
إن ما جاء في هذه المجموعة ليس سوى غيضٍ من فيض المعارف الإلـهية، ومُنْتَخَبٍ من آثار الموحدين الطالبين لله تعالى الذين كانوا ينتمون في بداية أمرهم لطائفة الشيعة. لقد أشرق نور الله في صدورهم، وصار التوحيد نبراس حياتهم المباركة. لقد تم تحرك هؤلاء الأفراد الذين كانوا جميعاً في بداية أمرهم من الطراز الأول من علماء الشيعة في إيران، في مسيرتهم التحولية من مذهبهم القديم، خطوةً خطوةً؛ بمعنى أن نظرتهم إلى المسائل العقائدية لم تتحول بشكل فجائي مرةً واحدةً، بل حَصَل هذا التحول بمرور الزمان وعلى إثر المطالعة والدراسة المتأنية والتواصل مع من يوافقهم في أفكارهم، لذا من الطبيعي أن لا تنطبق بعض رؤى وأفكار هؤلاء الإصلاحيين في بعض مراحل حياتهم وكتاباتهم، مع عقائد أهل السنة والجماعة واتجاهاتهم الفكرية بشكل كامل؛ لكن رغم ذلك قمنا بنشر هذه المؤلفات كما هي نظراً لأهميتها في هداية شيعة إيران وغيرهم من الناطقين باللغة الفارسية. كما أنه من الجدير بالذكر أن الرؤى والمواقف الفكرية المطروحة في هذه الكتب، لا تنطبق بالضرورة مع رؤى الناشر والقائمين على نشر هذه المجموعة من الكتب، هذا على الرغم من أن هذه الكتب تمثل بلا ريب نفحةً من نفحات الحق و نوراً من جانب الله لهداية طالبي الحقيقة البعيدين عن العصبيات والظنون التاريخية الطائفية.
إن النقطة الجديرة بالتأمّل هي أنه للوقوف بشكل صحيح على رؤى وأفكار هؤلاء الأفراد، لا يمكن الاكتفاء بقراءة مجلد واحد من آثارهم؛ بل لا بد من قراءة حياتهم بشكل كامل، كي يتم التعرُّف بشكل كامل على كيفية تحولهم الفكري، ودوافعه وعوامله. فعلى سبيل المثال، ألف آية الله السيد أبوالفضل البرقعي في الفترة الأولى من بداية تحوله الفكري كتاباً بعنوان «درسى از ولايت» أي «درسٌ حول الولاية»، بحث فيه موضوع الأئمة وادعاء الشيعة حول ولايتهم وإمامتهم ورئاستهم المباشرة للمسلمين بعد نبي الله ص. واعتبر أن عدد الأئمة 12 إماماً، مصحِّحاً بذلك الاعتقاد بوجود محمد بن الحسن العسكري وحياته حتى الآن، بوصفه الإمام الثاني عشر. لكن المؤلِّف نفسه ألف بعد عدة سنوات كتاباً باسم «تحقيق جدي في أحاديث المهدي» ووضع تحت تصرف القراء نتائج بحثه التي توصل إليها في هذا المجال، وهي أن جميع الأخبار والروايات التاريخية المتعلِّقة بولادة ووجود المهدي إمام الزمان، روايات وأخبار موضوعة وكاذبة. من هذا المثال ومن أمثلة مشابهة أخرى يتبيَّن أن أفضل طريق لمعرفة المسيرة التحولية لأفكار هؤلاء الموحدين وآثارهم هي قراءة مجموعة كتاباتهم بشكل كامل، مع الأخذ بعين الاعتبار تقدم كل مؤلَّف من مؤلَّفاتهم أو تأخّره زمنياً.
نأمل أن تكون آثار هؤلاء المؤلّفين الكبار ومساعي القائمين على نشرها، سبباً للعودة إلى مسيرة الأمن الإلـهية وعبادة الحق سبحانه وتعالى الخالصة.
نسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكلمات المختصرة وسيلة لغفران ذنوبنا وأن يسامحنا إذا وقعنا في خطأ أو زلل، وأن يرحم أرواح أولئك المؤلفين الأعزَّاء ويجعلهم في جوار رحمته، إنه رؤوف رحيم، والحمد لله رب العالمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أيُّها القارئ الكريم! رُبَّمَا وقع لك أحياناً أن يبدوَ لك موضوعٌ مُعَيَّنٌ مُبهماً ومُلغِزاً إلى درجة تعجز فيها عن تمييز هذا الموضوع وإدراك حقيقته، أو رُبَّمَا سمعتَ خبراً من مكان بعيد، فكان - بسبب عدم ثبوته وفقدانه للأساس والدليل والسند - مُحيِّراً لك جداً ومُتعباً إلى درجة تصيبك بالدهشة والتيه، لاسيما إذا كان الموضوع مهماً جداً.
لا تزال النزاعات بين الأديان والمذاهب مستمرَّةً منذ قرون، وفي العقود الأخيرة وبفضل تقدّم العلم والتكنولوجيا، والنمو الكبير للاقتصاد وتطور وسائل الطباعة والنشر، اشتدَّ زَخَم دعوة كثير من الأديان والمذاهب والمدارس العقائدية والفكرية ودعايتها وبلغت مُستوى واسعاً وقوياً جداً، على نحو خلق في أذهان الكثيرين -بمن فيهم أصحاب الفكر والمُطالعة - مئات الشُّبُهات والإشكالات.
أحد أقوى هذه المذاهب العقائدية مذهب الشيعة الاثني عشرية، رغم أن أتباعه لا يُشكِّلون أكثر من خمسة بالمئة (5 %) من مجموع مسلمي العالَم إلا أنهم بسبب امتلاكهم لإمكانات سياسية واقتصادية هائلة أقاموا زوبعةً من الدعايات والتبليغات والشائعات والشُّبُهات لعلها كانت مدهشة لأصحابها أنفسهم. يتعلَّق جانب من هذه الدعوة والدعاية بموضوع ما يصطلحون عليه بعبارة «الاستبصار» [والمقصود من الاستبصار: الانتقال من مذهب أهل السنة والاهتداء إلى مذهب الشيعة الاثني عشرية]. إذْ يدَّعي دُعاة ومُبلِّغو المذهب الاثني عشري جُزافاً أن عدداً من الشخصيات العلمية البارزة من أهل السُّنة رجعوا عن عقيدتهم وآمنوا بالمذهب الاثني عشري، ولكن مهما بحثنا لا نجد على ذلك الادعاء سنداً ودليلاً قاطعاً، فأحياناً يستبصر شخص مصري أو أردني وأحياناً يستبصر آسيوي أو أوروبي أو أفريقي، ولا يكون من الناس العاديين بل من العلماء والمُثقفين، والمُثِير أن هذه الفتوحات الباهرة! تتمُّ تحت شعار الوحدة الإسلامية والتقليد بين المذاهب!
في هذا الإسلام الأصيل! تناقضات كثيرة، هذه واحدة! وإذا كان الأمرُ موضوعَ وحدة وتقريب فما هذه الادِّعاءات؟! إن كان الهدف والبرنامج المُتَّبَع هو «استبصار» أهل السنة فما معنى شعار الوحدة والتقريب؟! ولو كانت تلك الادِّعاءات صحيحة لكان لهذا التناقض بين الشعار والتطبيق أيضاً شيء من الأهمية على أقل تقدير، ولكن أين الاستبصار وهداية العلماء والشخصيات البارزة من أهل السنة؟! لقد سمح بضعة أشخاص مجهولين لا تُعَرف لهم هوية لأنفسهم بهذا الأمر، فصنعوا منهم موضوعاً وكأنهم قد اهتدوا، أو قبل عدد من الأفراد العاديين والعوام في البلد الأفريقي أو الآسيوي الفلاني بالتشيُّع الإمامي وحتى أحياناً بالتنصّر لأجل سدّ الرمق والهروب من ظروف المعيشة الفقيرة الصعبة! ولكن أين «استبصار» علماء أهل السنة وشخصياتهم البارزة؟!
على العكس من ذلك فإن كثيراً من الشخصيات الكبيرة والحقيقية ذات العلم والمعرفة والعقل والمنطق ولَّت ظهرها للخرافات واختارت طريق الحق. ويسعى قومهم إلى التعتيم عليهم وإبقائهم مجهولين للناس تماماً، وأن لا يصل إلى الناس أيُّ أثر من مؤلفاتهم وأقوالهم.
وإنها لحقيقة واقعة أن هذه الشخصيات الجليلة التي انتقلت عن التشيع إلى مذهب أهل السنة[1] لم یکونوا علماء فحسب بل هم مثل سائر أهل السنة كانوا ولا زالوا يدعون إلى الوحدة الإسلامية الحقيقية، وإضافةً إلى آية الله السيد أبوالفضل بن الرضا البرقعي القمي مؤلف الكتاب الحاضر الذي ستتعرَّفون عليه من خلال ما كتبه بقلمه عن نفسه فإننا نُعرِّف فيما يلي -كنموذج- بعدد من هذه الشخصيات:
1- آية الله السيد على أصغر بنابي التبريزي.
2- العلامة السيد إسماعيل آل إسحاق خوئيني الزنجاني.
3- الأستاذ حيدر علي قلمداران القمي.
4- آية الله شريعت سنگلجي الطهراني.
5- الدكتور يوسف شعار التبريزي.
6- المهندس محمد حسين برازنده المشهدي.
7- حُجّة الإسلام الدكتور مرتضى رادمهر الطهراني.
8- علي رضا محمدي الطهراني.
9- الأستاذ علي محمد قضيبي البحريني.
10- آية الله العظمى محمد بن محمد مهدي الخالصي العراقي.
11- آية الله أسد الله خرقاني.
12- الدكتور صادق تقوي، الأستاذ الصادق في جامعة طهران.
13- الدكتور علي مظفريان الشيرازي.
وهذه الشخصيات جميعُها تقريباً تركت لنا آثاراً علميةً وأبحاثاً ومؤلفات. نأمل أن يحكم القُرَّاء الأعزَّاء بأنفسهم بعد قراءتهم لهذا الكتاب: ما هو الحق؟ ومن هو الباحث عن الحقيقة؟ ومن الذين يجب عليهم أن يسلكوا طريق «الاستبصار»!
بيد أنَّنا نرجو من أتباع المذهب الشيعي الاثني عشري ودعاتهم، بكل صدق وإخلاص، أن يكفُّوا عن لعن صحابة رسول الله ص والبراءة منهم رضي الله عنهم أجمعين، لأجل تحقيق الوحدة الواقعية بين المسلمين، وأن يصرفوا النظر عن التبليغ السلبي وعن حَرْفِ أهل السنة عن مذهبهم، كي تستطيع أمة الإسلام جميعها أن تقف بقوة وصلابة أمام أعداء الإسلام وتُدافع عن المُقدَّسات الإسلامية.
أما إذا أصرُّوا -تحت حُجَّة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب- على حرف بعض المسلمين من أهل السنة غير المُطَّلعين والبُسطاء وذوي النيَّة الحسنة عن مذهبهم الأصيل وإبعادهم عن عقائد أهل السنة وجذبهم نحو مذهب التشيع الاثني عشري، فليتأكَّدوا أن المسلمين سيطَّلعون على هذا الأمر ويُدركونه وعندئذ فإن كل مساعيهم وجهودهم ستذهب أدراج الرياح.
نأمل من عقلاء هذا المذهب أن يعتمدوا الصدق والصراحة والأمانة مع المسلمين وأن يسعوا إلى الوحدة العملية والحقيقية بين المسلمين وأن يمنعوا النشطاء العاطفيين من بينهم عما يقومون به، لأن مصلحة الأمة الإسلامية العليا أهم من مصلحة مذهب أو طائفة، ولا يُمكن للوحدة والاتِّحاد أن يتحققا مع السبِّ والإهانة واللعن والبراءة والتبليغات الشيعية بين أهل السنة.
المصحح
[1] أقول (المُتَرْجِمُ): هؤلاء العلماء أو الأساتذة الفضلاء الذين ذكرهم الناشر لم ينتقلوا في الواقع إلى مذهب أهل السنة بالمعنى المذهبي للكلمة، بل نبذوا -بنسب متفاوتة- كل العقائد المغالية والخرافية والبدع والأعمال المشوبة بالشرك التي شاعت لدى عامة الإمامية، وحاربوها وانتقدوها مع احتفاظ أغلبهم بما هو أصيل لا يتعارض مع القرآن والتوحيد من أصول التشيُّع القديم. فهم في الواقع رجعوا عن التشيع الإمامي المغالي إما إلى إسلام بلا مذاهب، أو إلى إسلام قرآني، أو حتى إلى تشيع إمامي معتدل توحيدي بعيد عن مناحي الغلو والأعمال المشوبة بالشرك. (يُرَاجَع في ذلك كتاب: «أعلام التصحيح والاعتدال، مناهجهم وآراؤهم»، تأليف الأستاذ خالد بن محمد البديوي).
الْحـَمْدُ لِـلَّهِ الذي منَّ عليَّ بتمييز الحق من الباطل وأرشدني إليه سبحانه[2].
الْحـَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا الله، إلهي أنت دللتني عليك ولولا أنت لم أدرِ ما أنت. والصلاة والسلام بلا عدّ ولا حدود على الرسول المحمود محمد المصطفى ص وأصحابه وأتباعه الذين اتَّبعوه بإحسان إلى يوم لقائه.
وبعد، فإن عدداً من الأحبة وإخواني في العقيدة والفكر أصرُّوا على هذا العبد الفقير سيد أبوالفضل ابن الرضا البرقعي أن أكتب ترجمةً لسيرة حياتي وأُسجِّل ضمن ذلك عقائدي كي لا يتمكَّن المُفترون من تلفيق التهم لي بعد موتي. لأن كل من يحارب العقائد الخرافية لمُدّعي التقوى والمُتظاهرين بالعلم، يصبح له أعداء كثيرون، أعداء لا يتورَّعون - عندما يرون شخصاً مُخالفاً لعقائدهم - عن تكفيره وتفسيقه وكَيْلِ كلِّ نَوْعٍ من الاتِّهَامَات له، بل يرون في ذلك عملاً شرعياً يُثابون عليه!! وقد وضعوا بالطبع في كتب الحديث أحاديث تُحلِّل لهم مثل هذا العمل، على نحوٍ لو اطَّلعَ عليها شخص قليل المعرفة لظنَّها أحاديث صحيحةً!
وعلى كل حال إنني أرى نفسي ذرَّةً ضئيلة الشأن، لا أستحق أن تُكْتَبَ عنِّي سيرة وتاريخ حياة، ولكنني أرى تلبية طلب الأصدقاء والأحباب وعدم ردِّ طلبهم أمراً واجباً عليّ، لذا سأكتب لهم باختصار جانباً من سيرة حياتي، رغم أنني أشرت إلى جوانب من ذلك في بعض مؤلفاتي وأنا مضطر هنا إلى تكرار بعض تلك المطالب لأهميتها.
[2] أيها القراء الكرام! من الجدير بالذكر أننا رأينا من اللازم أن نُعرِّف بمؤلف هذا الكتاب آية الله العظمى سيد أبو الفضل بن الرضا البرقعي القمي بقلمه ذاته، لذا اخترنا بعض المطالب المُتفرِّقة من كتاب سيرته الذاتية الموسوم بـ «سوانح ايام» أو «الذكريات»، الذي ألَّفه بنفسه ودوَّن فيه كل سيرة حياته، لعلَّنا إن شاء الله نتمكَّن من التعرُّف الصحيح على هذه الشخصية الجليلة، ونُؤكِّد في هذا المقام أنه للتعرّف التام على هذه الشخصية الإيرانية المجهولة لا بُدَّ من قراءة كتبه الأخرى لاسيما كتابه «سوانح الأيام» [الناشر]
اِعْلَم أن كاتب هذه السطور من أهل مدينة «قم»، وأن آبائي وأجدادي عاشوا في هذه المدينة منذ ثلاثين جيلاً، وجدي الأعلى الذي جاء إلى «قم» وتوقف فيها هو «موسى المُبَرْقَع» ابن الإمام محمد تقي بن حضرة علي بن موسى الرضا ÷ وقبره اليوم في «قم» معروف ومشهور، ولما كانت سلسلة نسبي تصل إلى موسى المُبرقع أُطلق على أسرتي اسم: «البُرقعي»، وبما أن النسب يصل أيضاً إلى حضرة الرضا أُطلق على الأسرة أيضاً لقب «الرضوي» أو «ابن الرضا» ولهذا السبب اخترت أن تكون نسبتي في البطاقة الشخصية «ابن الرضا».
أما شجرة نسبي، كما ذُكِرَت في كتب الأنساب والمُشجَّرات وكما كتبتُها في أحد مؤلفاتي المُسمَّى بـ «تراجم الرجال» في باب الألف، فهي كما يلي: أبوالفضل بن الحسن بن أحمد بن رضي الدين بن مير يحيى بن مير ميران بن أميران الأول بن مير صفي الدين بن مير أبو القاسم بن مير يحيى بن السيد مُحسن الرضوي - وكان كبير وجهاء أهل مشهد الرضا وأشهر أعلامها في وقته-ابن رضي الدين بن فخر الدين علي بن رضي الدين حسين بادشاه بن أبي القاسم علي بن أبي علي محمد بن أحمد بن محمد الأعرج ابن أحمد بن موسى المُبرقع، ابن الإمام محمد الجواد رضي اللهُ عن آبائي وغفر اللهُ لي ولهم.
أما والدي السيد حسن فقد كان فقیراً معرضاً عن الدنيا وكان من أزهد الناس، معتمداً في قوته حتى آخر أيامه على عمل يده، فكان يعمل في فصل الشتاء البارد وفي جو الصقيع حتى وهو شيخ كبير. إلا أنه كان سعيدَ الحال، دائم البشر والسرور، يُحبُّ السَّهَر، وكان من أهل العبادة، وكان مع قلة ذات يده جواداً متواضعاً.
وأما جدِّي الأول، أي والدُ أبي، السيد أحمد، فقد كان عالماً بارزاً، ومجتهداً معروفاً، ولكنه لم يكن يحب الظهور، وهو من أبرز التلاميذ الذين اعتنى بهم الميرزا الشيرازي[3] صاحب فتوى تحريم التبغ، وكما بينت في كتابي "تراجم الرجال"، عاد جدِّي -بعد بلوغه درجة الاجتهاد- من سامراء إلى قم وأصبح مرجع الناس فيها في أمور الدين والقضاء الشرعي والفصل بين الناس في الخصومات، وكان أثاث منزله متواضعاً كحال سلمان، وبعيداً عن الثراء كحال أبي ذر، لا ينتظر من أحدٍ درهماً ولا ديناراً.
[3] هو السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي، مرجع الشيعة الإمامية ورئيس الطائفة الأبرز في عصـره، واعتُبر لديهم مجدد المذهب في القرن الرابع عشر، واشتُهر بإصداره فتوى تحريم التنباك (التبغ) لإحباط اتفاقية (التنباك) بين حكومة ملك إيران ناصر الدين شاه وشركة ريجي البريطانية التي كانت ستؤدي إلى بسط نفوذ بريطانيا التجاري والسياسي في إيران والإضرار بالشعب الإيراني. وقد أدى انصياع الناس الكامل لفتوى الميرزا في تحريم تدخين التنباك إلى تراجع الملك ناصر الدين شاه قاجار عن موقفه وإلغاء الاتفاقية. توفي الميزرا حسن الشيرازي في شعبان 1312هـ في سامراء وحمل إلى النجف ودفن فيها. (المُتَرْجِمُ)
وعلى كل حال لما كان أبي لا يملك من مال الدنيا شيئاً، لم يكن قادراً على الإنفاق على تعليمي وتربيتي، بل تمكنت من الدراسة بفضل سعي واهتمام والدتي التي أرسلتني إلى الكَتَّاب وكانت تُدبِّر أمرها بأيِّ طريق كانت لتُرسل كل شهر قسطاً شهرياً بقيمة ريال إلى المعلم كي يقبلني في صفه.
كانت أمي «سكينة سلطان» امرأةً عابدةً زاهدةً قنوعةً، والدها الحاج الشيخ: غلام رضا القمي -صاحب كتاب «رياض الحسيني»- كان واعظاً معروفاً. وكان المرحوم الشيخ غلام حسين الواعظ والمرحوم الشيخ علي المحرر خالاي. وكتاب «فائدة الممات» من مؤلفات الشيخ غلام حسين. وعلى كل حال كانت أمي امرأةً مُدَبِّرَةً جداً أنقذت أبناءها بتوفيق الله من المجاعة، وكان عمري في عام المجاعة- أي أيام الحرب العالمية الأولى حين دخلت القوات الروسية إيران- خمس سنوات.
لم يكن المعلم يهتم بي أثناء طفولتي وذهابي إلى الكَتَّاب، بل تعلَّمت القراءة والكتابة شيئاً فشيئاً من خلال الإصغاء إلى دروس الأطفال الآخرين.
كانت طريقة التعليم سابقاً تختلف عنها اليوم، حيث لم يكن المعلم يُدرِّس طلاب الغرفة الواحدة جميعاً، بل كان لكل طالب درسٌ يخصّه. ونظراً لضيق يد أهلي لم أكن أعطي المعلم القسط الشهري بشكل منتظم، ولهذا لم يكن لي درس يخُصّني مثل بقية الأطفال.. ومع ذلك تقدمت في التعلم بالجلوس قريباً منهم. ولم يكن لديَّ دفترٌ وأوراقٌ منظَّمةٌ أكتب عليها، لكنني كنت أستفيد من الأوراق التي يرميها أصحاب الدكاكين والعطارين، فإذا وجدت أحد وجهيّ الورقة أبيضَ أخذته لأكتب عليه. وعلى كل حال ينبغي عليَّ أن أحمد الله تعالى أن تعلمت في تلك الفترة قبل أن تنشأ الصفوف الحديثة ذات التكلفة الكبيرة؛ إذْ أصبح التعليم اليوم يتطلب من كل طالب شراء عديد من الدفاتر والكتب، فكيف كان لطالب فقير مثلي لم يكن يستطيع أن يشتري قلماً أو كراسة واحدةً، أن يدرس ويتعلَّم العلم؟
عندما أكملت تعلّم القراءة والكتابة الفارسية وقراءة القرآن صغيراً، قدم إلى قم عالم دينٍ يُدعى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي[4] - وكان من كبار علماء الشيعة آنذاك، وجاء إلى قم بدعوة من أهلها بعد أن كان مقيماً في مدينة أراك، وقام بفتح حوزة لطلاب العلم. وكان لي من العُمْر حينذاك 12 عاماً، فعزمت على الالتحاق بدروس هذه الحوزة، فذهبتُ إلى المدرسة الرضوية الواقعة في سوق مدينة قم القديم حتى أحصل على حجرة فيها وأشتغل هناك بدراسة العلوم الشرعية.
كان المسؤول عن المدرسة سيدًا يُدعى "سيد محمد الصحَّاف" وكان ابن خالة والدتي، فتقدمت لأحصل على حجرة خاصة مثل بقية الطلاب، ولكنني لم أحظ بذلك نظراً لصغر سنّي، بل أعطوني إيواناً صغيراً جدًا في أحد زوايا المدرسة يشبه ممراً أو ردهةً طولها متر وعرضها متر، كان خادم المدرسة يضع فيها مكنسته ودَلْوَه، وأكرمني خادم المدرسة بأن وضع لهذه الردهة الصغيرة باباً مكسوراً، وأحضرت من منزل والدتي بساطاً صغيراً فرشته في أرض الردهة، وانصرفت إلى تحصيل العلوم ليلاً ونهاراً في هذه الحجرة المحقَّرة التي لم تكن تقيني من حر الصيف ولا من برد الشتاء بسبب بابها المتهالك والفُرَج العديدة التي في جنباتها.
وعلى كل حال بقيتُ في تلك الغرفة المتواضعة ما يقرب من سنتين، وفي طول هذه المدة لم يتهيأ لي مَنْ يساعدني في تحصيل نفقتي، لا من أقاربي ولا من غيرهم، فكنت أعمل أحياناً لدى بعض التجار أو العلافين لكي أوفِّر الضـروريات لأواصل التحصيل، حتى يسـّر الله لي أن أتعلم النحو والصرف، فقرأت كتاب المغني وكتاب الجامي، وتقدمت للاختبار لدى الحاج عبد الكريم الحائري وآخرين، فنجحت بتفوق، فكافأني الشيخ بتخصيص راتب شهري قدره خمسة ريالات ولكنها لم تكن كافية لسد حاجاتي الضرورية، فطلبت من بعضهم أن يشفعوا لي عند الشيخ الحائري حتى يزيد مرتبي بما يكفيني، فقبل ذلك ورفع مرتبي إلى ثمانية ريالات. فقررت أن أقنع بتلك الريالات الثمانية وأن أواصل الدراسة، ولكي يكفيني هذا الراتب الشهري كنت أعطي الخباز أربعة ريالات ونصف لآخذ منه يومياً رغيفاً ونصفاً من خبز الشعير -حيث كانت العشرة الأرغفة من الخبز بريال- فقررت أن أصرف أربعة ريالات ونصف في الشهر لشراء الخبز وكنت أشتري كمية من الخوخ المجفف بريالين، فإذا أردت أن آكل شيئاً منها أضعها في ماء ثم آكله وأشرب عصيره مع خبز الشعير، فتكفيني هذه الكمية شهراً كاملاً. كما كنت أدّخر ما بقي - وهو ريال ونصف - لمصاريف الحمام، فتكفيني للاستحمام أربع مرات في كل شهر.
بهذه الطريقة دبرت أمري، وداومت على التحصيل مدّةً حتى وصلت إلى مرحلة الخارج، وتعلمت الفقه والأصول، كما كنت أثناء التحصيل أدرّس بعض الطلاب المبتدئين مقررات مرحلة المقدمات (الفقه، الأصول، الصـرف، النحو والمنطق) من حفظي ودون امتلاك الكتب اللازمة، وبهذا صرت شيئاً فشيئاً في مصافّ مدرِّسي الحوزة.
[4] آية الله الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، مؤسس الحوزة العلمية في قم سنة 1340هـ، التي أصبحت أكبر حوزة علمية في إيران وتخرج منها معظم المراجع والعلماء والفضلاء المعاصرين. ولد سنة 1276هـ في يزد وتوفي سنة 1355هـ، وكان من أبرز مراجع الشيعة الإمامية في عصره، من آثاره حاشية العروة الوثقى، ودرر الفوائد في الأصول، وصلاة الجمعة، ورسالة في الاجتهاد والتقليد. (المُتَرْجِمُ)
• علاوة على هذا ولأني كنت في شبابي وفي أيام التحصيل أدرس مع آية الله السيد كاظم شريعتمداري، وكانت لي علاقة جيدة معه أيام إقامتي في قم، ولم أكن أظن أنه لن ينصفني يوماً ما، فقد كان يدافع عني قبل صدور كتابي: «درس حول الولاية»، والأهم من ذلك أنه كتب تأييداً وتزكية لي، واعتبر تصرفاتي في الأمور الشرعية مُجازةً، وحتى بعد صدور كتابي: «درس حول الولاية»، لزم الصمت. وبسبب الرابطة القديمة التي كانت بيني وبينه، فقد طبعتُ ووزعتُ جوابه على استفتاء صدر منه حول هذا الموضوع، فطبعت الفتوى على بطاقة صغيرة، وكنت أعطي هذه البطاقة كلَّ من يأتي إلى المسجد أو إلى منزلي.
• كما كتب آية الله الحاج ذبيح الله محلاتي جواباً عن سؤال الناس حول كتابي: «درس حول الولاية» قال فيه:
قد قرأتُ كتاب «درس حول الولاية» لحجة الإسلام العالم العدل السيد البرقعي، فرأيت عقيدته صحيحةً، ورأيت أنه لا يروّج للوهابية إطلاقاً، وكلام الناس فيه اتهام باطل، فاتَّقوا الله حق تقاته، فإن السيد البرقعي إنما يرد على أقوال ضالة، نحو قول بعضهم:
«إذا فَنِيَ العالم فإنما يفنيه عليٌّ وإذا قامت القيامة فإنما يقيمها عليٌّ»
وأنا أيضاً أقول: إن هذا الشعر باطل.
توقيع محلاتي
• كما كتب السيد علي مشكيني النجفي يقول:
أنا علي مشكيني قد طالعتُ الكتاب المستطاب «درسٌ حول الولاية» وسُرِرْتُ بمضامينه العالية التي تتطابق مع العقل السليم ومنطق الدين.
التوقيع علي مشكيني.
• كما كتب السيد حجة الإسلام سيد وحيد الدين مرعشي النجفي يقول:
باسمه تعالى
السيد العلامة البرقعي -دامت إفاضاته العالية- شخص مجتهد وعادل وإمامي المذهب، وبناءً على القول المعروف: «إن كتاب المرء وتأليفه دليل عقله ومرآة عقيدته» فهو قد كتب مضامين عاليةً جداً حول مكانة وشأن أمير المؤمنين عليه السلام وسائر أئمة الهدى عليهم السلام في كتاب «عقل ودين» وكتاب «تراجم الرجال» الذي طُبع مؤخراً، وفي جميع كتبه الأخرى، وما أثاره عليه الأشخاص المغرضون والمتسرِّعون والمتعصِّبون الذين لم يدرسوا كتابه المستطاب: «درسٌ حول الولاية» فهم بعيدون في ذلك عن الإيمان، ويجحفون السيد المعظَّم حقَّه، وكلامهم ليس له تأثير على العلماء والعقلاء. وويل لمن آذى هذه الذرية الطاهرة من أحفاد أئمة الهدى عليهم السلام الذي عنده تصدیق الاجتهاد من عددٍ من المراجع، وهؤلاء إنما يتهمون ويفترون على شخص مسلم بل وعالم فقيه. وقد قال الحقّ تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ١٩﴾ [النور:١٩].
خادم الشرع المبين: السيد وحيد الدين المرعشي النجفي.
بتاريخ شهر ذي القعدة الحرام 1389 هـ شمسي، المطابق لـ 22/10/1348 هـ. قمري)
• وكان آية الله الخوئي يعرفني جيداً، وأذكر أنني لما كنت أحاضر في النجف، وكنت وقتها مبتلى بالطبع بخرافات الحوزة، كان يعجبه كلامي كثيراً، ولشدة تأييده وإظهار رضاه عني كان يقبلني بعد نزولي من المنبر.
• وكان السيد الشاهرودي أيضاً يُشجِّعُني ويَمدحُني كثيراً. حتى أنه عندما نشأت في النجف بعض المجموعات الباطلة المتبعة لآراء الفلاسفة حين أبدى بعض الطلاب حرصهم على تعلم الفلسفة، فطلب مني مراجع النجف أن ألقي محاضرات على طلاب تلك المنطقة الذي كان أكثرهم لا يعلمون تعارض الفلسفة مع تعاليم القرآن والسنة بسبب عدم تضلعهم بهما، لهذا السبب كان آية الله شاهرودي يبسط لي بساطاً في ساحة منزله، ويطلب مني أن أبيّن للطلاب المسائل الاعتقادية، وقد قبلتُ طلبه وأخذت أبيِّنُ الحقائق للطلاب، وكان يُظْهِرُ رضاه ويحترمني وَيُـجِلُّني كثيراً، لكنني لما حاربت الخرافات في هذه الأيام الأخيرة، تخلَّى عنِّي كل من كان يعرفني سابقاً ويعرف سوابقي العلمية، وسكتوا وتركوني وحيداً في الميدان، بل قام بعضهم بمخالفتي ومعارضتي.
• بعد أن سقطت حكومة الشاه و وصل السيد الخميني إلى سُدَّة الحكم أردت أن أتَّصل به، لأننا كنا أيام الشباب لمدة قرابة ثلاثين عاماً زملاء دراسة فقد درسنا في حوزة علمية واحدة، وكان يعرفني جيداً، وقبل عودته إلى إيران وتعرُّفه على أحوال إيران وأوضاعها الجديدة وأوضاع المعمَّمين فيها، ذَكَرَني في إحدى كلماته تلميحاً ولم يجرؤ على ذكر اسمي صراحةً، وذلك في الكلمة التي ألقاها بعد وفاة ابنه الكبير آية الله الحاج السيد مصطفى الخميني، (وقد نُشِرَ نص تلك الكلمة في الصفحة 9 من صحيفة كيهان في عددها الصادر بتاريخ الخميس الأول من شهر آبان سنة 1356هـ ش [الموافق أكتوبر 1978م]، وقال فيها: «لديَّ عتابٌ على السادة العلماء الأعلام! فهم غافلون عن كثير من الأمور، ولبساطة قلوبهم يتأثرون بسرعة بدعايات النظام الحاكم المغرضة، التي تسعى إلى شغل أذهانهم ليغفلوا عن الأمر العظيم الذي نحن الآن جميعاً مبتلون به! إن هناك أياد خفيَّة تسعى لإغفال العلماء، أي هناك أيادٍ تصطنع قضيةً ما ثم تثير حولها لغطاً وضجَّةً، ففي كل فترةٍ تُطرح قضيةٌ في إيران، تستنزف أوقات جميع الوُعَّاظ المحترمين والعُلَمَاء الأعلام في أمور بسيطة، بدلاً من صرفها في قضايا الإسلام السياسية والاجتماعية! يصرفون أوقاتهم حول أن زيداً كافر أو أن عَمْرواً مرتدٌّ، وأن ذلك وهّابيٌّ! ويقولون عن عالم تعب في تحصيل العلم خمسين سنة وفقهُهُ أفضل من فقه معظم الموجودين الآن وهو أكثر فقهاً منهم، إنه وهابي! هذا خطأ، لا تُبْعِدوا الناس عنكم. لا تطردوا الناس من حولكم الواحد تلو الآخر! لا تقولوا هذا وهابي وهذا لا دين له، وهذا لست أدري ماذا! (إن فعلتم هذا) فماذا سيبقى لكم؟!".
• عندما سمع السيد الخميني اسمي أظهر احتراماً كبيراً لابنتي وأخذ الرسالة وذهب بها، ورجعت ابنتي إلى داخل الغرفة لتودِّع عياله، فقالت زوجته لابنتي: نحن سنأخذ جواب الرسالة من السيد ونأتيكم به في طهران. وبعد مدَّةٍ جاءت السيدة ثقفي (حماة السيد الخميني) إلى طهران، وزارت ابنتي، لكن لم يكن معها أي جواب سوى أنها قالت: قال السيد لما رأى رسالة والدكم: «إن السيد البرقعي مجتهد بنفسه وصاحب نظر، لكنه غير قادر على تأليف الناس حوله وتربية الأتباع».
• والشيخ الآخر آية الله طالقاني، فقد ذهبتُ لزيارته بعد أن أُطْلِقَ سراحه من السجن في أوائل الثورة، ولما كنت عنده قَرَّب رأسه مني وَهَمَسَ في أذني: آراؤكم كلُّها حقٌّ ولكن لا يصلح هذا الوقت لبيان هذه الحقائق! وأنا على يقين أنه سيسأل في الآخرة: إذن متى يصلح أن تُبَيِّنَ الحقائق؟
• لا أدري هل وصل البيان الذي وزَّعْتُهُ إلى يد السيد بازركان أم لا؟! وعلى كل حال، في أيام النقاهة التي كنت أقضيها في المنزل، جاء لعيادتي المهندس مهدي بازركان، والدكتور الصدر، والمهندس توسلي، وبعد أن عرضت عليهم حالتي وأخبرتهم بما حدث لي، أريتهم وجهي وقلت لهم: هل رأيتم ما فعل بي التقليد؟! انظروا إلى هذا المقلِّد الأعمى كيف تحرَّك وأراد قتلي دون أن يسأل من أمروه بذلك عن دليل جواز قتلي! أنا أنصحكم أنتم وأصدقاءكم نصيحة صادقة: اتركوا تقليد الشيوخ.
• كان ابني يعلم أن السيد موسوي الأردبيلي يعرفني جيداً. وفي أيام الشباب عندما كنت أخطب من المنبر في مدينة أنزلي كان يصعد المنبر ويخطب بعدي.
• كما أرسلوا نسخة عن هذه الرسالة إلى السيد محمد إمامي كاشاني، وكان ممن يظهر حبه الشديد لي قبل أن أشتغل بمحاربة الخرافات.
• كان ابني أثناء دراسته العلوم الدينية جاراً مدةً من الزمن لمحمد محمدي ري شهري وكانت حجرة الأخير مجاورة لحجرة ابني في مدرسة الحجتية أيام طلبهما للعلم، وكان «ري شهري» يعرف ابني.
• من لطيف تقدير الله أني ذهبت يوم الجمعة لزيارة أحد أقاربي وتعزيته واسمه: آية الله فيض، وكان من أهل قم ويدّعي المرجعية أيضاً، وكان عنده مجلس عزاء، ولما وصلت عنده عزيته وسليته، والغريب أنه كان قبل ذلك يظهر الملاطفة لي، إلا أنه قابلني في هذه المرة بوجه عبوس وملامحه تدل على أنه غير راض عني، فقلت: هل بدا لك شيء مني حتى تقابلني بوجهك العبوس؟! فقال: في الحقيقة لم أكن أتوقع منك ما حدث. قلت: وماذا حدث؟ فقال: لقد أزعجتني رسالتكم التي هددتني فيها بتشويه سمعتي في أسواق قم إذا طرحت شخصاً غير البروجردي لمنصب المرجعية! فقلت له: لا علم لي بهذه الرسالة، وهي مُزَوَّرة، وحتى لو كان بخطي توقيعي فهي مُزَوَّرة، وحلفت له حتى صدَّق كلامي. بعد انتهاء المجلس خرجت من عنده وأنا مصاب بالذهول من الطريقة والأسلوب الجديد في تعيين المرجع بالقوة والتهديد، وقد تأكدت أن أيادي خفيَّة تلعب دوراً في تعيين المرجعیة، وأن أمر اختيار المرجعية ليس بالبساطة التي كنت أتصورها بل هو ألعوبة بيد بعض اللاعبين وعلمت من خلال بعض القضايا التي حدثت بعد ذلك أن يداً خفية فرضت مرجعية السيد البروجردي، واستفادت من وجوده في هذا المقام.
• في عام 1328 هـ ش (الموافق 1950م) في الفترة التي كان فيها أحمد قوام رئيساً للوزراء، أراد آية الله الكاشاني الدخول في تعديل نظام الانتخابات حتى يقلّ عدد الوكلاء المعينين من قِبَل الدولة في المجلس، وكنت من أصدقاء آية الله الكاشاني المقربين، وكنت إذا جئت في الشتاء إلى طهران أنزل عنده في المنزل، وقد قال لي في تلك السنة: اذهب واستأجر سيارةً لنا لكي نسافر إلى خراسان، فتأهبت لذلك وحضر معنا الشيخ السيد محمد باقر كمري وشخصان آخران، فصرنا مع أحد أبنائه ستة أشخاص، فتحركنا إلى مشهد، وقتها كانت الدولة خائفة من سفرنا خشية أن نشجع الناس على انتخاب أناس صالحين في مجالس الانتخابات، ولهذا لما تحركنا كان الناس في القرى والمدن يستقبلوننا في الطريق، وفي مقابل ذلك أوعزت الدولة إلى المسؤولين بأن يعطلونا ويقدِّموا للدولة أيَّ ذريعة لإعادة آية الله الكاشاني إلى طهران.
• لما رأى الضابط والحاضرون كتابي هذا قالوا: أحسنت. وأخذوا كتابي ثم رجعوا في اليوم الثاني وأخبرونا أنَّ الشاه أمر بإطلاق سراح الشيخ القمي.
• في الغرفة الملاصقة لغرفتنا (في السجن أيام الشاه) كان هناك عدد من أتباع حزب توده ومن الشيوعيين، فأرسلوا لي رسالة بأنهم يريدون أن يلتقوا بي فوافقتُ، فقال بعض الذين معنا -ولم يكونوا من علماء الدين-: نخشى أن نُتَّهَمَ بأننا شيوعيون إذا جالسناهم، فقلت: من سيتهمكم؟ لا تخافوا من أحد، دعوهم ليأتوا إلينا. وأيا كان فقد جاؤوا وأبدوا فرحهم لأنهم وجدوا عالماً شجاعاً يعارض الاستبداد والدكتاتورية. حاورناهم بكل لطف وتودُّد، وكانت لديهم تساؤلات وإشكالات حول بعض قوانين الإسلام فأجبناهم عنها.
• عندما أنزلونا في منطقة توبخانة (أحد أحياء طهران) ودّعتُ من كان معنا ثم ذهبتُ إلى منزل السيد الكاشاني، وكان السيد مجتهداً شجاعاً ونبيهاً، ومع أنه كان قد أُبعد من البلاد إلى لبنان إلا أن أسرته رحَّبَتْ بي وفرحوا بمجيئي إليهم فرحاً كبيراً. في تلك السنوات كان جميع العلماء بعيدين عن السياسة، وينأون بأنفسهم عن أي أمر يتعلق بالسياسة وأمور الحكم في البلاد، وإذا وُجِد شخص مثل السيد الكاشاني أو العبد الفقير (كاتب هذه السطور) ممن يناضل ضد الاستبداد والدكتاتورية، لم يكن يحظَى بمحبّة الناس كثيراً. وأساساً كان الشعب الإيراني وإيران ذاتها في تلك السنوات مثل المقبرة التي مصيرها بيد حفاري القبور يفعلون بها وبالموتى ما يشاؤون! وكان رجل من طراز الكاشاني وحيداً في نضاله يواجه المصاعب الكثيرة والسجن مرات عديدة، هكذا عشنا تلك الأيام إلى أن بدأت تنشأ في إيران موجة من التحرُّك والصحوة الشعبية، ولم تكن قبل الكاشاني جبهة وطنية ولا غير وطنية أصلاً، ولم يكن الشعب يعرف المرحوم «مُصدِّق» سوى أفراد قلائل. هذا ولما كان السيد الكاشاني يسعى جاهداً كي يصل إلى مجلس الشورى الوطني «مجلس النوَّاب» نُوَّابٌ صالحون يريدون الخير للشعب، كان يُفتي بوجوب مشاركة الشباب في الانتخابات البرلمانية ودعمهم للنواب المستقيمين وانتخابهم، وحتى بعد أن أُبعد الكاشاني إلى لبنان كتب إليّ رسالةً من سجن لبنان قال فيها: "أيها السيد البرقعي! لا تجعل المسجد متجراً كما يفعل الشيوخ الآخرون، واسع في توعية الناس وإيقاظهم، ولا تسمع كلام من يقول: الشيخ الصالح هو من لا يشتغل بأوضاع الناس والسياسة، واجتهد في حث الناس على انتخاب «مُصدِّق»". في الحقيقة، حتى ذلك الوقت لم يكن الناس يعرفون من هو «مُصدِّق» إلى أن تحرك الكاشاني وأخذ يثني عليه ويوصي الناس وجميع أصدقائه بانتخاب الأفراد المستقيمين ومن جملتهم «مُصدِّق»، وهكذا وبفضل نشاط الكاشاني وكلماته ورسائله وجهد أتباعه [وعلى رأسهم آيت الله البرقعي ذاته] سمع الناس باسم «مُصدِّق» وعرفوه إلى حدٍّ ما. في أوقات الانتخابات كان أتباع السيد الكاشاني يبيتون في مراكز الانتخاب من أول الليل حتى الصباح حتى لا يحدث تلاعب بالصناديق وتبديلها فلا يصل الكاشاني و«مُصدِّق» إلى مجلس النواب، وكنا نحث الناس على انتخاب الكاشاني و«مُصدِّق» وبعض الأفراد من أنصارهما. إلى أن يسر الله وفاز هذان الرجلان بفضل نشاط مريدي الكاشاني في الانتخابات وصارا ممثلَيْن عن طهران في مجلس النوَّاب، فاضطرت الدولة إلى إطلاق سراح الكاشاني وسمحت له بالعودة من لبنان إلى إيران. ولما علم الناس بفوز الكاشاني، وأنه في طريق عودته من لبنان بالطائرة اجتمع الناس وتجمهروا على طول الطريق من مطار مهرآباد حتى باب منزله، وقمنا بترتيبات ليكون الاستقبال مناسباً لمقامه.
لم يلبث رضا شاه (الملك الأب المخلوع) أن تُوُفِّيَ في جزيرة موريس... ومن المشهور أنه كان يمشي في تلك الجزيرة ويردِّد الكلمات التي كان يسمعها ليل نهار أثناء حكمه: «صاحب الجلالة.. صاحب العظمة... صاحب الشوكة.. أيام وأي أيام! كان يتذكر أيام سلطنته، ويريد من ذلك أن الحواشي والناس كانوا أشخاصاً عُبَّاداً لأهوائهم ومتملِّقُون يسعون لرضاه لتحقيق مصالحهم ويقولون له يا صاحب الجلالة ويا صاحب القدرة.. فلما تُوُفِّي جاؤوا بجثته، وأمر ابنه بإقامة جنازة عظيمة له وبدفنه في مدينة قم، وطلبوا من كبار العلماء في قم الحضور ليصلوا عليه، وعلى رأسهم آية الله العظمى البروجردي، وكان من المراجع ومن طلاب الرئاسة والزعامة، إضافة إلى أنه كان مُحِبَّاً للملك وحاشيته ونُوَّاب المجلس النيابي، فصلى عليه؛ لأنه كان لا يمتنع عن أي عمل لحفظ رئاسته.
وقد دار في خلدي أن إقامة هذه الجنازة في الناس سيكون سبباً لاستمرار الفساد الديني والسياسي، فأخذت أفكر في عمل يكون مانعاً من تعظيم تلك الجنازة، وكنت آنذاك قد بلغت الخامسة والثلاثين، وأدرّس في حوزة قم، وكانت هناك جماعة من طلاب العلوم الدينية الشباب باسم: (فدائيي الإسلام) قد تعرفوا علي منذ عهد قريب ونشأت بيني وبينهم صداقة، وكانت أعمار معظم المنخرطين في هذه الجماعة تتراوح بين خمس عشرة سنة وخمس وعشرين، وكنت أشبه بالقائد لهم، وأصبح منزلي ملجأً لتجمعهم، وكان بعضهم ممن يدرسون عندي في الحوزة، وقد طرحت عليهم فكرة وضع عوائق أمام نجاح تكريم جثمان البهلوي (الأب)، فقالوا: اكتُبْ بياناً ونحن ننشره.
فكتبت منشوراً هدَّدتُ فيه بأن كل من يصلي على جثمان الشاه أو يشارك في تشييع جنازته يعمل ضد أحكام الشريعة وتعاليم الدين وأننا سنقوم باغتياله.
وقد كان لهذا المنشور أثر طيب في منع كثير من الناس من حضور التشييع، وحتى السيد البروجردي خاف من أن تلحقه بسبب خروجه إهانة أو أذى من أصحاب البيان، فعزموا على أن يعرفوا ناشري المنشور.
في الحقيقة لم يكن أحد يعلم مقرّ الجماعة المسماة: «فدائيو الإسلام»؛ لأنه لم يكن لأفرادها منزل معين في قم بل كانوا متناثرين في أماكن متفرّقة، وكان معظمهم يسكن في طهران، فلم يتوقع أحد أن يكونوا وراء ذلك العمل، كما لم يتوقع أحد أن يكون السيد أبوالفضل البرقعي القمّي هو الذي أعدَّ هذا البيان الحاد و وزَّعه. أضف إلى ذلك أنه عندما اقترب موعد وصول الجنازة كان المسؤولون في غاية الارتباك، مما كان سبباً في عدم ظهور مراسيم الجنازة بالصورة التي كانوا يريدون، وقد أقاموا مجلساً للعزاء في مسجد الإمام في قم. وكان هناك سيد باسم موسى الخوئي ينوي المشاركة بذلك المجلس، فأخذه أصدقاؤنا من جماعة «فدائيي الإسلام» وضربوه ضرباً مبرحاً حتى سال الدم من رأسه، مما جعل الدولة تصرف النظر عن فكرة دفن البهلوي في مدينة قم وتقرر دفنه في طهران، أما ماذا حدث في طهران بعد ذلك؟ لم أعرف لأنني لم أكن حاضراً هناك.
في الأيام التي اتَّحد فيها المشايخ المُراؤون والمتاجرون بالمذهب ضدِّي وعزموا على تشويه سمعتي و توسلوا بدولة الشاه وباستعمال القوة وإثارة الطغام ليسلبوا مني المسجد الذي كنت أؤمه [معبر دفتر وزير] وحاصروا منزلي وفقدت الأمن على حياتي، أنشدت الأبيات التالية: (ترجمتها):
حينما نوّر البرقعي طريق الحق، عَلِمَ أنه سيجعل أهل الضلالة أعداءً له
لا شك أن سلوك طریق الحق صعب.. وهو طريق وعر.. مليء بالأشواك
ولكن من أراد النعيم والعِزَّة عند الله فعليه أن يتحمل المشاق
رفع قُرَّاء المراثي المُضلِّلون للعوام والمُتلبِّسون زوراً بلباس أهل العلم عقيرتهم بلا حياء
وجاؤوا بحميرهم وتوحَّدوا في مسعاهم ضدنا
وأُغلق المسجد بفعل أهل الشر ومُثيري الفتنة وبقُوَّة الشرطة وبالرشوة بالذهب والفضة!
وافتُتح فيه حانوت لتنويم الناس وأصبح مركز عبادة الحق خرباً
وأصبحت قاعدة الدين والقرآن خربةً وحلَّ محلَّها مكان لرواية أكاذيب كل كتاب
قال البرقعي في نفسه: أيُّها اللبيب لقد ربحت تجارتك ولم تخسر مما قمت به.
لا تحزن فإن ما خسرته هنا قد ربحته في سبيل الحق
كل ما يأتي عليك فإن الله سيجعل لك منه مخرجاً فليس في فعل الحق لهو ولعب فاثبت ولا تتردد
إن صاحب المسجد ينظر إليك بعين رحمته فإن ذهب المسجد فصاحب المسجد معك
فاثبت على ما أنت عليه فإن ذهب المسجد فلا يهم ذلك
لقد أصبح المسجد دكاناً للكسب وأصبح المسجد زاويةً للصوفية
الأصل في المسجد أن يكون مكاناً لتجمُّع عبيد الحق. والمسجد مكان لدراسة القرآن والبحث فيه.
ليس المسجد مكاناً لكل «شِمر» و «سِنَان» وليس المسجد مكاناً للمدائح وقُرَّاء المراثي.
قراءة مراثي وقراءة مراثي وقراءة مراثي أصبح قارئ المراثي زميلاً في العمل لـ «شِمر» و«سِنان»
طهِّر دين الله من البدع. واقتدِ في ذلك بالإمام الهُمام الذي قيل عنه لا فتى إلا هو.
ليس الإمام من يجعل الدين حانوتاً إنما الإمام هو الذي يعمل في حديقة الأزهار العطرة
لم تستلم المسجد بسبب أهل الفتنة والشر والفساد. كما لم يكن ذلك الإمام (الإمام علي ÷) إماماً لأهل الزور.
لم يأكل ذلك الإمام من هذا المال الحرام. لم يأخذ من الخُمس أو سهم الإمام.
لم يكن ذلك الإمام إمام الفاسقين الجاهلين. بل كان إمام العلم والفضل والمعرفة.
لم تدعُ الآلهة الزائفة في دعائكَ، كما لم يدعُ ذلك الإمام أحداً سوى الله.
إن رُبَّان سفينةِ عالَمِ الإمكان واحدٌ (الله تعالى). إن قاضي الحاجات في العالَم واحدٌ فردٌ.
إن الأرض والهواء والماء كلها خاضعة له. إن الوجود كلَّه تابعٌ لأمره.
أعرِض أيُّها البرقعي عن الحُسَّاد الدنيئين الجاهلين. واثبت على الحق وكن حذراً.
***
• وقلت لأعدائي قصيدةً عنوانها (بلِّغوا رسالتنا للأعداء):
لتكن السعادة قرينةً لعدوِّنا. وليكونوا في عزٍّ كل يوم وليلة.
كل من اتَّهمنا بالكفر فلا تردّ عليه وليكن بين الناس مؤمناً.
من وضع في طريقنا شوكاً فيا ربّ انثر في طريقه الورود.
من حفر في طريقنا حفرةً فاجعل يا رب طريقه بستاناً من الزهور.
من أنكر علمنا وفضلنا، ندعو الله أن يزيد في مُلكه وماله.
كل من قال: إن البرقعي مجنون، فقل له: نحن مجانين فلتكن أنت واعياً ذكياً!
لسنا من أهل الحرب ولا الظلم ولا الزور. فليكن الحَكَم بيننا القادر الجبّار في يوم الحساب.
***
• كما أن الله ألهمني هذه الكلمات، عندما كنت في أشدِّ حالات ضعفي:
لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ إن كنتَ وحيداً لا رفيق لك فأنا ظهير كل من لا ظهر له فلا تغتم ولا تحزن.
لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ إن أصبحت وحيداً فأنا صديقك ومُعينك.
لا تيأس إن ذهب العالَم من يدك فلا تجعل لليأس سبيلاً إليك.
لا تيأس فأنا وَلِيُّكَ فأنا الحق وأنا مُدَبِّر العالَم معك.
اصرف نظرك عن الجميع إن لم يكن لك أنيس في هذا العالَم في الليل والنهار.
لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ فأنا مُؤنسك ومُمدك بمددي في كل مكان.
ليس للحق بديل فحتى لو لم يكن للحق سوق رائجة
لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ أظهر الحق فأنا رواج سوقك.
ما من أحد يُنقذك فإن لم يكن لك فرج
لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ وأنا الذي أجعل لك من كل ضيق مخرجاً ومن كل عسر فرجاً
إذا أتعبك الهمُّ والأذى والظلم فتوجه إليّ: فأنا من سيحميك فلا تغتم فأنا حسبك.
إن حزنك وغمَّك ليس من ذُلِّكَ إن ألمك وغمَّك ليس بلا حكمة وليس بلا سبب.
لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ أنا أدرى بمصلحتك وأنا غافر ذنبك وأنا حافظك.
إذا اقتلع السفهاء باب دارك وباب مسجدك
لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ واعلم أنني سأحفظ آثارك وأُبارك في أعمالك
كان هذا لولا أنني أُحِبُّ سماع صوتك في التضرع والبلاء
لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ أنا أطلب تضرُّعك وابتهالك في الليل المظلم
فكن عبداً حُرَّاً فإذا نفر الأراذل منك وانفضُّوا من حولك فلا تغتم.
لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ إني رفيقك وإني مُراقب لجهادك.
إن دمعت عينك أو حزن قلبك بسبب تفرُّق الناس عنك فأنا أمسح دموعك وأُطيِّب خاطرك ... فلا تحزن فأنا وليّك وناصرك
وإن كان قلبك حزيناً وثقُل الحِمل على قلبك وثقُل همُّك واشتدَّ ألمك
لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ فأنا الذي يدفع كل غمٍّ وحزن ويشفي كل صدر.
كن مع الله وإن لم يشترِ أحد دلالك فكن ضاحكاً
لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ ناجِ الله في سرِّك فأنا قريب منك سميع لك
بُح لي بمكنونات صدرك وإن ظُلِمْتَ وتعرَّضتَ لجور الأعداء واضطهادهم
لا تحزن فأنا وليّك وأنا القاضي بالحق والعدل ونصير المظلوم
إن سعيك أيُّها البرقعي هو في سبيل ذو المنن إن كان سعيك لأجله
لا تحزن فأنا وليّك أنا أقبل سعيك وأنشر أفكارك.
وقد نظمت قديماً قصيدةً حول أوضاع إيران في ذلك الزمن فيما يلي نصُّها:
(قصيدة بالفارسية من 24 بيت فيما يلي ترجمة معانيها بشكل نص نثري):
كان لي صديق عزيز وواعٍ وحسن الظن، قلت له: قل عن الإسلام ما تريد قوله، فقال: دينٌ من غير رجال دين خالٍ من كل قسيس وحِبر. فالنبيُّ المُصطفى لم يكن مُجتهداً بل كان أُميّاً، وعليّ المُرتضى ما كان شخصاً عاطلاً عن العمل يمتهن مهنة رجل الدين.
فسألته: فمن الذي يُرشد الناس إذن؟ ومن الذي يحفظ الدين؟ فقال: إن المُرشد هو القرآن وحفظ الدين واجب على الجميع. يجب على الجميع أن يتعلَّموا علم الدين فطلب العلم فريضة على كل مسلم. متى كان الهادي إلى الدين يتاجر بالدين ويشتري به؟! لم يكن الهادي إلى الدين كَلَّاً وعِبئاً على الناس.
إن الذين يبيعون الدين ويُتاجرون به لا يُمكنهم أن يكونوا هُداةً للناس ومُرشدين. إن الدين ليس حانوتاً للكسب. لو اجتنب الناس الاسترزاق من الدين كان دينهم في مأمن من الخداع والتضليل. لا يجوز أن يجعلوا من الدين سُلَّماً للوصول إلى مآرب سياسية، فإذا تخلوا عن ذلك كان دينهم عندئذٍ في مأمن من تحوله إلى دكان وحانوت للكسب.
لم تكن قيمة الحكومة لدى عَلِيٍّ أكثر من قيمة نعل مُهترئ. لقد كان أراضي ملكه هي قلوب الناس لا الحجاز ولا هولاندا أو بلغاريا.
فسألته عن دور الشيوخ فقال: إنهم عبء على أكتاف الناس. فسألته: فما عملهم؟ فقال: التكفير والحبس والقتل. إنهم سُكارى من خمر الغرور لا يفون بعهد. فسألته: فمن هم الحزب اللهية؟ فقال: هم الذين يُحيون رسم التتار. فسألته: فكيف حال البلاد؟ فقال: كالمريض بلا مُعالج ولا طبيب. فقلت له: فما هي الآثار التي استفدنا منها من ثورة شهر بهمن؟ فقال: نعم لقد كان من آثارها أضرار كثيرة أدَّت إلى وعي الناس ويقظتهم.
لقد بذل الناس أرواحهم وأموالهم أملاً في تنسُّم هواء الحرية ولكنهم خرجوا من حفرة ليقعوا في البئر. لقد زاد أَسْرُهُم (أي سجنهم) مئة ضعف.
لقد وقعوا في الفخ بسبب غفلتهم فلا نجاة لهم إلا باليقظة والوعي والانتباه.
فقلت له: متى يكون الخلاص؟ فقال: عند التضرع والابتهال إلى الله. على الجميع أن يطلبوا من الله أن يرفع عنهم هذه المصاعب والمشاكل.
عندما كنت هناك [في السجن] قمت بقراءة كتاب الغدير تأليف العلامة عبد الحسين الأميني التبريزي، من جديد ، إذْ كنتُ قد قرأته قبل سنوات عديدة، وأستطيع القول بكل تجرُّد وبدون أدنى تعصب بأن الذين قالوا بأنّ: "عمل الأميني في هذا الكتاب ليس سوى إضافة عدة أسانيد أخرى على سند حديث الغدير" قد صدقوا فيما قالوا. هذا الكتاب إن كان قادراً على خداع العوام والبُسطاء وقليلي المعرفة من غير المختصين، فهو غير قادر على خداع المطلعين المُنصفين الذين يدركون أنه ليس للكتاب أهمية علمية كبيرة، اللهم إلا أن يقوم بعض أهل الاختصاص بمدح الكتاب والثناء عليه تعصُّباً وتغريراً بالعوام، وفي نظري إن أستاذنا السيد أبا الحسن الأصفهاني كان مصيباً حين استفتوه في طباعة الكتاب من أموال الوجوه الشرعية (سهم الخمس) فلم يوافق، وأجابهم قائلاً: "إن صرف أموال سهم الإمام عليه السلام في طباعة كتاب شعر!! لعله لا يقع موقع رضا ذلك الإمام الجليل".
وقد استند هذا الكتاب على مصادر غير موثوقة، وأسانيد غير متصلة بصدر الإسلام، ولهذا لا قيمة له عند أهل التحقيق.
ورغم أن بعض احتجاجات الكتاب قد تمَّت الإجابة عنها قديماً إلا أن مؤلفه تجاهل ذلك وأعاد طرح الحجج ذاتها مرة أخرى! وأعتقد أن أهل الفن من الشيعة يدركون في قرارة أنفسهم أنه لا يمكن تقديم شيء مهم لصالح المذهب من خلال كتاب «الغدير». ولهذا السبب فإن الذين يمدحون الكتاب اليوم ويدافعون عنه من الذين بيدهم زمام الأمور في البلاد، لا يأذَنُون بأي حال من الأحوال بطباعة كتب أخرى [مخالفة له] مثل كتاب المحقق الكبير الأستاذ حيدر علي قلمداران: «شاهراه اتحاد يا بررسى نصوص امامت» [أي: طريق الاتحاد أو دراسة نصوص الإمامة]، أو كتاب: «الباقيات الصالحات» لأحد علماء الشيعة في شبه القارة الهندية، واسمه محمد عبد الشكور اللكهنوي[5] ، أو كتاب: «التحفة الاثني عشرية» تأليف عبد العزيز بن شاه ولي الله أحمد الدهلوي، أو الكُتَيِّب المختصر: «راز دلبران» [أي سر المحبوبين] تأليف السيد عبد الرحمن السربازي الذي كتبه إلى مؤسسة «در راه حق» [أي في سبيل الحق] في قم، أو كتاب «رهنمود سنت در ردِّ اهل بدعت»[6] [أي المرشد إلى السنة في الرد على أهل البدعة] ترجمة العبد الفقير البرقعي، وأمثالها من الكتب المفيدة للناطقين بالفارسية. بل لا يسمحون حتى أن يصل اسم أي من الكتب السابقة إلى مسامع الناس. في حين أنهم لو لم يكونوا مغرضين وكانوا طالبين للحق فعلاً لأَذِنوا للناس بأن يقرؤوا الترجمة الفارسية لكتاب الغدير وفي الوقت ذاته أن يقرؤوا الكُتُب المُشار إليها أعلاه، ليستطيع الناس أن يقارنوا بينهما ويحكموا بأنفسهم ويناقشوا العلماء وبعد المقارنة بين جميع الأقوال يمكنهم أن يميزوا الحق من الباطل ويختاروا أحسن الأقوال؛ وعندئذٍ فقط يمكن القول إنهم عملوا بالآية الكريمة: ﴿فَبَشِّرۡ عِبَادِ ١٧ ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ١٨﴾ [الزمر: ١٧، ١٨]، لكن المسؤولين لا هم يفعلون ذلك، ولا يسمحون للآخرين أن يقوموا بذلك أيضاً، بل يردُّون على أطروحات أمثالي بالرصاص والسجن!!
[5] «علما أن الشيخ محمد عبدالشكور صاحب كتاب «الباقيات الصالحات» بالفارسية لم يكن من علماء الشيعة أبداً بل كان من كبار علماء أهل السنة في شبه القارة الهندية في محاربة الروافض، وله مؤلفات علمية نافعة، منها: هذا الكتاب (الباقيات الصالحات)، وهو في الحقيقة ترجمة فارسية للجزء الأول من كتاب «آيات بينات» باللغة الأردية، للشيخ نواب محسن الملك - الذي كان من كبار علماء الشيعة الإمامية في شبه القارة الهندية ثم هداه الله إلى مذهب أهل السنة والجماعة-، فألف كتابه هذا باسم (آيات بينات) في أربعة أجزاء ودافع فيه عن أصحاب رسول الله وغيرها و رد على شبهات الشيعة ردوداً علمية قوية قلما يجد الإنسان مثلها في مؤلفات أخرى. والكتاب الأصلي الكامل بالأردية وكذلك الجزء الأول المترجم إلى العربية والفارسية موجود في موقع مكتبة العقيدة (www.aqeedeh.com). وقد كتب الشيخ محمد عبدالشكور اللكهنوي تعليقات علمية نافعة على هذا الجزء الذي ترجمه وسماه بـ(الباقيات الصالحات). المصحح [6] هو ترجمة إلى الفارسية مع شيء من الاختصار والإضافات قام بها المؤلف البرقعي لكتاب «المنتقى من منهاج الاعتدال» للحافظ الذهبي. [وكتاب المنتقى للذهبي هذا هو اختصار لكتاب «منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال» تأليف الشيخ ابن تيمية الذي اختصر فيه تأليفه الكبير «منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية»]. (المُتَرْجِمُ)
ومن العلماء الذين درست عليهم أيضاً إضافةً إلى السيد الخوانساري:
1- الشيخ أبو القاسم الكبير القمي، 2- والحاج الشيخ محمد علي القمي الكربلائي، 3- والسيد ميرزا محمد السامرائي، 4- والسيد محمد حجت كوه كمري، 5- والحاج الشيخ عبد الكريم الحائري، 6- والحاج السيد أبو الحسن الأصفهاني، 7- والسيد شاه آبادي وآخرون، وقد كتب لي بعضهم شهادة بالاجتهاد منهم: الشيخ: «محمد بن رجب علي الطهراني السامرائي» مؤلف كتاب: «الإشارات والدلائل فيما تقدم ويأتي من الرسائل» وكتاب: «مستدرك البحار» وقد أجازه شيخه بالرواية عنه، ثم أجازني محمد بن رجب علي الطهراني السامرائي بما أجازه شيخه، وهنا أنقل إجازته لهذا العبد الفقير:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على عباده الذين اصطفى، محمد وآله الطاهرين، وبعد:
فيقول العبد الجاني محمد بن رجب علي الطهراني عفي عنهما، وأوتيا كتابيهما بيمينيهما: قد استجازني السيد الجليل، العالم النبيل، فخر الأقران والأماثل: أبوالفضل البرقعي القمي أدام الله تعالى تأييده رواية ما صحت لي روايته، وساغت لي إجازته، ولمّا رأيته أهلاً لذلك، وفوق ما هنالك، استخرت الله تعالى وأجزته أن يروي عني بالطرق المذكورة، في الإجازة المذكورة والطريق المذكور في المجلد السادس والعشرين من كتابنا الكبير: مستدرك البحار، وهو على عدد مجلدات البحار لحبرنا العلامة المجلسي قدس سره، وأخذت عليه ما أُخذ علينا من الاحتياط في القول والعمل، وألا ينساني في حياتي وبعد وفاتي في خلواته ومظانّ استجابة دعواته، كما لا أنساه إن شاء الله تعالى. كتبه بيمناه الداثرة الوازرة في عصر يوم الاثنين الرابع والعشرين من رجب الأصب من شهور سنة خمس وستين بعد الثلاثمائة والألف حامداً مصلياً مستغفراً.
9- وكتب الحاج الشيخ آقا بزرك الطهراني: مؤلف كتاب: «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» إجازة للعبد الضعيف، هذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا ونبينا محمد المصطفى، وعلى أوصيائه المعصومين الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين إلى يوم الدين،
وبعد: فإن السيد السند العلامة المعتمد، صاحب المفاخر والمكارم، جامع الفضائل والمفاخم، المصنف البارع، والمؤلف الماهر، مولانا الأجل: السيد أبوالفضل الرضوي نجل المولى المؤتمن السيد حسن البرقعي القمي دامت أفضاله، وكثر في حماة الدين أمثاله، قد برز من رشحات قلمه الشريف ما يغنينا عن التقريظ والتوصيف؛ قد طلب مني لحسن ظنه إجازة الرواية لنفسه، ولمحروسه العزيز الشاب المقبل السعيد السديد السيد محمد حسين حرسه الله من شر كل عين، فأجزتهما أن يرويا عني جميع ما صحت لي روايته عن كافّة مشايخي الأعلام من الخاص والعام، وأخص بالذكر أول مشايخي، وهو خاتمة المجتهدين والمحدثين وثالث المجلسيين شيخنا العلامة: الحاج الميرزا حسين النوري، المتوفى بالنجف الأشرف سنة 1320هـ. فليرويا أطال الله بقاءهما عني بجميع طرقه الخمسة المسطورة في خاتمة كتابه: مستدرك الوسائل، والمشجرة في مواقع النجوم لمن شاء وأحب، مع رعاية الاحتياط، والرجاء من مكارمهما أن يذكراني في الغفران في الحياة وبعد الممات.
حررته بيدي المرتعشة في طهران في دار آية الله المغفور له: الحاج السيد أحمد الطالقاني، وأنا المسيء المسمى بمحسن الفاني الشهير: بآقا بزرك الطهراني في سالخ ربيع المولود 1382هـ. (الختم)
10- كما كتب لي المرحوم عبد النبي النجفي العراقي الرفسي مؤلف كتاب: «غوالي اللآلي في فروع العلم الإجمالي» وكتب أخرى كثيرة، وهو من تلاميذ «الميرزا حسين النائيني»، الإجازة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لِـلَّهِ رب العالمين الذي فضَّل مداد العلماء على دماء الشهداء، والصلاة والسلام على محمد وآله الأمناء، وعلى أصحابه التابعين الصلحاء، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم اللقاء.
أما بعد: لا يخفى أن السيد المستطاب العالم الفاضل جامع الفضائل والفواضل، قدوة الفضلاء والمدرسين، معتمد الصلحاء والمقرّبين، عماد العلماء العاملين، معتمد الفقهاء والمجتهدين، ثقة الإسلام والمسلمين، السيد آقا سيد أبوالفضل القمي الطهراني، المعروف والمُلَقَّب بالعلامة الرضوي قد حضر سنين متمادية في النجف الأشرف في الحوزة دروسي الخارجية، وأيضاً قد حضر في قم سنوات عديدة في الحوزة درسَ هذا العبد؛ لتحصيل المعارف الإلهية، والعلوم الشرعية، والمسائل الدينية، والنواميس المحمدية، فسعى ما استطاع، فكدَّ وجدَّ واجتهد، حتى وصل بحمدالله إلى حدِّ قوة الاجتهاد، ويجوز له أن يستنبط الأحكام الشرعية، وأن يعمل بالمنهج المعهود بين الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين، وأجزت له أن يروي عني بالطرق التسعة التي لي إلى المعصومين عليهم السلام، وأجزت له أيضاً نقل الفتاوى، كما أنه مجاز في أن يتصرف في الأمور الشرعية التي لا يجوز التصدي لها إلا بإجازة المجتهدين، وهو مجاز في قبض الحقوق المالية ولا سيما سهم الإمام ÷، وكل ذلك مشروط بمراعاة الاحتياط والتقوى.
بتاريخ ذي الحجة الحرام في سنة 1370هـ.
الفاني الجاني النجفي العراقي. (الختم).
11- كما كتب لي المرحوم آية الله السيد أبو القاسم الكاشاني شهادة الاجتهاد، ونصها كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لِـلَّهِ رب العالمين، والصلاة على رسوله وعلى آله الطاهرين المعصومين، وبعد: فإن جناب العالم العادل حجة الإسلام والمسلمين السيد أبوالفضل العلامة البرقعي الرضوي قد صرف أكثر عمره الشريف في تحصيل المسائل الأصولية والفقهية، حتى صار ذا قوة قدسية في رد الفروع الفقهية إلى أصولها، فله العمل باستنباطه، ومراعاة الاحتياط، والسلام عليه وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
الأحقر: أبو القاسم الكاشاني. (الختم).
12- وكذلك كتب لي المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني، حين أردتُ العودة من النجف إلى بلادي، الإجازةَ التاليةَ:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لِـلَّهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين، وبعد:
فإن جناب الفاضل الكامل، والعالم العادل، مروج الأحكام، قرة عيني الأعز السيد أبوالفضل البرقعي دامت تأييداته، ممَّن بذل جهده في تحصيل الأحكام الشرعية، والمعارف الإلهية، برهةً من عمره وشطراً من دهره، مُجِدّاً في الاستفادة من الأساطين حتى بلغ بحمد الله مرتبةً عاليةً من الفضل والاجتهاد، ومقروناً بالصلاح والسداد، وله التصدي بالأمور الحسّية وفيما لا يجوز لغير الفقهاء والمجتهدين التصدي فيها، وأجزته أن يأخذ من سهم الإمام عليه السلام بقدر الاحتياج، وإرسال الزائد منه إلى النجف، وصرف مقدار منها للفقراء والسادات وغيرهم، وأجزته أن يروي عني جميع ما صحت لي روايته، واتضح عندي طريقه، وأوصيه بملازمة التقوى، ومراعاة الاحتياط، وألا ينساني من الدعاء في مظانّ الاستجابات، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
22 ذي الحجة. أبو الحسن الموسوي الأصفهاني. (الختم).
13- وكتب لي السيد شهاب الدين المرعشي، المعروف بآقا نجفي، صاحب التأليفات في المشجرات والأنساب، الإجازةَ التاليةَ:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لِـلَّهِ على ما أساغ من نعمه وأجاز، والصلاة والسلام على محمد وآله مجاز الحقيقة وحقيقة المجاز، وبعد: فإن السيد والعالم المعتمد شمس سماء النبالة وضحاها، وزين الأسرة من آل طه، عَلَم الفَخَار الشامخ ومنار الشرف الباذخ، قاعدة المجد المؤثل، وواسطة العقد المفصل؛ جناب السيد أبوالفضل بن الشريف العابد السيد حسن الرضوي القمي السيداني دام علاه، وزِيد في ورعه وتُقاه، أحب ورغب في أن ينتظم في سلك المحدثين والرواة عن أجداده الميامين، ويندرج في هذا الدرج العالي، والسمط الغالي، ولما وجدته أهلاً، وأحرزت منه علماً وفضلاً، أجزت له الرواية عني بجميع ما صحت روايته، وما ساغت إجازته ثم سنده، وقويت عنعنته عن مشايخي الكرام أساطين الفقه وحملة الحديث، وهم عدة تبلغ المائتين من أصحابنا الإمامية، مضافاً إلى ما لي من طريق سائر فرق الإسلام الزيدية والإسماعيلية والحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية وغيرها، ولا يمكنني البسط بذكر تمام الطرق، فأكتفي بتعداد خمس منها تبركاً بهذا العدد، وأقول: ممن أروي عنه بالإجازة والمناولة والقراءة والسماع والعرض وغيرها من أنحاء الحديث، إمام أئمة الرواية، الجهبذ المقدام في الرجال والرواية، مركز الإجازة، مسند الآفاق، علامة العراق أستاذي، ومن إليه في هذا العلوم استنادي، وعليه اعتمادي، حجة الإسلام، آية الله تعالى بين الأنام: مولاي وسيدي أبو محمد السيد حسن صدر الدين الموسوي المتوفى سنة 1354........، هذا ما رُمْتُ ذكره من الطرق وهي ستة، فلجناب السيد أبي الفضل ناله الخير والفضل أن يروي عني عن مشايخي المذكورين، بطرقهم المتصلة المعنعنة إلى أئمتنا آل الرسول وسادات البرية، مراعياً للشرائط المقررة في محلها من التثبُّت في النقل ورعاية الحزم والاحتياط وغيرها، وفي الختام أوصيه دام مجده، وفاق سعده، وجد جده ألا يدع سلوك طريق التقوى والسداد في أفعاله وأقواله، وأن يصرف أكثر عمره في خدمة العلم والدين، وترويج شرع سيد المرسلين ص، وألا يغتر بزخارف هذه الدنيا الدنية، وأن يكثر من ذكر الموت؛ فقد ورد أن أكيس المؤمنين أكثرهم ذكراً للموت، وأن يكثر من زيارة المقابر والاعتبار بتلك الأجداث والدواثر، فإنه الترياق الفاروق، والدواء النافع للسَّلْوِ عن الشهوات، وأن يتأمل في أنهم من كانوا؟! وأين كانوا؟! وكيف كانوا؟! وإلى أين صاروا؟! وكيف صاروا؟! واستبدلوا القصور بالقبور، وألا يترك صلاة الليل ما استطاع، وأن يُوقِّت لنفسه وقتاً يحاسب فيه نفسه، فقد ورد من التأكيد منه ما لا مزيد عليه، فمنها قوله: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)، وقوله: (حاسب نفسك حسبة الشريك شريكه) فإنه أدام الله أيامه وأسعد أعوامه إن عين لها وقتاً لم تضع عليه أوقاته، فقد قال: توزيع الأوقات توفيرها، ومن فوائد المحاسبة أنه إن وقف على زلة في أعماله لدى الحساب تداركها بالتوبة وإبراء الذمة، وإن اطَّلع على خير صدر منه حمد الله وشكر له على التوفيق بهذه النعمة الجليلة، وأوصيه حقق الله آماله وأصلح أعماله أن يقلل المخالطة والمعاشرة لأبناء العصر سيما المتسمين بسمة العلم؛ فإن نواديهم ومحافلهم مشتملة على ما يورث سخط الرحمن غالباً، إذ أكثر مذاكرتهم الاغتياب وأكل لحوم الإخوان، فقد قيل: إن الغيبة أكل لحوم المغتاب ميتاً، وإذا كان المغتاب من أهل العلم كان اغتيابه كأكل لحمه ميتاً مسموماً، فإن لحوم العلماء مسمومة. عصمنا الله وإياك من الزلل والخطأ، ومن الهفوة في القول والعمل، إنه القدير على ذلك والجدير بما هنالك، وأسأله تعالى أن يجعلك من أعلام الدين ويشد بك وبأمثالك أزر المسلمين آمين! آمين!
وأنا الراجي فضل ربه المستكين: أبو المعالي شهاب الدين الحسيني الحسني المرعشي الموسوي الرضوي الصفوي المدعو بالنجفي (نسّابة آل رسول الله) عفا الله عنه وكان له، وقد فرغ من تحريرها في مجالس آخرها لثلاث مضين من صفر 1358هـ ببلدة قم المشرفة حرم الأئمة. (الختم).
كما كتب لي كلٌّ من: 14 - الشيخ عبد الكريم الحائري، 15 - وآية الله السيد محمد حجت كوه كمري شهادتين بالاجتهاد، وقد سلّمت أصل إجازتيهما لوزارة الثقافة لتعيين تكليفي في مسألة الخدمة العسكرية (التجنيد الإلزامي) فالمفترض أن تكون محفوظتین في أرشيف الوزارة، وبناءً عليهما قد أصدرت الوزارة شهادة لي هذا نصها:
16 - وزارة الثقافة:
استناداً إلى البند الأول والحاشية الأولى للمادة 62 من قانون إصلاح بعض الفصول والمواد المتعلقة بقانون الخدمة العسكرية المصوَّب في شهر اسفند سنة 1321هـ. ش.، واستناداً إلى القانون الخاص بمنح شهادات الاجتهاد المعدّل في 25 شهر آذر 1323هـ. ش.، في مجلس شورى التعليم العالي، فقد قُدِّمَتْ إجازة الاجتهاد المتعلِّقة بمعالي السيد أبي الفضل ابن الرضا (البرقعي) الحاصل على البطاقة الشخصية رقم: 21285، الصادرة من قم، والمولود سنة 1287 هـ. ش.، في الجلسة رقم (754) لمجلس شورى التعليم العالي المنعقدة بتاريخ 7/8/1329 هـ. ش.، وقد أُحْرزَ صحة صدور الإجازة المذكورة مِنْ قِبَلِ المراجع ذوي الاجتهاد المُسَلَّم به.
وزير الثقافة: الدكتور شمس الدين جزائري.
والجدير بالذكر أنه على الرغم من القوانين التي اعتُمِدت في النهضة الدستورية والتي تنص على أنه لا يحق للدولة التعرُّض للمجتهدين بالأذى، أوقعت الحكومةُ التي تزعم أنها حكومة النهضة الدستورية، بيَ الكثير من الأذى والمصائب.
أختم الكلام بذكر أمرين هامين للقارئ الكريم: الأول أن دين الإسلام يُختصر في أمرين: تعظيم الخالق وخدمة المخلوق، وهذا ما بيّنه الخالق بنفسه في كتابه العظيم. أسأل الله الرؤوف الرحيم أن يوفق الجميع للقيام بهذين الأمرين.
وأذكر بعض الأبيات الشعرية التي نظمتُها من قبل في كتابي «دعبل الخزاعي وقصيدته التائية»، وفيها بيان حالي، وبعد ذلك أختم هذا الكتاب بأبيات أخرى نظمتها للشباب أثناء سفري إلى زاهدان، وألتمس من القراء الدعاء، والسلام على من اتبع الهدى.
(قصيدة بالفارسية فيما يلي ترجمتها)
كتب دعبل ثناءه للإمام فنال من صاحب ذلك المقام الشكر والثناء.
وكتب البرقعي مئات الكتب لبيان العقيدة الصحيحة فلم يلقَ شكراً ولا تقديراً إلا الشتائم وأنواع التهم المفتراة.
ولقد خاف دعبل من المضلين المتقدمين، وخاف البرقعي من أهل الخرافات المتأخرين.
وبكى دعبل لحال أهل الدين.. وبكى البرقعي على ضياع أصل الدين.
وتخوف دعبل من الأعداء.. لكن البرقعي تخوف من الأصدقاء.
شتان ما بيننا! فدعبل تكلم دون مضايقة وأنا اليوم لا آمن على نفسي أينما كنت.
امتدح دعبل الإمام لبيان الحقائق، واليوم يمتدحه المدّاحون طمعاً في أموال الناس.
إن كان دعبل بقي منبوذاً ثلاثين سنة، فأنا مطارد من ستين سنة.
إلهي! أنت ملجئي مما أنا فيه من البلاء.. أنت الشاهد! وأنت الحافظ يا لطيف بألطافك.
إلهي! قد اشتعل الرأس شيباً، وبلغت من الكبر عِتياً، وأحاطت بي الهموم، وأظلمت الدنيا من حولنا بالكفر والطغيان، وأنت المستعان، ها أنا في آخر عمري وقد هجرني الأحباب والأصحاب، فليس لي جليس ولا معين، فليس لي أنيس سواك، وغاية مناي أن تتغمدني برحمتك، وأن تثبتني على مرضاتك، وأن تقبض روحي إذا حانت ساعتي «راضية مرضية».
(أبيات بالفارسية فيما يلي ترجمة معانيها[7]):
أيها الشباب الصادقون! أخاطبكم لأنكم براعم الغد وصوته المشرق.
أملي أيها الشباب بألا تنسوا البرقعي بعد موته، وتذكروا أنه أحبكم بصدق.
لا تحرموني بعد موتي من صالح دعائكم، فقد كان أملي أن أخدمكم، وسوف أودّعكم يوماً فلا تنسوا شيخاً عانى أشد المعاناة، وامتحن من أشد الرجال دناءة؛ لأنه يدافع عن المبادئ، فلم يبق طغيان وظلم إلا صبوه عليه، ولا تهمة ولا بهتان إلا ألصقوه به!
ولكن مهما ضعفت قوتنا في هذه الدنيا أمام الظالم، فإننا وإياه في طريقنا إلى محكمة الله العظمى، وسيقضي الله بيننا وبينه بعدله.
هذا آخر الكتاب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2/2/ 1370 هـ (الموافق يوم الأحد 12 نوفمبر 1991 م.).
[7] استفدت في ترجمة هاتين القصيدتين من الترجمة العربية المنشورة لكتاب «سوانح ايام» تحت عنوان: «سوانح أيام - أيَّام من حياتي، مذكرات حياة عالم دين مصلح في إيران»، نشر الرياض، إذْ وجدت أن القصيدتين تُرْجِمَتا بشكل سَلِسٍ يُؤدي روح المعنى ولو لم يتقيد بالألفاظ. (المُتَرْجِمُ)
في هذه الأيام التي لا أملك فيها حرية العمل، وسلبوا منِّي إمكانية إقامة صلاة الجمعة أو عقد جلسات تفسير القرآن الأسبوعية، وأصبح كثير من الأفراد لا يجرؤون على الاقتراب مني، وفي هذه الأيام الأخيرة من عمري، التي أعاني فيها من ضعف الشيخوخة، والأمراض العديدة التي ابتليت بها على إثر سجني، لم يعُد لي شعور بالأمن على حياتي، إذ لست في مأمنٍ من مضايقة مأموري الأمن لي، فلم يعد بإمكاني فعل شيء سوى القيام بمراجعة مؤلفاتي السابقة، وحتى هذا العمل لست قادراً على إنجازه كما هو حقه نظراً إلى عدم تيسُّر وصولي إلى مكتبتي الشخصيَّة والحصول على المراجع اللازمة، ولكنني رغم ذلك سعيت قَدْرَ المستطاع إلى أداء هذا الواجب وهو القيام بإصلاح النواقص في كتبي السابقة إلى حدٍّ ما، وأحمد الله تعالى حمداً لا يتناهى أن وفَّقَ هذا العبد الفقير -رغم ضعف البصر و رجفان اليد، ووهن الجسم - للقيام بإصلاح وتنقيح عدد من مؤلفاتي السابقة.
رغم أنني تحدثت بما فيه الكفاية عن موضوع «المهدي» في التنقيح الثاني لكتابي «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، إلا أنني قمت أيضاً بتنقيح وإصلاح كتابي «بررسى علمى در احاديث مهدى» [أي دراسة علمية لأحاديث المهدي] لتحقيق مزيد من طمأنينة القلب حول هذا الموضوع لدى القُرَّاء الكرام. هذا ولما كان أحد إخوتنا الفضلاء من أهل التدبُّر في القرآن قد كتب مقالةً مفيدةً ومختصرةً حول «المهدي» فإنني سأقوم - تقديراً مني لهذا الأخ في الإيمان جزاه الله كلَّ خير - بإدراج مقاله بشيء من الاختصار والتصرُّف في بداية تنقيحي الثاني لكتابي هذا، تحت عنوان: «المهدي الموعود وغيبته»، آملاً أن يكون لمقاله تأثير جيد في فهم القُرَّاء المحترمين لهذا الموضوع، وباعثاً لهم على التفكُّر والتأمُّل في هذه المسألة.
في الختام أتمنى من القُرَّاء الكرام أن يُعَرِّفوا إخوتي وأخواتي في الإيمان بهذه التنقيحات الجديدة لكتبي السابقة، لكي يصرفوا النظر عن مؤلفاتي الأولى التي تم إصلاحها ويعتمدوا هذه التقيحات المُعَدَّلة الجديدة.
وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحـَمْدُ لِـلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
خادم الشريعة المطهَّرة: سيد أبو الفضل ابن الرِّضَا (البرقعي)
للأسف، كما نعلم، ظَهَرَتْ بعد الرحيل المُحْزِن للرسول الأكرم ص فِرَقٌ عديدةٌ بين المسلمين، عددُها كبيرٌ جداً لا يسع هذه المقالة المختصرة ذكرها جميعاً، ومن أراد الاطلاع على أحوالها ومعرفة عقائدها فعليه الرجوع إلى الكتب المفصَّلة التي أُلِّفَتْ حول الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة.
أما هنا فسأقتصر على ذكر بعض الفرق - كنموذج - فقط، وهي الفرق التي كانت تَدَّعي حُبَّ علي بن أبي طالب ÷، ليعلم القُرَّاء المحترمون أن المسلمين قد عرفوا سابقاً مسألةً مشابهةً لمسألة ابن حضرة الإمام الحسن العسكري ÷ وغيبته. وبعد ذلك سأقوم بدراسة موضوع «المهدي الموعود وغيبته» دراسةً علميةً محقّقةً، وبفحص وتمحيص الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع.
بعد وفاةِ الإمامِ «الحسن بن علي» ÷ دعا جماعةٌ أخاه الكريم الإمام «الحسين بن علي» ÷ للقدوم إليهم لمبايعته بالإمامة، لكن بعد استشهاد ذلك الإمام الجليل، حارت فرقةٌ من أصحابه وقالوا: قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل أخيه الحسين، فالإمام الحسن، رغم كثرة أنصاره وقوته، وادَع معاوية وصالحه وتنازل له عن الخلافة وكان يأخذ معاشاً مالياً منه، في حين أن الإمام الحسين ÷، رغم قلَّة أنصاره، حارب يزيد بن معاوية حتى استُشهِدَ هو وأصحابه جميعاً، فشكُّوا لذلك في إمامتهما وذهبوا إلى إمامة «محمد بن الحنفية» (أخ الإمام الحسين لأبيه)، وقالوا إن مقامه أعلى حتى من مقام الحسن المجتبى ÷، وأن الحَسَن إنَّما ذهب بأمرٍ من أخيه «ابن الحنفية» إلى قتال معاوية، وأنه ترك قتال معاوية بأمر من أخيه «ابن الحنفية»!!
وبعد موت «محمد بن الحنفية» قالت فرقة بل هو حي لم يمت ولن يموت أبداً بل غاب عن الأنظار وهو مختبئٌ في جبل رَضْوَى حيث تأتيه الغزلان كل صباح فيشرب من ألبانها، وعن يمينه أسد وعن يساره نمر!!
وقال فريق آخر من أنصار «محمد بن الحنفية» إنه مات وانتقلت الإمامة بعده إلى «أبي هاشم عبد الله بن محمد» الذي كان أهم أبنائه! وسُمِّيَتْ هذه الفرقة بالهاشمية نسبةً إلى «أبي هاشم» كنية «عبد الله بن محمد».
وبعد موت «أبي هاشم» قالت فرقة إن «عبد الله بن محمد» قد مات وعهد بالإمامة إلى أخيه «علي بن محمد»، وقال جماعة آخرون بل إن «أبا هاشم عبد الله بن محمد» أوصى من بعده إلى «محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب» وأوجدوا بذلك فرقة «الراوندية»!
والنموذج الآخر أنصار «عبد الله بن معاوية» [بن جعفر بن أبي طالب]، لمَّا قُتِل على يد أبي مسلم الخراساني، افترق أصحابه ثلاث فرق، ففرقة قالت إن «عبد الله بن معاوية» لم يمت بل هو حي وهو في جبال أصفهان! وفرقةٌ قالت: بل مات ولم يوص لأحد من بعده. وذهبت فرقة ثالثة إلى القول بتناسخ الأرواح في حقه!!
وللأسف فإن جميع الفرق الإسلامية قامت بوضع الحديث لإقناع الناس بأنها على حق، ودعماً لأهدافها السياسية. ومن جملة ذلك الأحاديث التي وُضِعَتْ دعماً لأبي مسلم الخراساني! كالحديث الذي يقول: "إذا رَأيْتُمُ الرَّايات السُّودَ قَد جاءَتْ مِنْ قِبَلِ خُرَاسانَ فأتُوها فإِنَّ فِيها خَلِيفَةَ الله المَهْدِيِّ"[8]!! ومن الواضح أن أتباع أبي مسلم الخراساني الذي كانوا يرفعون الرايات السوداء وضعوا هذا الحديث كي يجعلوا المسلمين ينضمون إليهم![9]
وذهبت فرقةٌ من المسلمين إلى إمامة حضرة «أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين» ÷، ولكن لما أجاب الإمام الباقر عن سؤال سأله إياه «عَمْرو بن رياح» بإجابة، ثم في سنةٍ أخرى أجاب عن السؤال ذاته بإجابة مختلفة، اعتزله «عمرو بن رياح» وآخرون قائلين: كيف يجيب الإمام بإجابتين مختلفتين؟![10]
وقال فريق من المسلمين إن الإمام هو من قام بالسيف، فقالوا بإمامة علي بن أبي طالب والحسن والحسـين عليهم السلام، ثم من بعده قالوا بإمامة «زيد بن علي بن الحسين» ثم بإمامة ابنه «يحيى بن زيد» وبعده بإمامة «عيسى» وبعده بإمامة «محمد بن عبد الله» المعروف بالنفس الزكية. وبعد شهادة محمد بن عبد الله النفس الزكية قال جماعةٌ لم يمت بل غاب واختفى وسيظهر ويقوم قريباً! وفي زمنه قالت فرقة بإمامة حضرة «جعفر بن محمد الصادق» ÷. وأوصى الإمام جعفر أثناء حياته بالإمامة من بعده إلى ابنه إسماعيل، لكن إسماعيل توفي في حياة أبيه، فأنكرت جماعة موت إسماعيل في حياة أبيه لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده وقلَّدَهُم ذلك له، وأخبرهم أنه صاحبهم، والإمام لا يقول إلا الحق، وهؤلاء هم فرقة الإسماعيلية، وكان ناصر خسرو الشاعر الإيراني المعروف من هذه الفرقة. واعتقد بعضهم أيضاً أن «محمد بن إسماعيل» إمامٌ، وأنه لم يمت بل هو يعيش في مدن الروم!
بعد وفاة الإمام جعفر الصادق ÷ أنكرت فرقةٌ موته وقالت إن «جعفر بن محمد» حيٌّ لم يمت بل اختفى عن الأنظار، وسيظهر قريباً ويلي أمر الناس، وهو القائم المهدي. في حين قالت فرقةٌ أخرى إن الإمام بعد جعفر، حفيده «محمد بن إسماعيل بن جعفر». وروت فرقةٌ أخرى حديثاً عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: الإمامة لا تكون إلا في الأكبر من ولد الإمام إذا نُصِبَ، لذا ذهبوا إلى انتقال الإمامة بعد جعفر إلى ابنه «عبد الله بن جعفر» المُلَقَّب بـ«الأفطح»، الذي كان أكبر أولاد جعفر بن محمد سناً وسموا بـ«الفطحية». وقالت فرقةٌ إن الإمام بعد «جعفر بن محمد» هو ابنه «موسى بن جعفر» [الإمام الكاظم]، فلما استُشهد حضرة الإمام موسى بن جعفر ÷ في السجن، افترق أتباعه إلى خمس فرق، فقالت فرقة إن موسى بن جعفر لم يمت، بل هرب من السجن نهاراً ولم يره أحد وأنه سيعود قريباً حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جوراً! وقال فريقٌ آخر إنه مات لكنه سيبعث من جديد!
وقالت فرقةٌ ثالثة: ليس هناك إمام بعد موسى بن جعفر ÷، وانتهت الإمامة بموته، وهؤلاء عرفوا بـ«الواقفة». وقالت فرقةٌ: لا ندري أحيٌّ «موسى بن جعفر» أم ميت؟ لأنا قد روينا فيه أخباراً كثيرةً تدلُّ على أنه القائم المهدي الذي سيقوم ضد الظلم، فلا يجوز تكذيبها! وقالت فرقةٌ إن الإمام بعد الإمام الكاظم ÷ ابنه «علي بن موسى الرضا» ÷.
بعد وفاة «علي بن موسى الرضا» أيضاً قالت فرقةٌ إن الإمام من بعده أخوه «أحمد بن موسى بن جعفر» المُلَقَّب بـ «شاهچراغ»! و رجعت فرقةٌ أخرى عن إمامة علي بن موسى بعد موته إلى قومهم من الزيدية. وقالت فرقة أخرى إن الإمام الرضا أوصى من بعده لابنه «محمد بن علي» [الإمام الجواد]، بيد أنه لما كان محمد بن علي هذا لا يزال صغيراً عند وفاة أبيه لم يقبل بعضهم بإمامته.
كانت تلك بعض النماذج لِفِرَقٍ ظهرت في عالم الإسلام قبل حضرة الإمام الحسن العسكري÷ وظهورها يستدعي التأمُّل حقيقةً، ولكن كما قلنا في هذه المقالة سوف نخصص أربعة فصول لبحث مسألة ابن حضرة العسكري الذي اعْتُبِرَ أنه «المهدي الموعود»، وتمحيص الأحاديث المتعلِّقة به. نأمل أن يتقبَّل الله مسعانا ويعينني وإياكم على نصرة دينه، وأن لا ينسى القُرَّاءُ الكرام هذا العبد الفقير من صالح دعائهم. إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ.
***
[8] أخرجه أحمد بن حنبل في المسند (ج5، ص 277، رقم 22441)، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (ج4، ص 547، رقم 8531) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أيضاً: نعيم بن حماد (ج1، ص 311 ، رقم 896). (المُتَرْجِمُ) [9] أو الحديث الذي جاء في مقدمة ابن خلدون (ترجمة محمد پروين گنابادى)، ج1، ص 619 و 620 و 625 و 626. (البرقعي) [10] من المفيد في هذا الموضوع الرجوع إلى التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 196 والصفحات من 204 إلى 207، والصفحات من 231 إلى 237.
1- روى المجلسيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن الشيخ الصدوق في كتابه [إكمال الدين] عن أستاذه ابْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ رِزْقِ اللهِ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: "حَدَّثَتْنِي السيِّدَةُ حَكِيمَةُ بِنْتُ الإمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ التقِيِّ ÷ قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ الإمَامُ الْحَسَنُ العسكريُّ (ع) فَقَالَ: يَا عَمَّةُ! اجْعَلِي إِفْطَارَكِ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى سَيُظْهِرُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْحُجَّةَ وهُوَ حُجَّتُهُ فِي أَرْضِهِ. قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ: ومَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ لِي نَرْجِسُ. قُلْتُ لَهُ: واللهِ جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكَ مَا بِهَا أَثَرٌ [من آثار الحَمْل]. فَقَالَ: هُوَ مَا أَقُولُ لَكِ ....... فَلَمَّا أَنْ فَرَغْتُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وأَفْطَرْتُ وأَخَذْتُ مَضْجَعِي فَرَقَدْتُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ فَفَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي وهِيَ [أي نرجس] نَائِمَةٌ لَيْسَ بِهَا حَادِثٌ [أي لا خبر عن وضعها لحمل!].. الحديث"[11].
2- رواية أخرى مناقضة للرواية السابقة: يروي المجلسيُّ في كتاب «بحار الأنوار» نقلاً عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي عن السيدة حكيمة قَالَتْ: "بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ ÷ سَنَةَ خَمْسٍ وخَمْسِينَ ومِائَتَيْنِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وقَالَ يَا عَمَّةُ اجْعَلِي اللَّيْلَةَ إِفْطَارَكِ عِنْدِي فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ سَيَسُرُّكِ بِوَلِيِّهِ وحُجَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي قَالَتْ حَكِيمَةُ فَتَدَاخَلَنِي لِذَلِكَ سُرُورٌ شَدِيدٌ وأَخَذْتُ ثِيَابِي عَلَيَّ وخَرَجْتُ مِنْ سَاعَتِي حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ ÷ وهُوَ جَالِسٌ فِي صَحْنِ دَارِهِ وجَوَارِيهِ حَوْلَهُ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا سَيِّدِي الْخَلَفُ مِمَّنْ هُوَ؟ قَالَ مِنْ سَوْسَنَ فَأَدَرْتُ طَرْفِي فِيهِنَّ فَلَمْ أَرَ جَارِيَةً عَلَيْهَا أَثَرٌ [أي للحمل] غَيْرَ سَوْسَنَ... الحديث"[12].
توضيح: كما لاحظنا ذكرت الرواية السابقة أن اسم الجارية «نرجس» وأنه لم يكن عليها أي أثر من آثار الحَمْل، أما الرواية الأخيرة فتذكر أن اسم الجارية «سوسن» وأن أثر الحَمْل كان ظاهراً عليها!
3- ويروي المجلسيُّ في «بحار الأنوار» رواية أخرى مناقضة لكل من الروايتين السابقتين: "عن بِشْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّخَّاسُ قال: أَتَانِي كَافُورٌ خَادِمُ الإمام علي النقي ÷ فَقَالَ مَوْلَانَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ يَدْعُوكَ إِلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لِي: يَا بِشْرُ! إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْصَارِ وهَذِهِ المُوَالَاةُ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرِثُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ(؟!)، وأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وإِنِّي مُزَكِّيكَ ومُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسْبِقُ بِهَا الشِّيعَةَ فِي المُوَالَاةِ بِسِـرٍّ أَطَّلِعُكَ عَلَيْهِ وأُنْفِذُكَ فِي ابْتِيَاعِ أَمَةٍ فَكَتَبَ كِتَاباً لَطِيفاً بِخَطٍّ رُومِيٍّ ولُغَةٍ رُومِيَّةٍ وطَبَعَ عَلَيْهِ خَاتَمَهُ وأَخْرَجَ شُقَّةً صَفْرَاءَ فِيهَا مِائَتَانِ وعِشْرُونَ دِينَاراً فَقَالَ خُذْهَا وتَوَجَّهْ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ واحْضُرْ مَعْبَرَ الْفُرَاتِ ضَحْوَةً يَوْمَ كَذَا فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى جَانِبِكَ زَوَارِيقُ السَّبَايَا وتَرَى الْجَوَارِيَ فِيهَا سَتَجِدُ طَوَائِفَ المُبْتَاعِينَ مِنْ وُكَلَاءِ قُوَّادِ بَنِي الْعَبَّاسِ وشِرْذِمَةً مِنْ فِتْيَانِ الْعَرَبِ فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَأَشْرِفْ مِنَ الْبُعْدِ عَلَى الْمُسَمَّى عُمَرَ بْنَ يَزِيدٍ النَّخَّاسَ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلَى أَنْ تَبْرُزَ لِلْمُبْتَاعِينَ جَارِيَةٌ صِفَتُهَا كَذَا وكَذَا لَابِسَةٌ حَرِيرَيْنِ صَفِيقَيْنِ تَمْتَنِعُ مِنَ الْعَرْضِ ولمْسِ المُعْتَرِضِ والِانْقِيَادِ لِمَنْ يُحَاوِلُ لَمسَهَا، وتَسْمَعُ صَرْخَةً رُومِيَّةً مِنْ وَرَاءِ سَتْرٍ رَقِيقٍ فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَقُولُ وَاهَتْكَ سَتْرَاهُ فَيَقُولُ بَعْضُ المُبْتَاعِينَ عَلَيَّ ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ زَادَنِي الْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةً فَتَقُولُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: لَوْ بَرَزْتَ فِي زِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وعَلَى شِبْهِ مُلْكِهِ مَا بَدَتْ لِي فِيكَ رَغْبَةٌ فَأَشْفِقْ عَلَى مَالِكَ! فَيَقُولُ النَّخَّاسُ: فَمَا الْحِيلَةُ ولَا بُدَّ مِنْ بَيْعِكِ؟ فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ: ومَا الْعَجَلَةُ؟ ولَا بُدَّ مِنِ اخْتِيَارِ مُبْتَاعٍ يَسْكُنُ قَلْبِي إِلَيْهِ وإِلَى وَفَائِهِ وأَمَانَتِهِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ قُمْ إِلَى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَّاسِ وقُلْ لَهُ إِنَّ مَعَكَ كِتَاباً مُلَطَّفَةً لِبَعْضِ الْأَشْرَافِ كَتَبَهُ بِلُغَةٍ رُومِيَّةٍ وخَطٍّ رُومِيٍّ ووَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ ووَفَاءَهُ ونُبْلَهُ وسَخَاءَهُ تُنَاوِلُهَا لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أَخْلَاقَ صَاحِبِهِ فَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهِ ورَضِيَتْهُ فَأَنَا وَكِيلُهُ فِي ابْتِيَاعِهَا مِنْكَ قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: فَامْتَثَلْتُ جَمِيعَ مَا حَدَّهُ لِي مَوْلَايَ أَبُو الْحَسَنِ ÷ فِي أَمْرِ الْجَارِيَةِ. فَلَمَّا نَظَرَتْ فِي الْكِتَابِ بَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً وقَالَتْ لِعُمَرَ بْنِ يَزِيدَ: بِعْنِي مِنْ صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ، وحَلَفَتْ بِالْمُحَرِّجَةِ والْمُغَلَّظَةِ أَنَّهُ مَتَى امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا مِنْهُ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، فَمَا زِلْتُ أُشَاحُّهُ فِي ثَمَنِهَا حَتَّى اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مِقْدَارِ مَا كَانَ أَصْحَبَنِيهِ مَوْلَايَ ÷ مِنَ الدَّنَانِيرِ، فَاسْتَوْفَاهُ وتَسَلَّمْتُ الْجَارِيَةَ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً، وانْصَرَفْتُ بِهَا إِلَى الْحُجَيْرَةِ الَّتِي كُنْتُ آوَى إِلَيْهَا بِبَغْدَادَ، فَمَا أَخَذَهَا الْقَرَارُ حَتَّى أَخْرَجَتْ كِتَابَ مَوْلَانَا ÷ مِنْ جَيْبِهَا وهِيَ تَلْثِمُهُ وتُطْبِقُهُ عَلَى جَفْنِهَا وتَضَعُهُ عَلَى خَدِّهَا وتَمْسَحُهُ عَلَى بَدَنِهَا. فَقُلْتُ تَعَجُّباً مِنْهَا: تَلْثِمِينَ كِتَاباً لَا تَعْرِفِينَ صَاحِبَهُ؟! فَقَالَتْ: أَيُّهَا الْعَاجِزُ الضَّعِيفُ الْمَعْرِفَةِ(؟!)بِمَحَلِّ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ[13] أَعِرْنِي سَمْعَكَ، وفَرِّغْ لِي قَلْبَكَ، أَنَا مَلِيكَةُ بِنْتُ يَشُوعَا بْنِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ.......
[وتحكي قصتها ثم يواصل «بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ» حديثه فيقول]:
قَالَ بِشْرٌ: فَلَمَّا انْكَفَأْتُ بِهَا إِلَى سامراء دَخَلَتْ عَلَى مَوْلَايَ الإمَامِ عَليٍّ النَّقِيِّ ÷ فَقَالَ: كَيْفَ أَرَاكِ اللهُ عِزَّ الْإِسْلَامِ وذُلَّ النَّصْـرَانِيَّةِ وشَرَفَ مُحَمَّدٍ وأَهْلِ بَيْتِهِ ÷؟ قَالَتْ: كَيْفَ أَصِفُ لَكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي؟ قَالَ: فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكْرِمَكِ فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ أَمْ بُشْرَى لَكِ بِشَرَفِ الْأَبَدِ؟ قَالَتْ: بُشْـرَى بِوَلَدٍ لِي قَالَ لَهَا: أَبْشِرِي بِوَلَدٍ يَمْلِكُ الدُّنْيَا شَرْقاً وغَرْباً ويَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً. قَالَتْ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِمَّنْ خَطَبَكِ رَسُولُ اللهِ ص لَهُ لَيْلَةَ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا بِالرُّومِيَّةِ. قَالَ لَهَا: مِمَّنْ زَوَّجَكِ المَسِيحُ ووَصِيُّهُ؟ قَالَتْ: مِنِ ابْنِكَ أَبِي مُحَمَّدٍ ÷. فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفِينَهُ؟ قَالَتْ: وهَلْ خَلَتْ لَيْلَةٌ لَمْ يَزُرْنِي فِيهَا مُنْذُ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَسْلَمْتُ عَلَى يَدِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ ؟[14] قَالَ فَقَالَ: مَوْلَانَا يَا كَافُورُ! ادْعُ أُخْتِي حَكِيمَةَ. فَلَمَّا دَخَلَتْ قَالَ لَهَا: هَا هِيَهْ فَاعْتَنَقَتْهَا طَوِيلاً وسَرَّتْ بِهَا كَثِيراً. فَقَالَ لَهَا أَبُو الْحَسَنِ ÷: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ! خُذِيهَا إِلَى مَنْزِلِكِ وعَلِّمِيهَا الْفَرَائِضَ والسُّنَنَ فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ وأُمُّ الْقَائِمِ ÷"[15].
توضيح: أولاً: ذكر في هذه الرواية أن اسم الجارية هو «مليكة» مما يتناقض مع ما ذكر في الروايتين السابقتين. ثانياً: في الروايتين السابقتين تسأل السيدة «حكيمة» الإمام الحسن العسكري: من هي أم القائم؟ فيجيب: «نرجس». ولكن في هذه الرواية يظهر أنه قبل أن يتزوج الإمام الحسن العسكري من «نرجس» كانت حكيمة تعلم من هي أم القائم، لأن الإمام العاشر عرفها بها وقال لها: هذه أم القائم. فهذا تناقض واضح آخر!
4- الرواية الرابعة التي تناقض كل ما سبق، يرويها المجلسـيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن كتاب «إكمال الدين» للصدوق بسنده "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُطَهَّرِيِّ قَالَ قَصَدْتُ حَكِيمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ÷ بَعْدَ مُضِـيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ ÷ أَسْأَلُهَا عَنِ الحُجَّةِ ومَا قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الحَيْرَةِ الَّتِي فِيهَا. فَقَالَتْ لِي: اجْلِسْ فَجَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَتْ لِي: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى لَا يُخَلِّي الأَرْضَ مِنْ حُجَّةٍ نَاطِقَةٍ أَوْ صَامِتَةٍ ولَمْ يَجْعَلْهَا فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الحَسَنِ والْحُسَيْنِ تَفْضِيلًا لِلْحَسَنِ والْحُسَيْنِ (ع) وتَمْيِيزاً لَهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي الأَرْضِ عَدِيلُهُمَا، إِلَّا أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى خَصَّ وُلْدَ الحُسَيْنِ بِالْفَضْلِ عَلَى وُلْدِ الحَسَنِ كَمَا خَصَّ وُلْدَ هَارُونَ عَلَى وُلْدِ مُوسَى وإِنْ كَانَ مُوسَى حُجَّةً عَلَى هَارُونَ والْفَضْلُ لِوُلْدِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَة، ولَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ مِنْ حَيْرَةٍ يَرْتَابُ فِيهَا المُبْطِلُونَ ويَخْلُصُ فِيهَا المُحِقُّونَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ! وإِنَّ الحَيْرَةَ لَا بُدَّ وَاقِعَةٌ بَعْدَ مُضِـيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ (ع). فَقُلْتُ: يَا مَوْلَاتِي! هَلْ كَانَ لِلْحَسَنِ (ع) وَلَدٌ؟ فَتَبَسَّمَتْ ثُمَّ قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَسَنِ (ع) عَقِبٌ فَمَنِ الحِجَّةُ مِنْ بَعْدِهِ؟ وقَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ الإِمَامَةَ لَا تَكُونُ لِأَخَوَيْنِ بَعْدَ الحَسَنِ والْحُسَيْنِ (ع)، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدَتِي! حَدِّثِينِي بِوِلَادَةِ مَوْلَايَ وغَيْبَتِهِ (ع)؟ قال [قَالَتْ] : نَعَمْ كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا نَرْجِسُ فَزَارَنِي ابْنُ أَخِي (ع) وأَقْبَلَ يُحِدُّ النَّظَرَ إِلَيْهَا فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي! لَعَلَّكَ هَوِيتَهَا فَأُرْسِلُهَا إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: لَا يَا عَمَّةُ لَكِنِّي أَتَعَجَّبُ مِنْهَا. فَقُلْتُ: ومَا أَعْجَبَكَ؟؟ فَقَالَ (ع): سَيَخْرُجُ مِنْهَا وَلَدٌ كَرِيمٌ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ الَّذِي يَمْلَأُ اللهُ بِهِ الأَرْضَ عَدْلًا وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وظُلْماً. فَقُلْتُ: فَأُرْسِلُهَا إِلَيْكَ يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: اسْتَأْذِنِي فِي ذَلِكَ أَبِي. قَالَتْ فَلَبِسْتُ ثِيَابِي وأَتَيْتُ مَنْزِلَ أَبِي الحَسَنِ فَسَلَّمْتُ وجَلَسْتُ فَبَدَأَنِي (ع) وقَالَ يَا حَكِيمَةُ ابْعَثِي بِنَرْجِسَ إِلَى ابْنِي أَبِي مُحَمَّدٍ. قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي عَلَى هَذَا قَصَدْتُكَ أَنْ أَسْتَأْذِنَكَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا مُبَارَكَةُ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَكِ فِي الأَجْرِ ويَجْعَلَ لَكِ فِي الخَيْرِ نَصِيباً. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي وزَيَّنْتُهَا ووَهَبْتُهَا لِأَبِي مُحَمَّدٍ وجَمَعْتُ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا فِي مَنْزِلِي فَأَقَامَ عِنْدِي أَيَّاماً ثُمَّ مَضـَى إِلَى وَالِدِهِ، ووَجَّهْتُ بِهَا مَعَهُ. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَمَضَى أَبُو الحَسَنِ (ع) وجَلَسَ أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) مَكَانَ وَالِدِهِ وكُنْتُ أَزُورُهُ كَمَا كُنْتُ أَزُورُ وَالِدَهُ فَجَاءَتْنِي نَرْجِسُ يَوْماً تَخْلَعُ خُفِّي وقَالَتْ يَا مَوْلَاتِي نَاوِلْنِي خُفَّكِ فَقُلْتُ بَلْ أَنْتِ سَيِّدَتِي ومَوْلَاتِي واللهِ لَا دَفَعْتُ إِلَيْكِ خُفِّي لِتَخْلَعِيهِ ولَا خَدَمْتِينِي بَلْ أَخْدُمُكِ عَلَى بَصَرِي فَسَمِعَ أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) ذَلِكَ فَقَالَ: جَزَاكِ اللهُ خَيْراً يَا عَمَّةُ! فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ إِلَى وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَصِحْتُ بِالْجَارِيَةِ وقُلْتُ: نَاوِلِينِي ثِيَابِي لِأَنْصَـرِفَ.... الحديث"[16].
توضيح: يتبـيَّن من هذه الرواية أن «حكيمة» كانت تعلم بالأمر قبل أن يتزوج الإمام الحسن العسكري من تلك الجارية، بل هي التي هيَّأَتْهَا له للزفاف، ولكن الروايتين الأوليين ذكرتا أنه عندما حملت الجارية بالمهدي لم تكن «حكيمة» تعلم بالقضية أصلاً! وهذا تناقض واضح.
وثانياً: جاء في هذه الرواية: ".. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَمَضَـى أَبُو الحَسَنِ [الإمام علي النقي] ÷ وجَلَسَ أَبُو مُحَمَّدٍ [الإمام الحسن العسكري] ÷ مَكَانَ وَالِدِهِ وكُنْتُ أَزُورُهُ كَمَا كُنْتُ أَزُورُ وَالِدَهُ، فَجَاءَتْنِي نَرْجِسُ يَوْماً تَخْلَعُ خُفِّي....". أي أن حكيمة ذهبت صدفةً إلى منزل الإمام الحسن العسكري، في حين أن الروايتين الأوليين ذكرتا أن الإمام العسكري هو الذي نادى حكيمة وطلبها إليه وقال لها: "يَا عَمَّةُ! اجْعَلِي إِفْطَارَكِ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ.."، فهذا أيضاً تناقضٌ جليٌّ آخر.
ثالثاً: هذه الرواية تبين أن «نرجس» كانت جارية «حكيمة»، وأنه قبل أن يتزوجها الإمام الحسن العسكري لم تكن «حكيمة» تعلم أنها ستكون أم الإمام القائم، في حين أن الرواية الثالثة ذكرت أن الإمام الحسن العسكري هو الذي عرَّف حكيمة بنرجس وقال لها: «هذه أم القائم!» فهذا تناقض واضح آخر أيضاً.
5- الرواية الخامسة التي تناقض كل ما سبق: يرويها المجلسـيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن كتاب «إكمال الدين» بسنده "عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الخَيْزَرَانِيِّ عَنْ جَارِيَةٍ لَهُ كَانَ أَهْدَاهَا لِأَبِي مُحَمَّدٍ الحسن العسكري ÷ ... قَالَ أَبُو عَلِيٍّ [الخَيْزَرَانِيُّ] فَحَدَّثَتْنِي أَنَّهَا حَضَرَتْ وِلَادَةَ السَّيِّدِ (ع) وأَنَّ اسْمَ أُمِّ السَّيِّدِ صَقِيلُ وأَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (ع) حَدَّثَهَا بِمَا جَرَى عَلَى عِيَالِهِ فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا بِأَنْ يَجْعَلَ مَنِيَّتَهَا قَبْلَهُ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ فِي حَيَاةِ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع)"[17].
[11] بحار الأنوار، ج 51، ص2، حديث رقم 3. [12] بحار الأنوار، ج 51، ص 17، حديث رقم 25 . [13] لماذا تحدثت مع مبعوث الإمام بهذه الصورة الحادة والعنيفة؟ إنه لم يقل شيئاً سيئاً! [14] هل فهم واضع هذه الرواية هذا الكلام الذي لفَّقه؟ ومن أسلمت على يد الزهراء عليها السلام كيف لم تكن تعرف فرائض الإسلام ومستحباته، حتى يقول لها الإمام، كما في تتمة الرواية: "خُذِيهَا إِلَى مَنْزِلِكِ وعَلِّمِيهَا الْفَرَائِضَ والسُّنَنَ"؟! [15] بحار الأنوار، ج 51، ص 6 - 10، حديث رقم 12. [16] بحار الأنوار، ج 51، ص 11 - 12، حديث رقم 14. [17] بحار الأنوار، ج 51، ص 5، حديث رقم 10.
الروايات التي نذكرها هنا هي بقية الروايات التي ذكرناها بشأن أم الإمام القائم، حيث اقتصرنا هناك على ما يتعلق باسم أم القائم وأوصافها، لكي نرى مدى التناقض في ذلك بينها، وهنا نكمل متون تلك الروايات لنرى تناقضاتها فيما تذكره بشأن كيفية ولادة القائم:
1- بقية الحديث الأول الذي أوردناه في الفقرة السابقة: "ثُمَّ جَلَسْتُ مُعَقِّبَةً ثُمَّ اضْطَجَعْتُ ثُمَّ انْتَبَهْتُ فَزِعَةً وهِيَ رَاقِدَةٌ ثُمَّ قَامَتْ فَصَلَّتْ قَالَتْ حَكِيمَةُ فَدَخَلَتْنِي الشُّكُوكُ فَصَاحَ بِي أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) مِنَ المَجْلِسِ فَقَالَ: لَا تَعْجَلِي يَا عَمَّةُ فَإِنَّ الأَمْرَ قَدْ قَرُبَ. قَالَتْ: فَقَرَأْتُ الم السَّجْدَةَ ويس، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكِ إِذَا انْتَبَهَتْ فَزِعَةً فَوَثَبْتُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ: اسْمُ اللهِ عَلَيْكِ. ثُمَّ قُلْتُ لَهَا: تُحِسِّين شَيْئاً؟ قَالَتْ: نَعَمْ يَا عَمَّةُ! فَقُلْتُ لَهَا: اجْمَعِي نَفْسَكِ واجْمَعِي قَلْبَكِ فَهُوَ مَا قُلْتُ لَكِ. قَالَتْ حَكِيمَةُ: ثُمَّ أَخَذَتْنِي فَتْرَةٌ وأَخَذَتْهَا فِطْرَةٌ فَانْتَبَهْتُ بِحِسِّ سَيِّدِي (ع) فَكَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنْهُ فَإِذَا أَنَا بِهِ (ع) سَاجِداً يَتَلَقَّى الأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ (!!)[18] فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ فَإِذَا أَنَا بِهِ نَظِيفٌ مُنَظَّفٌ. فَصَاحَ بِي أَبُو مُحَمَّدٍ [الإمام الحسن العسكري] ÷: هَلُمِّي إِلَيَّ ابْنِي يَا عَمَّةُ، فَجِئْتُ بِهِ إِلَيْهِ فَوَضَعَ يَدَيْهِ تَحْتَ أَلْيَتَيْهِ وظَهْرِهِ ووَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ أَدْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ وأَمَرَّ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وسَمْعِهِ ومَفَاصِلِهِ ثُمَّ قَالَ: تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ! فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ» ثُمَّ صَلَّى عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وعَلَى الأَئِمَّةِ إِلَى أَنْ وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ ثُمَّ أَحْجَمَ. قَالَ [الإمام] أَبُو مُحَمَّدٍ: يَا عَمَّةُ اذْهَبِي بِهِ إِلَى أُمِّهِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهَا وَائْتِنِي بِهِ، فَذَهَبْتُ بِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَرَدَدْتُهُ وَوَضَعْتُهُ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَمَّةُ! إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ فَأْتِينَا. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جِئْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ فَكَشَفْتُ السِّتْرَ لِأَفْتَقِدَ سَيِّدِي فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! مَا فَعَلَ سَيِّدِي؟ فَقَالَ: يَا عَمَّةُ! اسْتَوْدَعْنَاهُ الَّذِي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى (ع). قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ جِئْتُ وَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ، فَقَالَ: هَلُمِّي إِلَيَّ ابْنِي. فَجِئْتُ بِسَيِّدِي فِي الْخِرْقَةِ فَفَعَلَ بِهِ كَفَعْلَتِهِ الْأُولَى. ثُمَّ أَدْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يُغَذِّيهِ لَبَناً أَوْ عَسَلًا، ثُمَّ قَالَ: تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» وَثَنَّى بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ ..... الحديث"[19].
توضيح: كما ذكرنا، هذا الجزء من الرواية هو بقية الرواية رقم 1 التي أوردناها على جزأين، وهي في الواقع رواية واحدة أوردها المجلسي في «بحار الأنوار». ويظهر من هذه الرواية أن «حكيمة» لم تر ما حلَّ بالطفل الوليد، إلى أن جاءت الإمام العسكري ÷ بالوليد في اليوم السابع لولادته. فلنقارن هذا بما ذكرته بقية الرواية الرابعة -التي أوردناها في الفقرة الماضية- حول كيفية ولادة إمام الزمان:
"فَقَالَ [الإمام]: يَا عَمَّتَاهُ! بِيتِيَ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ سَيُولَدُ اللَّيْلَةَ المَوْلُودُ الكَرِيمُ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ الَّذِي يُحْيِي اللهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا. قُلْتُ مِمَّنْ يَا سَيِّدِي ولَسْتُ أَرَى بِنَرْجِسَ شَيْئاً مِنْ أَثَرِ الحَمْلِ. فَقَالَ: مِنْ نَرْجِسَ لَا مِنْ غَيْرِهَا. قَالَتْ: فَوَثَبْتُ إِلَى نَرْجِسَ فَقَلَبْتُهَا ظَهْراً لِبَطْنٍ فَلَمْ أَرَ بِهَا أَثَراً مِنْ حَبَلٍ فَعُدْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا فَعَلْتُ، فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ لِي: إِذَا كَانَ وَقْتُ الفَجْرِ يَظْهَرُ لَكِ بِهَا الحَبَلُ لِأَنَّ مَثَلَهَا مَثَلُ أُمِّ مُوسَى لَمْ يَظْهَرْ بِهَا الحَبَلُ ولَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَحَدٌ[20] إِلَى وَقْتِ وِلَادَتِهَا لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَشُقُّ بُطُونَ الحَبَالَى فِي طَلَبِ مُوسَى. وهَذَا نَظِيرُ مُوسَى (ع). قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْقُبُهَا إِلَى وَقْتِ طُلُوعِ الفَجْرِ وهِيَ نَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيَّ لَا تَقْلِبُ جَنْباً إِلَى جَنْبٍ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقْتَ طُلُوعِ الفَجْرِ وَثَبَتْ فَزِعَةً فَضَمَمْتُهَا إِلَى صَدْرِي وسَمَّيْتُ عَلَيْهَا، فَصَاحَ [الإمام] أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) وقَالَ: اقْرَئِي عَلَيْهَا ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾. فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهَا وقُلْتُ لَهَا: مَا حَالُكِ؟ قَالَتْ: ظَهَرَ الأَمْرُ الَّذِي أَخْبَرَكِ بِهِ مَوْلَايَ. فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهَا كَمَا أَمَرَنِي، فَأَجَابَنِي الجَنِينُ مِنْ بَطْنِهَا يَقْرَأُ (!!) كَمَا أَقْرَأُ وسَلَّمَ عَلَيَّ (!!). قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَفَزِعْتُ لِمَا سَمِعْتُ، فَصَاحَ بِي [الإمام] أَبُو مُحَمَّدٍ (ع): لَا تَعْجَبِي مِنْ أَمْرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يُنْطِقُنَا بِالْحِكْمَةِ صِغَاراً ويَجْعَلُنَا حُجَّةً فِي أَرْضِهِ كِبَاراً، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ الكَلَامَ حَتَّى غِيبَتْ عَنِّي نَرْجِسُ(!!) فَلَمْ أَرَهَا كَأَنَّهُ ضُرِبَ بَيْنِي وبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَعَدَوْتُ نَحْوَ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) وأَنَا صَارِخَةٌ فَقَالَ لِي: ارْجِعِي يَا عَمَّةُ فَإِنَّكِ سَتَجِدِيهَا فِي مَكَانِهَا. قَالَتْ: فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ كُشِفَ الحِجَابُ بَيْنِي وبَيْنَهَا وإِذَا أَنَا بِهَا وعَلَيْهَا مِنْ أَثَرِ النُّورِ مَا غَشِـيَ بَصَرِي وإِذَا أَنَا بِالصَّبِيِّ (ع) سَاجِداً عَلَى وَجْهِهِ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ رَافِعاً سَبَّابَتَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وهُوَ يَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وأَنَّ جَدِّي رَسُولُ اللهِ وأَنَّ أَبِي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ» ثُمَّ عَدَّ إِمَاماً إِمَاماً إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ (ع) اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي وَعْدِي وأَتْمِمْ لِي أَمْرِي وثَبِّتْ وَطْأَتِي وامْلَأِ الأَرْضَ بِي عَدْلًا وقِسْطاً. فَصَاحَ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ العسكري ÷ فَقَالَ: يَا عَمَّةُ! تَنَاوَلِيهِ فَهَاتِيهِ فَتَنَاوَلْتُهُ وأَتَيْتُ بِهِ نَحْوَهُ فَلَمَّا مَثَلْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ وهُوَ عَلَى يَدَيَّ سَلَّمَ عَلَى أَبِيهِ فَتَنَاوَلَهُ الحَسَنُ (ع) والطَّيْرُ تُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ فَصَاحَ بِطَيْرٍ مِنْهَا فَقَالَ: لَهُ احْمِلْهُ واحْفَظْهُ ورُدَّهُ إِلَيْنَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْماً فَتَنَاوَلَهُ الطَّائِرُ وطَارَ بِهِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ وأَتْبَعَهُ سَائِرُ الطَّيْرِ فَسَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: أَسْتَوْدِعُكَ الَّذِي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى فَبَكَتْ نَرْجِسُ، فَقَالَ لَهَا: اسْكُتِي فَإِنَّ الرَّضَاعَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ ثَدْيِكِ[21] وسَيُعَادُ إِلَيْكِ كَمَا رُدَّ مُوسَى إِلَى أُمِّهِ[22] وذَلِكِ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَرَدَدۡنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَ﴾ قَالَتْ: حَكِيمَةُ فَقُلْتُ مَا هَذَا الطَّائِرُ؟ قَالَ: هَذَا رُوحُ القُدُسِ(!!) المُوَكَّلُ بِالْأَئِمَّةِ يُوَفِّقُهُمْ ويُسَدِّدُهُمْ ويُرَبِّيهِمْ بِالْعِلْمِ. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَنْ كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً رُدَّ الغُلَامُ ووَجَّهَ إِلَيَّ ابْنُ أَخِي. فَدَعَانِي فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٍّ متحركٍ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ: سَيِّدِي هَذَا ابْنُ سَنَتَيْنِ!! فَتَبَسَّمَ [الإمام] ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَوْلَادَ الأَنْبِيَاءِ والْأَوْصِيَاءِ إِذَا كَانُوا أَئِمَّةً يَنْشَئُونَ بِخِلَافِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُهُمْ، وإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا إِذَا أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ كَانَ كَمَنْ يَأْتِي عَلَيْهِ سَنَةٌ............... الحديث"[23].
توضيح: من هذه الرواية يظهر أن الولد أُعطي لطائر وأن الطائر أخذه أربعين يوماً وأن هذا الأمر تم منذ ابتداء ولادته، في حين أن الرواية السابقة قالت إن «حكيمة» ذهبت في اليوم السابع ورأت الطفل! فهذا تناقض واضح وصارخ بين الروايتين!
بقية الرواية 2: والآن لنر ما جاء في بقية الرواية الثانية التي نقلها المجلسـيُّ في «بحار الأنوار» عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي، عن «حكيمة خاتون» أنها قالت: "بَعَثَ إِلَيَّ الإمام الحسن العسكري ÷ سَنَةَ 255هـ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وقَالَ: يَا عَمَّةُ! اجْعَلِي اللَّيْلَةَ إِفْطَارَكِ عِنْدِي ........... فَلَمَّا أَنْ صَلَّيْتُ المَغْرِبَ والْعِشَاءَ الآخِرَةَ أَتَيْتُ بِالْمَائِدَةِ فَأَفْطَرْتُ أَنَا وسَوْسَنُ وبَايَتُّهَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَغَفَوْتُ غَفْوَةً ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ فَلَمْ أَزَلْ مُفَكِّرَةً فِيمَا وَعَدَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) مِنْ أَمْرِ وَلِيِّ اللهِ (ع) فَقُمْتُ قَبْلَ الوَقْتِ الَّذِي كُنْتُ أَقُومُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ اللَّيْلِ حَتَّى بَلَغْتُ إِلَى الوَتْرِ فَوَثَبَتْ «سَوْسَنُ» فَزِعَةً وخَرَجَتْ وأَسْبَغَتِ الوُضُوءَ ثُمَّ عَادَتْ فَصَلَّتْ صَلَاةَ اللَّيْلِ وبَلَغَتْ إِلَى الوَتْرِ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ الفَجْرَ قَدْ قَرُبَ فَقُمْتُ لِأَنْظُرَ فَإِذَا بِالْفَجْرِ الأَوَّلِ قَدْ طَلَعَ فَتَدَاخَلَ قَلْبِيَ الشَّكُّ مِنْ وَعْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع). فَنَادَانِي مِنْ حُجْرَتِهِ: لَا تَشُكِّي وكَأَنَّكِ بِالْأَمْرِ السَّاعَةَ قَدْ رَأَيْتِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) ومِمَّا وَقَعَ فِي قَلْبِي ورَجَعْتُ إِلَى البَيْتِ وأَنَا خَجِلَةٌ فَإِذَا هِيَ قَدْ قَطَعَتِ الصَّلَاةَ وخَرَجَتْ فَزِعَةً فَلَقِيتُهَا عَلَى بَابِ البَيْتِ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتِ وأُمِّي هَلْ تَحِسِّينَ شَيْئاً. قَالَتْ: نَعَمْ يَا عَمَّةُ إِنِّي لَأَجِدُ أَمْراً شَدِيداً، قُلْتُ: لَا خَوْفَ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللهُ وأَخَذْتُ وِسَادَةً فَأَلْقَيْتُهَا فِي وَسَطِ البَيْتِ وأَجْلَسْتُهَا عَلَيْهَا وجَلَسْتُ مِنْهَا حَيْثُ تَقْعُدُ المَرْأَةُ مِنَ المَرْأَةِ لِلْوِلَادَةِ فَقَبَضَتْ عَلَى كَفِّي وغَمَزَتْ غَمْزَةً شَدِيدَةً ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً وتَشَهَّدَتْ ونَظَرْتُ تَحْتَهَا فَإِذَا أَنَا بِوَلِيِّ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ مُتَلَقِّياً الأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ فَأَخَذْتُ بِكَتِفَيْهِ فَأَجْلَسْتُهُ فِي حَجْرِي وإِذَا هُوَ نَظِيفٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ فَنَادَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ (ع): يَا عَمَّةُ هَلُمِّي فَأْتِينِي بِابْنِي فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَتَنَاوَلَهُ وأَخْرَجَ لِسَانَهُ فَمَسَحَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ فَفَتَحَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ فَحَنَّكَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي أُذُنَيْهِ وأَجْلَسَهُ فِي رَاحَتِهِ اليُسْرَى فَاسْتَوَى وَلِيُّ اللهِ جَالِساً فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ انْطِقْ بِقُدْرَةِ اللهِ فَاسْتَعَاذَ وَلِيُّ اللهِ (ع) مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ واسْتَفْتَحَ: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ ٦﴾ [القصص: ٥، ٦] . وصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللهِ وعَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ والْأَئِمَّةِ (ع) وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِيهِ فَنَاوَلَنِيهِ أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) وقَالَ: يَا عَمَّةُ! رُدِّيهِ إِلَى أُمِّهِ حَتَّى تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَنَ ولِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فَرَدَدْتُهُ إِلَى أُمِّهِ وقَدِ انْفَجَرَ الفَجْرُ الثَّانِي فَصَلَّيْتُ الفَرِيضَةَ وعَقَّبْتُ إِلَى أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ وَدَّعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (ع) وانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ اشْتَقْتُ إِلَى وَلِيِّ اللهِ فَصِرْتُ إِلَيْهِمْ فَبَدَأْتُ بِالْحُجْرَةِ الَّتِي كَانَتْ «سَوْسَنَ» فِيهَا فَلَمْ أَرَ أَثَراً ولَا سَمِعْتُ ذِكْراً فَكَرِهْتُ أَنْ أَسْأَلَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَبْدَأَهُ بِالسُّؤَالِ فَبَدَأَنِي فَقَالَ: يَا عَمَّةُ! فِي كَنَفِ اللهِ وحِرْزِهِ وسَتْرِهِ وعَيْنِهِ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ لَهُ ... الحديث"[24].
توضيح: في هذه الرواية أم الإمام هي «سَوْسَنَ» وكان عليها أثر الحمل، أما في الروايات الأخرى فأم الإمام «نرجس» ولم يكن عليها أثر الحمل! فهذا تناقض واضح أول.
وأما التناقض الواضح الثاني بين هذه الرواية و الرواية السابقة فهو أن هذه الرواية تذكر أن الإمام غاب منذ اليوم الثالث أما الرواية السابقة فتذكر أن الإمام أُعطِيَ إلى طائر منذ اليوم الأول لولادته فغاب معه أربعين يوماً، وفي الرواية الأخرى ذُكر أن «حكيمة» رأت الطفل في اليوم السابع لولادته!
6- أما الرواية الأخرى التي رواها المجلسـيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي عن «محمد بن إبراهيم» أن السيدة «حكيمة خاتون» قالت: "بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ ÷ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وخَمْسِينَ ومِائَتَيْنِ قَالَتْ: وقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ! مَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ: نَرْجِسُ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ اشْتَدَّ شَوْقِي إِلَى وَلِيِّ اللهِ فَأَتَيْتُهُمْ عَائِدَةً فَبَدَأْتُ بِالْحُجْرَةِ الَّتِي فِيهَا الجَارِيَةُ فَإِذَا أَنَا بِهَا جَالِسَةً فِي مَجْلِسِ المَرْأَةِ النُّفَسَاءِ وعَلَيْهَا أَثْوَابٌ صُفْرٌ وهِيَ مُعَصَّبَةُ الرَّأْسِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا والْتَفَتُّ إِلَى جَانِبِ البَيْتِ وإِذَا بِمَهْدٍ عَلَيْهِ أَثْوَابٌ خُضْرٌ فَعَدَلْتُ إِلَى المَهْدِ ورَفَعْتُ عَنْهُ الأَثْوَابَ فَإِذَا أَنَا بِوَلِيِّ اللهِ نَائِمٌ عَلَى قَفَاهُ غَيْرَ مَحْزُومٍ ولَا مَقْمُوطٍ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وجَعَلَ يَضْحَكُ ويُنَاجِينِي بِإِصْبَعِهِ فَتَنَاوَلْتُهُ وأَدْنَيْتُهُ إِلَى فَمِي لِأُقَبِّلَهُ فَشَمَمْتُ مِنْهُ رَائِحَةً مَا شَمَمْتُ قَطُّ أَطْيَبَ مِنْهَا ونَادَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) يَا عَمَّتِي هَلُمِّي فَتَايَ إِلَيَّ فَتَنَاوَلَهُ وقَالَ يَا بُنَيَّ انْطِقْ.... الحديث"[25].
توضيح: كما رأينا جاء في هذه الرواية أن «حكيمة» ذهبت في اليوم الثالث لرؤية الطفل حديث الولادة وأنها دخلت غرفة «نرجس» و وجدت الطفل في المهد، في حين أن الرواية السابقة ذكرت أن «حكيمة» ذهبت إلى غرفة نرجس في اليوم الثالث لولادتها فلم تر الطفل فلمّا استفسرتُ من الإمام العسكري قال لها: "يَا عَمَّةُ! فِي كَنَفِ اللهِ وحِرْزِهِ وسَتْرِهِ وعَيْنِهِ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ لَهُ". فهذا تناقض آخر.
إلى هنا ذكرنا جميع الروايات المذكورة في «بحار الأنوار» المتعلِّقة بأم إمام الزمان وكيفية ولادته. وقبل أن ننهي هذا المبحث نودُّ أن نلاحظ بعض الأمور التي وردت في متون تلك الروايات، التي يعتقد الشيعة بصحتها، ونعلّق عليها:
يظهر من الرواية رقم 3 أن الإمام علي النقي ÷ يعلم الغيب وما سيقع في المستقبل، حيث قال لخادمه «كافور» اذهب وافعل كذا وكذا وستجد تلك الأمة في السفينة فقل كذا وافعل كذا.. الخ، هذا في حين أن مثل هذا الأمر لا يصح لأن الله تعالى يقول في القرآن الكريم: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤].
وإذا رأينا في القرآن أن الله تعالى يخبرنا بأنه في بضع سنين – أي بعد 3 إلى 9 سنوات – ستقع حرب بين إيران والروم وسينتصر فيها الروم على الفرس فهذا لأن الله خالق المستقبل ويعلم به، وقد أطلع نبيه الكريم على ذلك. أو قال تعالى مثلاً في سورة الجن: ﴿قُلۡ إِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٞ مَّا تُوعَدُونَ أَمۡ يَجۡعَلُ لَهُۥ رَبِّيٓ أَمَدًا ٢٥﴾ [الجن: ٢٥]، ثم أعقب ذلك بقوله: ﴿عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ فَلَا يُظۡهِرُ عَلَىٰ غَيۡبِهِۦٓ أَحَدًا ٢٦ إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسۡلُكُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدٗا ٢٧﴾ [الجن: ٢٦، ٢٧].
فهذه الآيات الكريمة تدل على أن الله تعالى يُطْلِعُ من يشاء من أنبيائه ورسله على الغيب، ولكن بما أن الإمام علي النقي ÷ لم يكن لا نبياً ولا رسولاً فلا تشمله هذه الآية، بل يشمله قوله تعالى: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗا﴾ [لقمان: ٣٤]، فنسبة علم الغيب إلى الإمام دليل آخر -يُضاف إلى ما ذكرناه من أدلة - على كذب تلك الروايات.
والأمر الثاني أن تلك الروايات ذكرت أن الإمام المهدي «حجة الله على عباده» والشيعة تؤمن فعلاً بهذا الأمر، هذا في حين أن الله تعالى يبين لنا في القرآن أنه أتم الحجة على الناس برسله وأنه باختتام الرسل تمَّت حجة الله وانتهت: قال تعالى: ﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا ١٦٥﴾ [النساء: ١٦٥]. وإذا تدبرنا الآية التي جاءت قبل هذه الآية مباشرةً وجدناها تقول: ﴿إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيۡمَٰنَۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا ١٦٣ وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا ١٦٤ رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا ١٦٥﴾ [النساء: ١٦٣، ١٦٥]
فهذه الآيات تبيِّن بوضوح أن الله تعالى أتم الحجة على عباده برسله وبواسطة كتبهم وتعاليمهم، وقد جاء نحو ذلك في الخطبة رقم 90 المعروفة باسم «خطبة الأشباح» في «نهج البلاغة» ونصه: "فَأَهْبَطَهُ [أي آدم عليه السلام] بَعْدَ التَّوْبَةِ لِيَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ ولِيُقِيمَ الحُجَّةَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ ولَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ ويَصِلُ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ ومُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاتِهِ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) حُجَّتُهُ وبَلَغَ المَقْطَعَ عُذْرُهُ ونُذُرُهُ".
وعندما نقول إن «حجة الله» بيننا معشر المسلمين اليوم هي كتاب الله (القرآن) فإن كلامنا هذا متطابقٌ تماماً مع قول الله تعالى: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ﴾ [الحديد: ٢٥] فإن قيل: إن إمام الزمان «حجَّةٌ»، قلنا: إن هذا مخالفٌ لما تقوله الآيات والأحاديث.
أما من الناحية العقلية فنقول: لماذا يخفي الله تعالى حجته عن الأنظار؟ أليست سنة الله في عباده – كما تبينها آيات القرآن الكريم – أن يُتِمَّ حجَّتَه على الناس بكل وضوح وجلاء؟ وأنه قد بدأ بإتمام حجَّته بإرسال الأنبياء وانتهت حجَّته بخاتمهم سيدنا محمد ص؟ ثم إنه كيف يعذِّب اللهُ تعالى الناسَ إن لم يؤمنوا بهذه الحجَّة (أي الإمام القائم)؟ أفلا يحق لهم أن يقولوا يوم القيامة: يا رب! لقد كانت حجَّتك غائبةً فمن أين لنا أن نعلم أنها كانت موجودة فعلاً؟؟.
ثم إنكم لاحظتم أن جميع الروايات السابقة مروية عن السيدة «حكيمة» عمة الإمام الحسن العسكري، ورأينا أنها متناقضة يكذِّب بعضها بعضاً وتتضمَّن أموراً تخالف القرآن الكريم، فليت شعري! كيف يؤاخِذُ اللهُ مَنْ لَمْ يؤمن بمثل هذه الحجَّة المستَنِدة إلى مثل هذه الروايات المتناقضة المخالفة للكتاب؟! هذا في حين أننا نعلم - طبقاً لما في كتاب «فِرَق الشيعة» الذي ألَّفه «النوبختي» الشيعي الإمامي الذي تُوُفِّيَ سنة 301 هـ - أن شيعة الإمام الحسن العسكري ÷ انقسموا بعد وفاته إلى فرق عديدة: وسنذكر هنا رأي كل واحدة من هذه الفرق على ضوء ما جاء في كتاب «فرق الشيعة» للنوبختي[26] الذي ترجمه الدكتور «محمد جواد مشكور» إلى الفارسية، ومن أراد التفصيل فعليه أن يرجع إلى الكتب الخاصة بالفرق والمذاهب مثل «الملل والنِّحَل» للشهرستاني وابن حزم أو «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين» لأبي الحسن الأشعري، أو كتاب «المَقَالاتُ والفِرَقُ» لسعد بن عبد الله الأشعري و...الخ[27].
2تُوُفِّيَ الحسن بن علي (الإمام الحسن العسكري)...... بِسُرَّ مَنْ رأى وهو ابن ثمان وعشرين سنة، ودُفِنَ في داره في البيت الذي دُفِنَ فيه أبوه، وصلَّى عليه أبو عيسى بن المتوكِّل، وكانت إمامته خمس سنين وثمانية أشهر وخمس أيام. وَتُوُفِّيَ ولم يُرَ له [خلف] ولم يُعْرَف له ولدٌ ظاهرٌ، فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمُّه...... .
وافترق أصحابه من بعده فِرَقاً:
1- ففرقةٌ قالت: إن «الحسن بن عليّ» حيٌّ لم يَمُتْ وإنما غاب وهو المهدي القائم ولا يجوز أن يموت الإمام! ولا ولد له ولا خلف معروف ظاهر...
نُلاحظ إذاً أن هناك عدداً من أتباع الإمام الحسن العسكري ÷ أنكروا وفاته، لأنه كانوا يعتقدون أنه لا ولد له، وَمِنْ ثَمَّ فاضطروا أن يعتبروه المهدي القائم!!
32- وقالت فرقةٌ إن «الحسن بن عليٍّ» مات وعاش بعد موته، وهو القائم المهدي، وتمسكوا في ذلك برواية رووها عن جعفر بن محمد أنه قال: إنما سُمِّيَ القائم قائماً لأنه يقوم بعدما يموت، فالحسن بن علي قد مات لا شك في موته، ولا خلف له، ولا وصيَّ موجود!
تُلاحظون أن هذه الفرقة من أتباع الإمام الحسن العسكري ÷ استندت إلى حديثٍ يقول: إن الإمام القائم إنما سُمِّيَ قائماً لأنه يقوم بعدما يموت، فلم تنكر هذه الفرقة موت حضرة الإمام خلافاً للفرقة السابقة التي أنكرت وفاته، ولكن لمَّا لم يكن للإمام ولدٌ، اعتبروه هو نفسه الإمام القائم مثل عقيدة الفرقة السابقة.
3- وقالت فرقةٌ من شيعته: إن الإمام «الحسنَ بنَ علٍّي» تُوُفِّيَ ولا عقب له والإمامُ بعده أخوه «جعفر بن علي»، وإليه أوصى الحسن، وَمِنْهُ قَبِلَ جَعْفَرٌ الوصيةَ، وعنه صارت إليه الإمامة!
4- وقالت فرقةٌ: إن «أبا جعفر محمد بن علي»[28]، الميت في حياة أبيه، كان الإمامَ بوصية أبيه إليه، وإشارته ودلالته ونصِّه على اسمه وعينه. ولا يجوز أن يشير إمامٌ قد ثبتت إمامتُه وصحَّت (أي الإمام الهادي) على [شخصٍ] غير إمام. فلمَّا حضرت الوفاة «محمدَ بن عليٍّ» لم يجز أن لا يوصي وأن لا يقيم إماماً، ولا يجوز له أن يوصي إلى أبيه، إذ إمامة أبيه ثابتة عن جدِّه، ولا يجوز أيضاً أن يأمر مع أبيه وينهى ويقيم من يأمر معه ويشاركه، وإنما ثبتت له الإمامة بعد مضي أبيه، فلما لم يجز له إلا أن يوصي (فقد) أوصى إلى غلامٍ لأبيه صغيرٍ كان في خدمته يُقال له «نفيس» وأمر إذا حدث به حدثُ الموت أن يؤدي ذلك كله إلى أخيه جعفر، كما فعل الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، لما خرج إلى الكوفة فقد دفع كتبه والوصية وما عنده من السلاح وغيره إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله، واستودعها ذلك كله، وأمرها أن تدفعه إلى علي بن الحسين الأصغر إذا رجع إلى المدينة، فلما انصرف علي بن الحسين من الشام إليها، دفعت إليه جميع ذلك، وسلَّمته إليه، فهذا بتلك المنزلة في الإمامة لجعفر بوصية «نفيس» إليه عن محمد أخيه، فإن نفيساً لمَّا خاف على نفسه ولمَّا علم أهل الدار بقصّته وأحسُّوا بأمره وحسدوه، ونصبوا له وبغوه الغوائل، وخشي أن تبطل الإمامة وتذهب الوصية دعا جعفرا وأوصى إليه، ودفع إليه جميع ما استودعه أخوه الميت في حياة أبيه، ودفع إليه الوصية على نحو ما أمره. وهكذا ادَّعى جعفر (أن الإمامة) صارت إليه مِنْ قِبَلِ محمد أخيه، لا مِنْ قِبَلِ أبيه، وهذه الفرقة تُسمَّى «النفيسية». وأنكرت هذه الفرقة إمامة الحسن العسكري عليه السلام، وقالوا لم يوصِ أبوه إليه، ولا غيَّر وصيَّته إلى محمد ابنه، وهذا عندهم جائز صحيح، فقالوا بإمامة جعفر من هذا الوجه، وناظروا عليها[29].
5- وآمنت فرقةٌ، منهم أشخاصٌ من أهل الورع والعبادة مثلُ «عبدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ» ونظرائه، بإمامة حضرة «الحسن بن علي العسكري» بعد أبيه، وقالوا بما أن الإمام العسكري تُوُفِّيَ ولم يكن له ولد، لذا جاز أن تنتقل الإمامة من بعده إلى أخيه «جعفر بن علي».
هذا في حين أن الفرقة 3 كانت تعتقد أن حضرة العسكري هو نفسه الذي نصب أخاه جعفراً بمنصب الإمامة من بعده!
6- ورجعت فرقةٌ إلى القول بإمامة «محمد بن علي» المُتَوَفَّى في حياة أبيه، وزعمت أن الحسن وجعفر ادَّعيا ما لم يكن لهما، وأن أباهما لم يُشِرْ إليهما بشيء من الوصية والإمامة، ولا رُوِيَ عنه في ذلك شيءٌ أصلاً ولا نص عليهما بشيء يوجب إمامتهما!!
7- وقالت فرقة: بما أنه ظهر للحسن (العسكري) ولدٌ بعده بثمانية أشهر، فالذين ادَّعوا له ولداً في حياته كاذبون مبطلون في دعواهم، لأن ذلك لو كان، لم يخْفَ كما لم يخْفَ غيره، ولكنه مضى ولم يُعْرَف له ولدٌ، ولا يجوز أن يُكابَر في مثل ذلك ويُدْفَعَ العيان والمعقول والمُتعارف.
8- وقالت فرقةٌ: لا ولد للحسن بن علي أصلاً لأنا تبحَّرنا ذلك بكل وجه وفتشنا عنه سرَّاً وعلانيةً، وبحثنا عن خَبَرِهِ في حياة الحسن بكل سبب فلم نجده، ولو جاز أن يُقال في مثل الحسن بن علي وقد تُوُفي ولا ولد له ظاهر معروف، أن له ولداً مستوراً، لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من غير خَلَفٍ، ولجاز مثل ذلك في النبي صلوات الله عليه أن يقال خلَّف ابناً رسولاً نبياً![30]
9- وفرقةٌ قالت: إن الحسن بن علي قد صحَّت وفاته كما صحت وفاة آبائه بتواطؤ الأخبار التي لا يجوز تكذيب مثلها، وصح بمثل هذه الأسباب أنه لا خلف له، فلما صح عندنا الوجهان ثبت أن لا إمام بعد الحسن بن علي وأن الإمامة انقطعت، وذلك جائز في المعقول والقياس، فكما جاز أن تنقطع النبوة بعد محمد ص فلا يكون بعده شيء، كذلك جاز أن تنقطع الإمامة.
10- وقالت فرقةٌ لما سُئلوا عن ذلك وقيل لهم: ما تقولون في الإمام أهو جعفر أم غيره؟؟ قالوا: لا ندري ما نقول في ذلك! أهو من ولد الحسن أم من إخوته، فقد اشتبه علينا الأمر فلسنا نعلم أن للحسن بن علي ولدا أم لا؟ أم الإمامة صحت لجعفر أم لمحمد؟ وقد كثر الاختلاف. إلا أننا نقول إن الحسن بن علي كان إماماً مفترض الطاعة ثابت الإمامة، وقد توفي (عليه السلام) وصحت وفاته، والأرض لا تخلو من حجة، فنحن نتوقف ولا نقدم على القول بإمامة أحد بعده، ولا ننكر إمامة أبي محمد ولا موته، ولا نقول إنه رجع بعد موته ولا نقطع على إمامة أحد من ولد غيره، ولا ننتميه حتى يظهر الله الأمر إذا شاء ويكشف ويبينه لنا[31].
11- وقالت فرقةٌ: إن الحسن بن علي ÷ كان له ولدٌ، سمَّاه «محمَّداً»، وأشار إليه بالإمامة من بعده، وهم الآن ينتظرون ظهوره.
توضيح: لو كان في شريعةِ اللهِ نصٌّ موثوقٌ حول «المهديِّ» لما وُجِدَ كلُّ هذا الاختلاف والحيرة بشأنه بين المسلمين.
وعلي أي حال، كان هذا حال شيعة الإمام الحسن العسكري في زمنه، وتلك كانت عقيدتهم بشأن ابن الإمام الحسن العسكري، رغم أنهم كانوا معاصرين له، فما بالك بحال من جاء بعدهم؟؟ فهل هكذا تكون حجَّة الله على عباده؟؟
ثم نسأل: ما هي فائدة مثل هذه الحجَّة؟؟ وعلى قول أستاذنا جناب «السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي»: عندما يكون إمام الأمة وهاديها مختفياً فأي إمامة وهداية وإرشاد يُرتجى منه على نحو أنه لو فقد فإن الدنيا تنقلب أوضاعها ويضطرب الزمان والناس؟؟
أليس من المضحِك أن نقول: إن رَبَّ العالمين غيَّبَ حُجَّته ثم إنه سيلوم الناس في الحياة الأخرى وفي يوم القيامة على عدم إيمانهم بوجود حُجَّته؟! أليس من حق الناس في الآخرة أن يُجيبوا الله قائلين: اللهم إن حُجَّتك هي الدليل، وطبقاً لقول بعض الناس بالطبع، جاء الحُجَّة بيننا ولكنه غاب ولم يعد لدينا من سبيل للوصول إليه!! لقد أتيتَنا بدليل وحُجَّة ولكن دليلك غاب واختفى!! هل يُمكن أن يهتدي الناس وتتم الحُجَّة عليهم من خلال دليل غائب لا يُمكن للناس أن يصلوا إليه؟! فَسُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَقُولُ الْجـَاهِلُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
إن كل من يقول ذلك لم يعرف الله حق المعرفة، ومن هنا نُدرك أن منشأ الخرافات والأخطاء عدم معرفة الله تعالى وعدم معرفة مقام كبرياء الذات الأحدية.
لو قبلنا بكل أسطورة أو ادِّعاء لا دليل عليه واعتبرنا كائناً غائباً منذ ألف وبضع مئات من السنين إمامنا نكون قد سلكنا سبيلاً مخالفاً للوحي والعقل والتجربة، لأن الوحي يقول إن فائدة الإمام هي هدايته وإرشاده وأعماله التي نأتمُّ بها ونقتدي بها، فإذا كان إمامنا مختفياً ولم يترك لنا كتاباً وآثاراً كي نرجع إليها لحلِّ مشكلات عصرنا فإن هذا الإمام ليس هو الإمام الذي جاء وصفه في القرآن الكريم والذي أمر القرآن بالإيمان به واتِّباع أقواله وأفعاله.
فإن قيل: أين اعتبر القرآن الكريم أن فائدة الإمام هي هداية الناس؟ قلنا: عندما قال عن الهُداة المُرشدين المُرسلين من الله: ﴿وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا﴾ [الأنبياء: ٧٣] ولا شك أن ما يقوله القرآن لا يتعلق بالماضي والأمم السالفة فقط بل هو لجميع أهل القرآن أي للمسلمين جميعاً؛ لأن الماضين مضوا فلو كانت بعض تعاليم القرآن خاصة بمن قبلنا فما فائدة تذكير هذه الأمة بها؟!
يقول هؤلاء المُدَّعون أحياناً بعد أن يُعييهم الجواب: إن فائدة الإمام ستظهر في المستقبل عندما يظهر ويملأ العالَم عدلاً بعد أن يكون قد امتلأ ظلماً وجوراً. فنقول: إذن الإمام ليس إمام زماننا بل هو إمام المستقبل!
أضف إلى ذلك إذا كانت إرادة الله تعالى قد تعلَّقت بأن يملأ العالَم بنور العدل في المستقبل وفي آخر الزمن، فما الحاجة إلى أن يخلق شخصاً قبل ألف سنة ويحتفظ به قروناً متمادية لإنجاز هذه المهمة؟ ألم يكن الله قادراً -نعوذ بالله تعالى- أن يوجد مثل هذا الهادي والإمام المُصلح في الوقت المناسب تماماً كما أوجد النَّبِيّ الأَكْرَم ص في الوقت المقتضي؟! وهل يفعل الله القُدُّوس القدير عملاً عبثياً؟ وهل حساب الله مثل حساب العبيد الذين يرون أنه لا يُمكنهم الحصول على فاكهة الشتاء في الصيف فيُخزِّنون فاكهة الشتاء كي يأكلوها بالصيف؟!
يقولون: لا بُدَّ أن يكون الإمام ابناً لإمام، ولذلك احتفظ الله بابن آخر إمام من الأئمة ليُؤَدِّي تلك المهمة!! فنقول: يا للعجب! ألا يعلمون أن أبا طالب والد أمير المؤمنين علي ÷ لم يكن إماماً ولا نبياً! ألا يتفكرون في حال «عبد الله» والد رسول الله ص الذي لم يكن يتمتع لا بمقام النبوة ولا بمقام الإمامة؟! فإذا كان حضرة أبي الأئمة خارجاً عن هذا الشرط ولم يدَّعِ رسول الله ص نفسه مع كل مقامه العالي الذي لا يُضاهى هذا الأمر فكيف يُمكن أن يكون ادِّعاؤكم صحيحاً؟
أضف إلى ذلك أن السؤال المهم الذي يطرح نفسه: لماذا لا نجد أيّ ذكر أو دليل يدل على هذا الإمام المحجوب الذي يرتبط به مصير مستقبل العالَم في القرآن الكريم؟ وهل أهمية الإيمان بوجود مثل هذا الإمام أقل من أهمية الإيمان بوجود رجال من الماضين عاشوا ورحلوا عن الدنيا منذ عشرات القرون مثل لقمان وذي القرنين، حتى نجد أن القرآن الكريم ذكر لنا أسماءهم وأوصافهم بشكل مفصل لنأخذ من سيرتهم وأقوالهم العبرة والموعظة، ولكنه لم يذكر لنا أيَّ شيء عن اسم وأوصاف إمام عظيم وشخص غائب يجب على المسلمين أن ينتظروه ويترقَّبوا ليل نهار ظهور دولته؟! هل طريقة كتاب الهداية أنه كلما كان الأمر أكثر أهمية اختصر في بيانه أو كتم بيانه عنا بشكل تام! أما إذا كان الأمر أقل أهمية أوضحه وفصَّله لنا بشكل كامل؟!
[18] أي أعضاء السجود السبعة: وهي: الجَّبْهَة (أو الوَجْه) والرُّكْبَتَانِ، وَالْيَدَانِ، وَالْقَدَمَانِ. (المُتَرْجِمُ). [19] بحار الأنوار، ج 51، ص 2-3، حديث رقم 3. (المُتَرْجِمُ) [20] قوله إن أم موسى لم تظهر عليها آثار الحبل غير صحيح، [ودليل آخر على كذب هذه الرواية]، لأننا إذا رجعنا إلى «التوراة»، وإلى سفر الخروج (الآية 16 فما بعد) منها رأينا أن سبب بقاء حضرة «موسى» حياً كان خوف القابلة (المولدة) من الله، وفيما يلي نص ذلك: "15وَكَلَّمَ مَلِكُ مِصْـرَ قَابِلَتَيِ الْعِبْرَانِيَّاتِ اللَّتَيْنِ اسْمُ إِحْدَاهُمَا شِفْرَةُ وَاسْمُ الأُخْرَى فُوعَةُ 16وَقَالَ: «حِينَمَا تُوَلِّدَانِ الْعِبْرَانِيَّاتِ وَتَنْظُرَانِهِنَّ عَلَى الْكَرَاسِـيِّ إِنْ كَانَ ابْناً فَاقْتُلاَهُ وَإِنْ كَانَ بِنْتاً فَتَحْيَا». 17وَلَكِنَّ الْقَابِلَتَيْنِ خَافَتَا اللهَ وَلَمْ تَفْعَلاَ كَمَا كَلَّمَهُمَا مَلِكُ مِصْـرَ بَلِ اسْتَحْيَتَا الأَوْلاَدَ.". [21] فكيف كان يرضع الحليب في الأربعين يوماً المذكورة؟ (البرقعي) [22] ينبغي أن نعلم أنه طبقاً لما جاء في القرآن الكريم وكذلك في نص التوراة، وضعت أم موسى ابنها في صندوق و وضعته في نهر النيل فالتقطه آل فرعون وأتوا به منزل فرعون، ثم حرم الله عليه المراضع فجاءت أم موسى فأرضعته، وردَّه الله تعالى إليها بهذه الطريقة، وليس في واقع القصة أن أم موسى عهدت بوليدها إلى طائر، ولا ذكرٌ لطائر أصلاً في ذلك الموضوع. (المؤلِّف) [23] بحار الأنوار، ج 51، ص 13 - 14، حديث رقم 14. (المُتَرْجِمُ) [24] بحار الأنوار، ج 51، ص 17 - 18، حديث رقم 25. (المُتَرْجِمُ) [25] بحار الأنوار، ج 51، ص 19، حديث رقم 26. (المُتَرْجِمُ) [26] اعتبر علماءٌ [ورجاليون] كبار كالنجاشي والشيخ الطوسي: النوبختيَّ من علماء الشيعة. [27] كما أنه من المفيد في هذا الموضوع قراءة الجزء الأول من «مقدمة ابن خلدون» الفصل 27. (البرقعي) [28] المراد ابنُ حضرة الإمام علي النقي (الهادي) عليه السلام، الذي توفي صغيراً في حياة أبيه، وكان الإمام الهادي قد عرَّفه للناس بوصفه الإمام من بعده. [29] كتاب فرق الشيعة، الحسن بن موسى النوبختي، الدكتور عبد المنعم الحنفي، القاهرة، دار الرشاد، 1412هـ -1992م، ص 104. (المُتَرْجِمُ) [30] كتاب فرق الشيعة، الحسن بن موسى النوبختي، ص 101. (المُتَرْجِمُ) [31] اختصر المؤلف بشدة في بيانه لعقيدة هذه الفرقة، فبينتُها كما في الأصل الذي نقل عنه أي كتاب «فرق الشيعة» للنوبختي، ص 105. (المُتَرْجِمُ)
يروي الشيخ الصدوق في كتاب «إكمال الدين» عن «عَقِيدٍ الخَادِمِ» أن ابنَ الإمامِ الحسن العسكري ÷ وُلِدَ في ليلة الجمعة من شهر رمضان سنة 254هـ، ولكنه يروي في الكتاب ذاته عن السيدة «حكيمة» أن ولادته كانت في النصف من شعبان سنة 255هـ. وهناك رواية أخرى في الكتاب ذاته تقول إن إمام الزمان ولد في الثامن شهر شعبان سنة 256هـ. أما بهاء الدين علي بن عيسى الإربلي الموصلي (ت 693هـ) فقال في كتابه «كَشْفُ الغُمَّةِ» إن ولادة الإمام كانت في الثالث والعشـرين من شهر رمضان المبارك سنة 258هـ!
أورد المجلسيُّ في «بحار الأنوار» عدة روايات حول النمو الخارق للعادة للإمام الثاني عشر. أولاً: هي روايات متناقضة يعارِضُ بعضها بعضاً. وثانياً: هي روايات تخالف القرآن والكتب السماوية وتخالف العقل. فمثلاً تنقل إحدى تلك الروايات عن السيدة «حكيمة» قولها: "فَلَمَّا أَنْ كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً رُدَّ الغُلَامُ ووَجَّهَ إِلَيَّ ابْنُ أَخِي [أي الإمام الحسن العسكري] فَدَعَانِي فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٍّ مُتَحَرِّكٍ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ(!!) فَقُلْتُ: سَيِّدِي هَذَا ابْنُ سَنَتَيْنِ(!!) فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَوْلَادَ الأَنْبِيَاءِ والْأَوْصِيَاءِ إِذَا كَانُوا أَئِمَّةً يَنْشَئُونَ بِخِلَافِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُهُمْ، وإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا إِذَا أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ كَانَ كَمَنْ يَأْتِي عَلَيْهِ سَنَةٌ (!!)..".
ويروي المجلسيُّ في «بحار الأنوار» روايةً أخرى جاء فيها: "فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ [الحسن العسكري] ÷، فَإِذَا مَوْلَانَا الصَّاحِبُ يَمْشـِي فِي الدَّارِ فَلَمْ أَرَ وَجْهاً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِهِ ولَا لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ. فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا المَوْلُودُ الكَرِيمُ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ. فَقُلْتُ: سَيِّدِي أَرَى مِنْ أَمْرِهِ مَا أَرَى ولَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً!! فَتَبَسَّمَ وقَالَ: يَا عَمَّتِي! أَ مَا عَلِمْتِ أَنَّا مَعَاشِرَ الأَئِمَّةِ نَنْشَأُ فِي اليَوْمِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي السَّنَةِ.."[32].
توضيح: نشاهد في هذه الرواية أنه يقول إن الأئمة ينمون خلال يوم واحد كنمو غيرهم خلال سنة، في حين أن الرواية السابقة ذكرت أن نموهم خلال شهر يعادل نموَّ الآخرين خلال سنة!
وقد وردت رواياتٌ عديدةٌ من هذا القبيل نضـرب صفحاً عن ذكرها كي لا نكرِّر المكرَّرات.
توضيح: إذا نظرنا إلى التوراة رأينا أنه ذُكر في سِفْر الخروج، الإصحاح الثاني، الآية 1: "1وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي وَأَخَذَ بِنْتَ لاَوِي 2فَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ابْناً. وَلَمَّا رَأَتْهُ أَنَّهُ حَسَنٌ خَبَّأَتْهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. 3وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُخَبِّئَهُ بَعْدُ أَخَذَتْ لَهُ سَفَطاً مِنَ الْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِالْحُمَرِ وَالزِّفْتِ وَوَضَعَتِ الْوَلَدَ فِيهِ وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ.".
فهذا النصُّ التوراتي يُبَيِّنُ أن موسى بقي لدى أمه ثلاثة أشهر قبل أن تضعه في صندوق وتلقيه في اليمّ. فلو قبلنا بالروايتين المذكورتين فمعنى ذلك أنه طبقاً للرواية الأولى ينبغي أن يكون موسى ÷ قد أصبح ابن ثلاث سنين عندما وضعته أمه في الصندوق! وطبقاً للرواية الثانية ينبغي أن يكون قد أصبح ابن أربعين عاماً عند ذاك!! ودعنا نأخذ بالرواية ذات الزمن الأقل ونقول لما وصل موسى ÷ إلى بلاط فرعون كان ابن ثلاث سنين وبضعة أيام، ففي مثل هذه السن لم يكن بحاجة إلى حليب الأم مع أننا نعلم أن الله تعالى صنع له تدبيراً ردَّه من خلاله إلى أمّه لتقوم بإرضاعه، بعد أن التقطه آل فرعون، فمعنى هذا أن موسى ÷ كان ينمو مثل نمو سائر الأطفال العاديين، مما يثبت خطأ تلك الروايات، وعدم صحتها.
دليل آخر: نعلم أن الإمام الحسن ÷ وُلِد في السنة الثالثة للهجرة، والإمام الحسين ÷ وُلِدَ في السنة الرابعة للهجرة، و وقعت حادثة المباهلة – كما يرويها الشيعة – في السنة العاشرة للهجرة، أي عندما كان للإمام الحسن ÷ سبع سنوات من العمر، وللإمام الحسين ÷ ست سنوات. فلْنرَ الآن كيف كان نموهما؟ هل كانا – حسب ما تذكره تلك الروايات ابني ثلاثين أو أربعين عاماً؟؟ أم كانا لا يزالان طفلين؟ إذا رجعنا إلى كتاب «منتهى الآمال» للشيخ عباس القمِّي رأيناه يروي لنا قصة المباهلة كما يلي: "فقدم حضرة الرسول ص إلى بيت حضـرة أمير المؤمنين فجراً وأخذ بيد الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام وكان أمير المؤمنين يتقدمه وحضرة فاطمة عليها السلام خلفه".
ويوجد الكثير من مثل هذه الشواهد، ومن جملتها أن الشيخ عباس القمي روى في كتابه «منتهى الآمال» في باب وفاة حضرة محمد ص عن ابن عباس روايةً تُبَيِّنُ أن الحسن والحسين كانا طفلين حين وفاة رسول الله ص أي كانا حسب الظاهر ابني ست وسبع سنوات، ولم يكونا شابين كبيرين كما تقتضيه تلك الروايات التي ذكرها المجلسي في «بحار الأنوار»!
وكذلك يروي الشيخ عباس القمي أنه "عندما حضرت النبيَّ ص الوفاةُ قال لعليٍّ ÷: ادنُ مني، فأخذ بيديه وأجلسه على مخدته، ثم غاب عن الوعي، فدخل الحسن والحسين في هذه الحال فلما وقع نظرهما على جمال النبي ورأياه في تلك الحالة أخذهم البكاء وصاحا: واجَدَّاه! وامُحَمَّدَاه! ورميا بأنفسهما على صدر النبيّ، فأراد حضرة أمير المؤمنين أن يبعدهما عنه ص فعاد النبيُّ في تلك اللحظة إلى وعيه، وقال: يا علي دعني أشم ريحانتيَّ!".
فمن هاتين الروايتين يتبيَّن أن الحسن والحسين كانا طفلين وكان نموُّهما مثل نمو سائر البشر، وَمِنْ ثَمَّ فجميع الروايات التي تقول إن نمو المهدي كان نمواً غير عادي روايات موضوعة من أساسها.
***
[32] بحار الأنوار، ج 51، ص 20، ح 27 . (المُتَرْجِمُ)
4إحدى العقائد التي تعتقد بها الشيعة الإمامية مسألة «الرجعة»، ومضمونها أنه قبل يوم القيامة، في زمن ظهور الإمام المهدي، سيعود جماعة من الأموات إلى الحياة في هذه الحياة الدنيا!! وسنذكر فيما يلي بعض الأحاديث التي رواها المَجْلِسِيُّ في «بحار الأنوار» في هذا الصدد ثم نعلِّق عليها وننقدها:
أورد المَجْلِسِيُّ في «بحار الأنوار»، في الباب الثالث والثلاثين من المجلد الثالث عشر روايةً طويلةً عن «المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ» حول هذا الموضوع، وسنذكر هذه الرواية بطولها على نحو مشابه تقريباً لما جاء في كتاب «مهدي موعود» [بالفارسية] ترجمة «علي دواني»، وذلك لكي يدرك القارئ الكريم - بعد معرفته كذب هذه الرواية عندما يقرأ نقدنا لها - كيف يقوم الكذبة بتطويل ما يروونه من أخبار وكيف يلفقون الأكاذيب حتى يتوهم الناس أن ما يروونه حقائق واقعية!
قال المَجْلِسِيُّ: "رُوِيَ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِ أَصْحَابِنَا -بإسنادٍ متَّصل[33]- إلى «المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ» قَالَ: سَأَلْتُ سَيِّدِي الصَّادِقَ ÷ هَلْ لِلْمَأْمُورِ المُنْتَظَرِ المَهْدِيِّ مِنْ وَقْتٍ مُوَقَّتٍ يَعْلَمُهُ النَّاسُ؟ فَقَالَ: حَاشَ لِـلَّهِ أَنْ يُوَقِّتَ ظُهُورَهُ بِوَقْتٍ يَعْلَمُهُ شِيعَتُنَا. قُلْتُ: يَا سَيِّدِي! وَلِمَ ذَاكَ؟! قَالَ: لِأَنَّهُ هُوَ السَّاعَةُ الَّتِي قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧]
توضيح: رأينا من الضروري قبل أن ننقل بقية الرواية أن نوضح ما في بدايتها هذه من كذب الراوي وتناقضه الواضح:
أولاً: الآية التي استشهد بها جاءت في سورة الأعراف المكية، ولم يكن هناك أحد في مكة يسأل في تلك الفترة عن وقت ظهور المهدي!! بل كان الله تعالى يتكلم عن القيامة ويجيب عن سؤال الناس متى تقوم القيامة؟
بقية القصَّة: وأما بقية الرواية فيواصل الإمام قوله للمُفَضَّل:
"... وَهُوَ [أي المنتظر المهدي] السَّاعَةُ الَّتِي قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَا﴾ [الأعراف: 187، والنازعات: 42] وَقَالَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهَا عِنْدَ أَحَدٍ، وَقَالَ: ﴿فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَا﴾ [محمد : ١٨] وَقَالَ: ﴿ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ ١﴾ [القمر: ١] وَقَالَ: ﴿وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ ١٧ يَسۡتَعۡجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِهَاۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشۡفِقُونَ مِنۡهَا وَيَعۡلَمُونَ أَنَّهَا ٱلۡحَقُّۗ أَلَآ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فِي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلَٰلِۢ بَعِيدٍ ١٨﴾ [الشورى: ١٧، ١٨] .".
توضيح: كما قلنا قبل قليل المقصود من «الساعة» في كل هذه الآيات هو يوم القيامة، ونظرةٌ إلى الآيات القرآنية الكريمة والقرائن التي فيها وملاحظة سياقها والآيات التي جاءت قبل الآيات المذكورة وبعدها، يوضِّحُ هذا الأمرَ بكلِّ جلاء.
اقرؤوا الآن بقية القصَّة: قال: "قُلْتُ: فَمَا مَعْنَى ﴿يُمَارُونَ﴾؟ قَالَ: يَقُولُونَ مَتَى وُلِدَ وَمَنْ رَأَى وَأَيْنَ يَكُونُ وَمَتَى يَظْهَرُ؟؟ وَكُلُّ ذَلِكَ اسْتِعْجَالاً لِأَمْرِ اللهِ، وَشَكّاً فِي قَضَائِهِ، وَدُخُولاً فِي قُدْرَتِهِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا الدُّنْيَا وَإِنَّ لِلْكَافِرِينَ لَشَرَّ مَآبٍ".
توضيح: معنى «يُمَارُونَ» -كما جاء في الآية 18 من سورة الشورى - : يشكُّون في الساعة، لأن الكلام هو حول الساعة، وهي يوم القيامة كما قدمنا، ومماراتهم فيها أنهم يسألون متى هذا الوعد؟ ومتى تأتي الساعة؟ ويتشكَّكون بها ويكذِّبون بها، ولا علاقة لها بالقائم.
متابعة القصَّة:
"قُلْتُ: أَفَلَا يُوَقَّتُ لَهُ وَقْتٌ؟ فَقَالَ: يَا مُفَضَّلُ! لَا أُوَقِّتُ لَهُ وَقْتاً وَلَا يُوَقَّتُ لَهُ وَقْتٌ إِنَّ مَنْ وَقَّتَ لِمَهْدِيِّنَا وَقْتاً فَقَدْ شَارَكَ اللهَ تَعَالَى فِي عِلْمِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ ظَهَرَ عَلَى سِرِّهِ وَمَا لِـلَّهِ مِنْ سِرٍّ إِلَّا وَقَدْ وَقَعَ إِلَى هَذَا الخَلْقِ المَعْكُوسِ الضَّالِّ عَنِ اللهِ الرَّاغِبِ عَنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ، وَمَا لِـلَّهِ مِنْ خَبَرٍ إِلَّا وَهُمْ أَخَصُّ بِهِ لِسِرِّهِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا أَلْقَى اللهُ إِلَيْهِمْ لِيَكُونَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ.
قَالَ المُفَضَّلُ: يَا مَوْلَايَ! فَكَيْفَ بَدْءُ ظُهُورِ المَهْدِيِّ وَإِلَيْهِ التَّسْلِيمُ؟
قَالَ ÷: يَا مُفَضَّلُ! يَظْهَرُ فِي شُبْهَةٍ لِيَسْتَبِينَ فَيَعْلُو ذِكْرُهُ وَيَظْهَرُ أَمْرُهُ وَيُنَادَى بِاسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَنَسَبِهِ وَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَلَى أَفْوَاهِ المُحِقِّينَ وَالمُبْطِلِينَ وَالمُوَافِقِينَ وَالمُخَالِفِينَ لِتَلْزَمَهُمُ الحُجَّةُ بِمَعْرِفَتِهِمْ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ قَصَصْنَا وَدَلَلْنَا عَلَيْهِ وَنَسَبْنَاهُ وَسَمَّيْنَاهُ وَكَنَيْنَاهُ وَقُلْنَا سَمِيُّ جَدِّهِ رَسُولِ اللهِ ص وَكَنِيُّهُ لِئَلَّا يَقُولَ النَّاسُ مَا عَرَفْنَا لَهُ اسْماً وَلَا كُنْيَةً وَلَا نَسَباً، وَاللهِ لَيَتَحَقَّقُ الإِيضَاحُ بِهِ وَبِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَكُنْيَتِهِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ حَتَّى لَيُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كُلُّ ذَلِكَ لِلُزُومِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُظْهِرُهُ اللهُ كَمَا وَعَدَ بِهِ جَدُّهُ ص فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٣٣﴾ [التوبة: ٣٣].
قَالَ المُفَضَّلُ: يَا مَوْلَايَ! فَمَا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾؟؟
قَالَ ÷: هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٩] فَوَاللهِ يَا مُفَضَّلُ لَيُرْفَعُ عَنِ المِلَلِ وَالأَدْيَانِ الِاخْتِلَافُ وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ وَاحِداً كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُ﴾ [آل عمران: ١٩]. وَقَالَ اللهُ: ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥﴾ [آل عمران: ٨٥].".
توضيح: سنتكلَّمُ حول آية ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ﴾ [التوبة: ٣٣] أثناء مناقشتنا للآيات التي يستدلُّون بها على المهدي، أما الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ﴾ فنقول: ليس المقصود من «الإسلام» دين محمد ص فقط، كما أنه ليس المقصود أن جميع الأديان دينٌ واحدٌ، بل المقصود من الإسلام هنا معناه اللغوي وهو التسليم لحكم الله تعالى (وإسلام الوجه لِـلَّهِ والانقياد لأمره)، وبهذا النحو كان أتباع عيسى ÷ الذين أسلموا وجههم لِـلَّهِ مسلمين، وأتباع موسى كذلك، وأتباع نوح كذلك...... وهكذا. وفي الواقع إن بقية رواية «المُفَضَّل» تؤيد هذا الأمر، إذ يقول:
"قَالَ المُفَضَّلُ: قُلْتُ: يَا سَيِّدِي وَمَوْلَايَ! وَالدِّينُ الَّذِي فِي آبَائِهِ إِبْرَاهِيمَ وَنُوحٍ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٍ هُوَ الإِسْلَامُ؟
قَالَ: نَعَمْ يَا مُفَضَّلُ هُوَ الإِسْلَامُ لَا غَيْرُ.
قُلْتُ: يَا مَوْلَايَ! أَتَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللهِ؟
قَالَ: نَعَمْ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ وَمِنْهُ هَذِهِ الآيَةُ ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُ﴾ [آل عمران: ١٩] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾ [الحج : ٧٨]. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ: ﴿رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ﴾ [البقرة: ١٢٨]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ فِرْعَوْنَ: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٩٠﴾ [يونس : ٩٠]. وَفِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ وَبِلْقِيسَ: ﴿قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ﴾ [النمل: 38]. وَقَوْلِهَا: ﴿أَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [النمل: 44].
وَ قَوْلِ عِيسَى ÷: ﴿قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٥٢﴾ وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا﴾ وَقَوْلُهُ فِي قِصَّةِ لُوطٍ: ﴿فَمَا وَجَدۡنَا فِيهَا غَيۡرَ بَيۡتٖ مِّنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ١٣٦﴾ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ١٣٣﴾. قُلْتُ: يَا سَيِّدِي! كَمِ المِلَلُ؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ وَهِيَ شَرَائِعُ.
قَالَ المُفَضَّلُ قُلْتُ: يَا سَيِّدِي! المَجُوسُ لِمَ سُمُّوا المَجُوسَ؟
قَالَ ÷: لِأَنَّهُمْ تَمَجَّسُوا فِي السُّرْيَانِيَّةِ وَادَّعَوْا عَلَى آدَمَ وَعَلَى شَيْثٍ وَهُوَ هِبَةُ اللهِ أَنَّهُمَا أَطْلَقَا لَهُمْ نِكَاحَ الأُمَّهَاتِ وَالأَخَوَاتِ وَالبَنَاتِ وَالخَالَاتِ وَالعَمَّاتِ وَالمُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَأَنَّهُمَا أَمَرَاهُمْ أَنْ يُصَلُّوا إِلَى الشَّمْسِ حَيْثُ وَقَفَتْ فِي السَّمَاءِ وَلَمْ يَجْعَلَا لِصَلَاتِهِمْ وَقْتاً، وَإِنَّمَا هُوَ افْتِرَاءٌ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَعَلَى آدَمَ وَشَيْثٍ.".
قَالَ الْمُفَضَّلُ: يَا مَوْلَايَ وَسَيِّدِي! لِمَ سُمِّيَ قَوْمُ مُوسَى الْيَهُودَ؟
قَالَ ÷: لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦]. أَيِ اهْتَدَيْنَا إِلَيْكَ. قَالَ فَالنَّصَارَى؟ قَالَ ÷: لِقَوْلِ عِيسَى: ﴿مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢] وَتَلَا الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا، فَسُمُّوا النَّصَارَى لِنُصْرَةِ دِينِ اللهِ.
قَالَ الْمُفَضَّلُ: فَقُلْتُ: يَا مَوْلَايَ! فَلِمَ سُمِّيَ الصَّابِئُونَ الصَّابِئِينَ؟
فَقَالَ ÷: إِنَّهُمْ صَبَوْا إِلَى تَعْطِيلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْمِلَلِ وَالشَّرَائِعِ وَقَالُوا كُلُّ مَا جَاءُوا بِهِ بَاطِلٌ فَجَحَدُوا تَوْحِيدَ اللهِ تَعَالَى وَنُبُوَّةَ الْأَنْبِيَاءِ وَرِسَالَةَ الْمُرْسَلِينَ وَوَصِيَّةَ الْأَوْصِيَاءِ فَهُمْ بِلَا شَرِيعَةٍ وَلَا كِتَابٍ وَلَا رَسُولٍ وَهُمْ مُعَطِّلَةُ الْعَالَمِ. قَالَ الْمُفَضَّلُ سُبْحَانَ اللهِ مَا أَجَلَّ هَذَا مِنْ عِلْمٍ. قَالَ ÷: نَعَمْ يَا مُفَضَّلُ فَأَلْقِهِ إِلَى شِيعَتِنَا لِئَلَّا يَشُكُّوا فِي الدِّينِ.
قَالَ المُفَضَّلُ: يَا سَيِّدِي! فَفِي أَيِّ بُقْعَةٍ يَظْهَرُ المَهْدِيُّ؟
قَالَ ÷: لَا تَرَاهُ عَيْنٌ فِي وَقْتِ ظُهُورِهِ إِلَّا رَأَتْهُ كُلُّ عَيْنٍ فَمَنْ قَالَ لَكُمْ غَيْرَ هَذَا فَكَذِّبُوهُ.
قَالَ المُفَضَّلُ: يَا سَيِّدِي! وَلَا يُرَى وَقْتَ وِلَادَتِهِ؟
قَالَ: بَلَى وَاللهِ لَيُرَى مِنْ سَاعَةِ وِلَادَتِهِ إِلَى سَاعَةِ وَفَاةِ أَبِيهِ سَنَتَيْنِ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ أَوَّلُ وِلَادَتِهِ وَقْتُ الفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الجُمُعَةِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ 257 إِلَى يَوْمِ الجُمُعَةِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ 260 وَهُوَ يَوْمُ وَفَاةِ أَبِيهِ بِالْمَدِينَةِ الَّتِي بِشَاطِئِ دِجْلَةَ، يَبْنِيهَا المُتَكَبِّرُ الجَبَّارُ المُسَمَّى بِاسْمِ جَعْفَرٍ الضَّالُّ المُلَقَّبُ بِالْمُتَوَكِّلِ[34]، وَهُوَ المُتَأَكِّلُ لَعَنَهُ اللهُ تَعَالَى وَهِيَ مَدِينَةٌ تُدْعَى بِـ«سُـرَّ مَنْ رَأَى» وَهِيَ سَاءَ مَنْ رَأَى يَرَى شَخْصَهُ المُؤْمِنُ المُحِقُّ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَا يَرَاهُ المُشَكِّكُ المُرْتَابُ (؟!) وَيَنْفُذُ فِيهَا أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَيَغِيبُ عَنْهَا فَيَظْهَرُ فِي القَصْرِ بِصَابِرٍ بِجَانِبِ المَدِينَةِ فِي حَرَمِ جَدِّهِ رَسُولِ اللهِ ص (؟!) فَيَلْقَاهُ هُنَاكَ مَنْ يُسْعِدُهُ اللهُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ ثُمَّ يَغِيبُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ 266 فَلَا تَرَاهُ عَيْنُ أَحَدٍ حَتَّى يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ وَكُلُّ عَيْنٍ.
قَالَ المُفَضَّلُ قُلْتُ: يَا سَيِّدِي! فَمَنْ يُخَاطِبُهُ وَلِمَنْ يُخَاطِبُ.
قَالَ الصَّادِقُ ÷: تُخَاطِبُهُ المَلَائِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ مِنَ الجِنِّ وَيَخْرُجُ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ إِلَى ثِقَاتِهِ وَوُلَاتِهِ وَوُكَلَائِهِ وَيَقْعُدُ بِبَابِهِ مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيُّ فِي يَوْمِ غَيْبَتِهِ بِصَابِرٍ ثُمَّ يَظْهَرُ بِمَكَّةَ وَ وَاللهِ يَا مُفَضَّلُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ بُرْدَةُ رَسُولِ اللهِ ص وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَا رَسُولِ اللهِ ص المَخْصُوفَةُ وَفِي يَدِهِ هِرَاوَتُهُ يَسُوقُ بَيْنَ يَدَيْهِ عِنَازاً عِجَافاً حَتَّى يَصِلَ بِهَا نَحْوَ البَيْتِ لَيْسَ ثَمَّ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ وَيَظْهَرُ وَهُوَ شَابٌّ.
قَالَ المُفَضَّلُ: يَا سَيِّدِي! يَعُودُ شَابّاً أَوْ يَظْهَرُ فِي شَيْبَةٍ؟ فَقَالَ ÷: سُبْحَانَ اللهِ! وَهَلْ يُعْرَفُ ذَلِكَ؟![35] يَظْهَرُ كَيْفَ شَاءَ وَبِأَيِّ صُورَةٍ شَاءَ إِذَا جَاءَهُ الأَمْرُ مِنَ اللهِ تَعَالَى مَجْدُهُ وَجَلَّ ذِكْرُهُ.
قَالَ المُفَضَّلُ: يَا سَيِّدِي! فَمِنْ أَيْنَ يَظْهَرُ وَكَيْفَ يَظْهَرُ؟
قَالَ: يَا مُفَضَّلُ! يَظْهَرُ وَحْدَهُ وَيَأْتِي البَيْتَ وَحْدَهُ وَيَلِجُ الكَعْبَةَ وَحْدَهُ وَيَجُنُّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ وَحْدَهُ فَإِذَا نَامَتِ العُيُونُ وَغَسَقَ اللَّيْلُ نَزَلَ إِلَيْهِ جَبْرَئِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَالمَلَائِكَةُ صُفُوفاً فَيَقُولُ لَهُ جَبْرَئِيلُ يَا سَيِّدِي قَوْلُكَ مَقْبُولٌ وَأَمْرُكَ جَائِزٌ فَيَمْسَحُ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَيَقُولُ: ﴿الحَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العامِلِينَ﴾ [الزمر: 74][36] وَيَقِفُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ فَيَصْرُخُ صَرْخَةً فَيَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ نُقَبَائِي وَأَهْلَ خَاصَّتِي وَمَنْ ذَخَرَهُمُ اللهُ لِنُصْـرَتِي قَبْلَ ظُهُورِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، ائْتُونِي طَائِعِينَ، فَتَرِدُ صَيْحَتُهُ (ع) عَلَيْهِمْ وَهُمْ عَلَى مَحَارِيبِهِمْ وَعَلَى فُرُشِهِمْ فِي شَرْقِ الأَرْضِ وَغَرْبِهَا فَيَسْمَعُونَهُ فِي صَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ فِي أُذُنِ كُلِّ رَجُلٍ فَيَجِيئُونَ نَحْوَهَا وَلَا يَمْضِي لَهُمْ إِلَّا كَلَمْحَةِ بَصَرٍ حَتَّى يَكُونَ كُلُّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ (ع) بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ (؟!!). فَيَأْمُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ النُّورَ فَيَصِيرُ عَمُوداً مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ فَيَسْتَضِيءُ بِهِ كُلُّ مُؤْمِنٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ نُورٌ مِنْ جَوْفِ بَيْتِهِ فَتَفْرَحُ نُفُوسُ المُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ النُّورِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِظُهُورِ قَائِمِنَا أَهْلَ البَيْتِ (ع) ثُمَّ يُصْبِحُونَ وُقُوفاً بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً بِعِدَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ المُفَضَّلُ: يَا مَوْلَايَ يَا سَيِّدِي! فَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ رَجُلاً الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) يَظْهَرُونَ مَعَهُمْ؟
قَالَ: يَظْهَرُ مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً مُؤْمِنِينَ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ (ع) وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
قَالَ المُفَضَّلُ: يَا سَيِّدِي! فَبِغَيْرِ سُنَّةِ القَائِمِ (ع) بَايَعُوا لَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَقَبْلَ قِيَامِهِ؟
فَقَالَ ÷: يَا مُفَضَّلُ! كُلُّ بَيْعَةٍ قَبْلَ ظُهُورِ القَائِمِ (ع) فَبَيْعَتُهُ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَخَدِيعَةٌ لَعَنَ اللهُ المُبَايِعَ لَهَا وَالمُبَايَعَ لَهُ، بَلْ يَا مُفَضَّلُ! يُسْنِدُ القَائِمُ (ع) ظَهْرَهُ إِلَى الحَرَمِ وَيَمُدُّ يَدَهُ فَتُرَى بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَيَقُولُ: هَذِهِ يَدُ اللهِ وَعَنِ اللهِ وَبِأَمْرِ اللهِ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ﴾ [الفتح: ١٠]، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَنْ يُقَبِّلُ يَدَهُ جَبْرَئِيلَ (ع) ثُمَّ يُبَايِعُهُ وَتُبَايِعُهُ المَلَائِكَةُ وَنُجَبَاءُ الجِنِّ ثُمَّ النُّقَبَاءُ وَيُصْبِحُ النَّاسُ بِمَكَّةَ فَيَقُولُونَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بِجَانِبِ الْكَعْبَةِ؟ وَمَا هَذَا الْخَلْقُ الَّذِينَ مَعَهُ؟ وَمَا هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي رَأَيْنَاهَا اللَّيْلَةَ وَلَمْ تُرَ مِثْلَهَا؟ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَذَا الرَّجُلُ هُوَ صَاحِبُ الْعُنَيْزَاتِ. فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا هَلْ تَعْرِفُونَ أَحَداً مِمَّنْ مَعَهُ؟ فَيَقُولُونَ: لَا نَعْرِفُ أَحَداً مِنْهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَرْبَعَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَيَعُدُّونَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ. وَيَكُونُ هَذَا أَوَّلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَضَاءَتْ صَاحَ صَائِحٌ بِالْخَلَائِقِ مِنْ عَيْنِ الشَّمْسِ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ يُسْمِعُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ: يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ! هَذَا مَهْدِيُّ آلِ مُحَمَّدٍ وَيُسَمِّيهِ بِاسْمِ جَدِّهِ رَسُولِ اللهِ ص وَيَكْنِيهِ وَيَنْسُبُهُ إِلَى أَبِيهِ الْحَسَنِ الْحَادِيَ عَشَرَ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، بَايِعُوهُ تَهْتَدُوا وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ فَتَضِلُّوا، فَأَوَّلُ مَنْ يُقَبِّلُ يَدَهُ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ الْجِنُّ ثُمَّ النُّقَبَاءُ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَلَا يَبْقَى ذُو أُذُنٍ مِنَ الْخَلَائِقِ إِلَّا سَمِعَ ذَلِكَ النِّدَاءَ وَتُقْبِلُ الْخَلَائِقُ مِنَ الْبَدْوِ وَالْحَضَرِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ يُحَدِّثُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيَسْتَفْهِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً مَا سَمِعُوا بِآذَانِهِمْ. فَإِذَا دَنَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ صَرَخَ صَارِخٌ مِنْ مَغْرِبِهَا: يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ! قَدْ ظَهَرَ رَبُّكُمْ بِوَادِي الْيَابِسِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْأُمَوِيُّ مِنْ وُلْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَبَايِعُوهُ تَهْتَدُوا وَلَا تُخَالِفُوا عَلَيْهِ فَتَضِلُّوا، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَالنُّقَبَاءُ [أي أتباع المهدي] قَوْلَهُ وَيُكَذِّبُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَلَا يَبْقَى ذُو شَكٍّ وَلَا مُرْتَابٌ وَلَا مُنَافِقٌ وَلَا كَافِرٌ إِلَّا ضَلَّ بِالنِّدَاءِ الْأَخِيرِ، وَسَيِّدُنَا الْقَائِمُ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَقُولُ يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ! أَلَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى آدَمَ وَشَيْثٍ فَهَا أَنَا ذَا آدَمُ وَشَيْثٌ، أَلَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى نُوحٍ وَوَلَدِهِ سَامٍ فَهَا أَنَا ذَا نُوحٌ وَسَامٌ، أَلَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فَهَا أَنَا ذَا إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ، أَلَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مُوسَى وَيُوشَعَ فَهَا أَنَا ذَا مُوسَى وَيُوشَعُ، أَلَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عِيسَى وَشَمْعُونَ فَهَا أَنَا ذَا عِيسَى وَشَمْعُونُ، أَلَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا فَهَا أَنَا ذَا مُحَمَّدٌ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَهَا أَنَا ذَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، أَلَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ فَهَا أَنَا ذَا الْأَئِمَّةُ (؟!!) أَجِيبُوا إِلَى مَسْأَلَتِي فَإِنِّي أُنَبِّئُكُمْ بِمَا نُبِّئْتُمْ بِهِ وَمَا لَمْ تُنَبَّئُوا بِهِ وَمَنْ كَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ وَالصُّحُفَ فَلْيَسْمَعْ مِنِّي ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِالصُّحُفِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى آدَمَ وَشَيْثٍ -عليهما السلام- وَيَقُولُ أُمَّةُ آدَمَ وَشَيْثٍ هِبَةِ اللهِ[37]: هَذِهِ وَاللهِ هِيَ الصُّحُفُ حَقّاً وَلَقَدْ أَرَانَا مَا لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُهُ فِيهَا وَمَا كَانَ خَفِيَ عَلَيْنَا وَمَا كَانَ أُسْقِطَ مِنْهَا وَبُدِّلَ وَحُرِّفَ[38] ثُمَّ يَقْرَأُ صُحُفَ نُوحٍ وَصُحُفَ إِبْرَاهِيمَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ فَيَقُولُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ هَذِهِ وَاللهِ صُحُفُ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ حَقّاً وَمَا أُسْقِطَ مِنْهَا وَبُدِّلَ وَحُرِّفَ مِنْهَا هَذِهِ وَاللهِ التَّوْرَاةُ الْجَامِعَةُ وَالزَّبُورُ التَّامُّ وَالْإِنْجِيلُ الْكَامِلُ وَإِنَّهَا أَضْعَافُ مَا قَرَأْنَا مِنْهَا، ثُمَّ يَتْلُو الْقُرْآنَ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: هَذَا وَاللهِ الْقُرْآنُ حَقّاً الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ص وَمَا أُسْقِطَ مِنْهُ وَحُرِّفَ وَبُدِّلَ[39].
ثُمَّ تَظْهَرُ الدَّابَّةُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ فَتَكْتُبُ فِي وَجْهِ الْمُؤْمِنِ مُؤْمِنٌ وَفِي وَجْهِ الْكَافِرِ كَافِرٌ ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى الْقَائِمِ ع رَجُلٌ وَجْهُهُ إِلَى قَفَاهُ وَقَفَاهُ إِلَى صَدْرِهِ. وَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: يَا سَيِّدِي! أَنَا بَشِيرٌ أَمَرَنِي مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ وَأُبَشِّرَكَ بِهَلَاكِ جَيْشِ السُّفْيَانِيِّ بِالْبَيْدَاءِ. فَيَقُولُ لَهُ الْقَائِمُ: بَيِّنْ قِصَّتَكَ وَقِصَّةَ أَخِيكَ فَيَقُولُ الرَّجُلُ كُنْتُ وَأَخِي فِي جَيْشِ السُّفْيَانِيِّ وَخَرَّبْنَا الدُّنْيَا مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الزَّوْرَاءِ وَتَرَكْنَاهَا جَمَّاءَ وَخَرَّبْنَا الْكُوفَةَ وَخَرَّبْنَا الْمَدِينَةَ وَكَسَرْنَا الْمِنْبَرَ وَرَاثَتْ بِغَالُنَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ص وَخَرَجْنَا مِنْهَا وَعَدَدُنَا ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ نُرِيدُ إِخْرَابَ الْبَيْتِ وَقَتْلَ أَهْلِهِ، فَلَمَّا صِرْنَا فِي الْبَيْدَاءِ عَرَّسْنَا فِيهَا، فَصَاحَ بِنَا صَائِحٌ يَا بَيْدَاءُ أَبِيدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَانْفَجَرَتِ الْأَرْضُ وَابْتَلَعَتْ كُلَّ الْجَيْشِ فَوَاللهِ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عِقَالُ نَاقَةٍ فَمَا سِوَاهُ غَيْرِي وَغَيْرُ أَخِي، فَإِذَا نَحْنُ بِمَلَكٍ قَدْ ضَرَبَ وُجُوهَنَا فَصَارَتْ إِلَى وَرَائِنَا كَمَا تَرَى. فَقَالَ لِأَخِي: وَيْلَكَ يَا نَذِيرُ! امْضِ إِلَى الْمَلْعُونِ السُّفْيَانِيِّ بِدِمَشْقَ فَأَنْذِرْهُ بِظُهُورِ الْمَهْدِيِّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ص وَعَرِّفْهُ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ جَيْشَهُ بِالْبَيْدَاءِ. وَقَالَ لِي: يَا بَشِيرُ! الْحَقْ بِالْمَهْدِيِّ بِمَكَّةَ وَبَشِّرْهُ بِهَلَاكِ الظَّالِمِينَ وَتُبْ عَلَى يَدِهِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ تَوْبَتَكَ فَيُمِرُّ الْقَائِمُ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَيَرُدُّهُ سَوِيّاً كَمَا كَانَ وَيُبَايِعُهُ وَيَكُونُ مَعَهُ.
قَالَ الْمُفَضَّلُ: يَا سَيِّدِي وَتَظْهَرُ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ لِلنَّاسِ؟ قَالَ: إِي وَاللهِ يَا مُفَضَّلُ وَيُخَاطِبُونَهُمْ كَمَا يَكُونُ الرَّجُلُ مَعَ حَاشِيَتِهِ وَأَهْلِهِ. قُلْتُ: يَا سَيِّدِي! وَيَسِيرُونَ مَعَهُ؟ قَالَ: إِي وَاللهِ يَا مُفَضَّلُ وَلَيَنْزِلَنَّ أَرْضَ الْهِجْرَةِ مَا بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالنَّجَفِ وَعَدَدُ أَصْحَابِهِ حِينَئِذٍ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَسِتَّةُ آلَافٍ مِنَ الْجِنِّ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَمِثْلُهَا مِنَ الْجِنِّ بِهِمْ يَنْصُرُهُ اللهُ وَيَفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ.
قَالَ الْمُفَضَّلُ: فَمَا يَصْنَعُ بِأَهْلِ مَكَّةَ؟ قَالَ: يَدْعُوهُمْ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ فَيُطِيعُونَهُ وَيَسْتَخْلِفُ فِيهِمْ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَيَخْرُجُ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ قَالَ الْمُفَضَّلُ يَا سَيِّدِي فَمَا يَصْنَعُ بِالْبَيْتِ قَالَ يَنْقُضُهُ فَلَا يَدَعُ مِنْهُ إِلَّا الْقَوَاعِدَ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ بِبَكَّةَ فِي عَهْدِ آدَمَ وَالَّذِي رَفَعَهُ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ مِنْهَا(؟!)، وَإِنَّ الَّذِي بُنِيَ بَعْدَهُمَا لَمْ يَبْنِهِ نَبِيٌّ وَلَا وَصِيٌّ ثُمَّ يَبْنِيهِ كَمَا يَشَاءُ اللهُ، وَلَيُعَفِّيَنَّ آثَارَ الظَّالِمِينَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ وَسَائِرِ الْأَقَالِيمِ وَلَيَهْدِمَنَّ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ وَلَيَبْنِيَنَّهُ عَلَى بُنْيَانِهِ الْأَوَّلِ وَلَيَهْدِمَنَّ الْقَصْرَ الْعَتِيقَ مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ بَنَاهُ.
قَالَ الْمُفَضَّلُ: يَا سَيِّدِي يُقِيمُ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا يَا مُفَضَّلُ بَلْ يَسْتَخْلِفُ مِنْهَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ فَإِذَا سَارَ مِنْهَا وَثَبُوا عَلَيْهِ فَيَقْتُلُونَهُ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَيَأْتُونَهُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ يَبْكُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ، وَيَقُولُونَ: يَا مَهْدِيَّ آلِ مُحَمَّدٍ! التَّوْبَةَ التَّوْبَةَ فَيَعِظُهُمْ وَيُنْذِرُهُمْ وَيَحْذَرُهُمْ وَيَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ خَلِيفَةً وَيَسِيرُ فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَيَقْتُلُونَهُ فَيَرِدُ إِلَيْهِمْ أَنْصَارُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالنُّقَبَاءِ وَيَقُولُ لَهُمْ ارْجِعُوا فَلَا تُبْقُوا مِنْهُمْ بَشَراً إِلَّا مَنْ آمَنَ. فَلَوْلَا أَنَّ رَحْمَةَ رَبِّكُمْ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَأَنَا تِلْكَ الرَّحْمَةُ لَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ مَعَكُمْ، فَقَدْ قَطَعُوا الْأَعْذَارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ فَوَاللهِ لَا يَسْلَمُ مِنَ الْمِائَةِ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَا وَاللهِ وَلَا مِنْ أَلْفٍ وَاحِدٌ.
قَالَ الْمُفَضَّلُ: قُلْتُ: يَا سَيِّدِي! فَأَيْنَ تَكُونُ دَارُ الْمَهْدِيِّ وَمُجْتَمَعُ الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: دَارُ مُلْكِهِ الْكُوفَةُ وَمَجْلِسُ حُكْمِهِ جَامِعُهَا وَبَيْتُ مَالِهِ وَمَقْسَمُ غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ مَسْجِدُ السَّهْلَةِ وَمَوْضِعُ خَلَوَاتِهِ الذَّكَوَاتُ الْبِيضُ مِنَ الْغَرِيَّيْنِ.
قَالَ الْمُفَضَّلُ: يَا مَوْلَايَ! كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ يَكُونُونَ بِالْكُوفَةِ؟ قَالَ: إِي وَاللهِ لَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ إِلَّا كَانَ بِهَا أَوْ حَوَالَيْهَا وَلَيَبْلُغَنَّ مَجَالَةُ فَرَسٍ مِنْهَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَلَيَوَدَّنَّ أَكْثَرُ النَّاسِ أَنَّهُ اشْتَرَى شِبْراً مِنْ أَرْضِ السَّبْعِ بِشِبْرٍ مِنْ ذَهَبٍ وَالسَّبْعُ خِطَّةٌ مِنْ خِطَطِ هَمْدَانَ وَلَيَصِيرَنَّ الْكُوفَةُ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ مِيلًا وَلَيُجَاوِرَنَّ قُصُورُهَا كَرْبَلَاءَ وَلَيُصَيِّرَنَّ اللهُ كَرْبَلَاءَ مَعْقِلًا وَمَقَاماً تَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلَيَكُونَنَّ لَهَا شَأْنٌ مِنَ الشَّأْنِ وَلَيَكُونَنَّ فِيهَا مِنَ الْبَرَكَاتِ مَا لَوْ وَقَفَ مُؤْمِنٌ وَدَعَا رَبَّهُ بِدَعْوَةٍ لَأَعْطَاهُ اللهُ بِدَعْوَتِهِ الْوَاحِدَةِ مِثْلَ مُلْكِ الدُّنْيَا أَلْفَ مَرَّةٍ.
ثُمَّ تَنَفَّسَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ÷ وَقَالَ: يَا مُفَضَّلُ! إِنَّ بِقَاعَ الْأَرْضِ تَفَاخَرَتْ فَفَخَرَتْ كَعْبَةُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ عَلَى بُقْعَةِ كَرْبَلَاءَ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهَا أَنِ اسْكُتِي كَعْبَةَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَلَا تَفْتَخِرِي عَلَى كَرْبَلَاءَ فَإِنَّهَا الْبُقْعَةُ الْمُبَارَكَةُ الَّتِي نُودِيَ مُوسَى مِنْهَا مِنَ الشَّجَرَةِ[40]، وَإِنَّهَا الرَّبْوَةُ الَّتِي أَوَتْ إِلَيْهَا مَرْيَمُ وَالْمَسِيحُ، وَإِنَّهَا الدَّالِيَةُ الَّتِي غُسِلَ فِيهَا رَأْسُ الْحُسَيْنِ، وَفِيهَا غَسَلَتْ مَرْيَمُ عِيسَى، وَاغْتَسَلَتْ مِنْ وِلَادَتِهَا، وَإِنَّهَا خَيْرُ بُقْعَةٍ عَرَجَ رَسُولُ اللهِ ص مِنْهَا وَقْتَ غَيْبَتِهِ، وَلَيَكُونَنَّ لِشِيعَتِنَا فِيهَا خِيَرَةٌ إِلَى ظُهُورِ قَائِمِنَا.
قَالَ الْمُفَضَّلُ: يَا سَيِّدِي! ثُمَّ يَسِيرُ الْمَهْدِيُّ إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ ÷: إِلَى مَدِينَةِ جَدِّي رَسُولِ اللهِ ص فَإِذَا وَرَدَهَا كَانَ لَهُ فِيهَا مَقَامٌ عَجِيبٌ يَظْهَرُ فِيهِ سُرُورُ الْمُؤْمِنِينَ وَخِزْيُ الْكَافِرِينَ.
قَالَ الْمُفَضَّلُ: يَا سَيِّدِي! مَا هُوَ ذَاكَ؟ قَالَ ÷: يَرِدُ إِلَى قَبْرِ جَدِّهِ ص فَيَقُولُ يَا مَعَاشِرَ الْخَلَائِقِ! هَذَا قَبْرُ جَدِّي رَسُولِ اللهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ يَا مَهْدِيَّ آلِ مُحَمَّدٍ. فَيَقُولُ: وَمَنْ مَعَهُ فِي الْقَبْرِ؟ فَيَقُولُونَ: صَاحِبَاهُ وَضَجِيعَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. فَيَقُولُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمَا وَالْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ جَمِيعاً يَسْمَعُونَ: مَنْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ وَكَيْفَ دُفِنَا مِنْ بَيْنِ الْخَلْقِ مَعَ جَدِّي رَسُولِ اللهِ؟ وَعَسَى الْمَدْفُونُ غَيْرَهُمَا؟ فَيَقُولُ النَّاسُ: يَا مَهْدِيَّ آلِ مُحَمَّدٍ! مَا هَاهُنَا غَيْرُهُمَا إِنَّهُمَا دُفِنَا مَعَهُ لِأَنَّهُمَا خَلِيفَتَا رَسُولِ اللهِ وَأَبَوَا زَوْجَتَيْهِ. فَيَقُولُ لِلْخَلْقِ بَعْدَ ثَلَاثٍ: أَخْرِجُوهُمَا مِنْ قَبْرَيْهِمَا فَيُخْرَجَانِ غَضَّيْنِ طَرِيَّيْنِ لَمْ يَتَغَيَّرْ خَلْقُهُمَا وَلَمْ يَشْحُبْ لَوْنُهُمَا فَيَقُولُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ يَعْرِفُهُمَا؟ فَيَقُولُونَ نَعْرِفُهُمَا بِالصِّفَةِ وَلَيْسَ ضَجِيعَا جَدِّكَ غَيْرَهُمَا. فَيَقُولُ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا أَوْ يَشُكُّ فِيهِمَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا فَيُؤَخِّرُ إِخْرَاجَهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ[41] ثُمَّ يَنْتَشِرُ الْخَبَرُ فِي النَّاسِ وَيَحْضُرُ الْمَهْدِيُّ وَيَكْشِفُ الْجُدْرَانَ عَنِ الْقَبْرَيْنِ وَيَقُولُ لِلنُّقَبَاءِ ابْحَثُوا عَنْهُمَا وَانْبُشُوهُمَا فَيَبْحَثُونَ بِأَيْدِيهِمْ حَتَّى يَصِلُونَ إِلَيْهِمَا فَيُخْرَجَانِ غَضَّيْنِ طَرِيَّيْنِ كَصُورَتِهِمَا فَيَكْشِفُ عَنْهُمَا أَكْفَانَهُمَا وَيَأْمُرُ بِرَفْعِهِمَا عَلَى دَوْحَةٍ يَابِسَةٍ نَخِرَةٍ[42] فَيَصْلُبُهُمَا عَلَيْهَا، فَتَحْيَا الشَّجَرَةُ وَتُورِقُ وَيَطُولُ فَرْعُهَا فَيَقُولُ الْمُرْتَابُونَ مِنْ أَهْلِ وَلَايَتِهِمَا هَذَا وَاللهِ الشَّرَفُ حَقّاً وَلَقَدْ فُزْنَا بِمَحَبَّتِهِمَا وَوَلَايَتِهِمَا، وَيُخْبَرُ مَنْ أَخْفَى نَفْسَهُ مِمَّنْ فِي نَفْسِهِ مِقْيَاسُ حَبَّةٍ مِنْ مَحَبَّتِهِمَا وَوَلَايَتِهِمَا فَيَحْضُرُونَهُمَا وَيَرَوْنَهُمَا وَيُفْتَنُونَ بِهِمَا. وَيُنَادِي مُنَادِي الْمَهْدِيِّ[43] كُلُّ مَنْ أَحَبَّ صَاحِبَيْ رَسُولِ اللهِ وَضَجِيعَيْهِ فَلْيَنْفَرِدْ جَانِباً. فَتَتَجَزَّأُ الْخَلْقُ جُزْأيْنِ أَحَدُهُمَا مُوَالٍ وَالْآخَرُ مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمَا. فَيَعْرِضُ الْمَهْدِيُّ÷ عَلَى أَوْلِيَائِهِمَا الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا، فَيَقُولُونَ: يَا مَهْدِيَّ آلِ رَسُولِ اللهِ! نَحْنُ لَمْ نَتَبَرَّأْ مِنْهُمَا وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَنَّ لَهُمَا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَكَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ، وَهَذَا الَّذِي بَدَا لَنَا مِنْ فَضْلِهِمَا أَنَتَبَرَّأُ السَّاعَةَ مِنْهُمَا وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْهُمَا مَا رَأَيْنَا فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ نَضَارَتِهِمَا وَغَضَاضَتِهِمَا وَحَيَاةِ الشَّجَرَةِ بِهِمَا؟ بَلْ وَاللهِ نَتَبَرَّأُ مِنْكَ وَمِمَّنْ آمَنَ بِكَ وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِمَا وَمَنْ صَلَبَهُمَا وَأَخْرَجَهُمَا وَفَعَلَ بِهِمَا مَا فَعَلَ. فَيَأْمُرُ الْمَهْدِيُّ رِيحاً سَوْدَاءَ فَتَهُبُّ عَلَيْهِمْ فَتَجْعَلُهُمْ كَأَعْجَازِ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ثُمَّ يَأْمُرُ بِإِنْزَالِهِمَا فَيُنْزَلَانِ إِلَيْهِ فَيُحْيِيهِمَا بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى. وَيَأْمُرُ الْخَلَائِقَ بِالِاجْتِمَاعِ ثُمَّ يَقُصُّ عَلَيْهِمْ قَصَصَ فِعَالِهِمَا فِي كُلِّ كُورٍ وَدُورٍ حَتَّى يَقُصَّ عَلَيْهِمْ قَتْلَ هَابِيلَ بْنِ آدَمَ وَجَمْعَ النَّارِ لِإِبْرَاهِيمَ وَطَرْحَ يُوسُفَ فِي الْجُبِّ وَحَبْسَ يُونُسَ فِي الْحُوتِ وَقَتْلَ يَحْيَى وَصَلْبَ عِيسَى(؟!)[44] وَعَذَابَ جِرْجِيسَ وَدَانِيَالَ وَضَرْبَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَإِشْعَالَ النَّارِ عَلَى بَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ لِإِحْرَاقِهِمْ بِهَا وَضَرْبَ يَدِ الصِّدِّيقَةِ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ بِالسَّوْطِ وَرَفْسَ بَطْنِهَا وَإِسْقَاطَهَا مُحَسِّناً وَسَمَّ الْحَسَنِ وَقَتْلَ الْحُسَيْنِ وَذَبْحَ أَطْفَالِهِ وَبَنِي عَمِّهِ وَأَنْصَارِهِ وَسَبْيَ ذَرَارِيِّ رَسُولِ اللهِ وَإِرَاقَةَ دِمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ وَكُلِّ دَمٍ سُفِكَ وَكُلَّ فَرْجٍ نُكِحَ حَرَاماً وَكُلَّ رَيْنٍ وَخُبْثٍ وَفَاحِشَةٍ وَإِثْمٍ وَظُلْمٍ وَجَوْرٍ وَغَشْمٍ مُنْذُ عَهْدِ آدَمَ إِلَى وَقْتِ قِيَامِ قَائِمِنَا كُلُّ ذَلِكَ يُعَدِّدُهُ عَلَيْهِمَا وَيُلْزِمُهُمَا إِيَّاهُ [أي يجعل جميع جرائم البشر وآثامهم منذ آدم وإلى يوم القيامة برقبة أبي بكر وعمر (؟!!)].....".
نكتفي بهذا المقدار من هذه القصة الطويلة ونشرع بنقد وتمحيص هذا المقدار منها:
[33] تعرضنا هنا لدراسة ونقد متن الرواية فقط، أما دراسة سندها وبيان وضعه فسيأتي لاحقاً في الفصول القادمة عند مناقشة روايات المهدي في كتاب «بحار الأنوار» وتمحيصها. [34] الذي بنى «سامُرَّاء» هو المعتصم العبَّاسي وليس المُتَوَكِّل. [35] ألم يقل الإمام نفسه - حسب ما جاء في الرواية - بأن القائم يظهر وهو في سن الشباب؟ [36] سيأتي شرح وتوضيح هذه الآية الكريمة قريباً. [37] ماذا يفعل أتباع آدم وشيث في ذلك الزمن؟ ومن أين ظهر هؤلاء؟! (البرقعي). [38] كيف يفهمون هذا الموضوع؟! إنهم لا يملكون أصل صحف آدم وشيث حتى يتمكَّنوا بمقارنتها بأقوال المهدي. [39] وهل حُرِّف القرآن الحالي وبُدِّلَ؟! اللهم أعطِ الخرافيين العقل كي لا يشككوا في عصمة وحفظ آخر الكتب السماوية في سبيل الحفاظ على خرافاتهم!! (البرقعي). [40] طبقاً لما جاء في القرآن، أوحي إلى موسى (ع) في الواد المقدس طوى. (طه: 12 والنازعات: 16). [41] ألم يأتِ في السطور السابقة أن القائم أمر الناس أن يخرجوهما من قبرهما فأخرجهما الناس من قبرهما؟! [42] عاريين كما ولدتهما أمهما؟!! [43] هل سيكون للقادة في المستقبل منادين أيضاً؟! [44] مع أن القرآن الكريم يقول: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡ﴾ [النساء: 157].
5أولاً: من الواضح أن المعلومات الدينية لهذا الراوي الذي لفَّقَ كلَّ هذه القصَّة الطويلة معلومات ضحلة للغاية، فقد وقع في أخطاء عجيبة، فمثلاً في آخر قصته هذه يقول: "..وَقَتْلَ يَحْيَى وَصَلْبَ عِيسَى وَعَذَابَ جِرْجِيسَ و... و.....الخ." مع أن جميع المسلمين يعلمون أن عيسى -طبقاً لنص القرآن - لم يُقتل ولم يُصلب، يقول الله عز وجل: ﴿وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِيحَ عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَۢا ١٥٧﴾ [النساء : ١٥٧].
وثانياً: رأينا في هذه القصَّة أن جماعةً يأتون حين ظهور القائم ويقولون: "... وَخَرَّبْنَا الدُّنْيَا مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الزَّوْرَاءِ وَتَرَكْنَاهَا جَمَّاءَ وَخَرَّبْنَا الكُوفَةَ وَخَرَّبْنَا المَدِينَةَ وَكَسَرْنَا المِنْبَرَ وَرَاثَتْ بِغَالُنَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ...".
يُعْلَم من هذا أن الراوي لم يكن يعرف أن العلم سيتقدم وسيتم اختراع السيارات والطائرات، بل كان يظن أن الناس زمن ظهور القائم سيستخدمون الدواب والبغال في أسفارهم وأنهم يربطون بغالهم فتروِّث هناك!
ومن الإشكالات الأخرى في هذه الرواية قوله: "فَقَالَ ÷: يَا مُفَضَّلُ! كُلُّ بَيْعَةٍ قَبْلَ ظُهُورِ القَائِمِ (ع) فَبَيْعَتُهُ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَخَدِيعَةٌ لَعَنَ اللهُ المُبَايِعَ لَهَا وَالمُبَايَعَ لَهُ...". فنسأل: ألا يجب مبايعة من ينهضون لتشكيل حكومةٍ إسلامية؟؟ هل يجب على المسلمين البقاء تحت سلطة الجبابرة الطغاة؟؟!
إن كل هذه القصة من أولها لآخرها تستحق النقد، ولكننا خشية الإطالة سنكتفي بنقد بعض المواضع منها.
لاحظوا كيف لفق الراوي تلك الترَّهات ونسبها إلى الإمام الصادق ÷ ونسب إليه القسم بالله 10 مرات!!
بقية القصَّة: "قَالَ الْمُفَضَّلُ: يَا سَيِّدِي! وَمَنْ فِرْعَوْنُ وَهَامَانُ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ الْمُفَضَّلُ قُلْتُ: يَا سَيِّدِي! وَرَسُولُ اللهِ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَكُونَانِ مَعَهُ؟ فَقَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَطَآ الْأَرْض......... لَكَأَنِّي أَنْظُرُ يَا مُفَضَّلُ إِلَيْنَا مَعَاشِرَ الْأَئِمَّةِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ نَشْكُو إِلَيْهِ مَا نَزَلَ بِنَا مِنَ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ وَمَا نَالَنَا مِنَ التَّكْذِيبِ وَالرَّدِّ عَلَيْنَا وَسَبْيِنَا وَلَعْنِنَا وَتَخْوِيفِنَا بِالْقَتْل......". ثم يذكر أن عيسى المسيح ÷ يرجع إلى الدنيا أيضاً!!.
حول هذا الموضوع سنعلق باختصار - كما فعلنا من قبل - مستدلين بآيات من القرآن الكريم و نصوص من نهج البلاغة التي في متناول جميع الناس.
لا توجد في القرآن الكريم أي آية تشير إلى رجوع الأموات إلى عالم الدنيا قبل يوم القيامة بل يوجد ما ينفي ذلك بصراحة: يقول تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٞ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ٣٠ ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ ٣١﴾ [الزمر: ٣٠، ٣١].
فهذه الآية تبين أنه بعد الموت سيكون الخصام يوم القيامة فقط، أي سيخاصم النبي الكفار في يوم القيامة. ويقول تعالى أيضاً: ﴿وَٱلسَّلَٰمُ عَلَيَّ يَوۡمَ وُلِدتُّ وَيَوۡمَ أَمُوتُ وَيَوۡمَ أُبۡعَثُ حَيّٗا ٣٣﴾ [مريم: ٣٣]. فهذه الآية تبين أن عيسى ÷ وُلد مرةً واحدةً، ومات واحدةً ويُبعث واحدةً وهو البعث يوم القيامة.
وروى المجلسيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن الشيخ حسن بن سليمان[45] في كتابه: «منتخب البصائر» عن الإمام موسى الكاظم ÷ قال: "لَتَرْجِعَنَّ نُفُوسٌ ذَهَبَتْ وَلَيُقْتَصَّنَّ يَوْمَ يَقُومُ، وَمَنْ عُذِّبَ يَقْتَصُّ بِعَذَابِهِ وَمَنْ أُغِيظَ أَغَاظَ بِغَيْظِهِ وَمَنْ قُتِلَ اقْتَصَّ بِقَتْلِهِ. وَيُرَدُّ لَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ مَعَهُمْ حَتَّى يَأْخُذُوا بِثَأْرِهِمْ ثُمَّ يَعْمُرُونَ بَعْدَهُمْ ثَلَاثِينَ شَهْراً ثُمَّ يَمُوتُونَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ قَدْ أَدْرَكُوا ثَأرَهُمْ وَشَفَوْا أَنْفُسَهُمْ، وَيَصِيرُ عَدُوُّهُمْ إِلَى أَشَدِّ النَّارِ عَذَاباً، ثُمَّ يُوقَفُونَ بَيْنَ يَدَيِ الجَبَّارِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُؤْخَذُ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ".
والجواب: يقول تعالى في سورة «المؤمنون»: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ ٩٩ لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ١٠٠ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ ١٠١ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٢﴾ [المؤمنون : ٩٩، ١٠٢]. فهذه الآية تنفي الرجعة بكل وضوح. وفي القرآن آيات أخرى أيضا تنفي الرجعة كقوله تعالى: ﴿ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ ٤٦﴾ [غافر: ٤٦].
أما في «نهج البلاغة» فقد جاء في الرسالة رقم 31 من رسائل الإمام علي ÷ وصيته إلى ابنه الحسن ÷ يقول فيها: "واعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَؤوداً المُخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالاً مِنَ المُثْقِلِ والمُبْطِئُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالاً مِنَ المُسْرِعِ وأَنَّ مَهْبِطَكَ بِهَا لا مَحَالَةَ إِمَّا عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ ووَطِّئِ المَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ فَلَيْسَ بَعْدَ المَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ ولا إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ.". فعليٌّ ÷ يؤكِّد أن لا عودة إلى الدنيا لأحد بعد الموت.
***
والرواية الأخرى التي يستندون إليها لإثبات وجود إمام الزمان (المهدي الغائب) هي ما روي عن رسول الله ص أنه قال: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّة"[46].
والجواب: لا ندري مدى صحَّة هذه الرواية، ولكن على أي حال، من الواضح أن المقصود من إمام الزمان فيها هو الإمام الحاكم الفعلي الذي يدير زمام أمور المسلمين في كل عصر، سواء كان براً أم فاجراً، فإذا كان مؤمناً كان على المسلمين أن يؤدوا دورهم المطلوب منهم في الأمور السياسية فينصروه ويدعموه، وإن كان فاجراً فعلي المسلمين أن يرفضوا طاعته، فالمقصود من هذه الرواية أن على المسلم أن يكون مهتما بأمور بلده ومجتمعه وبالاطلاع عليها، وهناك روايات أخرى تؤيد هذا الكلام. روى الشيخ المفيد في كتابه «الاختصاص» عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ – أي حضرة الإمام موسى الكاظم ÷ - قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً إِمَامٍ حَيٍّ يَعْرِفُهُ. قُلْتُ: لَمْ أَسْمَعْ أَبَاكَ يَذْكُرُ هَذَا يَعْنِي إِمَاماً حَيّاً! فَقَالَ÷: قَدْ وَاللهِ قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ص. قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص: مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ يَسْمَعُ لَهُ وَيُطِيعُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"[47].
إن جملتَي «إِمَامٍ حَيٍّ يَعْرِفُهُ - إِمَامٍ يَسْمَعُ لَهُ وَيُطِيعُ» جديرتان بالتأمُّل الدقيق، إذ أنها تبين أن المقصود من الإمام في كثير من الأحاديث الإسلامية هو الإمام الحي الذي ينبغي أن يراه الناس ويسمعوا كلامه لا الإمام الغائب الذي لا يمكن الوصول إليه بأي وجهٍ من الوجوه!! وكما يقول أستاذنا السيد «مصطفى الطباطبائي»: "أحياناً يأتي الكلام [في النصوص الشرعية] عن «الإمام» ويُرادُ منه زعيمٌ مرشدٌ مؤمنٌ على مستوى عالٍ من العلم والتقوى ومعرفة مسائل عصره، يسترشد به الآخرون ويأتمُّون بهداه ومعرفته التي اكتسبها بالسعي والتعقُّل الصحيح في عالم الخليقة وفي كتاب الله وسنَّة النبيّ القطعية ص، ويَرجِعون إليه في حل وفصل أمور المسلمين، وهذا المعنى، بالطبع، يجب على المسلمين أن يكون لهم دائماً مثل هذا الإمام والزعيم، كما أن كل مذهب و دين أو مسلك سياسي مطلق بحاجة إلى مثل هذا الزعيم والمرشد (والحديث المذكور أعلاه يؤيد هذا القول). وأحياناً تأتي كلمة «الإمام» ويُقْصَد منها الكتاب الإلـهي الحاضر دائماً الذي هو في متناول أيدي الناس على الدوام، ويمكن للجميع أن يستفيدوا من إرشاده وهَدْيِهِ، ولا تعرِض له «غيبةٌ» أبداً، وهذا الإمام هو في الواقع القرآن الكريم ذاته بدليل ما جاء في القرآن نفسه من قوله تعالى: ﴿وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةً﴾ [هود: ١٧]؛ فيُستَفاد من هذه الآية أن إمام جميع المسلمين الذي كان يتبعه حتى النبي ص والأئِمَّة عليهم السلام أنفسهم هو القرآن[48]، وهو الإمام الحاضر، وإمام جميع الأزمنة، والإمام بدون «غيبة»".
[45] الحسن بن سليمان الحلّي (كان حياً 802 هـ) عالم إمامي، حلي المولد عاملي المحتد. تتلمّذ على الفقيه الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي (ت 786 هـ)، وكان محدثاً وفقيهاً وصنّف كتباً، منها: مختصر «بصائر الدرجات» لسعد بن عبد الله الأشعري القمي (المتوفّى 299 أو 301 هـ). (المُتَرْجِمُ) [46] الحرّ العاملي، «وسائل الشيعة»، ج16، ص 246. (المُتَرْجِمُ) [47] بحار الأنوار، ج 23، ص 92. والنوري الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج18، ص 177. (المُتَرْجِمُ) [48] حول هذا الموضوع يُراجَع ما ذكرناه في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 324 - 325 (البرقعي)
يروي المجلسيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن كتاب «الاحتجاج» للطَّبْرَسِي عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الجُهَنِيِّ "عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا قَالَ: يَبْعَثُ اللهُ رَجُلًا فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَكَلَبٍ[49] مِنَ الدَّهْرِ وَجَهْلٍ مِنَ النَّاسِ، يُؤَيِّدُهُ اللهُ بِمَلَائِكَتِهِ وَيَعْصِمُ أَنْصَارَهُ وَيَنْصُرُهُ بِآيَاتِهِ وَيُظْهِرُهُ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى يَدِينُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطاً وَنُوراً وَبُرْهَاناً، يَدِينُ لَهُ عَرْضُ البِلَادِ وَطُولُهَا، لَا يَبْقَى كَافِرٌ إِلَّا آمَنَ، وَلَا طَالِحٌ إِلَّا صَلَحَ، وَتَصْطَلِحُ فِي مُلْكِهِ السِّبَاعُ....."[50] .
لنرَ الآن هل تنطبق هذه الرواية مع القرآن الكريم؟
يقول تعالى في سورة المائدة: ﴿وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ﴾ [المائدة: ١٤].
ويقول سبحانه أيضاً: ﴿وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۚ وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ﴾ [المائدة: ٦٤].
إذن من هاتين الآيتين يتبـيَّن أنه حتى يوم القيامة سيبقى هناك يهود على وجه الأرض وستبقى بينهم العداوة والبغضاء، وكذلك سيبقى النصارى أيضاً على هذه الصورة حتى يوم القيامة، فليس الأمر أنه لن يبقى قبل القيامة أي كافر أو طالح وأن الإيمان والصلاح سيعُمَّان الأرض!
***
[49] الكَلَب: داء شبيه بالجنون. [50] المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 280.
قبل أن نذكر الآيات نطلب منك أيها القارئ الكريم، إذا لم تكن تحفظ القرآن أو لم يكن لك معرفة باللغة العربية، أن تضع أمامك ترجمة للقرآن الكريم وتتدبر معاني الآيات التي سنذكرها فيما يلي:
81- إحدى الآيات التي يستدلّون بها على ظهور المهدي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ ١٠٥﴾ [الأنبياء: ١٠٥] .
التعليق: من العجيب كيف يتم تحريف معنى مثل هذه الآية الواضحة التي لا لبس في معناها، ويتم تفسيرها بمعنى ما أنزل الله به من سلطان، فقاتل الله الذين أدخلوا في الإسلام روايات كاذبة شوهت الإسلام الذي أنزله الله وحرفت معاني آياته.
لننظر الآن إلى المقصود الحقيقي من هذه الآية؟ يجب أن نذهب إلى المصدر الذي أشارت إليه الآية، أي الزبور، فنجد أنه في سفر المزامير لداود [المزمور37: الآية29] النص التالي: "الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الأَبَدِ.".
إذن يتبين أن المقصود من الأرض التي سيرثها الصالحون أرض الجنة، إذْ لو كان المقصود أرض الدنيا لما صح قوله أنهم سيسكنونها إلى الأبد، لأنه من المعلوم أن أرض الدنيا لن تبقى إلى الأبد ولا الصالحون سيعيشون في الأرض إلى لأبد، بل سيموت الجميع وتقوم القيامة. كما قال تعالى: ﴿إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا ١ وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا ٢﴾ [الزلزلة: ١، ٢]. وقال سبحانه: ﴿كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ ٢٦ وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٢٧﴾ [الرحمن: ٢٦، ٢٧].
ولقد جاءت كلمة «الأرض» في عدد من الآيات القرآنية الأخرى بمعنى «أرض الجنَّة»، كما قال تعالى في سورة الزمر: ﴿وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ وَأَوۡرَثَنَا ٱلۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلۡجَنَّةِ حَيۡثُ نَشَآءُۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ ٧٤﴾ [الزمر: ٧٤].
أضف إلى ذلك أن كلمة «الصَّالِحُونَ» في الآية موضع الاستشهاد محلاة بالألف واللام [ألف ولام الجنس] فهي تشمل جميع الصالحين ولا تختص بصالحي آخر الزمان فقط.
2- آية أخرى من الآيات التي يستدلون بها على ظهور المهدي في آخر الزمن قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥﴾ [القصص: ٥].
ونقول: إنه لفهم أي آية من القرآن فهماً صحيحاً لا بد أن نلاحظ سياقها الذي جاءت فيه، أي ما قبلها وما بعدها من آيات، كما علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مكية الآيات أو مدنيتها فذلك كله يساعد على استبيان المعنى الحقيقي للآيات:
انظر الآن أيها القارئ العزيز إلى ما قبل الآية المستشهد بها وما بعدها؟ قال تعالى قبل الآية المذكورة مباشرةً: ﴿إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ٤﴾ [القصص: ٤] ، ثم قال تعالى بعدها: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾ أي نريد أن نمن على هؤلاء الذين استضعفهم فرعون فكان يذبِّح أبناءهم ويستحيي نساءهم، ﴿وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥﴾ أي نجعل المستضعفين من بني إسرائيل أئمة و وارثين. وهذا التفسير البيِّن تتَّفق عليه تفاسير السنة والشيعة.
فإذا استشكل بعضهم وقال: إذا كان الأمر كذلك فلماذا استخدم الله تعالى صيغة المضارع بقوله ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ﴾؟
قلنا في الإجابة: إنما استخدم الله تعالى المضارع ليبين أن المنّ على موسى والمستضعفين من بني إسرائيل بالتمكين في الأرض إنما سيكون بعد استضعاف فرعون لهم كما جاء في نص الآية التالية مباشرةً حيث قال سبحانه: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ ٦﴾ [القصص: ٦]، فهنا جملة ﴿وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم﴾ جاءت أيضاً بصيغة المضارع وهي معطوفة على الأفعال: و«نُرِيْدُ أن نَمُنَّ» و «وَنَجْعَلَهُمْ» و «وَنُمَكِّنَ»، مع أن فرعون وهامان كانا قبل محمد ص بقرون طويلة. وجاء فعل «يُذَبِّحُ» أيضاً بالمضارع، لأن فرعون كان بعد استضعافه لقوم موسى يقوم بقطع رؤوسهم، في حين أننا نعلم أن فرعون كان معاصراً لموسى، وأنه كان يذبح بني إسرائيل في زمنٍ ماضٍ، وأن الآية تتكلَّم عن أمور ماضية لا عن أمور حاضرة ولا مستقبلة.
إذن أتى الله تعالى بصيغة المضارع ﴿وَنُرِيَ﴾ ولم يقل «أرينا» الماضي ليقول لنا إنه بعد استضعاف فرعون لهم وبعد جرائمه بحقهم «أردنا» أن نريهم العذاب الذي يستحقونه. فلا علاقة للآية بآخر الزمان بتاتاً[51].
3- الآية الأخرى التي يستدلُّون بها على المهدي ويصنعون منها ملصقات جدارية وشعارات مكتوبة على الأقمشة بالخط العريض ويصـرفون مبالغ طائلة على هذا الأمر كان ينبغي أن تُصرَف على الدعوة إلى الإسلام الأصيل لا على ما يضلِّل الناس، هي قوله تعالى: ﴿بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [هود: ٨٦]. حيث يقولون إن المقصود من ﴿بَقِيَّتُ ٱللَّهِ﴾: إمام الزمان!!!
ولكننا إذا انتبهنا إلى سياق الآية وما جاء قبلها وبعدها تبيَّن لنا بوضوح أنها تتعلَّق بقوم شعيب الذين كان نبيهم يعظهم ويقول لهم: ﴿وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ ٨٥﴾ [هود: ٨٥] ثم قال: ﴿بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ أي اكتفوا بما يبقى لكم من الربح الحلال، فالمُراد من «بَقِيَّةُ اللهِ» الربح الحلال الذي يكسبه البائع، والمُخاطبون بالكلام هم قوم شعيب (ع). وهذا الذي ذكرناه هو الذي يذكره جميع المفسـرين من أهل السنة، وبالنسبة إلى تفاسير الشيعة فسنذكر ما قاله أحد أهم وأكبر المفسـرين منهم ألا وهو الشيخ الطبرسي، أي صاحب تفسير «مجمع البيان» حيث قال مفسِّراً الآية:
"«بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»: «البقية» بمعنى الباقي، أي ما أبقى الله تعالى لكم من الحلال بعد إتمام الكيل والوزن خير من البخس والتطفيف. وشرط الإيمان في كونه خيراً لهم لأنهم إن كانوا مؤمنين بالله عرفوا صحة هذا القول".
وذهب آخرون من أعلام مفسري الشيعة أيضاً إلى مثل هذا التفسير واعتبروا المُراد من «بَقِيَّةُ اللهِ» الربح الحلال الذي ينال الإنسان من الكسب[52]، فإذا رأينا بعد ذلك أن بعض المفسرين الشيعة فسَّـر الآية بغير ذلك استناداً إلى أخبار ضعيفة علمنا استناداً إلى القرآن الكريم وإلى روايات متعددة في هذا المجال وإلى تفاسير السنة والشيعة أن قوله غير صحيح. أضف إلى ذلك أن الله تعالى ليس له أبعاض وأجزاء حتى يكون له بقية منها في الأرض! ثم كيف يمكن أن يقول الحق تعالى لقوم إن المهدي - الذي لا ترونه بل لا ترون آباءه - خير لكم؟!!.
94- من الآيات الأخرى التي يستدلون بها قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤﴾ [البقرة: ٣، ٤]. حيث يقولون إن المقصود من «الإيمان بالغيب» الإيمان بالمهدي الغائب!.
في حين أننا إذا لاحظنا سياق هذه الآيات وما جاء قبلها وبعدها علمنا أن المقصود بالغيب هنا هو ذات الباري تعالى. وقال بعضهم المقصود من «الغيب» هو «يوم القيامة» الخافية عن الأنظار اليوم، وهؤلاء أيضاً لا يملكون دليلاً على هذا التفسير للكلمة، لما سنذكره بعد قليل، وأما الدليل على أن «الغيب» في الآية معناه «ذات الباري تبارك وتعالى» و لا علاقة لها بالمهدي فهو ما يلي:
أ) إذا لاحظنا سياق الآية وجدناها تقول: ﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ﴾ بناء عليه، قبل إقام الصلاة، لابدّ أولاً من وجود الإيمان بالله تعالى الذي نصلي له، فيُعْلَمُ أن المُراد بجملة «يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» الإيمان بالله لأنه جاء بعدها مباشرة: «وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ».
ب) مما يؤكد أن المقصود بالإيمان بالغيب هنا هو الإيمان بـ«الله تعالى» أن الله ذكر في سياق الآية عدداً من صفات المتقين كما يلي: الإيمان بالغيب، إقام الصلاة، الإنفاق، الإيمان بما أُنْزِل إلى النبي محمد ص أي الإيمان بالقرآن، الإيمان بما أُنْزِل قبل القرآن، أي بالكتب السماوية السابقة ، اليقين بالآخرة أي بالقيامة. فهل يمكن لأحد أن يدعي أن الإيمان بالله تعالى لم يُطرح في هذه القائمة التي بيَّنت أهم أركان الإيمان؟ بالطبع لا، لأننا نعلم أن الإيمان بالله هو على رأس قائمة أركان الإيمان وأوجبها[53] فلا يمكن أن يكون المقصودُ من الغيب هنا شيئاً سوى الله تعالى.
ج) ذكر الله تعالى ذاته في كل سورة من سور القرآن وتكلَّم عن ذاته وصفاته في آلاف المواضع من القرآن، فعلى المؤمنين أن يؤمنوا بالله سبحانه قبل أي شيء، أما المهدي فليس له أي ذكر في القرآن الكريم، فكيف يطلب الله تعالى من الناس أن يؤمنوا بشيء لم يذكره لنا في كتابه؟!! فهل «الغيب» الذي أمر الله تعالى بالإيمان به هو ذات الله الذي دعانا في كل القرآن للإيمان به أم هو المهدي الذي لا ذكر له ولا اسم له في القرآن؟؟
أضف إلى كل ذلك أن «الغيب» الذي أمر اللهُ بالإيمان به ينبغي أن يكون مما لا يمكن مشاهدته بالحواس وغائباً عن الأنظار، فإذا كان المقصود من «الغيب» هنا إمام الزمان، فإنه لن تنطبق عليه كلمة «الغيب» عندما كان طفلاً مرئياً في أول عمره، ولا عندما سيظهر ويراه الناس، ففي تلك الفترتين تكون الآية لغواً بلا معنى لأن إمام الزمان فيهما ظاهر وليس غيباً وعندئذٍ: ما هو الغيب الذي يجب على المؤمنين الإيمان به؟
د) قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ ١٢﴾ [الملك: ١٢]، وقال عزَّ من قائل: ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكۡرَ وَخَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾ [يس: ١١]، وقال سبحانه: ﴿وَأُزۡلِفَتِ ٱلۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِينَ غَيۡرَ بَعِيدٍ ٣١ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٖ ٣٢ مَّنۡ خَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ وَجَآءَ بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ ٣٣﴾ [ق: ٣١، ٣٣] . فكل هذه الآيات تبين أن الغيب الذي يجب أن يؤمن به المؤمنون و يخشوه هو الله.
هـ) كما جاء في تفسير «تابشى از قرآن» [قبس من القرآن]: لو كان المقصود من «الغيب» الإمام الغائب، فنسأل: هل الإمام الغائب نفسه من المتَّقين أم لا؟ إن كان من المتَّقين كان عليه أن يؤمن بالغيب أي يؤمن بنفسه! فكيف يكون غائباً عن نفسه حتى يؤمن بنفسه؟!!
و) وإنما قلنا ليس المقصود من الغيب في الآية موضع الاستشهاد «يوم القيامة» لأن الله ذكر في آخر تلك الآية ذاتها وجوب الإيمان بيوم القيامة حين قال: ﴿وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤﴾ [البقرة: ٤]، والأصل عدم تكرار المعنى ذاته ضمن الآية الواحدة، كما أنه من البعيد جداً أن لا يذكر الله تعالى الإيمان به كجزء من صفات المتقين في حين يذكر مرتين الإيمان بالآخرة كصفة من صفات المتقين.
5- من الآيات الأخرى التي يستشهدون بها على المهدي أيضاً قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٣٣﴾ [التوبة: ٣٣].
أورد المجلسيُّ في «بحار الأنوار» هذه الآية كما أورد الآيات السابقة معتبراً أنها تتعلق بقائم آل محمد وأنه الإمام الذي سيظهر الله دينه على الدين كله.
والجواب: بالنسبة إلى الآية الأخيرة فقد اعتبر بعض علماء الشيعة أن مضمونها قد تحقق فعلاً في صدر الإسلام حيث ظهر النبي ص وأصحابه على جميع الدنيا وأصبح الإسلام غالباً في كل مكان. ومن هؤلاء العلماء نذكر المرجع آية الله أبو القاسم الخوئي الذي ذكر في بحث إعجاز القرآن من تفسيره «البيان» أن معنى هذه الآية قد تحقق في صدر الإسلام[54].
وقال آخرون إن هذه الآية تحققت بغلبة الإسلام في ميادين الحروب على اليهود والنصارى والزردشتيين والكفار. وسنوضح المقصود بهذه الآية فيما يلي:
أ) جاء في صدر الآية عبارة ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ﴾ فهذا يبين أن إظهار دين الحق على الدين كله إنما تم من خلال رسول الله محمد ص وعلى هذا المعنى قال بعض المفسرين إن هذا إشارة إلى غلبة محمد ص وانتصاره على الكفار وأهل الكتاب في ميادين القتال. بيد أننا نرى أن الأصح هو القول بأن هذا الظهور إنما تم بواسطة البراهين والدلائل التي جاء بها القرآن الكريم وتغلب بها على المناهج الخاطئة والأديان الباطلة، ومن هذا القبيل قوله تعالى في سورة الصف: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فََٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ ١٤﴾ [الصف: ١٤] ، فمن الواضح أن ظهور الطائفة من بني إسرائيل على عدوهم لم يكن بالحرب والقتال بل بالحجة والبرهان، وقد ذهب «زيد بن علي» إلى هذا القول أي أن أتباع عيسى المسيح إنما ظهروا على عدوهم بالحجة، وذكر صاحب تفسير الكشاف [الزمخشري] هذا القول كذلك.
ب) لقد صرَّح القرآن نفسه وأخبر في عدة مواضع بما يفيد أن اليهود والنصارى سيبقون إلى يوم القيامة ولن يزولوا تماماً من على الأرض أبداً، فإذا قلنا إن هذه الآية معناها زوال اليهودية والنصرانية من على وجه البسيطة وأن جميع البشـر سيصبحون مسلمين، كان قولُنا غيرَ متطابق مع الآيات الكريمة التي أوردناها فيما سبق من سورة المائدة، ومناقضاً لها. أضف إلى ذلك أنه في الآية موضع الاستشهاد لم يقل الله تعالى: هو الذي أرسل رسوله ليمحو الأديان كلها ويزيلها من الوجود بل قال ليظهر دين الحق على الدين كله. ومما يدل على ذلك أيضاً قول الله تعالى: ﴿كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ ٢١﴾ [المجادلة: ٢١]، مع أننا نعلم أن بعض الأنبياء قُتلوا، فإذن المقصود من الغلبة والظهور الغلبة والظهور المعنويين.
106- من الآيات الأخرى التي يستشهدون بها على المهدي قوله تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥﴾ [النور : ٥٥]. يقولون هذه الآية نزلت بشأن المهدي.
لكن ينبغي الانتباه إلى ما يلي:
أ) جاء في صدر الآية قوله تعالى ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ﴾ على نحو الخطاب، مما يبين أن المقصود هم الذين سمعوا هذه الآية من النبي ص حين نزولها.
ب) جاء في هذه الآية قيد: ﴿كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ﴾ وإذا نظرنا إلى آيات القرآن التي تتكلم عن الأمم السابقة لم نجد أن الله استخلف أي أمة على جميع الكرة الأرضية، مثلاً يقول تعالى في سورة ص: ﴿يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ﴾ [ص : ٢٦]، فقوله تعالى «خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ» ليس معناه في كل الكرة الأرضية لأنه من المعلوم أن حضرة داود ÷ لم يكن حاكماً إلا على جزء بسيط من الأرض. فإن قيل: ما الدليل على أن حضرة داود ÷ لم يكن حاكماً فعلاً على كل الأرض؟ قلنا: الدليل هو أن ابنه سليمان ÷ الذي حكم من بعده لم يكن له علم بحال أهل سبأ الذين كانوا يعبدون الشمس حتى أخبره الهدهد بذلك، إذن لم يكن جميع أهل الأرض مستسلمين لِـلَّهِ وخاضعين لدين داود في زمنه، فكان هناك في زمن داود عُبَّاد للشمس لا يعلمون شيئاً عن داود، و لم يكن داود يعلم عنهم شيئاً، ثم علم سليمان في عهده بأمرهم، كما تدل على ذلك الآيات 23 إلى 28 من سورة النمل، وربما كان هناك أقوامٌ كُثُر آخرون لم يكن سليمان مطلعاً عليهم أيضاً.
إذن يتبين أن المقصود من قوله تعالى: ﴿لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾ أن يخلف المؤمنون الكفار ويتغلبوا عليهم في مكة وما حولها، وهو ما وقع في صدر الإسلام، وفي دعاء الوحدة الذي نادى به المؤمنون عند فتح مكة: "لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ"، فالمقصود من: «أَنْجَزَ وَعْدَهُ» استخلاف الله للمسلمين على مكة طبقاً للآية موضع الاستشهاد أي قوله تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾ علاوة على أن كلمة «الْأَرْضِ» في الآية جاءت معرفة بالألف واللام، ويمكننا القول إنها ألف ولام العهد التي تشير إلى أرض معهودة وهي أرض مكة، وهذا كالآية التي قال الله تعالى فيها لرسوله ص: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِيُخۡرِجُوكَ مِنۡهَا﴾ [الإسراء: ٧٦] والتي لا يُقصد منها بالطبع إخراج الرسول من الكرة الأرضية! بل كلمة الأرض هنا المعرفة بألف ولام العهد يقصد بها تلك الأرض المعهودة، أي أرض مكة وما حولها.
ج) جاء في «نهج البلاغة» أن أمير المؤمنين علي ÷ – ضمن مشورته لعمر بن الخطاب عندما استشاره للشخوص لقتال الفرس – استند إلى هذه الآية موضع الاستشهاد بقوله: "هُوَ دِينُ اللهِ الَّذِي أَظْهَرَهُ وجُنْدُهُ الَّذِي أَعَدَّهُ وأَمَدَّهُ..... ونَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللهِ وَاللهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ"[55]. إذن كان عليٌّ يفهم من الآية أن الله تعالى استخلف أصحاب النبي ص فِي جزء من الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وقد تحقَّق هذا عندما حكم المسلمون قبله جزءاً من الأرض واستخلفهم الله عليه.
7- من الآيات الأخرى التي يستشهدون بها قوله تعالى: ﴿۞وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ ٨٢ وَيَوۡمَ نَحۡشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ فَوۡجٗا مِّمَّن يُكَذِّبُ بَِٔايَٰتِنَا فَهُمۡ يُوزَعُونَ ٨٣﴾ [النمل: 82-83].
يقولون: المقصود من «الدَّابَّة» الشي الذي يدبُّ على الأرض، وهو «الإمام المهدي»! والمقصود من الفوج الذين يحشرون من كل أمة، «الرجعة».
والجواب: بالنسبة إلى الآية الأولى (أي الآية 82 من سورة النمل) نقول: إن كلمة «الدَّابَّة» جاءت في القرآن بمعنى الكائن الحي المتحرك السافل في الرتبة[56]، وهذا المعنى لا يتناسب مع الإمام.
وثانياً: بالنسبة إلى الآية 82 من سورة النمل، لا بد من ملاحظة سياق الآية وما جاء قبلها. في الآية 66 من سورة النمل تكلَّم اللهُ عن الكفَّار الذي هم في شكٍ من الآخرة[57]، وفي الآية 67 وما بعدها قصَّ الله تعالى علينا قول الكفار: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبٗا وَءَابَآؤُنَآ أَئِنَّا لَمُخۡرَجُونَ ٦٧ لَقَدۡ وُعِدۡنَا هَٰذَا نَحۡنُ وَءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٦٨﴾؟؟ ثم بيَّن تعالى في الآية 71 تشكُّك الكفار بالآخرة بقولهم ﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾، ثم في الآية 80 و 81 قال سبحانه: ﴿إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ ٨٠ وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بَِٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ ٨١﴾، وهنا وصل الكلام إلى الآية 82 التي نبحث فيها فقال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ [أي على الكفار المتشكِّكين بالآخرة] أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾. الجملة الأخيرة أي قوله تعالى: ﴿أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ....﴾ تعقيب على الكلام الذي ذكره تعالى في الآية 66 فما بعدها من أن الكفار كانوا في شك و ريب من الآخرة. إذن بملاحظة الآيات السابقة يتبين أن الكلام جارٍ عن أحداث القيامة الكبرى التي كان الكفار يشكون فيها.
ثم إنه لم يأت في القرآن أي كلام عن المهدي حتى يمكن الحديث عنه وعن ظهوره، لا سيما أن سورة النمل مكية ولم يكن موضوع الإمامة والمهدي مطروحاً أصلاً في مكة حتى يشك بعض الناس به ويرفضوا الإيمان به. وهناك روايات كثيرة تبين أن الآية موضع البحث تتكلم عن علامات الساعة الكبرى المصاحبة ليوم القيامة. ثم إن المقصود من «الأرض» في هذه الآية «أرض القيامة»، كما أشرنا إلى ذلك في نقاشنا للآية الأولى.
وأما الآية 83 من سورة النمل فإذا لاحظنا كل الآيات التي سبقتها والتي تتعلق بها أمكننا أن نفهم أن هذه الآية تتعلق أيضاً بيوم القيامة. ولكن ما معنى قوله تعالى: ﴿وَيَوۡمَ نَحۡشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ فَوۡجٗا مِّمَّن يُكَذِّبُ بَِٔايَٰتِنَا فَهُمۡ يُوزَعُونَ ٨٣﴾؟ وكيف لا يحشر الله تعالى جميع الناس بل يحشر من كل أمة فوجاً فقط؟؟
الجواب: إذا رجعنا للآيات 101 إلى 103 من سورة طه رأينا أن الله تعالى يقول: ﴿مَّنۡ أَعۡرَضَ عَنۡهُ فَإِنَّهُۥ يَحۡمِلُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وِزۡرًا ١٠٠ خَٰلِدِينَ فِيهِۖ وَسَآءَ لَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ حِمۡلٗا ١٠١ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ زُرۡقٗا ١٠٢﴾ [طه: ١٠٠، ١٠٢]. ومعنى قوله تعالى: «وَنَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا» أي نحشرهم عُمياً، بيض العيون من العمى، قد ذهب السواد منها.
11ففي هذه الآيات من سورة طه التي تتحدث عن يوم القيامة، نرى أنه رغم أن جميع الكائنات والبشر سيُحشرون إلى الله، إلا أن الله تعالى يقول (وَنَحْشُـرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً)، لأن الكلام هنا خاصٌّ بالمجرمين، ومن المعلوم أن غير المجرمين أي المؤمنين سيُحْشَرون أيضاً يوم القيامة، كما بينت ذلك بالتفصيل آيات عديدة أخرى في القرآن. إذن لا يمكن القول بما أن الآية لم تذكر سوى حشر المجرمين، فهم وحدهم سيُحشرون ولن يُحْشَر غيرُهم، لأنه من الواضح أن ذِكْرَ الشـيءِ لا يعني نفي ما عداه.
ثم إنه إذا لاحظنا الآية التي جاءت بعد الآية 83 موضع الاستشهاد من سورة النمل، لرأينا أن الله تعالى يقول: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبۡتُم بَِٔايَٰتِي﴾ [النمل: 84]، ممَّا يُبَيِّنُ أن المقصود من هذا الحشر والإحضار: إحضارهم إلى أرض المحشـر يوم القيامة الكبرى، حيث سيكلمهم الله تعالى، إذ إن مثل هذا الخطاب من الله للناس سيكون يوم القيامة.
ثم إن الآيتين 82 و 83 من سورة النمل تفيدان أن الكفار سيتوجَّب عليهم قطع مسافة حتى يصلوا إلى المكان الذي سيُرْمَون به في النار، ولم تذكر الآيتان شيئاً عن حال المؤمنين، فما هو مصيرهم؟ لقد أشارت الآيات الأخرى إلى هذا الأمر. وبعبارة أخرى: إن الآيتين 82 و 83 من سورة النمل في صدد وصف حال فوج وجماعة من المكذبين بالأنبياء يوم القيامة. كما قال عزَّ شأنه: ﴿يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجٗا ١٨﴾ [النبا: ١٨]، إذن ما جاء في سورة النمل هو حديث عن أحد تلك الأفواج، أما حال الأفواج الأخرى فقد بينته سائر آيات القرآن.
8- من الآيات التي يستدلّون بها: ما رواه المجلسيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن [تفسير فرات بن إبراهيم][58] بِسَنَدِهِ "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا ٣﴾ [الشمس: ٣]، قَالَ: يَعْنِي الْأَئِمَّةَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ يَمْلِكُونَ الْأَرْضَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَمْلَؤونَهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً"!![59].
والجواب: ينبغي أن ننتبه إلى أن الله تعالى أقسم في القرآن بالعصـر والنهار والليل والقمر والشمس وأقسم بالتين والزيتون ومكَّة وغيرها، وهي كلها مخلوقاته، فالنهار الذي أقسم الله به في هذه الآية هو هذا النهار الذي نعرفه، الذي تظهر الشمس فيه في الأفق. أما لو اعتبرنا أن المقصود من النهار وضيائه: الإمام، فماذا سنعتبر المقصود من الليل وظلامه الذي أقسم الله به بقوله: ﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰهَا ٤﴾ [الشمس: ٤] ؟ إنهم يروون أن المقصود من الليل «عُمَر» والمقصود من الشمس «عليّ»!! فنجيب: إن الله لا يقسم إلا بما هو مهم ومقدس وبشيْءٍ له فضل وخصوصية، فإذا اعتبرتم أن المقصود من الليل هو «عُمَر» فكيف أقسم الله به مع أنه يجب أن يقسم الله تعالى بالأشياء الجيدة أو بالأشخاص الشرفاء، فكيف أقسم بـ«الليل» الذي هو عُمَر حسب قولكم، مع أنكم لا تُقِرُّون بأي فضيلةٍ له!!!
129- من الآيات الأخرى التي يستشهدون بها قوله تعالى: ﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ ١١﴾ [غافر: ١١].
يقولون عن هذه الآية: إن المقصود من الإماتة مرتين: الإماتة الأولى في هذه الدنيا، ثم الإماتة الثانية بعد الرجعة.
والجواب: ليس في هذه الآية أي دليل على «الرجعة» والآية لا يُقصد منها مثل هذا المعنى أبداً، لأنه لو كان المقصود منها «الرجعة»، وفرضنا جدلاً أن هناك رجعة قبل القيامة ، ففي هذه الحالة سيكون للذين سيرجعون إلى الدنيا ثم يموتون ثانيةً ثلاث حيوات و موتتان: وهي الحياة الأولى في هذه الدنيا، ثم بعدها موت، ثم بعدها حياة أخرى في الرجعة، ثم بعدها موت، ثم بعدها الحياة يوم القيامة. وهذا لا يتفق مع الآية، التي ذكرت أن الكفار سيقولون: ﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ﴾. أما لو فرضنا أن الكفار لن يموتوا في الرجعة وسيأتون للقيامة مباشرةً، ففي هذه الحالة سيكون لهم حياتان وموت واحد وهذا أيضاً لا ينسجم مع الآية!! إذن الآية لا تنطبق على عقيدة الرجعة. فما معناها إذن؟
إذا دقَّقنا النظر في الآية رأينا أن أهل النار يقولون: ﴿رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ ١١﴾ ومقصودهم من هذا الكلام هو ما يعانونه من عذاب في النار حيث أنهم غابوا عن الوعي مرتين وعادوا إلى الوعي مرتين، ويقولون هل هناك سبيل لخروجنا من هذا العذاب في جهنم؟ وذلك لشدة ما يعانونه فيها من عذاب. أما لو اعتبرنا أن كلامهم هو عن حياتهم وموتهم في الدنيا لكان إقرارهم بالموت والحياة في الدنيا في هذا المقام والموقف لا محل له بل لغو لا معنى له، إذ ما هي العلاقة بين التماسهم الخلاص والخروج من العذاب وبين الإقرار بأن الله أحياهم مرة في الدنيا ومرة أخرى في الرجعة؟! فإن قيل: الكفار لا يموتون في جهنم، طبقا لقوله تعالى: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ ٧٤﴾ [طه: ٧٤]، قلنا: إن الكفار يتكلمون حسب فهمهم، فهم يتصورون أن حالة الغشي وفقدان الوعي التي يعانون منها في النار هي «موت» وهذا المعنى تؤيده الآية التالية من سورة إبراهيم حيث يقول تعالى: ﴿مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ ١٦ يَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُۥ وَيَأۡتِيهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٖۖ وَمِن وَرَآئِهِۦ عَذَابٌ غَلِيظٞ ١٧﴾ [إبراهيم: ١٦، ١٧]. فهذه الآية تبين أن الموت يأتيهم من كل طرف، ولكنهم لا يموتون، لأن الله لا يميتهم حتى لا يرتاحوا من العذاب. و كذلك قوله تعالى: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ﴾ معناها أنهم لا يموتون بشكل دائم ولا يحيون بشكل دائم، بل يعانون من حالة بين الحياة والموت.
أضف إلى ذلك أن الله تعالى يقول في القرآن، حكايةً عن أهل الجنة، إنهم يقولون: ﴿أَفَمَا نَحۡنُ بِمَيِّتِينَ ٥٨ إِلَّا مَوۡتَتَنَا ٱلۡأُولَى﴾ [الصافات : ٥٨، ٥٩]، مما يبين أنهم لم يذوقوا إلا موتة واحدة وهي الموت الذي يذوقه جميع بني آدم في هذه الحياة الدنيا.
وقال تعالى أيضاً في سورة البقرة: ﴿كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ﴾ [البقرة: ٢٨] حيث يمكن أن تكون هذه الآية تفسيراً للآية موضع البحث من سورة غافر (أي سورة المؤمن). فالله تعالى يذكر في هذه الآية أن الإنسان يتعرض في مسيرة حياته الكليَّة إلى موت وحياة على دفعتين، الموت والحياة الأولين اللذين ذكر أنهما وقعا في الماضي ﴿وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡ﴾ يشيران إلى حياة الجماد التي كان الإنسان فيها قبل بث الروح فيه، ثم ولادته وحياته في هذه الدنيا. والموت والحياة الآخرين، وذكر أنهما سيقعان في المستقبل (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) يشيران إلى موت الإنسان في أجله ونهاية حياته الدنيوية، وحياته الجديدة يوم البعث والنشور يوم القيامة. فهذه الآية والآية من سورة غافر معناهما واحد ولا تدلان على موضوع الرجعة من قريب ولا من بعيد.
***
[51] أي أن وضع جملة ﴿وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ ...﴾ مثله مثل وضع و﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ﴾تماماً كلتاهما تتحدثان عن أمر ماضٍ بصيغة المضارع. (المُتَرْجِمُ) [52] كشيخ الطائفة الطوسي في تفسيره «التبيان»، وفخر الدين الطريحي في كتابه تفسير غريب القرآن، والعلامة محمد حسين الطباطبائي في تفسيره «الميزان». (المُتَرْجِمُ) [53] يؤكد ذلك أن الله تعالى عندما ذكر أركان الإيمان في بعض المواضع من القرآن ذكر الإيمان بالله على رأسها كقوله سبحانه: ﴿وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۧنَ﴾ [البقرة: ١٧٧] وقوله تعالى: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ﴾ [البقرة: ٢٨٥] غيرها من الآيات. [54] السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، «البيان في تفسير القرآن»، ط 4، بيروت، دار الزهراء للطباعة والنشر، 1395هـ/1975م، ص 69. [55] نهج البلاغة، خطبة رقم 146. (المُتَرْجِمُ) [56] كالآية 14 من سور سبأ. [57] فيقول تعالى: ﴿بَلِ ٱدَّٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ﴾ [النمل: 66]. [58] ذكر المؤلف هنا سهواً عبارة «علي بن إبراهيم» بدلاً من «فرات بن إبراهيم» فصححتُها في المتن. (المُتَرْجِمُ) [59] المجلسيُّ، «بحار الأنوار»، ج 53، ص 118. (المُتَرْجِمُ)
1- جاء في الصفحة 238 من كتاب «مهدى موعود» [أي المهدي الموعود] نقلاً عن كتاب «الإرشاد» للشيخ المفيد قوله:
"لَيْسَ بَعْدَ دَوْلَةِ الْقَائِمِ لِأَحَدٍ دَوْلَةٌ ....... وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَنْ يَمْضِيَ مَهْدِيُّ الْأُمَّةِ إِلَّا قَبْلَ الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً يَكُونُ فِيهَا الْهَرْجُ وَعَلَامَةُ خُرُوجِ الْأَمْوَاتِ وَقِيَامُ السَّاعَةِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ وَاللهُ أَعْلَمُ"[60].
توضيح: نستنتج من كلام الشيخ المفيد المُستند إلى الرواية المذكورة أنه لن تكون هناك بعد «المهدي» دولة وأن القيامة ستقوم بعد أربعين يوم من وفاته.
2- ولكن جاء في كتاب «مهدى موعود» نقلاً عن كتاب «إكمال الدين» للشيخ الصدوق روايته: "عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِلصَّادِقِ ÷: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ! سَمِعْتُ مِنْ أَبِيكَ أَنَّهُ قَالَ يَكُونُ بَعْدَ الْقَائِمِ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً؟؟ فَقَالَ: قَدْ قَالَ اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيّاً وَلَمْ يَقُلْ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مِنْ شِيعَتِنَا يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى مُوَالَاتِنَا وَمَعْرِفَةِ حَقِّنَا"[61].
توضيح: فمن هذه الرواية المخالفة للرواية السابقة نستنتج أنه سيكون هناك بعد «المهدي» اثنا عشر مهدياً آخر سيكونون من الدعاة الشيعة العاديين وربما لا يكونون سادة هاشميين أصلاً.
3- لكن الكتاب المذكور (المهدي الموعود) ينقل عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي روايةً مسندةً إلى "أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصادق ÷ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! إِنَّ مِنَّا بَعْدَ الْقَائِمِ أَحَدَ عَشَرَ مَهْدِيّاً مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ ÷"[62].
توضيح: هذه الرواية تخالف الرواية السابقة وتُبيِّن أنه سيأتي بعد «المهدي» إحدى عشر مهدياً كلهم سادة هاشميون. كما أن هذه الرواية تخالف الرواية الأولى التي قالت إنه لن يكون هناك أيُّ «مهدي» آخر بعد المهدي، وأنه سيقع الهرج والمرج وستقوم القيامة بعد وفاة المهدي بأربعين يوم.
4- وذكروا في كتاب (المهدي الموعود) قال: "روى العياشيُّ في تفسيره عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الباقر ÷ يَقُولُ: وَاللهِ لَيَمْلِكَنَّ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَيَزْدَادُ تِسْعاً. قَالَ قُلْتُ: فَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: بَعْدَ مَوْتِ الْقَائِمِ. قَالَ قُلْتُ: وَكَمْ يَقُومُ الْقَائِمُ فِي عَالَمِهِ حَتَّى يَمُوتَ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ قِيَامِهِ إِلَى مَوْتِهِ. قَالَ قُلْتُ: فَيَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهِ هَرْجٌ؟ قَالَ: نَعَمْ خَمْسِينَ سَنَةً. قَالَ ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَنْصُورُ إِلَى الدُّنْيَا فَيَطْلُبُ دَمَهُ وَدَمَ أَصْحَابِهِ فَيَقْتُلُ وَيَسْبِي حَتَّى يُقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ مَا قَتَلَ النَّاسَ كُلَّ هَذَا الْقَتْلِ. فَيَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ أَبْيَضُهُمْ وَأَسْوَدُهُمْ فَيَكْثُرُونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْجِئُونَهُ إِلَى حَرَمِ اللهِ فَإِذَا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَيْهِ مَاتَ الْمُنْتَصِرُ وَخَرَجَ السَّفَّاحُ إِلَى الدُّنْيَا غَضَباً لِلْمُنْتَصِرِ فَيَقْتُلُ كُلَّ عَدُوٍّ لَنَا جَائِرٍ وَيَمْلِكُ الْأَرْضَ كُلَّهَا وَيُصْلِحُ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ وَيَعِيشُ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَيَزْدَادُ تِسْعاً. ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الباقر ÷: يَا جَابِرُ! وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الْمُنْتَصِرُ وَالسَّفَّاحُ؟ يَا جَابِرُ! الْمُنْتَصِرُ الْحُسَيْنُ وَالسَّفَّاحُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.!! " [63]
توضيح: هذه الرواية تخالف الروايات السابقة كلها. في بداية الرواية ينسب الراوي كذباً إلى الإمام الباقر ÷ أنه أقسم بالله، كي يُصدِّقه المُخاطَب بأن الرواية صحيحة، وكذلك نسب الراوي في خبر «المُفَضَّل بن عُمر» المخالف لهذه الرواية أيضاً، كذباً إلى الإمام الصادق ÷ أنه أقسم بالله كي يُظهر أن الرواية (خبر «المُفَضَّل بن عُمر») صحيحة، هذا على الرغم من أن هذه الروايات يُعارض بعضها بعضاً وتخالف القرآن الكريم والعقل.
6- وذكر صاحب كتاب «مهدى موعود» في كتابه رواية أخرى عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي، بسنده "عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ÷ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ص فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا وَفَاتُهُ لِعَلِيٍّ ÷: يَا أَبَا الْحَسَنِ! أَحْضِرْ صَحِيفَةً وَدَوَاةً فَأَمْلَى رَسُولُ اللهِ ص وَصِيَّتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ! إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً وَمَنْ بَعْدَهُمْ اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيّاً فَأَنْتَ يَا عَلِيُّ أَوَّلُ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْإِمَامِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَلْيُسَلِّمْهَا الْحَسَنُ (العسكري) إِلَى ابْنِهِ محمد الْمُسْتَحْفَظِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، فَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً. ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيّاً، فَإِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى ابْنِهِ أَوَّلِ الْمَهْدِيِّينَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسَامِي: اسْمٌ كَاسْمِي وَاسْمِ أَبِي وَهُوَ عَبْدُ اللهِ وَأَحْمَدُ وَالِاسْمُ الثَّالِثُ الْمَهْدِيُّ وَهُوَ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ."[64].
13توضيح: هذه الرواية تُعارض قول الذين يقولون ستقوم القيامة بعد المهدي! ولم يأتِ في القرآن أيُّ ذكر لأسماء الأئمة وليس هذا فحسب بل حتى الإيمان بالإمامة المُغايرة للنبوة لم يُذكر في القرآن. لا يوجد في القرآن الكريم ذِكر للإيمان بأفراد مُعيَّنين باسم الأئمة أو الإمامة، ولو عيَّن اللهُ تعالى اثني عشر نفراً من جانبه ليكونوا أئمة مُرشدين وهادين للناس بعد النبيّ لذكر أسماءهم في القرآن يقيناً، أو على الأقل لذكر وجوب الإيمان بالإمامة إلى جانب الإيمان بالنبوة. ومن المناسب هنا أن نذكر آية من القرآن هي التالية: ﴿لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ١٧٧﴾ [البقرة: ١٧٧].
كما ذكرنا لا نُشاهد في هذه الآية التي عدَّد الله فيها صفات الأبرار المُتَّقين أيَّ أثر أو ذكر لإيمانهم بالأئمة بل كل ما ذكره تعالى بشأن صفات المُتَّقين أنهم يؤمنون بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْـمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ.
وكذلك لا نرى في قوله تعالى في القرآن الكريم: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ ٢٨٥﴾ [البقرة: ٢٨٥]، أيَّ أثر أو ذكر للإيمان بالأئمة.
نستنتج من الآية الكريمة الأخيرة أن جميع المؤمنين يؤمنون بخمسة أشياء هي: إيمانهم بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وبيوم القيامة. فإن قيل: لم تذكر الآية سوى إيمان الرسول والمؤمنين بأربعة أشياء (الله والملائكة والكتب السماوية والرسل) ولم يُذكر فيها الإيمان بيوم القيامة؟ نقول: لقد جاء في آخر الآية أن المؤمنين يقولون: ﴿رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] فهذا يدل على أن المؤمنين يؤمنون بيوم القيامة وبعودة جميع الخلق إلى الله.
وهناك آيات أخرى في القرآن الكريم تُفيد أن من كفر بهذه الأمور الخمسة فهو في الضلال المُبين، كقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا ١٣٦﴾ [النساء : ١٣٦]. إذن، يُعْلَم بوضوح أن القرآن أوجب الإيمان بخمسة أشياء وهي: الإيمان بالله وباليوم الآخر وبالملائكة والكتب السماوية والنبيين، ولم يذكر القرآن مطلقاً الإيمان بالأئمة أو الإمامة، وكما قلنا سابقاً لو كان هناك أئمة مُعيَّنون ومنصوبون للبشرية مِنْ قِبَلِ الله تعالى بعد حضرة محمد ص لورد ذكرهم في القرآن حتماً.
نحن لا نقول إن الذين يعتبرهم الشيعة أئمتهم لم يكن لهم وجود أصلاً، بل نحن نؤمن بوجودهم ولكننا نقول إنهم لم يكونوا منصوبين مِنْ قِبَلِ الله، ولم يكونوا 12 شخصاً فقط، بل كما شاهدنا في هذه المقالة كان لكل فرقة إمام وأئمة، ولا دليل لدينا على أن أولئك الأئمة منصوبون مِنْ قِبَلِ الله تعالى.
النهاية
[60] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص 387. والمجلسيُّ، بحار الأنوار، ج 53، ص 145- 146، باب 30- خلفاء المهدي صلوات الله عليه وأولاده وما يكون بعده عليه وعلى آبائه السلام، الحديث 4. (المُتَرْجِمُ) [61] الشيخ الصدوق، إكمال الدين، ج2، ص 258. والمجلسيُّ، بحار الأنوار، ج 53، ص 145، باب 30، الحديث 1. (المُتَرْجِمُ) [62] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 478، والمجلسيُّ، بحار الأنوار، ج 53، ص 145، الباب 30، الحديث 2. (المُتَرْجِمُ) [63] محمد بن مسعود بن عياش السمرقندي الكوفي (ت 320هـ)، تفسير العياشي، ج2، ص 326. والمجلسيُّ، بحار الأنوار، ج 53، ص 147، الباب 30، الحديث 5. (المُتَرْجِمُ) [64] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 150-151، والمجلسيُّ، بحار الأنوار، ج 53، ص 147-148، الباب 30، الحديث 6. (المُتَرْجِمُ)
الْحـَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ. أما بعد:
لابُدَّ أن تكون عقائد الدين الإلهي وأعماله وأصوله وفروعه مُطابقةً لمصادره ومُستنداته وأدلته النقلية (القرآن الكريم أو سُنَّة النبيّ القطعية) وللعقل السليم. أي أنه لا يُمكن الاعتماد على الأخبار المشكوك بصحتها أو الوثوق بأحاديث الفرق التي تظهر فيها بكل وضوح علامات الوضع والأغراض الخاصة، أو الاستناد إلى أحاديث تُحقِّق مصالح من قاموا بوضعها.
إنَّ دين الله الذي كان في أساسه -بالتأكيد - ديناً واحداً وطريقاً واحداً، قد تبدَّل في زماننا هذا إلى عشرات المذاهب، وأتى أتباع كلُّ مذهب بآلاف الأحاديث والتفلسُف والأدلة والمستندات التي تُعْجِبُهُم هم فقط، واختلقت كلُّ فِرْقَةٍ مئات المستندات والأخبار الموضوعة لتأييد عقيدتها، حتى أصبحت أخبار الآحاد تبدو وكأنها أخبارٌ مستفيضةٌ ومتواترةٌ!! وأصبحت حانوتاً يدُرُّ أرباحاً كبيرةً وفوائدَ كثيرةً لِكُلِّ مُدَّعٍ مذهبيٍّ.
هذا كله رغم أنَّ كتاب الله أمر المسلمينَ بنصٍّ صريحٍ بعدم التفرّق والتحزّب فقال: ﴿وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٣١ مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ ٣٢﴾ [الروم: ٣١، ٣٢]، وأنَّ الإمام علياً ÷ قال في ذمِّ اختلاف العلماء في الفتوى والرأي:
«تَرِدُ عَلَى أحَدِهِمُ القَضِيَّةُ في حكمٍ مِنَ الأحكامِ فَيَحْكُمُ فيها بِرَأيهِ، ثُمَّ تَرِدُ تِلكَ القَضيّةُ بِعَينها عَلَى غَيرِهِ فَيَحْكُمُ فِيها بِخِلافِ قَولِهِ!!.... و إلهُهُم واحدٌ وَنَبيّهم واحدٌ وكتابهم واحدٌ ! أفأمَرَهُمُ اللهُ -سُبحانهُ- بالاختلاف فَأطاعوهُ أم نَهاهُم عنهُ فَعَصَوهُ؟! أم أنزَلَ اللهُ -سُبحانهُ- ديناً ناقِصاً فَاستعانَ بهم على إتمامهِ؟! أم كانوا شُرَكاء لَهُ فَلَهُم أن يَقُولوا و عَلَيهِ أن يَرضى؟!! أم أنزَلَ الله -سُبحانَهُ- ديناً تامّاً فَقَصَّرَ الرَّسُولُ ص عَن تبليغهِ و أدائِهِ؟! وَاللهُ -سبحانهُ- يَقولُ: ﴿مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖ﴾ [الانعام: ٣٨]، وَفِيهِ ﴿تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى﴾ [النحل: ٨٩]، وذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَأَنَّهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: ﴿وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ٨٢﴾ [النساء : ٨٢] ". (نهج البلاغة، الخطبة 18).
وقال أيضاً:
"وَإِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ ولا أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ ولا أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ ورَسُولِهِ ولَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاوَتِهِ ولا أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ... فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ وافْتَرَقُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ ولَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ ... أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللهَ وُفِّقَ ومَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلاً هُدِيَ لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ[65]". (نهج البلاغة، الخطبة 147).
حقاً إنه لمِمَّا يثير العجب أن نجد المسلمين رغم كل تلك التحذيرات المؤكَّدة قد تفرَّقوا إلى فرق عديدة وأطلقت كل فرقة على نفسها اسماً مذهبياً فرحوا به واطمأنُّوا إليه. واعتبر كل واحد من تلك الفِرَق نفسَه مُحِقّاً وحده وأتى على ذلك بآلاف الأدلة ولم يُبْدِ أحد منهم أي استعداد لدراسة دلائل الآخرين والتعامل معها بإنصاف بل لم يكونوا مستعدين حتى لمجرد التفكير بها، وإن أرادوا قراءة أدلة الآخرين قراءة موضوعية فإنهم يفعلون ذلك بعد أن يكونوا قد أصدروا حكمهم سابقاً، فلا يبدون رأيهم أو يكتبون شيئاً في هذا الصدد إلا بهدف معارضته وإدانته.
إحدى المسائل التي يجب التأمُّل والتفكير فيها مليَّاً مسألة «المهدي الموعود» (ابن الإمام الحسن العسكري). يجب أن نُحقّق هل لهذه المسألة دليل من الكتب السماوية أو العقل أم لا؟ لقد قمنا في الكتاب الحاضر بتحقيق هذه المسألة، ونُشهد الله أننا لا نبتغي من كتابة هذا الكتاب إلا رضا الله تبارك وتعالى وهداية أبناء وطننا وإرشادهم وهداية وإرشاد كل طالب هداية. وأما الذين كانوا أصحاب حوانيت مذهبية يسترزقون بواسطة المذهب أو الذين يُقلِّدونهم تقليداً أعمى ومُبْتَلُونَ بالتعصُّب المذهبي فلا أمل لنا في اهتدائهم!
ينبغي أن نعلم أن كل بدعة وكل مذهبٍ، مهما كان باطلاً، طالما درَّ أموالاً على رؤسائه فإنه من الصعب جداً أن يزول في وقت سريع، بل سنجد أفراداً جُدُداً كثيرين يتَّجِهون إليه يوماً بعد يوم ليستفيدوا من فوائده، وَمِنْ ثَمَّ فإن خرافاتِ ذلك المذهب ستزداد انتشاراً، وأتباعَهُ سيزدادون عدداً، فإذا زالت المنافع التي تتحقق منه أو استيقظ الناس و وعوا الحقيقة، في هذه الحالة فقط يُمكن لهذا الباطل أن يزول بمرور الزمن.
فمثلاً رغم أن الإسلام نهى عن التردُّد إلى زيارة المشاهد والقبور إلا أنه لمّا وُجدت النذور والأوقاف التي يأخذ عليها سدنة القبور مبالغ خلو رجل باهظة ولمّا وُجد التبرُّع بالأموال إلى الأضرحة وأُوقفت الأشياء الثمينة والأثريَّة كالسجَّاد واللوحات والثريَّات عليه وأُهديت الجواهر النفيسة وغيرها إلى القبور، راجت بدعة زيارة المشاهد هذه وزاد الاهتمام بها يوماً بعد يوم ووُضعت آلاف الروايات الكاذبة حول أهمية زيارة المشاهد و وُجد آلاف المستخدمين والسدنة والشيوخ الذين يدافعون عن عمارة تلك المشاهد وزيارتها حتى أصبح السفر لزيارة المشاهد من أهم العبادات وأصبح عددُ زوّار القبور أكثر من عدد روّاد المساجد وحفّاظ القرآن، وقد اخترع أصحاب هذا الدُكَّان -دُكَّان المشاهد- أنواعاً عجيبة من الأجر والثواب لزوّار المشاهد لا يوجد مثله لأي عبادة أخرى رغم أنه لا توجد حتى آية واحدة في القرآن الكريم تحث على تلك الزيارات، ومن أراد أن يتأكد من كلامنا هذا فليراجع ما كتبناه في كتابنا: «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات ونصوص الزيارات].
إذن، لم نكتب كتابنا هذا لتُجَّار الخرافات من أصحاب الحوانيت المذهبية والمتعصبين ولا نأمل كثيراً باهتدائهم. وإنما كتبنا هذا الكتاب لأهل الإنصاف ولطالبي الهداية والحق، وللباحثين عن حقيقة موضوع المهدي الغائب (ابن حضرة العسكري).
لكن قبل التحقيق بشأن الإمام الثاني عشر ينبغي أن نرى، بدايةً، هل الإمامةُ - طبقاً لتعاليم الشـرع – منحصـرةٌ بعددٍ خاصٍّ من الأشخاص المنصوبين مِنْ قِبَلِ الله تعالى أم لا؟ و بعد الاطلاع على حقيقة هذه المسألة سيتَّضح بالطبع وضع الشخص الثاني عشر من تلك السلسلة. كما أنه من المفيد أن نعلم: هل في وجود الإمام الغائب الذي لا يمكن الوصول إليه نفعٌ للناس أم لا؟
إذا لاحظنا فرق الشيعة المختلفة، نجد الزيدية مثلاً -الذين يعيش معظمهم في اليمن ولديهم أعلام وعلماء كبار وكتب عديدة - يدَّعون انحصار الإمامة في أربعة أشخاص أي الإمام علي وحتى الإمام زين العابدين عليهم السلام [رغم أن الزيدية يطلقون على سائر أئمتهم الذين جاؤوا بعد أولئك الأئمة الأربعة لقب إمام أيضاً] ولا يعتبرون بقية أئمة الشيعة الإمامية أئمةً منصوصاً عليهم مِنْ قِبَل الله ويستدلون على قولهم بأدلة كثيرة وبأحاديث عديدة واردة في كتبهم. كما نجد الإسماعيلية يعتقدون بأول ستة أئمة من أئمة الإمامية فقط [أي من الإمام عليّ حتى الإمام جعفر الصادق] وينكرون إمامة البقية [ويدينون بإمامة غيرهم]، ويقيمون دلائل على قولهم، وكذلك المذاهب الأخرى التي تشعبت عن الشيعة وكلها كانت تدعي حب الإمام عليٍّ ÷!![66].
يرى كثيرٌ من تلك المذاهب الإمامةَ منحصرةً بعددٍ محدَّدٍ من الأشخاص هم الأئمة الذي يدين أتباع كل مذهب بإمامتهم. لكن القرآن الكريم لا يعتبر الإمامة، سواء كانت إمامة هداية وإرشاد أم إمامة كفر وضلال، منحصرةً بأفراد محدَّدين.
لقد تم بحث موضوع «الإمامة» بالمعنى الشائع بين الناس لدينا، أي الإمام المنصوص على إمامته مِنَ الله والمنصوب إماماً مِنْ قِبَلِ الله تعالى، و وُضِّحَ بشكل كاف و وافٍ في كتاب ««شاهراه اتِّحاد يا بررسى نصوص امامت» [طريق الاتِّحاد أو دراسة وتمحيص نصوص الإمامة]، تأليف المرحوم «قلمداران».
كما أنني، كاتب هذه السطور، أوردتُ توضيحات كافية حول مفهوم الإمامة في القرآن الكريم في التنقيح الثاني لكتابي «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (خاصَّةً الصفحات: 324 إلى 325 و344-345 و369-370 ومن الصفحة 381 إلى ص 389)، والتنقيح الثاني لكتابي «نقد كتاب مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» (الصفحات من: 361 إلى 395)، فلا داعي لتكرار البحث في موضوع «الإمامة» وليتفضَّل القُرَّاء المحترمون بمراجعة تلك الكتب.
[65] إشارة إلى الآية 9 من سورة الإسراء المباركة. [66] من أراد الوقوف على جميع فرق الشيعة القديمة وكيفية تشعبها وعقائدها فعليه أن يرجع إلى كتاب «فرق الشيعة» للنوبختي المتوفَّى فيما بين سنة 300 و310 هـ والذي يعده الشيعة الإمامية من أفاضلهم وعلمائهم المرموقين ومن عائلة عرفت بالعلم والفضل في أوساط الشيعة. وكتاب «المقالات والفرق» لسعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي المتوفَّى سنة 301 هـ والذي يُعَدّ من محدثي الشيعة الإمامية ومن مشايخ "محمد بن جعفر بن قولويه" في الرواية ومن أصحاب حضرة الإمام الحسن العسكري. (المُتَرْجِمُ)
1- من حيث المبدأ إذا كان المقصود من الإمام رئيس المسلمين الذي بيده زمام السلطة وتدبير الأمور، فمن الواضح أن المسلمين يحتاجون منذ رحيل رسول الله ص وإلى يوم القيامة إلى أكثر من اثني عشر رئيساً. إن مثل هذا العدد [12] يمكنه أن يؤمِّنَ أئمَّةً يقودون المسلمين لمدة مئتين وخمسين عاماً أو ثلاثمئة عام ونيِّف، أي فترة حياتهم، أما إمامة الأموات للأحياء فلا معنى لها. هل أرشد ذلك الإمام الموهوم الغائب حتى الآن إنساناً ما أو دفع أعداء الإسلام وردَّ شرَّهم عن المسلمين؟!! بالطبع لا. نعم، لقد قام مُخترعو المذاهب بوضع رؤى وخيالات وقصص كاذبة لا تتفق مع عقل ولا نقل. ولكن الإمام إذا قُصد به معنى المُرشد الديني فهو لا ينحصر بالتأكيد في ستة أشخاص أو في اثني عشر نفراً بل وظيفة كل عالم مُتديّن وواجبه أن يُرشد الناس ويهديهم وعليه أن يسعى أن يكون أُسوةً للآخرين وأن يكون سبَّاقاً للآخرين في أعمال الخير.
بناءً على ذلك، لا يُمكن للدِّين الذي يجب أن يتديَّن الناسُ به مئة ألف سنة ويحتاج حتى يوم القيامة إلى حاكم يُدير زمام أمورهم ويُنفِّذ أحكامه فيهم أن تكون الإمامة فيه [بمعنى الرئاسة الزمنية] مُنحصرةً بـ 4 أو 6 أو 12 شخصاً. (فَتَأَمَّل).
2- ثم إن القرآن الكريم يقول: ﴿وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ﴾ [الشورى: ٣٨]. فأحال أمور المسلمين إلى الشورى، ولم يستثنِ من ذلك أمر الرئاسة والزعامة وتدبير زمام الأمور، ويُؤَيِّد ذلك ما جاء عن أمير المؤمنين ÷ في الرسالة السادسة من نهج البلاغة حين قال: «وإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِـلَّهِ رِضًا» (نهج البلاغة، الرسالة 6)، وعشرات الأخبار الأخرى. فهل نستطيع بعد ذلك أن نقول إن جميع هذه المطالب والأخبار خطأ وأخبار الوضَّاعين والمجاهيل صادقة؟!
ولا شك أن عدم اطِّلاع أولئك الأفراد الاثني عشر أو الستة على هذا الادِّعاء دليل واضح في حدِّ ذاته على بُطلان الإمامة بمعناها المشهور بيننا. فنحن نعلم أن حضرة الإمام الصادق ÷ عرَّف بابنه إسماعيل بوصفه الإمام من بعده، وأن الإمام الهادي ÷ عرَّف بابنه السيد محمد بوصفه الإمام من بعده أيضاً، ولكن إسماعيل والسيد محمد كليهما تُوفِّيا قبل وفاة أبويهما!! فاضطر صُنَّاع المذاهب إلى توجيه هذه المعضلة بأنواع التوجيهات الباردة واستطاعوا أن يخدعوا فريقاً من العوام ويُقنعوهم بكلامهم! وكذلك عندما كان ابن الإمام السابق طفلاً غير بالغ اخترعوا له معجزات أو كرامات أو توجيهات غير منطقية ليُقنعوا بذلك العوام ويُسكتوهم! ولمعرفة هذه القضايا والمسائل بالتفصيل تُراجع الكتب ذات العلاقة ومنها الكتب التي أشرنا إليها في الصفحات السابقة.
فإذا عرفنا وأصبح من المُسلَّم به لدينا أن لا صحَّة للقول بأن الأئمة أربعة أشخاص أو ستة أشخاص أو اثني عشر شخصاً وأنه قولٌ مخالف لكتاب الله وللعقل والتاريخ، فينبغي أن ننظر: عندما يُصرِّح القرآن بأنه ليس بعد رسول الله ص حُجَّةٌ [النساء: 165] وعندما يُصرِّح أمير المؤمنين علي ÷ في إحدى خطبه قائلاً: «..تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ص حُجَّتُهُ» (نهج البلاغة، الخطبة 91)، ويقول كذلك: «..فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ وخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ» (نهج البلاغة، الخطبة 133)، فكيف يكون لدينا بعد النبيّ 4 حُجج من الله أو 6 أو 12 خلافاً لكل ما مرَّ من آيات وأخبار وللعقل، وكيف يُمكننا أن نقبل بالإمام الثاني عشر [الغائب]؟!!
أضف إلى ذلك أن القرآن الكريم بيَّن لنا صفات المؤمنين وبيَّن لنا الأمور التي يجب على كل مؤمن أن يُؤمن بها والصفات التي يجب عليه أن يتَّصف بها، فقال: ﴿قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ١٣٦ فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْ﴾ [البقرة: ١٣٦، ١٣٧]، ومثلها الآيتان 177 و 285 من سورة البقرة والآية 136 من سورة النساء التي ذكرناها في بداية الكتاب الحاضر ص101، والآية الكريمة التي تقول: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِم﴾ [الحديد: ١٩]، وقوله تعالى أيضاً: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ٢ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٤﴾ [الأنفال: ٢، ٤]، وقوله كذلك: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ ١٥﴾ [الحجرات: ١٥]. فكما تُلاحظون لم تأتِ أيُّ إشارة في هذه الآيات -التي ذَكَرَتْ صفات المؤمنين الحقيقيين- إلى وجوب الإيمان بأئمَّةٍ منصوبين مِنْ قِبَلِ الله. فكيف جعل صُنَّاع المذاهب الاعتقاد بالإمامة الإلهية (أي المنصوص عليها والمفروضة من الله) أصلاً من أصول مذهبهم؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
إضافةً إلى ذلك فإن ما يدَّعيه صُنَّاع المذاهب من وجود إمامٍ من جانب اللهِ سيقوم بإصلاح الناس بقُوَّة السيف ويجعل جميع أهل الأرض مسلمين إلى حد أن الذئب والشاة سيعيشان بسلام مع بعضهما!! وستمتلئ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن مُلِئت ظلماً وجوراً، وسيقتل من الناس قتلاً عظيماً حتى يصل الدم إلى أعلى ركب خيله!! وأن عيسى سيعود وسيقتدي بهذا الإمام! وغير ذلك من الأوصاف التي نجدها في كتبهم مثل «بحار الأنوار» للمجلسـي وغيره....[67] ويقولون إن كل من لم يؤمن بهذا الإمام لا يُعتَبَر مؤمناً، ادِّعاءاتٌ لا تتَّفق مع آيات القرآن الكريم، لذا نأتِ في هذا المختصر ببعض الآيات الكريمة التي تثبت ذلك.
[67] مثل كتاب «كمال الدين وتمام النعمة» للشيخ محمد بن علي بن بابويه القُمِّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 هـ) وكتاب «الغيبة» للشيخ محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة (ت 460هـ)، وغيرها من الكتب. (المُتَرْجِمُ)
أولاً: إضافةً إلى الآيتين 14 و 64 من سورة المائدة المباركة اللتين أشرنا إليهما في بداية الكتاب[68]، لاحظوا الآية الكريمة التالية: ﴿وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا﴾ [الممتحنة : ٤]. في هذه الآية يقول تعالى للمسلمين: عليكم - اتِّباعاً لحضرة إبراهيم ÷ وبوصفكم من أتباعه- أن تقولوا أنتم أيضاً لليهود المُحاربين لكم: إن لم تؤمنوا بالله وحده لا شريك له فإننا سنُخالفكم إلى الأبد. يُعلَم من هذا إذن أنه سيكون هناك يهود إلى الأبد. فهل الله تعالى هو الصادق فيما يقول أم الأخبار غير الموثوقة التي تقول إن المهدي سيجعل جميع الناس مسلمين أو تقول إنه سينشر السلام والصلح والصفاء بين جميع الناس؟!
ثانياً: وقال تعالى: ﴿يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٥٥﴾ [آل عمران: ٥٥]. في هذه الآية عدَّةُ نُقَاط: الأولى: تدلُّ هذه الآية كما تدلُّ الآية 34 من سورة الأنبياء[69] على أن عيسى ÷ تُوُفي[70]، فالأخبار التي تقول بأنه هو المهدي أو أنه سيُصَلِّي خلف المهدي إنما وضعها أناس جاهلون وكذَّابون لأنها تخالف هذه الآيات القرآنية. والنقطة الثانية هي أن أتباع عيسى –بنص هذه الآية الصـريح- ستكون لهم الغلبة والظهور على أعدائهم ومخالفيهم من اليهود، وقد بيَّن التاريخ أيضاً أن النصارى كانوا متفوِّقين دائماً على اليهود، كما نجد اليوم أن دعم الدول المسيحية هو الذي مكَّن اليهود من السيطرة على فلسطين وأنهم هم الذين يُوفِّرون لإسرائيل الغاصبة أسباب البقاء. والحاصل إن هذه الآية تُفيد بقاء اليهود والنصارى حتى يوم القيامة وأن الله تعالى سيحكم بينهم يوم القيامة بحكمه النهائي. فالقول بأن هناك إمام من طرف الله سيأتي وينتصر على الجميع ولا يُبقي مخالفاً للإسلام بل يجعل الجميع مسلمين قول باطل.
ثالثاً: لاحظوا الآيتين التاليتين: قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ﴾ [الرعد: ١١] وقوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٥٣﴾ [الأنفال: ٥٣].
كما تُلاحظون، بيَّن الله تعالى لنا في الآية الأخيرة أن هلاك آل فرعون وعدم هداية الكفار والمنافقين سببه أن سُنَّة الله جرت أن لا يُغيِّر نعمته على قوم قبل أن يُغيِّر أولئك القوم أنفسهم فطرتهم ويكفروا ويُفسدوا في الأرض، عندئذ ونتيجةً لأعمالهم تلك يُعاقبهم الله السميع العليم. إن الحق تبارك وتعالى منذ أن خلق البشر وإلى اليوم لم يُغيِّر حال أيّ قوم بالجبر والإكراه، لا نعمتهم ولا نقمتهم، وَمِنْ ثَمَّ فلا يُمكن أن يُرسل مأموراً ويأمره بتغيير حال الناس بالجبر والإكراه بل لا بُدَّ أن يقوم الناس أنفسهم بإصلاح أنفسهم، لا أن يأتي إمام من عند الله ويُصلح الناس بقُوَّة السيف. ومن حيث المبدأ، لا قيمة للإصلاح الذي يأتي بقُوَّة السيف، لذا قال تعالى: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّ﴾ [البقرة: ٢٥٦]. فبعد ذلك هل يُرسل الله إماماً كي يُجبر الناس بقُوَّة السيف على سلوك الطريق المستقيم؟! وقال تعالى أيضاً: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ﴾ [الحديد: ٢٥] نُلاحظ في هذه الآية أن كلمة «الناس» هي الفاعل لفعل «يقوم»، أي أن على الناس أنفسهم أن ينهضوا ويقوموا لأجل العدالة، لا أن يقوم شخصٌ واحد لتحقيق هذا الغرض.
رابعاً: يقول تعالى: ﴿وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ٩٩﴾ [يونس: ٩٩]. في هذه الآية الكريمة يقول الله تعالى لنا بأسلوب الاستفهام الإنكاري إنه لو أراد الإيمان الجبري لكان قادراً على أن يجبر جميع الناس على الإيمان ولَمَا كانت هناك حاجة إلى إرسال الرسل، ولكنَّه سبحانه وتعالى لم يفعل ذلك، فلا يُمكنك أنتَ أيها الرسول الكريم ولا يحقُّ لك أن تُكره الناس على الإيمان.
وقال تعالى: ﴿وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ١١٩﴾ [هود: ١١٨، ١١٩]. ثم قال تعالى في السورة ذاتها: ﴿وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنَّا عَٰمِلُونَ ١٢١ وَٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ١٢٢﴾ [هود: ١٢١، ١٢٢].
وقال سبحانه: ﴿لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ٣ إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ ٤﴾ [الشعراء : ٣، ٤].
إِذَنْ، عندما تكون سُنَّة الله عدم جعل الناس مؤمنين بالجبر والإكراه وعندما ينهى الله رسولَه الكريم عن شدَّة حرصه وضغطه على نفسه لأجل إيمان قومه، ولا يرضى بهذا الأمر لأنبيائه، فكيف يُرسل إماماً يجعل الناس جميعاً مسلمين بقُوَّة السيف؟! اللهم إلا أن يكون مثل الشاه إسماعيل الصفوي من أتباع فرقة «أهل الحق»14[71] الذي كان يُجبر الناس بقُوَّة السيف على قبول الخرافات!!!
خامساً: ويقول القرآن بشكل عام: ﴿وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ ٦٨﴾ [يس: ٦٨]. ويقول كذلك: ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا ٦٢﴾ [الأحزاب : ٦٢]، إذن فإنَّ الله لا يُبَدِّل سُنَّتَهُ في خلق الإنسان فلا يُمكن لإنسان أن يُعَمِّر أكثر من ألف ومئتي سنة ويبقى شاباً قوياً، دون أن ينتكس خَلْقُهُ، ثم يجعل الناس جميعاً مسلمين حتى لا يبقى اختلاف بين الناس كما يقول الجاهلون بالقرآن. (فَتَأَمَّل جداً).
15للأسف فإن علماءَنا يُرسِّخون يوماً بعد يوم الخرافات في نفوس الناس ويُوسِّعونها ويُبقون الناس بعيدين عن القرآن الكريم وسُنَّة النبيّ ص القطعية، ويتركون جانباً الإسلام الحقيقي الذي هو دين التعليم والتعلُّم والتحقيق والتفكُّر ويُروِّجون بدلاً منه للتقليد.
ولكن أحد العلماء اليقظين المُعاصرين وهو الشيخ «عبد الله بن زيد آل محمود» الذي كان رئيس المحاكم الشرعية في إمارة قَطَر، ألَّف كتاباً بعنوان «لا مهدي يُنتظر بعد الرسول محمد ص خير البشر»، واعتبر الإمام الموعود مبدأً ومنشأً لخرافة اسمها «المهدي» الموهوم، وقال: لقد تكرّر في كل زمان ومكان حدوث فتنة وشغب باسم المهدي ، وثار أشخاص مُغامرون بحُجَّة المهدي الموعود وجمعوا الناس البُسطاء وطُلَّاب الفتنة والجاهلين حولهم وأحدثوا ثورةً وأراقوا دماءً كثيرةً ولم يصلوا إلى نتيجة مطلوبة في نهاية المطاف بل جعلوا الناس يقتل بعضهم بعضاً دون أن ينصروا ديناً أو حقاً وأوقعوا مصائب في الأمة. وحاصل الكلام أن اسم المهدي أصبح سبباً للفتنة والفساد وجرَّ الكثيرين نحو الضلال، فعلى العالِم المُصلح الذي يُريد الخير لمجتمعه أن يتأمَّل ويُفكِّر بحلٍّ لدفع هذا الفساد وأن يُنَوِّر أذهان الناس ويُبعدهم عن هذه الفتن ويُبيِّن لهم أن اسم المهدي وثورته لم يُذكَرا في كتاب الله ولا في مصادر الإسلام الأولى القديمة، بل جاءت آيات في القرآن تُخالف هذا الموضوع (كما لاحظنا ذلك في الصفحات السابقة).
ونقول: كل إمام هو في الأساس تابعٌ للدين وليس أساساً للدين، فما هي فائدة الدعوة إلى إمام ليس أصلاً من أصول الدين ولا فرعاً من فروعه ولا ذكر له في القرآن ولماذا يتم دعوة عامة الناس إليه ونشر المفاسد تحت هذا الاسم في كل عصـر؟! قد يقول قائل: إن هذه الفكرة مفيدة لأصحاب الدكاكين المذهبية الذين يدعون الناس ليل نهار لانتظار إمام العصـر والزمان ويأتون بآلاف الفلسفات والأدلة غير المنطقية على وجوده، ويأخذون مليارات الأموال باسم سهم الإمام، ولذلك فهم يُؤكِّدون جداً على هذا الموضوع أكثر من تأكيدهم على أي موضوع آخر، ويدعون الناس كل سنة في النصف من شعبان إلى الاحتفال وإضاءة المصابيح في كل مكان وصرف ملايين الدراهم والدنانير بمناسبة ولادته –حسب قولهم- ويحتفلون احتفالاً لا يحتفلون مثله بمناسبة ولادة الأنبياء ولا حتى في ذكرى ولادة نبي آخر الزمان ص! هذا في حين أنه ليس لدينا في دين الإسلام أمر بالاحتفال بولادة عظماء الدين ولا بإحياء ذكرى وفاتهم فلم يُؤثَر عن علي بن أبي طالب ÷ ولا عن سائر الخلفاء أنهم أقاموا احتفالاً سنوياً بمناسبة ولادة رسول الله ص أو أحيوا كل سنة ذكرى وفاته واعتبروها أيام عطل.
نعم، هناك أشخاص يعتبرون أنفسهم نُوَّاباً للإمام الغائب دون أن يكون لهم برهان على دعواهم هذه ويأخذون الأموال باسم سهم الإمام ويأكلونها. ولذلك فينبغي على الناس أن ينتبهوا إلى أن الله تعالى حذَّر المؤمنين وقال لهم مُنبِّهاً: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٤].
إذن يتبيَّن أن هذا الشخص المُنتظر لا نفع فيه لعامة الناس، وكل هذه الفتن والفساد منشؤها العلماء الذين اخترعوا لنا ذلك الشخص بقُوَّة الروايات والأدلة المُخترعة المُضلِّلة للعوام وتجدهم يحثُّون الناس كل سنة على الاحتفال وإضاءة المصابيح وقراءة الأشعار وإنفاق الأموال فيما لا طائل تحته، كي يشغلوهم بهذه الأفكار التي لا فائدة منها ويُفرغوا جيوبهم من المال.
يقول الشيخ «عبد الله بن زيد آل محمود» في كتابه المذكور: "اعلم أن أحاديث المهدي تدور بين ما يزعمونه صحيحًا وليس بصريح، وبين ما يزعمونه صريحًا وليس بصحيح، وأننا بمقتضى الاستقراء والتتبع لم نجد عن النبي ج حديثًا صحيحًا صريحًا يعتمد عليه في تسمية المهدي، وأن الرسول ج تكلم فيه باسمه. وقد نزه البخاري ومسلم كتابيهما عن الخوض في أحاديث المهدي".
وبعض أحاديث المهدي تقول «وما المهدي إلا عيسى ابن مريم» (كما نصت على ذلك بعض أخبار الشيعة أيضاً، هذا في حين أن القرآن الكريم يدل على وفاة عيسى ÷ وسائر الأنبياء، ولكنهم للأسف أبعدوا الناس عن القرآن).
ثم يذكر الشيخ عبد الله بن زيد أن بعض الأخبار تقول إن ذلك المهدي هو المهدي بن أبي جعفر المنصور الدوانيقي!! الذي مضى زمنه.
إذن، لا فائدة من ذكر مثل تلك الأخبار في الكتب، لأنه من الحماقة بمكان انتظار المهدي بن أبي جعفر المنصور الدوانيقي! (من المعلوم إذن أن بني العباس كانت لهم يَدٌ في وضع أحاديث المهدي، وكان من سياستهم وضع مثل تلك الأخبار ونشرها). وبعض هذه الأحاديث يذكر أن المهدي من أولاد الحسن بن علي ÷. وأكثر الأحاديث كذلك. وقد ثار كثير من أولاد الحسن بن علي في قرون الإسلام الأولى بهذا الاسم وتحت هذه الذريعة، وكم جمعوا من الناس حولهم تحت هذا الشعار فأزهقوا أرواحهم, وخسروا أموالهم وأولادهم، وللأسف لم يصلوا إلى نتيجة مفيدة.
أما أخبار الإمامية التي تقول إن «المهدي» هو ابن الإمام الحسن العسكري ÷ فينبغي أن نعلم أن المؤرِّخين اتَّفقوا على أنه لم يكن له ولدٌ.
إن اختلاف روايات المهدي أكبر دليل على أن المهدي لم يكن أمراً متفقاً عليه وأن الأحاديث المتعلقة به موضوعة ومُختَلَقَة، فقد قامت كلُّ جماعة بوضع أحاديث لنصرة مذهبها وتقوية مرامها. والعلماء الذين اعتبروا أحاديث المهدي موضوعةً ومُخْتَلقةً كثيرون منهم: أبو الأعلى المودودي الذي لم يعتبر هذه العقيدة [أي الإيمان بالمهدي المنتظر] من عقائد كتاب الله اللازمة، ومنهم العلامة ابن خلدون والأستاذ محمد فريد وجدي (في الجزء التاسع، ص 480 من دائرة المعارف)، والدارقطني، ومنهم العالم الخبير الذهبي ومنهم السيد محمد رشيد رضا والعلامة البلاغي وآخرون كُثُر. ولكن ما العمل إذا كان تعصُّب الناس وجهلهم بكتاب الله وسنة رسوله ص يمنعان الناس من إدراك حقائق الدين.
[68] وهي قوله تعالى واصفاً النصارى: ﴿فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ﴾ [المائدة: ١٤]. وقال في وصف اليهود: ﴿وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ﴾ [المائدة: ٦٤]. (المُتَرْجِمُ) [69] أي قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ ٣٤﴾ [الأنبياء: ٣٤]. [70] من الضروري في هذا الموضوع قراءة الرسالة التي كتبها المرحوم آية الله شريعت سنگلجي رحمه الله حول وفاة حضرة عيسى عليه السلام وطُبِعَتْ بتقديم السيد حسينقلى مستعان. [71] فرقة «أهل الحق»، كما يحلو لأتباعها تسمية أنفسهم، أو «العلي اللهية» كما يسميها جيرانهم، فرقةٌ باطنية منحرفة مغالية في غرب إيران وخاصةً في إقليم «كرمانشاه»، معظم أتباعها من الأكراد، ويوجد بينهم بعض الآذريين والعرب في العراق، يعتقد أتباعها بالتناسخ، ويُؤَلِّهون الإمام علياً عليه السلام، ولا يلتزمون بأيٍ من العبادات الإسلامية، ولهم طقوسهم الخاصة، ويُقدَّر عددهم في إيران والعراق بحوالي المليون على أكثر تقدير. (المُتَرْجِمُ)
ثم يقول الشيخ المذكور: ".... إن الدين كاملٌ بوجود رسول الله ص ونزول كتاب الله، ولم يخلف رسول الله شيئًا منه لا في السماء ولا في الأرض، يقول تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا﴾ [المائدة: ٣] ...... وإننا بكتاب ربنا وسنة نبينا لفي غنى واسع عن دينٍ وعَدْلٍ يأتينا به المهدي المنتظر...". أي بعد رسول الله ص يقع علينا نحن معشر المسلمين واجب تطبيق دين الله تعالى.
ثم يقول العالم المذكور: "جاء آلاف من العلماء الكبار وذهبوا وبذلوا جهوداً كبيرةً في سبيل نشر الدين و أوضحوا أصول الدين وفروعه دون أن يروا المهدي أو يكون لهم أي علم به وكان جميع أصحاب رسول الله ص والتابعون مسلمين دون أن يكون لأحدٍ منهم أي معرفة بالمهدي و دون أن يكون أحدهم قد سمع باسمه".
وأقول (كاتب هذا السطور): بل حتى أئمة الشيعة أنفسهم لم يدعوا الإمامة المنصوص عليها مِنْ قِبَلِ الله تعالى، وإن وجدنا أخباراً قد انتشـرت بين الشيعة في هذا الصدد، فإنها في الواقع أخبار تم وضعها واختلاقها في القرن الهجري الثالث، كما أوضح ذلك المرحوم الأستاذ «قلمداران» في كتابه الشريف «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد]، وكما أوضحتُ في التحرير الثاني الجديد لكتابي «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول».
ونعود إلى كلام العالم المذكور الذي يقول ما معناه إنه لم يكن من شأن رسول الله ص أبداً أن يَعِدَ الناس بشخصٍ مجهولٍ غائبٍ وأن يفتح بذلك مجالاً لكل شخص ليدّعي أنه المهدي ويثور ويدفع الناس إلى القتل ويخلق الفتنة والفساد، فهذا بعيدٌ جداً عن نبي الرحمة ص. ويقول إنه طبقاً لأخبار الشيعة إذا جاء الإمام الموهوم فإنه سيملك سبع سنوات وسيُقتَل بيد امرأة عجوز ذات لحية!! فهل يجوز أن ينتظر الناس آلاف الأعوام لأجل مُلْك يدوم 7 سنوات فقط، واستناداً إلى هذا الانتظار يأتي في كل عصر من العصور شخص يدعو الناس إلى الثورة و يسبب الحروب وإراقة الدماء. (ولعل تلك الحروب تطول أكثر من سبع سنوات؟!!).
يُشير ذلك العالم في كتابه المذكور إلى أسماء بعض مُدَّعي المهدوية وأن من جملتهم: «أبو طاهر الجنابي» رئيس القرامطة الذي ظهر في أواخر القرن الثالث الهجري ودخل الحجاز وقتل كثيراً من الناس في مكة واستولى على الحجر الأسود ونهبه وخلع باب الكعبة وأخذه معه وكم من النفائس استولى عليها وذهب بها.
ومن جملتهم: «محمد بن تومرت» الذي كان رجلاً كذَّاباً وأزهق أرواحاً كثيرةً واستباح حُرمات المسلمين وكم انتهك من أعراض!!
ومنهم المهدي الملحد (؟!) المدعو «عُبَيْدُ الله بن ميمون» الذي كان جدّه يهودياً وقال أنا المهدي الموعود وجمع عوام الناس حوله واستولى على بلاد المغرب وحكم خلفاؤه باسم العُبَيْدِيين دول المغرب مدةً وكم من بدعٍ ابتدعوها وكم من فسادٍ أحدثوه في الإسلام!!
ومن جملتهم الشيخ «أحمد الإحسائي» الذي جاء باسم النائب الخاص للمهدي وأوجد مذهباً جديداً في إيران باسم مذهب الشيخية والكريمخانية والبالاسرية وكم سبَّب من قتل النفوس ونهب الأموال مما لا يعمله إلا الله!
ومن جملتهم سيد «علي محمد الباب» [الشيرازي] الذي أحدث مذهب البابية والبهائية واعتبر نفسه في بداية الأمر باباً للمهدي ثم ادَّعى المهدوية!! وكم أحدث من القلاقل في إيران وكم أدَّى إلى إزهاق النفوس ونهب الأموال والفساد والفتن التي لا تزال قائمة ومستمرة حتى اليوم!
ومن جملتهم «أحمد القادياني» الذي قام في الهند مُدَّعياً أنه المهدي وأنشأ مذهب القاديانية وكم أثار من فتنة وسبَّب من اقتتال وفساد وسلب للأموال، ولا يزال له أتباع حتى اليوم!
وقد قام وثار أشخاص آخرون تحت هذه الأسماء أو باسم نُوَّاب المهدي ولم يستفد المسلمون من حركاتهم سوى الحروب والنزاعات.
طبقاً لما ذكره العالم المذكور وسائر العلماء، لا تتجاوز أحاديث المهدي جميعها التي جاءت في جميع كتب أهل السنة عدداً محدوداً من الأحاديث تكرَّرت ذاتها في كتب عديدة، غير أن رواتها من الضعفاء. علاوةً على أن كل حديث يَذْكُرُ للمهدي اسماً وأوصافاً غير ما يذكره الحديث الآخر، وكلٌّ منها يُسمِّي المهدي باسم غير ما يُسمِّيه به الحديث الآخر!! فأحد الأخبار يذكر بشكل مبهم أن الخلفاء عشرة، في حين يقول الخبر الثاني: إن الخلفاء اثنا عشر خليفةً كلهم من قريش بشكلٍ مبهم!! وخبرٌ ثالث يقول: رجلاً!! وخبر رابع يقول: «أجلى الجبهة أقنى الأنف» (هل هذا يُعدُّ إرشاداً وبياناً لهوية شخصٍ؟!) أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ والخبر الخامس: يقول من عترتي، والخبر السادس يقول: رجل من أهل المدينة، والخبر السابع يقول: اسمه الحارث بن حرّان، والخبر الثامن: رجل من قريش أخواله كلب (أي من قبيلة بني كلب)!! وأما الخبر التاسع فيقول: أن اسمه محمد واسم أبيه عبد الله، والخبر العاشر يقول: اسمه محمد بن الحسن.
ومن الواضح تماماً أنه: أولاً: هذه الأسماء لا تتطابق مع بعضها، وثانياً: تُحيل إلى مجهول. ولا يُمكننا بمثل هذه الُمتناقضات أن نُثبت شيئاً لم يأتِ في كتاب الله وسنة رسوله ص ذكر له، ولا يجوز أن نُحيِّرَ الناس ونُضلِّلَهم ونُخرِّبَ دنياهم وآخرتهم.
انطلاقاً من قول العالم المذكور ولأجل المزيد من اطِّلاع القُرَّاء الكرام على هذا الموضوع نأتي هنا برأي عالم الإسلام الشهير «ابن خلدون» حول «المهدي» من المجلد الأول لـ «مقدمة ابن خلدون»[72] مع تلخيص واختصار على نحو نُسهِّل فيه على القُرَّاء فهم مُراد المُؤلِّف ولا يحتار في فهمه القارئ العادي غير المُتخصّص، واستناداً إلى قاعدة «رجحان قول الجارح على قول المُعدِّل» نذكر الأقوال الجارحة، أما الذين يُريدون التفصيل أكثر، فعليهم أن يرجعوا إلى الكتاب ذاته[73].
***
[72] أوردتُ هذا المبحث نقلاً عن الترجمة الفارسية لكتاب «مقدمة ابن خلدون» التي قام بها «محمد پروين گنابادي» - جزاه الله خيراً - نشر: بنگاه ترجمه ونشر كتاب، الفصل الثاني والخمسون، والذي يقع في الصفحات من 607 إلى 644 من الترجمة المذكورة. [البرقعي]. [73] يقع هذا المبحث الروائي الدرائي المفصَّل الذي عنوانه «في أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك»: في «الفصل الثاني والخمسون» من «الباب الثالث» من الكتاب الأول في «مقدِّمة ابن خلدون» من الصفحة 388 إلى 410 (طبعة بيروت، دار الفكر، بتحقيق الأستاذ خليل شحادة والدكتور سهيل زكار، 1421هـ/2001م). (المُتَرْجِمُ)
اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مَمَرّ الأعصار[74] أنه لابُدَّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يُؤَيِّد الدين ويُظهِرُ العدلَ ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويُسمَّى بالمهدي، ويكون خروج الدجَّال وما بعده من أشراط[75] الساعة الثابتة في الصحيح على أثره. وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيُساعده على قتله ويأتمَّ بالمهدي في صلاته. ويحتجُّون في هذا الشأن بأحاديث خرَّجها الأئمَّة وتكلَّم فيها الُمنكرون لذلك وربما عارضوها ببعض الأخبار........ ونحن الآن نذكر هنا الأحاديث الواردة في هذا الشأن وما للمُنكرين فيها من المطاعن وما لهم في إنكارهم من المُستند..... ليتبيَّن لك الصحيح من ذلك إن شاء الله تعالى.
فنقول إن جماعةً من الأئمَّة خرَّجوا أحاديث المهدي منهم الترمذي وأبو داود والبزَّار وابن ماجه والحاكم [النيسابوري] والطبراني وأبو يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي ÷ وابن عباس وابن عمر وطلحة وابن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقُرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جَزء، بأسانيد ربما يُعَرِّضُ لها المُنكرون، كما نذكره، إلا أن المعروف عند أهل الحديث أن الجرح مقدم على التعديل فإذا وجدنا طعناً في بعض رجال الأسانيد بغفلة أو بسوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرَّق ذلك إلى صحة الأحاديث وأوهن منها...... فقد تجد مجالاً للكلام في أسانيدها بما نُقل عن أئمة الحديث في ذلك.
ولقد توغَّل أبو بكر بن أبي خيثمة[76] على ما نقل السهيلي عنه في جمعه للأحاديث الواردة في المهدي فقال: ومن أغربها إسناداً ما ذكره أبو بكر الإسكافُ في «فوائد الأخبار» مستنداً إلى مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله ص: "من كذَّب بالمهدي فقد كفر ومن كذَّب بالدجَّال فقد كذب!". وقال في طلوع الشمس من مغربها مثل ذلك فيما أحسب، وحسبك هذا غُلُوَّاً. والله أعلم بصحة طريقه إلى مالك بن أنس، على أن أبا بكر الإسكاف عندهم مُتَّهم وضَّاع!
1) [77]وأما الترمذي فخرَّج هو وأبو داود بسندهما إلى ابن عباس من طريق عاصم بن أبي النجود أحد القراء السبعة إلى «زِرِّ بن حُبَيْش» عن عبد الله بن مسعود عن النبي ص: "لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّى أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي"[78]. هذا لفظ أبي داود وسكت عليه، وقال في رسالته المشهورة إن ما سكت عليه في كتابه فهو صالح، ولفظ الترمذي: "لاَ تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي"، وفي لفظ آخر "حَتَّى يَلِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي" وكلاهما حديث حسن صحيح. ورواه أيضاً من طريق موقوفاً[79] على أبي هريرة!......... وقال العجلي: كان يَخْتَلِفُ عليه [أي على عاصم بن أبي النجود] في زِرٍّ وأبي وائل؛ يُشير بذلك إلى ضعف روايته عنهما. وقال محمد بن سعد: كان [أي عاصم] ثقةً إلا أنه كثير الخطأ في حديثه، وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب....
2) وخرَّج أبو داود في الباب عن عَلِيٍّ س من رواية فِطْرٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِى بَزَّةَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله تعالى عنه - عَنِ النَّبِيِّ ص قال: "لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ يَوْمٌ لَبَعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا". وفِطْرُ بن خليفة وإن وثَّقَهُ أحمدُ ويحيى بن القطان وابن معين والنسائي وغيرهم، إلا أن العجلي قال: حسن الحديث وفيه تشيع قليل، وقال ابن معين مَرَّةً: ثقةٌ شيعيٌّ. وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: كنا نمر على فِطر وهو مطروح لا نكتب عنه[80]. وقال مَرَّةً: كنت أمرُّ به وأدعه مثل الكلب. وقال الدارقطني: لا يُحْتَجُّ به. وقال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه إلا لسوء مذهبه. وقال الجرجانِيُّ: زائغٌ غير ثقة. انتهى.
3) وخرَّج أبو داود أيضاً بسنده إلى عَلِيٍّ س عَنْ مروان بْنِ الـْمُغِيرَةِ عن عَمْرو [81] بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبي إِسْحَاقَ النَّسَفِيّ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ فَقَالَ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ ص وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ يُشْبِهُهُ فِي الْخُلُقِ وَلاَ يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً". وَقَالَ هَارُونُ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبي قَيْسٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبي الْحَسَنِ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَمْرو[82] قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ ص: "يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ حَرَّاثٍ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَنْصُورٌ يُوَطِّئُ أَوْ يُمَكِّنُ لآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا مَكَّنَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللهِ ص وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ نَصْرُهُ ". أَوْ قَالَ "إِجَابَتُهُ".
سكت أبو داود عليه. وقال في موضع آخر في هارون: هو من وُلْدِ الشيعةِ. وقال السليماني: فيه نظرٌ. وقال أبو داود في «عَمْرو[83] بن أبي قيس»: لا بأس في حديثه خطأ. وقال الذهبي: صدوق له أوهام. وأما أبو إسحاق الشيعي وإن خُرِّجَ عنه في الصحيحين فقد ثبت أنه اختلط آخر عمره وروايته عن علي، منقطعة، وكذلك رواية أبي داود عن هارون بن المغيرة.
وأما السند الثاني فأبو الحسن فيه وهلال بن عَمْرو[84] مجهولان ولم يُعرف أبو الحسن إلا من رواية مُطَرَّف بن طريف عنه! (انتهى).
4) وخرَّج أبو داود أيضاً عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وكذا ابن ماجه والحاكم في المُستدرك من طريق عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ عن سعيد بن المُسيِّب عن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ص يَقُولُ: «الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ». ولفظ الحاكم: "سمعت رسول الله ص يذكر المهدي فقال: «نعم هو حق وهو من بني فاطمة»". ولم يتكلم عليه بالصحيح ولا غيره. وقد ضعَّفه أبو جعفر العقيلي وقال: لا يُتَابَعُ عَلِيُّ بْنُ نُفَيْلٍ عليه ولا يُعْرَفُ إلا به.
5) وخرَّج أبو داود أيضاً عن أُمِّ سَلَمَةَ من رواية صالح أبي الخليل[85] عن صاحب له عن أُمِّ سَلَمَةَ قال: "يَكُونُ اخْتِلاَفٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنَ الشَّامِ فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ[86] وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُبَايِعُونَهُ (!) بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ[87] ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ فَيَقْسِمُ الْمَالَ وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ -صلى الله عليه وسلم- وَيُلْقِي الإِسْلاَمُ بِجِرَانِهِ إِلَى الأَرْضِ فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ»[88]. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامٍ «تِسْعَ سِنِينَ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ «سَبْعَ سِنِينَ».
ثم رواه أبو داود من رواية أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة فتبين بذلك المبهم في الإسناد الأول ورجاله رجال الصحيحين لا مطعن فيهم ولا مغمز، وقد يُقال إنه من رواية قتادة عن أبي الخليل وقتادة مُدَلِّسٌ[89] وقد عنعنه والمدلِّس لا يُقبَل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع، مع أن الحديث ليس فيه تصريح بذكر المهدي، نعم ذكره أبو داود في أبوابه.
6) وخرَّج أبو داود أيضاً وتابعه الحاكم [النيسابوري] عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ص: "الْمَهْدِيُّ مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ[90] أَقْنَى الأَنْفِ[91] يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ" هذا لفظ أبي داود[92] وسكت عليه. ولفظ الحاكم: "المَهْدِيُّ مِنَّا أهْلَ البَيْتِ أَشَقُّ الأنْفِ أقنَى أجْلَى، يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرَاً وَظُلْمَاً، يَعِيشُ هَكَذَا وَيَبْسُطُ يَسَارَهُ وإصبعينِ مِنْ يمينه السبابة والإبهام وعقد ثلاثةً" قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه و«عمران القطَّان» مختلف في الاحتجاج به، إنَّما أخرج له البخاري استشهاداً لا أصلاً، وكان يحيى القطان لا يحدِّث عنه. وقال يحيى بن معين: ليس بالقوي وقال مَرَّةً: ليس بشيء...... وقال يزيد بن زريع: كان حرورياً[93] كان يرى السّيف على أهل القبلة! وقال النَّسائيّ ضعيف. وقال أبو عُبَيْد الآجريّ....... وسمعت أبا داود ذكره مرَّةً فقال: ضعيف، أفتى في إبراهيم بن عبد الله بن حسن بفتوى شديدة فيها سفك الدِّماء.
7) وخرَّج التّرمذيّ وابن ماجه والحاكم عن أبي سعيد الخدريّ من طريق زيد العميّ عن أبي صديق النَّاجيّ عن أبي سعيد الخدريّ قال: خشينا أن يكون بعض شيء حدث فسألنا نبيَّ الله ص فقال: «إِنَّ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيَّ يَخْرُجُ يَعِيشُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا». زَيْدٌ الشَّاكُّ قَالَ: قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: «سِنِينَ». قَالَ: «فَيَجِيءُ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَيَقُولُ يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي أَعْطِنِي». قَالَ: « فَيَحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ!»[94] لفظ التّرمذيّ وقال: هذا حديث حسن وقد رُويَ من غير وجه عن أبي سعيد عن النّبيّ ص.
ولفظ ابن ماجه والحاكم: «يَكُونُ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ إِنْ قَصَّرَ فَسَبْعٌ وَإِلَّا فَتِسْعٌ، تَنْعَمُ أُمَّتِي فِيهِ نِعْمَةً لَمْ يَنْعَمُوا مِثْلَهَا قَطُّ، تُؤْتِي الْأَرْضُ أُكُلَهَا لَا تَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَالْمَالُ يَوْمَئِذٍ كُدُوسٌ يَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي، فَيَقُولُ: خُذْ»! [95] (انتهى).
اعتبر أبو حاتم «زَيْداً الْعَمِّيَّ»، ضعيفَ الحديث وقال: ضعيف يُكتب حديثه ولا يُحتجُّ به. وقال يحيى بن معين في رواية أخرى: لا شيء. وقال مرّة يُكتب حديثه وهو ضعيف...... وقال أبو زرعة ليس بقويّ واهي الحديث ضعيفاً...... وقال النّسائيّ: ضعيف. وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه ومن يُروى عنهم ضعفاء، على أنّ شعبة قد روى عنه ولعلّ شعبة لم يروِ عن أضعف منه.
وقد يُقال: إنّ حديث التّرمذيّ وقع تفسيراً لما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر قال: قال رسول الله ص: «يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا لاَ يَعُدُّهُ عَدَدًا» ومن حديث أبي سعيد قال: «مِنْ خُلَفَائِكُمْ خَلِيفَةٌ يَحْثُو الْمَالَ حَثْيًا» ومن طريق أخرى عنهما قال: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلاَ يَعُدُّهُ» (انتهى). وأحاديث مسلم لم يقع فيها ذكر المهديّ ولا دليل يقوم على أنّه المراد منها.
8) ورواه الحاكم أيضاً من طريق عوف الأعرابيّ عن أبي الصّدّيق النّاجي عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله ص: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُمْلَأَ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَجَوْرًا وَعُدْوَانًا، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مَنْ يَمْلَأُهَا قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا» وقال فيه الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. ورواه الحاكم أيضاً عن طريق سليمان بن عبيد عن أبي الصّدّيق النّاجي عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله ص قال: «يَخْرُجُ فِي آخِرِ أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ يَسْقِيهِ اللهُ الْغَيْثَ، وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا، وَيُعْطِي الْمَالَ صِحَاحًا، وَتَكْثُرُ الْمَاشِيَةُ وَتَعْظُمُ الْأُمَّةُ، يَعِيشُ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِياً» يعني حِججاً. وقال فيه: حديث صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه. مع أنّ سليمان بن عُبَيْد لم يُخرِّج له أحد من السّتّة.
ورواه الحاكم أيضاً من طريق أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن مطر الورّاق وأبي هارون العبديّ عن أبي الصّدّيق النّاجي عن أبي سعيد أنّ رسول الله ص قال: «تُمْلَأُ الْأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي فيملك سبعاً أو تسعاً فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا» وقال الحاكم فيه: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ[96]، لأنّه [أي: مسلم] أخرج عن حماد بن سلمة وعن شيخه مطر الورَّاق. وأمّا شيخه الآخر وهو أبو هارون العبديّ فلم يُخرِّج له [مسلم في صحيحه] وهو ضعيف جدّاً متّهم بالكذب ولا حاجة إلى بسط أقوال الأئمّة في تضعيفه. وأمّا الرّاوي له عن حماد بن سلمة فهو «أسد بن موسى» يُلقَّب أسد السّنّة...... واحتجّ به أبو داود والنّسائيّ إلّا أنّه قال مرّة أخرى: ثقة لو لم يُصنّف كان خيراً له. وقال فيه محمّد بن حزم: مُنكر الحديث.
9) ورواه الطَّبرانيّ في معجمه الأوسط من رواية أبي الواصل عبد الحميد بن واصل عن أبي الصّدّيق النّاجي عن الحسن بن يزيد السعديّ أحد بني بهدلة عن أبي سعيد الخدريّ قال سمعت رسول الله ص يقول: «يخرج رجل من أُمَّتي يقول بسُنَّتي يُنزل الله عزّ وجلّ له القطر من السّماء وتُخرج الأرض بركتها وتُمْلأ الأرض منه قسطاً وعدلاً كما مُلِئَتْ جوراً وظلماً، يعمل على هذه الأمّة سبع سنين وينزل على بيت المقدس».
وقال الطّبرانيّ فيه: "رواه جماعة عن أبي الصّدّيق ولم يدخل أحد منهم بينه وبين أبي سعيد أحداً إلّا أبا الواصل فإنّه رواه عن الحسن بن يزيد عن أبي سعيد" (انتهى). وهذا الحسن بن يزيد ذكره ابن أبي حاتم ولم يعرّفه بأكثر ممّا في هذا الإسناد من روايته عن أبي سعيد ورواية أبي الصّدّيق عنه وقال الذّهبيّ في الميزان: إنّه مجهول....... وأمّا أبو الواصل الّذي رواه عن أبي الصّدّيق فلم يُخرِّج له أحد من السِّتّة...... .
10) وخرَّج ابن ماجه[97] في كتاب السُّنن عن عبد الله بن مسعود من طريق يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ص، إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ , فَلَمَّا رَآهُمُ النَّبِيُّ ص ذرفت عَيْنَاهُ, وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ, قَالَ: فَقُلْتُ: مَا نَزَالُ نَرَى فِي وَجْهِكَ شَيْئًا نَكْرَهُهُ؟ فَقَالَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللهُ لَنَا الآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا, وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلاَءً, وَتَشْرِيدًا، وَتَطْرِيدًا, حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ, مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ, فَيَسْأَلُونَ الْخَيْرَ, فَلاَ يُعْطَوْنَهُ, فَيُقَاتِلُونَ, فَيُنْصَرُونَ, فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا, فَلاَ يَقْبَلُونَهُ, حَتَّى يَدْفَعُوهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي, فَيَمْلَؤُهَا قِسْطًا كَمَا مَلَؤُوهَا جَوْرًا, فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ, فَلْيَأْتِهِمْ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ». (انتهى).
17وهذا الحديث يُعرف عند المحدّثين بحديث الرّايات. ويزيد بن أبي زياد راويه قال فيه شعبة: كان رفَّاعاً يعني يرفع الأحاديث الّتي لا تعرف مرفوعة[98]. وقال محمّد بن الفضيل: من كبار أئمّة الشّيعة. وقال أحمد بن حنبل: لم يكن بالحافظ، وقال مرَّة: حديثه ليس بذلك. وقال يحيى بن معين: ضعيف....... وقال أبو زرعة: ليِّن يُكتب حديثه ولا يُحتجُّ به. وقال أبو حاتم: ليس بالقويّ. وقال الجرجانيّ: سمعتهم يُضعِّفون حديثه........
وبالجملة فالأكثرون على ضعفه. وقد صرّح الأئمة بتضعيف هذا الحديث الّذي رواه عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وهو حديث الرّايات. وقال وكيع بن الجرَّاح فيه: ليس بشيء. وكذلك قال أحمد بن حنبل...... وأورد العقيليّ هذا الحديث في الضّعفاء. وقال الذّهبيّ: ليس بصحيح.
11) وخرَّج ابن ماجه عن عليٍّ رضي الله عنه من رواية ياسين العجليّ عن إبراهيم بن محمّد بن الحنفيّة عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله ص: «الْمَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، يُصْلِحُ اللهُ بِهِ فِي لَيْلَةٍ»!.
..... قال البخاريّ فيه نظر. وهذه اللّفظة من اصطلاحه قويّة في التّضعيف جدّاً. وأورد له ابن عديّ في الكامل والذّهبيّ في الميزان هذا الحديث على وجه الاستنكار له، وقال: هو معروف به.
12) وخرَّج الطّبرانيّ في معجمه الأوسط عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال للنّبيّ ص «أمنّا المهديّ أم من غيرنا يا رسول الله؟» فقال: «بل منّا بنا يختم الله كما بنا فتح وبنا يستنقذون من الشّرك وبنا يؤلّف الله قلوبهم بعد عداوة بيّنة كما بنا ألّف بين قلوبهم بعد عداوة الشّرك». قال عليّ: «أمؤمنون أم كافرون؟» قال: «مفتون وكافر». (انتهى).
وفيه «عبد الله بن لهيعة»[99] وهو ضعيف معروف الحال. وفيه عمر بن جابر الحضرميّ وهو أضعف منه. قال أحمد بن حنبل: رُوي عن جابر مناكير وبلغني أنّه كان يكذب. وقال النّسائيّ: ليس بثقة. وقال: كان ابن لهيعة شيخاً أحمقاً ضعيف العقل وكان يقول: «عليّ في السّحاب»، وكان يجلس معنا فيُبصر سحابة فيقول: «هذا عليّ قد مرّ في السّحاب»!
13) وخرَّج الطّبرانيّ عن عليّ رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله ص قال: «يكون في آخر الزّمان فتنة يحصل النّاس فيها كما يحصل الذّهب في المعدن فلا تسبّوا أهل الشّام ولكن سبّوا أشرارهم فإنّ فيهم الأبدال يُوشك أن يُرسَل على أهل الشّام صيّب من السّماء فيفرّق جماعتهم حتّى لو قاتلتهم الثّعالب غلبتهم فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات المكثر يقول بهم خمسة عشر ألفا والمقلّ يقول بهم اثنا عشر ألفا وأمارتهم «أمت أمت!»[100] يلقون سبع رايات تحت كلّ راية منها رجل يطلب الملك فيقتلهم الله جميعا ويردّ الله إلى المسلمين ألفتهم ونعمتهم وقاصيتهم ورأيهم[101] (انتهى).
وفيه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف معروف الحال......
14) وخرَّج الحاكم في المستدرك عن عليّ رضي الله عنه من رواية أبي الطّفيل عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الـْمَهْدِيِّ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَيْهَاتَ، ثُمَّ عَقَدَ بِيَدِهِ سَبْعًا، فَقَالَ: "ذَاكَ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: اللهَ اللهَ قُتِلَ، فَيَجْمَعُ اللهُ تَعَالَى لَهُ قَوْمًا قُزُعًا[102] كَقَزَعِ السَّحَابِ، يُؤَلِّفُ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَا يَسْتَوْحِشُونَ إِلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْرَحُونَ بِأَحَدٍ، يَدْخُلُ فِيهِمْ عَلَى عِدَّةُ أَصْحَابِ بَدْرٍ، لَمْ يَسْبِقْهُمُ الْأَوَّلُونَ وَلَا يُدْرِكُهُمُ الْآخِرُونَ، وَعَلَى عَدَدِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ، قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: أَتُرِيدُهُ؟ قُلْتُ: «نَعَمْ»، قَالَ: إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنِ الأخشبين[103]، قُلْتُ: «لَا جَرَمَ وَاللهِ ولا أدعها حَتَّى أَمُوتَ»، فَمَاتَ بِهَا يَعْنِي مَكَّةَ. قال الحاكم: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ». وإنّما هو على شرط مسلم فقط فإنّ فيه عمّاراً الذّهبيّ[104] ويونس بن أبي إسحاق، ولم يُخرِّج لهما البخاريّ. وفيه عمرو بن محمّد العبقريّ ولم يُخرِّج له البخاريّ احتجاجاً بل استشهاداً مع ما ينضمّ إلى ذلك من تشيّع عمّار الذّهبيّ........
15) وخرّج ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه في رواية سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ الْيَمَامِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ص يَقُولُ: «نَحْنُ وَلَدَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَادَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَا وَحَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالْمَهْدِيُّ». (انتهى).
وعكرمة بن عمّار وإن أخرج له مسلم فإنّما أخرج له متابعة. وقد ضعَّفه بعض ووثَّقه آخرون وقال أبو حاتم الرّازيّ: هو مُدلِّس فلا يُقبل إلا أن يُصرِّح بالسّماع. عليّ بن زياد، قال الذّهبيّ في الميزان: لا ندري من هو؟ ثمّ قال الصّواب فيه: عبد الله بن زياد. وسعد بن عبد الحميد..... تكلّم فيه الثّوريّ، قالوا: لأنّه رآه يُفتي في مسائل ويخطئ فيها. وقال ابن حبّان: كان ممّن فحش عطاؤه فلا يُحتجُّ فيه. وقال أحمد بن حنبل: سعيد[105] بن عبد الحميد يدَّعي أنّه سمع عرض كتب مالك والنّاس يُنكرون عليه ذلك وهو هاهنا ببغداد لم يحجّ[106] فكيف سمعها؟!
16) وخرَّج الحاكم في مستدركه من رواية مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ لَمْ أَسْمَعْ أَنَّكَ مِثْلُ أَهْلِ الْبَيْتِ مَا حَدَّثْتُكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: " فَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَإِنَّهُ فِي سِتْرٍ لَا أَذْكُرُهُ لِمَنْ تَكْرَهُ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَرْبَعَةٌ: مِنَّا السَّفَّاحُ، وَمِنَّا الْمُنْذِرُ، وَمِنَّا الْمَنْصُورُ، وَمِنَّا الْمَهْدِيُّ»، قَالَ: فَقَالَ لَهُ مُجَاهِدٌ: فَبَيِّنْ لِي هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ، فَقَالَ: " أَمَّا السَّفَّاحُ فَرُبَّمَا قَتَلَ أَنْصَارَهُ وَعَفَا عَنْ عَدُوِّهِ(!!)، وَأَمَّا الْمُنْذِرُ أراه قَالَ: فَإِنَّهُ يُعْطِي الْمَالَ الْكَثِيرَ لَا يَتَعَاظَمُ فِي نَفْسِهِ وَيُمْسِكُ الْقَلِيلَ مِنْ حَقِّهِ، وَأَمَّا الْمَنْصُورُ: فَإِنَّهُ يُعْطَى النَّصْرَ عَلَى عَدُوِّهِ الشَّطْرَ مِمَّا كَانَ يُعْطَى رَسُولُ اللهِ ص يُرْعَبُ مِنْهُ عَدُوُّهُ عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرَيْنِ، وَالْمَنْصُورُ يُرْعَبُ عَدُوُّهُ مِنْهُ عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأَمَّا الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، وَتَأْمَنَ الْبَهَائِمُ السِّبَاعَ[107] وَتُلْقِي الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا"، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا أَفْلَاذُ كَبِدِهَا؟ قَالَ: «أَمْثَالُ الْأُسْطُوَانَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ». (انتهى).
وقال الحاكم [هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرِّجاه] وهو من رواية إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه وإسماعيل ضعيف وإبراهيم أبوه وإن خرَّج له مسلّم فالأكثرون على تضعيفه.
17) وخرَّج ابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: «يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلاَثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ ثُمَّ لاَ يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلاً لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ». ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لاَ أَحْفَظُهُ فَقَالَ: «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ الْمَهْدِيُّ». (انتهى).
ورجاله رجال الصّحيحين إلّا أنّ فيه أبا قلابة الجرميّ وذكر الذّهبيّ وغيره أنّه مُدلِّس، وفيه سفيان الثّوريّ وهو مشهور بالتّدليس وكلّ واحد منهما عنعن ولم يُصرِّح بالسّماع، فلا يُقبل. وفيه عبد الرّزاق بن همّام وكان مشهوراً بالتّشيّع وعمي في آخر وقته فخلّط! قال ابن عديّ: «حدّث بأحاديث في الفضائل لم يُوافقه عليها أحد» ونسبوه إلى التّشيّع. (انتهى).
18) وخرَّج ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ حديثاً من طريق ابْنِ لَهِيعَةَ[108] عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ فَيُوَطِّئُونَ لِلْمَهْدِيِّ». يَعْنِى سُلْطَانَهُ!
قال الطّبرانيّ: تفرّد به ابن لهيعة وقد تقدّم لنا في حديث عليٍّ ÷ الّذي خرّجه الطّبراني في معجمه الأوسط أنّ ابن لهيعة ضعيف وأنّ شيخه عمر بن جابر أضعف منه!
19) وخرّج البزّار في مسنده والطّبرانيّ في معجمه الأوسط واللّفظ للطّبرانيّ عن أبي هريرة عن النّبيّ ص قال: «يكون في أمّتي المهديّ إن قصّر فسبع وإلّا فثمان وإلّا فتسع(؟!) تنعم فيها أمّتي نعمة لم ينعموا بمثلها ترسل السّماء عليهم مدراراً ولا تدّخر الأرض شيئاً من النّبات والمال كدوس يقوم الرّجل يقول: يا مهديّ أعطني فيقول: خذ».
قال الطّبرانيّ والبزّار تفرّد به محمّد بن مروان العجليّ زاد البزّار: ولا نعلم أنّه تابعه عليه أحد....... وقال أبو زرعة: ليس عندي بذلك، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: رأيت محمّد بن مروان العجليّ حدّث بأحاديث وأنا شاهد لم نكتبها تركتها على عمد وكتب بعض أصحابنا عنه كأنّه ضعّفه.
20) وخرّجه أبو يعلى الموصليّ في مسنده عن أبي هريرة وقال: «حدّثني خليلي أبو القاسم ص قال: «لا تقوم السّاعة حتّى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتّى يرجعوا إلى الحقّ قال قلت: وكم يملك؟ قال: خمساً واثنتين قال قلت: وما خمساً واثنتين قال لا أدري».
وهذا السّند غير مُحتجٍّ به وإن كان فيه بشير بن نهيك، وقال فيه أبو حاتم لا يُحتجُّ به فقد احتجَّ به الشَّيخان ووثقه النّاس ولم يلتفتوا إلى قول أبي حاتم لا يُحتجُّ به إلّا أنّه قال فيه رجاء[109] ابن أبي رجاء اليشكريّ وهو مختلف فيه قال أبو زرعة ثقة وقال يحيى بن معين: ضعيف. وقال أبو داود: ضعيف...
21) وخرَّج أبو بكر البزّار في مسنده والطّبرانيّ في معجمه الكبير والأوسط عن قرّة بن إياس قال قال رسول الله ص: «لَتُمْلأَنَّ الأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا، فَإِذَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا بَعَثَ اللهُ رَجُلًا مِنِّي اسْمُهُ اسْمِي واسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي[110]، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَقِسْطًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، فَلا تَمْنَعُ السَّمَاءَ شَيْئًا مِنْ قَطْرِهَا وَلاَ الأَرْضَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِهَا، يَلْبَثُ فِيكُمْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا أَوْ تِسْعًا يَعْنِي سِنِينَ» (انتهى). وفيه داود بن الـْمُحَبَّرُ بْنُ قَحْذَمٍ[111] عن أبيه وهما ضعيفان جدّاً.
22) وخرَّج الطبراني في معجمه الأوسط حديثاً برواية أُمِّ حبيبة كما يلي: «قالت أُمُّ حبيبة سمعت رسول الله ص يقول: يخرج ناس من قبل المشرق يريدون رجلاً عند البيت حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم فيلحق بهم من تخلف عنهم فيُصيبهم ما أصابهم، قلت: يا رسول الله! فكيف بمن كان أخرج مُستكرهاً؟ قال: يصيبه ما أصاب الناس ثم يبعث الله كل امرئ على نيته» (انتهى).
في سنده «سَلَمَة بن الأبرش» وهو ضعيف الحديث. وفيه أيضاً «محمد بن إسحاق» المُدلِّس وقد روى الحديث عنعنة ومثل هذا الحديث لا يُقبل إلا إذا صرَّح راويه بالسماع[112].
23) وخرّج الطّبرانيّ في معجمه الأوسط عن «ابن عمر» قال: «كان رسول الله ص في نفر من المهاجرين والأنصار وعليّ بن أبي طالب عن يساره والعبّاس عن يمينه إذ تلاحى العباس ورجل من الأنصار فأغلظ الأنصاريّ للعبّاس فأخذ النّبيّ ص بيد العبّاس وبيد عليّ» وقال: «سيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض جوراً وظلماً وسيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التّميميّ فإنّه يُقبل من قبل المشرق وهو صاحب راية المهديّ». (انتهى).
وفيه عبد الله بن عمر و«عبد الله بن لهيعة» وهما ضعيفان.
24) وخرّج الطّبرانيّ في معجمه الأوسط عن طلحة بن عبد الله عن النّبيّ ص قال: «ستكون فتنة لا يسكن منها جانب إلّا تشاجر جانب حتّى يُنادي مُناد من السّماء إنّ أميركم فلان»!. (انتهى).
وفيه المثنّى بن الصّباح وهو ضعيف جدّاً. وليس في الحديث تصريح بذكر المهديّ وإنّما ذكروه في أبوابه وترجمته استئناساً!
فهذه جملة الأحاديث الّتي خرّجها الأئمّة في شأن المهديّ وخروجه آخر الزّمان. وهي كما رأيت لم يخلص منها من النّقد إلّا القليل والأقلّ منه.
وربّما تمسّك المُنكرون لشأنه بما رواه محمّد بن خالد الجنديّ عن أبان بن صالح بن أبي عيّاش عن الحسن البصريّ عن أنس بن مالك عن النّبيّ ص أنّه قال: «لَا مَهْدِيَّ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»[113] وقال يحيى بن معين في محمّد بن خالد الجندي: إنّه ثقة. وقال البيهقيّ: تفرّد به محمّد بن خالد. وقال الحاكم فيه: إنّه رجل مجهول واختُلف عليه في إسناده فمرّةً يروونه[114] كما تقدّم ويُنسب ذلك لمحمّد بن إدريس الشّافعيّ، ومرّةً يروونه عن محمّد بن خالد عن أبان عن الحسن عن النّبيّ ص مرسلاً[115]! قال البيهقيّ: فرجع إلى رواية محمّد بن خالد وهو مجهول عن أبان بن أبي عيّاش وهو متروك عن الحسن عن النّبيّ ص وهو منقطع وبالجملة فالحديث ضعيف مضطرب.
وقد قيل: «أن لا مهديّ إلّا عيسى» أي لا يتكلّم في المهد إلّا عيسى يُحاولون بهذا التّأويل ردّ الاحتجاج به أو الجمع بينه وبين الأحاديث وهو مدفوع بحديث جريج ومثله من الخوارق.
وأمّا المتصوّفة فلم يكن المتقدّمون منهم يخوضون في شيء من هذا وإنّما كان كلامهم في المجاهدة بالأعمال وما يحصل عنها من نتائج المواجد والأحوال!!
وكان كلام الإماميّة والرافضة من الشّيعة في تفضيل عليّ رضي الله عنه والقول بإمامته وادِّعاء الوصيّة له بذلك من النّبيّ ص، والتّبرّي من الشّيخين[116] كما ذكرناه في مذاهبهم، ثمّ حدث فيهم بعد ذلك القول بالإمام المعصوم وكثرت التّآليف في مذاهبهم. وجاء الإسماعيليّة منهم يدّعون ألوهيّة الإمام بنوع من الحلول وآخرون يدّعون رجعة من مات من الأئمّة بنوع التّناسخ، وآخرون مُنتظرون مجيء من يقطع بموته منهم(!!) وآخرون مُنتظرون عود الأمر في أهل البيت مُستدلِّين على ذلك بما قدّمناه من الأحاديث في المهديّ وغيرها(!!)
ثمّ حدث أيضاً عند المتأخّرين من الصّوفيّة الكلام في الكشف وفيما وراء الحسّ وظهر من كثير منهم القول على الإطلاق بالحلول والوحدة فشاركوا فيها الإماميّة والرّافضة لقولهم بألوهيّة الأئمّة وحلول الإله فيهم، وظهر منهم أيضاً القول بالقطب والأبدال وكأنّه يحاكي مذهب الرّافضة في الإمام والنُّقباء[117]. وأُشربوا أقوال الشّيعة وتوغّلوا في الدّيانة بمذاهبهم، حتّى جعلوا مستند طريقهم في لبس الخرقة أنّ عليّاً رضي الله عنه ألبسها الحسن البصريّ وأخذ عليه العهد بالتزام الطَّريقة....... ولا يُعلَم هذا عن عليّ من وجه صحيح......." [118].
من المفيد أن يعلم القُرَّاءُ المُحترمون أن «ابن خلدون» ذكر عدداً من مُتأخِّري الصوفية الذين تكلَّموا حول «المهدي»، ومن جملتهم «ابن عربي»، وقال عنهم: "وأكثر كلماتهم في شأنه [الفاطمي الموعود] ألغاز وأمثال وربما يُصرِّحون في الأقل أو يُصرِّح مُفسِّرو كلامهم!". (مقدمة ابن خلدون، ج 1، ص 324)[119].
ويقول ابن خلدون أيضاً:
"وقال ابن العربيّ فيما نقل ابن أبي واطيل[120] عنه: وهذا الإمام المنتظر هو من أهل البيت من ولد فاطمة -رضي الله عنها- وظهوره يكون من بعد مضيّ (خ ف ج) من الهجرة! ورسم حروفاً ثلاثة يُريد عددها بحساب الجُمَّل وهو الخاء المعجمة بواحدة من فوق ستّمائة والفاء أخت القاف بثمانين والجيم المعجمة بواحدة من أسفل ثلاثة وذلك ستّمائة وثلاث وثمانون سنة وهي آخر القرن السّابع ولمّا انصرم هذا العصر ولم يظهر، حَمَلَ ذلك بعض المُقلّدين لهم على أنّ المراد بتلك المدّة مولده وعبّر بظهوره عن مولده وأنّ خروجه يكون بعد العشر السبعمائة فإنّه الإمام النّاجم من ناحية المغرب! قال: «وإذا كان مولده كما زعم ابن العربيّ سنة ثلاث وثمانين وستّمائة فيكون عمره عند خروجه ستّاً وعشرين سنة»". (انتهى. ص 634 من الجزء الأول من مقدمة ابن خلدون)[121].
أقول: وبغضِّ النظر عن أن هذا المهدي لا علاقة له بالإمام الحسن العسكري ÷، فإن هذا الموضوع يُذكِّر كاتب هذه السطور بقصة عن شخص ادَّعى النُّبُوَّة وصار له أتباع لكنه عاد إلى نفسه في نهاية المطاف وندم على ما فعل واعترف لأتباعه أنه ليس بنبيّ وأنه كذب عليهم، لكن أتباعه لم يقبلوا ذلك منه وأخذوا يُؤَوِّلون كلامه بحُجج وتوجيهات مختلفة! فمرَّةً كانوا يقولون: إنه نبيّ ولكنه يتواضع ليُعلِّمنا خُلُق التواضع! أو يقولون: إنه نبيّ ويريد بكلامه هذا أن يمتحن قُوَّة إيماننا به! أو يقولون: إن قصده أنني على مرتبة ودرجة أعلى من النُّبُوَّة لا أنه يريد أن يُنكر نُبُوَّة نفسه!! وهكذا..... لم يقبلوا إقراره بعدم نُبُوَّته ووجَّهوا كلامه بأنواع التلفيقات!! واحسرتاه على الأتباع الخرافاتيين الذين إذا تعوَّدوا على عقيدة وأُشربوها في قلوبهم لا يتخلَّون عنها بأيِّ وجهٍ من الوجوه ولا يقبلون أيَّ دليل ضدها ويقولون: ﴿بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآ﴾! ولكن القرآن الكريم ردَّ عليهم في الآية نفسها قائلاً: ﴿أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡٔٗا وَلَايَهۡتَدُونَ ١٧٠﴾ [البقرة: ١٧٠].
[74] في رأينا لم يكن لهذه الفكرة وجود في عصر الصحابة ولم تنتشر هذه العقيدة بين المسلمين إلا بعد انقضاء عصر الصحابة. [البرقعي] [75] أشراط: أي علامات. (المُتَرْجِمُ) [76] أبو بكر بن أبي خيثمة (185 - 279 ه = 801 - 892 م) من علماء القرن الثالث الهجري. كان مؤرخاً من حفَّاظ الحديث. وكان ثقةً، راويةً للأدب، بصيراً بأيام الناس، أصله من «نسا» - بفتح النون والسين المخففة - ومولده ووفاته ببغداد. أهم تصانيفه «التاريخ الكبير» على طريقة المحدِّثين. و«أخبار الشعراء» و«كتاب الإعراب». (المُتَرْجِمُ) [77] هذا الترقيم من عندنا وليس في كتاب ابن خلدون. [البرقعي] [78] في حين أن اسم أبي مهدِيِّنَا ليس «عبد الله» بل «الحسن» (فلا تتجاهل). [البرقعي] [79] الموقوف: هو الحديث الذي يصل سنده إلى الصحابي فقط و لا يُسْنَد إلى النبي ص [البرقعي]. [80] كناية عن عدم الاعتناء به وعدم الالتفات إلى رواياته. [البرقعي] [81] قوله: «عَمْرو» هكذا في نص كتاب المرحوم البرقعي، وهو مطابق لنص الحديث كما جاء في سنن أبي داود (4292)، لكن الذي جاء في نص مقدمة ابن خلدون هو: عُمَر بْنِ أَبِي قَيْسٍ بدلاً من عَمْرو. والصحيح هو ما جاء في لفظ سنن أبي داود بالطبع وهو «عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ». (المُتَرْجِمُ) [82] قوله «هِلاَلِ بْنِ عَمْرٍو»: هكذا في نص كتاب المرحوم البرقعي، وهو مطابق لنص الحديث كما جاء في سنن أبي داود (هو تكملة الحديث السابق رقم 4292)، لكن المذكور في نص مقدمة ابن خلدون هو: «هِلاَلِ بْنِ عُمَرَ». والصحيح هو ما جاء في لفظ سنن أبي داود بالطبع. (المُتَرْجِمُ) [83] لاحِظ الحاشية قبل السابقة. (المُتَرْجِمُ) [84] لاحِظ الحاشية قبل الأخيرة. (المُتَرْجِمُ) [85] وفي نسخة أخرى: صالح بن الخليل. (المُتَرْجِمُ) [86] الأبدال: جماعة من أولياء الله، يُبقي الحقُّ تعالى العالَم قائماً بوجودهم. من هذا يُعْلَمُ أن شخصاً من أهل التصوُّف هو الذي وضع هذه القصَّة. [البرقعي] [87] الركن = الحجر الأسود. والمقام = مقام إبراهيم بجوار الكعبة. [البرقعي] [88] هكذا في نص كتاب المرحوم البرقعي، وهو مطابق لنص الحديث كما جاء في سنن أبي داود (الحديث رقم 4288) لكن الذي في «مقدمة ابن خلدون» هو اختصار لذلك، ولفظه: (فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ وقال بعضهم تسع سنين). ولم يذكر ابن خلدون جملة: (ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ). (المُتَرْجِمُ) [89] من المتَّفق عليه أن التدليس أخو الكذب، وحديث المدلِّس هو أن يخفي الراوي المدلِّس الحقيقة بشأن الرواة الذين يروي عنهم أو بشأن غير ذلك من المسائل المتعلقة بالحديث، أو يحرِّفها، وحديث المدلِّس مردودٌ بالطبع. [البرقعي] [90] قوله «أَجْلَى الْجَبْهَةِ»: أي منحسر الشعر من مقدم رأسه، يعني نصف رأسه الأمامي بدون شعر، فهو نصف أصلع. (المُتَرْجِمُ) [91] قوله «أَقْنَى الأَنْفِ» قال ابن الأثير في النهاية: القَنا في الأنْف: طُوله ورِقَّة أرْنَبَتِه مع حَدَبٍ في وسطه. إذن أقنى الأنف أي الذي أنفه طويل ودقيق. (المُتَرْجِمُ) [92] سنن أبي داود، الحديث رقم 4285. (المُتَرْجِمُ) [93] الحرورية فرقة من الخوارج. [البرقعي]. أي الخارجين على علىٍّ رضى الله عنه وسُمُّوا بذلك نسبة إلى حروراء، بلدة قرب الكوفة هي الموضع الذى خرج فيه أسلافهم حينما انشقوا وخرجوا عن جيش الإمام. (المُتَرْجِمُ) [94] أي من الدراهم والدنانير. (المُتَرْجِمُ) [95] الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، كتاب الفتن والملاحم، حديث (8675). [96] الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، كتاب الفتن والملاحم، حديث (8674). [97] من الضروري التذكير بأن سُنن ابن ماجه أضعف كتب الصحاح الستة وأقلها وثوقاً واعتباراً، إلى درجة أن علماء الحديث اختلفوا في إدراجه بين الكتب الستة فرجَّح بعضهم جعل «مُوطأ» الإمام مالك بدلاً منه، ورجَّح آخرون «سنن الدارمي» عليه. وقد [امتنع ابن الأثير الجزري] مؤلف كتاب «جامع الأصول في أحاديث الرسول ص» ومؤلف كتاب «التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول» الشيخ منصور علي ناصيف، عن نقل أحاديث سنن ابن ماجه في كتابيهما، واعتبر بعض العلماء مثل جلال الدين السيوطي وآخرين سنن ابن ماجه أقل وثوقاً واعتباراً من بقية الصحاح والسنن حتى أن بعضهم قال: إن كل حديث تفرَّد ابنُ ماجه في روايته ضعيف ومعلول! [98] الحديث المرفوع هو الحديث الذي لم يكتمل سنده أي لم يُذكر في وسط السند أو في آخره اسم راوٍ أو عدة رواة. [البرقعي] [99] وهو راوي الحديثين 18 و23 أيضاً. [100] هذه الكلمة كانت كلمة السر بين أفراد المسلمين في غزوة بدر. [101] في نسخة أخرى: «رايتهم». [102] قزعاً: أي أفواجاً. [103] الأخشبين: الجبلان المطيفان بمكة وهما: أبو قبيس والأحمر، وهو جبل مشرف وجهه على قعيقان. [104] وفي نسخة أخرى «عمّاراً الدّهني». (المُتَرْجِمُ) [105] وفي نسخة أخرى «سعد بن عبد الحميد». (المُتَرْجِمُ) [106] وفي نسخة أخرى «لم يحتجّ». (المُتَرْجِمُ) [107] يعني أن السباع تُصبح آكلةً للنباتات؟!! [108] وهو راوي الحديثين رقم 12 و23 أيضاً. [109] وفي نسخة أخرى: «إلا أن فيه رجاء». (المُتَرْجِمُ) [110] هذا في حين أن اسم والد مهدينا: الحسن وليس عبد الله. (فلا تتجاهل). [البرقعي] وأقول (المُتَرْجِمُ): جاءت العبارة هكذا في المعجم الكبير للطبراني أما في مسند البزَّار فجاءت كالتالي: [اسْمُهُ اسْمِي أَوِ اسْمُهُ اسْمُ أَبِي]. [111] وفي نسخة أخرى: داود بن المحبّي بن المحرم. (المُتَرْجِمُ) [112] هذا الحديث رقم 22 والتعليق عليه موجود في كتاب المرحوم البرقعي، ولكنني لم أجده في مقدمة ابن خلدون. (المُتَرْجِمُ) [113] أخرجه الحاكم في «المستدرك»، ج 4، ص 441. والبيهقي في «معرفة السنن والآثار» والقاضي القضاعي في «مسند الشهاب». (المُتَرْجِمُ) [114] وفي نسخة أخرى: يُرْوَى. [115] الحديث المرسل هو الذي سنده ناقص من آخره أي سقط راوٍ أو أكثر من الرواة في آخر السند. [البرقعي] [116] أي: أبي بكر وعمر. [البرقعي]. [117] «النقيب» هو الرئيس والزعيم والمسؤول عن أمور الجماعة، ونقيب الأشراف والسادات هو من يأخذ على عاتقه متابعة أمورهم والاهتمام بأحوالهم. [118] تابعوا بقية الموضوع في الجزء الأول من كتاب «مقدمة ابن خلدون». [119] وفي «مقدمة ابن خلدون» (الأصل العربي): ج 1، ص 403. [120] هكذا في نصِّ كتاب المرحوم البرقعي ولكن الذي في «مقدمة ابن خلدون» (الأصل العربي): «ابن أبي واصل». (المُتَرْجِمُ) [121] وفي «مقدمة ابن خلدون» (الأصل العربي): ج 1، ص 404- 405.
والآن حان الوقت لدراسة وتمحيص الأخبار التي وردت في كتب حديثنا عن المهدي الموعود.
أشهر كتاب جمع كل ما ورد من أحاديث حول أخبار المهدي المُنتظر كتاب «بحار الأنوار» للمجلسـي[122]. وسنقوم باستعراض ودراسة جميع أبواب أخبار المهدي التي وردت فيه، باختصار، ونضع نتيجة التحقيق أمام القُرَّاء كي يحكموا بأنفسهم على قيمة تلك الأخبار والروايات ويُلاحظوا أنها لا تتِّفق مع العقل ولا مع القرآن الكريم، وأن قليلاً من التفكير يُظهر للإنسان عدم صحتها وكذب من لفَّقوها، بل إن الإنسان ليتعجَّب كيف أمكن لمن كانوا يدَّعون العقل والعلم أن يجمعوا مثل تلك الأخبار؟!! فهي أخبار لا يُمكننا أن نجد بينها حتى حديثاً صحيحاً ومقبولاً واحداً! ولا يفوتنا أن نذكر أننا في هذا الكتاب سنرجع في بيان أحوال الرواة إلى أقوال علماء الرجال الشيعة أنفسهم.
ولكن قبل البدء بدراسة تلك الأحاديث من الضروري -منعاً لخداع العلماء للعامة- التذكير ببضعة نقاط حول تلك الأحاديث:
19أولاً: يعلم كلُّ من له علم بالتاريخ أن العباسيين وأنصارهم الذين كانوا ينوون القضاء على الأمويين ليحلُّوا محلَّهم في حكم المسلمين ابتدؤوا بوضع أحاديث المهدي الموعود -مثل أحاديث الرايات السود-، ثم قامت بقية الجماعات السياسية المُنافسة للعباسيين -ومن جملتها فرق الشيعة المختلفة كالإسماعيلية و.....- بوضع أحاديث المهدي الموعود لصالح زعمائهم ونشرها بين الناس تأسِّياً بما فعله العباسيون، كي لا يفقدوا أتباعهم ويُبقونهم مُستعدِّين وجاهزين للثورة معهم! وللأسف فإن المُؤلفين السُّذج من المذاهب الإسلامية تلقَّوا تلك الأخبار بالقبول لتصبح تلك الأحاديث بعد مُدَّة من الزمن جزءاً من اعتقاداتهم المذهبية، ثم قام المُتكلِّمون المُتعصِّبون باختراع أنواع الأدلة المُخترعة لترسيخ هذه العقيدة وتقويتها!!
20ثانياً: إن تأمُّلاً بسيطاً في متون أكثر تلك الأحاديث يكشف لنا أنها لا يُمكن أن تكون صادرةً عن الشارع -الذي يستند إلى علمٍ إلهيٍّ مُطلقٍ لامحدود-، لأنه من الواضح أن قائل تلك الأحاديث لم يكن لديه أيُّ تصور عن التغييرات الكثيرة جداً التي ستطرأ على كيفية حياة البشر بل كان يظنُّ أن مستقبل العالَم وأهله سيكون مُشابهاً لما كان عليه الناس في القرنين الثاني والثالث الهجريين!! كما لاحظنا نماذج لمثل هذه الأحاديث في مقالة «المهدي الموعود وغيبته» في بداية الكتاب الحاضر ص135.
ثالثاً: لا بُدَّ أن ننتبه إلى أن البِشارة بشخص موعود التي جاءت في كتب اليهود والنصارى وآثارهم يُقصد بها -كما قال بعض علماء الإسلام- البِشارة بالرسول الأكرم ص، في حين أن بعض الكُتَّاب المُخادعين يسعون أحياناً إلى القول إن المقصود من البِشارات المذكورة هو الابن الموهوم لحضرة الإمام الحسن العسكري ÷!! ويُمكنكم مُلاحظة نماذج لتلك البِشارات لمجيء النَّبِيّ الأَكْرَم ص في الجزء الأول من الكتاب الشريف «خيانت در گزارش تاريخ» [خيانة في رواية التاريخ][123]، فصل «في انتظار النبيّ الموعود» (ص 33 فما بعد).
[122] ذكر المَجْلِسِيُّ تلك الأخبار في المجلدات 51 و52 و53 من الطبعة الجديدة للبحار اً. (المُتَرْجِمُ) [123] وهو كتاب بالفارسية في ثلاثة أجزاء، ألَّفه العلامة السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي، ردَّاً على كتاب «بيست وسه سال» أي «ثلاثةٌ وعشرون عاماً» الذي ألفه المدعو «علي الدشتي» بالفارسية وطعن فيه بنبوَّة النبي الأكرم ص. (المُتَرْجِمُ)
لنبدأ الآن بدراسة أحاديث الجزء 51 من البحار:
يصف المجلسي في ص1 من هذا الجزء قبل بدء الباب 1 الإمام الثاني عشـر بأنه «نـور الأنوار». فأقولُ: هذه الصفة كلام باطل، فالفلاسفة والشيخية اعتبروا بعقلهم الناقص أن الله خلق العقل الأول أو نور الأنوار فقط في حين أن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ﴾ [الإنسان: ٢] فجميع الناس حتى الأنبياء خلقوا من نطفة وليس من نور. كما أن الله تعالى ليس خالقاً للصادر الأول بل هو خالقُ كُلِّ شَيْءٍ كما قال: ﴿ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ ٦٢﴾ [غافر: ٦٢]. وكما قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ﴾ [ق: ٣٨]، وقال أيضاً: ﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ﴾ [الحجر: ٢٦].
ويصف المَجْلِسِيُّ الإمامَ الثاني عشر أيضاً بقوله: «خليفة الرحمن الحُجَّة بن الحسن» مُعتبراً ذلك الشخص الغائب خليفةً لِـلَّهِ، 21في حين أن الله تعالى لم يغب ولا يغيب حتى يكون له خليفة، اللهم إلا في عقيدة الخرافاتيين الذين لا يريدون أن يقبلوا -أنانيةً وعُجباً بالنفس- أنه ليس لِـلَّهِ خليفة. وقد بحثنا موضوع خرافة القول بخليفة الله بمقدار واف[124] فلا داعي لتكرار ذلك هنا. (فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ). ويجب أن نعلم بالطبع أن جميع البشر، سواءً كانوا مُصلحين أم مُفسدين، ومؤمنين أم كافرين هم خلفاء، ولكنهم ليسوا خلفاء لِـلَّهِ بل خلفاء لمن سبقهم من البشر، لأن البشر في كل عصر وزمان يخلُفُون الأجيال التي سبقتهم ويرثون قوَّتهم وحضارتهم. وعلى هذا المعنى فكلنا خلفاء. أما إن كان قصده من «خليفة الرحمن» الخليفة المنصوص عليه من الله والمنصوب مِنْ قِبَلِ الله ففي هذه الحالة يكون قد ذكر كلاماً دون دليل أو مستند، ويجب الرجوع إلى الكتاب الشريف «شَاهْرَاه اتِّحَاد يا بررسى نصوص امامت» [طَرِيق الاتِّحاد أو دراسة وتمحيص نصوص الإمامة] لمعرفة بطلان هذه الدعوى. لاحظوا كيف بدأ المَجْلِسِيّ من أول الكتاب المُتعلِّق بالمهدي بذكر كلام لا دليل عليه وبأفكار خرافية.
[124] يُراجع التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات من 554 إلى 562.
أورد المَجْلِسِيّ في باب ولادة المهدي وأحوال أُمِّه عدَّة أقوال يُناقض بعضها بعضاً:
فمثلاً: سنة ولادته[125] مجهولة، إذ قال المَجْلِسِيّ في ص4 وص15: إن ولادته كانت في سنة 256هـ ولكنه روى في ص2 أن سنة ولادته كانت 255هـ! وقال في ص23 إن سنة ولادته كانت 258هـ. في حين ذكر في ص25 إن سنة ولادته كانت 257هـ. وفي ص16 روى إن سنة ولادته كانت 254هـ. فمن مجموع هذه الروايات يُمكن القول إن سنة ولادته غير معروفة!!
وأما يوم الولادة: فرُوي في ص2 أنه 15 شعبان وفي ص23 أنه 23 رمضان وفي ص24 أنه 9 ربيع الأول وفي ص 19 روى عن حكيمة عمته أنه وُلِدَ في النصف من شهر رمضان! وفي ص25 روَى أن ولادته كانت 3 شعبان. وفي ص15 نقل أن ولادته كانت 8 شعبان. وفي ص 16 روى أنه وُلد ليلة الجمعة من شهر رمضان. وفي ص 19 و20 نقل عن عمته حكيمة أنه لما وُلد تكلم ونطق بالشهادتين وقرأ عدة آيات من القرآن الكريم. وهذا مخالف لقوله تعالى في سورة النحل: ﴿وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡٔٗا﴾ [النحل: ٧٨]. إضافة إلى أن رسول الله ص ذاته ما كان يعلم شيئاً من آيات القرآن حتى سن الأربعين من عمره فكيف أمكن لهذا الطفل الذي هو أحد أفراد أمته [هذا إن كان له وجود] أن يعلم القرآن منذ ولادته؟!
والرواية رقم 14 نقلت عن حكيمة هذه ذاتها رواية بشكل مختلف[126]. هذا في حين أن كتاب البحار ذاته ينص في موضع آخر على أن حكيمة لم ترَ الطفل أصلاً، بل سمعت به! (ص 364). فلاحظوا أي أخبار مكذوبة اختلقوا باسم الإسلام!!
[125] حول وجود ابن لحضرة العسكري (ع) راجعوا التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 665 فما بعد. [126] راجعوا مقال «المهدي الموعود وغيبته» في بداية الكتاب الحاضر.
يجب القول إن اسم والدته غير معروف أيضاً كشأن تاريخ ولادته. ففي ص2 روى المَجْلِسِيُّ عن أبي الحسن أن اسم أم المهدي «نرجس».
وروى في ص5 وص 23 (من الجزء 51 من البحار) أن اسمها «صيقل» أو «صقيل» وأنها ماتت في زمن حياة زوجها الإمام العسكري.
22وروى في ص7 أن اسم أمه «مليكة بنت يشوعا». وأورد في ص15 حديثاً جاء فيه أن اسم أُمَّه كان «ريحانة»، وذكر رواية أخرى تفيد أن اسمها كان «سوسن»، وفي ص23 رواية أن اسمها كان «حكيمة»، وفي ص24 أن اسمها كان «خمط».
وفي ص28 أن اسم أُمِّه كان «مريم بنت زيد العلوية»! وأما رواة هذا الباب وتلك الأحاديث فإليكم أحوالهم من وجهة نظر علماء الرجال الشيعة:
* الرواية 1- منقولة من كتاب «الكافي».
* الرواية 2- تقول «أخبرني بعض أصحابنا» دون أن تُبيِّن من هم هؤلاء الأصحاب ومن أي بلد هُمْ؟ وهل كانوا عدولاً أم فُسَّاقاً؟ فهم مجهولون كلياً.
* الرواية 3- رواها «الـْحُسَيْنُ بْنُ رِزْقِ اللهِ» وهو مهمل لا ذكر له في كتب الرجال. وقد رواها عن «مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ» وهو أيضاً -طبقاً لكتب رجال الشيعة- مهمل ومجهول. إذن لقد أتانا مجهول عن مجهول بإمام وحجة!! هذا بالنسبة إلى الرواة. وأما بالنسبة إلى متن تلك الروايات، فإن حكيمة بنت الإمام الجواد تقول: لقد حضرتُ ساعة ولادته وكنت قابلته ورأيته، ولكن المجلسيّ يروي في ص364 من «بحار الأنوار» عن حكيمة هذه ذاتها أنها سُئلت هل رأيتِ ذلك الوليد للحسن العسكري؟ فأجابت: لم أره ولكنِّي سمعت به!
* الرواية 4- راويها «الحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ» وهو أيضاً مجهول ومذهبه غير معلوم.
* الرواية 5- راويها «عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ» مجهول الحال والمشترك بين عدة أشخاص.
* الرواية 6- رواها «الـْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ» الذي يقول عنه أهل الرجال إنه «لا وجود لمثل هذا الشخص»، أي أنه لم يُخْلَق أصلاً! ونقل هو عن «نَسِيمٍ ومَارِيَةَ» وكلاهما مجهولان أيضاً. وهذان المجهولان قالا إن الطفل عندما وُلد عطس واعتبر نفسه حجَّةَ الله!! ولم يوجد من يسأل هذين الراويين المجهولين: أليس الله هو الذي يعلن حُجِّية شخص، أم أن كل طفل صغير يمكنه أن يعلن أنه حُجَّةُ الله؟ أما القرآن الكريم فيُؤَكِّد أن لا حجة للناس بعد الرسل (النساء: 165)، وهذا يعمُّ كل إنسان طفلاً كان أم غير طفل وإماماً أم مأموماً.
* الرواية 7- رواها عن «إِبْرَاهِيمِ بْنِ مُحَمَّدٍ» وهو مجهول مشترك بين عدة أشخاص، عن «نَسِيمٍ خَادِمِ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع)» الذي لا يدري أحد من هو وما صفته؟
* الرواية 8- كالرواية التي قبلها، في سندها «نَسِيمٌ خَادِمُ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع)» المجهول ذاته.
* الرواية 9- في سندها «إِسْحَاقُ بْنُ رِيَاحٍ الْبَصْرِيُّ» المهمل ومجهول الحال.
الرواية 10- مروية عن «مَاجِيلَوَيْهِ» عن «أَبِي عَلِيٍّ الْخَيْزَرَانِيِّ» مجهول الحال والمذهب، عن أَمَةٍ لا نعلم شيئاً عن اسمها ولا عن صفتها!!
حقاً إن الإنسان ليتعجَّب ويتساءل: أيُّ حُجَّة وأيُّ أصل أو فرع للدين يُمكن إثباته بتجميع مثل هذه الروايات المجهولة التي يرويها مجاهيل عن مجاهيل؟!!
* الرواية 11- رواها «ابْنُ المُتَوَكِّلِ» وهو اسمٌ مجهول الهوية عن «أَبِي غَانِمٍ الْخَادِمِ» مجهول الحال ومجهول الاسم!
* الرواية 12- مروية عن «أَبِي المُفَضَّلِ الشَّيْبَانِيِّ» الضعيف عن«مُحَمَّدِ بْنِ بَحْرِ بْنِ سَهْلٍ الشَّيْبَانِيِّ» الذي كان من الغلاة القائلين بالتفويض وهي عقيدةٌ تُفضي إلى الكفر. عن «بِشْر بْنِ سُلَيْمَانَ النَّخَّاس» المجهول والمهمل في كتب الرجال.
إلا أن الممقاني أراد أن يوثِّق الراوي الأخير بواسطة هذه الرواية التي تبين محاورته لأمِّ إمام الزمان وشرائه لها. ولكنه مخطئٌ في ذلك لأنه لا يمكن معرفة حاله من هذه الرواية ذاتها بل لا بد أن يكون حاله معروفاً من قبل وأن يكون ثقة كي تُقبل روايته [وتصبح مستنداً لرفع جهالته]، وإلا فقد تكون الرواية موضوعة من أساسها (سألوا الثعلب: من الذي يشهد لك؟ قال: ذنبي!!). هذا فضلاً عن أن الرواية ذاتها تتضمن ذمّه لأنه كان نخّاساً أي بائعاً للعبيد وقد اعتبر رسول الله ص النخّاس من أسوأ الناس وقال: "شَرُّ النَّاسِ مَنْ بَاعَ النَّاسَ"، فانظروا كيف يريد أسوأ الناس أن يعرّفنا بأمّ الحجة!
* الرواية 13- رُوِيَتْ عن هذا النخَّاس المجهول أيضاً فهي ضعيفةٌ كسابقتها.
* الروايتان 14 و17-: عن «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيل» مجهول لدى علماء الرجال عن مجهول آخر باسم «مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْكُوفِيِّ».
* الرواية 15- عن «الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زَكَرِيَّا» الذي اعتبره جميع علماء الرجال ضعيفاً من ناحية دينه.
* الرواية 16- في سندها رجل مجهول الحال والاسم، أي جاء بعبارة «رجلاً من أصحابنا»!! فبالله عليكم هل يُسمَّى مثل هذا حديثاً؟!
* الرواية 18- عن «مَاجِيلَوَيْهِ» عن «الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ» مجهول الحال، عن مجهول آخر باسم «الْحَسَنِ بْنِ الـْمُنْذِرِ» عن «حَمْزَةَ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ» الذي لا ندري ما إذا كان له وجود حقيقي أم لا. يقول لقد بُشِّرتُ أن أبا محمد رُزق ولداً!! واسمه محمد وكنيته جعفر! هذا في حين أنهم يعتبرون أن ذكر اسم المهدي مُحرَّم، ومع ذلك يذكر الراوي اسمه صريحاً! ثم إن هذا الراوي المجهول يقول إن ذلك الطفل يُكَنَّى بأبي جعفر وهذا يُخالف ما جاء في روايات أخرى من أن كُنيته هي كنية النبي ص ذاتها، ونحن نعلم أن كنية رسول الله لم تكن أبا جعفر، كما أن ذلك الراوي لم يرَ ذلك الطفل بعينه، وبالطبع معظم الروايات الثماني عشر التي ذكرناها لم يرَ رواتُها الطفل بل سمعوا به فقط! ومتى كان السمع مثل الرؤية؟
* الرواية 19- عن «الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زَكَرِيَّا» الذي أجمع علماء الرجال على تضعيفه كما مرّ في الحديث رقم 15، عن «مُحَمَّدِ بْنِ خَلِيلَانَ » مجهول الحال، عن أبيه عن جدِّه مجهولي الحال عن «غِيَاثِ بْنِ أَسَدٍ» مجهول الحال أيضاً.
فانظروا إلى هذه الروايات المروية عن مجاهيل، هل يسوى مئة ألفٍ منها فلساً واحداً؟! إن هؤلاء القوم يُجمِّعون الأحاديث ويبنون منها بناءً شاهقاً دون تأمُّل فيها ولا يدرون أنه يُمكن طرد مئة غراب بحجرة واحدة!
حسناً فماذا قال «غِيَاثُ بْنُ أَسَدٍ» المجهول هذا؟ لقد قال فيما قاله: "لَمَّا وُلِدَ الْخَلَفُ المَهْدِيُّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ سَطَعَ نُورٌ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ"!!
* الرواية 20- رواتُها رواةُ الرواية 19 ذاتهم ولكننا نجد هنا فكرةً خرافيةً أخرى وهي قول الرواية إن أمهات الأئمَّة لا يصيبهم نفاس ولا يرون دمه! أي أنهم ليسوا كسائر البشر، وهذا يُخالف آيات الله التي يقول تعالى لنبيِّه فيها: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ﴾ [الكهف: ١١٠].
والعجيب أنه يذكر في الحديث 26 عن حكيمة فيه أنها لما ذهبت في اليوم الثالث رأتها في حالة النفاس!! فكيف يُمكننا أن نقبل بهذه الروايات المتعارضة التي يناقضها بعضها بعضاً؟!
* الرواية 21- عن «أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْقُمِّيِّ» مجهول الحال.
* الرواية 22 و24- عن «الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيِّ» مجهول الحال الذي قال: إنني هنأت الإمام العسكري بولادة ابنه. حسناً فهل رأى ذلك الولد أم لا؟ الرواية ساكتة. فما فائدة التهنئة وحدها؟ لا شيء.
* الرواية 23- عن «عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَابٍ» مجهول الحال. فهل يثبت شيء برواية المجاهيل؟
* الرواية 25- يروي عن حكيمة أنها رأت الطفل وولَّدَتْهُ، في حين أنه في ص364 رواية عنها بأنها لم تر ولم تسمع وكذَّبت هذا الحديث!.
* الرواية 26- رُوِيَ عَنْ «علي بن سميع بن بنان» مجهول الحال والمهمل. قال أنه رأى حكيمة أم المهدي في حال النفاس وهذا مناقض للرواية 20.
* الرواية 27- عن «أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ» عن «حَنْظَلَةَ بْنِ زَكَرِيَّا» وكلاهما مجهول الحال في كتب رجال الشيعة. فالحديث كالأحاديث السابقة لكنه يتضمن خرافة لا توجد فيها وهي قوله إن المهدي كان ينمو كلَّ يومٍ بمقدار سنةٍ، بما معناه أن الطفل الذي وُلد منذ خمسة عشر يوماً يصبح عمره خمسة عشرة عاماً يعني أنه ليس بشـراً مثلكم بل بشـرٌ غيرُكُم!!
* الرواية 28- عن «حَنْظَلَةَ بْنِ زَكَرِيَّا» مجهول الحال ذاته. وقد نصَّ جميع علماء الشيعة على أن حديث الراوي المجهول لا يصح ولا يُعتمد عليه فكيف جمع المجلسـيُّ روايات المجاهيل هذه لاسيما في موضوع حساس هو في نظرهم أصلٌ من أصول الدين والعقائد؟!!
* الرواية 29- ذُكر دون بيان راويه بل جاء بصيغة «رُويَ» فلا يعلم أحدٌ اسم راويه ولا حاله ولا مذهبه بل لا نعلم هل له وجود فعليٌّ أم لا؟ وقد روى عن بعض أخوات أبي الحسن لكنه لم يبين من هنّ؟؟ فهي إذن رواية شخص مجهول الاسم والصفة عن آخرين مجهولي الاسم والصفة!!
* الرواية 30- رَوَى عَلَّانٌ بِإِسْنَادِهِ، ولا نعلم من هو علان وما هو إسناده؟! وقد روى أموراً لا بد أن يُوضح التاريخ صدقها من كذبها مع أننا لا نجد أي إشارة إليها في التاريخ، وهي أن السيد [أي المهدي] وُلد بعد سنتين من وفاة أبي الحسن!!!
وهذه الرواية تُخالف الروايات التي ذكرت أن ولادة المهدي وقعت في سنة 254 أو 255 أو 257 أو 258، ومنها الروايات التي نُقلت عن «حكيمة» عمة حضرة العسكري والتي ذكرت أن ولادته كانت سنة 255 أي بعد سنة من وفاة حضرة الهادي (ع)!
* الروايتان 31 و32- راويهما «مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ» الذي كان رجلاً مُرائياً ويروي المَجْلِسِيُّ ذاته أن «الشَّلْمَغَانِيُّ» ادعى النيابة فصدرت توقيعات عن الإمام بلعنه، وأنه أراد أن يشارك «الحسين بن رَوْح»[127] في أخذ الأموال الشـرعية فلعنه «الحسين بن رَوْح» أيضاً. كان هذا «الشَّلْمَغَانِيُّ» من العلماء ومؤلفي كتب الشيعة ولكنهم لما لم يعطوه وكالةً ولا رئاسة ظهر على حقيقته وَبَدَا رياؤه. فإذا عرفنا ذلك فقد رُويت هاتان الروايتان عن هذا الشخص عن شخص مجهول آخر عن الإمام العسكري أن الإمام أرسل له شاتين عقيقةً وأمره بأن يأكل منهما ويُطعم الآخرين، ثم يقول: ولكن لما التقيت بالإمام العسكري لم يقل لي شيئاً عن ابنه!! ولا ندري ما هو المقصود من ذكر هذا الحديث وماذا يُريد المجلسـي أن يُثبت بهذه الرواية الضعيفة المُبهمة؟
* الرواية 33- من رجال سنده «الْخَشَّاب» وهو مهملٌ ومجهولٌ. وأما متن حديثه فيقول: "إِنَّمَا مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ كُلَّ مَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ حَتَّى إِذَا مَدَدْتُمْ إِلَيْهِ حَوَاجِبَكُمْ وأَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَذَهَبَ بِهِ......!!". وعلينا أن نسأل ما هي علاقة هذا الحديث بالمهدي؟!
* الرواية 34- مرويٌّ عن «مُنَجِّمٍ يَهُودِيٍّ بِقُمَّ» (؟!!)، وكلنا يعلم أن اليهود أعداء الإسلام فأيُّ فائدة نرجوها من رواية يهودي؟!! إضافة إلى ذلك فقد روى الشيعة أنفسهم نهي النبيّ ص عن تصديق العرَّافين والمُنجِّمين وأن من أتى عرافاً فصدقه فقد كفر[128]. فهل يمكن اعتبار مثل هذه الروايات سنداً وحُجَّة؟!!
* الروايات 35 و36 و37- الرواية 35 رواها صاحب «كشف الغمَّة»[129] الذي عاش بعد قرون من زمن حضرة الإمام العسكري، وروى عن شخص مجهول أن الحُجَّة بن الحسن وُلد في 23 رمضان سنة 258 هـ في «سُرّ من رأى». ولكن قراء مراثي العزاء في إيران يروون ما يُخالف ذلك بعد مضـي سنوات عديدة على ذلك! وليت شعري ما فائدة هذه الرواية؟ ومثلها الرواية 36 المنقولة عن كتاب «الإرشاد» للشيخ المفيد مع أنه كتاب [تاريخي] أخباره ذات موثوقية ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها، إضافةً إلى أن الشيخ المفيد مُتأخِّر عن الإمام العسكري بقرنين من الزمن![130] فهل تقوم الحُجَّة بالنقل عن مثل تلك الكتب؟! بالطبع لا، إلا أن نقول إن كل ما ذُكر في كتب التاريخ فهو حُجَّة دينية!
* الرواية 37 ينقلها المَجْلِسِيُّ أيضاً عن «كَشْف الغمَّة» ثم يُعقِّبُ بذكر حديث يرويه عن كذاب يُدعى «سهل بن زياد» يتضمَّن أموراً غريبةً تُخالف العقل والقرآن من جملتها قوله: "إِذَا وُلِدَ [أي الإمام القائم] قَامَ بِأَمْرِ اللهِ، ورُفِعَ لَهُ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَنْظُرُ فِيهِ إِلَى الْخَلَائِقِ وَأَعْمَالِهِم"!!
يقول كاتب هذه السطور: لماذا لم يظهر عمود النور هذا لرسول الله ص؟ ولماذا لم يكن لرسول الله ص أي علم بأعمال الناس بل لم يكن يعلم حتى بأعمال جيرانه؟ ثم أليس اللهُ ستَّاراً للعيوب فلا يُظهر أعمال الناس للآخرين؟!![131]
هنا ينقل المَجْلِسِيُّ عن «حكيمة» قولها أنه لما حانت ليلة ولادة «نرجِس» للإمام القائم ".... فَتَأَمَّلْتُهَا فَلَمْ أَرَ فِيهَا أَثَرَ الْحَمْلِ! فَقُلْتُ لِسَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ [أي الإمام العسكري] (ع) مَا أَرَى بِهَا حَمْلًا؟ فَتَبَسَّمَ (ع) ثُمَّ قَالَ: "إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَوْصِيَاءِ لَسْنَا نُحْمَلُ فِي الْبُطُونِ وَإِنَّمَا نُحْمَلُ فِي الْجَنْبِ، وَلَا نَخْرُجُ مِنَ الْأَرْحَامِ وَإِنَّمَا نَخْرُجُ مِنَ الْفَخِذِ الْأَيْمَنِ مِنْ أُمَّهَاتِنَا لِأَنَّنَا نُورُ اللهِ الَّذِي لَا تَنَالُهُ الدَّانِسَات"!!!
ليت شعري! هل حُمِلَ برسول الله ص وحضرة عَلِيٍّ وحضرات الحسنين -عليهم السلام- في جنوب أمهاتهم ثم وُلدنَ من أفخاذهن اليُمنى؟! ألم يكونوا بشراً كسائر البشر من بني آدم؟! وهل تثبت حُجَّة بكتابة مثل هذه الخرافات؟
والخلاصة أننا لم نصل بعد إلى أي شيء في هذا الباب، فكل رواياته ضعيفة ورواته مجهولون أو فاسدو العقيدة. فلنبدأ بدراسة روايات الباب التالي.
[127] ثالث السفراء الأربعة المتتالين للمهدي المنتظر خلال غيبته الصغرى حسب عقيدة الإمامية. (المُتَرْجِمُ) [128] رواه الشيخ الصدوق في الأمالي فِي مَنَاهِي النَّبِيِّ ص أَنَّهُ نَهَى عَنْ إِتْيَانِ العَرَّافِ وَقَال مَنْ أَتَاهُ فَصَدَّقَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِل عَلى مُحَمَّدٍ ص. [بحار الأنوار، ج 76، ص 213]. (المُتَرْجِمُ) [129] هو أبو الحسن على بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي من علماء الإمامية البارزين في القرن السابع الهجري، أكمل كتابه هذا عام 687 هـ ، وتوفي في بغداد عام 693 هـ ، ودفن فيها. وأشهر كتبه هو كتابه المشار إليه: «كشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام». (المُتَرْجِمُ) [130] حول كتاب «الإرشاد» للشيخ المفيد راجعوا ما ذكرناه في التنقيح الثاني لكتابنا «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، الصفحات من 386 إلى 387. و التنقيح الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول». [131] راجعوا حول هذا الموضوع ما ذكرناه في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 130 إلى 148، والصفحات 198 إلى 201، والصفحتين 338- 339، و569-570.
* الرواية 1- مروية عن أكذب الخلق «مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ الْعَمِّيِّ»[132] وهو يرويه بواسطة واحدة «عمّن ذكره» دون أن يُبيِّن اسم هذا الذي ذكره ولا هويته!! وينسب إلى الإمام الباقر قوله: "لَمَّا قُتِلَ جَدِّيَ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ضَجَّتِ المَلَائِكَةُ إِلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ بِالْبُكَاءِ والنَّحِيبِ وقَالُوا إِلَهَنَا وسَيِّدَنَا أَتَغْفَلُ عَمَّنْ قَتَلَ صَفْوَتَكَ"؟! ولنا أن نسأل: إن هذا الكلام – ضجيج الملائكة وخطابهم لِـلَّهِ وما قاله الله لهم..الخ -كله من الأمور الغيبية ولا يمكن لأحد أن يعلمها إلا من طريق الوحي، فهل كان يُوحى إلى الإمام الباقر (ع)؟؟ كيف وقد قال الإمام عليٌّ (ع) في نهج البلاغة «خَتَم به [أي بالنبي ص] الوحيَ؟!» (راجعوا «بحار الأنوار»، الحديث الثامن من الباب 6، ج 51، ص 68).
* الرواية 2- عن «الحسن بن علي الكوفي» مجهول الحال عن مجهول آخر وهو عن مجهول ثالث عن «عمرو بن شمر» الضعيف جداً. بالله عليكم لاحظوا هذا السند: مجهولٌ عن مجهولٍ عن ضعيفٍ! ألم يكن لمُدَوِّني تلك الروايات عَمَلٌ أكثر فائدةً من جمع هذه القصص؟! وأما متن الرواية فجاء فيه: "وَتُجْمَعُ إِلَيْهِ أَمْوَالُ الدُّنْيَا كُلُّهَا مَا فِي بَطْنِ الْأَرْضِ وَظَهْرِهَا فَيَقُولُ لِلنَّاسِ تَعَالَوْا إِلَى مَا قَطَعْتُمْ فِيهِ الْأَرْحَامَ وَسَفَكْتُمْ فِيهِ الدِّمَاءَ ورَكِبْتُمْ فِيهِ مَحَارِمَ الله فَيُعْطِي شَيْئاً لَمْ يُعْطِ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ" (أي أن عطاءه ليس له نظام ولا حساب؟!). وينبغي أن نقول: أجل يمكن للرواة أن يخترعوا ما يريدونه، ومن الواضح أن هذه الروايات كُتِبَت لتطميع الناس. (فَتَأَمَّل).
* الرواية 3- منقولةٌ من كتاب «معالم الأخبار»، وتقول: "سُمِّيَ الْقَائِمُ (ع) قَائِماً لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَوْتِ ذِكْرِهِ". فيجب أن نسأل ما الفائدة من هذا الكلام؟ وما الذي يُثبته؟ ومن هو قائله أساساً؟؟ وبناءً على هذا الحديث يجب على المهدي أن يقوم الآن لأن إيران أصبحت مملوءة من ذكره!!
* الرواية 4- عن «ابْنِ عُبْدُوسٍ» مجهول الحال وهو عن مجهول آخر عن مجهول ثالث عن مجهول رابع عن الإمام الرضا (ع) أنه لما سُئِلَ: فَمَنِ الْإِمَامُ بَعْدَ الـْحَسَنِ؟ فَبَكَى (ع) بُكَاءً شَدِيداً! [السند والمتن غنيان عن التعليق!]
* الرواية 5- حديث مرفوع وَمِنْ ثَمَّ فهو حديث ضعيف لا اعتبار له، وقد رواه الكُلَيْنِيّ ويقول: إن الإمام سمَّى أباه «مؤمّل»!!
* الرواية 6- راويها «عَبْدُ اللهِ بْنُ الْقَاسِمِ الحَضْـرَمِيِّ» الضعيف. جاء في هذه الرواية أن القائم "يقوم بعد ما يموت"! أي أن ذلك يُطابق عقيدة الفرقة التي ذُكرت في الصفحات 186 و222 و223 من المجلد 51 من البحار، وأشرنا إليها في الرقم 2 في الصفحة 60 من الكتاب الحاضر. ولكن المَجْلِسِيّ ادَّعى -دون دليل - أن المراد أن الناس يظنون أنه مات، أو المراد أن ذكره قد مات! ولا ندري ماذا كان يتوجَّب على القائل أن يقوله حتى لا يخترع المَجْلِسِيّ من عند نفسه تأويلاً آخر لكلامه!
* الرواية 7- منقولة عن كتاب «الإرشاد» للشيخ المفيد، وقد عرفنا قيمته.
* الرواية 8- منقولة عن كتاب «فرات بن إبراهيم» المشهور بالخرافات وراويها مجهول لم يُبيِّن لنا الرواة الذين نقل عنهم، ويروي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: إن آية ﴿وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا ٣٣﴾ [الإسراء: ٣٣] نزلت في الإمام الحسين عليه السلام، و«المنصور» أحد أسماء القائم!! أفلم يوجد من يقول لأولئك الرواة الكذبة أن هذه السورة مكية وأنه لما نزلت تلك الآية لم يكن الإمام الحسين (ع) مظلوماً لسبب بسيط وهو أنه لم يكن موجوداً إذْ لم يكن قد وُلد بعد! وآيات القرآن التشريعية القانونية لا تختصُّ بأشخاص مُعيَّنين. ثم هل تعتقدون أن القائم سيُسرف في القتل حتى قالت الآية عنه «فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ»؟!
* الرواية 9- رواها مؤلف كتاب «كشف الغمة» الذي عاش في القرن السابع[133]، عن أناس مجهولين أن كنية المهدي هي «أبو القاسم» وأن له اسمان، ولا نعلم ما هو مُستنده في ذلك.
تلك أحاديث هذا الباب وهي كما لاحظنا لا تفيد شيئاً ولا تُبيِّن لنا مجهولاً.
[132] قال عنه ابن داود الحليّ في رجاله: "محمد بن جمهور أبو عبد الله العمي: ضعيف الحديث فاسد المذهب..... قيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها.... عربي بصري غال. [غض] غال فاسد الحديث، رأيت له شعراً يحلل فيه حرمات الله تعالى". رجال ابن داود، طهران، انتشارات دانشگاه، 1383هجري شمسي، ص 502. (المُتَرْجِمُ) [133] سبقت ترجمته قبل صفحات وأنه من علماء الإمامية في القرن السابع وتوفي 693 هـ . (المُتَرْجِمُ)
* الرواية 1- رواها الكذَّاب المشهور «محمد بن سنان» عن «أبي خالد الكابلي» أنه سأل الإمام الباقر (ع): "جُعِلْتُ فِدَاكَ! قَدْ وَصَفَ لِي أَبُوكَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ بِصِفَةٍ لَوْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ لَأَخَذْتُ بِيَدِهِ. قَالَ: فَتُرِيدُ مَاذَا يَا أبَا خَالِدٍ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُسَمِّيَهُ لِي حَتَّى أَعْرِفَهُ بِاسْمِهِ! فَقَالَ: سَأَلْتَنِي وَالله يَا أبَا خَالِدٍ عَنْ سُؤَالٍ مُجْهِدٍ...".
وينبغي أن نقول: أولاً: من الواضح أن أغلب رواة أمثال هذه الروايات كانوا أشخاصاً بُسطاء وأميين وضعيفي التفكير، فما معنى السؤال عن اسم صاحب الأمر وصفته ؟ إذا كان يُقصد بصاحب الأمر المهدي فإنه لم يكن له وجود زمن الإمام الباقر، فما الفائدة من السؤال عن صفته؟ هل يريد السائل أن يعرفه حتى إذا صادفه في الطريق يأخذ بيده؟!
ثانياً: الرواية تذكر أن الإمام أجاب السائل قائلاً: سَأَلْتَنِي وَالله يَا أبَا خَالِدٍ عَنْ سُؤَالٍ مُجْهِدٍ!...، أفلم يقل له السائل: بل إنه أمر بسيط جداً وسؤال في غاية السهولة، فأين صعوبته؟ هل هو معادلات هندسية؟! لاحظوا متن الرواية، لا السؤال فيها معقول ولا الجواب. ولكن علماء الشيعة يُسَرُّون بمثل هذا الكلام ويشغلون الناس بمثل هذه الأحاديث المهملة.
* الرواية 2- عن رجل مجهول عن «أبي هاشم الجعفري».[134] وأبو هاشم هذا رجل مضطرب الحديث نجد في رواياته تناقضات كثيرة. ففي الكافي (الباب 133[135]، الحديث 2) يروي أنه سأل حضرة الإمام العسكري (ع): "يَا سَيِّدِي! هَلْ لَكَ وَلَدٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ فَأَيْنَ أَسْأَلُ عَنْهُ؟ قَالَ بِالْمَدِينةِ.". ولم يقل له: إنك لن تراه. ولكن في هذا الحديث (الكافي، الباب 132،[136]الحديث 13 والباب 135، الحديث 1) قال: «إنكم لا ترون شخصه، ولايحلُّ لكم ذكره باسمه»! فلنا أن نسأل: لماذا لا يحلُّ ذكره باسمه؟ إذا كان السبب هو الخوف، فلم يكن في زمن أبي هاشم أيُّ خوف على من يذكر اسم المهدي. هنا يقول المجلسي أنه قد صُرِّح باسمه في خبر اللوح! فينبغي أن نقول: إن خبر اللوح كذب من أساسه، وقد أثبت أخونا الفاضل الأستاذ «قلمداران» رحمه الله في كتابه الشريف «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص167 فما بعد) عدم صحة هذا الحديث وأنه حديث موضوع كما عدَّدْنا في التنقيح الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 862 فما بعد)[137] عدداً من الدلائل على كذب حديث لوح جابر. فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.
وباختصار أورد المَجْلِسِيُّ في هذا الباب 13 روايةً تنصُّ كلُّها على أنه لا يجوز ذكر المهدي باسمه، وأن ذكر اسمه حرام وأن من يذكره باسمه ملعون وكافر. ورغم ذلك نجده في الصفحة 290 من المجلد 52 من البحار، باب «يوم خروجه وما يحدث عنده» يذكر الحديث 33 ويروي فيه عن رسول الله ص أنه ذكر اسم القائم!! وإذا تجرأ شخص ولم يخشَ من أذى مُروِّجي هذه الأحاديث وهتكهم لحُرمته وسألهم: لماذا كان ذكر اسمه مُحرَّماً؟ هل هذا التحريم مِنَ الله؟ وما الدليل عليه؟!
وثانياً: هل هكذا تكون حُجَّةُ الله، لا يستطيع أحد أن يذكر اسمه ولا يرى شخصه؟! وما فائدة مثل هذا الحُجَّة والهادي؟ ينبغي أن نقول: ﴿فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٤٤﴾ [الانعام: ١٤٤].
ثم إذا كان ذكر الاسم حراماً أمام الأعداء خوفاً من أذاهم فما وجه حُرمته أمام الأصدقاء؟! وإذا كان ذكر اسمه حراماً فلماذا ذكر الأئمةُ السابقون اسمه في رواياتهم مثل حديث لوح جابر؟! ومن العجيب ما جاء في الرواية 13 من أن عُمَرَ سَأَلَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ علياً (ع) عَنِ المَهْدِيِّ قائلاً: "يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ! أَخْبِرْنِي عَنِ الْمَهْدِيِّ مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: أَمَّا اسْمُهُ فَلَا! إِنَّ حَبِيبِي وَخَلِيلِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أُحَدِّثَ بِاسْمِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ!...". هذا رغم أنّه: أولاً: اللهُ لا يبعث الأئمَّة فالبعثة مُختصَّة بالرسل، وثانياً: ليس في دين الإسلام أمورٌ سرِّيَّةٌ يقولها رسول الله ص لبعض أصحابه ويكتمها عن بعضهم الآخر، بل لقد أبلغهم جميعاً على حدٍّ سواء كما جاء في قوله تعالى لِنِبِيِّهِ ص: ﴿فَقُلۡ ءَاذَنتُكُمۡ عَلَىٰ سَوَآءٖ﴾ [الأنبياء: ١٠٩] وقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ﴾[النور:54، العنكبوت: 18].
[134] راجعوا ما ذُكر عن هذا الراوي في كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 255 إلى261) وفي التنقيح الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص125 إلى 129، وص 667 إلى 668. [135] أي باب الإشارة والنص إلى صاحب الدار (ع). (المُتَرْجِمُ). [136] أي باب الإشارة والنص على أبي محمد (ع). (المُتَرْجِمُ). [137] أي باب رقم 183: مَا جَاءَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَالنَّصِّ عَلَيْهِمْ (ع). (المُتَرْجِمُ)
* الرواية 1: رواها «مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَغْدَادِيُّ» مجهول الحال عن «أَحْمَدَ بْنِ الْفَضْلِ» الفاسق عن «بَكْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَصْرِيِّ» مجهول الحال أيضاً، هؤلاء المجاهيل روى بعضهم عن بعض عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "لَا يَكُونُ الْقَائِمُ إِلَّا إِمَامَ بْنَ إِمَامٍ..". ولكنه لم يذكر شيئاً حول إثبات ابنٍ لحضرة العسكري (ع).
* الرواية 2: روى «الْعَبَّاسُ بْنُ عَامِرٍ» المجهول عن «مُوسَى بْنِ هِلَالٍ الضَّبِّيِّ» حديثاً مُهْمَلاً ينسب إلى الإمام أبي جعفر الباقر ÷ [139] أنه قال: "...... واللهِ مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ! [فقال الراوي] قُلْتُ: فَمَنْ صَاحِبُنَا؟ قَالَ: انْظُرُوا مَنْ تَخْفَى عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُهُ فَهُوَ صَاحِبُكُمْ".
قلتُ: ولكن الشيعة تدَّعي أنها تعرف ولادته وقد أوردوا أخباراً في كتبهم حول ولادته؛ إذن كل تلك الأخبار كاذبة بناء على قول الإمام الباقر (ع) [في هذه الرواية].
* الرواية 2[140]: رواها «أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ» - وهو من الغُلاة ـ عن مجهول يُدعى «مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ المُقْرِيّ» عن فاسقٍ يُدعى «عَلِيّ بْنُ الْعَبَّاسِ» عن مجهول ثانٍ باسم «بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ» عن مجهول ثالث باسم «الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ» عن مجهول رابع باسم «سُفْيَانَ الْجَرِيرِيِّ» أنه قال: قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى – وهو ضعيف في رأي الممقاني – يَقُولُ: واللهِ لَا يَكُونُ المَهْدِيُّ أَبَداً إِلَّا مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ (ع).
الرواية 3: بالإسناد ذاته عن مجهول عن مجهول آخر عن مجهول ثالث [حسب قول الممقاني] عن «زيد بن علي» (ع) أنه قال: «المُنْتَظَرُ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي ذُرِّيَّةِ الحُسَيْنِ».
فأقولُ: نعم، ولكن «زيد بن علي بن الحسين» -رحمه الله - كان يعتبر نفسه إماماً وكان يقول: "لَيْسَ الْإِمَامُ مِنَّا مَنْ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَأَرْخَى سِتْرَهُ وَثَبَّطَ عَنِ الْجِهَادِ، وَلَكِنَّ الْإِمَامَ مِنَّا مَنْ مَنَعَ حَوْزَتَهُ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَدَفَعَ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَذَبَّ عَنْ حَرِيمِهِ"[141]، ولم يكن يعتقد بإمامة أخيه الإمام الباقر (ع)، فمن المضحك حقاً أن يستدل الشيخ الطوسي والمجلسيُّ بكلام منسوب إليه على مهديِّهما الموهوم!!
وفي هذه الرواية نسب الرواة الكذبة إلى الإمام زيد -رضوان الله عليه- أن المقصود من كلمة «مظلوماً» في الآية 33 من سورة الإسراء هو الإمام الحسين (ع)، وأن المقصود مِن «وليِّه» رجلٌّ من ذريَّتِهِ، بدليل أن الله تعالى قال: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ﴾ [الزخرف: ٢٨]، ولم يُدرك أولئك الكذَّابون أن سورتَيْ الإسراء والزخرف مكيَّتان، ولم يكن والدا حضرة سيد الشهداء (ع) قد تزوجا بعد في ذلك الحين، فكيف تنزل آية بشأن ابنهما الإمام الحسين الذي لم يُخلق بعد!
* الرواية 4: رواها «الْأَسَدِيُّ» الغالي عن «الْبَرْمَكِيِّ» الغالي أيضاً عن كذَّاب ملعون يُدعى «مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ» عن ملعون آخر يُدعى «أبو الجَارُود» عن عليٍّ عليه السلام أنه روى من على المنبر حديثاً - هو من وضع الرواة بلا ريب-. يقول الحديث: "يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَبْيَضُ مُشْـرَبٌ حُمْرَةً مُبْدَحُ الْبَطْنِ عَرِيضُ الْفَخِذَيْنِ عَظِيمٌ مُشَاشُ المَنْكِبَيْنِ.... الخ".
قلتُ: هذه الأوصاف يُمكن أن تنطبق على آلاف الأشخاص، فما فائدة هذا النقل وأي أصل للدين أو فرع يثبت به؟ لا شيء بالطبع. في هذه الرواية، وبعد أن يذكر أوصاف الخارج وأنَّه يفعل كذا وكذا، يقول الإمام: «فَإِذَا هَزَّ رَايَتَهُ أَضَاءَ لَهَا مَا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ ووَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُءُوسِ الْعِبَادِ فَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ إِلَّا صَارَ قَلْبُهُ أَشَدَّ مِنْ زُبَرِ الْحَدِيدِ وأَعْطَاهُ اللهُ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلاً ولَا يَبْقَى مَيِّتٌ إِلَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْفَرْحَةُ فِي قَلْبِهِ وفِي قَبْرِهِ وهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورِهِمْ ويَتَبَاشَرُونَ بِقِيَامِ الْقَائِمِ (ع)»!!
أقول: لكن الحقيقة أن أرواح الموتى ليست داخل قبورهم بل هي في عالَم البرزخ ولا علم لها بما يجري في العالَم الفاني!!
* الرواية 5: مُهْمَلَةٌ أكثر من جميع الروايات التي سبقتها لأن رواتها المجاهيل جميعاً نقلوا عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: «إِنَّ الْعِلْمَ بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ ص يَنْبُتُ فِي قَلْبِ مَهْدِيِّنَا كَمَا يَنْبُتُ الزَّرْعُ عَنْ أَحْسَنِ نَبَاتِهِ فَمَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ حَتَّى يَلْقَاهُ فَلْيَقُلْ حِينَ يَرَاهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ الرَّحْمَةِ والنُّبُوَّةِ ومَعْدِنَ الْعِلْمِ ومَوْضِعَ الرِّسَالَةِ. ورُوِيَ أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى الْقَائِمِ (ع) أَنْ يُقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللهِ فِي أَرْضِهِ»!!
أقول: العلم علمان: إما وهبي عن طريق الوحي أو اكتسابي عن طريق التعلُّم، فيا تُرى أي نوع من العلم هذا الذي يَنْـبُتُ فِي قَلْبِ مَهْدِيِّنَا كَمَا يَنْبـُتُ الزَّرْعُ؟!! وثانياً: هل كان أصحاب الباقر يتوقعون لقاء المهدي الذي لم يكن قد وُلد بعد؟ وثالثاً: ما معنى «بقية الله»؟ وهل لِـلَّهِ تعالى أجزاء وبقايا؟؟[142] لقد نسبوا إلى الإمام كُلَّما هوته أنفسُهم، ولما كان معظمهم أُمِّيين فلا عجب من روايتهم مثل هذه الأمور غير المعقولة.
* الرواية 6: تكرارٌ للرواية 13 التي جاءت في الباب السابق، فما هو المقصود من تكرار هذه الأخبار سوى تضييع الوقت!!
* الرواية 7: هي الرواية الثانية من هذا الباب ذاته والتي بيَّنَّا أنه لا اعتبار لها، حيث تنسب إلى الإمام الباقر أنه بعد قوله: «لَا واللهِ مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ» قال: «ولَا يُشَارُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا بِالْأَصَابِعِ، ويُمَطُّ إِلَيْهِ بِالْحَوَاجِبِ، إِلَّا مَاتَ قَتِيلًا أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ...».
قلتُ: فهل هذا يُعَدُّ حديثاً؟! لا أدري كيف يكرِّرُ المجلسيُّ مثل هذه الخرافات؟!
* الرواية 8: هذه الرواية مخالفة لمذهب الشيعة الإمامية الذين يحصرون «أولي الأمر» باثني عشر إماماً ويعتبرون كل واحد منهم «صاحب الأمر» ولكن هنا يقول الراوي للإمام الرضا (ع): «إِنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ» فينفي الإمام ذلك عن نفسه ويقول: «مَا مِنَّا أَحَدٌ اخْتَلَفَ الْكُتُبُ إِلَيْهِ وأُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ وسُئِلَ عَنِ الْمَسَائِلِ وحُمِلَتْ إِلَيْهِ الْأَمْوَالُ إِلَّا اغْتِيلَ أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ لِهَذَا الْأَمْرِ غُلَاماً مِنَّا خَفِيَّ الْمَوْلِدِ».
قلتُ: قول الرضا (ع): «إِلَّا اغْتِيلَ أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» مخالفٌ للمشهور لدى الشيعة الذين يروون أن الأئمة قالوا: «مَا مِنَّا إِلَّا مَقْتُولٌ أَوْ مَسْمُومٌ»[143]، فكيف لم ينتبه المجلسيُّ إلى هذا التناقض؟
* الرواية 9: رواها «عَبْدُ اللهُ بْنُ مُوسَى» مجهول الحال والمذهب عن مجهول آخر باسم «عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حُصَيْنٍ الثَّعْلَبِيِّ» عن أبيه المجهول أيضاً قال: «لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (ع) فَقُلْتُ لَهُ:.... مَتَى الْفَرَجُ؟ فَقَالَ: إِنَّ الشَّرِيدَ الطَّرِيدَ الْفَرِيدَ الْوَحِيدَ الْفَرْدَ مِنْ أَهْلِهِ المَوْتُورَ بِوَالِدِهِ المُكَنَّى بِعَمِّهِ هُوَ صَاحِبُ الرَّايَاتِ واسْمُهُ اسْمُ نَبِيٍّ»[144].
قلتُ: فلينظر القارئ: هل تُفيد هذه الرواية علماً أو تحلُّ لنا مشكلةً؟ كلا والله!
* الروايتان 10 و11: عدد من الضعفاء والمجاهيل رووا الرواية التاسعة ذاتها بعضهم عن بعض!! ولم يدروا أن اجتماع آلاف الأصفار لا يُشكِّل عدداً!
* الرواية 12: يرويها [عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاصِلَةَ] أنه قال: «إن مطلوبكم يخرج من مكة»!
قلتُ: هذه الرواية لا تُفيد شيئاً فكم من الأشخاص خرجوا من مكة؟! فليس في هذه الصفة أي خصوصية أو تميُّز، لاسيما أن الرواية لم تُبَيِّن اسم الخارج ولا وصفه بل تركته مُبهماً. فمثلاً محمد بن الإمام جعفر الصادق (ع) خرج من مكة مُدَّعِياً الإمامة فقُتل.
* الرواية 13: من رواتها «أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ» الخبيث الملعون. ومتنها: «إِذَا تَوَالَتْ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ مُحَمَّدٌ وعَلِيٌّ والْحَسَنُ كَانَ رَابِعُهُمُ الْقَائِمَ (ع)».
قلتُ: هل يمكننا قبول خبر مثل ذلك الراوي الذي لعنه الإمام؟
* الرواية 14: رواها «مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ المَدِينِي» مجهول الحال عن «دَاوُدَ الرَّقِّيِّ» من الغُلاة، أن الإمام الصادق (ع) قال له: «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ آيَسُ مَا يَكُونُ وأَشَدُّ غَمّاً يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِ الْقَائِمِ واسْمِ أَبِيهِ. فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: اسْمُهُ اسْمُ نَبِيٍّ واسْمِ أَبِيهِ اسْمُ وَصِيٍّ». قلتُ: هذه الرواية إضافة إلى إحالتها إلى شخص مجهول، تخالف ما روي عن رسول الله ص من قوله عن المهدي: «اسم أبيه اسم أبي»!
* الروايات 15 و27 و29: رواها «عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ» مجهول الحال وعدد آخر من الكذَّابين الملعونين أن الإمام الباقر (ع) حدَّثهم بأسلوب الألغاز والأحاجي فقال: «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ أَصْغَرُنَا سِنّاً وأَخْمَلُنَا شَخْصاً! قُلْتُ: مَتَى يَكُونُ؟؟ قَالَ: إِذَا سَارَتِ الرُّكْبَانُ بِبَيْعَةِ الْغُلَامِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُ كُلُّ ذِي صِيصِيَةٍ لِوَاءً»! وقد علَّق المجلسيُّ على الحديث فقال:
«بيانٌ: أصغرنا سنَّاً أي عند الإمامة. قوله: سارت الركبان أي انتشرت الرواية في الآفاق بأن بويع الغلام أي القائم (ع). والصِيْصِيَةُ: شوكةُ الديك وقرنُ البقر والضباء والحصنُ وكلُّ ما امتُنِعَ به، وهنا كنايةٌ عن القوة والصولة». يعني أنه فكَّ اللغز الذي ذكره الإمام، فإذا تساءلنا فما الفائدة من التحديث بذلك الشكل المُلغِز؟ ربما أجابوا: وما يخصُّك أنتَ من هذا؟! ويجب أن نقول لهؤلاء الرواة: ما الفائدة من هذا الكلام المُبهم المجهول؟ إن هناك آلاف الأشخاص يتَّصفون بهذه الصفات التي تذكرها الرواية! وهل تُفيد هذه الأقوال إلا تمهيد الأرضية للفتن المختلفة؟
* الروايتان 16 و17: رواها عدد من الضعفاء والمجاهيل ومتنها يقول: «يَقُومُ الْقَائِمُ ولَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِأَحَدٍ». قلت: أكثر الناس تنطبق عليهم هذه الصفة فهل هذه الصفة علامة مُميّزة؟!!
* الرواية 18: سأل: «شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ» ـ المجهول ـ الإمامَ الصادقَ (ع): «أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ؟ فقال: لَا! قُلْتُ فَوَلَدُ وَلَدِكَ؟ قَالَ: لَا! قُلْتُ: فَوَلَدُ وَلَدِ وَلَدِكَ؟ قَالَ: لَا!. قُلْتُ: فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: الَّذِي يَمْلَأُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً لَعَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ يَأْتِي كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ ص بُعِثَ عَلَى فَتْرَة». قلتُ: فهل يجرؤ أحدنا أن يسأل: نحن منذ أكثر من ألف عام في فترة من الأئمة فأين الإمام الموعود ولماذا لم يأتِ إلى الآن؟ وهذه الرواية هي الحديث 21 من الباب 137 من الكافي الذي اعتبره المَجْلِسِيّ في مرآة العقول مجهولاً، وجاء في الكافي «شُعيبٌ عن أبي حمزة» بدلاً من «شُعيب بن أبي حمزة».
* الرواية 19: رواها «عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى» عَنْ «بَعْضِ رِجَالِهِ» [من هم هؤلاء الرجال؟ وما حالهم وما صفتهم؟ لا أحد يدري!] عَنْ «إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ظُهَيْرٍ» مجهول الحال عن مجهول آخر يُدْعَى «إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ». فبالله عليكم هل هذا يُسَمَّى سنداً؟؟
وأما متنه ففيه: «نَظَرَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ إِلَى الْحُسَيْنِ (ع) فَقَالَ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ ص سَيِّداً وسَيُخْرِجُ اللهُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلًا بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ والْخُلُقِ يَخْرُجُ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنَ النَّاسِ وإِمَاتَةٍ لِلْحَقِّ وإِظْهَارٍ لِلْجَوْرِ واللهِ لَو لَمْ يَخْرُجْ لَضُرِبَتْ عُنُقُهُ... الحديث».
قلتُ: ما معنى لَو لَمْ يَخْرُجْ لَضُـرِبَتْ عُنُقُهُ؟ ولماذا تُضـْرَبُ عُنُقُه؟ ومن الذي سيضرب عُنُقَه؟ ولماذا أقسم الإمام على ذلك؟ أسئلةٌ لعل إجابتها في بطن الراوي الوضَّاع!
* الروايتان 20 و21: شخصٌ مجهولٌ باسم «أحمد بن هوذة» يروي أن شخصاً يُدْعى «حمران» قال للإمام الباقر: «سَأَلْتُكَ بِقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ والْقَائِمُ بِهِ؟؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَمَنْ هُوَ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي؟ فَقَالَ: ذَاكَ المُشْرَبُ حُمْرَةً الْغَائِرُ الْعَيْنَيْنِ الْمُشَرَّفُ الْحَاجِبَيْنِ عَرِيضٌ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ... الحديث».
قلت: فينبغي أن نسأل المجلسيّ وغيره مِـمَّن روى هذه الرواية: أولاً: هذه الرواية مناقضة لعقيدتكم حيث تعتبرون كل واحد من الأئمة الاثني عشـر ولي الأمر وصاحب الأمر! وثانياً: صفات العينين والحاجبين والمنكبين المذكورة فيها للمهدي، يوجد نظيرها لدى كثير من الناس، فيا تُرى هل كلُّ من توفَّرت فيه هذه الأوصاف يكون صاحب الأمر؟!! والرواية 21: كسابقتها يرويها مجهول عن مجهول آخر فلا فائدة منها.
* الرواية 22: يرويها مجهولٌ باسم «الحسين بن أيوب» عن مجهول آخر حتى يصل السند «عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) أَوْ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع) -الشَّكُّ مِنِ ابْنِ عِصَامٍ (!!)-: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! بِالْقَائِمِ عَلَامَتَانِ شَامَةٌ فِي رَأْسِهِ ودَاءُ الْحَزَازِ بِرَأْسِهِ وشَامَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ تَحْتَ كَتِفَيْهِ وَرَقَةٌ مِثْلُ وَرَقَةِ الْآسِ ابْنُ سِتَّةٍ وابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ».
من الطريف أن المجلسيَّ يقول في شرحه: "...... مع أن بعض رواة تلك الأخبار من الواقفية ولا تُقبل رواياتهم فيما يوافق مذهبهم". فلا ينقضي العجب من المجلسيّ الذي يملأ كتابه من هذه الأخبار مع أنها من رواية الواقفة أي ممن لا يؤمنون بإحدى عشر إماماً فضلاً عن إيمانهم بالإمام [الثاني عشر] القائم الغائب!!
* الرواية 23: يرويها «مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ قَيْسٍ» مجهول الحال الذي لا نعلم شيئاً عن حاله وديانته، ومجهول آخر مثله باسم «أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ» ومجهول ثالثٌ أيضاً باسم «مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيِّ» إلى أن يصل إلى حضرة الإمام الباقر (ع) الذي يقول: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ يُوسُفَ مِنْ أَمَةٍ سَوْدَاءَ....» مع أن السيدة «نَرْجِس»، طبقاً لرواية المَجْلِسِيّ نفسه، كانت بيضاء وجميلة، وهناك روايات أخرى أيضاً تُكَذِّب هذه الرواية. ثم يقول المَجْلِسِيّ في تتمة الرواية: «يُصْلِحُ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ»!. بالله عليكم لاحظوا كيف يريدون بمثل هذه المُبهمات والعبارات المُجملة أن يفتحوا باب الفتنة للناس فيثور كلُّ يوم شخصٌ باسم المهدي وَيُسَبِّبُ قتالَ الناسِ بعضهم بعضاً.
* الرواية 25: رواها القاسم بن محمد مجهول الحال عن مجهول آخر باسم أبي الصباح أنه قال: دخلتُ على الإمام الصادق (ع) فقال: «مَا وَرَاءَكَ؟ فَقُلْتُ سُرُورٌ مِنْ عَمِّكَ زَيْدٍ، خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ سِتَّةٍ وأَنَّهُ قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وأَنَّهُ ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ! فَقَالَ: كَذَبَ لَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ، إِنْ خَرَجَ قُتِلَ».
قلتُ: لاحظوا مدى جهل هؤلاء الرواة بالتاريخ فهم لا يعلمون أن حضرة الإمام الصادق ÷ أثنى مراراً على عمِّه جناب «زيد بن علي»، ومع ذلك ينسبون إلى الإمام الصادق هنا وصفه الإمام زيد بالكذَّاب!! وبغضِّ النظر عن هذه المسألة فإن جناب «زيد بن علي بن الحسين» -رحمه الله- كان بحقٍ رجلاً مُجاهداً جليلَ القدر ولم يكن يعتقد بعصمة الأئمة كما أن الأئمَّة الكرام -كما جاء في الأحاديث الموثوقة عنهم- لم يكونوا يعتبرون أنفسهم ولا أبناءهم معصومين. والمُلْفِتُ أن المَجْلِسِيّ قال في توضيحه لعبارة «ابن ستة» الواردة في هذه الرواية -دون أن ينتبه إلى هذه المسألة-: «بيانٌ: لعل زيداً أدخل الحسن (ع) في عداد الآباء مجازاً فإن العم قد يُسمَّى أباً، فمع فاطمة (ع) سِتَّةٌ من المعصومين»![145]
* الرواية 26: رواها مجهول باسم عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عن مجهول آخر باسم مُحَمَّدٍ أو أَحْمَدَ ابْنَي الْحَسَنِ عن أبيه -مجهول الحال أيضاً- عن مجهول آخر باسم «ثَعْلَبَةَ بْنِ مِهْرَانَ» عن مجهول آخر باسم «يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ». هذا سند الرواية أما متنها فليس في صالح مُخترعي الإمام ومسببي الفتن إذْ يقول الراوي يزيد بن حازم: «خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي: هَلْ صَاحَبَكَ أَحَدٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ صَحِبَنِي رَجُلٌ مِنَ المُعْتَزِلَةِ. قَالَ: فِيمَا كَانَ يَقُولُ؟ قُلْتُ: كَانَ يَزْعُمُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ يُرْجَى هُوَ الْقَائِمُ والدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اسْمَهُ اسْمُ النَّبِيِّ واسْمَ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي النَّبِيِّ. فَقُلْتُ لَهُ فِي الْجَوَابِ: إِنْ كُنْتَ تَأْخُذُ بِالْأَسْمَاءِ فَهُوَ ذَا فِي وُلْدِ الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيٍّ. فَقَالَ لِي: إِنَّ هَذَا ابْنُ أَمَةٍ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيٍّ وهَذَا ابْنُ مَهِيرَةٍ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ. فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع): فَمَا رَدَدْتَ عَلَيْهِ؟ قُلْتُ: مَا كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أَرُدُّ عَلَيْهِ! فَقَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ ابْنُ سِتَّةٍ يَعْنِي الْقَائِمَ (ع)».
اعلم أن هذه الرواية وضعها خصوم ومُنافسو جناب «محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب» -عليهم السلام- المُلقَّب بـ «النفس الزكية» وهي تُشابه الحديث 1 من الباب 96 من الكافي[146]. وليس من المعلوم لماذا يروي علماء الشيعة الاثني عشرية الذين يعتبرون أن المهدي هو ابن الإمام الحسن العسكري -أي ابن أحد عشر معصوماً (وليس ستَّة)- هذه الرواية؟!
وينبغي أن نعلم أنه قد نُسبت إلى النبيّ ص في كتب المسلمين أخبار وأحاديث يقول ص فيها: إن اسم المهدي اسمي واسم أبيه اسم أبي[147]. حتى أن مثل هذه الروايات قد ورد في كتب الشيعة أنفسهم أيضاً!! وقد طبَّق بعضهم هذه الأخبار على جناب النفس الزكية -رضوان الله عليه- الذي قام في المدينة وبايعه آلاف الأشخاص بمن فيهم أبناء حضرة الإمام الصادق ÷. وقد خرج على أبي جعفر المنصور الدوانيقي واستُشهد في هذا الخروج.
وإذا كان الأمر كذلك فلا ندري أيُّ غرض كان يرمي إليه المَجْلِسِيّ ونظائره من ذكر أمثال هذه الروايات وكيف يريدون أن يجعلوها منطبقةً على ابن حضرة العسكري[148].
* الرواية 27: رواها مجهولٌ باسم «علي بن أحمد» عن مجهول آخر باسم «عبد الله بن موسى» عن كذَّاب عن ملعون يدعى «أبي الجارود» أنه قال: «عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (ع) أَنَّهُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: الْأَمْرُ فِي أَصْغَرِنَا سِنّاً وأَخْمَلِنَا ذِكْراً».
قلت: أي فائدةٍ نُفيدُها من هذا الإجمال، والحال أن آلاف الأشخاص يمكن أن تنطبق عليهم هذه الصفات؟! وما فائدة هذه الأخبار سوى فتح باب الفتن؟![149]
* الرواية 28: رواها مجهول باسم «أَحْمَدَ بْنِ مَابُنْدَادَ» عن مجهول الحال آخر باسم «أَحْمَدَ بْنِ هُلَيْلٍ» عن مجهول ثالث! فهل هذا سندٌ؟؟ وينبغي أن نعلم أن أكثر الروايات التي تتحدث عن المهدي في تلك المجلدات الثلاثة التي أشرنا إليها من «بحار الأنوار» يرويها رواةٌ مجهولو الحال!! أما متن الرواية فإن الراوي لم يدرِ من أيِّ إمام سأل سؤاله هل سأل حضرة الصادق أم حضرة الباقر؟ وعلى كل حال فمتن الرواية يقول: "قُلْتُ لِأَحَدِهِمَا لِأَبِي عَبْدِ اللهِ أَوْ لِأَبِي جَعْفَرٍ (ع): أَيَكُونُ أَنْ يُفْضَى هَذَا الْأَمْرُ إِلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ؟ قَالَ سَيَكُونُ ذَلِكَ. قُلْتُ: فَمَا يَصْنَعُ؟ قَالَ: يُوَرِّثُهُ عِلْماً وكُتُباً ولَا يَكِلُهُ إِلَى نَفْسِهِ"!
وإني لأتساءل: هل يتوقَّع هؤلاء الرواة أن كلَّ شخص غير بالغ يُمكنه أن يثور باسم المهدي؟ وهل تُفيد مثل هذه الروايات سوى تهيئة الأرضية لحكم الأفراد غير البالغين وقليلي التجربة بين العوام وجعل العامَّة يَقْبَلُون حكمَ الجاهلين والسفَّاكين من أمثال «إسماعيل [الصفوي] القزلباشي» وأمثاله؟ من الضروري في هذا الموضع مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 658 إلى 667.
* الرواية 29: يرويها عدد من المجاهيل عن بعضهم بعضاً عن كذاب ملعون، ومتنها كمتن الرواية رقم 27[150].
* الرواية 30: رواها مجهول باسم «أَحْمَدَ بْنِ مَابُنْدَادَ» عن مهمل باسم «أَحْمَدَ بْنِ هُلَيْلٍ» عن مجهول آخر باسم «إِسْحَاقَ بْنِ صَبَّاحٍ» عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ هَذَا سَيُفْضَى إِلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ الْحَمْلُ". قلت: ألا يُحمل كل طفل صغير أيضاً؟! فهل هذا يُعدُّ جواباً؟!
* الرواية 31: يرويها صاحب «كشف الغمة» مرفوعاً إلى الإمام الرضا (ع) أنه قال: «الْخَلَفُ الصَّالِحُ مِنْ وُلْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وهُوَ صَاحِبُ الزَّمَانِ وهُوَ المَهْدِيُّ».
قلتُ: في متن الرواية عدّة إشكالات منها:
أولاً: أنه مرفوع [دون ذكر الوسائط]!
ثانياً: قوله: الخلف الصالح «مِنْ وُلْدِ» أبي محمد الحسن بن عل، فذكر الوُلْد بصيغة الجمع مع أن من المُتَّفَق عليه أن الإمام العسكري لم يكن له عدة أولاد، بل لم يُذكر عنه إلا ولدٌ واحدٌ فقط وهو مُختَلَفٌ فيه أيضاً [ودلائل عدم وجوده هي الأقوى والراجحة].
* الرواية 32: روى عددٌ من الضعفاء والمجروحين عن «المُـنَخَّلِ» الضعيف والغالي عن حضرة الباقر (ع) أنه قال: «الْمَهْدِيُّ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ وَهُوَ رَجُلٌ آدَمُ» أي أسمر اللون.
يحق للقارئ أن يتعجب ويتساءل: وهل قال أحد أن المهدي سيكون من الجن أم من الملائكة أم سيكون أحمر اللون أم زنجياً أسودَ حتى وصفه بأنه آدم!
* الرواية 33: هذه الرواية تُسبِّب الفتنة أكثر مما تُفيد المسلمين، إذْ جاء في كتاب «الفصول المهمَّة»[151] -الذي نُقلت عنه الرواية- قوله: «صِفَتُهُ (ع) شَابٌّ مَرْبُوعُ الْقَامَةِ حَسَنُ الْوَجْهِ والشَّعْرُ يَسِيلُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ أَقْنَى الْأَنْفِ أَجْلَى الْجَبْهَةِ قِيلَ إِنَّهُ غَابَ فِي السِّرْدَابِ والْحَرَسُ عَلَيْهِ وكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ وسَبْعِينَ ومِائَتَيْنِ»!
قلتُ: الصفات التي عدَّدتها هذه الرواية للمهدي يُمكن أن تنطبق على آلاف الناس. وثانياً: من أعطى صاحب «الفصول المهمة» الذي كان يعيش في القرن السابع الهجري الحقَّ بتعيين مهديٍّ لأمة الإسلام؟! وثالثاً: هذا الخبر يُناقض تلك الأخبار التي تقول إن المهدي غاب منذ ولادته. فيبدو أن أولئك المؤلفين ما كانوا يعبؤون كثيراً بالتناقضات والتعارضات فيما يروونه. فروايةٌ تقول: إنه غاب في السرداب سنة 255 هـ، وأخرى تقول: إنه غاب سنة 260 هـ، وكان غيابه منذ لحظة ولادته!، في حين تقول هذه الرواية إنه غاب سنة 276 هـ ! وأنهم لما أرادوا أن يصلوا صلاة الجنازة على جثمان أبيه الحسن العسكري (ع) ظهر المهدي ثم غاب من جديد!
[138] يُراجع التنقيح الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 860 إلى 864. [139] في كتاب المرحوم البرقعي نُسِبَت الرواية إلى الإمام الصادق (ع) وهو خطأ والصحيح ما أثبته في المتن من نسبة الحديث إلى الإمام الباقر (ع) كما جاء في أصل الحديث في «البحار» وغيره. (المُتَرْجِمُ) [140] هكذا ذكر المَجْلِسِيّ في «بحار الأنوار» ونحن مُضطرون لمتابعته في ترقيمه. (مع أن هذه الرواية هي الثالثة وليست الثانية). [141] الكليني، أصول الكافي، كتاب الحُجَّة، باب ما يفصل به بين دعوى.. ح 16، ج1، ص357. (المُتَرْجِمُ) [142] من المفيد جداً قراءة ما ذكرناه حول هذه الرواية في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 732 إلى ص733. [143] روى المَجْلِسِيّ في البحار - نقلاً عن كتاب كفاية الأثر - عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "خَطَبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) بَعْدَ قَتْلِ أَبِيهِ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: لَقَدْ حَدَّثَنِي حَبِيبِي جَدِّي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: إِنَّ الْأَمْرَ يَمْلِكُهُ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَصَفْوَتِهِ، مَا مِنَّا إِلَّا مَقْتُولٌ أَوْ مَسْمُومٌ" بحار الأنوار، ج 27، ص 217. (المُتَرْجِمُ) [144] في رأينا هذا الحديث هو من جملة أحاديث الرايات التي وُضعت على لسان الإمام الباقر. راجعوا ما ذكرناه في الكتاب الحاضر في بداية مبحث (مُقدِّمةٌ لقراءة أخبار المهدي)، ص135. [145] ما يريد المؤلف قوله هو: أن مفهوم العصمة من الأمور التي وضعتها الشيعة لاحقاً ولم يكن أي إمام يعتبر آباءه معصومين أو ينسب نفسه إلى أنه ابن عدد من المعصومين. (المُتَرْجِمُ) [146] من الضروري مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 544. [147] راجعوا الحديث الأول المذكور تحت عنوان «في أمر (المهدي) الفاطمي وما يذهب إليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك»، في ص 153 من الكتاب الحاضر. وجاء في تاريخ الفخري (ص 224) أيضاً: "كان النفس الزكية من سادات بني هاشم ورجالهم فضلاً وشرفاً وديناً وعلماً وشجاعة وفصاحة ورياسة وكرامة ونبلاً. وكان في ابتداء الأمر قد أُشيع بين الناس أنه المهدي الذي بشر به، وأثبت أبوه هذا في نفوس طوائف من الناس. وكان يروى أن الرسول، صلوات الله عليه وسلامه، قال: لو بقي من الدنيا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه مهدينا أو قائمنا، اسمه كاسمي واسم أبيه كاسم أبي. فأما الإمامية فيروون هذا الحديث خالياً من: واسم أبيه كاسم أبي"!. (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، محمد بن علي بن طباطبا العلوي أبو جعفر المعروف بابن الطقطقي (ت 709هـ)، بيروت، دار صادر، ص 165 - 166) (المُتَرْجِمُ) [148] أي كيف يُطبِّقونها على ابن الإمام الحسن العسكري مع أن اسمه الحسن وليس عبد الله. [149] هذه الرواية رقم 27 سقطت من متن التنقيح الثاني لكتاب «بررسى علمى در احاديث مهدى. تحرير دوّم» لذا أوردتُها كما جاءت في الإصدار الأول للكتاب المذكور. (المُتَرْجِمُ) [150] هذه الرواية رقم 29 سقطت أيضاً من متن التنقيح الثاني لكتاب «بررسى علمى در احاديث مهدى. تحرير دوّم» لذا أوردتُها كما جاءت في الإصدار الأول للكتاب المذكور. (المُتَرْجِمُ) [151] اسم الكتاب الكامل: «الفصول المهمة في معرفة الأئمة» تأليف علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي المعروف بـ «ابن الصبَّاغ المالكي» المتوفى سنة 855 هـ . (المُتَرْجِمُ)
اعلم أنه لا توجد في القرآن الكريم حتى آية واحدة تشير بصـراحة إلى المهدي وثورته، لكن المفسرين استخرجوا بقوة التأويل المتعسِّف آياتٍ زعموا أنها تشير إلى المهدي، مع أنها لا تفيد ذلك.
وقد أوضحنا في التنقيح الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (133- بَابُ الْإِشَارَةِ وَالنَّصِّ إِلَى صَاحِبِ الدَّارِ (ع): ص 665 إلى 667) أنه لا أثر في كتاب الله للإمام الموعود، كما أوضحنا في الكتاب ذاته ما قيل بشأن مقارنة الإمام الغائب بحضرة موسى (ع) وحضرة يحيى (ع) ( 139- باب كراهية التوقيت: ص 698 إلى 699) فلا نكرر الكلام في ذلك هنا، ونكتفي هنا بالتذكير بأن الأمر لا يقتصر على أنه ليس في القرآن الكريم أي أثر لذكر المهدي فحسب، بل أكثر من ذلك: هناك آيات في القرآن الكريم تتعارض مع الفكرة المهدوية أي فكرة إمامٍ يثور بقوة السيف كي يصلح الناس ويدخلهم جميعاً في الإسلام، (كما مرَّ معنا في الصفحات السابقة).
ولكن بما أن عدَّة من الرواة قاموا بالتلاعب بمعاني بعض آيات القرآن ففسَّروها على نحو مخالف لمعناها الظاهر ومخالف لسياق الآيات أو أوَّلُوها تأويلات تحكُّمية لا دليل عليها سوى اتِّباع الهوى، فإننا سنذكر فيما يلي جميع الآيات التي حاول صُنَّاع المذاهب اتِّباعاً لأهوائهم تطبيقها على المهدي وسنُوضِّح ما في تفسيراتهم أو تأويلاتهم لتلك الآيات من إشكالات كي نمنع خداع العوام وبيع الخرافات لهم.
* الروايات 1 و42 و43 و51: تقول بشأن آية ﴿وَلَئِنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعۡدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحۡبِسُهُۥٓۗ أَلَا يَوۡمَ يَأۡتِيهِمۡ لَيۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٨﴾ [هود: ٨] نقلاً عن تفسير «عليّ بن إبراهيم القُمِّيّ»[152] إن المقصود: "إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَى خُرُوجِ الْقَائِمِ (ع)". وَأعقب المَجْلِسِيُّ ذلك برواية قال فيها: "عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ (ع)- عَنْ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَئِنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعۡدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحۡبِسُهُ﴾ قَالَ: «الْأُمَّةُ المَعْدُودَةُ: أَصْحَابُ الْقَائِمِ الثَّلَاثُمِائَةِ والْبِضْعَةَ عَشَرَ.»"!!
كما نقل المَجْلِسِيُّ عن تفسير العَيَّاشِيّ وعن كتاب «الغيبة» للنعماني[153]25 روايةً منسوبة للإمام الصادق ÷ يقول فيها إن المقصود من «الْعَذَابَ» في الآية: خروج القائم، وأن عدد «الْأُمَّةِ المَعْدُودَةِ» كعدَّة بَدْرٍ!![154]
والعجيب أن «عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ»[155] نفسه اعترف بأن أحد معاني «الأمَّة»: المُدَّة والفترة الزمنية، وأتى بالآية التالية شاهداً على هذا المعنى: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: 45]، حتى أنه قال إن المراد من «أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ» المُدَّة، ومع ذلك روى روايةً عن «علي بن الحكم»[156] الأحمق الكذَّاب الذي كان يعتقد بقرآن يضمُّ سبع عشرة ألف آية، عن عَلِيٍّ والإمام الصادق -عليهما السلام- أنهما قالا: "الْأُمَّةُ المَعْدُودَةُ: أَصْحَابُ الْقَائِمِ الثَّلَاثُمِائَةِ والْبِضْعَةَ عَشَرَ"؟!!
وعلى كل حال فينبغي أن نعلم ما يلي:
أولاً: أن سورة هود نزلت في مكة في الوقت الذي كان غالب أهلها من المشركين الذين لم يُؤمنوا برسالة رسول الله ص بعد فضلاً عن أن يُؤمنوا بالإمامة! فما بالك بأن يؤمنوا بالإمام الثاني عشر وثورته!! وفي ذلك الوقت لم يكن هناك أساساً أي كلام عن مثل هذه الموضوعات حتى يُنكرها أحد، ومن السُّخرية بمكان تهديد المشركين بعذاب سيحل بهم بعد آلاف السنين عند ظهور القائم المُنتظر وثورته؟!! وأساساً لم يكن في ذلك الزمن أيُّ حديث عن مثل تلك الموضوعات حتى يُنكرها أحد أو يستهزئ منها! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
ثانياً: تُبيِّن الآيةُ التي تسبق الآية المذكورة أنها تتعلَّق بعذاب يوم القيامة أي العذاب بعد الموت حيث يقول تعالى: ﴿وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ٧﴾ [هود: ٧]. إذن الآية الثامنة من سورة هود أيضاً تواصل الحديث عن عذاب يوم القيامة.
ثالثاً: إن «عَلِيِّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ» من القائلين بتحريف القرآن ومثل هذا الشخص مطعون في إسلامه فضلاً عن الثقة بأقواله فما بالك باعتماد تأويلاته! و«العيَّاشيّ»[157] ليس أفضل حالاً منه بالطبع، إذْ كان ضعيفاً جداً في الاستفادة من نعمة العقل، ولو تأمَّل القارئ في الروايات التي أوردناها عنه في هذا الفصل لاتَّضحت له هذه الحقيقة بجلاء. (على سبيل المثال راجعوا الروايات 38 و39 و40) وكثير من روايات هذا الفصل منقولة عن العيَّاشيّ.
* الروايتان 2 و23: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥].
قال «عَلِيُّ بن إبراهيم» في تفسيرها: "أَيَّامُ اللهِ ثَلَاثَةٌ يَوْمُ الْقَائِمِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ ويَوْمُ الْمَوْتِ ويَوْمُ الْقِيَامَةِ"!! وادَّعى في رواية أخرى أن المراد يوم قيام القائم ويوم الرجعة ويوم القيامة!! فأقول: ليت شعري! هل كان أصحاب حضرة موسى (ع) مؤمنين بقيام القائم حتى يقول الله «وذَكِّرْهُم»؟!!
وعلى كل حال نقول:
أولاً: ذكر المُفسِّرون أن المراد من «أيَّام الله» الأيام التي وقعت فيها حوادث مُهمّة في نظر الشارع مثل يوم نجاة قوم من المؤمنين أو منحهم نعمة الهداية أو نزول الكتاب السماوي أو هلاك القوم الكافرين و..... الخ؛ بناءً على ذلك، فإن «أيَّام الله» هي الأيام التي كانت معلومة لدى قوم موسى، والدليل على ذلك أن موسى (ع) قال لقومه مباشرةً بعد الآية المذكورة: ﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ ٦ وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ ٧﴾ [إبراهيم: ٦، ٧].
فالقرآن الكريم بيَّن ماهيَّة أيَّام الله -أي الأيام العظيمة تلك- بقوله: ﴿وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ﴾ [البقرة: ٤٩] و﴿وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ﴾ [البقرة: ٥٠] و﴿وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ ٥١ ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٥٢ وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ٥٣﴾ [البقرة: ٥١، ٥٣]. ولا بُدَّ من مُلاحظة الآيات من 49 حتى 73 من سورة البقرة المُباركة لنعلم أن أيَّام الله التي ذكَّر موسى (ع) قومَه بها مُبَيَّنةٌ كلُّها في القرآن الكريم ذاته وأننا لسنا بحاجة إلى تفسيرات وأقوال رواة غير موثوقين، خاصَّةً إذا كانوا من أمثال أحمق كعليِّ بن إبراهيم الذي يعتقد بتحريف القرآن أو ابن أبي عُمير!![158]
* الروايات 3 و46 و47 و48: تمَّ فيها الاستدلال بآيات من سورة الإسراء المباركة التي تُسَمَّى أيضاً سورة «بني إسرائيل». بعد أن بيَّن الله في الآية الثانية من السورة أنه أعطى موسى الكتاب وجعله هدىً لبني إسرائيل قال: ﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ٤ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا ٥ ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا ٦ إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا ٧ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا ٨﴾ [الإسراء: ٤، ٨].
بمُلاحظة الآية الثانية من هذه السورة يتبيَّن لنا أن الآيات التي تتلوها تُبَيِّن مضامين التوراة وما جاء فيها، لكن ماذا نفعل بعليّ بن إبراهيم الأحمق الذي يقول: "وقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ أَيْ: أَعْلَمْنَاهُمْ. ثُمَّ انْقَطَعَتْ مُخَاطَبَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وخَاطَبَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ص فَقَالَ: ﴿لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ﴾ يَعْنِي: فُلَاناً وفُلَاناً [أي الشيخين] وأَصْحَابَهُمَا ونَقْضَهُمُ الْعَهْدَ!! ﴿وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا﴾ يَعْنِي: مَا ادَّعَوْهُ مِنَ الْخِلَافَةِ. ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا﴾ يَعْنِي: يَوْمَ الْجَمَلِ. ﴿بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ﴾ يَعْنِي: أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وأَصْحَابَهُ. ﴿فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِ﴾ أَيْ: طَلَبُوكُمْ وقَتَلُوكُمْ. ﴿وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا﴾ يَعْنِي: يَتِمُّ ويَكُونُ. ﴿ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ﴾ يَعْنِي: لِبَنِي أُمَيَّةَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ...... ثم خاطب القرآن بني أُميَّة فقال: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ يعني: عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد ص!!
والطريف أن الحديث رقم 46 جعل الآية مُتعلَّقةً بما قبل قيام القائم والرجعة! خلافاً للحديث 47 الذي جعل «العباد أولي البأس الشديد» هم القائم وأصحابه!! إن هذه الروايات المُضحكة منقولة عن ضعفاء من أمثال «صالح بن سهل[159]» و«مسعدة بن صدقة[160]»! [161] (فلا تتجاهل).
وينبغي أن نقول:
أولاً: سورة الإسراء (بني إسرائيل) مكية ولم يكن في مكة حينئذ أي حديث عن خلافة الشيخين ومعركة الجمل ولا كان لأحد خبرٌ عن القائم سلباً ولا إيجاباً حتى تنزل آيات بشأنه!
ثانياً: تُبَيِّن الآيات المذكورة -كما قلنا سابقاً- ما جاء في التوراة، ولا علاقة لها بالشيخين ولا ببني أُميَّة ولا بالخارجين على أمير المؤمنين علي ÷ أو القائم. أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ ولا معنى أن يُحدِّث الله أصحاب موسى في التوراة عن الشيخين أو بني أُمَيَّة و..... الخ!
ليت شعري! هل لعبت أُمَّة بكتابها السماوي على هذا النحو الذي فعله هؤلاء الرواة الضعفاء والمجهولين والغُلاة؟! حقَّاً إنه لمن دواعي الأسف أن يقوم المَجْلِسِيّ بتوجيه أكاذيب أولئك الرواة وتأويلها بدلاً من أن يُنبِّه الناس ويُوعِّيهم!! ولست أدري! هل وظيفة العالم توجيه أقوال الكذابين؟! الويل من يوم يفسد فيه الملح نفسه[162].
* الرواية 4: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا وَصَرَّفۡنَا فِيهِ مِنَ ٱلۡوَعِيدِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرٗا ١١٣﴾ [طه: ١١٣].
قال «عليُّ بن إبراهيم»: "﴿أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرٗا﴾ يَعْنِي: مِنْ أَمْرِ الْقَائِمِ والسُّفْيَانِيِّ"!
أقول: أولاً: سورة طه مكيَّة وفي تلك المرحلة كان الكلام والوعد والوعيد يتعلق بيوم القيامة، ولو قرأنا الآيات التي وردت قبل تلك الآية أي من الآية 109 التي تقول:﴿يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ﴾ [طه: ١٠٩] إلى أن نصل إلى الآية 113، لوجدنا جميع الآيات تتحدث عن القيامة وأنه لا علاقة لها بأمر القائم والسفياني لا من قريب ولا من بعيد! فاتقوا الله أيها الرواة ولا تلعبوا بآيات الله.
ثانياً: لقد تكرَّرت كلمة «الذكر» في القرآن الكريم ولم تأتِ في أيِّ موضع بمعنى القائم والسفياني. فمن ذلك قوله تعالى في سورة القمر: ﴿وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ١٧﴾ [القمر: ١٧]. إذن آيات القرآن واضحة ولا تحتاج إلى بيانات أحمق مثل «علي بن إبراهيم» يعتقد بتحريف القرآن!
* 26الرواية 5: ﴿فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأۡسَنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَرۡكُضُونَ ١٢﴾ [الأنبياء: ١٢]. قال «عليُّ بن إبراهيم» في تفسيره: "فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ إِذَا أَحَسُّوا بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ...الخ". ثم يقول: "وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَفْظُهُ مَاضٍ وَمَعْنَاهُ مُسْتَقْبَل"؟!![163]
وأورد المَجْلِسِيّ ما يُشبه هذا الحديث في المجلد 52 من البحار، باب «سِيَرِه وأخلاقه وخصائص زمانه» (الحديث 91 المنقول عن تفسير العيَّاشيّ الخرافي والحديث 180 المنقول عن روضة الكافي) ويقول في الحديث الأخير إن القائم سيقتل بني أُميَّة بالسيف بعد أن يفِرُّوا هاربين!! هذا رغم أن سورة الأنبياء نزلت في مكة ولم يكن موضوع القائم مطروحاً في ذلك الوقت حتى يتم تخويف بني أُميَّة منه، بل إن بني أُميَّة في ذلك الوقت لم يكونوا يخافون حتى من رسول الله ص ذاته فضلاً عن خوفهم من الحفيد الثاني عشر لعَلِيٍّ! ألم يرَ «عليُّ بن إبراهيم القمِّيّ» الآيات التي جاءت قبل هذه الآية وبعدها والمُتعلِّقة بجميع الظالمين والتي تُبَيِّن إحدى سُنن الله ولا تختصُّ بجماعة خاصة مُعيَّنة؟! ثم إنه لا يوجد بنو أُميَّة في زماننا هذا حتى يفرُّوا من القائم المُتخيَّل ويقتلهم بالسيف![164]
* الرواية 6: ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ[165] أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ ١٠٥﴾ [الأنبياء: ١٠٥].
اعلم أن هذه الآية والآية 33 من سورة التوبة والآية 5 من سورة القصص والآية 55 من سورة النور استُغِلَّت وأُسيء تفسيرها مِنْ قِبَلِ بائعي الخرافات أكثر من الآيات الأخرى إلى درجة أنه قد تمَّ إدراج هذه الآيات مع تأويلات وتفسيرات لا تتناسب مع ألفاظها في الكتب المدرسية، لحرف أذهان الشباب التي لا تزال صافيةً نقيَّة!![166] ولذلك ينبغي أن نبذل مزيداً من التمعُّن في هذه الآيات ونتدبرها جيداً.
قال «علي بن إبراهيم» في تفسيره للآية 105 المذكورة من سورة الأنبياء: "عِبادِيَ الصَّالِحُونَ: الْقَائِمُ (ع) وأَصْحَابُهُ"!
أقول: أولاً: لنفرض أن المراد من «الأرض» في هذه الآية أرض الدنيا -رغم أن الأمر ليس كذلك- فنسأل: ألم يكن حضرة داود وسليمان عليهما السلام عبدين صالحين أورثهما الله تعالى الأرض؟! ألم يكن حضرة محمد ص وأصحابه صالحين أورثهم الله السلطان والقدرة في الأرض؟ أم أن القائم الخيالي هو وأصحابه وحدهم الصالحون فقط؟!
ثانياً: إذا لاحظنا سياق الآيات وما جاء قبلها وبعدها رأينا أن الآيات السابقة (من 89 إلى 104) تتحدَّث عن القيامة كقوله تعالى: ﴿يَوۡمَ نَطۡوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلۡكُتُبِۚ كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ نُّعِيدُهُۥۚ وَعۡدًا عَلَيۡنَآۚ إِنَّا كُنَّا فَٰعِلِينَ ١٠٤﴾ [الأنبياء: ١٠٤]. ثم قال تعالى في الآية 105 موضع البحث أن العباد الصالحين سيرثون أرض القيامة وذلك لأنه كما قال تعالى: ﴿يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ﴾ [إبراهيم: ٤٨]. بناءً على ذلك، الأرض التي نعيش عليها اليوم سيتبدَّل جزء منها إلى الجنة وسيرثها أهل الجنة ويسيروا فيها ويسوحوا (الزمر: 74). أضف إلى ذلك أن كلمة «الصالحون» في الآية موضع الاستشهاد عُرِّفت بالألف واللام لتكون جنساً يشمل جميع الصالحين لا مجموعة خاصة منهم ممن سيأتون في المستقبل! (فلا تتجاهل). خاصةً أن الله تعالى قال في الآية التالية لها مباشرة: ﴿إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَٰغٗا لِّقَوۡمٍ عَٰبِدِينَ ١٠٦﴾ [الأنبياء: ١٠٦] مما يُبيِّن أن الآية لا تختصُّ بجماعة خاصة بل تشمل جميع العابدين المُوحِّدين، وقد قال تعالى إنه سيُعطيهم جميعاً أرض الجنة بمن فيهم أصحاب رسول الله ص الذين سمعوا هذه الرسالة والبُشرى التي لا تنحصر بالآتين في المستقبل. (راجعوا ما ذُكر حول هذه الآية في الصفحة 85 من الكتاب الحاضر).
* الروايتان 7 و53: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩﴾ [الحج : ٣٩].
قال «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ» في تفسيره: "إِنَّ الْعَامَّةَ [أي أهل السنة] يَقُولُونَ نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اللهِ ص لَمَّا أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ، وإِنَّمَا هُوَ الْقَائِمُ (ع) إِذَا خَرَجَ يَطْلُبُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ (ع) وهُوَ قَوْلُهُ نَحْنُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ وطُلَّابُ التِّرَةِ[167]"!!
أقول: أولاً: الآية -كما يقول أرباب السِّيَر والمُفسِّرون سواءً من الشيعة أم السنَّة- تتعلَّق برسول الله ص وأصحابه بدليل ما جاء بعدها من قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ﴾ [الحج : ٤٠]. فكلمة «أُخرجوا» فعل ماضٍ ولا يُمكن أن يُقصد بها خروج القائم الذي سيحصل في المستقبل.
ثانياً: قال «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمُ» إن أهل السنة (=العامة) يقولون: إن الآية نزلت في محمَّد ص وأصحابه، ولكن العجيب أن العلامة المَجْلِسِيّ تجاهل أن علماء الشيعة أيضاً مثل الشيخ الطوسي والشيخ الطَّبْرَسي وأبي الفتوح الرازي يقولون إن الآية نزلت في رسول الله ص وأصحابه. بل قد روى الطبرسي في «مجمع البيان» أن المأذونين بالقتال هم أصحاب رسول الله ص، والظلم الذي وقع عليهم هو إخراجهم من ديارهم. واعتبر الشيخ الطوسي في تفسيره أيضاً أن الآية نزلت في أصحاب النبيّ وصرَّح بأنها أول آية نزلت في الإذن بالجهاد. وفي زماننا أيضاً اعتبر صاحب «تفسير نمونه»[168] [تفسير الأمثل] أن الآية أول آية نزلت بالجهاد القتالي وهي بشأن أصحاب النبيّ ص، كما صرَّح صاحب تفسير «الميزان»[169] بأن الآية خطاب للمسلمين في المدينة أي الذين أُخْرِجُوا من ديارهم ووطنهم مكة.
ثالثاً: لما كان رسولُ الله ص وأصحابُه في مكَّة لم يؤْذَن لهم بالجهاد، لكنهم بعد أن هاجروا إلى المدينة بِمُدَّة أَذِنَ اللهُ لهم بالجهاد وبقي هذا الإذن ساري المفعول لجميع المسلمين إلى يوم القيامة، فلا حاجة لإعطاء إذن جديد للقائم وأصحابه!!
رابعاً: لم يُخرِجْ أحدٌ القائمَ وأصحابَه من ديارهم حتى تنزل فيهم هذه الآية.
خامساً: الآية تتعلَّق بالموجودين حين نزولها وليس بأشخاص لم يكن لهم وجود خارجي في ذلك الزمن أصلاً ولا كان أحد يعرفهم!
لاحظوا كيف لم يتأمَّل «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ» في الآية بتاتاً ولم يتفكّر في معناها بل كتب كل ما عنَّ له. ثم أصبح قول «عَلِيِّ بْنِ إبْرَاهِيمَ» هذا سنداً لدعوى بلا دليل مُدَّة ألف عام وأوقع الناس في الخطأ!
ملاحظة: لمَّا ذكر «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ» موضوعاً مُعيَّناً حول الآية 41 من سورة الحج، قدَّمنا كلامه الذي جاء تحت رقم 9 في «بحار الأنوار» على كلامه الذي جاء تحت رقم 8:
* الرواية التاسعة: ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١﴾ [الحج : ٤١]. يروي «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ» عن فردٍ فاسدٍ ومنحرفٍ يُدْعَى «أبي الجارود»[170] يقول: "فَهَذِهِ لآِلِ مُحَمَّدِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ إِلَى آخِرِ الْأَئِمَّةِ والمَهْدِيِّ وأَصْحَابِهِ، يُمَلِّكُهُمُ اللهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ ومَغَارِبَهَا ويُظْهِرُ بِهِ الدِّينَ وَيُمِيتُ اللهُ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ الْبِدَعَ وَالْبَاطِلَ كَمَا أَمَاتَ السُّفَهَاءُ الْحَقَّ، حَتَّى لَا يُرَى أَيْنَ الظُّلْمُ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر"!!
إن «عَلِيَّ بْنَ إبْرَاهِيمَ» لا يعلم بالطبع أن: ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ [الحج : ٤١] صفة لِـ ﴿لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْ﴾ [الحج : ٣٩] ولِـ ﴿ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ﴾ [الحج : ٤٠] المذكوران في الآيتين اللتين قبلها وأنه لا يمكن فصل الآية 41 عن الآيات التي قبلها وأن الآية المذكورة لا علاقة لها بالمهدي من قريب ولا بعيد! لذا فإنه لم ينتبه إلى الآيات قبل الآية المذكورة مباشرةً، فقال مثل ذلك الكلام الهُرَاء!! حقاً إن رواياتِه مثالٌ حيٌّ للتفسير بالرأي والهوى الباطل.
* الرواية 8: ﴿ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ ٦٠﴾ [الحج : ٦٠].
ذكر مُفَسِّرو العامَّة والخاصَّة أن هذه الآية تتحدث عن المهاجرين الذين أُخْرِجوا من ديارهم وهاجروا، فاستولى مشركو مكة على بيوتهم وأموالهم. وأثناء إقامة المهاجرين في المدينة تعرَّض فريق منهم لعير المشركين ليسترجعوا أموالهم المُغْتَصَبة، واشتبكوا مع المشركين وانتصروا عليهم، ولكن لما وقعت تلك الحادثة في شهر محرم الحرام تأثر المسلمون من ذلك فنزلت هذه الآية تُبَيِّنُ أن المعاملة بالمثل ليست ممنوعةً وأن الله عفوٌّ غفور. وبالمثل نجد الآية 217 من سورة البقرة تُشير إلى الموضوع ذاته.
لاحظوا أن الآيات كلها تتحدث عن المهاجرين[171] ولا تتناسب مُطلقاً مع الإمام القائم ورغم ذلك يقول «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ»: إن الآيات تتعلّق بالقائم!! من هذا يَتَبَـيَّنُ أنه لا يعتقد بوجود أيِّ ترابط بين أجزاء كلام الله! ولست أدري من أين خرج القائم من تلك الآيات!!
* الرواية 10: ﴿لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ٣ إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ ٤ ﴾ [الشعراء: 3- 4][172].
كان النبيّ الأكرم ص -كما نعلم- شديد الحرص على إيمان قومه وكان يغتمُّ كثيراً بسبب عدم إيمانهم (التوبة: 128 وفاطر: 8) لذا يقول القرآن للنبيّ لا ينبغي لك أن تُهلك نفسك غمَّاً وحزناً بسبب عدم إيمان قومك، ولعلَّك تتمنَّى لو يُجبرون على الإيمان، ولو أردنا فعل ذلك لكنَّا قادرين عليه ولكننا لم نفعل ذلك رغم قدرتنا عليه لأننا لا نريد من الناس إيماناً اضطرارياً غير اختياري، ولذلك يقول تعالى بأسلوب الاستفهام الإنكاري: ﴿وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ٩٩﴾ [يونس : ٩٩]. وقد قرَّر اللهُ تعالى في القرآن مبدأً عاماً هو: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّ﴾ [البقرة: ٢٥٦] ويقول لنبيِّه: ﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ٤٥﴾ [ق: ٤٥] ويقول كذلك: ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ٢١ لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ ٢٢﴾ [الغاشية: ٢١، ٢٢]. بناءً على ذلك، فإن القرآن لا يُقِرُّ مبدأ قيام شخص بإجبار الناس بقُوَّة السيف على الإسلام لأن الله لم يُرد الإيمان الجبري من أحد.
فلا ينقضي العجب ممن لم يُدركوا مثل هذا الأمر الواضح كعليِّ بن إبراهيم الذي يقول: "عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ: تَخْضَعُ رِقَابُهُمْ يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ وهِيَ الصَّيْحَةُ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِ صَاحِبِ الْأَمْرِ (ع)"!!
27فرغماً عن قوله تعالى: ﴿إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ ٤﴾ [الشعراء : ٤] !! يُصِرُّ «عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ» أن الآية السماوية المُشار إليها والتي نفى الله تنزيلها حتى لا يكون إيمان الناس اضطرارياً، قد نزلت فعلاً فخضعت لها رقاب بني أمية!! ولا ينتبه إلى أن سورة الشعراء مكية ولم تكن مسألة الإمامة والخلافة بعد النبيّ ص مطروحةً في مكة إطلاقاً فضلاً عن الحديث عن الخليفة الثاني عشر للنبيّ؟! أضف إلى ذلك أنه قد مضت ألف سنة على انقراض بني أُميَّة وذهاب دولتهم!! ورغم ذلك لم يظهر قائمٌ بعد!!
ومن المُحْتَمَل أن تكون أمثال هذه الروايات قد وُضِعَتْ في ذلك الزمن بهدف رفع معنويات الجماعات المُعارضة لبني أُميَّة كي لا ييأسوا ولا يتفرَّقوا، وَلِيُؤمنوا بأنه سيظهر قائم بالسيف ينتزع الحكم من أعدائهم، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً. ولكن دولة بني أُميَّة -كما نعلم جميعاً- زالت دون أن يظهر ذلك القائم المُدَّعى![173] (يُرَاجَع أيضاً الحديث 84 من باب «علامات ظهوره»، والحديث 13 إلى 15 من باب «يوم خروجه» من المجلد 52 من البحار).
* الروايتان 11 و 56: ﴿أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ ٦٢﴾ [النمل: 62].
يُدرك كل عاقل ومنصف بمُلاحظة الآيات التي جاءت قبل هذه الآية وبعدها (أي الآيات 60 إلى 65 من سورة النمل) أن هذه الآيات تتعلق ببيان قدرة الله تعالى ودعوة المشركين إلى التوحيد وإخلاص العبودية له وإفراده بالعبادة كما يتضح ذلك من الآيات التي جاءت قبلها حيث يقول تعالى: ﴿أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ...﴾ [النمل: 60]. ويقول: ﴿أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا؟...﴾ [النمل: 61]، ويقول: ﴿أَمَّن يَهۡدِيكُمۡ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ﴾ [النمل: 63]، ويقول: ﴿أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ﴾ [النمل: 64]، ويقول: ﴿أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِ﴾؟! [النمل: 64].
لكن العجيب أن «عليّ بن إبراهيم» يروي في تفسيره عن كذَّاب مثل «صالح بن عقبة»[174] وعن «الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ» الواقفي - أي الذي يؤمن بسبعة أئمة فقط ويعتبر الإمام الثامن ومن بعده من الأئِمَّة كاذبين-، حديثاً يقول عن الآية المذكورة: "نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ (ع)، هُوَ واللهِ (المُضْطَرُّ) إِذَا صَلَّى فِي المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ودَعَا اللهَ فَأَجَابَهُ، (ويَكْشِفُ السُّوءَ): ويَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ"!! غافلاً عن أن سورة النمل مكية ولم يكن في مكة في حينها من يدَّعي أنه المهدي القائم أو يُنكره حتى تنزل آيةٌ بشأنه!
العجيب أيضاً أنهم يأتون إلى الآيات التي تُؤَكِّد على موضوع التوحيد فينسبونها إلى موضوع «الإمامة»!!
إن لم يخجل هؤلاء من تعصُّبهم فليخجلوا من جعلهم جميع آيات القرآن مُتعلِّقَةً بالقائم المُتَخَيَّل دون أن يكون فيها أيُّ شيء يتناسب مع هذه الدعوى!
* الرواية 12: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَ لَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٠﴾ [العنكبوت: ١٠].
تتكلَّم هذه الآية، كما قال المُفسِّرون، عن الذين كانوا يُسلمون فإذا أصابهم ضرر أو أذى من المشركين لم يتحمَّلوا ذلك وارتدُّوا عن الإسلام، مثل «عياش بن أبي ربيعة المخزومي» الذي روى الطَّبْرَسِي في تفسيره «مجمع البيان» أنه أسلم فخاف أهل بيته، فهاجر إلى المدينة قبل أن يُهاجر النبيص، فحلفت أمُّهُ أسماء بنت مخرمة بن أبي جندل التميمي، أن لا تأكل ولا تشرب ولا تغسل رأسها ولا تدخل كَنَّاً حتى يرجع إليها، فلما رأى ابناها أبو جهل والحارث ابنا هشام، وهما أخوا عياش لأمه، جزعها ركبا في طلبه، حتى أتيا المدينة فلقياه وذكرا له القصة، فلم يزالا به حتى أخذ عليهما المواثيق أن لا يصرفاه عن دينه وتبعهما، وقد كانت أمه صبرت ثلاثة أيام ثم أكلت وشربت.
فلما خرجوا من المدينة أخذاه وأوثقاه كتافاً- وجلده كل واحد منهما مائة جلدة، حتى بريء من دين محمد جزعا من الضرب، وقال ما لا ينبغي، فنزلت الآية"[175].
فلا علاقة للآيات إذن بالمهدي القائم ولم يذكر أحد احتمال دلالتها عليه، لكن رغم ذلك فإن «علي بن إبراهيم» الذي يميل إلى تفسير كل آية بالمهدي القائم اعتبر الآيةَ مُتعلِّقةً بالقائم ولم ينتبه إلى أن سورة العنكبوت مكية وأن ليس هناك أيُّ تناسب بين السور المكية وبين التعريف بإمامٍ قائمٍ، والأسوأ من ذلك كله أنه ذكر آية: ﴿وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ﴾ [العنكبوت: ١٠] بصورة خاطئة كما يلي: «وإذا جاءهم نصر من ربك»!!
* الرواية 13: ﴿وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ ٤١﴾ [الشورى: ٤١]. ثم قال تعالى في الآية التي بعدها: ﴿إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقّ﴾ [الشورى: ٤٢].
لو رجعنا إلى القرآن الكريم للاحظنا أن الآيات من 36 إلى 43 من سورة الشورى مرتبطة بعضها ببعض ولا تتناسب أبداً مع موضوع المهدي القائم!! لكن «عليَّ بن إبراهيم» ينقل عن راوٍ ضعيف مثل «محمد بن الفضيل»[176] ادِّعاءه أن المقصود من الآية: "الْقَائِمَ وأَصْحَابَهُ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ والْقَائِمُ إِذَا قَامَ انْتَصَرَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ ومِنَ المُكَذِّبِينَ والنُّصَّابِ هُوَ وأَصْحَابُهُ... الخ"!! ولم يُدرك للأسف أن سورة الشورى مكية ولا تتناسب مع ذكر أحوال المهدي، ولم يدرِ أن بني أُميَّة انقرضوا منذ قرون ورغم ذلك لم يظهر قائمٌ بعد!![177]
لا أدري أيَّ غرض كان يريده أولئك المُؤلفون والرواة الذين دوَّنوا تلك الأمور على أنها أحاديث دينية؟
* الرواية 14: ﴿ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ ١﴾ [القمر: ١]. يقول «علي بن إبراهيم»: "رُوِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ يَعْنِي خُرُوجَ الْقَائِمِ (ع) !".
فنقول: هذه الآية تتعلَّق بالقيامة، وجاء فعْلَا «اقتربت» و«انشق» بصيغة الماضي لأن المستقبل عندما يكون مُتحقِّق الوقوع يُمكن للمتكلم أن يتكلَّم عنه بصيغة الماضي، كما نقول نحن بالفارسية عندما نريد إيقاظ شخص لأداء صلاة الفجر: قم لقد طلعت الشمس (أي أنها ستطلع يقيناً بعد مُدَّة وجيزة) أما لو كان قصدهم الإخبار عن تحقُّق الأمر قبل زمان التكلُّم لَمَا كان إيقاظ ذلك الفرد وافياً بالمقصود ولم تكن فيه فائدةٌ. إضافةً إلى ذلك، لما كانت التغييرات التي ستتعرَّض لها السماوات والقمر والشمس والنجوم في القرآن الكريم تتعلَّق بالقيامة وبمُقدِّماتها (الانشقاق: 1، الانفطار: 1 و2، المعارج: 8، القيامة: 8 و9، التكوير: 1 و2و .....) وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الآية تتحدَّث عن قرب الساعة (القيامة) فإن القول بأنها مُتعلِّقَةٌ بالقيامة أقوى وأدعى للقبول من الأقوال الأخرى.
ولكن إذا أصرَّ بعضهم على أن انشقاق القمر وقع زمن النبيّ ص في مكة وقبل الهجرة فإننا لن نجادلهم، إلا أننا نقول: لا ريب في أن هذه الآية مكية ولا علاقة لها أبداً بالمهدي القائم، لاسيما أن كلمة «الساعة» جاءت في القرآن مرَّات عديدة ولم تأتِ أبداً حتى مرَّةً واحدةً بمعنى الثورة والخروج والقيام. وكذلك لا يُمكن القول: إن الله حذَّر أهل مكة الذين لم يكونوا مؤمنين بالنبيّ ذاته من مجيء خليفته الثاني عشر؟!
* الرواية 15 [178]:﴿مُدۡهَآمَّتَانِ ٦٤﴾ [الرحمن: ٦٤]. كلمة «مُدْهَامَّتَانِ» صفة لِـ «جنَّتَان» التي وردت في الآية التي قبلها، ولكن «عليَّ بن إبراهيم» يقول: "مُدْهامَّتانِ: يَتَّصِلُ مَا بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ نَخْلًا"! ويقصد - في الاحتمال الغالب- أن ذلك سيكون زمن المهدي القائم! (المعنى في قلب الشاعر)، رغم أنه لم يأتِ في الرواية بأيِّ ذكر للمهدي!
* الروايتان 16 و57: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطۡفُِٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢﴾ [التوبة: ٣٢]. ومثله قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطۡفُِٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٨﴾ [الصف: ٨].
يقول «علي بن إبراهيم» في تفسيره للآية الأخيرة: "(واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) قَالَ: بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ إِذَا خَرَجَ لَيُظْهِرُهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ"!!
ينبغي أن نسأل: ألم يكتمل نور الهداية الإلهية ودين الله في زمن النَّبِيّ الأَكْرَم ص وقال تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي﴾ [المائدة: ٣]؟! ثم كيف كان الكافرون يكرهون اسم القائم الذي لم يكونوا قد سمعوا به بعد؟! وإن كانوا يعلمون أن الدين لا يكتمل في زمنهم بل يحتاج إلى آلاف السنوات ليكتمل لَمَا كرهوا ذلك بل سُعدوا به!!
وفي الرواية 57 يروي «علي بن إبراهيم» عن «أبي الجارود»[179] المنحرف وفاسد المذهب عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: "لَوْ تَرَكْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ [أيُّ أمر؟ هل الانتظار أم القائم نفسه؟] مَا تَرَكَهُ اللهُ"! [180]
لا أدري لماذا روى الكراجكي[181] هذه الرواية في كتابه ولماذا نقلها المَجْلِسِيّ عنه أيضاً! ثم ذكر المَجْلِسِيّ هنا الحديث 91 من الباب 165 من أصول الكافي، كشاهد مُؤَيِّد لرواية الكراجكي عن «علي بن إبراهيم» عن أبي الجارود! ولقد تحدثتُ عن سند حديث الكافي [رقم 91 من الباب 165] ومتنه في التنقيح الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» بشكل مُفصَّل وواف (ص 751 وما بعدها) فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.
طبقاً لحديث الكافي المذكور هذا: قال الإمام عن قول الله تعالى مخاطباً الكفار[182]:﴿فََٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَا﴾ [التغابن : ٨] : "... فَالنُّورُ هُوَ الْإِمَامُ". وقال الإمام - في الحديث ذاته - عن كلمة «الْكَافِرُونَ» في قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطۡفُِٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٨﴾ [الصف: ٨] : "الْكافِرُونَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ"! هذا مع أن سورة الصف نزلت قبل سورة المائدة، أي قبل إعلان ولاية علي - حسب قولكم - فكيف كان الناس يكفرون بولاية الإمام عليٍّ (ع) مع أنها لم تُعلَن بعد؟! وبغض النظر عن ذلك، لو كان المقصود من النور هو الإمام، فكيف نفسِّر قوله تعالى ﴿وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾؟ كيف يتمّ إنزال الإمام؟! سمعنا حتى الآن بأن الإمام يتم نصبه وتعيينه، ولم ندرِ أن الإمام يتم إنزاله أيضاً!! ولو صحَّ ذلك فكيف لم يسأل الكفَّار: من هو هذا الإمام الذي تمَّ إنزاله؟ وكيف نُتَّهَم بأنَّنا لم نؤمن به مع أنَّنا لم نَعْرِفْهُ بَعْد؟! ذلك لأنه لم يتمَّ تعريف المسلمين بذلك الإمام حتى ذلك الوقت، في حين أن فعل ﴿أَنْزَلْنَا﴾ فعلٌ ماضٍ يتعلَّق بأمرٍ حدث في الزمن الماضي.
وكيف يمكن للإمام أن يقول: "فَالنُّورُ [في الآية] هُوَ الْإِمَامُ" ويغفل عن أن الله أطلقَ مراراً وتكرارً في قرآنه الكريم كلمة «النُّوْرِ» على الكتب السماوية كما في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورٗا مُّبِينٗا ١٧٤﴾ [النساء : ١٧٤]، وقوله سبحانه: ﴿فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٥٧﴾ [الأعراف: ١٥٧][183]. كما أوجب الله الإيمان بالكتب السماوية وقال في وصف المتَّقين: ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤﴾ [البقرة: ٤] ولكنه لم يعتبر الإيمان بالإمام من الأمور الواجبة. (فتأمَّل)
* الرواية 17: ﴿وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١٣﴾ [الصف: ١٣]. معنى الآية واضح والشيخ الطَّبْرَسِيّ أيضاً قال في تفسيره «مجمع البيان» إن الآية تشير إلى الانتصار على مشركي قُرَيش وفتح مكَّة. لكنّ «عليَّ بن إبراهيم» يقول خلافاً لجميع المفسرين: "وفَتْحٌ قَرِيبٌ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا بِفَتْحِ الْقَائِمِ (ع)"!! حقاً إن الإنسان لا يدري ماذا يقول بشأن هذه التلفيقات؟ وهل يُعقَل أن يقول الله تعالى لأصحاب رسوله يا أيها الذين آمنوا إن جاهدتم فإن النصر بفتح القائم سيكون نصيبكم؟! ألن يسأل الصحابة عندئذ من هو هذا القائم وأين ومتى سيكون فتحه؟! وهل سيجيبهم الله عندئذٍ بأن هذا الفتح قريب وسيقع بعد آلاف السنين من موتكم!!! فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا.
* الروايتان 18 و 64: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا ٧٥﴾ [مريم: ٧٥] و﴿حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ أَضۡعَفُ نَاصِرٗا وَأَقَلُّ عَدَدٗا ٢٤﴾ [الجن: ٢٤].
سورة مريم وسورة الجن من السور المكيَّة وَمِنْ ثَمَّ فلا يمكن أن تُفسَّر بأن المقصود منها قائم الزمان! طبقاً للآية 73 من سورة مريم لما كانت آياتُ الله البينات تُتلى على الكفار كانوا يقولون للمؤمنين: ﴿أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا ٧٣﴾ [مريم: ٧٣] أي كانوا في مكة يرون أنفسهم أكثر عدداً وقوَّةً من المسلمين فيغترُّون بذلك ولا يعيرون اهتماماً لآيات القرآن ويحتقرون المسلمين، فنزلت هذه الآيات رداً عليهم. يقول الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» ذيل الآية 24 من سورة الجن:
"(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) الكفار وكانوا يفتخرون على النبي ص بكثرة جموعهم ويصفونه بقلَّة العدد، فبيَّن سبحانه أن الأمر سينعكس عليهم".
لكنَّ عدداً من الرواة الضعفاء مثل «سَلَمَةِ بْنِ الْخَطَّابِ البراوستاني»[184] و«عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ البطائنيِّ»[185]28 أو الأحمق «علي بن إبراهيم» رووا قول الإمام عن الآية المذكورة من سورة الجن:
"حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ: قَالَ: الْقَائِمُ وأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (ع). فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وأَقَلُّ عَدَداً"!!
ولنا أن نتساءل: هل يرى القرآن أن كفار قريش سيعيشون ويُعَمِّرون حتى يخرج القائم ليروا نتيجة استهزائهم عندئذٍ؟!! هل يمكن أن يتكلم الله تعالى - والعياذ بالله - كلاماً واهياً غير مترابط على هذا النحو؟! أم أن الضعفاء والمجروحين هم الذين لفَّقوا تلك الأكاذيب؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
* الرواية 19: ﴿إِنَّهُمۡ يَكِيدُونَ كَيۡدٗا ١٥ وَأَكِيدُ كَيۡدٗا ١٦ فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا ١٧﴾ [الطارق: ١٥، ١٧]. هذه السورة مكية، وقد تَوَعَّد اللهُ تعالى فيها الكفَّارَ الذين كانوا يمكرون بالرسول ويكيدون له. لكن «علي بن إبراهيم» يقول في تفسيره: "إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ يَا مُحَمَّدُ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً لَوْ بُعِثَ الْقَائِمُ (ع) فَيَنْتَقِمُ لِي مِنَ الْجَبَّارِينَ والطَّوَاغِيتِ مِنْ قُرَيْشٍ وبَنِي أُمَيَّةَ وسَائِرِ النَّاسِ"! ولم يدرِ «علي بن إبراهيم» أن بني أميَّة انقرضوا ولم يخرج قائمٌ.
* الرواية 20: ﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ ١ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ٢﴾ [الليل: ١، ٢].
سورة الليل مكِّيَّة ولا معنى أن يقسم الله بشيء غير موجود بعد، ولكن ماذا نفعل بأحمق مثل «عليّ بن إبراهيم» الذي يروي:
"عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الباقر (ع) عَنْ قَوْلِ اللهِ: ﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ﴾ [الليل: ١] ؟ قَالَ: اللَّيْلُ فِي هَذَا المَوْضِعِ "الثَّانِي"[186]، غَشَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (ع) فِي دَوْلَتِهِ الَّتِي جَرَتْ لَهُ عَلَيْهِ، وأُمِرَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (ع) أَنْ يَصْبِرَ فِي دَوْلَتِهِمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ. قَالَ: ﴿وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ٢﴾؟ قَالَ: النَّهَارُ هُوَ الْقَائِمُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ (ع) إِذَا قَامَ غَلَبَ دَوْلَةَ الْبَاطِل".
أقول: هذه الرواية تكشف مدى جهل «علي بن إبراهيم» وضآلة علمه، لأن الجميع يعلمون أن فعل «يغشى» من مادة (غ، ش، ي) معتل اللام، في حين أن فعل «غشَّ» الذي يعني الخداع والخيانة من مادة (غ، ش، ش) مضاعفة الشين، ومن اليقين أن الإمام الباقر(ع) - الذي كان أفصح العرب - كان يميز تماماً بين «غَشِيَ» و«غشَّ»، لكن مُحدِّثين من أمثال «علي بن إبراهيم» الذي كان عجمياً لم يستطع أن يدرك هذا الأمر الواضح!
أضف إلى ذلك أن الليل والنهار آيتان من آيات الله اعتبرهما الله مهمَّتين فأقسم بهما لأهميِّتهما.
أعرف سيداً قام بطباعة تفسيرٍ روائيٍّ باسم «تفسير جامع» [أي التفسير الجامع]. فصادفه أحد إخواننا الفضلاء -حفظه الله- مرَّةً في الشارع فقال له: طبقاً للرواية التي أوردتموها في تفسيركم: المراد من «الليل» الذي أقسم الله به «عُمَر» بناءً على ذلك لابُدَّ أي يكون لِعُمَر أهمية وقيمة كبيرة عند الله حتى استحق أن يُقسم الله به وإلا فما من عاقل يُقسم بأشياء لا قيمة لها أو ذات قيمة ضئيلة، هل رأيت مثلاً شخصاً يُقسم بسلة المهملات؟ فهذه الرواية تُذكِّرنا بأهمية الخليفة الثاني واعتباره الكبير جداً!
وثالثاً: لا يمارس اللهُ تعالى «التقية» -والعياذ بالله-، ولا يخشى من أحد، ولا يستحي منه، فلو كان قصد الله «الخليفة الثاني عمر» فعلاً لذكره باسمه صراحةً ولم يشر إليه بعبارة بعيدة جداً عن الذهن!!
* الروايات 21 و27 و30: ﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَصۡبَحَ مَآؤُكُمۡ غَوۡرٗا فَمَن يَأۡتِيكُم بِمَآءٖ مَّعِينِۢ ٣٠﴾ [الملك: ٣٠].
أرجو من القارئ المحترم أن يُلاحظ هذه السورة المكية في القرآن الكريم ليرى أنها كلها خطاب من الله للكفار والمشركين يُذكِّرهم تعالى فيها بآيات قدرته ورحمته كي يتأملوا فيها ويؤمنوا به ويُوحِّدوه. لكنَّ «عليَّ بن إبراهيم» يروي عن عددٍ من الضعفاء والمجروحين عن الإمام الرضا (ع): "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ إِمَامُكُمْ غَائِباً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ مِثْلِهِ"!! هذا مع أنَّ مسألة الإمامة لم تكن مطروحةً مطلقاً في مكة كي يسأل القرآن: لو غاب إمامكم فمن الذي سيأتيكم بإمام؟! من الواضح والمقطوع به أن الإمام الباقر أو الإمام الرضا (ع) لا يمكن أن ينطقا بمثل هذا الكلام المهمل غير المترابط، وإنما افترى ذلك عليهما الرواةُ الكذَّابون.
* 29الروايات 22 و58 و59: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾[التوبة: 33 والصف: 9]. و﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٩﴾ [الصف: ٩].
اعلم أنه قد أُسِيءَ تفسير الآيتين المذكورتين، والآية 105 من سور الأنبياء[187] والآية 5 من سورة القصص[188] والآية 55 من سورة النور[189] وفُسِّرَت بالرأي مِنْ قِبَلِ بائعي الخرافات أكثر من سائر آيات القرآن الكريم، إلى درجة أنهم أدرجوا هذه الآيات في الكتب المدرسية بوصفها دليلاً على المهدوية، كي يعوِّدوا الناس منذ صغرهم على الخرافات، لذلك لابدّ من تأمل الآيات المذكورة بعمق وتدبرها جيداً.
يقول «عليُّ بن إبراهيم» وعدَّة من الرواة الضعفاء والمجاهيل أن الآية المذكورة (أي الآية 33 من سورة التوبة) "نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (ع) وهُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يُظْهِرُهُ اللهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ… الخ"[190]. وأن الإمام لما سُئل عن الآية المذكورة - أي عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾ قَالَ: "وَاللهِ مَا أُنْزِلَ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! وَمَتَى يُنْزَلُ؟ قَالَ: حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ إِنْ شَاءَ اللهُ فَإِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ لَمْ يَبْقَ كَافِرٌ وَلَا مُشْرِكٌ إِلَّا كَرِهَ خُرُوجَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرٌ أَوْ مُشْرِكٌ فِي بَطْنِ صَخْرَةٍ لَقَالَتِ الصَّخْرَةُ يَا مُؤْمِنُ فِي بَطْنِي كَافِرٌ أَوْ مُشْرِكٌ فَاقْتُلْهُ قَالَ فَيُنَحِّيهِ اللهُ فَيَقْتُلُهُ[191]"[192]. وقَالَ: "... لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا صَاحِبُ مِلَّةٍ إِلَّا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى يَأْمَنَ الشَّاةُ وَالذِّئْبُ وَالْبَقَرَةُ وَالْأَسَدُ[193] وَالْإِنْسَانُ وَالْحَيَّةُ ..... وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾ وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ (ع)"[194].
أولاً: أنتم تعتقدون أن القائم «إمامٌ»، وقد قال تعالى في الآية: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ﴾ولم يقل «أَرْسَلَ إمَامَهُ»، فالوعد المذكور في الآية سيتحقَّق بواسطة النبي لا بواسطة الإمام (فلا تتجاهل). ليت شعري! ألا يعلم هؤلاء الفرق بين النبيّ والإمام؟!
ثانياً: ينبغي أن ننتبه إلى أن الآية قالت: ﴿لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى﴾ أي لينصره ويُعْلِيَه على سائر الأديان ويعطيه الغلبة عليها، وفرق كبير بين العلوّ والغلبة على سائر الأديان، وبين إزالتها ومحوها من الوجود (فلا تتجاهل). ولو كان المراد من الآية إزالة جميع الأديان ومحوها لقال: «ليَمْحِيَ الدينَ كُلَّه» أو «ليقضيَ على الدِّين كُلِّه» ونحو ذلك. لكن القرآن الكريم استخدم مادّة (ظ، هـ، ر) التي معناها «الغلبة» وليس معناها «الإزالة والمحو»، كما قال تعالى ﴿يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡض﴾ [غافر: ٢٩]، قال الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» شارحاً الآية الأخيرة:
"«يا قوم لكم الملك اليوم» أي لكم السلطان على أهل الأرض يعني أرض مصر اليوم «ظاهرين في الأرض» أي عالين فيها غالبين عليها قاهرين لأهلها".
ولو كان الظهور على الآخرين في الأرض معناه إزالة الآخرين تماماً لوجب أن يكون بنو إسرائيل قد أبيدوا في مصر ولم يبقَ إلا فرعون وآله وحكمهم!
أو نقرأ قوله تعالى: ﴿فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ ١٤﴾ [الصف: ١٤]. ومن البديهي أن المؤمنين تغلَّبوا على أعدائهم، ولكنهم لم يزيلوهم من صفحة الوجود، ولم يتَّفق أبداً أن أصبح النصارى بلا أيِّ أعداء!
ثالثاً: لو قبلنا الروايات السابقة التي تقول إنه لن يبقى بعد خروج القائم كافر ولا مشرك ولا يهودي ولا نصراني، لوقعنا في مخالفة القرآن الذي أخبر أن الكفر والشرك وفرق اليهود والنصارى ستبقى إلي يوم القيامة ولن تُمْحى من الأرض (المائدة: 14 و 26)[195]. (فتأمَّل)
رابعاً: قال الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» مفسِّراً قوله تعالى: ﴿لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾[التوبة:33]
"«ليظهره على الدين كله»: معناه ليُعْلي دينَ الإسلام على جميع الأديان بالحجة والغلبة والقهر لها، حتى لا يبقى على وجه الأرض دينٌ إلا مغلوباً، ولا يغلب أحدٌ أهل الإسلام بالحجَّة، وهم يغلبون أهل سائر الأديان بالحجَّة، وأما الظهور بالغلبة فهو أن كل طائفة من المسلمين قد غلبوا على ناحية من نواحي أهل الشرك ولحقهم قَهْرٌ من جهتهم".
وجعل الشيخ الطَّبْرَسِيّ هذا المعنى مُقدَّما على جميع الأقوال الأخرى.
ولما رأى عددٌ من المفسِّرين أن تحقُّق هذه الآية سيتم بواسطة الرسول، وأنه قد أشير في مقطع آخر من الآية إلى كراهية المشركين - الذين كانوا في جزيرة العرب - لذلك (أي جملة: وَلَوْ كَرِهَ الـْمُشْرِكُونَ)، قالوا إن المُراد هو غلبة الإسلام على الأديان التي كانت في جزيرة العرب، وأن هذه الآية تحقَّقت في صدر الإسلام بانتصار الإسلام على مشركي مكة وعلى اليهود والنصارى في المدينة ونواحي الشام، وقد أيد آية الله السيد أبو القاسم الخوئي هذا التفسير في فصل «إعجاز القرآن» من كتابه الشريف: «البيان»، ورأى أن ذلك الانتصار والغلبة على المشركين واليهود والنصارى - الذين جاء الكلام عنهم قبل الآيتين المذكورتين من سورتَي التوبة والصف أو بعدها - تحقَّق في ذلك العهد، خاصَّةً أن وعود سورة الفتح كلَّها وعودٌ قريبةٌ تتعلَّق بمستقبل غير بعيد.
ولا تتنافى الغلبة الظاهرية بالطبع مع غلبة الإسلام من الناحية المعنوية ومن ناحية الحُجَّة والبرهان، يعني أنه لا مانع من أن يكون انتصار الإسلام وتغلُّبَهُ على ما سواه من الأديان قد تحقَّق من كلا الناحيتين - الظاهرية المادية والفكرية المعنوية- مع العلم بأن الغلبة المعنوية أكثر أهمية في نظر القرآن وأكثر دواماً وبقاءً. وإذا لاحظنا أن الله تعالى قال: ﴿كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ ٢١﴾ [المجادلة: ٢١] مع علمنا بأن بعض الأنبياء استُشهدوا (البقرة: 61 و87، والنساء: 155، وآيات أخرى) ولم تتحقق لهم الغلبة الظاهرية، أدركنا أن المراد الأصلي من الآية 21 من سورة المجادلة هو الغلبة المعنوية، وأن هذا الجانب فقط يكفي لكي يعتبر القرآن الغلبةَ ظاهرةً متحقِّقَةً. هذا على الرغم من أن النَّبِيّ الأَكْرَم ص تحقَّقَتْ له كلا الغلبتين، فقد انتصر منطق القرآن واستدلاله وتطابقه مع العقل على منطق الكفار والمشركين أو اليهود والنصارى الذين لم يستطيعوا أن يُجيبوا عن الإشكالات التي طرحها القرآن على عقائدهم إجابةً مُستَدَلَّةً[196].
وعلى أية حال، فكما لاحظنا، لا علاقة للآيات بالقائم المُتَخَيَّل. ونحن لا نتعجَّب بالطبع من «علي بن إبراهيم» ضئيل العلم أن يُلَفِّقَ مثل هذه الأقاويل العامية، لكن عجبنا لا ينقضي من المجلسي وغيره من علماء الإمامية الذين يجعلون من كلام «علي بن إبراهيم» مستند عقيدتهم!!
* الرواية 24: ﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ ١ وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ ٢﴾ [الغاشية: ١، ٢]. بيَّن الله تعالى من بداية هذه السورة المكّيّة وحتى الآية 16 منها أحوال أهل النار وأهل الجنة، ولكن «الصَّفَّارَ»[197] الذي كان متساهلاً في أخذ الحديث[198]، تجاهل هنا هذه القرائن وسياق الآيات وقال: "عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (ع): هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ؟ قَالَ: يَغْشَاهُمُ الْقَائِمُ بِالسَّيْفِ!! قَالَ قُلْتُ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ؟ قَالَ: يَقُولُ خَاضِعَةٌ لَاتُطِيقُ الِامْتِنَاع......" وتابعَ أباطيله على هذا النحو!!
* الرواية 25: ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ﴾ [الانعام: ١٥٨].
كان مشركو مكة زمنَ رسول الله ص يتحجَّجون ويطالبون بمثل ما كان اليهود يطالبون نبيَّهم به، مما ذَكَرَتْهُ الآية 210 من سورة البقرة والآية 33 من سورة النحل، ليبرِّروا رفضهم الإيمان به ما لم يأتهم بما يطالبونه به [كقولهم: لن نؤمن لك حتى تنزل علينا الملائكة أو يأتينا الله ذاته أو تأتي بعض آياته... الخ]، لكن الشيخ الصدوق الذي لم يكن يميز بين الصحيح والسقيم من الحديث[199] روى بسنده عن الإمام الصادق (ع)[200] أنه قال: "الْآيَاتُ هُمُ الْأَئِمَّةُ، والْآيَةُ المُنْتَظَرُ هُوَ الْقَائِمُ (ع)، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلِ قِيَامِهِ بِالسَّيْفِ، وَإِنْ آمَنَتْ بِمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ آبَائِهِ"!!
فليت شعري! هل هناك أي معنى لقول النبيِّ ص لمشركي مكَّة انتظروا ظهور آية القائم؟! وهل يرى هؤلاء القوم أن آيات القرآن منحصرة بالأئمة فقط حتى آيات العذاب!!
* الرواية 26: ﴿فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ ١٥ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ ١٦﴾ [التكوير: ١٥، ١٦]. ذكر جميع المفسرين استناداً إلى اللغة أن معنى الآيات قَسَمُهُ تعالى بالنجوم السيارة التي ترجع في مدارها وتختفي وراء ضوء الشمس.
لكن الشيخ الصدوق[201] روى روايةً أسندها إلى الإمام الباقر (ع) أنه قال: "فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ فَقَالَ إِمَامٌ يَخْنِسُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ انْقِضَاءٍ مِنْ عِلْمِهِ سَنَةَ سِتِّينَ ومِائَتَيْنِ ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَقَّادِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَلِكَ قَرَّتْ عَيْنَاكَ". 30فهل من الممكن أن يقسم الله تعالى لأهل مكة الذين لم يكونوا حينذاك مؤمنين بنبيه بعد وكانوا يعتبرون القرآن سحراً، بخليفةِ نبيِّه الثاني عشر الذي لم يره أحد ولم يسمع به؟! هذا إضافةً إلى أن «الجَوَار» جَمْعٌ في حين أن الإمام غائب مفرد!! ألم يكن الإمام الباقر ÷ في نظر أولئك الرواة الجهلة الوضاعين يعلم العربيَّة؟! فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا؟!
* الروايتان 28 و29: ﴿الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾ [البقرة: ١، ٣].
ينقل المَجْلِسِيّ في البحار عن كتاب «كمال الدين» للشيخ الصدوق روايةً "عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصادق (ع): "فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ؟ قَالَ: مَنْ أَقَرَّ بِقِيَامِ الْقَائِمِ (ع) أَنَّهُ حَقٌّ"[202] !! كما يدَّعي «علي بن أبي حمزة البطائني» أن "يَحْيَى بْنَ أَبِي الْقَاسِمِ قَالَ: سَأَلْتُ الصَّادِقَ (ع) عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾؟ فَقَالَ: الْمُتَّقُونَ: شِيعَةُ عَلِيٍّ (ع)، وَأَمَّا الْغَيْبُ: فَهُوَ الْحُجَّةُ الْغَائِبُ. وَشَاهِدُ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِـلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرِينَ﴾ [يونس: 20]".
وينبغي أن نسأل: هل يصح أن يذكر الله تعالى في هذه الآيات الإيمان بالقائم ولا يذكر الإيمان بالله تعالى؟! هذا في حين أن «الغيب» هو الشيء أو الأمر الغائب ذاتاً والمُستتر وغير المشهود كذات الله الأحدية. وقد فسَّر المُفسِّرون أيضاً كلمة «الغيب» هنا بمعنى «الله تبارك وتعالى». أضف إلى ذلك أن المهدي لم يكن قبل غيبته غيباً كما أنه لن يكون غيباً بعد ظهوره فكيف يُؤمن المُتَّقون بالغيب حينذاك؟! أي أن ظهور المهدي سيجعل الآية لغواً لا مصداق لها في عالَم الخارج. (راجعوا الصفحة 88 إلى 91 من الكتاب الحاضر).
ثم إن الآية 20 من سورة يونس المكية التي تمّ الاستشهاد بها في الرواية الثانية أعلاه نزلت بشأن مشركي مكة الذين كانوا يقولون: لماذا لا تنزل على محمد آيةٌ من ربِّهِ فردَّ الله تعالى عليهم بقوله لنبيِّه: قل لهم إن المعجزات بيد الله وليست بملكي وهي أمر غيبيٌّ خاصٌّ بالله فانتظروا حتى إذا رأى الله المصلحة في إنزال معجزةٍ أنزلها عليَّ وأنا معكم من المنتظرين. فهذه الآية بمُلاحظة الآيات التي جاءت قبلها وبعدها تُعتبر من الآيات التوحيدية التي تُبيِّن أن المعجزة ليست من صنع الرسول ص بل هي أمر غيبي لا يعلم حتى رسول الله ص شيئاً عن مجيئها ووقت ظهورها. فإذا عرفنا ذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ما علاقة هذه الآية بالمهدي؟ هل يُعقل أن يقول الله تعالى رداً على المشركين الذين كانوا يُطالبون بمعجزة كي يؤمنوا بالتوحيد ويتركوا الشرك: انتظروا مهديَّاً سيأتي آخر الزمن؟!! للأسف لقد جعل الشيخ الصدوق ومُقلِّدوه من رواية شخص «واقفي» [كعلي بن أبي حمزة البطائني] مستنداً ودليلاً لعقيدتهم!!
* 31الروايات 31 و33 و34 و52: ﴿وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ ٢٢ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ ٢٣﴾ [الذاريات: ٢٢، ٢٣]. يروي الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة» عن عدد من الرواة مجهولي الحال والضعفاء عن ابن عباس أنه قال: "وفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ قَالَ: هُوَ خُرُوجُ المَهْدِيِّ"!.[203]
كما تلاحظون بدأت الآية بواو العطف، فهي معطوفة على الآيات التي قبلها. لاحِظ أيها القارئ الكريم هذه السورة المكية في القرآن الكريم كي ترى أن الآيات قبل الآية المذكورة تتحدث عن القيامة ثم عن المنكرين والمتَّقين وتلفت انتباههم إلى آيات الله في السموات والأرض وفي خَلْقِهم، ثم يقسم اللهُ تعالى في الآية 23 أن القيامة والجزاء الأخروي واقعان قطعاً لا محالة. فهل هناك من عاقل - مهما كان عقله ضعيفاً - يمكن أن يقبل أن يُنَزِّلَ اللهُ تعالى في مكة إحدى وعشرين آيةً حول القيامة ثم يقول أقسم بربِّ السموات والأرض إن المهدي سيخرج؟! أليس من المعقول حينئذٍ أن يسأل المشركون من هو هذا المهدي وما علاقتنا بخروجه نحن الذين لا نعتقد بالقيامة من أساسها؟!! وهل كان ابن عباس - الذي افتريتم عليه هذه الرواية - جاهلاً إلى هذا الحد بمعاني وعود القرآن؟! أم كان جاهلاً باللغة العربية حتى جعل الآية متعلِّقةً بمهدي آخر الزَّمَان؟! وهل كان اهتمام القرآن الكريم بإيمان المشركين بقيام المهدي أكثر من اهتمامه بإنكارهم القيامة؟![204]
* الروايتان 32 و37: ﴿ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ١٧﴾ [الحديد: ١٧].
أقول: لقد ذُكِرَ هذا المعنى مراراً في القرآن الكريم واعتُبِر من الدلائل على قدرة الله لكن عدداً من المجاهيل والضعفاء رووا[205] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾: يَعْنِي يُصْلِحُ الْأَرْضَ بِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا"! قلتُ: فمعنى هذا أنه تعالى لم يحيِ الأرض بعد، فمن يحييها كل ربيع الآن؟! هل يُسمَّى هذا تفسيراً؟! هل قال ابن عباس حقيقة مثل هذا الكلام أم افترى الرواة الوضاعون هذا الكذب عليه؟[206]
* الروايات 35 و65 و66: اعلم أن الآية التالية (الآية 5 من سورة القصص) المعروفة بآية الاستضعاف، والآيتان 32 و 33 من سورة التوبة والآية 55 من سورة النور والآية 105 من سورة الأنبياء استُغِلَّت وفُسِّرت بالرأي في هذا الموضوع، أكثر من سائر آيات القرآن الكريمة. وقد كُتِبت هذه الآيات في الكتب المدرسية كي يُعوِّدوا الناس منذ طفولتهم على الخرافات، فلا بُدَّ أن نقوم بتحقيق أكثر وتأمل أعمق للآيات التالية:
﴿نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٣ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ٤ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ ٦﴾ [القصص: ٣، ٦].
سورة القصص من السور المكّيّة وقال أبو الفتوح الرازي[207] من مفسِّري الشيعة في تفسيره للآية الخامسة من سورة القصص:
"(وَنُرِيدُ) أي أردنا أن نمنَّ على الذين استُضعِفوا في أرض مصر من بني إسرائيل ونجعلهم أئمةً يقتدي الناس بهم في أعمال الخير..... وجعلناهم ورثةً لأموال فرعون وقومه بعد أن أهلكناهم".
لاحظوا أنه اعترف أن المراد من «الأرض» أرض مصر بالذات وليس جميع الأرض. كما أنه اعتبر أن معنى الفعل المضارع (وَنُرِيدُ): أردنا.[208] (فتأمَّل)
فنقول: أولاً: إن مفسّري الشيعة ومن جملتهم «أبو الفتوح الرازي» الذين فسروا كلمة «الأرض» بمعنى الأرض كلها (أي كل الدنيا) أخطؤوا بلا ريب، لأن سورة القصص نزلت بشأن فرعون وآل فرعون الذين كانوا يحكمون منطقةً معينةً من الأرض هي أرض مصر، ولم يكونوا يحكمون الكرة الأرضية كلها! (فلا تتجاهل).
ومن حيث المبدأ فإن أهل المعرفة بالقرآن يعلمون أن كلمة «الأرض» لا تأتي في القرآن الكريم بمعنى الكرة الأرضية أو الأرض كلّها دائماً[209] بل جاءت كلمة الأرض في كثير من الحالات على معنى جزء محدود و معيَّن من الأرض أي أرض بَلَدٍ من البِلاد، كما جاءت أحياناً بمعنى أرض الجنَّة. (الزمر: 74). وجاءت في موارد عديدة بمعنى "هذه الأرض". (التوبة: 2، وإبراهيم: 14) وأكثر الموارد التي استُخْدِمَت فيها كلمة «الأرض» بمعنى «أرض هذا البلد» كان المقصود منها «الأرض الخاضعة لحكم الفراعنة: أي أرض مصر وفلسطين» (كما جاءت مثلاً في سورة يوسف: 21 و55 و56 و73 و80 وسورة الإسراء: 4 و103 و104 و.......).
بناء على ذلك فلا يمكن بأي وجه من الوجوه تفسير كلمة «الأرض» التي جاءت في بداية قصَّة آل فرعون بمعنى كل الأرض أي كل العالم! و بالمثل نجد أن قوله تعالى: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِيُخۡرِجُوكَ مِنۡهَا﴾ [الإسراء: ٧٦] لا يُقصد منه أن المشركين كادوا أن يخرجوا النبيَّ ص من كوكب الأرض!! أو في الآية التي أمهل اللهُ فيها المشركين المحاربين أربعة أشهر وقال: ﴿فَسِيحُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ﴾ [التوبة: ٢] لم يكن المقصود أنَّ عَلَى المشركين أن يخرجوا من الكرة الأرضية بعد أربعة أشهر! ولو بقوا على سطح الأرض فعليهم أن يسلموا!! وهكذا....
ثانياً: لقد بيَّن الله تعالى بوضوح هوية الوارثين في سورة القصص وتحقق ذلك الوعد الإلـهي الذي جاء فيها، فلم يعد هناك مجال لتلفيق كلامٍ حول ذلك، قال تعالى: ﴿وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ ١٣٧﴾ [الأعراف: ١٣٧]. بمقارنة هذه الآية مع الآيات من 2 إلى 6 من سورة القصص يَتَبَـيَّنُ بوضوح أن مُراد الآيات هو المستضعفين من بني إسرائيل في زمن حضرة موسى (ع)[210]، وبهذا يبطل تماماً كذب الرواة الذين جعلوا الآية متعلقة بخروج المهدي!
ثالثاً: لقد تكلمنا بما يكفي عن مدلول كلمة «إمام» و«أئمَّة» في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 323-325، و ص 381 إلى 389) فلا نكرر ذلك هنا، ولكننا نذكِّر فقط هنا بأن الإرادة الإلـهية بجعلهم أئمةً ﴿وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ﴾ قد تحقَّقت وظهر بين بني إسرائيل أئمة مثل: موسى وهارون ويوشع و... عليهم السلام، لأنَّ الله سمَّى أنبياء بني إسرائيل أئمَّةً (الأنبياء: 74) ولا شك أن أنبياء بني إسرائيل -عليهم السلام - الذين كانوا أُسْوَةً للآخرين، كانوا «أئمَّةً» للناس. كما أن كلمة «أئمَّة» جاءت في آية سورة القصص بصيغة الجمع، ومن الواضِح أن هذا يتناسب مع أنبياء بني إسرائيل أكثر من تناسبه مع المهدي الفرد! (فلا تتجاهل).
رابعاً: قولهم إن أفعال «نُرِيْدُ» و«نَمُنَّ" وَ"نَجْعَلَهُمْ" وَ "نُمَكِّنَ" مضارعة والفعل المضارع يدل على المستقبل لا يعدو مغالطة واضحة منشؤها التعصب وخداع العوام، لأنهم يرون بأعينهم أن فعل «َنُرِيَ» في جملة «وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا...» معطوفٌ أيضاً على الأفعال المضارعة المذكورة السابقة، كما أنهم يرون أن أفعال «يَسْتَضْعِفُ» وَ«يُذَبِّحُ» وَ«يَسْتَحْيِي» جاءت أيضاً بصيغة المضارع، ولكنهم بكل عنادٍ وتجاهل لا يذكرون زمن المضارع إلا لأفعال الآية 5 فقط!! كما أنهم كانوا يتجاهلون تماماً أن فعل المضارع في بعض الحالات لابُدَّ أن يُترجم -استناداً إلى فحوى الكلام والقرائن الموجودة- طبقاً لمعنى الماضي الاستمراري في اللغة الفارسية كي يتمّ الحصول على المقصود الحقيقي، مثلما نجد أنه لم يُترجم أحد فعل المضارع في الآية 43 من سورة الرحمن بزمن المضارع: ﴿هَٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٤٣﴾ [الرحمن: ٤٣] بل ترجمها جميعهم -بناءً على مُقتضى الكلام- بزمن الماضي الاستمراري. وكثير من آيات القرآن ينطبق عليها هذا الأمر وهي مسألة لا تخفى على العارفين بالقرآن وبقواعد النحو في اللغة العربية وليس فهمها عسيراً عليهم! إن هناك كثير من الحالات لا يُفيد فيها الفعل المضارع -الذي لا يوجد قبله أفعال ناقصة مثل: كان- الذي يأتي بعد الفعل الماضي ويكون المضارع مرتبطاً بهذا الماضي، معنى الحاضر أو المستقبل (=الوقوع بعد زمان التكلم)، فمثلاً هل يُترجم أحد فعل المضارع «يُجادلنا» في الآية 74 من سورة هود، الذي جاء بعد الفعل الماضي «ذهب» بزمن المستقبل؟! وهل يُترجم أحد فعل المضارع «تجري» في الآية 14 و «تنزع» في الآية 20 من سورة القمر بزمن المستقبل؟! هل يُترجم أحد فعل المضارع «يغشى» و «يظنُّون» في الآية 154 من سورة آل عمران بزمن المضارع؟! هل يُترجم أحد فعل «يحكم» في الآية 44 من سورة المائدة بزمن المستقبل؟! هل يُترجم أحد فعل المضارع «تتلو» في الآية 102 من سورة البقرة بزمن المضارع؟! هل تُترجمون فعل «يُسبّحن» في الآية 18 من سورة ص و«يقذفون» في الآية 53 من سورة سبأ بزمن المضارع (= أي المتزامن مع وقت التكلم أو بعده)؟! ونماذج ذلك في القرآن كثيرة جداً ولسنا في صدد إحصائها. (فلا تتجاهل).
بناءً على ما تقدّم نسأل: إذا كان فعل «نُريد» مضارعاً، ويدل على المستقبل (أي بمعنى وقوع الفعل بعد زمن التكلم) فبماذا تُفسِّرون أفعال «يستضعف» و«يُذبّح» و «يستحيي»؟! إذا فسَّرنا الآية حسب ما يُعجبكم فسيكون معنى آيات سورة القصص المذكورة كالتالي: إن فرعون -الذي كان من المفسدين وكان يعيش قبل قرون مديدة من زمن رسول الله ص- علا في هذه الأرض (=مصر) وجعل أهلها شيعاً، وفي المستقبل سوف يستضعف طائفةً منهم(؟!) وسوف يُقتِّل أبناءهم(؟!) وسوف يستحيي نساءهم(؟!) ونحن نُريد أن نمنَّ في المستقبل على الذين استُضعفوا في الأرض وأن نجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين وأن نُمكِّن لهم في الأرض (أيُّ أرض؟) ونُريَ فرعون وهامان وجنودهما (أين يكون هؤلاء في المستقبل؟) ما كانوا يخافون منه؟!!
من البديهي أن حكم فعل المضارع في جملة «نُريَ فرعون» هو حكم أفعال «نُمكِّن» و «نجعل» و «نمنّ» المرتبطة ببعضها والتي عُطف بعضها على بعض ذاته بلا أيّ فرق. بناءً على ذلك لا بُدَّ من أن تُفهم الأفعال المضارعة أعلاه التي جاءت قبل الفعل الماضي «استُضعفوا» وبعده على نحو يتناسب بعضه مع بعض وينسجم بعضه مع بعض، وبالمثل لا بُدَّ من فهم الأفعال المضارعة التي جاءت في الآية 4 بعد الأفعال الماضية «جعل» و «علا» على نحو منسجم ومتناسب بعضه مع بعض. أضف إلى ذلك أن ضمير «هم» في كلمات: «منهم» و «لهم» (الآية 6) وفي «نجعلهم» (الآية 5) وفي «نساءهم» و «أبناءهم» و «منهم» (الآية 4) وضمير الواو في «استُضعفوا» (الآية 5) كلها تُشير إلى جماعة واحدة هم قوم موسى (بني إسرائيل)[211] وكانوا يعيشون في زمن فرعون في مصر، و «في الأرض» في الآيتين 4 و 5 لا فرق بينهما وكلاهما يُبيِّنان منطقة واحدة هي أرض مصر. (فلا تتجاهل).
خامساً: بناء على ما تقدَّم فإن علَّة استخدام زمن المضارع في أفعال الآيتين 4 و 5 بعد الأفعال الماضية في الآيات قبلها، هو إفادة معنى التأخُّر المعلولي (في مقابل التقدُّم العِلِّيّ)، يعني أن استضعاف بني إسرائيل و قتل أبنائهم.....الخ كان ناجماً عن تكبر فرعون وعلوه في الأرض، لذلك تعلَّقت إرادتنا بانتصار بني إسرائيل على آل فرعون وأن يرى آل فرعون جزاء أعمالهم الظالمة وأن يرث قوم موسى الأرض، أي هذه الإرادة جاءت بسبب ظلم فرعون وعلُوّه في الأرض واستضعافه لبني إسرائيل، ونتيجة لذلك.
سادساً: بيَّن الله كيفية تحقُّق إرادته «وَنُرِيْدُ» في سورة القصص من الآيات 7 حتى 40 وقال لقد حققنا إرادتنا بهذه الصورة[212]:﴿وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٧﴾ [القصص: ٧] إلى أن يصل إلى الآية 40 فيقول: ﴿فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ٤٠﴾ [القصص: ٤٠]. ثم يقول تعالى على سبيل المقابلة بين جعله بني إسرائيل أئمَّة هداية وجعله آل فرعون أئمَّةً دعاةً إلى النار: ﴿وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا يُنصَرُونَ ٤١﴾ [القصص: ٤١][213].
وننقل هنا قول المرحوم «مرتضى مطهَّري» -الذي يُمْدَحُ كثيراً في هذه الأيام ويُثنَى على أقواله ومؤلَّفاته- حول آيات سورة القصص كي يعلم القارئ المحترم أنه رغم كونه من المُعتقدين بالمهدي الموعود إلا أنه لم يستخرج هذا الأمر من آيات سورة القصص. (فَتَأَمَّل)
"هذه الآيات الثلاثة مرتبط بعضها ببعض وتُبيِّن مع بعضها فكرة واحدة. المعنى المرتبط للآيات الثلاث هو التالي: إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها فِرقاً فِرقاً[214]، فاستضعف فِرقةً منهم واستذلَّهم وقطَّع رؤوس أبنائهم وأبقى بناتهم فقط على قيد الحياة، إنه كان من المفسدين، وكنا قد أردنا أن نمنَّ على أولئك الذين استضعفهم فرعون وأن نجعلهم أئمةً ونجعلهم وارثين ونُمكِّنهم في الأرض ونُريَ على أيديهم فرعون ووزيره هامان ما كانوا منه يحذرون.
نُلاحظ أن جملة «وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ» وجملة «وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ....» في الآية الثالثة معطوفتان على جملة «أَن نَّمُنَّ» في الآية الثانية ومُتمِّمة لمعناها. وبناءً على ذلك لا يُمكن أن نفصل هاتين الآيتين بعضهما عن بعض. ومن الناحية الأخرى نرى أن مضمون الجملة الثانية من الآية الثالثة أي جملة «وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ....» مُتعلّقة بمضمون الآية الأولى حيث تُبيِّن لنا مصير فرعون الذي بيّنت الآية الأولى جبروته وطغيانه؛ فلا يُمكن الفصل بين الآية الثالثة والآية الأولى، ولما كانت الآية الثالثة معطوفة على الآية الثانية ومُتمِّمة لها فلا يُمكن فصل الآية الثانية أيضاً عن الآية الأولى.
لو لم تكن الآية الثالثة أو لو لم يُطرح مصير فرعون وهامان فيها لأمكن أن نفصل بين الآية الثانية والآية الأولى ونعتبر كل واحدة منهما مستقلة ونستنبط منها أصلاً أي مبدأ كلياً عاماً. إن ما يُستفاد هو أن فرعون كان يُمارس العُلوّ والجبروت والطغيان والتفرقة في الأرض واستضعاف الناس فكرياً وقتل أبنائهم، في حين أنه في ذلك الحين ذاته كانت إرادتنا قد تعلّقت بأن نمنَّ على أولئك الناس الذين ظُلموا وحُقِّروا وحُرموا فنجعلهم أئمةً ونجعلهم وارثين، إذن اسم الموصول «الذين» في الآية يُشير إلى مذكور «معهود» وليس عاماً استغراقياً.
علاوةً على ذلك هناك نقطة أخرى في الآية وهي: أن جملة «وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ» معطوفة على جملة «أَن نَّمُنَّ» التي تُفيد المعنى التالي: نمنَّ عليهم ونجعلهم كذا وكذا. ولم تقل الآية «بأن نجعلهم .....» التي تُفيد: أن المِنَّة التي مننَّاها عليهم هي عين إعطائهم الإمامة والوراثة -كما يُفسِّر المُفسِّرون تلك الجملة عادةً- بل مفاد الآية هو أن إرادتنا تعلَّقت بأن نمنَّ على المُستضعفين بأن نُرسل لهم نبيَّاً وكتاباً سماوياً (=موسى والتوراة) ونُعلِّمهم ونُربّيهم تربيةً دينية ونُنشئ فيهم عقيدة التوحيد ونجعلهم من أهل الإيمان والصلاح. فمعنى الآية هو التالي: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ بموسى وبالكتاب الذي نُنزِّله على موسى وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ....."[215].
تذكير: تأمل قليلاً أيُّها القارئ المحترم ولاحظ هل كان الشيخ الأجل الطوسي المُلقّب بشيخ الطائفة أو العلامة المَجْلِسِيّ أو ..... لا يُدركون حقاً المطالب الواضحة والبسيطة المذكورة أعلاه، أم أنهم كانوا يتجاهلونها ويُريدون أن يُؤيِّدوا ما يذكره الرواة الوضَّاعون الجاهلون بأي ثمن؟! (فَتَأَمَّل جداً).
* الرواية 36: ﴿أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ ١٦﴾ [الحديد: ١٦].
كما يُلاحَظُ دعا الله المؤمنين في كل الأزمنة قائلاً: إذا آمنتم فينبغي ألا يكون إيمانكم ظاهرياً بل عليكم أن تخشع قلوبكم لذكر الله وتخضع وتلين لِـلَّهِ وتقبل آيات القرآن وتُطيع ما فيها من تعاليم، وأن تعتبروا من حال اليهود والنصارى الذين جاءهم هم أيضاً كتاب سماوي إلا أنهم لم يلتزموا به ولم يعملوا بتعاليمه كما يجب، ولم تخضع قلوبهم للحق بل كان أكثرهم فاسقين.
هذا هو معنى الآية الواضح، فإذا كان كذلك فما علاقة هذه الآية بمهدي آخر الزمن حتى يقول الشيخ الصدوق والمجلسي عن الآية: "نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْقَائِمِ"؟! لا أحد يعرف الإجابة سوى الرواة الوضاعين الجهلة!!
* الروايات 38 و39 و 40 و 41: ﴿إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠]. من الواضح أن الآية -بقرينة الآيات السابقة واللاحقة- خاصة بِـجَرْحَى غزوة «أُحد» وهي تُبيِّن الحكمة من وقوع الشدّة والجراحات بالمؤمنين، ويُمكن للقارئ المحترم أن يُراجع ما ذكره الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» ذيل هذه الآية والآية التي بعدها. لكن العيَّاشي روى عن الإمام الصادق ÷ أنه قال: "ما زال مُذْ خلق الله آدم دولةٌ لِـلَّهِ ودولةٌ لإبليس، فأين دولةُ اللهِ، أَمَا هو إلا قائم واحد"؟! لقد تلاعب العيّاشيّ بمعنى هذه الآية أيضاً.
﴿ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ﴾ [المائدة: ٣]. سورة المائدة هي السورة 112 في القرآن من حيث ترتيب النزول، ويُبشِّر الله المؤمنين فيها بأنه قد أكمل لهم دينهم وأتمَّ عليهم نعمته وأن الكفار قد يئسوا من النصر على المؤمنين، وأنه لم يعد باستطاعة أعدائكم أيها المؤمنون فعل شيء، فعليكم أن تخشوا الله وحده وتتَّقوه. وقد ذُكرت كلمة «اليوم» في الآيتين 3 و5 ثلاث مرّات، لكن «العيّاشي» -دون أن ينتبه إلى هذه الحقيقة- يروي عن «عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ»، الذي اعتبره علماء الرجال ضعيفاً، روايةً ينسب فيها إلى الإمام الباقر (ع) أنه قال إن المقصود من «اليوم» في بداية الآية: "يَوْمَ يَقُومُ الْقَائِمُ (ع)". والمقصود من «الذين كفروا»: "بَنُو أُمَيَّةَ فَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَئِسُوا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (ع)"!
إن هؤلاء الرواة الجهلة لا يعلمون أن بني أُميَّة قد انقرضوا منذ قرون عديدة ولم يقم المهدي حتى الآن كي يجعلهم ييأسون من آل محمد!!
الآن لاحظوا الآية التالية: ﴿وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥ﴾ [التوبة: ٣]. قرأ أمير المؤمنين علي ÷ هذه الآية على الناس في السنة التاسعة للهجرة في أيام الحج في مكة. وعلينا أن ننتبه إلى أن الآية ابتدأت بحرف العطف «واو» مما يُبيِّن أنها معطوفة على الآية التي قبلها، لكن «العيّاشيَّ» الخرافي الجاهل روى أن المراد من الآية: "خُرُوجُ الْقَائِمِ، وَأَذَانٌ: دَعْوَتُهُ إِلَى نَفْسِهِ"؟! وقد نسب هذه الرواية إلى الإمام الصادق والإمام الباقر عليهما السلام، وفي نظرنا إنه افترى على الإمامين الجليلين.
والآية الأخرى هي التالية: ﴿وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗ﴾ [التوبة: ٣٦]. هنا أيضاً يروي «العياشيُّ» روايةً منسوبةً إلى الإمام الصادق (ع) يقول فيها: "قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ ولَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا سَيَرَى مَنْ يُدْرِكُهُ مَا يَكُونُ مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ ولَيَبْلُغَنَّ دَيْنُ مُحَمَّدٍ ص مَا بَلَغَ اللَّيْلُ حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ اللهُ"!
ولكن ينبغي أن نعلم أنه طبقاً لصريح القرآن -كما ذكرنا سابقاً في دراستنا للرواية 22- سيبقى الشرك والتوحيد واليهود والنصارى والمسلمين في الأرض إلى يوم القيامة، وأن القول بمجيء شخص يمحو غير المسلمين من على وجه الأرض قول كاذب لا أساس له ومخالف لقول القرآن!! (فلا تتجاهل).
واعلم أن إحدى عشرة رواية من روايات هذا الفصل نُقلت من تفسير «محمد العيّاشي السمرقندي» الذي كان مؤلفاً خرافياً ضعيف العقل، ولو رجعنا إلى كتابه لوجدنا فيه العجائب التي لا يُمكن لمن فيه مُسْكة عقل أن يقبلها، ولكي يطَّلع القُرّاء على ميزان فهمه وعلمه نأتي هنا بنماذج من رواياته (وعلى من يريد التفصيل أكثر أن يرجع إلى تفسيره).
روى «العيّاشيُّ» في حديثٍ مُرسَلٍ عن الإمام الباقر (ع) بشأن قوله تعالى: ﴿شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١٨﴾ [آل عمران: ١٨]: قال: "..... وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ فَإِنَّ أُولِي الْعِلْمِ: الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْصِيَاءُ، وَهُمْ قِيَامٌ بِالْقِسْطِ، وَالْقِسْطُ هُوَ الْعَدْلُ فِي الظَّاهِرِ، وَالْعَدْلُ فِي الْبَاطِنِ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع)"!!
كلُّ من له أدنى علم باللغة العربية يعلم ويفهم أن عبارة: «قائِماً بِالْقِسْطِ» حالٌ من «الله» ولهذا السبب جاءت العبارة بصيغة المفرد في حين أنه لو كانت العبارة حال لـ «وَأُولُوا الْعِلْمِ» لجاءت بصيغة الجمع أي بصورة «قائمين بالقسط»! ومن البديهي أن الإنسان العربي اللسان لا يقول مثل هذا الكلام فكيف بحضرة باقر العلوم (ع)!! يا تُرى لو استعمل «العيّاشيُّ» عقله قليلاً هل كان يُدرج في كتابه مثل هذه الرواية منسوبةً إلى الإمام؟! لم يكن عبثاً قول النجاشي والعلامة الحلي عن العيّاشي: إنه كان يروي كثيراً عن الضعفاء.
* الروايتان 44 و45: ينقل العيّاشي روايةً يدَّعي راويها أن الإمام أبا جعفر الباقر قال: "إِنَّ عَهْدَ نَبِيِّ اللهِ صَارَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) ثُمَّ صَارَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (لاحظوا أن الحديث ساكت عن الإمام الصادق فمن بعده ويقول بصورة مُبهمة): ثُمَّ يَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ فَالْزَمْ هَؤُلَاءِ فَإِذَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَعَهُ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ وَمَعَهُ رَايَةُ رَسُولِ اللهِ ص عَامِداً إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى يَمُرَّ بِالْبَيْدَاءِ فَيَقُولَ: هَذَا مَكَانُ الْقَوْمِ الَّذِينَ خُسِفَ بِهِمْ[216]، وَهِيَ الْآيَةُ الَّتِي قَالَ اللهُ: ﴿أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّئَِّاتِ أَن يَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ ٤٥﴾ [النحل: ٤٥] ".
هذه السورة مكية ولم يكن موضوع المهدي مطروحاً في ذلك الحين على الإطلاق. ثم إن الله ذكر في هذه الآية عدة أنواع من العذاب يُمكن أن تَـحِلّ بالمجرمين المُسيئين وختم أنواع العذاب تلك بقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٌ ٤٧﴾ [النحل: ٤٧].
* 32الرواية 49: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ ٨ فَذَٰلِكَ يَوۡمَئِذٖ يَوۡمٌ عَسِيرٌ ٩﴾ [المدثر: ٨، ٩]. تتكلم هذه الآية باتفاق جميع المفسّرين عن يوم القيامة. لكن «النعماني»[217]يروي في كتابه «الغيبة» روايةً عن شخص مجهول باسم «مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ» عن شخص من الغلاة عن الإمام الصادق (ع): "أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)؟ فَقَالَ: إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُسْتَتِراً فَإِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ إِظْهَارَ أَمْرِهِ نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً فَظَهَرَ فَقَامَ بِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ"! ولم يوجد من يقول لهؤلاء الرواة إن سورة المدّثر من أوائل ما نَزَل على رسول الله ص في مكة التي كان أهلها مُشركين ومُنكرين للقيامة ولنُبُّوة رسول الله ص، فهل يُعْقَل أن يترك الله في مثل ذلك المقام الكلام عن التوحيد والمعاد ويطلب من الكافرين أن يؤمنوا بقيام الإمام الغائب المستور؟! فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا. نسأل الله أن يهب هؤلاء الرواة قليلاً من العقل!
* الرواية 50: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥﴾ [النور : ٥٥].
هذه الآية معروفة باسم آية الاستخلاف وهي مثل الآيتين 5 و 6 من سورة القصص، والآيتين 32 و 33 من سورة التوبة والآية 105 من سورة الأنبياء من الآيات التي استُغلّت كثيراً بنحو خاطئ وفُسِّرت بالرأي، لذا من الضروري أن نتأمل بها أكثر من الآيات الأخرى. (راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الحديث 3 من الباب 70).
قال الشيخ الطوسي في تفسيره المعروف بـ «التبيان»:
"في هذه الآية وعدٌ من الله تعالى للذين آمنوا وعملوا الصالحات من أصحاب النبي ص ، بأن يستخلفهم في الأرض، ومعناه يورثهم أرض المشركين من العرب والعجم ﴿كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ﴾ يعني بني إسرائيل بأرض الشام بعد إهلاك الجبابرة بأن أورثهم ديارهم وجعلهم سكانها".
وقد تحقق هذا الاستخلاف في زمن النبيّ ص حيث هُزم أعداؤه وظهرت دعوته واكتمل دينه ونعوذ بالله من أن نقول إن الله لم يُمكّن دينه للرسول الأكرم ص في زمن حياته الشريفة[218] وترك تمكين دينه لأشخاص سيأتون من بعده[219].
إن كلام الشيخ الطوسي صحيح والآية خطاب للحاضرين زمن رسول الله ص، وأما قوله تعالى: ﴿كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ﴾ أي كما أعطى الله الخلافة على جزء من الأرض -وليس على الأرض كلها- للمؤمنين قبلهم كذلك سيُمكِّن الله للمسلمين في تلك الأرض لا في الأرض كلها ويستخلفهم، وقد تحقق هذا الوعد الإلهي زمن رسول الله ص حيث كان المؤمنون صادقين حقاً في إيمانهم، وعملوا بما أمرهم الله فوقعت بلاد الكفار والمشركين بأيديهم وخلفوهم عليها وتمكَّنوا من إظهار دينهم وممارسة شعائرهم وأن يعبدوا الله دون خوف.
وقد اعتبر عَلِيٌّ (ع) أن جند الإسلام -الذي كان كثير من أصحاب رسول الله ص ،أي المخاطَبين بهذه الآية، حاضرين فيه- هم المقصودون بالآية المذكورة ولذلك قال لعُمَر عندما أراد الشخوص لحرب الفرس:
"ونَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللهِ واللهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ ونَاصِرٌ جُنْدَهُ (لاحظوا أنه اعتبر جنود المسلمين في ذلك الزمن جند الله -فلا تتجاهل-) ومَكَانُ الْقَيِّمِ بِالأمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ ....... [ثم أوصى عُمَرَ قائلاً]: "فَكُنْ قُطْباً واسْتَدِرِ الرَّحَى بِالْعَرَبِ وأَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ ...... الخ" (نهج البلاغة، الخطبة 146)[220]. 33
ولكن البطائني الواقفي[221] ونظائره يقولون: إن هذه الآية لا تتعلّق بالنبيّ ومُسلمي صدر الإسلام بل تتعلّق بالمهدي الذي لم يكن حتى أبو جدّه قد خُلق بعد!![222].
* الرواية 54: ﴿يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ ٤١﴾ [الرحمن: ٤١]. إذا لاحظنا سياق هذه الآية الكريمة وما جاء قبلها من قوله تعالى ﴿فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ ٣٧﴾ [الرحمن: ٣٧] وما جاء بعدها من قوله سبحانه: ﴿هَٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٤٣﴾ [الرحمن: ٤٣]، تبيَّن لنا بلا أدنى شك أن الآيات كلها تتعلق بيوم القيامة وهذا أمر واضح يفهمه كل شخص مُنصف. ثم إن هذه السورة مكية وهي أشبه بالسور المكية ولكن لما قال بعض الناس إنها ليست مكية فلن أبحث في هذا الأمر هنا، ولكن لا خلاف في أن هذه السورة نزلت قبل سورة المائدة (أي قبل طرح مسألة الإمامة حسب قولهم)، وبناءً على ذلك فلا معنى أن يقول الله: إذا انشقت السماء فكانت وردية اللون فإن القائم وأنصاره سيضربون جلود الفاسدين بسيوفهم ضربةً شديدة؟!!
ولكن «النعماني» يروي في كتابه «الغيبة» عن رواةٍ غلاة وضعفاء عَنْ الإمام الصادق (ع) قَوْله: ﴿يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ﴾ قَالَ: "... لَكِنْ نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ يَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فَيَخْبِطُهُمْ بِالسَّيْفِ هُوَ وأَصْحَابُهُ خَبْطاً"!
ليت شعري! إلى ماذا يهدفون من هذا الانحراف في تفسير آيات واضحة بيّنة المعنى والتلاعب بمعناها؟ أليس هذا لعباً بآيات الكتاب؟ بماذا سيجيب هؤلاء الرواةُ اللهَ تعالى يوم القيامة؟
* الرواية 55: ﴿وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمۡ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ٢٠ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٢١﴾ [السجدة : ٢٠، ٢١].
تُلاحظون أن الله تعالى يقول في هذه السورة المكية إننا سنُذيق عبادنا المُسيئين من العذاب الدنيوي كي يعودوا إلى الحق ولا يستحقوا العذاب الأخروي، ولكنهم لو أصرّوا على مُحاربة الحق فسنُلقيهم في النار التي لن يستطيعوا أن يخرجوا منها. ولكن عدّة من المجاهيل والضعفاء والمجروحين نسبوا إلى حضرة الصادق (ع) قوله: "ولَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ قَالَ: الْأَدْنَى غَلَاءُ السِّعْرِ والْأَكْبَرُ المَهْدِيُّ بِالسَّيْفِ"!!
إن هؤلاء الرواة الجهلة لا يعلمون أن هذه السورة مكية وأنه لا معنى أن يتوعَّد اللهُ تعالى أهلَ مكة الذين لم يكونوا يؤمنون برسوله، بسيف المهدي الخيالي!!
ثانياً: نسأل هؤلاء الرواة: ألستم تؤمنون بالقرآن؟!! إن القرآن ذاته بيَّن لنا ماهيّة «الْعَذابِ الْأَكْبَرِ» في مواضع مُتعدّدة منها قوله تعالى: ﴿فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلۡخِزۡيَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٢٦﴾ [الزمر: ٢٦] وقوله تعالى أيضاً: ﴿كَذَٰلِكَ ٱلۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٣٣﴾ [القلم: ٣٣]، أو قوله: ﴿إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ٢٣ فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ ٢٤﴾ [الغاشية: ٢٣، ٢٤]، حيث تُبيّن جميع هذه الآيات أن العذاب الأكبر هو عذاب الآخرة. ونسأل: هل سيُعذِّب الله جميع الكفار الذين تولوا عن الحق وأعرضوا عنه بالمهدي؟ حتى الذين لم يروا المهدي أصلاً؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
ثالثاً: إن رسول الله ص ﴿رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧﴾ [الأنبياء: ١٠٧] أفلا تعتبرون المهدي رحمة بل تعتبرونه عذاباً لا بل العذاب الأكبر؟!!
رابعاً: إن العذاب الأكبر في الآخرة وليس في الدنيا، في حين أن المهدي سيقوم في الدنيا لا في الآخرة! فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا.
* الرواية 60: ﴿إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ﴾[القلم: 15، والمُطفِّفين:13]. كلا السورتين نزلتا في مكة، والمقصود من الآية في السورة الأولى -بناءً على قول المُفسِّرين- هو «الوليد بن المُغيرة» الذي كان من الأعداء الألداء والعنيدين لرسول الله ص وقد جُرِح أنفُه في غزوة بدر وصار الجرح علامَةً باقيَةً في أنفه. والآية الثانية عامَّةٌ تشمل جميع الكُفَّار، وبمُلاحظة الآية التي قبلها يتَّضح أنها تتعلّق بالقيامة لا بالدنيا. كان النبيّ ص يدعو الناس في مكة إلى التوحيد والإيمان باليوم الآخر والإيمان بنُبُوَّته ولم يكن قد ذكر أيّ شيء حول المهدي، فكيف يُمكن للمشركين أن يُنكروا المهدي؟ هل كان المشركون يعلمون الغيب؟!! أضف إلى ذلك إن كلمة «آيات» جمع، أما المهدي فهو شخص مُفرد، ولكن ماذا نفعل بالكراجكي الذي لم يكن يلتفت إلى هذه المسائل ويروي في كتابه حديثاً يقول إن هذه الآية تتعلّق بالمهدي!!
* الرواية 61: ﴿كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ ٣٨ إِلَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡيَمِينِ ٣٩ فِي جَنَّٰتٖ يَتَسَآءَلُونَ ٤٠ عَنِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ٤١ مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَآئِضِينَ ٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤٦ حَتَّىٰٓ أَتَىٰنَا ٱلۡيَقِينُ ٤٧ فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَٰعَةُ ٱلشَّٰفِعِينَ ٤٨﴾ [المدثر: ٣٨، ٤٨].
إن سورة المُدّثر مكية وكما يُلاحظ تتعلّق الآيات المذكورة بمسائل ما بعد الموت وبالقيامة. ولكنّ «فرات بن إبراهيم» الكوفي[223] الذي كان شخصاً ضئيل العلم كتب مع الأسف تفسيراً[224] وادَّعى هنا أن حضرة الإمام الباقر (ع) يقول:
"فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ ٣٨ إِلَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡيَمِينِ ٣٩﴾ : قَالَ نَحْنُ وشِيعَتُنَا. وقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ شِيعَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ «فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قالُوا: لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ»: يَعْنِي لَمْ يَكُونُوا مِنْ شِيعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. «ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ»: فَذَاكَ يَوْمُ الْقَائِمِ (ع) وهُوَ يَوْمُ الدِّينِ «وكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ»: أَيَّامُ الْقَائِمِ .....الخ "!!
لقد نسب فرات هذا المعنى إلى حضرة باقر العلوم ومن الواضح أن الإمام الباقر (ع) الذي كان عربياً يعرف مواقع الكلام لم يقل مثل هذا الكلام قطعاً، ولكن عدداً من معاصريه المتشيعين له افتروا عليه كل ما أمكنهم من أقاويل! نسأل الله أن يُوقظ مُقلِّديهم من غفلتهم هذه. أضف إلى ذلك أن الإمام الباقر (ع) لم يكن من عادته أن يُفسِّر كل آية بأن المقصود منها نحن الأئمة، إنه كان متواضعاً ولم يكن مُعجباً بنفسه. فدعك إذن من الحديث الذي رواه المَجْلِسِيّ عقب الرواية المذكورة أعلاه نقلاً عن الكافي (الباب 165، الحديث 38) -وبالمناسبة المجلسي نفسه قد ضعَّف هذا الحديث في كتابه «مرآة العقول»- ينسب إلى الإمام الصادق (ع) قوله: إن المقصود من قوله تعالى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ ١٠ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ ١١﴾ [الواقعة: ١٠، ١١]: "نحن الأئمة"؟!
* الرواية 62: ﴿قُلۡ مَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِينَ ٨٦ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٨٧ وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِينِۢ ٨٨﴾ [ص : ٨٦، ٨٨]. من الواضح أن هذه الآية تُخاطب مشركي قريش لأن السورة مكية، وليس هناك أيُّ معنى لقول الله لأبي جهل أو أبي سفيان و ..... ستعلمُنَّ هذا الخبر عند خروج القائم!!! لكن المجلسي ينقل لنا هنا حديثاً عن كتاب الكافي [للكليني] يرويه راوٍ ضعيف يُدعى «علي بن عباس» عن رواة آخرين مثله في الضعف ومنهم «أبي حمزة البطائني» الواقفي تقول: "قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (ع) ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ قَالَ: عِنْدَ خُرُوجِ الْقَائِمِ"! ومثلُ هذه التفسيرات الباطلة التي لا تتناسب مع ألفاظ الآيات، كثيرةٌ في هذا الحديث.
* الرواية 63: ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ﴾ [فصلت: ٥٣] سورة فُصّلت مكية وتتضمّن التأكيد على التوحيد والمعاد، ولم تكن مسألة «الإمامة» مطروحة في ذلك الوقت ولكن «عَلِيَّ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ البطائنيّ» الواقفي الضال[225] الذي لا يؤمن بأي إمام بعد الإمام السابع أي لا يؤمن بالإمام الرضا (ع) فمن بعده، يدَّعي بأن الإمام الصادق ÷ سُئل عن قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ ﴾ [فصلت: ٥٣] فقال له: "يُرِيهِمْ فِي أَنْفُسِهِمُ المَسْخَ.....[إلى قوله]... حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، قَالَ: خُرُوجُ الْقَائِمِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَرَاهُ الْخَلْقُ لَا بُدَّ مِنْهُ"!!
أيها القارئ اللبيب! لاحظ كيف تلاعبوا بالقرآن تحت لواء الإمام مُستغلين شُهرته وسُمعته الحسنة؟! إن هذه السورة كما أسلفنا مكية لكن هؤلاء الرواة الكذابين يقولون إن الله قال لرسوله: قل لمشركي مكة -الذين كانوا يعتبرونك مجنوناً وكاذباً- سنُريكم آياتنا الدالة على أننا الحق في السماوات وفي أنفسكم كي تعلموا أن خروج القائم حقٌّ لا مفرّ منه!! هل هذا كلام مُترابط وينسجم آخره مع أوله؟ لا والله.
* الرواية 65: مجموعة من الآيات هي تكرار للآيات السابقة، فلا حاجة إلى ذكرها.
[152] أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمِّيّ، من مشايخ الكُلَيْنِيّ صاحب الكافي، حيث اعتمد الكُلَيْنِيّ عليه كثيراً في كتابه. وكان عليُّ بن إبراهيم من أوائل رواة الحديث في قم ومن رؤوس فقهاء الشيعة فيها حتى عدُّوه أستاذ مشايخ القمِّيين، وله كتاب في التفسير بالمأثور باسم «تفسير علي بن إبراهيم القمِّيّ» مليءٌ بالروايات المغالية والغريبة الباطلة، مما جعل المؤلِّف البرقعي (رحمه الله) يضعِّف «عليَّ بنَ إبراهيم» لكثرة روايته الغرائب والغلوّ وما ينافي القرآن، وبخاصَّة لروايته رواياتٍ عديدةً تدلُّ على وقوع التحريف في القرآن! ويقول الشيخ عبد الوهاب فريد التنكابني في كتابه «اسلام ورجعت»: "ولا ينقضي العجب من المرحوم «علي بن إبراهيم القميّ» -الذي كان طبقاً لقول علماء رجال الشيعة: عالماً جليل القدر، كيف يذكر في تفسيره مثل تلك التأويلات التي هي بكل وضوح من تأويلات الملاحدة والباطنية! اللهم إلا أن نقول إن ذلك التفسير المنسوب إليه تفسيرٌ موضوعٌ مختلقٌ وليس من تأليف ذلك العالم الجليل، وإلا فكيف يمكن لمثل ذلك العالم أن يكون عديم الاطلاع على مباني القرآن الكريم إلى ذلك الحدّ فيلوثه بمثل تلك التأويلات الباطلة عديمة الأساس!!"اهـ. [الإسلام والرجعة، ص171]. (المُتَرْجِمُ) [153] «النعماني» هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني المعروف بابن زينب، من محدِّثي الشيعة الإمامية وعلمائهم في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، كان تلميذاً للكُلَيْنِيّ وأخذ عنه أكثر علمه. خرج إلى الشام سنة 333هـ ليسمع الحديث من أهلها واستقر في حلب وتوفي فيها. وله من الكتب كتابه «الغيبة» الذي ألفه في حلب وذكر أنه فرغ من تأليفه سنة 342هـ ، وقد طُبِعَ في إيران في 1318هـ، وله «الردّ على الإسماعيلية» وكتاب «الفرائض»، كما له كتاب في التفسير يعرف باسم «تفسير النعماني». [نقلاً عن الذريعة إلى تصانيف الشيعة، لآقا بزرك الطهراني]. (المُتَرْجِمُ) [154] بحار الأنوار، ج 51: ص 55، حديث 42، و ص 58، حديث 51. (المُتَرْجِمُ) [155] راجعوا بيان حال: عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ القُّمِّيِّ في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات 79 و 112 و 162 فما بعد. [156] راجعوا بيان حاله في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات 278 و633 و727. [157] العياشي: أبو النضر محمد بن مسعود بن العياش التميمي الكوفي السمرقندي من علماء الشيعة الإمامية في القرن الرابع الهجري، وأصحاب الحديث والتفسير بالرواية. كان من مشايخ الكِشِّيِّ ومن المعاصرين للكُلَيْنِيِّ. عاش في أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع الهجري. قال ابن النديم عنه [إنه أوحد دهره وزمانه في غزارة العلم]. ورغم أن علماء الرِّجال الشيعة وثّقوه، إلا أن الشيخ «محمد» ابن «الشهيد الثاني» طعن في توثيقه، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى حتى لو كان ثقةً في ذاته إلا أن معظم رواته غير موثقين، فالنجاشيُّ يقول عنه: [كان يروي عن الضعفاء كثيراً] [رجال النجاشي، ص247] وبمثله قال العلامة الحلي [خلاصة الأقوال: ص246]، وعليه فلما كانت أغلب روايات «العيَّاشِيّ» عن الضعفاء فلا ثقة بها ولا يُعْتَمَدُ عليها. (المُتَرْجِمُ) [158] للتعرّف على حاله راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 187 - 188. [159] للتعرّف على حاله راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 360 و446. [160] للتعرّف على حاله راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 216-217. [161] وراجعوا أيضاً النقطة الأولى من التوضيحات التي ذكرناها تحت عنوان: مُقدِّمةٌ لقراءة أخبار المهدي، في ص135 من الكتاب الحاضر. [162] ورد في الإنجيل: "أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ وَلَكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجاً وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ". (المُتَرْجِمُ) [163] تفسير علي بن إبراهيم القمي، ج 2، ص 68. (المُتَرْجِمُ) [164] راجعوا النقطة الأولى من التوضيحات التي ذكرناها تحت عنوان: مُقدِّمةٌ لقراءة أخبار المهدي، في ص135 من الكتاب الحاضر. [165] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 464. [166] انظروا مثلاً كتاب «بينش اسلامى، امامت، ولايت، حكومت و اقتصاد اسلامى» [الرؤية الإسلامية، الإمامة والولاية والحكومة والاقتصاد الإسلامي]، الذي يُدرَّس لطُلَّاب الصف الثالث الثانوي، الدرس الحادي عشر. [167] التِّرَةِ: الظلم والحيف، ومعنى طُلَّاب التِّرة: أي الذين سيثأرون للظلم والحيف الذي وقع على الحسين وآل النبي عليهم السلام. (المُتَرْجِمُ) [168] هو آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، من مراجع الشيعة الإمامية الحاليين في قم. ويقع تفسيره - الذي ألفه بالفارسية وتُرجم تحت إشرافه إلى العربية - في 20 مجلداً. (المُتَرْجِمُ) [169] هو آية الله محمد حسين الطباطبائي، توفي سنة 1412هـ ، ويقع تفسيره هذا في 20 مجلداً. (المُتَرْجِمُ) [170] عرفنا به في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، في الصفحة 107 و 444. [171] على سبيل المثال راجعوا تفسير «الميبدي». [172] ومثلها الآية 6 من سورة الكهف، والآية 8 من سورة فاطر. [173] راجعوا ص135 من الكتاب الحاضر. [174] لمعرفة حاله يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 310 -314. [175] وانظر محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج16: ص 109. (المُتَرْجِمُ) [176] بيَّنا حاله في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 301 - 302. [177] راجعوا ص135 من الكتاب الحاضر. (النقطة الأولى) [178] وقد جاءت هذه الرواية في «بحار الأنوار» برقم 16. [179] عرَّفنا به في الصفحة 107 و 444 من كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول». [180]المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 51، ص 60، حديث 57. نقلاً عن كتابَي: «كنز جامع الفوائد» للكراجكي (ت 449هـ)، و«تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة» لعلي الأسترآبادي (ت 940هـ). (المُتَرْجِمُ) [181] الكَرَاجِكيّ: أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان (ت 449هـ): من علماء الشيعة الإمامية وفقهائهم ومتكلميهم في القرن الخامس الهجري. كان من تلامذة الشيخ المفيد والشريف المرتضى والشيخ الطوسي، وروى عنهم وعن آخرين من أعلام الشيعة والسنة. كان نزيل الرملة، وأخذ عن بعض المشايخ في حلب والقاهرة ومكة وبغداد وغيرها من البلدان، وتوفي في مدينة صور (جنوب لبنان) مُخَلِّفاً مؤلفاتٍ كثيرةً بلغت السبعين منها «كنز الفوائد» و«الاستنصار في النص على الأئمة الأطهار»، و«البرهان على صحة طول عمر صاحب الزمان»، و«البيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان»... الخ. [نقلاً عن كتاب «أعيان الشيعة» للسيد محسن الأمين العاملي، باختصار وتصرف، ج 9، ص400 – 401]. (المُتَرْجِمُ) [182] الخطاب في الآيات من 5 إلى 10 في سورة التغابن مُوَجَّهٌ إلى الكُفَّار. [183] وانظروا أيضاً (الأنعام: 91) و (المائدة: 15 و 44 و46) و (الشورى: 52). [184] للتعرُّف على حاله راجعوا الصفحة 501 من كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول». [185] للتعرُّف على حاله يُراجَع كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات: 163و196 فما بعد. وكان البطائني واقفياً لا يؤمن بالأئمة بعد حضرة الكاظم، فكيف ينقل روايةً لإثبات إمامة ابنٍ للإمام الحسن العسكري!! (فلا تتجاهل). على «الواقفة» الذين يروون أخباراً عن إمامة الإمام الغائب أن يجيبوا عن هذا السؤال. (فتأمَّل). [186] أي الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب (رض). (المُتَرْجِمُ) [187] أي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ ١٠٥﴾ [الأنبياء: ١٠٥]. (المُتَرْجِمُ) [188] أي قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥﴾ [القصص: ٥] (المُتَرْجِمُ) [189] أي قوله تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥﴾ [النور : ٥٥]. (المُتَرْجِمُ) [190] المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 51، ص 60، التعقيب على حديث 57، أي الحديث الذي نقله المجلسي عن الكُلَيْنِيّ (وهو الحديث 91 من الباب 165 من أصول الكافي). (المُتَرْجِمُ) [191] إذن في نظر هؤلاء سيكون دين كثير من الناس في آخر الزمان ديناً إجبارياً!! (البرقعي) [192] المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 51، ص 60، حديث 58. نقلاً عن كتابَي: «كنز جامع الفوائد" و«تأويل الآيات الظاهرة». (المُتَرْجِمُ) [193] يبدو أن السباع ستتحول في آخر الزمن إلى حيوانات آكلة للأعشاب أو ستمارس الصوم!! (البرقعي) [194] بحار الأنوار، ج 51، ص 61، حديث 59. نقلاً عن كتابَي: «كنز جامع الفوائد" و «تأويل الآيات الظاهرة». (المُتَرْجِمُ) [195] ذكرنا هاتين الآيتين من سورة المائدة في الصفحة 84 من الكتاب الحاضر فراجعهما ثمَّة. [196] من المفيد مراجعة الجزء الأول من الكتاب الشريف «خيانت در گزارش تاريخ»، تأليف «مصطفى حسيني الطباطبائي»، انتشارات چاپخش، الطبعة الأولى ص 184 فما بعد. ويُراجع أيضاً التحرير الثاني لكتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، ص 118-119. [197] الصفَّار: هو الشيخ محمَّد بن الحَسَن بن فرُّوخ بن الصَّفَّار القُمِّيّ، من قدماء محدِّثي الشيعة الإمامية في قم، وصاحب عدد من كتب الرواية من أشهرها كتاب «بصائر الدرجات» - وبعضهم يشكك في نسبته إليه - قال عنه النجاشي في رجاله: "كان وجهاً في أصحابنا القمّيين، ثقةً، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية، له كتب.... تُوُفِّيَ في قم سنة 290هـ ". اعتبره الأستاذ البهبودي في كتابه معرفة الحديث (ص 108-110) متساهلاً في نقل الحديث. وانظر كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» للمؤلف البرقعي، ص 96، و 108. (المُتَرْجِمُ) [198] أي يروي عن غير الثقات. (المُتَرْجِمُ) [199] يُراجَع ما ذكرناه حول الشيخ الصدوق في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص43 - 46. (يقول المُتَرْجِمُ): وقد بين المرحوم البرقعي هناك أن الشيخ الصدوق كان بائعاً وكاسباً في قم. [200] في كتابَيه: «كمال الدين» و«ثواب الأعمال»، كما في البحار، ج 51، ص51، حديث25. (المُتَرْجِمُ) [201] يُراجَع ما ذكرناه حول الشيخ الصدوق في كتاب «عرض أخبار الأصول ...»، ص 43 - 46. [202] وهو أيضاً راوي الرواية 9 من باب «فضل انتظار الفرج» في المجلد 52 من البحار، كما أن الروايتين 10 و 60 من الباب المذكور تتعلقان بالآية ذاتها. [203] لم يذكر المؤلف هنا رواية الشيخ الطوسي هذه عن ابن عباس، رغم أنه علق عليها بعد أسطر! فرأيت ذكرها ليتضح كلامه. (المُتَرْجِمُ) [204] ذُكِرَت الآية ذاتها في الرواية رقم 65 أيضاً. [205] أصل الرواية رواها الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة». انظر بحار الأنوار، ج 51، ص 53. [206] ذُكِرَت الآية ذاتها في الرواية رقم 65 أيضاً. [207] أبو الفتوح الرازي (توفي بعد سنة 552هـ): المفسر الكبير الحسين بن علي بن محمد أبو الفتوح النيسابوري، الرازي. كان من أجلّة علماء الإمامية في عصره، غزير الرواية، مفسراً، فقيهاً، واعظاً. توفي في الري ودفن إلى جانب السيد عبد العظيم الحسني. من أشهر مؤلفاته تفسيره المُسَمَّى «رَوْضُ الجِنان و رَوح الجَنان» (طبع ضمن منشورات مكتبة المرعشي بقم سنة 1404 هـ. في عشرين مجلداً باللغة الفارسية. كما طبعته مؤسسة البحوث الإسلامية في عتبة القدس الرضوية في مشهد بتحقيق د. محمد جعفر ياحقي، و د. محمد مهدي ناصح). (المُتَرْجِمُ) [208] تَرْجَمَ «معينُ الدين النسفي» - من المترجمين القدماء - الآيةَ المذكورةَ أعلاه كما يلي: "لقد علا فرعون في أرض مصر و جعل أهلها فِرَقَاً فِرَقَاً، فاستعبد فريقاً منهم، فقتل أبناءهم واستعبد نساءهم، وكان من المفسدين في إظهار الكفر و الطغيان. ولقد أردنا أن نمن على المستضعفين في ذلك البلد وأن نجعلهم أئمة يُقتدى بهم في الأمة، وأورثناهم تلك البلاد". أما «مهدي إلـهي قمشهاى» - من المترجمين الجدد - فقد تَرْجَمَ الآية على هذا النحو: "لقد تكبَّر فرعون في الأرض [مصر] وعلا على الناس، وأوقع الاختلاف بين أهل تلك البلاد، واستضعف طائفة بني إسرائيل وأذلهم بشدة. فقتل أبناءهم واستحيى نساءهم [كي يعملوا في الخدمة] حقا لقد كان فرعون شخصاً سيء التفكير مفسداً، ولقد أردنا أنْ نَمُنَّ على تلك الطائفة المستذلة المستضعفة ونجعلهم قادة الخلق ونجعلهم ورثة ملك فرعون وجاهه". وفي رأينا فإن ترجمة الحاج الشيخ «رضا سراج» هي الأفضل من سائر الترجمات، وهي التالية: "إن فرعون طلب العُلوَّ في الأرض (في مصر) وجعل شعبه (الأقباط والأسباط) فِرَقَاً (وشغَّل كل فريق بعمل بلا أجر) واستضعف فرعون فريقاً منهم (بني إسرائيل). كان يقطع رؤوس أبنائهم ويستحيي نساءهم (لخدمة السادة الأقباط) وذلك لأنه كان من المفسدين. (أراد فرعون إهلاك بني إسرائيل) أما نحن فأردنا أنْ نَمُنَّ على الذين استُضعفوا في تلك الأرض وأن نجعلهم أئمة مرشدين (في أمور الدنيا والدين) وأن نجعلهم ورثة (لأموال آل فرعون كلها) وأن نُريَ فرعون وهامان وجنودهما تلك الأمور والحوادث التي كانوا دائماً يخافون منها". وتَرْجَمَ السيد «علي نقي فيض الإسلام» الآيات على النحو التالي: "حقاً إن فرعون تكبَّر في الأرض (أرض مصر) وعلا وجعل أهلها وشعبها فِرقاً فِرقاً. فاستضعف جماعةً منهم (بني إسرائيل) فقطَّع رؤوس أبنائهم واستحيا نساءهم إنه كان من المفسدين. ولكننا أردنا أنْ نَمُنَّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم ورثةً وأن نُمكِّنهم في تلك الأرض وأن نُريَ بواسطتهم فرعون وهامان وجنودهما الحوادث التي كانوا يحذرون منها". وأما ترجمة الشيخ «عباس مصباح زاده» فهي التالية: "حقاً لقد وجد فرعون العُلوَّ في الأرض وحوّل أهلها إلى فِرق وجماعات فاستضعف فريقاً منهم فقتل أبناءهم وأبقى نساءهم حقاً إنه كان من المُفسدين. وأردنا أنْ نَمُنَّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونُمكِّن لهم في الأرض ونُريَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يخافون منه". و تَرْجَمَ «المُلّا فتح الله الكاشاني» في تفسيره الكبير «منهج الصادقين» الآيات كما يلي: "حقاً إن فرعون طلب العُلوّ والتكبّر والتجبّر في أرض مصر وجعل أهل مصر من الأقباط والأسباط مجموعات متفرقة ...... واستضعف فريقاً منهم فقهرهم وكان يقتل أبناءهم (أي من بني إسرائيل) ...... ويحتفظ بنسائهم على قيد الحياة ....... وأردنا أنْ نَمُنَّ على الذين استُضعفوا في أرض مصر ..... ونجعلهم أئمةً ..... ونجعلهم وارثي أموال وأمتعة وأملاك آل فرعون ..... ونُمكِّنهم في أرض مصر والشام .....". وكتب «آية الله الحاج الميرزا محمد ثقفي الطهراني» في كتابه «روان جاويد در تفسير قرآن مجيد» (انتشارات برهان) ما يلي: "إن فرعون طلب العُلوّ في الأرض وجعل أهلها جماعات جماعات فاستضعف جماعة منهم فكان يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم ..... وكنا نريد أنْ نَمُنَّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .....". ولا يخفى أنني كاتب هذه السطور سمعتُ من أحد الفضلاء الثقات أن المترجمين الإنجليز للقرآن المجيد أيضاً لم يُترجموا فعل «نريد» بزمن المضارع بل بزمن الماضي. وللقارئ أن يقرأ تلك التفاسير ويبحث بنفسه. [209] وهذا يشبه ما ذكرناه في التنقيح الثاني لكتابنا «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، حول كلمات: «الناس» و «الأمَّة» و ......... . (ص 330 إلى 361). [210] صرَّح الشيخ الطوسي في تفسيره «التبيان» ذيل تفسيره الآية 55 من سورة النور، قائلاً: "(كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني بني إسرائيل بأرض الشام بعد إهلاك الجبابرة بأن أورثهم ديارهم وجعلهم سكانها.". انتهى. [211] كما ذُكر اسم هؤلاء القوم بصراحة في الآية 137 من سورة الأعراف. [212] كما كتب الشيخ الطبرسي في تفسيره قبل الآية 7 يقول: "ثم بين سبحانه كيف دبَّر في إهلاك فرعون و قومه منبِّهاً بذلك على كمال قدرته و حكمته فقال «وأوحينا إلى أم موسى»...الخ". انتهى. [213] راجعوا استشهاد علي (ع) بالآية 5 من سورة القصص الذي سيأتي بعد عدد من الصفحات في صفحة 203. [214] من الواضح أن فرعون لم يجعل أهل الصين أو اليابان أو أهل النروج وإنجلترا فِرقاً فِرقاً بل فعل ذلك الفساد بأهل منطقة خاصة من الكرة الأرضية. [215] مقدمة على الرؤية الإسلامية للعالَم، المجتمع والتاريخ، فصل الإسلام والمادية التاريخية، ص 444 إلى 446. [216] إشارة إلى قصة رواها المُفضّل بن عُمر وجاءت في المجلد 53 من بحار الأنوار. لا حظوا تلك القصة في الصفحة 10 من المجلد 53 من البحار أو ارجعوا إلى الصفحة 80 من الكتاب الحاضر. [217] راجِعوا ترجمته في حاشية ص 162 من الكتاب الحاضر. (المُتَرْجِمُ) [218] قول الشيخ الطوسي صحيح بشرط أن يعتبر -استناداً إلى كلمة «منكم»- أن أصحاب النبيّ ص -المُخاطبين بالآية أيضاً وكانوا هم الذين يرجع إليهم ضمير «كُم» في الآية- مشمولين بذلك الوعد الإلهي، كما اعتبرهم عَلِيٌّ (ع) أيضاً مشمولين بذلك الوعد. (نهج البلاغة، الخطبة 146). [219] لا يخفى أن مُفسّري الشيعة ومنهم الشيخ الطوسي وأبو الفتوح الرازي و....... ذكروا القول الذي يقول إن هذه الآية مُتعلّقة بالمهدي، لكن ينبغي أن ننتبه إلى ما يلي: أولاً: لقد جعل الشيخ الطوسي القول الأول في صدر الأقوال الأخرى، واستدل على صحته. وثانياً: لم يُدافع عن القول الثاني بل اعترف أنه ليس محلاً لإجماع المُفسِّرين. كما اعتبر أبو الفتوح الرازي القول الأول أقوى. كما أتي الشيخ الطبرسي بالقول الأول قبل سائر الأقوال. أضف إلى ذلك أن هذه الآية جاءت مباشرةً بعد الآية 54 من سورة النور التي بيَّنت وظيفة النبيّ بأنها «البلاغ المُبين»، ولو كان مراد الآية «المهدي» فلن ينطبق على الآية عندئذ أنها إبلاغ واضح مُبين بأيّ شكل من الأشكال. (فَتَأَمَّل) [220] استناداً إلى تفسير أمير المؤمنين علي ÷ للآية 55 من سورة النور المباركة، لا يُمكننا أن نعتبر أن النص رقم 209 الذي جاء ضمن باب كلمات أمير المؤمنين القصار في نهج البلاغة - [وهو قوله ÷: (لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا وتَلا عَقِيبَ ذَلِكَ ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (القصص/5)) (ملاحظة: الشماس بالكسر: امتناع ظهر الفرس من الركوب. والضروس بفتح فضم: الناقة السيئة الخلق تعض حالبها، أي أن الدنيا ستنقاد لنا بعد جموحها وتلين بعد خشونتها كما تنعطف الناقة على ولدها وإن أبت على الحالب)] - لا يمكننا أن نعتبره غير متناسب مع تفسير هذه الآية، بل يُعلم أن استشهاد الإمام بالآية 5 من سورة القصص يُقوّي هذا التفسير ذاته وأن علياً (ع) استشهد أيضاً بالآية 5 من سورة القصص تأييداً للتمثيل المذكور في الآية 55 من سورة النور أي «كما استخلف .....» بمعنى قوله: كما مكَّن الله تعالى مؤمني بني إسرائيل في الأرض ونصرهم بإذنه على آل فرعون ومكَّنهم في الأرض كي يُطبّقوا شريعة الله وَجَعَلَهُمْ خلفاء آل فرعون على الأرض، كذلك سوف ننتصر نحن المسلمين في صدر الإسلام بوعد الله الحق على أعدائنا. (فلا تتجاهل) واستناداً إلى الأمور التي اتّضحت أعلاه لا يُمكننا أن ندّعي أن الإمام أشار باستشهاده بالآية 5 من سورة القصص المكية إلى المهدي الموهوم دون دليل ومستند اللهم إلا الأحكام المُتبنّاة سابقاً! [221] لا بُدّ من الرجوع إلى الحاشية ص 180 من الكتاب الحاضر. [222] حول هذه الآية راجعوا ما ذُكر في صفحة 91 من الكتاب الحاضر. [223] هو أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي من رواة الحديث في الفترة التي يطلق عليها الإمامية فترة «الغيبة الصغرى» [النصف الثاني من القرن 3 الهجري] ومن معاصري الكُلَيْنِيّ. لم يصل من كتبه سوى التفسير المعروف باسمه، قال عنه المجلسي في البحار: "لم يتعرض الأصحاب لمؤلفه بمدح ولا ذم لكن كون أخباره موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة وحسن الضبط في نقلها مما يعطي الوثوق لمؤلفه وحسن الظن به". روى الشيخ الصدوق عنه بواسطة الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي وروى عنه الحاكم أبو القاسم الحسكاني في شواهد التنزيل. يرى البعض استناداً إلى كثير من النصوص في تفسيره وكثرة نقله عن أئمة الزيدية وروايته عن الإمام زيد حصر العصمة في الخمسة من آل الكساء، أنه كان من الزيدية، ويرون أن هذا هو السر في عدم ذكر رجاليي الإمامية القدماء له بين رجالهم وعلمائهم. (المُتَرْجِمُ) [224] فرات بن إبراهيم الكوفي هذا من رواة قصة سقوط النجم في منزل علي (ع) بوصفه دليلاً على خلافته (ع)!! وهذا الحديث الفاضح موجود في أمالي الشيخ الصدوق. [225] يُراجع حاشية ص 180 من الكتاب الحاضر.
قد يقول قائل: هل يُمكننا أن نقول إنَّ جميعَ هذه الأخبار الواردة في هذا الموضوع – رغم كثرتها - موضوعةٌ ومفتراةٌ؟! هنا ألفت انتباهكم إلى نقطة مُهمَّة وهي: أنه حتى لو بلغ عدد أخبار مجهولي الحال وغير الموثوقين الآلاف لما كانت تسوى فلساً واحداً ولَمَا أدّت كثرتها إلى إيجاد الثقة بصدورها، وعلى قول أخينا الفاضل المرحوم قلمداران (رحمه الله): بحجر واحد يُمكن طرد أربعين غراباً! كما أن أهل التحقيق يعلمون أن «رُبَّ مشهور لا أصل له»! وهذه قاعدةٌ متَّفقٌ عليها لدى جميع العلماء.
لقد وجدنا في هذا الزمن بأم أعيننا كيف يخبر آلاف الأشخاص بأخبار ثم يتبيّن فيما بعد أنّها لا أصل لها وأنها من أكاذيب وتلفيق الأذهان الساذجة للعوام، فمثلاً، لقد سمعنا مراراً من أفراد مختلفين أن وجه أحد علماء الدين انطبع على القمر ثم تبيّن بعد مُدّة أن ذلك الخبر كان من أساسه كذبة وضعها السياسيّون. أو مثلاً، وردت أخبار كثيرة عن مجيء الدجال في كتب أهل السنة وكذلك في كتب الشيعة وكلها منسوبة إلى رسول الله ص وربما يزيد عددها على عدة مئات من الأحاديث، في حين أن تلك الأحاديث تتضمن أموراً مستحيلة وغير معقولة، ورغم ذلك فإن علماء فريقي المسلمين يتقبّلونها مع أن وجود دجَّال بمثل تلك الأوصاف أمر غير معقول وكذب يقيناً. وكذلك رغم أنه شائع بين الناس في بلدنا بل يجزم الكثيرون أننا وهّابيون وأعداءٌ لعليّ بين أبي طالب وأننا نتلقّى أموالاً من السعودية، إلا أننا نعلم من أنفسنا أن الحقيقة خلاف ذلك وأن الأمور الثلاثة كلُّها كذب محض، فلا نحن وهابيون، ولسنا أعداء لعليّ، بل نعتبر أنفسنا من أول المُحبين لعليّ عليه السلام، ونُشهد الله على ما نقول بأننا لم نأخذ حتى الآن ديناراً واحداً من السعودية أو من أيّ مصدر آخر، بل لَعَلِّي أكون أفقر شيخ في كل إيران. والظلم الكبير الآخر الذي اقترفوه في حقنا هو الفِرية التي تقول: إننا ومَنْ يُوافقوننا في أفكارنا، في صف «أحمد كسروي» ونُشاطره أفكاره وعقيدته، ويخدعون العوام بهذا الافتراء، سُبحانك هذا بُهتان عظيم. والحال أن أخانا العزيز ومُفسّر القرآن عظيم الشأن جناب المرحوم الحاج «ميرزا يوسف شُعار التبريزي» كتب مقالاً أثبت فيه بُطلان أقوال «كسروي»، ونحن نعتبر أن «كسروي» عالم منحرف لم يكن يعرف قدر القرآن وأنه نسب إلى كتاب الله أموراً غير صحيحة تدلُّ على أنه لم يكن يفهم آيات القرآن فهماً صحيحاً.
34كما وردت أخبار عن «الخضر» في كتب الفريقين وما أكثر الذين ادّعوا أن فلاناً رأى الخضر وسأله، أو أن حضرة أمير المؤمنين علي ÷ روى «دعاء كُميل» عن «الخضر». وكم من مرشدي الصوفية ادّّعوا أنهم رأوا «الخضر» وأنهم أخذوا خرقتهم عنه، وينتسبون إليه!! في حين أن كل هذه الأقوال كذب محض ومخالفة للقرآن الكريم, وكل مسلم مُعتقد بالقرآن لا يمكنه أن يقبل بأخبار «الخضر»، لأن القرآن يقول لخاتَم الأنبياء حضرة محمد المصطفى ص: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ ٣٤﴾ [الأنبياء: ٣٤]، وكذلك يقول تعالى: ﴿كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِ﴾ [آل عمران: ١٨٥].
نحن نقول في مثل هذه الموارد ما يقوله علماؤنا عن الأخبار المُتعدِّدة التي جاءت في كتب مختلفة سواءً لمُؤلِّفين من الشيعة أم من السنة، حول «عبد الله بن سبأ»، إذ يقولون: إن كثرة هذه الأخبار لا توجب الثقة بها وقبولها! والعجيب أن العلماء -بغض النظر عن صحة رأيهم أم عدم صحته- لا يقبلون الأخبار المُتعلّقة بـ «عبد الله بن سبأ»، ولكنهم عندما يُواجهون استدلالاتنا، بدلاً من تفنيدها وإقامة الدليل على كلامهم يتشبَّثون بكثرة أخبار المهدي!!
سأنقل لكم قصة حدثت معي بالذات وأتمنّى أن يتأمّلها القارئ المحترم.
لم أكن قد تجاوزت الأربعين من عمري بعد عندما قرّرت السفر إلى ميناء «بوشهر» بقصد الإبحار إلى الهند. في مسيرنا نحو «بوشهر» توقّفت الحافلة في قرية تُدعى «آباده» تقع بين أصفهان وشيراز, وكانت الشمس قد غربت لتوّها وكان البرد شديداً، فهرع الركّاب إلى المقهى لتناول الشاي والطعام الساخن، ولكني أردت أن أصّلي المغرب أولاً، فدخلت المسجد ورأيت داخله جماعةً لم يكن عددها بالقليل قد فرغوا من الصلاة وجلسوا ينتظرون قدوم واعظ كان على موعد معهم ليُلقي عليهم درساً دينياً، فأديت صلاتي ثم سألت: ماذا ينتظر هؤلاء الجالسون؟ فقيل لي: إنهم ينتظرون الواعظ الذي ذهب إلى «إقليد» ولا ندري متى سيرجع. ففكرت في نفسي أن أصعد المنبر وألقي بضع كلمات قُربةً إلى الله توعيةً لهؤلاء الناس. فصعدت المنبر وألقيت عليهم كلمة مُختصرةً، ولكن لما كان من الممكن للحافلة أن تتحرك فإني أنهيت الكلمة بشكل مفاجئ ونزلت مستعجلاً من على المنبر وخرجت من المسجد لأجد الحافلة مُستعدة للانطلاق فلحقت بها وانطلقنا على الفور.
[وحسبما تبين فيما بعد] يبدو أن الناس في المسجد استمتعوا بخطبتي كثيراً ولما نزلتُ من المنبر قال بعضهم لبعض، إن هذا السيد أجاد في الكلام، وما أحرانا أن ندعوه للبقاء لدينا. فأرسلوا بضعة أشخاص عقب خروجي ليعرضوا عليَّ هذا الاقتراح فلم يجدوني كوني كنت قد انطلقت على الفور بالحافلة. فبحثوا يميناً وشمالاً ولم يجدوني، وكل من سألوه: من كان ذلك السيد وأين هو الآن وما اسمه؟ لم يعطهم جواباً! فقالوا في أنفسهم: كأن هذا السيد قد ذاب وبلعته الأرض أو تبخّر إلى السماء! ومهما بحثوا لم يجدوا لذلك الشيخ الواعظ أثراً ويبدو أن أحدهم قال: لقد كان ذلك السيد إمام الزمان الذي أمضينا عمرنا شوقاً لرؤيته! وغاب بمجرد خروجه من المسجد، وبدأ الناس يُظهرون تأسّفهم ويبكون وينوحون قائلين: أيها السيد! لقد جئتنا ولم نعرفك، وأبرقوا برقيةً إلى بعض علماء شيراز وأخبروهم بأن إمام الزمان جاء إلى مسجد «آباده» عند المغرب وألقى عليهم كلمةً ثم غاب! وكان كثيرٌ من الحاضرين في المسجد يشهدون على هذا الأمر!! ولما دخلتُ [في اليوم التالي] إلى مساجد شيراز كنت أسمع في كل مكان هذا الخبر ولكنني لم أجرؤ على بيان حقيقة القصَّة!
إذا عرفنا ذلك أدركنا أن ملء المجلسي وأمثاله كتبهم بأقوال الكذابين أو الضعفاء أو المجهولين، ليس بأقوى من النقل عن عدة مئات من الأشخاص الذين رأيناهم، ولذلك فإننا نؤكد هنا أنه لو اجتمع ألف صفر سوية لمَا تشكّل منهم أيّ عدد! (فَتَأَمَّل).
________________
لقد ذكرنا أموراً في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 665 إلى 667 و 847 إلى 861) و في الكتاب الحاضر (ص 112 فما بعد) حول «المهدي» في كتب أهل السنة وحول سائر الأمور المُتعلّقة به، فنرجو من القُراء ملاحظة ما ذكرناه هناك قبل قراءة دراستنا التالية لأحاديث هذا الباب:
* الرواية 1: يرويها النعماني [في كتابه الغيبة] عن رجل مجهول مهمل باسم أَحْمَدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عن مجهول آخر باسم إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الحُلْوَانِيِّ عَنْ مجهول باسم أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مجهول آخر باسم هُدْبَةَ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ عَنْ مجهول آخر باسم سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ عَنْ مجهول آخر باسم عَبْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ اليَمَانِيِّ عَنْ مجهول آخر باسم عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ مجهول آخر باسم إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الذي يعتبره علماء الشيعة ضعيفاً لا يوثق بحديثه.
وأما متن الحديث فهو أن رَسُولَ اللهِ ص قال: "نَحْنُ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ سَادَةُ أَهْلِ الجَنَّةِ رَسُولُ اللهِ وحَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وجَعْفَرٌ ذُو الجَنَاحَيْنِ وعَلِيٌّ وفَاطِمَةُ والْحَسَنُ والْحُسَيْنُ والمَهْدِيُّ".
وأقول: ألا يوجد من يقول لهؤلاء السادة: ما الفائدة من ذكر مئات من هذه الروايات؟ وهل يُمكم الاحتجاج برواية بمثل هذا السند والرواة؟! أضف إلى ذلك هل يُعقل أن لا يكون كل الأنبياء من أمثال: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والنساء العظيمات مثل: مريم بنت عمران سادة أهل الجنة، ويقتصر سادة الجنة على حمزة وجعفر عليهما السلام؟!!
* الرواية 2: إضافة إلى ضعف سندها فإن متنها خرافي، إذ تنسب إلى رسول الله ص قوله: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقُومَ القَائِمُ الحَقُّ مِنَّا وذَلِكَ حِينَ يَأْذَنُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لَهُ ومَنْ تَبِعَهُ نَجَا ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ هَلَكَ اللهَ اللهَ عِبَادَ اللهِ فَأْتُوهُ ولَوْ عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وخَلِيفَتِي"!! (وقد سبق أن بيّنّا في صفحة 137 من الكتاب الحاضر معنى «خليفة الله» فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ).
* الرواية 3: هي حديث خرافي ومخالف للقرآن وفي الوقت ذاته رواته من الغلاة! فمثلاً جاء فيه:
".... يَا مُحَمَّدُ ........ إِنِّي قَدْ رَضِيتُ بِكَ عَبْداً وحَبِيباً ورَسُولًا ونَبِيّاً وبِأَخِيكَ عَلِيٍّ خَلِيفَةً وبَاباً فَهُوَ حُجَّتِي عَلَى عِبَادِي...."، هذا في حين أنّ القرآن الكريم (النساء: 165) ونهج البلاغة ينصّان على أنه ليس للناس على الله حجة بعد الرسل. إضافة إلى أننا نسأل: ألم يرضَ اللهُ تعالى بالآخرين عبيداً خاصين له أيضاً؟ ألا ينطبق هذا على الأنبياء الذين أمر الله رسوله محمداً ص بالاقتداء بهم حين قال: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡ﴾ [الانعام: ٩٠]؟ أوليس الله هو القائل: ﴿وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا ١٢٥﴾ [النساء : ١٢٥]؟ وأساساً فإن جمل هذا الحديث ليست معقولة، لكن يبدو أن الرواة الذين كانوا من عوام الناس لم يُحسنوا تأليف جمل أفضل منها!
وفي هذه الرواية جاء أن الله ميَّز بعَلِيٍّ بين حزب الله وحزب الشيطان! فنسأل: هل عَلِيٌّ (ع) اليوم بيننا كي نُميّز بواسطته بين الحزبين ؟! إننا نعتقد أنه لو كان عَلِيٌّ (ع) بيننا اليوم لخالف أولئك الذين يدّعون حبّه ولكن عملهم يخالف قولهم.
* الرواية 4: إضافة إلى وجود رواة مجهولين في سندها مثل «عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّائِغِ» و«الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ» وغيرهما، فإن سندها ينتهي إلى «كَعْبِ الأَحْبَارِ» اليهودي. وأما متنها فيتكلّم عن الآية 55 من سورة النور التي ذكرنا توضيحات كافية بشأنها في الصفحات الماضية، ومما جاء في هذه الرواية: "وَلَيْسَ بِعَزِيزٍ أَنْ يَجْمَعَ هَذِهِ الْأُمَّةَ يَوْماً أَوْ نِصْفَ يَوْم" يعني أنه ليس بعزيز على الله أن يُمكّن المؤمنين من الخلافة في الأرض. أقول: من البديهي أن هذا الاحتمال معقول تماماً وليس فيه أي استحالة ولكن ما علاقة ذلك بالابن الموهوم لحضرة العسكري؟
* الرواية 5: مرويةٌ عن التَّمِيمِيِّ بسنده. و«التميميّ» كنية مشتركة بين عدة رواة لا ندري من هو المقصود منهم هنا. وأما متن الحديث فيقول: "قَالَ النَّبِيُّ ص: لَاتَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَقُومَ بِأَمْرِ أُمَّتِي رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ يَمْلَأُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً". فأقول: ليس في الحديث دليل على مهديٍّ يولد ويعيش آلاف الأعوام بيننا حتى يظهر!
* الرواية 6: في سندها رواةٌ مجهولون مثل: «مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصواري» و«الحُسَيْنِ الأَشْقَرِ» و«قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ». وأما متنها ففيه: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص لِفَاطِمَةَ فِي مَرَضِهِ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَا بُدَّ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ مَهْدِيٍّ وهُوَ واللهِ مِنْ وُلْدِكِ". أقول: هذا مع أن رسول الله ص نفسه نهى عن كثرة القسم بالله، والقرآن يقول: لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم (أي اللغو). ثم هل كان النبي ص بحاجة لأن يقسم لابنته فاطمة عليها السلام؟ ألم تكن فاطمة مصدقة لكل ما يقوله أبوها دون حاجة لأي قسم؟!
* الرواية 7: يرويها مجاهيل مثل الحَفَّارُ المجهول عَنْ مجهول آخر باسم عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مجهول ثالث باسم أَبِي قِلَابَةَ ... حتى يصل في السند إلى: "عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ قَالَ أَبِي: دَفَعَ النَّبِيُّ ص الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ )ع( فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ نَصْبَهُ )ع( يَوْمَ الغَدِيرِ وبَعْضَ مَا ذَكَرَ فِيهِ مِنْ فَضَائِلِهِ )ع( إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ بَكَى النَّبِيُّ ص، فَقِيلَ: مِمَّ بُكَاؤُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ )ع( أَنَّهُمْ يَظْلِمُونَهُ ويَمْنَعُونَهُ حَقَّهُ ويُقَاتِلُونَهُ ويَقْتُلُونَ وُلْدَهُ ويَظْلِمُونَهُمْ بَعْدَهُ وأَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ )ع( عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ أَنَّ ذَلِكَ يَزُولُ إِذَا قَامَ قَائِمُهُمْ وعَلَتْ كَلِمَتُهُمْ وأَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ وكَانَ الشَّانِئُ لَهُمْ قَلِيلًا والكَارِهُ لَهُمْ ذَلِيلًا وكَثُرَ المَادِحُ لَهُمْ.. الخ".
أقول: ولكن القائم لم يأت في زماننا رغم كثرة المداحين له المشغولين بمدحه والثناء عليه ليل نهار! هذا وينبغي أن نعلم أن الإسلام نهى عن كثرة المديح والثناء واعتبر ذلك من أعمال الجاهلية كما تدل على ذلك سنة النبي ص بوضوح. (وسائل الشيعة، ج 12، ص132، الحديث 1) ولم يكن النَّبِيّ الأَكْرَم ص ولا أمير المؤمنين علي ÷ يسمحان بكيل المدائح لأيّ شخص.
* الرواية 8: مشابهة للحديث الأول في الباب 2 من المُجلد 51 للبحار وهي إضافة إلى ضعف عدد من رجال سندها فإن متنها أيضاً معلول إذ فيه: "قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع): لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) مَا كَانَ ضَجَّتِ المَلَائِكَةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وقَالَتْ يَا رَبِّ يُفْعَلُ هَذَا بِالْحُسَيْنِ صَفِيِّكَ وابْنِ نَبِيِّكَ؟! قَالَ: فَأَقَامَ اللهُ لَهُمْ ظِلَّ القَائِمِ (ع) وقَالَ: بِهَذَا أَنْتَقِمُ لَهُ مِنْ ظَالِمِيه"[226].
أقول: يجب أن نسأل أولئك الرواة: هل كان الوحي يتنزّل على حضرة الإمام الصادق حتى عرف بضجيج الملائكة وما قالوه لربّهم؟! ألا يعلم أولئك الرواة أن الوحي انقطع بعد رسول الله ص؟ وثانياً: وهل يكون قاتلو الحسين أحياء عند قيام القائم حتى ينتقم الله منهم بواسطة القائم؟! لذلك أقول إن أولئك الرواة لما كانوا من العوام ما كانوا يُحسنون تلفيق أفضل من تلك الجمل.
* الرواية 9: يرويها أبوالفضل -الذي كان من الضعفاء- عن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ، والثلاثة مجاهيل لا نعلم عنهم شيئاً، فهل يَثْبُتُ بمثل هذه الروايات التي يرويها مجهولٌ عن مثله شيءٌ؟!!
* الرواية 10: عدة من المجاهيل يدّعون أن النبيّ ص قال: "والَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ بَشِيراً لَيَغِيبَنَّ القَائِمُ مِنْ وُلْدِي بِعَهْدٍ مَعْهُودٍ إِلَيْهِ مِنِّي حَتَّى يَقُولَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَا لِـلَّهِ فِي آلِ مُحَمَّدٍ حَاجَةٌ ويَشُكُّ آخَرُونَ فِي وِلَادَتِهِ... إلخ". وأقول: لعل دليل هذا الكلام أنه لم يكن لديهم دليل قطعي على وجود ابن لحضرة العسكري (ع)!
* الرواية 11: في سندها مجهول باسم «المُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ» يروي عَنْ قصَّاصٍ يُدعَى «وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ» يَرْفَعُهُ مباشرةً إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مع أن هناك سنوات تفصل بينهما "عن رسول الله ص أنه قال: لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي جَلَّ جَلَالُهُ أَتَانِي النِّدَاءُ يَا مُحَمَّدُ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبَّ العَظَمَةِ لَبَّيْكَ! فَأَوْحَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ! فِيمَ اخْتَصَمَ المَلَأُ الأَعْلَى قُلْتُ إِلَهِي لَا عِلْمَ لِي.... إلى آخر الحديث الطويل".
قلتُ: من الواضح أن هذه الأمور من وضع الرواة لأن رسول الربّ العليم الحكيم لا يُمكن أن يقول مثل هذه الأمور. ولا ينقضي العجب من المَجْلِسِيّ الذي يقوم بتوجيه هذه الأقوال وتأويلها! أضف إلى ذلك أن متن الحديث يتضمن أمراً مخالفاً للواقع وهو أنه يجعل خروج صاحب الزنج من علامات خروج المهدي، مع أن صاحب الزنج قام سنة 255هـ واليوم مضى على ثورته أكثر من ألف سنة ولم يأتنا المهدي بعد! فمن الواضح أن هذا الخبر تمّ وضعه في تلك الفترة.
* الروايتان 12 و 13: مرويتان عن رواة ضعفاء ولا اعتبار لحديثهم بالطبع.
* الروايتان 14 و 15: مرويتان عن «مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ» و«سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ» وكلاهما من الكذّابين المشهورين بالكذب!! وأما متنهما فمتشابه ينسب إلى رسول الله ص قوله: "طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ قَائِمَ أَهْلِ بَيْتِي وهُوَ مُقْتَدٍ بِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ يَأْتَمُّ بِهِ وبِأَئِمَّةِ الهُدَى مِنْ قَبْلِهِ ويَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنْ عَدُوِّهِمْ أُولَئِكَ رُفَقَائِي وأَكْرَمُ أُمَّتِي عَلَي:
ينبغي أن نقول لأولئك الرواة: أولاً: كيف سيتم الاقتداء به قبل أن يخرج؟ ثانياً: كيف يكون أكرم الأمة من يقتدي به وهو لم يره ولا علم له بسلوكه؟ وهل هناك هذيان أكثر من هذين الخبرين؟!! إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ!
* الروايتان 16 و 17: إضافة إلى ضعف رواتهما فإن متنهما لا يصحُّ لأنه يقول: "المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي .... تَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وحَيْرَةٌ حَتَّى يَضِلَّ الخَلْقُ عَنْ أَدْيَانِهِمْ" فينبغي أن نقول: هل المهدي من أصول الدين أم من فروعه حتى يضل الخلق بفقدانه؟ إن هذا يُبيّن أن جميع تلك الأخبار موضوعة.
* الروايات من 18وحتى 22: إضافة إلى ضعف بعض رواة سندها وجهالة بعضهم الآخر، فإن متونها تتضمن أقوالاً غير صحيحة بل قولُ زورٍ، إذ جاء فيها "الشَّكّ فِي أَمْرِ المهدي كُفْرٌ" أو "مَنْ أَنْكَرَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَقَدْ أَنْكَرَنِي" أي أنكر رسول الله!!
أفلم يوجد من يسأل أولئك الرواة: لماذا يكفر من يُنكر المهدي؟! وهل هو من أصول الدين أو أركانه؟ ولماذا لم يُشر القرآن الكريم الذي بيَّن الإيمان والكفر «بلسان عربي مُبين» إلى المهدي بل لم يُشر أصلاً إلى عقيدة «الإمامة المنصوص عليها» التي يُشكّل المهدي جزءاً منها؟[227] أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ ولهذا السبب فإن علماء الشيعة أنفسهم يعتبرون - حسب الظاهر - المسلمين غير الشيعة الذين لا يؤمنون بأصل «الإمامة المنصوص عليها» مسلمين، ولكننا نتعجب كل العجب كيف يمرُّون على مثل هذه الروايات -وعددها ليس بالقليل- دون أن يعترضوا عليها بشيء بل يلزموا الصمت ولا يقومون بتوعية الناس إلى الحقيقية في هذا الموضوع!! (فَتَأَمَّل جداً).
ونحن لا نتوقع بالطبع من المَجْلِسِيّ الذي كان يعمل في خدمة السلاطين الصفويين (لم يكن لدى الملوك الصفويين[228] من مهمة سوى تعميق الاختلاف بين الشيعة والسنة).
* الروايات 23 إلى 26: في سندها رواةٌ مجهولون مثل «مُحَمَّدِ بْنِ هَاشِمٍ القَيْسِيِّ» عَنْ «سَهْلِ بْنِ تَمَامٍ البَصْرِيِّ» عَنْ «عِمْرَانَ القَطَّانِ» وأمثالهم ممن لا ندري هل لهم وجود حقيقي أم أنها مُجرد أسماء مُلفَّقة لا وجود لأصحابها أصلاً؟! وأما متن الخبر فهو تكرار لمتون الأخبار التي سبقت مع إضافة أمر جديد إذ يقول متن هذه الروايات: "أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنَ النَّاسِ وزِلْزَالٍ يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلًا وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وظُلْماً يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وسَاكِنُ الأَرْضِ" أو "يَمْلَأُ قُلُوبَ عِبَادِهِ عِبَادَةً" أو "يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تُنْزِلُ لَهُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا وتُخْرِجُ لَهُ الأَرْضُ بَذْرَهَا". هنا يجب أن نسأل أولئك الرواة: كيف يرضى عنه عند خروجه ساكن السماء وسكان الأرض، أليسوا راضين الآن عنه؟! وهل سيجعل جميع سكان السماء والأرض مسلمين أيضاً! وما المقصود من نزول قطر السماء عند خروجه, فلماذا تُنزلُ السماءُ قطرَها الآن مع أنه لم يأت بعد؟ إنها أسئلة على أولئك الرواة أن يجيبوا عنها.
* الرواية 27: إضافة إلى ضعف رواة سندها وجهالتهم مثل «عَلِيِّ بْنِ قَادِمٍ»، فإن متنها يُخالف مذهب الإمامية ويخالف روايات الاثني عشرية لأنه ينسب إلى رسول الله ص قوله: "لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ رَجُلًا مِنِّي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي واسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي.... الحديث". إذن طبقاً لهذا الحديث سيكون اسم المهدي محمد بن عبد الله و ليس محمد بن الحسن العسكري! وقد أورد المجلسي في بحار الأنوار عديداً من الأخبار بهذا المضمون أي أن اسم المهدي محمد بن عبد الله!! فإذا كان الأمر كذلك فلماذا أورد مشايخ الشيعة أخباراً تخالف مذهبهم الذي يرى أن المهدي ابن حضرة الحسن العسكري (ع)؟! ينبغي أن نقول: «الغريقُ يتشبَّثُ بكل حشيش».
* الروايات من 28 إلى 30: إضافة إلى وجود مجاهيل في أسانيدها فإن متنها لا يصح إذ جاء فيه مثلاً: "المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ". نقول: إذن كلُّ سيد [أي منسوب للنبيّ ص] يُمكنه أن يثور بوصفه مهدياً استناداً إلى مثل هذه الأحاديث.
* الرواية 31: راويها شخصٌ مجهول عن مجهول آخر عن «وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ» القصَّاص عن ابْنِ عَبَّاسٍ أنه أقسم فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قائلاً: "...... لَا واللهِ مَا هُوَ [أي المهدي] مِنْ وُلْدِي ولَكِنْ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ )ع("! فينبغي أن نسأل: هل في دين الإسلام خفايا وأسرار لا تنكشف إلا بقسم ابن عباس؟ أضف إلى ذلك أن ابن عباس أقسم لوهب بن مُنبّه فما مصير الآخرين وسائر الناس الذين لم يسمعوا قسم ابن عباس؟! ثم هل يُمكن للمجاهيل أن يُعرّفوا المسلمين بهُداة الأمة؟!
* الروايتان 32 و 36: عدة من الضعفاء والمجاهيل افتروا على النبيّ حديثاً يُمجّد نفسه وآله فيه!
* الرواية 33: عدة أشخاص مجهولين يروون خبراً مُبهماً، إضافةً إلى ضعف رواته يقول: "مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي مَثَلُ نُجُومِ السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ حَتَّى إِذَا نَجْمٌ مِنْهَا طَلَعَ فَرَمَقُوهُ بِالْأَعْيُنِ وأَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ أَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ فَذَهَبَتْ بِهِ ..."! فنسأل ما علاقة هذا الحديث بالمهدي؟ نعم الفائدة الوحيدة لهذا الحديث وأمثاله تضخيم الكتاب وخداع العوام.
* الرواية 34: إضافةً إلى ضعف رواتها، تتضمّن أموراً مُبهمة إذ تنسب إلى رسول الله ص قوله لجعفر بن أبي طالب: ".. أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: كَانَ جَبْرَئِيلُ عِنْدِي آنِفاً فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الَّذِي يَدْفَعُهَا إِلَى القَائِمِ [ما الشيء الذي سيدفعه؟ ليس من المعلوم!] هُوَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، أَتَدْرِي مَنْ هُوَ؟ قَالَ: لَا . قَالَ: ذَاكَ الَّذِي وَجْهُهُ كَالدِّينَارِ وأَسْنَانُهُ كَالْمِنْشَارِ وسَيْفُهُ كَحَرِيقِ النَّارِ [وهل تتم الاستفادة من السيوف في زمن المهدي؟!!] يَدْخُلُ الجَبَلَ ذَلِيلًا ويَخْرُجُ مِنْهُ عَزِيزاً يَكْتَنِفُهُ جَبْرَئِيلُ ومِيكَائِيلُ". يقول كاتب هذه السطور: جدير بالقارئ أن يتأمل هذه العبارة ويُلاحظ أيّ هراء لفّقه واضع الرواية مما لا يفهمه هو نفسه، وكل ما في الأمر أنه جعل من رسول الله ص وجبريل وميكائيل عليها السلام وسيلة لنشر أفكاره، وليت شعري! ألا يعلم هؤلاء أن جبريل لا ينزل على أحد بعد النبيّ ص؟
* الرواية 35: يروي عِدَّةٌ من الضعفاء أو المجهولين عن الإمام الباقر (ع) كلاماً فيه إهانة لحضرة موسى عليه السلام إذ يقول: "نَظَرَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ (ع) فِي السِّفْرِ الأَوَّلِ بِمَا يُعْطَى قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ. قَالَ مُوسَى: رَبِّ اجْعَلْنِي قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ! فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَاكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَحْمَدَ. ثُمَّ نَظَرَ فِي السِّفْرِ الثَّانِي فَوَجَدَ فِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَهُ فَقِيلَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي السِّفْرِ الثَّالِثِ فَرَأَى مِثْلَهُ فَقَالَ مِثْلَهُ فَقِيلَ لَهُ مِثْلُهُ". أقول: هل ذُكر القائم في جميع أسفار التوراة؟ وما الفائدة من هذا العمل لاسيما من تكرار ذلك الأمر لأمة موسى؟! ولو قيل مثل هذا الكلام بحق شخص جاهل عسير الفهم بأنه رغم طلبه لأمر غير معقول عدة مرات وسماعه الجواب يُكرّر السؤال ثانيةً وثالثةً ورابعةً, ألا يُعتبر إهانةً له؟ لا أدري ما هو غرض أولئك الرواة من إهانة رُسُل الله؟ هذا عدا عن أنه لو كان القائم حقيقةً لوجب عليه -بوصفه مسلماً- أن يؤمن بموسى وإلا لكان كافراً.
* الرواية 37: تتضمن نقلاً للروايات التي أوردها صاحب كتاب «كشف الغمة» نقلاً عن «أبي نعيم الأصفهاني» الذي أورد في كتابه أربعين حديثاً هي ذات الأحاديث المذكورة سابقاً بعينها. وقد اشتُهر أن أبا نعيم الأصفهاني من أهل السنة. وعلى كل حال كان أبو نعيم ضعيفاً في استخدام العقل وكان همه جمع الحديث بغض النظر عن صحة الأحاديث أو سقمها وكونها ضعيفة مردودة أم صحيحة مقبولة!
ولقد روى أهل السنة بالطبع أحاديث موضوعةً كثيرةً عن رواةٍ مجهولي الحال. وينبغي أن نعلم أن عدداً من علماء أهل السنة السُّذج رووا كثيراً من أحاديث الرواة الشيعة، ثم جاء الشيعة بعد ذلك فأخذوا هذه الأخبار عينها من كتب أهل السنة واعتبروا ذلك دليلاً من كتب الخصم على صحة عقائدهم!![229] وعلى كل حال ففي هذه الأحاديث الأربعين التي رواها أبو نعيم أخبارٌ تُثبت وتُوضّح أن المهديَّ الخياليَّ خرافةٌ. فمثلاً الأخبار من 1 إلى 3 التي أوردها أبو نعيم تذكر أن المهدي عندما يقوم يملك سَبْعاً [أي سبع سنين] أَوْ تِسْعاً. فإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يسأل شخصٌ: هل كل هذا الجدل والنقاش والقيل والقال والوعود الوردية وتدوين الكتب المختلفة التي تدعو إلى انتظار المهدي آلاف السنين هو لأجل رئاسة تدوم تسع سنوات فقط!! أي أن العالَم سيبقى كل فترة الدنيا مليئاً بالجور والظلم ما عدا تسع سنوات! فهل هناك عاقل يُمكن أن يُسَرَّ بمثل هذا الوعد أو البُشرى؟ فما بالك برسول الله ص الحكيم؟!
وفي الأخبار 4 و5 و6 أن المَهْدِيَّ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَة، والخبر 5 يقول: إن "فَاطِمَة كانت عِنْدَ رَأْسِ النبيِّ - وهُوَ فِي الحَالَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا -ِ فَبَكَتْ حَتَّى ارْتَفَعَ صَوْتُهَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ ص إِلَيْهَا رَأْسَهُ فَقَالَ: حَبِيبَتِي فَاطِمَةُ مَا الَّذِي يُبْكِيكِ فَقَالَتْ أَخْشَى الضَّيْعَةَ مِنْ بَعْدِكَ ...". فأقول: هل يُمكن لامرأة عاقلة مُتوكلة على الله تؤمن أن مصيرها بيد الله أن تقول مثل ذلك الكلام غير المتوازن على فراش احتضار أبيها؟ ألا تُسبِّب بمثل هذا الكلام انزعاج أبيها وحزنه؟! هل يمكن أن يصدر مثل هذا عن فاطمة الزهراء التي كانت امرأة عالمة ذات بعل عالم وشجاع مثل حضرة علي (ع)؟! ألم تكن فاطمة عليها السلام تعتبر الله أرحم وأكثر شفقة من أي مخلوق بما في ذلك رسول الله ص؟!
والخبر 7 يقول: "يَخْرُجُ المَهْدِيُّ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا كرعَةُ" وهذا يُخالف الأخبار الأخرى التي تقول إنه يخرج من مكة أو يقوم في مكة. ثم تُبيّن الأخبار 8 و9 و10 و11 صفات المهدي الجسمية كقولها: "لَوْنُهُ لَوْنٌ عَرَبِيٌّ وَجِسْمُهُ جِسْمٌ إِسْرَائِيلِيٌّ [230](؟!) عَلَى خَدِّهِ الْأَيْمَنِ خَالٌ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّي" أو قولها: "أَجْلَى الجَبِينِ أَقْنَى الأَنْفِ". فأقول: إذن كل من يتّصف بهذه الصفات يمكنه أن يدّعي أنه المهدي! وعلى كل حال فقد اهتمَّت هذه الأخبار بطول المهدي وقامته وشكله وأتت بأمور لا تتناسب مع أحاديث النبي ص، ومن المقطوع به أنها لا يمكن أن تكون من كلامه ص. وفي الخبر 13 يقول: "لَيَبْعَثَنَّ اللهُ مِنْ عِتْرَتِي رَجُلًا أَفْرَقَ الثَّنَايَا أَجْلَى الجَبْهَةِ يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلًا...". وفي الخبر 12: "بَيْنَكُمْ وبَيْنَ الرُّومِ أَرْبَعُ هُدَنٍ يَوْمُ الرَّابِعَةِ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ آلِ هِرَقْلَ يَدُومُ سَبْعَ سِنِينَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ يُقَالُ لَهُ المُسْتَوْرِدُ بْنُ غَيْلَانَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ إِمَامُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ المَهْدِيُّ (ع) مِنْ وُلْدِي".
أقول: أفلم يوجد من يقول لهذا الراوي الجاهل أن سلاطين الروم وهرقل انقرضوا منذ مئات السنين ولم يظهر المهدي بعد!!
لقد نقل المجلسي هذه الروايات عن الحافظ أبي نعيم الذي كان من أهل السنة بغرض إثبات وجود المهدي في حين أنه عندما تُنقَل أمورٌ ضعيفةٌ عن أي شخص فإن هذا لا يزيد القضيَّة إلا ضعفاً. (فَلَا تَتجَاهَلْ).
وفي الخبر 15: "يَخْرُجُ المَهْدِيُّ فِي أُمَّتِي يَبْعَثُهُ اللهُ عِيَاناً لِلنَّاسِ يَتَنَعَّمُ الأُمَّةُ وتَعِيشُ المَاشِيَةُ وتُخْرِجُ الأَرْضُ نَبَاتَهَا...". ولنا أن نسأل ألا تُخرِج الأرض نباتها الآن ؟ ثم في الخبر 16 أن رَسُول اللهِ ص يقول: "يَخْرُجُ المَهْدِيُّ وعَلَى رَأْسِهِ غَمَامَةٌ فِيهَا مُنَادٍ يُنَادِي هَذَا المَهْدِيُّ خَلِيفَةُ اللهِ فَاتَّبِعُوهُ"!! ومن المُسلَّم به أن مسألة وجود الخليفة لِـلَّهِ مسألة باطلة لا تصحّ وقد تكلمنا عن هذا الموضوع بما يلزم فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ[231].
وفي الخبر 17: "يَخْرُجُ المَهْدِيُّ وعَلَى رَأْسِهِ مَلَكٌ يُنَادِي هَذَا المَهْدِيُّ فَاتَّبِعُوهُ"!! ونسأل: ما معنى مخاطبة المنادي السماوي أو الملائكة لشخص غير نبيّ؟ إن كانت هذه المخاطبة وحيٌ فإن الوحي قد انقطع بعد رسول الله ص بإجماع المسلمين، وليت شعري! لماذا لم يكن المنادي السماوي يُكلم الناس زمن رسول الله ص؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
وفي الخبر 18 -كالخبر 23-: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنِ النَّاسِ وزَلَازِلَ فَيَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلًا وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وسَاكِنُ الأَرْضِ يَقْسِمُ المَالَ صِحَاحاً فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ومَا صِحَاحاً؟ قَالَ: السَّوِيَّةُ بَيْنَ النَّاسِ" [أي أنه لا يُراعي استحقاقات الناس المختلفة؟!!]. وفي الخبر 19: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلًا وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً"وفي الخبر 20: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَبَعَثَ اللهُ فِيهِ رَجُلًا اسْمُهُ اسْمِي وخُلُقُهُ خُلُقِي، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) "!!
وهذه الأخبار كلها تتعارض مع أخبار أخرى تقول إن كنية المهدي: أبو القاسم أو غير ذلك. فهذا يُبيّن حال هذه الروايات المتعارضة التي يُناقض بعضها بعضاً.
36وفي الخبرين 21 و 35[232]: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص لَا يَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي واسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي...". إذن يتبيَّن أن هذا المهدي ليس هو مهدي الشيعة محمد بن الحسن العسكري القائم المنتظر!!! وفي الخبر 35 أن المهديَّ "يَمْلِكُ سَبْعاً أَوْ تِسْعاً، ولَا خَيْرَ فِي العَيْشِ بَعْدَ المَهْدِيِّ"، وهنا ينبغي أن نقول لأولئك الرواة والكُتَّاب: أكُلُّ ذلك الكلام والاهتمام ولطم الصدور والاحتفالات السنوية الطويلة والعريضة لأجل مُلْك يدوم سبع سنوات فقط ولا خير في العيش بعده؟!
والأخبار 22 و23 و24 تقول: "المهديّ يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وعَدْلًا. ويَكُونُ عَطَاؤُهُ هَنِيئاً"، وفي الخبر 25: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ...[إلى قوله]: ويَعْمَلُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ سَبْعَ سِنِينَ ويَنْزِلُ بَيْتَ المَقْدِسِ". وهنا نقول: أولاً: هل كل تلك الوعود لأجل سبع سنوات فقط؟ وثانياً: هذا الخبر يُعارض الأخبار التي تقول إن المهدي يسكن الكوفة.
وفي الخبر 26 يقول: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ خُرَاسَانَ فَائْتُوهَا ولَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللهِ المَهْدِيَّ". إذن، يظهر أنهم يعتبرون جيش أبي مسلم الخراساني الذي جاء من الشرق براياته السوداء جيشَ المهديِّ وأبا مسلم هو المهدي! من الواضح أن هذا الخبر وضعه أنصار بني العبّاس ولا أدري ما فائدة وجوده في كتب الشيعة؟!!
وفي الأخبار 27 و32 و33 تمّ تكرار هذا الأمر بعينه، أي الذي مُؤدّاه أن أبا مسلم [الخراساني] هو المهدي!![233] وفي الأخبار 28 و29 و30 و31، تكرار لتلك الأمور السابقة ذاتها وأن المهديَّ: "يُصْلِحَ أُمَّةً بَعْدَ فَسَادِهَا"، وأنه "يَتَنَعَّمُ أُمَّتِي فِي زَمَنِ المَهْدِيِّ )ع( نِعْمَةً لَمْ يَتَنَعَّمُوا قَبْلَهَا قَطُّ يُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً ولَا تَدَعُ الأَرْضُ شَيْئاً مِنْ نَبَاتِهَا إِلَّا أَخْرَجَتْهُ"وأن"المَهْدِيَّ هُوَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِ الجَنَّةِ" وفي الخبر 34 أن "عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ )ع( سأل رَسُولَ اللهِ ص: أَمِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ المَهْدِيُّ أَمْ مِنْ غَيْرِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص: لَا بَلْ مِنَّا". والخبر 37: مخالف لمذهب الشيعة إذ لا علاقة له بابن حضرة العسكري.
والخبران 38 و39: مخالفان للقرآن لأنهما يذكران أن المسيح يهبط إلى الأرض ويُصلي خلف المهدي. فينبغي أن نقول هنا:
37أولاً: لقد صرَّح القرآن الكريم بأنّ اللهَ توفَّى عيسى (ع)، كما جاء في سورة آل عمران: ﴿إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥]، وأن عيسى (ع) سيقول لِـلَّهِ تعالى يوم القيامة: ﴿وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ ١١٧﴾ [المائدة: ١١٧]. وثانياً: في القرآن الكريم آيات تُثبت أن أهل الجنة ذاقوا في الحياة الدنيا موتةً واحدةً فقط: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ ٥٦﴾ [الدخان: ٥٦]. وثالثاً: يقول تعالى: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَ﴾ [الأنبياء: ٣٤]، فهذا يدل على أن عدم موت عيسى (ع) وبقاءه حيّاً، مخالفٌ لآيات القرآن، كما أنه لو قيل إن الإنسان يحيى في الدنيا مرَّةً ثانيةً بعد موته ثم يموت موتَةً أخرى لكان ذلك مخالفاً لآيات القرآن لأن القرآن ذكر أن أهل الجنة لم يذوقوا في الدنيا إلا موتةً واحدةً.
* الرواية 38: هنا ينقل المجلسيُّ مُجدّداً عن كتاب «كشف الغمّة» الذي أُلِّف في القرن السادس الهجري، ما نقله صاحب كشف الغمة بدوره عن كتاب «كفاية الطالب» لصاحبه محمد بن يوسف الشافعي الكنجيّ الذي جمع في كتابه أخباراً في 25 باباً هي عين الأخبار التي ذُكِرَت سابقاً، كل ما في الأمر أنها مروية هنا عن رواة مجهولين من أهل السنة. وينبغي أن نقول إن إعادة وتكرار الأخبار ذاتها عن ضعفاء ومجهولين سواءً كانوا من السنة أم من الشيعة لا يُثبت شيئاً![234] (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
بَيْدَ أنَّ في أخبار كتاب «كفاية الطالب» خرافات أخرى أيضاً لا توجد في الأخبار السابقة. من جملة ذلك أنه روى في الباب الرابع أن رَسُولُ اللهِ ص قال: "يُقْتَلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئاً لَا أَحْفَظُهُ". أفلم يوجد من يسأل ذلك الراوي الوضَّاع: أي كنز هذا هو كنزنا وأي خليفة تقصد، وما هي الفائدة من تلفيق هذه المُبهمات؟! ثم ينقل في الأبواب 1 و2 و4 و5 عين الأحاديث التي مرّت سابقاً، وفي الباب السادس يقول عن المهدي أنه: "يَخْرُجُ يَعِيشُ خَمْساً أَوْ سَبْعاً أَوْ تِسْعاً"، وهذا أيضاً تكرار لما سبق. وينبغي أن نقول: ما هي جدوى أن ينتظر الناس آلاف السنين وأن تُختَرَع آلاف الأحاديث وتُسوَّد آلاف الصفحات بأن المهدي قادم، لكي يأتي هذا المهدي في آخر الزمن ويعيش مدة تسع سنوات على أكثر تقدير، ثم يُحرَم الناس منه بقيّة عمر الدنيا؟! ماذا يُسمِّي مُؤيّدو المهدي مثل هذا الأمر؟! ثم ما معنى أن يشكّ الراوي بين خمس أو سبع أو تسع سنوات؟!! ويقول في هذا الباب السادس أيضاً: إن "أَخْوَالَهُ كَلْبٌ" [أي من قبيلة بني كلب]، ..... فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ". ويذكر في الباب السابع أن المهديَّ "يُصَلِّي بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (ع)"، وأن رَسُول اللهِ ص يقول: "كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟"، مما يُفيد أن مقام المهدي أعلى من مقام حضرة عيسى!! إن الراوي وضع من عنده مقاماً ورتبةً لعيسى (ع)! هذا في حين أن المهديَّ وكلَّ تابِعٍ لرسول الله ص يجب عليه أن يؤمن بعيسى (ع)، فإذا لم يُؤمن به كان كافراً، فالقرآن صريح بوجوب الإيمان به وبجميع الأنبياء. أضف إلى ذلك أن هناك آياتٍ كثيرةً في القرآن الكريم نزلت بشأن عيسى (ع) في حين لم تنزل آية واحدة بشأن المهدي، بل إن القرآن لا يُؤيِّد وجود مثل هذا المهدي بالأوصاف التي يذكرونها كما ذكرنا سابقاً.
وفي الأبواب التالية وحتى الباب الثالث عشر يُكرّر القصص السابقة نفسها التي تنطوي على العيوب ذاتها وليس في تكرار هذه الأخبار من فائدة سوى إضاعة الوقت. وفي الباب الرابع والعشرين يستند لإثبات المهدي إلى الآية 67 من سورة المائدة، والحق والإنصاف أنه لا يُمكننا أن نجد دليلاً لا علاقة له بمدلوله أكثر من هذا!! حقاً لا يُمكن لأحد أن يُباري هؤلاء الرواة في قدرتهم على تلفيق الكلام غير المترابط!
وفي الباب الخامس والعشرين أراد أن يأتي بدليل لإثبات الحياة الطويلة جداً للمهدي فقاس حياة المهدي على بقاء عيسى والخضر وإلياس في حين أن القرآن يقول إن حضرة عيسى وإلياس قد تُوفيا، كما أنه لا أثر في القرآن لـ «الخضر» بل هي قصة شاعت بين المسلمين لا أكثر!! فضلاً عن أن قياس غير الأنبياء على الأنبياء غير صحيح، كما بينّا ذلك مراراً ولا يُمكننا أن ننسب معجزة نبيّ من الأنبياء إلى نبيّ آخر، بناءً على ذلك لا يُمكن أن ننسب الحياة الطويل الإعجازية لحضرة نوح (ع) إلى نبيّ آخر، فما بالك بأن نُثبتها لغير نبيّ (فَتَأَمَّل ولَا تَتَجَاهَلْ). وكذلك أصحاب الكهف كان عمرهم معجزة إلهية ولم يكن لهم هم أنفسهم، علم بذلك إلى مُدَّةٍ بعد استيقاظهم، وقد صرّح الله تعالى بذلك في كتابه، ولكننا لا نستطيع أن ننسب إلى الآخرين، بما في ذلك المهدي ذلك الأمر دون دليل. خاصةً بالنسبة إلى شخص يوجد شك حقيقي في ولادته ووجوده من الأساس.
لاحظوا، إضافةً إلى ذلك، أننا لا نُعارض فكرة إمكانية العمر الطويل لأي إنسان، لكننا نُريد إثبات هذا الأمر وتحققه الفعلي لزيد أو عمر[235]. (فَلَا تَتَجَاهَلْ). ثم استُدِلَّ أيضاً ببقاء الدَّجال وإبليس في حين أن موضوع الدَّجال هو بذاته جزء من الأحاديث والقصص المُتعلّقة بالمهدي محلّ النزاع، وأخبار الدجال من الموضوعات، وأما إبليس فكان بتصريح القرآن (الكهف: 50) من الجن فقياس البشر على غير البشر قياس مع الفارق. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
هنا استدل على بقاء عيسى عليه السلام بقوله تعالى: ﴿وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا ١٥٩﴾ [النساء : ١٥٩] في حين أن هذه الآية لا علاقة لها أصلاً ببقاء عيسى بل هي تُبيِّن أن كل كتابيٍّ سيُؤمن بعيسى (ع) الحقيقي قبل وفاته، ولا شكَّ أن المحتضر عند وفاته وانتقاله إلى العالَم الآخر يصبح بصره حديداً ويرى الحقائق كما هي، رغم أن هذا الإيمان والتوبة الاضطرارية لن ينفعانه. ومقصودنا أن مُنكري نبوة عيسى أي اليهود، والذين غلوا فيه أي النصارى، سيُؤمنون عند احتضارهم بعيسى (ع) الحقيقي وتنكشف لهم الحقيقة. وليس في هذه الآية أيُّ كلام حول عودة حضرة عيسى (ع) قبل القيامة إلى الدنيا، بل تكلمت الآية في ذلك المقطع المذكور عن شهادة المسيح يوم القيامة، وليس هناك أيُّ مُبرِّرٍ لعدم الإشارة مُطلقاً إلى موضوع مهمّ إلى هذه الدرجة أي ظهور المسيح من جديد في هذه الدنيا[236]. خاصةً أن «تَوَفَّى» معناها الاستيفاء الكامل والتام، وعندما يأتي هذا التعبير في القرآن ولا يكون المقصود منه النوم، فإنه لا يُستخدم إلا بمعنى «الموت»، ولذلك قال الله تعالى: ﴿يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: ٥٥]، كما أن عيسى نفسه استخدم تعبير التوفي بحق نفسه (المائدة: 117) يعني أنه كسائر الأنبياء الذين يُتَوَفَّوْنَ لا يبقى له بعد وفاته أيّ علم بأحوال العالَم.
هذا، ولا توجد في القرآن الكريم -باستثناء الآية 60 من سورة الأنعام والآية 42 من سورة الزمر اللتين تتضمنان قرينةً دالة على إرادة معنى النوم- أيُّ آية لم يتمّ استخدام فعل «تَوَفَّى» فيها بمعنى «الموت»، وكما استُخدمت كلمة «توفَّى» في آيات مُتعدّدة بشأن الرسول الأكرم ص (يونس: 46 وآيات أخرى) استُخدمت كذلك بشأن حضرة عيسى (ع)، وليس هناك أيّ مبرر يُجيز أن نعتبر أن كلمة «توفَّى» الخاصة بعيسى جاءت على معنى آخر مختلف دون وجود قرينة تُثبت ذلك، ونحن أبناء الدليل.
أما قولهم: "إن معنى الآية إني أرفعك إليَّ وأصعد بك"، فلا ينبغي أن نتوهَّم أن لِـلَّهِ مكاناً خاصاً محدَّداً وأن الله تعالى أخذ عيسى إلى مكانه!! بل المقصود رفع مقام عيسى[237] وذلك كقوله تعالى: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ١٥٦﴾ [البقرة: ١٥٦] حيث لا يُقصد من كلمة «إِلَيْهِ» العودة إلى مكان مُحَدّد. من الواضح إذن أن الله ليس له جهة مُحدّدة.
وقد استند الراوي هنا إلى الآية 33 من سورة التوبة وقد ذكرنا ما يلزم من توضيح بشأن هذه الآية في باب «الآيات المؤولة بقيام القائم» (ص 182 - 183).
* الرواية 39: يُراجع تعليقنا على الخبر 22 في الصفحة 221 من الكتاب الحاضر.
* الرواية 40: يقول: ذكر الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِ «حمعسق» بِإِسْنَادِهِ قَالَ: "السِّينُ سَنَاءُ المَهْدِيِّ (ع) والقَافُ قُوَّةُ عِيسَى (ع) حِينَ يَنْزِلُ فَيَقْتُلُ النَّصَارَى ويُخَرِّبُ البِيَعَ"![238] ثم قال المَجْلِسِيّ: "وَعَنْهُ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّ الْمَهْدِيَّ (ع) يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَيُحْيِيهِمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى رَقْدَتِهِمْ فَلَا يَقُومُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة"! (أيُّ عمل بلا فائدة!).
38أيُّها القارئ المحترم! لاحظ سورة الشورى في القرآن الكريم واعلم أن هذه السورة مكية ولاحظ الآيات التي ابتدأت السورة بها واحكم بنفسك على مقدار الترابط والتناسب في قول من يقول: إن القرآن الكريم أشار في خطابه لمشركي مكة في بداية سورة الشورى إلى سناء المهدي وقوّة عيسى!! وقارن هذا القول بالقول المُستند لأخينا الفاضل جناب السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي- حفظه الله تعالى- الذي يقول: إن الحروف المُقطّعة في القرآن الكريم علامات على أسماء الله بدليل أن عَلِيّاً (ع) كان يستفيد من هذه الحروف في دعاء الله في الغزوات والحروب، كما روى «نصر بن مزاحم المنقري» في كتابه: «ما كان عَلِيٌّ (ع) في قتال قطُّ إلا نادى: كهيعص» (وقعة صفين، ص 231) أو رُوي أن الإمام قال: «يا كهيعص اغفر لي» (تفسير الطبري، ج 16، ص 44، والإتقان للسيوطي، ج 2، ص 10). ورُوي في تفسير الميبُدي أن عَلِيّاً (ع) كان يُقسم بـ «كهيعص»، ولما كنا نعلم أنه لا يُمكننا الحلف إلا بأسماء الله الحسنى دلّ ذلك على أن هذه الحروف إشارة إلى أسماء الله الحسنى التي كان الإمام يحلف بها. كما رُوي على سبيل المثال أن ابن عباس[239] كان يقول: "الكاف الكافي والهاء الهادي والعين العالم والصاد الصادق" (الإتقان للسيوطي، ج 2، ص 9). وروى الشيخ الصدوق أيضاً عن حضرة السجاد أن عَلِيّاً (ع) قال: "مَا مِنْ حَرْفٍ [أي من الحروف المُقطّعة في أوائل السور] إِلَّا وَ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ عَزَّ وَ جَل....." (معاني الأخبار، ص 44).
* الرواية 41: [ينقلها عن كتاب «الطرائف» عن ابْنِ عَبَّاسٍ] عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ: "المَهْدِيُّ طَاوُوسُ أَهْلِ الجَنَّةِ"!! إذن علينا أن نقول له: هنيئاً لك!
ثم أخذ المَجْلِسِيّ بذكر الروايات التي وردت في كتب أهل السنة عن المهدي وتتبيّن حقيقة هذه الروايات إذا راجعنا ما ذكرناه في هذا الكتاب (ص 112 فما بعد) ولا حاجة لتكرار الكلام هنا.
بعد انتهائه من ذكر كل تلك المُكرّرات بدأ المجلسيّ هنا بإيراد روايات منسوبة إلى أمير المؤمنين والحسنين والأئمة التالين عليهم السلام، بعضها مُبهم وغامض وبعضها مُكرّر وكل رواتها ضعفاء ومجهولو الحال ومتونُها خرافية نقطع يقيناً بعدم صدورها عن الأئمة بل هي من وضع الرواة! فمثلاً، في الخبر السادس (ص 134) يروي عن الإمام الحسين قوله: " المهدي ..... المَوْتُورُ بِأَبِيهِ المُكَنَّى بِعَمِّهِ يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ"[240]، وفي الخبر السابع يقول: " مَرَّ الحُسَيْنُ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وهُمْ جُلُوسٌ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ ص فَقَالَ أَمَا واللهِ لَا يَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ مِنِّي رَجُلًا يَقْتُلُ مِنْكُمْ أَلْفاً ومَعَ الأَلْفِ أَلْفاً ومَعَ الأَلْفِ أَلْفاً.."!! هذا في حين أنه لم يعد هناك أثر لبني أُميّة اليوم ومع ذلك لم يظهر هذا المَهْدِيّ!
ثم في الخبر الأول من الأخبار المنسوبة إلى علي بن الحسين – عليهما السلام – (ص 134) ينقل المَجْلِسِيُّ عنه قوله: "وإِنَّ لِلْقَائِمِ مِنَّا غَيْبَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الأُخْرَى أَمَّا الأُولَى فَسِتَّةُ أَيَّامٍ وسِتَّةُ أَشْهُرٍ وسِتُّ سِنِينَ.." هذا في حين أن كتب الشيعة تقول: إن غيبته الصغرى سبعون عاماً ونيّف!
ثم ينقل هنا رواية عن الكافي عن أمير المؤمنين (ع) يقول فيها إن الحيرة وغيبة المهدي تطول "سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سِتَّ سِنِينَ.." شك أمير المؤمنين، أي أنه عليه السلام لم يكن يعلم حقيقةَ الأمر بشكل دقيق؟![241] وفي الخبر السابع يروي عن حضرة العسكري (ص 160) قوله: "ثُمَّ يَخْرُجُ [أي القائم المهدي] فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الأَعْلَامِ البِيضِ تَخْفِقُ فَوْقَ رَأْسِهِ بِنَجَفِ الكُوفَةِ"! أقول: هذا في حين أن الأخبار الأخرى تقول إنه يخرج من المشرق وإن راياته سوداء!! ومن المُحتمل أن يكون هذا الحديث من وضع خصوم أبي مُسلم الخُراساني وخصوم العباسيين. وعلى كل حال فلا فائدة من هذه الروايات سوى إضاعة الوقت! وينبغي القول: إنها كلها من وضع الرواة الجهلة.
[226] في الظاهر إن مسؤولية أحاديث هذا الباب تقع على عاتق «عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ» الذي كان في ابتداء أمره فطحيّ المذهب (للتعرُّف على حاله يُراجَع كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات 591-592). [227] (وقد سبق أن بيّنّا في صفحة 137 من الكتاب الحاضر معنى «خليفة الله» فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ). وكتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، ص 318- 319. [228] لم يكن الصفويون شيعة بل كانوا على مذهب «أهل الحق»! (فلا تتجاهل). [يقول المترجم: لقد بيّنت ماهية الفرقة التي تُسمّي نفسها «أهل الحق» في حاشية الصفحة 112 من الكتاب الحاضر فَلْتُرَاجَعْ ثَمَّةَ]. [229] راجعوا الأمور التي نقلناها عن «ابن خلدون» ص 118 فما بعد من الكتاب الحالي، وقارنوها مع أحاديث هذا الباب. [230] في الخبر الثاني عشر قيل إن المهدي كأنه من رجال بني إسرائيل (؟!) عليه عباءتان قِطْرِيَّتان (أي مصنوعتان في قَطَر)!! [231] يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 436 إلى 440 و ص 656. [232] ومثل ذلك الخبر 39 في الصفحة 102 من المجلد 51 من بحار الأنوار، وقد اضطر المجلسي لأجل رفع هذا الاختلاف الفاحش أن يقول أن كلمة «أبي» التي جاءت في مثل هذه الروايات تصحيف لكلمة «ابني»!! عجباً لهذا التأويل!! [233] راجعوا الكتاب الحاضر ص 126 وص 135 (النقطة الأولى). [234] لقد ذكرنا في الكتاب الحاضر تحقيق ابن خلدون حول الأخبار المُتعلّقة بالمهدي التي وردت في كتب أهل السنة وهو تحقيق عميق وذكي ومفيد جداً فراجعه في ص 152 فما بعد، فقرة «في أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك». [235] أي أن إمكان الشيء أعم من وقوعه فمثلاً لا شك أن الله قادرٌ على أن يخلق رجلاً بأربعة أعين أو عدة رؤوس ولكن وقوع ذلك فعلاً يحتاج إلى دليل خاص عليه. (المُتَرْجِمُ) [236] على قول أخينا العالم الفاضل المرحوم «عليجان نوبخت» كيف يُمكن للقرآن الكريم أن لا يُوَفِّرَ ذكر «كلب» أصحاب الكهف (الكهف: 18) أو ذكر اسم زيد - ابن النبي بالتّبني- (الأحزاب: 37) ولكنه يمتنع عن ذكر عودة عيسى المسيح إلى الدنيا وعن ذكر المهدي الذي سيملأ الدنيا عدلاً وأمناً؟! (فلا تتجاهل). [237] هذا التأويل لا تُساعد عليه اللغة بل الأولى أن يُقال: إن معنى «رَافِعُكَ إِليَّ» رافعك إلى حيث لا سلطان إلا سلطاني ولا حكم إلا حكمي ولا أمر غير أمري وهذا يُشبه قوله تعالى: ﴿... إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٢٦﴾[العنكبوت: 26] إذ من المؤكّد أنه ليس المقصود أنه مهاجر إلى المكان الذي يتواجد فيه الله -تعالى الله عن التحيّز بمكان أو التحدُّد بزمان- بل إنه مُهاجر إلى حيث أمره ربّه بالهجرة. [238] من أظهر علامات الوضع في هذا الخبر وأمثاله أنه يخالف القرآن الكريم الذي تبين آياته العديدة أن الله إنما شرع القتال في سبيله لدفع ظلم الظالمين الذين يقاتلون المؤمنين على دينهم، ولرد المعتدين ورفع الظلم عن المستضعفين المضطهدين بسبب إيمانهم، ولضمان حرية العقيدة ونشر الدعوة، وليس لأجل قتل كل غير مسلم حتى ولو كان مسالماً أو معاهداً!! بل لقد جعل الله تعالى الحفاظ على دور العبادة بما في ذلك الصوامع والبيع من غايات الجهاد القتالي! (المُتَرْجِمُ) [239] الذي في متن كتاب المرحوم البرقعي نسبة هذا الحديث إلى رسول الله ص وهو خطأ لأننا إذا رجعنا إلى كتاب «الإتقان» للسيوطي وجدنا أن الرواية موقوفة على ابن عباس. (المُتَرْجِمُ) [240] راجعوا الصفحة 135 من الكتاب الحاضر، النقطة الثانية من فقرة «مقدمة لقراءة أخبار المهدي». [241] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، دراسة الحديث 7 من الباب 137. (ص 679-680).
بعد أن فرغ المجلسي من ذكر الروايات التي لا اعتبار لها عن الأئمة، بَدَأَ في هذا الباب بنقل الأخبار عن الكهنة والملفّقين وخصَّص أربع صفحات من كتابه لنقل أقوالهم مع أن رسول الله ص قال: "مَنْ مَشَى إِلَى سَاحِرٍ أَوْ كَاهِنٍ أَوْ كَذَّابٍ يُصَدِّقُهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ"[242]. (سفينة البحار، ج2، ص 555).
سبحان الله! إن المجلسي مستعدٌّ لنشر أقاويل الكهنة لإثبات هدفه الوهمي. أليس من العجيب حقَّاً أن ينص القرآن الكريم على أن كلام الكهنة لا يُعتدُّ به (الحاقة: 42) ومع ذلك يتشبَّث المَجْلِسِيُّ بأقوال الكهنة لإثبات عقيدته!! فاعتبروا يا أولي الأبصار!
أورد المَجْلِسِيّ في هذا الباب روايات عن كتاب «مشارق الأنوار» تأليف الحافظ رجب البرسي، الذي كان من الغلاة و لم يكن موثوقاً ولا يعتمد العلماء على أخباره، أو روايات عن مجهولين أو أفراد مشكوك بحالهم مثل «الحسين بن علي بن سفيان البزوفري»[243]!
[242] الحديث رواه الحر العاملي في «وسائل الشيعة»، ج 17 : ص 150. (المُتَرْجِمُ) [243] لاحظوا نموذجاً لرواياته في كتاب «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] (ص 220 فما بعد).
ذكر المجلسيّ في هذا الباب عدة براهين واستدلالات لإثبات غيبة المهدي وهي استدلالات أوهن من بيت العنكبوت. أحد أدلته مثلاً أن الخلق مع كونهم غير معصومين لا يجوز أن يخلو أمرهم من رئيس في وقت من الأوقات وأن من شرط الرئيس أن يكون مقطوعاً على عصمته، ثم لا يخلو ذلك الرئيس من أن يكون ظاهراً معلوماً أو غائباً مستوراً، فإذا علمنا أن كل من تُدَّعى له الإمامة ظاهراً ليس بمقطوع على عصمته بل ظاهر أفعالهم وأحوالهم ينافي العصمة علمنا أن من يُقطَع على عصمته غائب مستور!!
والجواب: إننا نقول: كلا، لا يحتاج الخلقُ إلى رئيس معصوم، لأنه إذا كانت الحاجة له لأجل حفظ الدين فإن حفظ الدين واجبُ جميع المسلمين والأمة محفوظة عن أن تجتمع على الخطأ كما قال رسول الله ص: «لا تجتمع أمتي على خطأ»[244]. أضف إلى ذلك أن مَنْ تَدَّعون عصمَتَهم هم أنفسهم يعتبرون أنفسهم قابلين للخطأ ومُذنبين[245]. ثم إنّ رئيساً وحاكماً غير معصوم يكون حياً بين الناس ويخدم الناس ويمنع الظلم والتعديات ويُصلح أمورهم ويُواجه أعداءهم ويبني لهم المصانع ويُعبّد لهم الطرق أفضل من معصوم غائب مخفيّ مثله مثل شخص معدوم لا يستطيع خَلْقُ اللهِ الوصولَ إليه! وبعبارة أخرى الوجود الناقص أفضل من العدم. هذا إذا افترضنا فعلاً أن هناك معصوماً غائباً والحال أنه ليس لدينا أيّ دليل قويم على وجود مثل هذا الغائب.
وبمعزل عما ذُكر، فإن العصمة ليست شرطاً ضرورياً لنجاح الحاكم في حكمه، فلاحظوا أنكم تعتبرون حضرة عَلِيٍّ (ع) وحضرة المُجتبى (ع) معصومَيْن ولكنكم تعترفون أن مُخالفيهما لم يدعاهما يُحققان أهدافهما السامية بالشكل المطلوب وحالوا دون وصول سائر المعصومين إلى سُدّة الحكم!
ومغالطة المَجْلِسِيّ الأخرى قوله: إن الله قادر على أن يحفظ عبداً من عباده حيّاً ويُعمّره آلاف السنين.
والجواب إن إمكانية الشيء أعمّ من وقوعه، فالقدرة وحدها لا تكفي دليلاً على وقوع المقدور. فالله تعالى كان قادراً على أن يُعمّر حضرة إبراهيم وموسى ونبيّ الإسلام ألف عام لكنه لم يفعل ذلك، فمقدورات الله لا نهاية لها ولكنه لا يفعل كل مقدور وممكن. فعلى المُدّعي أن يأتي بدليل على الوقوع ويُثبت أن المقدور الفلاني واقع فعلاً، أما الاستدلال بإمكانية الوقوع فقط -والتي لا يختلف فيها أحد- فلا يُفيد شيئاً في إثبات الوقوع الفعلي. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
ودليله الآخر: وجود أخبار كثيرة (يدَّعي تواترها المعنوي) عن الأئمة ورسول الله ص تدلُّ على إمامة المهدي وغيبته وظهوره.
ولكن الحقيقية التي تم بيانها في كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد] القَيِّم (تأليف المرحوم قلمداران) أو كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» وكتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» (ص 361 إلى 395) وكتاب «رهنمود سنت در ردّ اهل بدعت» [هداية السنة في ردّ أهل البدعة] (للمؤلِّف) ونظائرها من الكتب، هي أن أحاديث الإمامة هذه إنما وُضِعَتْ في القرن الثاني الهجري فما بعد ولا اعتبار لها، لاسيما أن المتون التي تتضمن أموراً مخالفة للقرآن والعقل أو يُناقض بعضها بعضاً في تلك الأحاديث ليست بالقليلة، هذا بصرف النظر عن أن كثيراً من رواتها أشخاص مجروحون ومطعون بحديثهم.
أضف إلى ذلك أنه لو كانت تلك الأحاديث التي تستندون إليها صادرة فعلاً عن الشارع لَمَا ظهرت كل تلك الحيرة والاختلافات لدى أتباع الأئمة بعد وفاة كل إمام! (راجعوا الكتاب الحاضر، مقالة «المهدي الموعد وغيبته»، ص 42 وكتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، ص 233 فما بعد، وكتاب «خاندان نوبختى» [أي: الأُسْرَةُ النَّوْبَـخْتِيَّة][246]، ص 50 إلى 53 و 162 إلى 165).
كما ينبغي أن نُذكّر بأن دليلهم على ضرورة حكم المعصوم لا بُدّ أن يصدق في جميع الأزمنة والعصور. فمثلاً حتى مئة سنة سابقة لم يكن هناك هاتف ولا برقيات ولا مذياع ولا اتصالات لاسلكية......الخ، وَمِنْ ثَمَّ فلما كان حضرة عَلِيٍّ (ع) يُعيّن فرداً غير معصوم والياً على مصر أو خراسان كان على ذلك الشخص غير المعصوم أن يحلّ مشاكل منطقته بالعودة إلى الكتاب والسنة دون استفتاء المعصوم، ولم يكن أحد يعترض على هذا الأمر. بناءً على ذلك ففي الزمن القديم -باستثناء مناطق محدودة- لم يكن الناسُ في سائر مناطق بلاد الإسلام قادرين على الوصول إلى المعصوم، بل كانت معظم مناطق عالَم الإسلام تُدار دون إشراف المعصوم. كما دعا القرآن الكريم المسلمين إلى اتِّباع الكتاب والسنَّة والتشاور في أمورهم (الشورى: 38) ولم يُشِر أدنى إشارة إلى إمام معصوم يأتي بعد النبي! وينبغي أن ننتبه إلى أن الأئِمَّة - كما تقولون أنتم أنفسكم - ليسوا أعلى رتبةً من الرسول الأكرم ص، فإذا علمنا أنه ليس لدينا أي دليل قويم على أن الأنبياء ومنهم خاتم النبيين ص كانوا معصومين في الأمور التي لا تتعلق بالوحي وإبلاغ الشريعة[247]، بل كانوا في غير مسائل الوحي والتبليغ، بشراً مثل سائر البشر- كما يصرح القرآن - يمكن أن يشتبهوا (في الأمور الدنيوية) أو يتصرفوا بخلاف الأولى في مسائل إدارة الشؤون المختلفة[248]، علمنا أن وضع الإمام لن يكون أفضل من ذلك[249]. (فتأمَّل)
لم يكن العُمَّال الذين كان رسول الله ص ينصبهم في مكة واليمن والمناطق القاصية والدانية معصومين، وكانوا يُديرون شؤون الناس على ضوء الكتاب والسنَّة، ولم يكن في مناطقهم «معصومٌ» يدير زمام الأمور ويحكم الناس. أمَّا إثبات العصمة بالمعنى الذي يُعجبكم لفرد من أفراد الأمَّة بعد ختم النُّبُّوة فإنه يحتاج إلى دليل شرعي قويم، ولم تقدِّموا مثل هذا الدليل[250]. ثانياً: على فرض أن الإمام عَلِيّاً ÷ كان معصوماً، فالمُسلَّم به أن عُمَّاله الذين كان ينصبهم ولاةً على مصر أو المدينة أو مكة أو البلاد البعيدة لم يكونوا معصومين، وكانوا يتَّخذون قراراتهم على ضوء فهمهم للكتاب والسنة فحسب، ويقومون بأعمال لم يكن الإمام يطَّلع عليها. بناءً على ذلك سواءً قلنا إن عَلِيّاً أو الحسن عليهما السلام كانا معصومين أو لم نقل ذلك فإننا نسأل: ألم يكن من الواجب على نُوَّابهم والولاة المنصوبين من قِبَلِهم في المناطق البعيدة، والذين لم يكونوا قادرين على الوصول إلى الإمام عَلِيٍّ أو الحسن في كل وقت، أن يديروا شؤون الأمة على ضوء فهمهم للكتاب والسنة؟!!
بناءً على ذلك فإن عصمة الإمام عَلِيٍّ أو الإمام الحسن إنما تُفيد أهل المدينة التي يعيشان فيها، أما أهالي المدن الأخرى لاسيما المدن البعيدة والمناطق التي يصعب الوصول إليها فلن تُفيدهم تلك العصمة شيئاً كثيراً، ونتيجةً لذلك فحتى لو كان هناك معصومٌ فإن نُوَّابه والولاة المنصوبين من قِبَلِه غير المعصومين الذين يعيشون في مناطق بعيدة كانوا يقضون بين الناس ويديرون الأعمال الجزئيَّة وشؤون الحياة الاجتماعيَّة المختلفة دون وجود العصمة، إذن تبقى الأصول العامّة التي لا يجوز تجاوزها وهذه الأصول العامّة في رأينا مذكورة في الكتاب والسنة، والله تعالى قادر على أن يُنزِّل تعاليم الشرع وأصوله وأحكامه على نحو تكون فيه القواعد الكلية والأصول العامّة الضرورية التي يحتاجها الناس مذكورةً ومحفوظةً، ولا تكون هناك حاجة بعد رسول الله ص إلى إمام معصوم لأجل معرفتها، وبحمد الله لقد تحقَّق مثل هذا الأمر ونجح النبيّ الخاتَم ص نجاحاً كاملاً في إبلاغ دين الله وإكماله وإتمام نعمة الشريعة، وإلا فلو أصررتم على قاعدتكم أي «لزوم عصمة إمام المسلمين بعد النبي» فإنكم ستُواجهون نقصاً شديداً في المعصومين وسيلزم من قولكم أن يجعل الله معصوماً في كل منطقة، وأنتم أنفسكم تُقرّون أنه تعالى لم يفعل ذلك! فأنتم أيضاً تؤمنون بمعصوم واحد في كل عصر وهو لا يُلبّي حاجة الناس إلى المعصوم، وَمِنْ ثَمَّ فإن ذلك يُزعزع قاعدة ضرورة وجود الإمام المعصوم وينسفها من أساسها. وقد كان الأمر على هذا المنوال حتى في أواخر عهد حياة رسول الله ص المباركة، أي كان الولاة المنصوبون من قِبَلِه في المناطق البعيدة يفصلون في الأمور ويقضون بين الناس استناداً إلى الكتاب والسنة ولم يكن لدى أحدٍ أيُّ شُبهة في هذا الأمر.
وما قلناه يتعلّق بالزمن الذي كان يوجد فيه شخص معصوم -حسب قولكم- مشهود في إحدى المدن على الأقل، أما بعد حضرة العسكري ÷ فإن المعصوم -حسب ادِّعائكم- غاب ولم يعد بالإمكان الوصول إليه، وفي نظرنا هو شخص وهميٌّ وغير موجود، وبالنتيجة لا فرق بيننا وبينكم في عدم الاستفادة من المعصوم، وبالطبع فإن الأهداف والفوائد المُرتجاة من حضور المعصوم -أي القاعدة التي تدَّعونها بشأن ضرورة وجود المعصوم- لن تتحقَّق عند غيبته على الإطلاق، بل الإمام والقائد غير المعصوم الذي يسعى على الأقل إلى عدم تخطّي القواعد العامة للكتاب والسنة في شؤون الحياة أفضل لنظم أمور الأمة من إمام معصوم ليس له أيّ تأثير في إدارة المجتمع (نهج البلاغة، الخطبة 40)[251] وذلك لأن الناس مُضطرون إلى الرجوع إلى إمام منطقتهم لحلّ مشاكلهم المختلفة. إن حاجة الناس إلى الإمام إما أن تكون حاجتهم إلى عِلْمِهِ كي يستفيدوا من تبليغه للدين وتعليمه له، أو تكون حاجتهم إلى عَمَلِهِ وحُكْمِهِ كي يُساعد الناس بما يملكه من سلطة وقدرة على نظم أمور حياتهم، أمَّا إمامُكُم المنتَظَر فلا يُحقّق أيّة واحدة من هاتين الفائدتين[252].
واليوم أوكلتم أنتم أيضاً إدارة جميع شؤون الناس -دون دليل شرعي قويم- إلى فرد غير معصوم تحت عنوان «ولاية الفقيه» الذي سمعت بأذني من المذياع قوله في إحدى خطبه أنه ليس في القرآن سورة عن الكفار ولكن لدينا سورة عن المنافقين!! ونسي أن في القرآن سورة هي سورة «الكافرون» (السورة رقم 109 في القرآن)! وهو من المُغرمين بـ «ابن عربي» و «الملا صدرا» رغم أن كثيراً من فقهاء الشيعة لهم تحفّظ كبير على أفكارهما. بناءً على ذلك فأنتم أيضاً عملياً مثلنا الذين نعتبر المهدي شخصاً موهوماً تقومون بإدارة شؤون الأمة دون إمام معصوم، ولكنكم من الناحية الأخرى تقولون للناس إن وجود الإمام المعصوم ضروري! في حين أنه لو كانت تلك الضرورة حقيقية لما امتنع الله تعالى عن بيان ذلك لعباده[253].
الشُّبهة الأخرى التي يعتبرونها دليلاً في هذا الموضوع قولهم: إن الناس هم الذين سبَّبوا غيبة الإمام!! هذا في حين أنه: أولاً: ليس لدينا دليل واضح ومُتقن على الإمامة الإلهية لهذا المهدي حتى يعتبر الناس أن اتِّباعَه واجبٌ عليهم. وثانياً: لماذا لم يغب أيّ واحد من الأئمة منذ زمن الإمام السجاد ÷ إلى زمن حضرة العسكري ÷ رغم أنه لم يكن لأيّ منهم رئاسة فعلية وزعامة عامَّة للمسلمين ومع ذلك لم يعتبروا أن الناس يستحقُّون الحرمان من وجودهم، ولكن فجأةً ظهرت ضرورة غيبة الشخص الذي هناك شكّ كبير في وجوده وولادته من الأساس؟! إنكم حتى اليوم لم تأتوا بأيّ دليل أو شبه دليل على أن زمان الإمام الجواد ÷ أو الإمام الهادي÷ يختلف اختلافاً أساسياً عن زمن المهدي!! كما لا يوجد أيّ دليل على أن الخطر في زمن المهدي على حياته كان أكبر من الأخطار التي كانت تحيق بالأئمة قبله في زمنهم!! ثالثاً: ينتظر الناس اليوم في جميع أنحاء إيران مجيء المهدي ويدعون الله ليل نهار أن يُعجّل في فرجه ويذهبون من كل حدب وصوب ومن كل فجٍّ عميق بعيون دامعة لزيارة جمكران ويبذلون أرواحهم طاعةً للنائب غير المعصوم للمهدي - حسب قولهم - فهل أهليّة هؤلاء الناس في زمننا أقل من أهلية الناس زمن الإمام السجاد ÷ أو زمن الإمام الجواد ÷ أو زمن حضرة العسكري ÷ الذين لم يغبْ إمامهم، وغاب إمام الناس في زماننا وحُرموا من حضوره بينهم؟! ماذا فعل الناس في زمننا مما لم يفعله الناس في زمن حضرة الإمام المُجتبى ÷ أو حضرة سيد الشهداء -عليه آلاف التحية والثناء- فاستحقوا أن يغيب إمامهم؟!!
ثم يقول المَجْلِسِيّ: إن قول الكيسانية والناووسية والواقفية باطل!! فنسأل: إن لدى هؤلاء -لاسيما الإسماعيلية- روايات عديدة تدل على أن الموعود هو الشخص الذي يؤمنون به، أما أنتم فلا تقبلون بأحاديثهم! فما الفرق بين أحاديثكم وأحاديثهم حتى تقبلون بأحاديثكم وتعتبرونها حقاً وترفضون أحاديثهم وتعتبرونها باطلاً؟! على الأقل هم اعتبروا بعض الأشخاص أئمةً ممن لا شكَّ في ولادتهم، أما أنتم فقد اعتبرتم شخصاً تحوم حول ولادته شكوكٌ قويّةٌ جداً إماماً! ولقد أتى المَجْلِسِيُّ بالروايات التي استند الشيخ الطوسي إليها في كتابه «الغيبة»، وهي أحاديث لا يتمتَّع أيُّ واحد منها بوضع حسن كما مرّ معنا في الصفحات الماضية.
يقول الشيخ الطوسي:
"الكلام في غيبة ابن الحسن (ع) فرعٌ لثبوت إمامته، والمخالف لنا إما أن يُسَلِّمَ لنا إمامته ويسأل عن سبب غيبته (ع) فنتكلَّف جوابه، أو لا يُسَلِّمَ لنا إمامته فلا معنى لسؤاله عن غيبة من لم يُثْبِت إمامته".
لهذا السبب نقول: إن الإمامة المنصوص عليها من الله -كما أثبتنا في كتبنا المختلفة- لا دليل عليها وقد قبلتم هذه العقيدة دون دليل قويم ولا تُقدّمون نصّاً شرعيّاً صحيحاً يُثبت هذا الادِّعاء، فهذه العقيدة التي تقول إنَّه لا بُدَّ أن يكون زعيمُ أمة الإسلام بعد رسول الله ص وبعد «إكمال الدين وإتمام النعمة» (المائدة: 3) معصوماً، لا دليل عليها وتنقضُها الآية 59 من سورة النساء[254] ومن الضروري في هذا الموضع مراجعة التنقيح الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» ( ص 414 إلى 419 و ص 593 إلى 595 و ص 611 - 612).
ولقد تشبّث المَجْلِسِيّ ونظراؤه في هذا الباب بأنواع المُغالطات المختلفة أو بقصص من قبيل قصة كيخسرو[255] بل تشبّثوا حتى بالأكاذيب الفاضحة كي يُقنعوا الناس بالمهدي الموهوم ولم يتورّعوا عن قول أمور واضحة البطلان لتحقيق هذا الغرض، كقولهم مثلاً: "وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته و لزم استتاره كما استتر النبي ص تارةً في الشِّعْبِ [يعني شعب أبي طالب] وأخرى في الغار [غار ثور] ولا وجه لذلك إلا الخوف من المضارّ الواصلة إليه"!! (بحار الأنوار، ج 51، ص 190).
ونسأل: لماذا لم يغب الإمامُ عَلِيٌّ ÷ والإمامُ الحسينُ ÷ ولم يُراعيا ذلك الواجب؟! ثانياً: لم يختفِ رسولُ اللهِ ص في شعب أبي طالب بل كان جميع الناس سواءً المؤمن منهم أم الكافر يعلم مكانه، كل ما في الأمر أن المشركين حاصروا النبيَّ ص وأتباعَه في ذلك المكان. 39ثالثاً: لقد اختفى النبيّ ص ثلاثة أيام على أكثر تقدير في غار ثور بسبب مُلاحقة المشركين له، ومن الواضح تماماً وضوح الشمس في رابعة النهار أن بحثنا حول الغيبة ليس مُطلقاً حول الغيبة المُتعارف عليها لمدّة قصيرة كيومٍ أو يومين أو أسبوعٍ أو أسبوعين أو شهرٍ أو شهرين أو حتى سنةٍ أو سنتين ..... بل تشكيكنا بغائبكم منشؤه عدم حصول العلم بولادته ووجوده الفعلي من الأساس، وأن غيبته إنما كانت عن أنظار جميع الناس -أعمّ من الصديق والعدو- ولم يكن اختفاؤه عن أنظار الأعداء فقط! ولابُدّ في هذا المقام من مراجعة ما ذكرناه في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 698- 699). رابعاً: بعد أن اختفى النبيّ ص ثلاثة أيام في غار ثور ظهر للناس ولم يكن مخفياً عن أنظارهم ولا عن أنظار أبنائهم من بعدهم، لكن إمامكم ليس فقط لم يظهر للأجيال التالية فحسب بل لم يظهر لعشرات الأجيال بعد أهل القرن الهجري الثالث!! لقد رأى مشركو مكة وأطرافها رسولَ الله ص بأُمِّ أعينهم وسمعوا كلامه كما قال تعالى: ﴿فَقَدۡ لَبِثۡتُ فِيكُمۡ عُمُرٗا مِّن قَبۡلِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ١٦﴾ [يونس : ١٦] ولم يكونوا مُنكرين لهذه الحقيقة ورأوه بينهم قرابة خمسين عاماً ولم يكن هناك من يُشكّك في وجوده ولهذا السبب لما اختفى النبيّ ص بضعة أيام في غار ثور قام المشركون بتعقّبه بكل جدّ وإصرار وعيّنوا جائزة لمن يقبض عليه لعلهم يتمكّنون من الإمساك به. بناءً على ذلك فإن اختفاء رسول الله ص بضعة أيام في الغار لم يكن ليُزعزع الاعتقاد بوجوده بأيّ وجه من الوجوه وإلا لو لم يكن أحد من أعداء النبيّ قد رآه رأي العين ولو كان وجود النبيّ مُعتَمِداً على بضعة روايات نقلها عدد من الأشخاص غير الموثوقين، فهل كان المشركون يتجشّمون كل ذلك العناء للبحث عنه؟! ثم إن النبيّ ص بعد وصوله إلى المدينة أظهر للناس أنه اختبأ في غار ثور مع أبي بكر فما علاقة ذلك بالمهدي الذي لا يوجد قول واحد مُتَّفق عليه حول أي من الأمور المُتعلّقة به (كزمن ولادته، ونحوها، واسم والدته، وسبب غيبته و ..... ) ولم يره أحد سوى بعض الضعفاء والمجهولين! يا تُرى لو أن أحداً من المشركين لم يكن قد رأى النبيّ، بل ادّعى بضعة أفراد غير موثوقين في مكة أن هناك نبيٌّ رأيناه نحن فقط وأن عليكم أن تؤمنوا به، ألم يكن لأهل مكة الحق بالقول: أيّ نبيّ هذا الذي لا يُشبه أحداً من الأنبياء السابقين الذين حضروا بين الناس ودعوهم إلى الإيمان وعلّموهم؟! ليس لدينا أيّ أثر أو دليل مُعتبر يثبت ولادة هذا النبي، ولا فائدة من البحث عنه وكل ما في الأمر أن عدداً من الأفراد غير الموثوقين ادّعوا وجوده ودعونا لقبول ذلك، مع أن وجود الزعيم والقائد لا بُدّ أن يثبت بالدليل والبُرهان، فادِّعاؤكم هذا يُشبه لعبة الاختفاء التي يلعبها الأطفال ولا تليق بالعقلاء والحكماء.
ثم شبّهوا غيبة المهدي بغيبة حضرة يوسف ÷ عن كنعان، مع أن حضرة يعقوب ÷ كان حاضراً وظاهراً وفي متناول أيدي الناس. وثانياً: لو كان يوسف غير ظاهر في كنعان فإنه ظهر في مصر وكان حاضراً بين الناس ولم يكن غائباً لا يستطيع أيّ إنسان أن يصل إليه!! أو يقولون: إن حضرة موسى ÷ غاب عن مصر!! في حين أنه من الواضح تماماً أنه إذا كان موسى قد غاب عن مصر فإنَّه ظهر في مَدْيَن وكان حاضراً هناك. ثالثاً: لم يكن موسى قد نال النُّبوة بعد أثناء وجوده في مدين فتشبيهكم وتمثيلكم لا محلّ له من الأساس. وإني لأتعجّب لماذا لا يعتبرون كل نوع من أنواع الهجرة أو السفر غيبة؟ فمثلاً لا يقولون: إنه إذا سافر أبُ الأسرة إلى الحجّ فقد غاب عن أسرته ومدينته، فكل الناس يغيبون وَمِنْ ثَمَّ فغيبة الإمام ألف سنة ليست بالأمر العجيب الذي يستحق السؤال!!!
وقد أجاب الشيخ الطوسي عن الإشكال الذي يقول: لو كان الخوف من العدوّ علّة غيبة المهدي وهذا الخوف بإقراركم كان موجوداً أيضاً زمن الأئمة الآخرين[256]، فلماذا لم يغيبوا هم أيضاً؟! أجاب الشيخ الطوسي إجابةً مضحكةً إذ قال: لقد مارس الأئمة الآخرون التقية وليس فقط لم يدّعوا الإمامة في كل مكان بل نفوا أحياناً الإمامة عن أنفسهم!! (إذن، فما ذنب الذين تُلقون باللائمة عليهم وتعتبرونهم مسؤولين عن حرمان الناس من وجود الإمام إذا نفوا الإمامة عن الإمام الذي نفاها هو بذاته عن نفسه؟!) لذا لم يكونوا يخافون!! هذا في حين أنه بناءً على ما رواه المَجْلِسِيّ، روى الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق ÷ قوله: "كان هذا الأمر فيَّ فأخَّره الله" [يعني أن ظهور قائم آل محمد كان سيتحقق بي لكن الله أخّره وأجّل موعده!] (بحار الأنوار، ج 52، ص 106، الحديث 12). فبالله عليكم لاحظوا أيّ حُجج طفولية يخترعون! 40أولاً: ألا تقولون إن التقيّة كانت واجبة على الأئمة فلماذا لم يتّقِ المهدي أيضاً ولو فعل ذلك -كما فعل سائر الأئمة- لَمَا كان هناك من حاجة إلى غيبته بالطبع وفي هذه الحالة كان سيقدر على القيام ببعض وظائف الإمامة مثل أجداده وكان الناس سينتفعون إلى حدّ ما من فوائد الإمامة. وأساساً: بأيّ دليل كانت التقية واجبة على أجداده ولم تكن واجبة عليه؟! ألم يكن مسلماً؟
ثم إن الثورة والقيام بالسيف والسعي إلى إقامة حكومة العدل كانت واجبة على الأئمة من قبله عند توفر جميع الظروف المُلائمة والشروط اللازمة وكان عدم قيامهم بهذا الواجب -حسب قولكم- نتيجة لعدم توفر الشروط اللازمة، فلماذا لا تعتبرون توفر الشروط اللازمة للثورة بالسيف شرطاً ضرورياً لوجوب القيام بحق المهدي أيضاً ولا تأتون بأي دليلٍ شرعيٍّ على نفي ضرورة توفُّر الشروط اللازمة لتكون ثورته وقيامه واجبين بل تقولون: لو بقي المهدي لكان من الواجب عليه أن يثور بالسيف؟!
ثم قال الطوسي: لو قُتل الأئمة السابقون قبل المهدي كان هناك أئمة آخرون يخلفونه، أما بشأن المهدي فلم يكن الأمر كذلك!!
ونقول: من البديهي أنكم اخترعتم للمهدي غيبة في طفولته، وإلا لو بقي هو أيضاً كسائر الأئمة وتزوّج لأنجب أولاداً يخلفونه في الإمامة ولَمَا انقطعت سلسلة الإمامة ولَمَا وُجدت الحاجة لكل هذه التلفيقات والأدلة الأوهى من بيت العنكبوت! لو قُتل الأئمة السابقون قبل زواجهم هل كانت سلسلة الإمامة ستبقى أيضاً؟! في رأينا إن الشيخ الطوسي نفسه لم يستوعب جيداً الكلام الذي لفّقه، ومن جملة ذلك أنه قال: إن الدليل على بُطلان سائر فرق الشيعة الذين لا يؤمنون بالمهدي - «كالفطحية» و«المحمدية» (أي القائلين بإمامة السيد محمد بن علي النقي) - هي أن أتباعها انقرضوا، فتجاهل تماماً أن «الإسماعيلية» و«النصيرية» لا زالوا موجودين حتى اليوم ولم ينقرضوا!! ومع ذلك فهو يعتبرهم على باطل!
وخلاصة الكلام إن الكذب والمُغالطات والمُصادرة على المطلوب والاستناد إلى الأقوال التي لا اعتبار لها كثيرٌ جداً في كلام الشيخ الطوسي إلى درجة أننا لو أردنا أن ننقض كل ما ذكره من شُبهات لطال بنا الكلام جداً، لذا نكتفي بالنماذج التي ذكرناها ونرى أن بقية خدعه يُمكن اكتشافها بقليل من التأمل[257]. (وبالطبع فإن قراءة الفصول المُتعلّقة بالمهدي في التنقيح الثاني لكتابي «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» مفيد في هذا الصدد).
[244] الوارد هو "لا تجتمع أمتي على ضلالة"، انظر بحار الأنوار ج 5، ص 20 و ص 68 [نقلاً عن كتاب الاحتجاج للطبرسي وتحف العقول لابن شعبة الحراني]، وهو اللفظ الوارد في كتب حديث أهل السنة أيضاً كالذي رواه ابن ماجه في سننه (ج2، ص1303) عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله ص يقول: "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة, فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم". وسنده ضعيف، كما قال البوصيري في الزوائد، ومثله رواية الترمذي في سننه (ج4، ص466) عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ الله ص قَالَ: "إِنَّ الله لا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ص عَلَى ضَلالَةٍ..." وقال هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه. (المُتَرْجِمُ) [245] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 619 إلى 620. [246] كتاب «خاندان نوبختى» [أي: الأُسْرَةُ النَّوْبَـخْتِيَّة] ألفه بالفارسية الدكتور عبَّاس إقبال الآشتياني، مؤرخٌ وأديبٌ وعالمٌ لغويٌّ إيرانيٌّ كبيرٌ، وُلِد في آشتيان في إيران عام 1896 وتوفي في روما (إيطاليا) عام 1965م, تاركاً عديداً من الآثار العلمية بالفارسية من أشهرها كتابه: «تاريخ إيران المفصل من صدر الإسلام حتى انقراض الدولة القاجارية» (بالفارسية)، وكتابه «خاندان نوبختي» أي [تاريخ] الأسرة النوبختية، أو آل النوبختي. (المُتَرْجِمُ) [247] يعني أن الدليل على عصمة الأنبياء في القرآن والسنة والعقل يفيد عصمتهم في الأمور التي تتعلق بالوحي وإبلاغ آيات الله وشريعته فحسب، وليس ثمة دليل على أنهم كانوا معصومين عصمة مطلقة عن الاشتباه أو النسيان أو مخالفة الأولى فيما هو خارج مسائل الوحي وإبلاغ آيات الله وأحكام شرعه. نعم الدليل يدل أيضاً على أنهم كانوا معصومين عن ارتكاب ما يطعن بشخصياتهم كأسوة وقدوة، لأن الله أمر بالاهتداء بالأنبياء والتأسي بهم دون قيد.(المُتَرْجِمُ) [248] كالشؤون السياسية والاقتصادية والزراعية والإعمارية التفصيلية وما إلى ذلك. (المُتَرْجِمُ) [249] حول موضوع العصمة من الضروري مراجعة كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، 160-161، و صفحة 350 إلى 352. و كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 133. [250] يُراجع كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 138 إلى 142). [251] ونصّ العبارة التي يشير إليها المؤلف من كلام أمير المؤمنين (ع): قوله رداً على مقولة الخوارج: «لا حكم إلا لله»: قَالَ (ع): «كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ! نَعَمْ إِنَّهُ لَا حُكْمَ إِلَّا لِـلَّهِ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَا إِمْرَةَ إِلَّا لِـلَّهِ، وَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الْأَجَلَ وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيْءُ وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِر». (المُتَرْجِمُ) [252] في الواقع إن ما تعتبرونه معارف الشيعة الخاصة بكم إنما حصلتم عليه من الأئمة الذين كانوا قبل المهدي الوهمي. بل ما حصلتم عليه من أبيه وجدّه ووالد جدّه ليس بذاك الأمر المهم أو الكثير الذي لا يوجد مثله لدى الآخرين! (فَتَأَمَّل) [253] راجعوا كتاب «رهنمود سنت در رد اهل بدعت» أي إرشاد السنة في رد أهل البدعة، وهو ترجمة إلى اللغة الفارسية لكتاب «المُنتقى» الذي ألفه الذهبيّ واختصر فيه كتاب «منهاج الاعتدال» لابن تيمية (الذي لخص فيه كتابه المعروف منهاج السنة). [254] أي قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا ٥٩﴾ [النساء : ٥٩]. [255] ملك أسطوري إيراني! [256] حتى قلتم إن الأئِمَّة (ع) ماتوا جميعاً إما بالسُّمّ أو القتل (مع أنه لا دليل على ذلك). [257] يُراجع أيضاً ما ذكرناه في الباب 24 من هذا الكتاب.
ذكر المجلسيّ وغيره من المحدثين هنا أخباراً كثيرةً ليثبتوا أن المهدي كان يمتلك خصائص الأنبياء وأوصافهم وأحوالهم. وقد أورد المجلسي هنا روايات لا تقوم بها أي حجة، إذْ فضلاً عن أنها من رواية أشخاص مجهولين، مرويةٌ عن أشخاصٍ كذَّابين مثل: «محمد بن جمهور» و«معلَّى بن محمَّد» و«أحمد بن هلال» و«سليمان بن داود» و«محمد بن بحر الشيباني» الذي قال عنه ابن الغضائري والعلامة الحلي: إنه كان من الغلاة والضعفاء، أو مثل بعض الرواة من الواقفة مثل «أبي حمزة البطائني» أو «عثمان بن عيسى» اللذَيْن لم يكونا يُؤمنان بإمامة الأئمَّة بعد حضرة الكاظم ÷، فكيف روى عن مثل هؤلاء أحاديث لإثبات المهدي!!
ومن المفارقات الطريفة أن «عبد الله بن جعفر الحميري» و «أبا بصير» رويا رواية عدم موت المهدي قبل قيامه، ورواية موته أيضاً (الفصل الثاني، الحديث 13)؟! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ!
لقد حاولوا في معظم روايات هذا الباب أن يُشبّهوا المهدي بالأنبياء، فقالوا مثلاً: إن في المهدي سنة من موسى ÷ الذي خاف من فرعون وفرّ هارباً. وفيه سنة من عيسى ÷ الذي اتّهمه الناس بتُهم مختلفة. وفيه سنة من يوسف ÷ الذي دخل السجن. وفيه سنة من محمدص الذي نهض بالسيف والمهدي سيقتل من أعداء الله حتى يرضى الله!!
وينبغي أن نقول: أولاً: لقد ذهب موسى ÷ إلى مدين، أما مهديكم فلم يذهب من مكان إلى مكان آخر بل غاب بشكل تام وكلي. ثانياً: لم يدخل المهدي السجن أبداً فلماذا شبهتموه بيوسف ÷؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
ثالثاً: كثير من عباد الله يتّصفون بهذه الأوصاف ذاتها أيضاً فمثلاً يخافون من حكام زمانهم ويهربون من البلاد التي تقع تحت سيطرة الحاكم ونفوذه، وكثيراً من السادات والأجلة قاموا بالسيف لإقامة الحكم العادل، وكثير من الناس تعرّضوا إلى التهم الباطلة من قِبَل الناس الجهلة أو العالمين العامدين، فمثلاً لما قام كاتب هذه السطور ببيان حقائق الإسلام تعرّض لآلاف التهم والافتراءات من قبل تجار الدين وبائعي الخرافات وسُجنتُ أكثر من مرّة في سجون حكومة المشايخ الحالية! وفي إحدى الاستجوابات فهمت أنني كنت ملاحقاً ومراقباً خارج السجن بشكل كامل وكان مأمورو الحكومة يأخذون جميع الرسائل التي كنت أرميها في صندوق البريد المجاور لمنزلي وكانوا يضعونها في ملفِّي ولا يسمحون بوصولها إلى من أرسلتها إليهم!
رابعاً: في الإسلام لا إكراه ولا إجبار في الدين وَمِنْ ثَمَّ فلا يُمكن قتل الأعداء لمجرّد عدم إسلامهم!
خامساً: نسأل: هل تُفيد هذه الروايات إلا في التمهيد للفتن وثورات المُدَّعين؟ فمثلاً يقول الحديث السادس: إن والدة المهدي كانت أمة سوداء أصلحها الله في ليلة! فماذا تفعلون إذن بالروايات التي تقول إن والدة المهدي كانت ابنة سلطان الروم وكانت بيضاء وجميلة؟ ثم لماذا تقولون لا بُدَّ أن تتهيأ الظروف تدريجياً كي يظهر المهدي مع أن هذه الرواية تقول إن الله يُصلح الأوضاع في ليلة!
وروى في الرواية التاسعة[258] نقلاً عن عدة رواة مجهولي الحال عن سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ قَال: "دَخَلْتُ أَنَا والْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ وأَبُو بَصِيرٍ وأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ عَلَى مَوْلَانَا أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ÷ فَرَأَيْنَاهُ جَالِساً عَلَى التُّرَابِ وهُوَ يَبْكِي بُكَاءَ الْوَالِهِ الثَّكْلَى ذَاتَ الْكَبِدِ الْحَرَّى قَدْ نَالَ الْحُزْنُ مِنْ وَجْنَتَيْهِ وشَاعَ التَّغَيُّرُ فِي عَارِضَيْهِ وأَبْلَى الدُّمُوعُ مَحْجِرَيْهِ وهُوَ يَقُولُ: سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي وضَيَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي وأَسَرَتْ مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي .... الخ". فلما سألوا الصادق عن سبب بكائه وحزنه قال: "... إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ الـجَفْرِ (؟!) صَبِيحَةَ هَذَا الْيَوْمِ وَهُوَ الْكِتَابُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى عِلْمِ الْمَنَايَا وَالْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَعِلْمِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الَّذِي خَصَّ اللهُ بِهِ مُحَمَّداً وَالْأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ وَتَأَمَّلْتُ فِيهِ مَوْلِدَ قَائِمِنَا وَغِيبَتَهُ وَإِبْطَاءَهُ وَطُولَ عُمُرِهِ وَبَلْوَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَتَوَلُّدَ الشُّكُوكِ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ طُولِ غَيْبَتِهِ .... الخ".
فأقول: إن ذِكْرَ الكتابِ الموهومِ المُسَمَّى «الجَفْر» دليلٌ على كذب هذا الحديث! ولقد تكلمنا في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، في الباب 98 من أصول الكافي (ص 552 إلى 555) عن الكتب مثل كتاب «الجَفْر» و «الجامعة» و .... الخ، فلا نُعيد الكلام هنا وَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ. بناءً على ذلك كيف يُمكن للإمام الذي لا علم له بالمستقبل أن يبكي ويفزع ويحزن على هذا النحو على إمام سينجح -حسب قولكم- في تحقيق أهدافه خلافاً للأئمة السابقين؟! ثم إنه استشهد في هذا الحديث بـ «الخضر» الذي لا دليل عندنا على وجوده بل هو شخصية اشتهرت بين الناس ولكن لا أثر لها ولا ذكر في القرآن الكريم.
وجاء في هذه الرواية: "كَذَلِكَ بَنُو أُمَيَّةَ وَبَنُو الْعَبَّاسِ[259] لَمَّا وَقَفُوا عَلَى أَنَّ زَوَالَ مُلْكِهِمْ وَالْأُمَرَاءِ وَالْجَبَابِرَةِ مِنْهُمْ عَلَى يَدِ الْقَائِمِ مِنَّا نَاصَبُونَا الْعَدَاوَةَ وَوَضَعُوا سُيُوفَهُمْ فِي قَتْلِ آلِ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ ص"!! ولم يعلم الراوي أن الذين قضوا على مُلك بني أُميَّة وأزالوه هم بنو العبّاس وليس قائم آل محمد، كما أن بني العبَّاس أنفسهم انقرضوا ولم يبقَ لهم أثر مع أن المهدي لم يظهر بعد!!
والروايات الأربعة الأخيرة[260] في هذا الباب تتوافق مع عقيدة الفرقة التي ذُكرت تحت رقم 3 في كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 288) وتتعارض تماماً مع الروايات التي تقول إن المهدي حيٌّ لم يمت وسيبقى حيَّاً حتى يظهر ويملأ الأرض عدلاً.
[258] اعتبر السيد «محمد باقر البهبودي» المحترم، مصحح كتاب بحار الأنوار، أن هذه الرواية معلولة ومردودة سنداً ومتناً. [259] راجعوا الكتاب الحاضر ص 135 فقرة «مقدّمة لقراءة أخبار المهدي» (النقطة الأولى). [260] جاء في هذه الروايات: "مَثَلُ أَمْرِنَا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى مَثَلُ صَاحِبِ الْحِمَارِ أَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ". (المُتَرْجِمُ)
ذكر المجلسيُّ في هذا الباب أخبار المعمّرين الذين عاشوا فترة طويلةً جداً على نحوٍ خارجٍ عن المألوف ليُثبت بذلك الطول الزائد جداً لعمر المهدي ولكي يقول: بما أنه كان هناك أشخاص عمَّروا طويلاً فليس من المُستبعد ولا المحال أن يكون للمهدي أيضاً عمر طويل للغاية ولا ينبغي على المخالفين أن يستبعدوا ذلك! ولكن - كما قلنا سابقاً- يجب أن نعلم:
أولاً: مجرّد إثبات أن الله أعطى عمراً طويلاً جداً لبعض الأشخاص مثل حضرة نوح ÷ لا يكفي لإثبات أن الله أعطى مثل هذا العمر لفرد آخر أيضاً، بل لا بُدَّ من الدليل الذي يُثبت الوقوع الفعلي لهذه الإمكانية. نعم، كان من الممكن أن يهب الله حضرة إبراهيم أو حضرة موسى أو حضرة يوسف أو حضرة خاتَم النبيين ألف سنة من العمر لكنه، كما نعلم، لم يفعل ذلك.
ثانياً: لقد قلنا مراراً إن معجزة نوح في طول عمره الزائد كانت معجزةً خاصَّةً به وحده، ولا يُمكننا أن نُثبتها لسائر الأنبياء أو الأولياء دون دليل. فمثلاً لا يُمكننا أن نقول: إن رسول الله ص كان يكلم الحيوانات ويعلم لغاتها بدليل أن سليمان كان يعلم لغات الحيوانات [الهدهد والنمل]، أو أن نقول: إن عصا عيسى ÷ تحولت ثعباناً بدليل أن عصا موسى صارت ثعباناً، أو أن نقول: إن حضرة داود تكلم في المهد لأن عيسى فعل ذلك وهكذا .......
ثالثاً: لم يقل أحد إن عمر حضرة نوح ÷ الطويل جداً لم يكن يسير سيراً عادياً وأن نوحاً÷ لم يكن يشيخ مع مرور الزمن، أما أنتم فتقولون: إن المهدي بعد ظهوره سيكون شاباً مثل شخص له من العمر ثلاثين أو أربعين عاماً! وهذا في حدّ ذاته إشكال آخر يُضاف إلى إشكال العمر الطويل جداً!! والأخبار التي تستندون إليها حول المُعمِّرين -على فرض صحتها[261]- تدل كلها على أن أصحابها صاروا شيوخاً مُسنِّين وهرمين مما لا ينسجم مع مهديكم الذي يبقى شاباً دائماً.
رابعاً: في بداية خلق البشر كان عمر أكثر الناس طويلاً، ثم أخذ هذا العمر يتناقص بالتدريج، فلا يمكن قياس عمر شخص في القرون الأخيرة على عمر من عاشوا قبل آلاف السنين. فمثلاً: معاصرو حضرة نوح ÷ كان لهم جميعاً أعمارٌ طويلةٌ مثل نوح -رغم أن نوحاً كان أطول عمراً من سائر الناس في عصره، بدليل أنهم كانوا يعتبرونه بشراً مثلهم ويقولون: ﴿مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيۡكُمۡ﴾ [المؤمنون : ٢٤]، ويقولون أيضاً: ﴿مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا﴾ [هود: ٢٧]، إذْ لو كان عمر نوح سبعمئة عام وعمر الآخرين سبعين أو ثمانين عاماً لما اعتبره الناس بشراً مثلهم! إضافة إلى ذلك، فإن أجساد أصحاب الأعمار الطويلة كانت تختلف عن أجساد الناس في عصرنا كما قال تعالى بشأن أجساد قوم عاد بعد إهلاكهم: ﴿تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٖ مُّنقَعِرٖ ٢٠﴾ [القمر: ٢٠]، وقال أيضاً: ﴿فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ ٧﴾ [الحاقة: ٧]. في حين أن تشبيه الناس في العصور المُتأخرة بأعجاز النخل يبدو مُغرقاً في المبالغة[262]. خاصةً أنه قد رُوي: أن رسول الله ص أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنْ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ فَأَعْطَاهُ اللهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [263].
خامساً: جميع الأشخاص الذين عمَّروا طويلاً شاهدهم الناس، فما علاقة ذلك بشخص لم يُشاهده أحد؟
سادساً: قال تعالى بشكل عام: ﴿وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ ٦٨﴾ [يس: ٦٨][264]، وقال أيضاً: ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا﴾[الأحزاب: 62 وفاطر: 43]. بناءً على ذلك عليكم إذا حاولتم إثبات عمر طويل جداً للمهدي أن تُقرّوا بظهور عوارض الشيخوخة عليه أيضاً[265]. وفي المثل قال أمير المؤمنين علي ÷ عن نفسه أيضاً: "إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً ورَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ وأَوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي". وروى المَجْلِسِيُّ ذاته في المجلد 52 من «بحار الأنوار» في باب «سيره وأخلاقه وخصائص زمانه» الحديث 30، عن الإمام الرضا ÷ أنه صرّح بضعف بدنه نتيجة كِبَرِ سِنِّهِ وقال خلال كلامه: (وَكَيْفَ أَكُونُ ذَاكَ عَلَى مَا تَرَى مِنْ ضَعْفِ بَدَنِي). ونسأل: ألستم تقولون إن المهدي ابن هؤلاء الأئمة أنفسهم، فكيف يختلف عنهم فلا يشيخ ولا يكون له له ظل..... الخ، من سائر الخصائص العجيبة والغريبة الأخرى التي تُثبتونها له؟!!
سابعاً: كل من يُعمّر طويلاً يُصبح له أولاد وأحفاد وأولاد أحفاد، ولكن مهديكم ليس كذلك! ويبدو أن هؤلاء المُدَّعين لا يعتبرون المهدي تابعاً لسنة رسول الله ص! ولنا أن نسأل: هل تزوّج المهدي أم لم يتزوّج حتى الآن؟ إن تزوّج فأين زوجته وأولاده، ومن رآهم؟ وكيف اطَّلعتم على حاله؟! وإن لم يتزوّج واختار العزوبيّة يكون قد خالف سنن الأنبياء لاسيما سنة جدِّه النَّبِيّ الأَكْرَم ص وأجداده من الأئمَّة!! وقد قال تعالى في كتابه: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗ﴾ [الرعد: ٣٨].
ثامناً: إن عمر حضرة نوح ÷ المعجز الذي تعتبرونه مظهراً لطول العمر لم يصل بشهادة القرآن إلى ألف عام، أما مهديكم غير المرئي فقد مضى عليه الآن أكثر من ألف وأربعمئة عام! ربّما كان تشبيه المهدي بنوح يُقنع العوام زمن الشيخ الطوسي أو السيد المرتضى، أما اليوم فقد أصبحت القضيّة أكثر إشكالاً!
تاسعاً: معظم أخبار هذا الباب جمعها الشيخ الصدوق الذي كان شخصاً ساذجاً وصفه الشيخ المفيد بأنه لم يكن من أهل التدقيق والتأمُّل في الروايات، وسندها معلول وعلامات الكذب في أكثرها واضحة للعيان!! وعمل المَجْلِسِيّ في جمع مثل هذه الأخبار التي لا اعتبار لها كصنيع من يأتي إلى المحكمة بمئات المستندات المُزوّرة ليُثبت ادِّعاءه فهل يُمكن إثبات أيّ قضية بذلك؟! بالطبع لا.
إن أحاديث -أو بالأحرى قصص وحكايات- هذا الباب تستند بشكل فاضح إلى عقائد العوام وخرافاتهم وهي أكثر إضحاكاً من حكايات الجدَّات!! فمثلاً في الخبر الأول يقول شخص جاوز الثلاثمئة عام من عمره ولا يزالُ أَسْوَدَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ (؟!) عندما سأله الناس عَنْ قِصَّتِهِ وَحَالِهِ وَسَبَبِ طُولِ عُمُرِهِ: "..... فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ وَالِدٌ قَدْ نَظَرَ فِي كُتُبِ الْأَوَائِلِ وَقَرَأَهَا وَقَدْ كَانَ وَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ نَهَرِ الْحَيَوَانِ [أي ماء الحياة] وَأَنَّهَا تَجْرِي فِي الظُّلُمَاتِ (؟!!) وَأَنَّهُ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا طَالَ عُمُرُهُ فَحَمَلَهُ الْحِرْصُ عَلَى دُخُولِ الظُّلُمَاتِ (؟!!) فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ حَسَبَ مَا قَدَّرَ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ فِي مَسِيرِهِ وَأَخْرَجَنِي مَعَهُ وَأَخْرَجَ مَعَنَا خَادِمَيْنِ بَازِلَيْنِ وَعِدَّةَ جِمَالٍ لَبُونٍ وَرَوَايَا وَزَاداً وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَسَارَ بِنَا إِلَى أَنْ وَافَيْنَا طَرَفَ الظُّلُمَاتِ [من هنا يتبيّن أن ماء الحياة لم يكن بعيداً كثيراً عنه فليته أعطانا عنواناً أكثر دقّة؟! بالمناسبة في أيّ جهة تقع الظلمات؟! من المفيد أن يطَّلع علماء الجغرافية على هذه القصص!].ثُمَّ دَخَلْنَا الظُّلُمَاتِ فَسِرْنَا فِيهَا نَحْوَ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا [ولكنه لم يقل لنا في أي جهةٍ ساروا! وهذا أيضاً من مشاكل الكذب] وَكُنَّا نُمَيِّزُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِأَنَّ النَّهَارَ كَانَ أَضْوَأَ قَلِيلًا وَأَقَلَّ ظُلْمَةً مِنَ اللَّيْلِ فَنَزَلْنَا بَيْنَ جِبَالٍ وَأَوْدِيَةٍ وَرَكَوَاتٍ وَقَدْ كَانَ وَالِدِي يَطُوفُ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ فِي طَلَبِ النَّهَرِ......... فَعَثَرْتُ بِنَهَرِ مَاءٍ أَبْيَضِ اللَّوْنِ عَذْبٍ لَذِيذٍ لَا بِالصَّغِيرِ مِنَ الْأَنْهَارِ وَلَا بِالْكَبِيرِ يَجْرِي جَرْياً لَيِّناً فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَغَرَفْتُ مِنْهُ بِيَدِي غُرْفَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً فَوَجَدْتُهُ عَذْباً بَارِداً لَذِيذاً فَبَادَرْتُ مُسْرِعاً إِلَى الرَّحْلِ فَبَشَّرْتُ الْخَدَمَ بِأَنِّي قَدْ وَجَدْتُ الْمَاءَ فَحَمَلُوا مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ الْقِرَبِ وَالْأَدَاوِي لِنَمْلَأَهَا وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ وَالِدِي فِي طَلَبِ ذَلِكَ النَّهَرِ وَكَانَ سُرُورِي بِوُجُودِ الْمَاءِ لِمَا كُنَّا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَكَانَ وَالِدِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَائِباً عَنِ الرَّحْلِ مَشْغُولًا بِالطَّلَبِ فَجَهَدْنَا وَطُفْنَا سَاعَةً هَوِيَّةً فِي طَلَبِ النَّهَرِ فَلَمْ نَهْتَدِ إِلَيْهِ (؟!!) حَتَّى إِنَّ الْخَدَمَ كَذَّبُونِي وَقَالُوا لِي لَمْ تَصْدُقْ فَلَمَّا انْصَرَفْتُ إِلَى الرَّحْلِ وَانْصَرَفَ وَالِدِي أَخْبَرْتُهُ بِالْقِصَّةِ؛ فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! الَّذِي أَخْرَجَنِي إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَتَحَمُّلِ الْخَطَرِ كَانَ لِذَلِكَ النَّهَرِ وَلَمْ أُرْزَقْ أَنَا وَأَنْتَ رُزِقْتَهُ وَسَوْفَ يَطُولُ عُمُرُكَ حَتَّى تَمَلَّ الْحَيَاةَ ............... الخ".
أيها القارئ المحترم! أنصف القول! هل هناك من له أدنى ذرّة من نعمة العقل يجرؤ أن يُقدِّم مثل هذه القصة ليُثبت ادِّعاءه أمام مجمع من أساتذة الجامعات أو في وسط من الأشخاص الفضلاء ذوي الفكر والفهم؟! في رأينا إن مثل هذا النموذج من الحديث والنماذج التي ذكرناها في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» علامات تدل على مدى عقل الشيخ الصدوق وعلمه وفهمه! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ. لعلّكم تُلاحظون أن مثل هذه الأساطير لا تُثمر سوى سوء ظن الناس بالإسلام وهذه بحدّ ذاتها أكبر مصيبة.
في القصة ذاتها، يروي الفرد المذكور عن رسول الله ص أنه قال: ".... كُنْتُ أَرْعَى الْغَنَمَ فَإِذَا أَنَا بِذِئْبٍ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَصْنَعُ هَاهُنَا؟ فَقَالَ لِي: وَأَنْتَ مَا تَصْنَعُ هَاهُنَا؟ [أي أن رسول الله ص كان قبل نبوَّته قادراً على التحاور مع الذئاب بلغتهم!!] قُلْتُ: أَرْعَى الْغَنَمَ ..... فَلَمَّا سِرْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ وَإِذَا أَنَا بِثَلَاثَةِ أَمْلَاكٍ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَمَلَكِ الْمَوْتِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فَلَمَّا رَأَوْنِي قَالُوا هَذَا مُحَمَّدٌ بَارَكَ اللهُ فِيهِ فَاحْتَمَلُونِي وَأَضْجَعُونِي وَشَقُّوا جَوْفِي بِسِكِّينٍ كَانَ مَعَهُمْ وَأَخْرَجُوا قَلْبِي مِنْ مَوْضِعِهِ وَغَسَلُوا جَوْفِي بِمَاءٍ بَارِدٍ كَانَ مَعَهُمْ فِي قَارُورَةٍ حَتَّى نَقِيَ مِنَ الدَّمِ ثُمَّ رَدُّوا قَلْبِي إِلَى مَوْضِعِهِ وَأَمَرُّوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى جَوْفِي فَالْتَحَمَ الشِّقُّ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى!!.... الخ".
هذا وقد قالوا عن هذا الشخص الراوي طويل العمر أن اسمه «عَلِيَّ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ خَطَّابِ المغربي» وأنه عندما يجوع يبيّض الشعر الذي تحت شفته فإذا شبع اسودّ ذلك الشعر ثانيةً!! وإذا تكلَّم صار ذلك الشعر أحمر اللون!! [جديرٌ باهتمام علماء الحيوان، ولعلّ جناب « عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ المغربي» لم يكن من نوع البشر بل كان ديكاً رومياً!]. ولكن النقطة ذات العبرة أكثر من غيرها أن هذا الديك الرومي يدّعي أنه التقى بإلياس والخضر (؟!) وشرب من أيديهما الماء وأنهما قالا له: "سَتُعَمَّرُ حَتَّى تَلْقَى الْمَهْدِيَّ وَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِذَا لَقِيتَهُمَا فَأَقْرِئْهُمَا السَّلَامَ"!! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ. أيها القارئ المحترم! فكِّر مليّاً وانظر هل كان الشيخ الصدوق حين كتابة هذه السطور في كتابه «كمال الدين» يفهم ما يكتبه أم لا؟! لقد تذكّرت هنا بيت الشعر عربي:
فإن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم
الحكاية الثانية: بناءً على نقل الشيخ الصدوق فإنَّ «عُبَيْدَ بْنَ شَرِيدٍ الْجُرْهُمِيَّ» [عَاشَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَ خَمْسِينَ سَنَة، وأدرك النبي ص وأدرك الخلفاء الأربعة وأدرك عهد معاوية ....... الخ] وادَّعى قائلاً: وَأَدْرَكْتُ مَنْ قَدْ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ [أي خمسون عاماً أكبر من عمر حضرة نوح!] فَحَدَّثَنِي عَمَّنْ قَدْ كَانَ قَبْلَهُ قَدْ عَاشَ أَلْفَيْ سَنَةٍ!! [ويبدو أنه لم يكن أحد يعرفه سوى الكذابين!].
وهذا الرجل عينه [الموثوق جداً!!] تفضَّل بالقول: "... حَدَّثَنِي مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرٍ [يبدو أنه كان بلا اسم!] أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِ النَّابِغَةِ مِمَّنْ دَانَتْ لَهُ الْبِلَادُ كَانَ يُقَالُ لَهُ «ذُو سَرْحٍ» كَانَ أُعْطِيَ الْمُلْكَ فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ فِي أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ سَخِيّاً فِيهِمْ مُطَاعاً فَمَلَكَهُمْ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ (!!) وَكَانَ كَثِيراً مَا يَخْرُجُ فِي خَاصَّتِهِ إِلَى الصَّيْدِ وَالنُّزْهَةِ فَخَرَجَ يَوْماً إِلَى بَعْضِ مُتَنَزِّهِهِ فَأَتَى إِلَى حَيَّتَيْنِ أَحَدُهُمَا بَيْضَاءُ كَأَنَّهَا سَبِيكَةُ فِضَّةٍ وَالْأُخْرَى سَوْدَاءُ كَأَنَّهَا حُمَمَةٌ وَهُمَا يَقْتَتِلَانِ وَقَدْ غَلَبَتِ السَّوْدَاءُ الْبَيْضَاءَ وَكَادَتْ تَأْتِي عَلَى نَفْسِهَا فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِالسَّوْدَاءِ فَقُتِلَتْ وَأَمَرَ بِالْبَيْضَاءِ فَاحْتُمِلَتْ حَتَّى انْتَهَى بِهَا إِلَى عَيْنٍ مِنْ مَاءٍ بَقِيَ عَلَيْهَا شَجَرَةٌ فَأَمَرَ فَصُبَّ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ وَسُقِيَتْ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهَا نَفَسُهَا فَأَفَاقَتْ فَخَلَّى سَبِيلَهَا فَانْسَابَتِ الْحَيَّةُ وَمَضَتْ لِسَبِيلِهَا وَمَكَثَ الْمَلِكُ يَوْمَئِذٍ فِي مُتَصَيَّدِهِ وَنُزْهَتِهِ فَلَمَّا أَمْسَى وَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ حَاجِبٌ وَلَا أَحَدٌ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ رَأَى شَابّاً آخِذاً بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ وَبِهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْجَمَالِ شَيْءٌ لَا يُوصَفُ فَسَلَّمَ عَلَى الْمَلِكِ فَذَعِرَ مِنْهُ الْمَلِكُ وَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ وَمَنْ أَدْخَلَكَ وَأَذِنَ لَكَ فِي الدُّخُولِ عَلَيَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَصِلُ فِيهِ حَاجِبٌ وَلَا غَيْرُهُ؟؟ فَقَالَ لَهُ الْفَتَى: لَا تُرَعْ أَيُّهَا الْمَلِكُ! إِنِّي لَسْتُ بِإِنْسِيٍّ وَلَكِنِّي فَتًى مِنَ الْجِنِّ أَتَيْتُكَ لِأُجَازِيَكَ عَلَى بَلَائِكَ الْحَسَنِ الْجَمِيلِ عِنْدِي. قَالَ الْمَلِكُ وَمَا بَلَائِي عِنْدَكَ؟ قَالَ: أَنَا الْحَيَّةُ الَّتِي أَحْيَيْتَنِي فِي يَوْمِكَ هَذَا وَالْأَسْوَدُ الَّذِي قَتَلْتَهُ وَخَلَّصْتَنِي مِنْهُ كَانَ غُلَاماً لَنَا تَمَرَّدَ عَلَيْنَا وَقَدْ قَتَلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي عِدَّةً كَانَ إِذَا خَلَا بِوَاحِدٍ مِنَّا قَتَلَهُ فَقَتَلْتَ عَدُوِّي وَأَحْيَيْتَنِي فَجِئْتُ لِأُكَافِيَكَ بِبَلَائِكَ عِنْدِي، وَنَحْنُ أَيُّهَا الْمَلِكُ الْجِنُّ لَا الْجِنُّ!! [ما معنى هذا الكلام؟ لعل المعنى في قلب الشاعر!!] فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْجِنِّ؟ ثُمَّ انْقَطَعَ الْحَدِيثَ الَّذِي كَتَبَ أَخِي فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَمَامُهُ."[266].
لاحظوا أن الكذابين لم يعرفوا كيف يُنهوا هذه القصة لذا تركوها مبتورة دون خاتمة، ورغم ذلك جمع جناب الصدوق مثل هذه الأساطير في كتابه؟
وجاء في إحدى هذه القصص والحكايات أنهم وجدوا داخل أحد أهرامات مصر بلاطة قائمة من مرمر فقدَّروا أنها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها وأخرجوها فإذا عليها كتابة يونانية [مع أننا نعلم أن فراعنة مصر كانوا يكتبون باللغة الهيروغليفية[267] لا اليونانية! ثم لماذا كانوا قد كتبوه على الباب وهل تُكتب مثل هذه الموضوعات على الباب؟!] ... [إلى أن يصل في آخر الحكاية إلى قوله عن ذلك المكتوب في الحجر] : "فإذا فيها مكتوب: أنا الريان بن دومغ فسُئِل أبو عبد الله عن الريان من كان هو؟ قال: هو والد العزيز ملك يوسف (ع) واسمه الريان بن دومغ وقد كان عمَّر العزيز سبعمائة سنة وعمَّر الريان والده ألفاً وسبعمائة سنة(!!) وعمر دومغ ثلاثة آلاف سنة (!!!)".
وأقول: إن اختراع الأكاذيب مجاني، فما أحسن أن نُكثر منها!
ونكتفي بهذا المقدار في هذا الباب ونقول: يا حسرةً على أوقات الناس وأعمارهم التي تُضَيَّعُ على مثل هذه الأساطير!
[261] راجعوا بند «تاسعاً» الآتي بعد قليل لمعرفة صحة هذه الأخبار أو سُقمها. [262] أورد المجلسي قول «أبي الفتح الكراجكي» صاحب كتاب «كنز الفوائد» الذي أورد فيه أعمار الأنبياء نقلاً عن التوراة، ونُلاحظ هناك أننا كلما اقتربنا من حضرة إبراهيم فمن بعده نَقُصَت الأعمار. (بحار الأنوار، ج 51، ص 292). [263] التاج الجامع للأصول، ج 2، ص80. (يقول المترجم: الحديث رواه مالك في الموطأ مرسلاً، ويُؤيّد معناه الحديث التالي الذي رواه أحمد في مسنده عن ابن عمر أنه قال: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ص وَالشَّمْسُ عَلَى قُعَيْقِعَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ مَا أَعْمَارُكُمْ فِي أَعْمَارِ مَنْ مَضَى إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ فِيمَا مَضَى مِنْهُ"). [264] قارنوا ذلك بالآية 70 من سورة النحل والآية 5 من سورة الحج. [265] راجعوا الآية 4 من سورة مريم. [266] المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 51/ ص 233 -234. (المُتَرْجِمُ) [267] اكتشف «شامبليون» الفرنسي هذه اللغة أول مرة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
أولاً: ينبغي أن نعلم أن من عادة أهل كل مذهب أو فرقة -ومن جملتهم الصوفية- أن ينسبوا المعجزات (أو بالأحرى الكرامات وخوارق العادات)[268] لأئمتهم وعظمائهم.
كما أننا نُشاهد مثل هذه الأخبار في كتب اليهود والنصارى. ولو رجعنا إلى كتاب «تذكرة الأولياء» لعطار النيشابوري[269] مثلاً أو كتاب «نفحات الأنس» للجامي[270] وأمثالهما لرأينا فيها أنواع المسائل العجيبة والغريبة المنسوبة للمرشدين ومشايخ الطرق الصوفية. ولا يُعاني أيّ مذهبٍ من أيّ نقص في هذا الأمر!! وَمِنْ ثَمَّ فذكر المعجزات التي ليس لها سند موثوق وقطعي لا يصلح دليلاً على أحقيّة مذهبٍ أو مسلكٍ ما.
ثانياً: يُبيِّن القرآن الكريم لنا أن المعجزات ليست من صنع الأنبياء بل نُسبت إليهم مجازاً. وقد تكلمنا حول هذا الموضوع بما يلزم في التنقيح الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 130 إلى 148) و «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» (الصفحات 134 إلى 148 و188 إلى 193 و250 إلى 258 و 317 إلى 318 و320 إلى 343) و «طريق النجاة من شر الغلاة» الفصل الأول إلى الرابع (ص 97 إلى 186) ولا داعي لتكرار الكلام هنا. ولكن من الضروري مطالعة الكتب المذكورة قبل قراءة هذا الباب.
ثالثاً: كلما كانت المنافع والإيرادات المالية الآتية من مذهبٍ أو بدعةٍ أكثر، زاد أربابه في تلفيق واختراع المعجزات والكرامات لأئمته، وقام بائعو الخرافات باختراع ما أمكنهم من المعجزات والكرامات وخوارق العادات لترويج تجارتهم!! كما نجد نماذج لذلك في كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارت المزارات وأدعية الزيارات] (ص 97 إلى 186) كما ذكرنا بعض المطالب حول هذا الموضوع في كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن».
رابعاً: لقد كرَّر الله تعالى نفي علم الغيب عن رسوله ص في القرآن الكريم وأمره أن يقول: ﴿قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ﴾فكيف يمكن لإمامٍ لا يوحى إليه أن يعلم الغيب في كل لحظة ويُخبر عن الأموال وعن كميتها وأصحابها!! ولماذا لم يكن رسول الله ص يفعل ذلك، ولم يكن يُخبر الناس عن مقادير وكيفية الأموال الشرعية كأموال الزكاة وغيرها التي كانت تأتي إليه، ولا يخبر الناس عن أصحابها؟! إن من دواعي الأسف والعجب أن يُسوِّغ أتباع المذاهب لأنفسهم رفع أئمة مذهبهم فوق مقام نبي الله ص واختراعهم لأئمتهم معجزات (أو لِنَقُلْ كرامات) أكثر مما كان له ص!!
لو قرأتم المعجزات التي ذكرها المَجْلِسِيّ في هذا الباب لرأيتم أن أكثرها يتعلق بالأموال الشرعية التي كان الناس يُحضرونها للإمام ونوَّابه، وكان الإمام أو نائبه أو مُمثِّله يُخبر الناس عن ماهيّة تلك الأموال ومقاديرها وأسماء أصحابها!! أو كانوا يقولون لمن يأتيهم بالأموال مثلاً: إن حقنا كان أكثر من ذلك!!
وإذا صحّت هذه الأخبار فهذا يعني أنهم كانوا يتعاملون مع الجن وأن الجن والشياطين كانوا يأتونهم بهذه الأخبار، وفي نظرنا أن الأئمة الكرام كانوا أجل شأناً من القيام بمثل هذه الأعمال. وعلى كل حال، لقد قيل الكثير من الأكاذيب حول أموال الدنيا وسيُقال مثل ذلك في المستقبل! راجعوا هنا أيضاً كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» وقارنوا ما ذُكر هناك بأحاديث هذا الباب.
خامساً: إن أكثرية ناقلي هذه المعجزات أشخاصٌ مجهولو الحال وضعفاء أو أصحاب مصلحة في رواية مثل هذه الأخبار، وبالطبع لا يُوثق بأقوالهم ولا يُسمع لحديثهم! لقد نسبوا لكل مرشد أو سفير أو نائبٍ للمهدي معجزات لم يُروَ عشرها عن رسول الله ص، فكيف يُمكننا أن نُصدِّق أن أصحاب تلك الفرق كانوا أعلى مقاماً وأرفع من رسول الله ص؟!
وسنقوم فيما يلي بتمحيص أحاديث هذا الباب ونترك الحكم عليها للقراء المحترمين:
* الخبر 1: يروي الشيخ الطوسي عن «جَمَاعَة مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا» لا نعرف أسماءهم ولا أوصافهم (؟!) عن أخ الشيخ الصدوق حديثاً يدل على علم الإمام بالغيب! (راجعوا تعليقنا على الخبر الثالث الآتي بعد قليل).
تذكيرٌ مُهِمٌّ: كما سنُلاحظ، تطفح أخبار هذا الباب بنسبة علم الغيب إلى «الناحية» وإخبار الناحية عن زمن وفاة فلان أو علان، أو عن نية بعض الناس القلبية وما يُضمرونه في صدورهم أو الإخبار عن محتويات الأمتعة التي يأتي بها الناس معهم، ولكن الأمر العجيب للغاية أن هذه «الناحية» كانت تتعامل مدّة طويلة مع أشخاص من أمثال «الشلمغاني» -الذي كان مُعتمداً مدّة طويلة مِنْ قِبَلِ «الحسين بن روح النوبختي» ومعاوناً له، أو مثل «أحمد بن هلال العبرتائي» و«أبو بكر البغدادي»- ابن أخ محمد بن عثمان (النائب الثاني)- و «محمد بن علي بن بلال» وتتعاون معهم، ولم يكن لدى الناحية أو نُوَّابها معرفة بمستقبل أولئك الأفراد أو نيّاتهم الحقيقية وقد اضطر أحد أهالي تلك «الناحية المُخترعة» إلى كتابة رسالة لعن كي يتخلص من إزعاجهم ومُضايقتهم!! (فَتَأَمَّل جداً).
* الخبر 2: هذا الحديث يدل أيضاً على علم الإمام بالغيب، وراويه رجل خبيث وعديم الدين وطالب جاه[271] وهو «أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني»[272] 41المشهور بـ «ابن أبي عزاقر» وهو من أعوان «أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ النَّوْبَخْتِيّ» ومن مرتبته، وكان يتعاون معه ولما كان «ابن رَوْحٍ»42 يعيش مُتخفياً، نصب الشلمغانيَّ نائباً له وسفيرَه، وكان توقيعات «الناحية» تصدر مِنْ قِبَلِ «الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ» على يد «الشلمغاني»، والناس يرجعون إليه! كان الشلمغاني أحد كُتَّاب بغداد وأحد مؤلفي الشيعة الإمامية وعلمائهم وكان يتمتع بمقام جليل لدى الطائفة الإمامية قبل أن يقوم بتأسيس مذهب جديد وينحرف عن اتِّباع «الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ»، وكان الإمامية يرجعون إلى مؤلفاته ويستفيدون منها إلى حدّ أن «الْحُسَيْنَ بْنَ رَوْحٍ» في اليوم ذاته الذي تولّى فيه مقام «أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» بشكلٍ رسميٍّ ذهب برفقة جماعة من وجوه الشيعة –بعد أن أدَّى الطقوس والآداب الرسمية لاستلامه منصب «الْعَمْرِيِّ»- إلى منزل الشلمغاني (كتاب خاندان نوبختي، ص 222)، إلى أن وقع خلافٌ بين هذين الشخصين وقام الشلمغاني بدعوة «الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ» إلى المُباهلة فلم يقبل الأخير ذلك لأنه كان يخشى أن تُطرح في جلسة المُباهلة أمورٌ تجعل العوام يُسيئون الظن به أو يستيقظون من غفلتهم، ومن الواضح أنه لم يكن هناك عاقل بينهم يسأل قائلاً: نحن لم نُشاهد المهدي من قبل ولا رأينا خطّ يده كي نعرض عليه ما تأتينا به بوصفه صادراً عنه ونُقارنه به كي نتأكد من صحة انتساب هذا التوقيع إلى المهدي فعلاً، وليس لدينا من دليل على ما تقوله إلا ادِّعاؤك فقط! وأنتما [أي الحسين بن رَوْح والشلمغاني] كنتما رفيقين مُتعاونين فيما سبق وكنتَ يا «ابْنَ رَوْحٍ» تعتبر الشلمغاني شخصاً جليلاً ومحترماً وكانت توقيعاتك تصلنا عن طريقه، فكيف نقبل الآن رسالة اللعن هذه التي لم يكن لها وجود قبل أن يقع بينكم الاختلاف، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المهدي –حسب قولكم- يعلم الغيب وَمِنْ ثَمَّ فإنه كان يعلم أنه لم يكن للشلمغاني قصد شريف وأنه سينحرف في المستقبل؟ لاسيما أن هذه الدعوى يترتب عليها مسألة مهمة جداً وهي مسألة أخذ الأموال والحقوق الشرعية!! [273]
وعندما يئس الشلمغاني من النيابة أدخل في عقائده أموراً من الغُلوّ مثل مسألة الحلول والتناسخ وادَّعى أن روح القُدس قد حلّ فيه وألف كتباً في ردّ المذاهب وصار له أتباع ولكنه اعتُقل في نهاية المطاف وأُعدم. ولما كان لابن رَوْحٍ ارتباط بالسلطة في بغداد قال: إن كل من تقدّم نحو المُباهلة قبل الآخر اعتُبر عدواً للإمام! وهنا أيضاً لم يسأل أحد: لماذا تمّ إعدام الشلمغاني وصديقه «ابن أبي عون» بعد مدّة من الزمن؟ إن هذا يُظهر أن «ابْنَ رَوْحٍ» كان على علم بالتغييرات السياسية وكان يعلم أن الحكومة تنوي اعتقال الشلمغاني، ومن يدري ربما كان لابْنِ رَوْحٍ وأصدقائه دور في تحريض الحكومة على توقيفه!
ومن المهم أن ننتبه إلى أن «ابْنَ رَوْحٍ» لم يُرسل التوقيع إلى «أبي علي بن هَمَّام الإسكافي» ضدّ الشلمغاني إلا عندما أصبح الأخير في قبضة بلاط الخليفة وسجنه!![274] وينبغي أن نعلم أن الشلمغاني حُبس مدّةً من الزمن بسبب المُطالبات المالية التي كان يُطالبه بها ديوان الحكومة (كما نُلاحظ مرّة ثانية نجد مسألة المال في هذا الأمر!)، ولكن لما كان لابن رَوْح نفوذ كبير، وكان لطائفة النوبختيين مقام رفيع لدى الدولة العباسية، لم يُلقوا به بسبب هذه الاختلافات المالية في السجن، بل احتفظوا به في البلاط الملكي[275] فكيف يُمكن له عندما كان محبوساً في بيت الخليفة أن يتّصل بإمام الزمان ويأخذ منه توقيعاً؟! لعلّ الكذابين والضعفاء وحدهم يعلمون الجواب!!!
نعم، لقد كان «ابنُ رَوْح» ماهراً جداً في إبعاد منافسيه من طريقه أو التصالح معهم وترويضهم، وكان يتوصل إلى أهدافه غالباً من خلال إبراز تواقيع تُنسب إلى إمام الزمان! 43ومن جملة ذلك أنه تخلَّص من إزعاج ومُنافسة «أحمد بن هلال»[276] -الذي كان يدَّعي منصب «محمد بن عثمان» (أحد نُوّاب المهدي)- ومن «البلالي» -الذي كان يُقدِّم نفسه على أنه وكيل المهدي- ومن «حسن الشريعي»[277]! كما تخلَّص بمُساعدة أحد أقربائه الذي يُدعى «أبو سهل النوبختي» من شرّ «الحلاج».
كان «ابن رَوْح» رجلاً سياسياً مُحنَّكاً ومُتَلَوِّناً ودبلوماسياً و وصفه الشيخ عبّاس القمي (منتهى الآمال، ج 2، ص 507) بقوله: "كان رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق. وكان يستعمل التقيَّة في بغداد. وبلغ من حسن سلوكه مع المخالفين أن كلّاً من المذاهب الأربعة كان يدَّعي أنه منه"[278]. (فتأمَّل جداً) [279]. ولنفرض جدلاً أن «ابن رَوْح» كان يُمارس التقيّة فإن هذا لا يَضْطَّرُّهُ إلى التظاهر بانتمائه إلى كل واحدٍ من المذاهب الأربعة[280] بل كان يكفيه لإبعاد الخطر عن نفسه أن يتظاهر بانتمائه إلى أحد تلك المذاهب (كالمذهب الشافعي مثلاً). (فتأمَّل جداً).
نعم، كان «ابن رَوْح» رجلاً معسول اللسان[281] وكان انتهازيَّاً يدور مع المصلحة حيث تدور، ويَعرِفُ من أين تُؤْكَل الكَتِف -كما يُقال -، وكان أكثر ذكاءً من النُّوَّاب الثلاثة الآخرين وأكثر خداعاً للعوام منهم، ولهذا السبب استطاع أن يختصّ النيابة لنفسه من بين وكلاء (النائب الثاني) العشرة الآخرين في بغداد، رغم أنهم كانوا جميعاً أكثر قرباً منه من جناب النائب الثاني «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» وأوثق صلةً، ومع ذلك استطاع «ابن رَوْح» أن يزيحهم من طريقه أو يسكتهم وينال النيابة! [282] وكان يُعرّف بنفسه من جهة على أنه وكيل المهدي ونائبه، ومن الجهة الأخرى كان يأكل الفالوذة مع وزراء الدولة العباسية وكبار المسؤولين فيها ويختلط بهم ويُعاشرهم[283] ولم يكونوا يجهلون وجهه الآخر بل يرونَ أن مكانته لدى عوام الشيعة تصبُّ في صالحهم، كما نجد أن الخليفة العباسي «الراضي بالله» كان يقول[284]: "... والله لوددت أن مثله [أي الحسين بن رَوح] ألفاً تحمل الإمامية أموالها إليه فيفقرهم الله، ولا أكره غِنَى هؤلاء من أموالهم." [285] (كتاب «خاندان نوبختى» [الأُسْرَةُ النَّوْبَخْتِيَّة]، ص 220).
وقد أعلن في مجلس أعيان وأكابر الحكومة العباسية أفضلية الخلفاء الراشدين طبقاً لترتيب خلافتهم! (بحار الأنوار، ج 51، ص 356). وقد أدَّى هذا الكلام إلى ضحك أحد الحاضرين الذي كان يعرف الوجه الآخر لابن رَوْح فقال خارج المجلس للنائب: "يا سيدي! رجل يرى بأنه صاحب الإمام، ووكيله يقول ذلك القول لا يُتعجَّب منه؟!"، لكن «ابن رَوْح» لم يُعطه أيّ إجابة مُقنعة!!
من الواضح أنه لا يُمكن أن نحمل عمله هذا على التقيّة لأنه في المجلس ذاته اعتبر شخصٌ عليّاً÷ أفضل من عمر ولم يُواجه أيّ خطر. كما لم يكن «ابن رَوْح» مجبوراً على كل هذه المخالفة لعقائده إذ كان يُمكنه لزوم الصمت أو إظهار الحيرة كأن يقول مثلاً في المجلس الذي اعتبر فيه أحد الأشخاص أن عليّاً أفضل من سائر الخلفاء في حين اعتبر آخرون أبا بكر وعمر الأفضل، إن الله تعالى يقول: ﴿تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسَۡٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٣٤﴾ [البقرة: ١٣٤] فلسنا مُكلّفين بأن نحكم بشأنهم؟! أو كان يستطيع أن يترك المجلس عدّة دقائق بحُجّة من الحُجج –كالوضوء ونحوه- ونحو ذلك من المهارب.
ولما سمع «ابنُ رَوْح» أحدَ خُدَّامه (بوَّابه) يشتم معاوية طرده، ومهما أصرّ عليه البوَّاب المسكين كي يُعيده إلى العمل لم يقبل رجاءه!! في حين أنه كان باستطاعته أن يُنبِّهه إلى ضرورة الكفِّ عن مثل ذلك التصرُّف أو كان بإمكانه أن يصبر إلى أن يقع قيلٌ وقال بشأن بوابه عندئذ يتّخذ قراره ويقول: الآن عرفت أنه يقول كذا ويشتم معاوية، لذا سأطرده من العمل.
والخلاصة كيف يُمكننا أن نثق بأخبار أمثال هؤلاء الأشخاص ونعتمد على أقوالهم؟! ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسُۡٔولٗا ٣٦﴾ [الإسراء: ٣٦].
44تذكيرٌ: تأمل أيها القارئ المحترم في هذه المسألة ولاحظ أنه لو لم يُدافع علماؤنا عن أفراد مثل «أَبِي الْقَاسِمِ الـْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ النَّوْبَخْتِيِّ»[286] ولم يُثنوا عليهم ولم يُبرّروا أعمالهم المشكوكة لانهدم البناء الواهن الذي بنوه بأنواع المُغالطات والاحتمالات التي لم تثبت وبالتلاعب بآيات القرآن والأحاديث التي لا اعتبار لها التي يسوقونها لإثبات وجود المهدي!! ولذلك ليس لديهم مندوحة سوى الاستفادة من الذين استغلّوا عوام الناس تحت لافتة الوكالة المُدَّعاة والنيابة والسفارة للإمام الغائب[287]، وأن يُبجِّلوا ويُجلّوا عدّة أشخاص كي لا تنقطع الشعرة التي تربطهم بالمهدي الموهوم! (فتأمَّل جداً).
* الخبر 3: ادَّعت «حكيمة» -التي لم ترَ المهدي[288]- خرافةً وقالت: "دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً مِنْ وِلَادَةِ نَرْجِسَ فَإِذَا مَوْلَانَا صَاحِبُ الزَّمَانِ يَمْشِي فِي الدَّارِ! فَلَمْ أَرَ لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ! فَتَبَسَّمَ أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) فَقَالَ: إِنَّا مَعَاشِرَ الأئِمَّةِ نَنْشَأُ فِي يَوْمٍ كَمَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي سَنَةٍ..." [289] (يعني أن المهدي الذي كان عمره أربعين يوماً كان كالذي عمره أربعين سنة؟!!).
أقول: ولكن القرآن يردُّ مثل هذا الادِّعاء إذ يقول إن الأنبياء بشرٌ كسائر البشر [لا يختلفون عنهم إلا بالوحي]: ﴿إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ﴾ [إبراهيم: ١١]. ثم كيف لم يكبر النبيّ الأكرمص والإمام علي والحسنين وحتى حضرة العسكري ÷ عاماً كل يوم وكَبُرَ المهدي كذلك؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
نعم، لقد لفَّقوا كل ما أمكنهم من كلام مخالف للقرآن ولسيرة النبي ص وسنّته وللعقل. فمثلاً لم يكن رسول الله ص يعلم بما كان وما يكون ولذلك لما جاء إليه جماعة من قبيلة «عضل» و«القارة» في شهر صفر من السنة الرابعة للهجرة وطلبوا منه أن يُرسل معهم جماعة من أصحابه ليدعوا قبائلهم إلى الإسلام ويُعلّموهم أحكام الدين، استجاب النبي ص لطلبهم وأرسل معهم جماعة من أصحابه. وكذلك لما جاء «أبو البراء عامر بن مالك» زعيم قبيلة بني عامر إلى النبيِّ ص وطلب منه أن يُرسل جماعةً من أصحابه إلى أهل «نجد» وقال: أنا أحميهم وأمنع عنهم، فأرسل النبي الأكرم ص جماعة من علماء الصحابة وقُراء القرآن -وكانوا حوالي أربعين رجلاً- معه لكن كلا المجموعتين من الصحابة الدعاة تعرّضوا للحصار وللغدر وقُتلوا، واستُشهد أفراد المجموعة الأولى في منطقة «الرجيع» واستُشهد أفراد المجموعة الثانية في منطقة «بئر معونة». وقال أنس: لم أرَ رسول الله ص حزن و وَجَدَ وَجْدَاً شديداً على مصيبة وقعت به كما حزن و وجدَ لتلك الحادثتين وظلّ قَرابة شهرٍ يدعو باللعن على أولئك الغادرين.
لاحظوا كيف أن رسول الله ص لم يكن له علم بالغيب ولا بحوادث المستقبل، ولكن جاء في الخبر الأول في هذا الباب قول «الحسين بن رَوْح» عن قول الإمام الموهوم لعلي بن بابويه لما استأذنه فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْحَجِّ: "لَا تَخْرُجْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ! فَأَعَادَ وَقَالَ: هُوَ نَذْرٌ وَاجِبٌ أَفَيَجُوزُ لِيَ الْقُعُودُ عَنْهُ؟ فَخَرَجَ فِي الْجَوَابِ: إِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَكُنْ فِي الْقَافِلَةِ الأخِيرَةِ. وَكَانَ فِي الْقَافِلَةِ الأخِيرَةِ فَسَلِمَ بِنَفْسِهِ وَقُتِلَ مَنْ تَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَافِلِ الأُخَرِ"!! [وتعرَّضت إلى السلب والنهب بالطبع]!! نعم! الرسول الأكرم ص الذي كان جبريل ينزل عليه لم يكن يعلم الغيب، ولكن هؤلاء يعلمون الغيب!!! فهل علينا أن نقبل القرآن وسيرة النبيّ ص أم نقبل ادّعاء أمثال أولئك الأفراد؟!
في رأينا –كما يعرف من لهم علم بالتاريخ- كان هناك ارتباط سرّي بين عدد من القراصنة في القرنين 16 و17 الميلاديين وبين ملك إنجلترا، ووجود علاقة بين بعض قُطّاع الطرق واللصوص وبين بعض رجال السلطة وأصحاب النفوذ أمر وارد ومحتمل، ولما كان «ابن رَوْح» على صلة ببلاط الدولة العباسية ونتيجة لذلك كان على علم بالأخبار التي تتم وراء الكواليس فكان يستفيد من مقامه هذا ويُخبر أحد أتباعه البُسطاء السُّذج عن تلك الأمور كي يظنها معجزة له (أو كرامة) فيجعله وكيلاً له!! إن الصلة الوثيقة بين «الحسين بن رَوْح» وبلاط الدولة العباسية يُمكن ملاحظتها بوضوح في الخبر 9 في الصفحة 295 من المجلد 51 من بحار الأنوار! (فَلَا تَتجَاهَلْ). وراجع أيضاً الخبرين 9 و53 في هذا الباب.
* الخبران 4 و55: لا يُعلم راويهما!! لأن المجلسي نقلهما عن كتاب الخرائج للراوندي[290] الذي رواه بقوله: «رُوِيَ» دون بيان هوية الراوي ولا زمانه ولا مكانه؟! وهذا الراوي المجهول روى عن «محمد بن هارون الهمداني» -المجهول أيضاً- قال: "كَانَ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَضِقْتُ بِهَا ذَرْعاً، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي لِي حَوَانِيتُ اشْتَرَيْتُهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَ ثَلَاثِينَ دِينَاراً قَدْ جَعَلْتُهَا لِلنَّاحِيَةِ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَا وَاللهِ مَا نَطَقْتُ بِذَلِكَ وَلَا قُلْتُ فَكَتَبَ (ع) إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ [الذي كان في تلك الأيام يدَّعي السفارة عن الإمام الغائب لأخذ الأموال والوجوه الشرعية] اقْبِضِ الْحَوَانِيتَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي لَنَا عَلَيْهِ"[291].
والطريف أن المهدي الغائب لم يسأل: هل سامحتنا في الثلاثين ديناراً المُتبقّية لك أم لا؟ (فتأمَّل). وقد جعلوا هذه القصة دليلاً على علم كاتب الرسالة بالغيب. (والقصة هي الحديث 28 من الباب 182 من الكافي).
* الخبر 5: مرّةً ثانيةً ينقل من كتاب «الخرائج» تأليف الراوندي الذي عاش في القرن السادس الهجري عن «مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الشَّاشِيِّ»[292] وهو شخص مجهول ومهمل وينتمي للقرن الثالث الهجري ولا أحد يعلم شيئاً عن هوية الرواة بين الراوندي والشاشيّ! فالحديث مُنقطع السند.
وعلى كل حال تقول الرواية إنَّ «مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ الشَّاشِيَّ» قال لمحمد بن الحُصَيْن أن يُعطي مال الغريم (أي سهم الإمام) إلى شخص اسمه «حاجز» [ابن يزيد الوشَّاء]. ولا نعلم من هو محمد بن الحُصَيْن فهو مهمل ومجهول. وهذه الرواية أيضاً تدل على علم الإمام بالغيب!
* الخبر 6: هو أيضاً من الأساطير المكتوبة في كتاب «الخرائج» ذاته الذي ينقل عن رجلٍ من استر آباد! - هكذا دون بيان هوية الرجل وما مذهبه! وهل كان له عقل سليم أم لا! – أنه قال: "صِرْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ وَمَعِي ثَلَاثُونَ دِينَاراً فِي خِرْقَةٍ مِنْهَا دِينَارٌ شَامِيٌّ فَوَافَيْتُ الْبَابَ وإِنِّي لَقَاعِدٌ إِذْ خَرَجَ إِلَيَّ جَارِيَةٌ أَوْ غُلَامٌ الشَّكُّ مِنِّي قَالَ هَاتِ مَا مَعَكَ قُلْتُ مَا مَعِي شَيْءٌ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَقَالَ مَعَكَ ثَلَاثُونَ دِينَاراً فِي خِرْقَةٍ خَضْرَاءَ مِنْهَا دِينَارٌ شَامِيٌّ وخَاتَمٌ كُنْتَ نَسِيتَهُ فَأَوْصَلْتُهُ إِلَيْهِ وَأَخَذْتُ الْخَاتَمَ". لاحظوا أن شخصاً مجهولاً يُعطي ماله لجاريةٍ أو لغلام، وعلى القارئ أن يصدق أن تلك الجارية أو ذلك الغلام أخبرا عن أمرٍ من الغيب، رغم مخالفة هذا للقرآن الكريم [الذي ينفي علم الغيب عن غير الله].
ولم يسأل أحد: لماذا عندما افترى المنافقون الإفك بحقِّ عائشة زوج النبي ص لم يعلم النبيص الغيب وبقي مُتغيِّراً نحوها مدَّة شهرين بل فكَّر بمُفارقتها، إلى أن أنزل الله آيات محكمات في براءتها وطهارتها من الإفك، أما هؤلاء فيُثبتون علمَ إمامٍ غير مرئيٍّ بالغيب نقلاً عن أقوال أفراد مجهولين! يبدو أنهم يعتبرون الإمام غير المرئي أعلى رتبةً من رسول الله ص!!
* الخبر 7: قصةٌ أخرى أيضاً من القصص المذكورة في كتاب «الخرائج» تقول: "رُوِيَ عَنْ مَسْرُورٍ الطَّبَّاخِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ لِضِيقَةٍ أَصَابَتْنِي فَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْبَيْتِ فَانْصَرَفْتُ فَدَخَلْتُ مَدِينَةَ أَبِي جَعْفَرٍ [يبدو أن المقصود محمد بن عثمان العَمْري النائب الثاني] فَلَمَّا صِرْتُ فِي الرَّحْبَةِ حَاذَانِي رَجُلٌ لَمْ أَرَ وَجْهَهُ وَقَبَضَ عَلَى يَدِي وَدَسَّ إِلَيَّ صُرَّةً بَيْضَاءَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عَلَيْهَا كِتَابَةٌ فِيهَا اثْنَا عَشَـرَ دِينَاراً وَعَلَى الصُّـرَّةِ مَكْتُوبٌ مَسْرُورٌ الطَّبَّاخُ". ونسأل: لماذا علينا أن نُصدِّق هذه القصة؟!
* الخبر 8: مرّةً أخرى نجد مؤلف كتاب «الخرائج» يقفز من القرن السادس مباشرة إلى القرن الثالث (؟!!) إذ يروي مباشرةً ودون ذكر وسائط عن «محمد بن شاذان» الذي كان من أهل القرن الثالث، قوله: "اجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ نَاقِصَةً عِشْرِينَ فَأَتْمَمْتُهَا مِنْ عِنْدِي وَبَعَثْتُ بِهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُمِّيِّ وَلَمْ أَكْتُبْ كَمْ لِي مِنْهَا فَأَنْفَذَ إِلَيَّ كِتَابَهُ وَصَلَتْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لَكَ فِيهَا عِشْرُونَ دِرْهَماً"! كان آخذ المال من الوكلاء مجهولي الحال للمهدي. يُعلَم أن هؤلاء القصاصين لم يكن لهم من عمل سوى اختراع قصص لإثبات علم الغيب للإمام الموهوم!! (وهو الحديث 23 من الباب 182 من الكافي).
* الخبر 9: كان «الحسين بن رَوْح» -كما مرَّ في دراستنا للخبرين 2 و3- على علاقة وثيقة ببلاط الدولة العباسية وكان مُطَّلعاً على أخبار الحكومة، وفي هذا الخبر يخبر اثنين من أصحاب المناصب الحكومية بالمناطق التي سيُرسلون إليها، ولا غرو فصلته الوثيقة ببلاط الخلافة تجعله على اطلاع بالقرارات التي تُتَّخذ فيه![293] (فلا تتغافل). ويُراجَع أيضاً الخبر 53 الآتي في الباب ذاته.
* الخبران 10 وَ54: هما من أطرف قصص كتاب «الخرائج» ويُشبهان كثيراً قصص الصوفية! مع فارق أن قول الهاتف السماوي في هذه القصة أكثر إضحاكاً من هاتف قصص الصوفية! وكالعادة خلَّص الكاتب نفسه من عناء التعريف بالرواة بلفظ «رُوِي»، إذ يقول: "رُوِيَ عَنْ غِلَالِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي الرَّجَاءِ الْمِصْرِيِّ وَكَانَ أَحَدَ الصَّالِحِينَ [وهو أيضاً شخص مجهول] قَالَ: خَرَجْتُ فِي الطَّلَبِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) [أي بعد وفاة حضرة العسكري] فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ شَيْءٌ لَظَهَرَ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَسَمِعْتُ صَوْتاً وَلَمْ أَرَ شَخْصاً يَا نَصْرَ بْنَ عَبْدِ رَبِّهِ قُلْ لِأَهْلِ مِصْرَ هَلْ رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللهِ ص فَآمَنْتُمْ بِهِ؟ قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ اسْمَ أَبِي «عَبْدُ رَبِّهِ» وَذَلِكَ أَنِّي وُلِدْتُ بِالْمَدَائِنِ فَحَمَلَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّوْفَلِيُّ إِلَى مِصْرَ فَنَشَأْتُ بِهَا فَلَمَّا سَمِعْتُ الصَّوْتَ لَمْ أَعْرِجْ عَلَى شَيْءٍ وَخَرَجْتُ"!!
أولاً: إنَّ عِلْمَ الذين لم يُعاصروا رسول الله ص بوجوده ناشئٌ عن شهادة القرآن الكريم -المعجزة الخالدة الباقية المُتاحة دائماً في متناول الناس-، وعلاوةً على ذلك هناك أخبارٌ مُتواترةٌ حقيقةً منقولةٌ جيلاً بعد جيل عن حضرة النبيّ ص وسيرته وأقواله وأفعاله، بالإضافة إلى شهادة التاريخ الموثوق القاطعة وبشارات كتب الأديان قبل الإسلام، ولذلك لم يُشكّك أيُّ إنسان ولا حتَّى أيُّ عاقل غير مسلم طول ألف وأربعمئة سنة مضت، بوجود النبيّ ص.
ثانياً: ما علاقة ذلك بشخص لا يُوجد قول واحدٌ متَّفق عليه حول أي شأن من الشؤون المُتعلّقة به؟![294] ولو جاز قبول قضية بلا أساس إلى هذا الحدّ لكان في استطاعة كل شخص أن يقول لمن يُشكّك بوجود كل كائن خيالي مثل فرس بالدار أو جنية البحر: هل رأيتم هارون الرشيد أو السلطان محمود الغزنوي اللذين تؤمنون بوجودهما؟ إذن فلا تُنكروا وجود جنية البحر لمُجرّد عدم رؤيتكم لها! وهكذا....... فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً؟! من هذا يُعْلَم أن رواة هذه القصص كانوا حقيقةً محرومين من نعمة العقل!
* الخبر 11: رواه أيضاً الراوندي صاحب «الخرائج» مستخدماً لفظ «رُوي» كعادته - ليعفي نفسه من التعريف بالرواة - وقفز من القرن السادس إلى القرن الثالث مباشرةً إذ روى دون واسطة عن أحمد بن أبي روح من أهل القرن الثالث قصة مخالفة للشرع!! سلَّم الله أيديهم إذا لا يتورَّعون من رواية قصص مخالفة للشرع أيضاً في سبيل إثبات وجود إمام موهوم!!! في هذه القصة أرادت امرأة أن تقضي ديناً على أمِّها مقداره عشرة دنانير ولكن لما كان صاحب القرض غير شيعي (أو كان ناصبياً على حدِّ قول الراوي) لم تكن المرأة راغبةً بدفع المال له لذا طلبت من إمام الزمان حلاً لهذه القضية! فأفتاها إمام الزمان في رسالة بما يُخالف فقه الشيعة إذ أجاز لها أن تُوزِّع المال المذكور بين أخواتها الفقراء دون إذن صاحب المال أي الدائن ولا رضاه! جلَّ الخالق! ألم يكن إمامهم مُلتزماً بشريعة الإسلام ومُتَّبعاً لها؟ هل يجوز أن لا يردَّ المسلم الدين إذا كان الدائن نصرانياً أو يهودياً؟
الخبر 12: رواه «مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ السَّيَّارِيُّ» -وهو في الاحتمال الغالب ذلك العدو اللدود للقرآن الذي عرّفنا به في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 149 -150)- قال: "أَوْصَلْتُ أَشْيَاءَ لِلْمَرْزُبَانِيِّ الْحَارِثِيِّ فِي جُمْلَتِهَا سِوَارُ ذَهَبٍ" [أقول: من هو هذا المرزباني وماذا كان عمله؟! لا أحد يعلم! من هذا يُعلَم أن أفراداً كثيرين في القرن الهجري الثالث كانوا يستغلّون مسألة الغيبة بادِّعاء الوكالة والنيابة ليحصلوا على أموال الناس دون تعب]. ويتابع الراوي قائلاً: "فَقُبِلَتْ وَرَدَّ السِّوَارَ وَأُمِرْتُ بِكَسْرِهِ فَكَسَرْتُهُ فَإِذَا فِي وَسَطِهِ مَثَاقِيلُ حَدِيدٍ ونُحَاسٍ وصُفْرٍ فَأَخْرَجْتُهُ وَأَنْفَذْتُ الذَّهَبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُبِلَ"! [ما أحسن ذوقه! يُعلَم أن المرزباني كان صائغاً ماهراً جداً!]. أقول: ما المقصود من هذا الخبر وما علاقته بالمهدي؟ ينبغي أن نقول: المعنى في بطن الشاعر! ومن الممتع أن نعلم أن مثل هذا الخبر الفاقد لأي معنى أورده الشيخ المفيد في كتابه «الإرشاد»!! (وهو الحديث 6 من الباب 182 من الكافي بسند آخر).
* الخبر 13: هو الحديث العاشر في الباب 182 من الكافي وليس من المعلوم ما علاقته بالمهدي، وقد اعتبر المَجْلِسِيّ في كتابه مرآة العقول هذا الحديث مجهولاً.
* الخبر 14: هو الحديث الحادي عشر في الباب 182 من الكافي وهو ضعيف حسب قول المَجْلِسِيّ. جاء اسم الراوي في الكافي: «نضر البجلي» في حين جاء في البحار: «نصر البلخي» الذي كان من الغلاة. (يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول .....» ص 855).
* الأخبار 15 وَ16 وَ17 وَ18: هي الأخبار 15 وَ19 و20 و24 من الباب 182 من أصول الكافي. (يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول .....» ص 858 إلى 859). يَتَبَـيَّنُ من الخبر 15 أن الوكالة والنيابة كانت تجارةً مزدهرةً ورابحةً جداً وكان عشرات وربما مئات الأشخاص يدَّعون النيابة عن المهدي ويأخذون الأموال بالقُوّة وبإثارة اللغط وبالإكراه بحُجّة أخذ سهم الإمام، ولم يكونوا يتورَّعون عن الكذب في هذا السبيل!! وليت شعري! هل أبقوا أيَّ ماء وجه للمهدي الغائب بمثل هذه الأخبار؟!
في الخبر 18 -المنقول في الكافي عن «الحسين الأشعري»، وفي البحار عن «الحسن الأشعري» وفي هذه الصورة هو شخص مجهول- قَالَ: "كَانَ يَرِدُ كِتَابُ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) فِي الْإِجْرَاءِ عَلَى الْجُنَيْدِ قَاتِلِ فَارِسِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ مَاهَوَيْهِ وَأَبِي الْحَسَنِ وَآخَرَ فَلَمَّا مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ وَرَدَ اسْتِئْنَافٌ مِنَ الصَّاحِبِ (ع) بِالْإِجْرَاءِ لِأَبِي الْحَسَنِ وَصَاحِبِهِ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْجُنَيْدِ شَيْءٌ قَالَ: فَاغْتَمَمْتُ لِذَلِكَ فَوَرَدَ نَعْيُ الْجُنَيْدِ بَعْدَ ذَلِك"! من هذا يَتَبَـيَّنُ أن كاتب الرسالة كان قد اطَّلع على موت الجُنيد قبل اطِّلاع الراوي على ذلك، ولكن الرواة الجاهلين بالقرآن يُحبُّون أن يُفسِّروا هذه المسألة بعلم الإمام بالغيب!! لا بُدَّ من مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول ....»، (ص 174-175).
* 45الخبر 19: حديث مرفوع يصل إلى «أبي العباس أَحْمَدَ الدِّينَوَرِيِّ السَّرَّاجِ» الذي يقول: "انْصَرَفْتُ مِنْ أَرْدَبِيلَ إِلَى دِينَوَرَ أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ وذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وكَانَ النَّاسُ فِي حِيرَةَ فَاسْتَبْشَرَ أَهْلُ دِينَوَرَ بِمُوَافَاتِي واجْتَمَعَ الشِّيعَةُ عِنْدِي فَقَالُوا: اجْتَمَعَ عِنْدَنَا سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ مِنْ مَالِ المَوَالِي ونَحْتَاجُ أَنْ نَحْمِلَهَا مَعَكَ وتُسَلِّمَهَا بِحَيْثُ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا ... قَالَ: فَلَمَّا وَافَيْتُ قَرْمِيسِينَ (أي كرمانشاه) كَانَ أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ الحَسَنِ [وهو شخص مجهول الحال أيضاً] مُقِيماً بِهَا فَصِرْتُ إِلَيْهِ مُسَلِّماً فَلَمَّا لَقِيَنِي اسْتَبْشَرَ بِي ثُمَّ أَعْطَانِي أَلْفَ دِينَارٍ فِي كِيسٍ [لاحظوا أيَّ مبالغ باهظة كانت تصل إلى أيدي الوكلاء والنُّوَّاب؟!! ولم يكن عبثاً ذلك الجدل والنزاع والتنافس بين الأفراد الانتهازيين الخادعين للعوام لكسب أموال الوكالة والنيابة، ومن هنا نفهم أنهم كانوا حقيقة بحاجة إلى اختراع إمام كي يصلوا إلى المنافع والأموال عن طريقه!]...... فَلَمَّا وَرَدْتُ بَغْدَادَ لَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ غَيْرَ الْبَحْثِ عَمَّنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالنِّيَابَةِ....". ثم تذكر الرواية الطويلة أنه زار في هذا الصدد في بغداد ثلاثة أشخاص من مدّعي النيابة منهم «الْبَاقَطَانِيّ»[295] وَ«إِسْحَاق الأحْمَر» وَ«أبو جَعْفَر الْعَمْرِيّ» فلم يجد حجة على صحة نيابتهم.
قال: "وَصِرْتُ [أول الأمر] إلى «الْبَاقَطَانِيّ» فَوَجَدْتُهُ شَيْخاً مَهِيباً لَهُ مُرُوءَةٌ ظَاهِرَةٌ وَفَرَسٌ عَرَبِيٌّ وَغِلْمَانٌ كَثِيرٌ وَيَجْتَمِعُ النَّاسُ عِنْدَهُ يَتَنَاظَرُونَ قَالَ: فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَحَّبَ وَقَرَّبَ وَسَرَّ وَبَرَّ. قَالَ: فَأَطَلْتُ الْقُعُودَ إِلَى أَنْ خَرَجَ أَكْثَرُ النَّاسِ. قَالَ: فَسَأَلَنِي عَنْ دِينِي فَعَرَّفْتُهُ أَنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ دِينَوَرَ وَافَيْتُ وَمَعِي شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ [من سهم الإمام] أَحْتَاجُ أَنْ أُسَلِّمَهُ فَقَالَ لِي احْمِلْهُ! [أي أحضره] قَالَ: فَقُلْتُ أُرِيدُ حُجَّةً قَالَ تَعُودُ إِلَيَّ فِي غَدٍ. قَالَ: فَعُدْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ فَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ وَعُدْتُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ. قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى إِسْحَاقَ الْأَحْمَرِ فَوَجَدْتُهُ شَابّاً نَظِيفاً مَنْزِلُهُ أَكْبَرُ مِنْ مَنْزِلِ الْبَاقَطَانِيِّ وَفَرَسُهُ وَلِبَاسُهُ وَمُرُوءَتُهُ أَسْرَى وَغِلْمَانُهُ أَكْثَرُ مِنْ غِلْمَانِهِ وَيَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنَ النَّاسِ أَكْثَرُ مِمَّا يَجْتَمِعُ عِنْدَ الْبَاقَطَانِيِّ! قَالَ: فَدَخَلْتُ وَسَلَّمْتُ فَرَحَّبَ وَقَرَّبَ. قَالَ: فَصَبَرْتُ إِلَى أَنْ خَفَّ النَّاسُ. قَالَ: فَسَأَلَنِي عَنْ حَاجَتِي. فَقُلْتُ لَهُ: كَمَا قُلْتُ لِلْبَاقَطَانِيِّ وَعُدْتُ إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ. قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ [أي النائب الثاني، وكان أبو جعفر العَمْري أي عثمان بن سعيد النائب الأول وكان يعيش في زمن حضرة العسكري قرب منزله وكان يعمل ببيع السمن] فَوَجَدْتُهُ شَيْخاً مُتَوَاضِعاً عَلَيْهِ مُبَطَّنَةٌ بَيْضَاءُ قَاعِدٌ عَلَى لِبْدٍ فِي بَيْتٍ صَغِيرٍ لَيْسَ لَهُ غِلْمَانٌ وَلَا مِنَ الْمُرُوءَةِ وَالْفَرَسِ مَا وَجَدْتُ لِغَيْرِهِ[296]. .... قَالَ فَقَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَصِلَ هَذَا الشَّيْءُ إِلَى مَنْ يَجِبُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ تَخْرُجُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى وَتَسْأَلُ دَارَ ابْنِ الرِّضَا[297] وَعَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْوَكِيلِ وَكَانَتْ دَارُ ابْنِ الرِّضَا عَامِرَةً بِأَهْلِهَا فَإِنَّكَ تَجِدُ هُنَاكَ مَا تُرِيدُ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَمَضَيْتُ نَحْوَ سُرَّ مَنْ رَأَى وَصِرْتُ إِلَى دَارِ ابْنِ الرِّضَا وَسَأَلْتُ عَنِ الْوَكِيلِ فَذَكَرَ الْبَوَّابُ أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ فِي الدَّارِ وَأَنَّهُ يَخْرُجُ آنِفاً.... فَخَرَجَ بَعْدَ سَاعَةٍ فَقُمْتُ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِي إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ وَسَأَلَنِي عَنْ حَالِي وَمَا وَرَدْتُ لَهُ فَعَرَّفْتُهُ أَنِّي حَمَلْتُ شَيْئاً مِنَ الْمَالِ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَبَلِ وَأَحْتَاجُ أَنْ أُسَلِّمَهُ بِحُجَّةٍ. قَالَ فَقَالَ: نَعَمْ ثُمَّ قَدَّمَ إِلَيَّ طَعَاماً وَقَالَ لِي: تَغَدَّ بِهَذَا وَاسْتَرِحْ فَإِنَّكَ تَعِبْتَ فَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْأُولَى سَاعَةً فَإِنِّي أَحْمِلُ إِلَيْكَ مَا تُرِيدُ. قَالَ: فَأَكَلْتُ وَنِمْتُ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ نَهَضْتُ وَصَلَّيْتُ وَذَهَبْتُ إِلَى الْمَشْرَعَةِ فَاغْتَسَلْتُ وَنَضَّرْتُ [وَ] انْصَرَفْتُ إِلَى بَيْتِ الرَّجُلِ وَسَكَنْتُ إِلَى أَنْ مَضَى مِنَ اللَّيْلِ رُبُعُهُ فَجَاءَنِي بَعْدَ أَنْ مَضَى مِنَ اللَّيْلِ رُبُعُهُ وَمَعَهُ دَرْجٌ فِيهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَافَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ وَحَمَلَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ فِي كَذَا وَكَذَا صُرَّةً فِيهَا صُرَّةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا دِينَاراً إِلَى أَنْ عَدَّدَ الصُّرَرَ كُلَّهَا وَصُرَّةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الذَّرَّاعِ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَاراً. قَالَ فَوَسْوَسَ إِلَيَّ الشَّيْطَانُ فَقُلْتُ: إِنَّ سَيِّدِي أَعْلَمُ بِهَذَا مِنِّي[298]؟! فَمَا زِلْتُ أَقْرَأُ ذِكْرَهُ صُرَّةً صُرَّةً وَذِكْرَ صَاحِبِهَا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَيْهَا عِنْدَ آخِرِهَا ثُمَّ ذَكَرَ قَدْ حُمِلَ مِنْ قَرْمِيسِينَ [أي كرمانشاه] مِنْ عِنْدِ «أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمَادَرَائِيِّ» أَخِي الصَّوَّافِ كِيسٌ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ وَكَذَا وَكَذَا تَخْتاً مِنَ الثِّيَابِ مِنْهَا ثَوْبُ فُلَانٍ وَثَوْبٌ لَوْنُهُ كَذَا حَتَّى نَسَبَ الثِّيَابَ إِلَى آخِرِهَا بِأَنْسَابِهَا وَأَلْوَانِهَا [وهذا يشبه ما يفعله من يخاوون الجن ويتنبؤون بالفال....] قَالَ فَحَمِدْتُ اللهَ وَشَكَرْتُهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيَّ مِنْ إِزَالَةِ الشَّكِّ عَنْ قَلْبِي. فَأَمَرَ بِتَسْلِيمِ جَمِيعِ مَا حَمَلْتُ إِلَى حَيْثُ يَأْمُرُنِي «أَبُو جَعْفَرٍ الْعَمْرِيُّ». قَالَ فَانْصَرَفْتُ إِلَى بَغْدَادَ وَصِرْتُ إِلَى «أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ»، قَالَ وَكَانَ خُرُوجِي وَانْصِرَافِي فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ فَلَمَّا بَصُرَ بِي أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ لِمَ لَمْ تَخْرُجْ فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي مِنْ سُرَّمَنْرَأَى انْصَرَفْتُ قَالَ فَأَنَا أُحَدِّثُ أَبَا جَعْفَرٍ بِهَذَا إِذْ وَرَدَتْ رُقْعَةٌ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ مِنْ مَوْلَانَا صَاحِبِ الْأَمْرِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَمَعَهَا دَرْجٌ مِثْلُ الدَّرْجِ الَّذِي كَانَ مَعِي فِيهِ ذِكْرُ الْمَالِ وَالثِّيَابِ وَأَمَرَ أَنْ يُسَلَّمَ جَمِيعُ ذَلِكَ إِلَى «أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْقَطَّانِ الْقُمِّيِّ» ... الخ".
وأقول: لقد تكررت في هذه القصة أكثر من مرّة العقيدة المعروفة التي تقول: «لا تخلو الأرض من حُجَّة لِـلَّهِ». ولا بُدَّ في هذا الموضوع من الرجوع إلى كتاب «عرض أخبار الأصول» (ص 400 إلى 402) وكتاب «راهى به سوى وحدت اسلامى» [طريقٌ نحو الوحدة الإسلامية] تأليف جناب السيد «مصطفى الحسيني الطباطبائي» (ص 75 إلى 80). والدليل الواضح الآخر على تلفيق هذه القصة أنها تتضمَّن إثبات العلم بالغيب الذي بيّنا مراراً وتكراراً بُطلانه. وفي رأينا لا يُمكن لمن يؤمن بالقرآن الكريم أن يُصدّق مثل هذه القصّة والذي يُصدّق بها يُكذّب في الواقع بالقرآن.
وقد وردت هذه القصة بشيء من التغيير في الألفاظ في الحديث 16 من الباب 182 من الكافي الذي اعتبره المَجْلِسِيّ في كتابه «مرآة العقول حديثاً ضعيفاً، وجاء ضمنها ذلك الدعاء الشركي الذي يقول: "يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ اكْفِيَانِي فَإِنَّكُمَا كَافِيَاي ......."، ويُراجع في شأنه كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن (ص 62- 63) وكتاب «عرض أخبار الأصول .....» (93-94).
* الخبر 20: قصة يرويها عدوّ القرآن اللدود «السياري»[299] تدل على علم الإمام بالغيب. وقد ورد جزء منها في الحديث 27 من الباب 182 من الكافي.
* الخبران 21 و24: يدلان أيضاً على العلم بالغيب. بالنسبة إلى هذه الأحاديث التي تدل على معرفة المهدي بوقت وفاة الأشخاص لا بُدَّ من الرجوع إلى الصفحات 174-175 من كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، والحديث 24 هو الحديث 17 من الباب 182 من الكافي ذاته الذي اعتبره المَجْلِسِيّ في «مرآة العقول» حديثاً مجهولاً.
* الخبر 23: قصة مرفوعة ولا تحتاج بالطبع إلى نقد وتمحيص لأن «أحمد بن محمد العلوي» الذي كان من أهل القرن السادس يروي مباشرةً دون واسطة عن «محمد بن علي العلوي الحسيني» مجهول الحال الذي كان في القرن الثالث![300]. ويذكر الراوي قصةً طويلةً يدَّعي فيها أنه رأى «قيَّم الزمان ووليَّ الرحمن وهو بين النائم واليقظان» فعلَّمَهُ دعاءً كان عظيم التأثير!
وأما السبب في قوله: بين النوم واليقظة فهو الفرار من سؤالين مُقدَّرين الأول: أنه لو قال: رأيته في المنام لقيل له: إن الرؤى والأحلام ليست حُجَّةً بإجماع الفقهاء، ولو قال: رأيته في اليقظة لسُئل: إنك لم ترَ المهدي من قبل فكيف عرفت أن من رأيته بمنامك هو المهدي؟!
الأحاديث من 25 حتى 36 هي أحاديث الباب 182 من الكافي ذاتها التي رُويت بالترتيب التالي في البحار وقد تكلمنا عليها في كتاب «عرض أخبار الأصول .......». الأعداد التي على يمين السهم هي حسبما جاء في المجلد 51 من بحار الأنوار والأعداد التي على يسار السهم هي أرقام الأحاديث كما جاءت في الباب 182 من المجلد الأول من الكافي.
* 25 --> 4
* 26 --> 7
* 27 --> 9 - 46راويه «القاسم بن العلاء» ولما كان يدّعي النيابة والسفارة فقد روى ما يصبُّ في مصلحته وينفعه وأثبت لصاحب الأمر علم الغيب، حيث قال: إن المهدي أخبره أن الولد الذي جاءه لن يموت بعد ولادته. أقول: وهذا مخالف تماماً للقرآن لأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤]. وجاء في كتب السيرة والتفسير حول الآيتين 23 وَ24 من سورة الكهف ما يُفيد أنه لما سُئل النبيُّ ص أسئلةً فوعد بالإجابة عنها غداً ولم يستثنِ بقول إن شاء الله؛ تأخر عنه الوحي لهذا السبب [لم يأته الوحي حتى 40 يوماً]، ولم يستطع رسول الله ص أن يُجيب عن أسئلة السائلين في تلك المدّة. ثم نزل الوحي بعد مدّة وجاءه الجواب. كما ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ ٦﴾ [الحجرات: ٦] أن رسول الله ص أرسل «الوليد بن عقبة بن أبي معيط» إلى قبيلة بني المصطلق ليأخذ منهم مال الزكاة، وكان بينهم وبينه في الجاهلية دم فلما خرجوا وتلقّوه بالتعظيم والحفاوة، ظنَّ أنهم خرجوا لقتله فخاف وهرب ورجع إلى النبي ص وقال له: إنهم ارتدوا وأرادوا قتلي ومنعوا الصدقة! فغضب النبي صوبعث إليهم خالد بن الوليد مع مجموعة من الأفراد وأمره أن يُراقب أحوالهم فإذا تأكد من ارتدادهم قاتلهم. فلمَّا تحقّق خالد بن الوليد من الأمر تبيّن له أن الوليد بن عقبة لم يكن صادقاً فيما قاله، فجمع الزكاة من القوم وعاد ونزلت الآية المذكورة وبيَّنت أن الوليد بن عقبة فاسقٌ وأنه قد كذب وافترى فيما قاله للنبي ص. إذن لو كان النبي ص يعلم الغيب لعرف كذب الوليد بن عقبة من بداية الأمر ولما أرسل كتيبة خالد لاستطلاع حقيقة الخبر ولَمَا حزن. ولو كان النبيّ ص يعلم الغيب لاجتنب الأضرار التي وقعت عليه ولما مسَّه الضرّ، كما قال تعالى: ﴿قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ١٨٨﴾ [الأعراف: ١٨٨].
ولكن رغم هذه الآيات الواضحات لا يزال عددٌ من عديمي الاطّلاع يُثبِتُون لأبناء ابنة هذا النبيّ الكريم صعلمَ الغيب!!
* 28 وَ23 وَ52 --> 13- 47راويه «الحسن بن الفضل بن زيد» مجهول الحال. وأما متنه فيقول: "كَتَبَ أَبِي بِخَطِّهِ كِتَاباً فَوَرَدَ جَوَابُهُ ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّي فَوَرَدَ جَوَابُهُ ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّ رَجُلٍ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا فَلَمْ يَرِدْ جَوَابُهُ فَنَظَرْنَا فَكَانَتِ الْعِلَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ تَحَوَّلَ قَرْمَطِيّاً".
أقول: من الواضح أن السفراء والنواب إنما يجيبون على كتاب شخصٍ مريد لهم مستسلم لأقوالهم، أو شخص يرسل إليهم مالاً، أما إذا كان السائل فقيهاً يسأل ويتفحّص ولم يُرسل مالاً ولا يُطيع الآخرين بيُسر وسهولة فإنهم لا يُجيبونه! وأما قوله: إن الرجل الذي لم يُجَبْ على سؤاله صار قرمطياً فهذا ليس بمُبرّر لأنه حتى لو كان السائل كافراً فلابد من إجابته على سؤاله أو استفتائه. (فلا تتجاهل).
وقد ادُّعي في هذه الأخبار أن الإمام كان يعلم الغيب وكان عليماً بما في صدور الناس مُطَّلعاً على ضمائرهم وهذه هي عقيدة «الغلاة» الملعونين على لسان الأئمة. قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ٧﴾ [المائدة: ٧]. وقال تعالى أيضاً: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ ٢٠٥﴾ [البقرة: ٢٠٤، ٢٠٥]، أي أن النبيّ قد يُعجَب بقول شخص دون أن يعلم بنيَّته القلبيّة الحقيقيّة وأن عمله سيكون مُعاكساً لقوله. وقال سبحانه أيضاً: ﴿وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡ﴾ [التوبة: ١٠١]. بناءً على ذلك فإن العليم ببواطن العباد هو الله وحده وهو وحده الذي يعلم ما يجول في عقول الناس وأذهانهم. ولكن ماذا نفعل إذا كان الرواة الوضَّاعون لا علم لهم بآيات القرآن.
* 29 --> 21
* 30 --> 30 - راويه «الحُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ الْعَلَوِيُّ» شخص مهمل لا ذكر له أصلاً في كتب الرجال.
* 31 وَ32 --> 485- حديث مرفوع والحديث الثاني قال عنه المَجْلِسِيّ في «مرآة العقول» حديث مجهول! والقصة كما يقولون (؟!): إن «محمد بن إبراهيم بن مهزيار» قال: "كَانَ اجْتَمَعَ عِنْدَ أَبِي مَالٌ جَلِيلٌ فَحَمَلَهُ ورَكِبَ فِي السَّفِينَةِ وخَرَجْتُ مَعَهُ مُشَيِّعاً لَهُ فَوُعِكَ وَعْكاً شَدِيداً فَقَالَ: يَا بُنَيَّ رُدَّنِي رُدَّنِي فَهُوَ الْمَوْتُ واتَّقِ اللهَ فِي هَذَا المَالِ وأَوْصَى إِلَيَّ ومَاتَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَمْ يَكُنْ أَبِي يُوصِي بِشَيْءٍ غَيْرِ صَحِيحٍ أَحْمِلُ هَذَا المَالَ إِلَى الْعِرَاقِ وأَكْتَرِي دَاراً عَلَى الشَّطِّ ولَا أُخْبِرُ أَحَداً فَإِنْ وَضَحَ لِي شَيْءٌ كَوُضُوحِهِ أَيَّامَ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) أَنْفَذْتُهُ وإِلَّا تَصَدَّقْتُ بِهِ [لاحظوا أن هذا الشخص هو ابن أحد النواب ورغم ذلك فإنه بذاته لا يدري هل قضية المهدي الغائب صحيحة أم لا!!] فَقَدِمْتُ الْعِرَاقَ واكْتَرَيْتُ دَاراً عَلَى الشَّطِّ وبَقِيتُ أَيَّاماً فَإِذَا أَنَا بِرَسُولٍ مَعَهُ رُقْعَةٌ فِيهَا يَا مُحَمَّدُ مَعَكَ كَذَا وكَذَا فِي جَوْفِ كَذَا وكَذَا حَتَّى قَصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا مَعِي مِمَّا لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْماً فَسَلَّمْتُ المَالَ إِلَى الرَّسُولِ. وبَقِيتُ أَيَّاماً لَا يُرْفَعُ لِي رَأْسٌ فَاغْتَمَمْتُ فَخَرَجَ إِلَيَّ قَدْ أَقَمْنَاكَ مَقَامَ أَبِيكَ فَاحْمَدِ اللهَ"!! [أي من الآن فصاعداً على الناس أن تدفع الأموال إليك! وينبغي القول: هنيئاً لك أيها الراوي. ولكن هذا الخبر هو إما ادِّعاء مِنْ قِبَلِك، وهو مُجرّد مُستند لفتح دكان ذي إيرادات مالية وفيرة، وليس معجزة!! راجعوا الصفحة 853 من كتاب «عرض أخبار الأصول ......»].
* 34 --> 16 - جاء في الكافي «يزيد بن عبد الله» بدلاً من «يزيد بن عبد الملك».
* 35 وَ39 وَ59 --> 27- 49راويه «علي بن زياد» وهو ـ بقطع النظر عن هذا الخبر ـ مجهول الحال. لكن الممقاني الذي ألَّف كتابه الرجالي لتطهير أمثال هؤلاء الرواة، اعتبره حسن الحال استناداً إلى هذه الرواية!! مع أن هذا ليس بصحيح. ولو أخذنا هذه الرواية بالذات بعين الاعتبار لعرفنا أن راويها ساقط من الاعتبار لأن متن روايته مخالف للقرآن حيث جاء فيه: "كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ الصَّيْمَرِيُّ يَلْتَمِسُ كَفَناً فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ فَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَنِ قَبْلَ مَوْتِهِ"! أي أنهم أخبروه بتاريخ وفاته! فهذا يُخالف القرآن الكريم[301] ويُخالف قول علي بن أبي طالب ÷ الذي كان ينفي – كما في نهج البلاغة- علمه بوقت وفاته. (راجعوا في هذا الموضوع الصفحات 174-175 من كتاب «عرض أخبار الأصول ......»).
* 36 --> 31
* 50الخبر 37 - رواه «محمد بن أحمد الصفواني» المهمل ومجهول الحال. وأما متن الخبر فقصة طويلة كلها مدح للقاسم بن العلاء - الذي كان يدّعي الوكالة والنيابة – وتمجيده والثناء عليه، ولا عجب أن يقوم مدَّعو النيابة برواية أحاديث في مدح أنفسهم ومدح إمامهم. ولكن لما كان الكاذب الجاهل مثله مثل السارق عديم التجربة الذي يقتحم مستودع القش ليسرق منه! اخترع الراوي نقاشاً دار بين القاسم وصديق له يُدعى «عبد الرحمن بن محمد السنيزي» وفضح من خلال هذه المُباحثة جهله بالقرآن الكريم!
يقول القاسم في هذه المُباحثة: إن وكيل الإمام أخبره عن يوم وفاته، وأن صديقه الذي يُدْعى عبد الرحمن أنكر عليه ذلك وقال له: "يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! اتَّقِ اللهَ فَإِنَّكَ رَجُلٌ فَاضِلٌ فِي دِينِكَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ عَقْلِكَ، واللهُ عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُ﴾ وقَالَ: ﴿عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ فَلَا يُظۡهِرُ عَلَىٰ غَيۡبِهِۦٓ أَحَدًا﴾ فَضَحِكَ الْقَاسِمُ وقَالَ لَهُ: أَتِمَّ الآيَةَ ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ﴾ ومَوْلَايَ هُوَ المُرْتَضَى مِنَ الرَّسُولِ".
وأقول: هل كان القاسم يعتبر المهدي رسولاً؟! هل يجوز للمسلم أن يعتقد برسول بعد الرسول الأكرم ص؟! ألم يكن الشيخ الطوسي الذي أورد هذه الرواية في كتابه يعلم أن الكُلَيْنِيّ عقد الباب 61 من الكافي خصيصاً لبيان الفرق بين الرسول والإمام؟! وللتعرّف على أخطاء هذه القصة لا بُدّ من العودة إلى كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (الصفحات 174-175، والصفحات 380 حتى 398، والصفحات 566-567). كما تُراجع فيه الصفحة 130-134 حول علم الغيب الاستقلالي وغير الاستقلالي.
وبقية الأخبار التي نقلها المَجْلِسِيّ من الباب 182 من الكافي هي كما يلي:
* 44 وَ65 --> 23 - يرويه «مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ بْنِ نُعَيْمٍ» مجهول الحال. ولكن العجيب جداً أن الممقاني يقول عنه: إنه ثقة بل ما فوق الثقة لأنه كان وكيل الناحية[302]. ويتجاهل الممقاني تماماً أن كثيراً من وكلاء الأئمة الذي لم يكن هناك شك على الأقل في وجودهم، أو مُدَّعي الوكالة، تبيَّن فيما بعد أنهم كانوا فسقة وضالين وأشخاصاً فاسدين، مثل وكلاء الإمام موسى بن جعفر (ع)[303] (يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول....»، ص 197). أو «أبو منصور العجلي» الكوفي الذي تبرأ منه الإمام الباقر (ع) لكنه ادَّعى بعد رحيل الباقر أن الإمام الباقر جعله وصيَّه، وكان يقول: إن علياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر كانوا أنبياء مرسلين وأنه هو أيضاً نبيّ مُرسل وأن نبوته ستبقى في ستة أجيال له آخرهم القائم، وكان هذا الرجل من الذين أشاعوا مسألة القائم بين المسلمين!
* 45 --> 851 - راويه «إِسْحَاقُ بْنُ يَعْقُوب» مجهول الحال. وهو الذي روى التوقيع رقم 10 في المجلد 53 من البحار والذي يتضمن ما يُشبه مضمون هذا الحديث. ولما كان راوياً للخرافات اعتبره الممقاني جليل القدر! وقد روى الممقاني عنه أن الإمام الغائب كتب له عن غيبته قائلاً: "وَ أَمَّا وَجْهُ الِانْتِفَاعِ بِي فِي غَيْبَتِي فَكَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ إِذَا غَيَّبَهَا عَنِ الْأَبْصَارِ السَّحَابُ"!![304]ثم زعم أن الإمام قال: "وَإِنِّي لَأَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا أَنَّ النُّجُومَ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاءِ"[305].
فأقول: هذا القول مخالفٌ تماماً لكلام حضرة عليٍّ (ع) (نهج البلاغة، الحكمة 88، وبحار الأنوار، ج 90، ص 279 وَ281) الذي قال: "كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا فَدُونَكُمُ الْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ: أَمَّا الْأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللهِ، وَأَمَّا الْأَمَانُ الْبَاقِي فَالِاسْتِغْفَارُ"[306].
ثم إن الكواكب والنجوم جمادات لا عقل لها ولا شعور فكيف تكون أماناً لأهل السماء؟! من هذا يَتَبَـيَّنُ أن واضع الرواية كان مُتأثراً بعقيدة المُنجّمين القديمة التي أبطلها العلم والتي كان أصحابها يعتقدون أن الأجرام السماوية كائنات حية وليست جمادات! إذن الإمام الذي كان «مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْرِيُّ» يدَّعي الارتباط به والتمثيل له لم يكن يعلم شيئاً من حقائق علم النجوم.
ثم يقول: إن الإمام قال له في تتمة ذلك الخبر: "فَأَغْلِقُوا أَبْوَابَ السُّؤَالِ عَمَّا لَا يَعْنِيكُمْ وَلَا تَتَكَلَّفُوا عَلَى مَا قَدْ كُفِيتُمْ"!
من هذا يَتَبَـيَّنُ أن الذين كانوا يكتبون الرسائل وينسبونها إلى «الناحية» كان يُشكل عليهم الإجابة عن المسائل!
* 53 --> 12 - في هذا الخبر يحكي لنا جَعْفَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْيَمَانِيُّ قصَّةً هي في الكافي أيضاً من رواية شخص مجهول يُدعى «علي بن الحسين اليماني». ولمعرفة التعليق عليها تُراجع التوضيحات التي ذكرناها ذيل الأخبار رقم 2 وَ3 و9 في هذا الباب.
* الخبر 38: أحد أقرباء أسرة «العَمْري» (النائب الأول والثاني) يروون قصة تصبُّ في مصلحة جدهم وتدل كالعادة على علم الإمام بالغيب. ولكن الله تعالى قال لنبيّه مراراً: ﴿قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ﴾ [الانعام: ٥٠]. والعجيب أن النبي لا يعلم الغيب ولكن حفيده يعلم الغيب!! هذا في حين أن والد هؤلاء الأئمة أي حضرة عليّ بن أبي طالب (ع) لم يكن يعلم الغيب، حتى أنه كان يُعيِّن ولاةً على الأمصار ظانَّاً فيهم الخير، فيخرج أكثرهم خونة وسارقين دون أن يكون له علم سابق بذلك[307]. ويجهل ـ كما هو مسطور في كتب الشيعة ـ حكم المذي ويستحيي أن يسأل رسول الله ص عن حكمه لأن ابنته فاطمة تحته، فيطلب من المقداد أن يسأل رسول الله ص عن الأمر[308]. (فتأمَّل)
* الخبران 40 و41: رواتهما مجهولو الحال: أحدهم «أحمد بن محمد بن عباس» والثاني «محمد بن زيد بن مروان» يروون عن لسان أحد أتباع فرقة الزيدية -كي يأتوا بظنهم بقول تنطبق عليه قاعدة «الفضل ما شهدت به الأعداء»!- أنه عرّف بـ «أَبِي طَاهِرٍ الزُّرَارِيِّ» على أنه من وكلاء القائم، وقال: كان ابن أبي سورة -زيدي المذهب- قد رأى شاباً حسنَ الوَجْهِ قال له: "أَنْتَ مُضَيَّقٌ وَعَلَيْكَ عِيَالٌ فَامْضِ إِلَى أَبِي طَاهِرٍ الزُّرَارِيِّ .. فَقُلْ لَهُ شَابٌّ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا يَقُولُ لَكَ صُرَّةٌ فِيهَا عِشْرُونَ دِينَاراً جَاءَكَ بِهَا بَعْضُ إِخْوَانِكَ فَخُذْهَا مِنْه".
وفي جزء من الحديث 41 قال الراويان نقلاً عن أحد الصوفية: إن صوفياً من أهل الإسكندرية التقى بإمام الزمان! ولكن الأكثر أهميةً من كل ذلك أن رواة هذا الحديث يُثبتون ليس للإمام فقط بل حتى لوكلاء المهدي الموهوم علمهم بالغيب وبما في صدور مُضيفيهم وضمائرهم!!
* الخبر 42: راويه «أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَيَّاشٍ الجوهري» مختل العقل والدين، الذي عرّفنا به في كتاب «نقد مفاتيح الجنان .....» (ص248حتى 252). المحور الأساسي لهذا الخبر -الذي عده المجلسي من المعجزات- إصلاح ذات البين بين أبي غالب الزراري وزوجته! ولعلّهم يُريدون أن يجعلوا ذلك معجزة للمهدي الموهوم!
* الخبران 43 وَ65: حول هذه القصة يُراجع ما ذكرناه من توضيح حول الخبر رقم 2. في جزء من هذه القصة نُسب إلى «أبي عبد الله البزوفري» ادّعاء العلم بالغيب!! وهو الشخص ذاته الذي أتحف المسلمين نقلاً عن أقوال الضعفاء والمجاهيل باثني عشر مهدياً! (راجعوا «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] (تمحيص الحديث التاسع، ص 220 حتى 223). لاحظوا أيّ أشخاص كانوا يعلمون الغيب!!
وعلى كل حال فإن تُجّار الخرافات بارعون في اختراع المعجزات لكل من يشاؤون، فمثلاً هنا «الْبَزَوْفَرِيُّ» يجيب عن سؤال شرعي فيعدون ذلك من معجزات الإمام ويعتبرونه نائباً للإمام! أو يهب اللهُ الشيخَ الصدوقَ عليَّ بنَ بابويه أولاداً فيعتبرون ذلك من معجزات الإمام لأنه دعا له! ومثلاً محمد بن علي بن بابوية حفظ مقداراً كبيراً نسبيّاً من الحديث رغم أن فيها كثيراً من الخرافات فاعتبروها من معجزات الإمام في حين أنها لو كانت معجزةً لوجب ألا تختلط أحاديثه بالخرافات.
* الخبر 46 - قصة أخرى أيضاً افتُريت لإثبات العلم بالغيب.
* الخبر 47 - يرويه «محمد بن إبراهيم بن مهزيار» الذي كان يدّعي النيابة وكان من المُتاجرين بالدين، قال: "وَفَدْتُ الْعَسْكَرَ زَائِراً فَقَصَدْتُ «النَّاحِيَةَ» فَلَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: انْصَرِفْ فَإِنَّكَ لَا تَصِلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَارْجِعِ اللَّيْلَةَ [من كانت هذه المرأة؟ وأي منصب كان لها؟ لا أحد يعلم!] فَإِنَّ الْبَابَ مَفْتُوحٌ لَكَ فَادْخُلِ الدَّارَ وَاقْصِدِ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ السِّرَاجُ فَفَعَلْتُ وَقَصَدْتُ الْبَابَ فَإِذَا هُوَ مَفْتُوحٌ وَدَخَلْتُ الدَّارَ وَقَصَدْتُ الْبَيْتَ الَّذِي وَصَفَتْهُ فَبَيْنَا أَنَا بَيْنَ الْقَبْرَيْنِ أَنْتَحِبُ وَأَبْكِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتاً وَهُوَ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ اتَّقِ اللهَ وَتُبْ مِنْ كُلِّ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ فَقَدْ قَلَّدْتَ أَمْراً عَظِيماً".
لماذا كان القبران داخل المنزل؟! ماذا فعل هذا النائب حتى يتوب؟ من كان صاحب الصوت؟ لا يعلم أحدٌ الإجابات عن هذه الأسئلة وكل ما يُمكننا قوله: المعنى في بطن الشاعر!!
* الخبران 48 وَ49 - راويهما «نصر بن الصباح» الذي اعتبره علماء الرجال ضعيفاً وفاسد المذهب ومن الغلاة. لكن الممقاني أراد أن يُحسّن حاله استناداً إلى أنه نقل كلاماً عن «الناحية»، مع أنه روى خبراً يصبُّ في مصلحته ويفيده!! وقال المُحشّي المحترم لكتاب البحار: وقع في الخبر 48 سقط وتبديل. وعلى كل حال يُشبه الخبر 48 الخبر 5 في هذا الباب ذاته وليس في الحديثين من فائدة سوى دفع الأموال والوجوه الشرعية وإثبات العلم بالغيب!
* الخبر 50 - هو كالخبر 44 راويهما «محمد بن شاذان بن نعيم» مجهول الحال. يدّعي النيابة عن الإمام ويخترع معجزات ولم يأتنا في هذه الرواية بفائدة سوى الحديث عن دفع الوجوه الشرعية والعلم بالغيب وسوء القول بحق جعفر بن علي أخي حضرة العسكري (ع).
* الخبر 51- 52راويه «مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ» الذي كان من مدّعي الوكالة والنيابة، وحسب ادّعائه أنه سأل سؤالاً أحمقاً وطلب الدعاء لتحرير فرد من السجن يُدعى «باداشاكه» قال: "كَتَبْتُ أَسْأَلُ الدُّعَاءَ لباداشاكه وَقَدْ حَبَسَهُ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأسْتَأْذِنُ فِي جَارِيَةٍ لِي أَسْتَوْلِدُهَا؟ فَخَرَجَ [أي التوقيع]: اسْتَوْلِدْهَا وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ، وَالْمَحْبُوسُ يُخَلِّصْهُ اللهُ. فَاسْتُولِدَتِ الْجَارِيَةُ فَوَلَدَتْ فَمَاتَتْ وَخُلِّيَ عَنِ الْمَحْبُوسِ يَوْمَ خَرَجَ إِلَيَّ التَّوْقِيعُ".
ينطبق على هذا المثل الذي يقول: (بيت شعر)
از كرامات شيخ ما اين اســـت كه شكر خورد و گفت شيرين است!
ومعناه: من كرامات شيخنا أنه أكل السكر وقال إنه حلــو الطعــــــم!
وتمّ إطلاق سراح المحبوس في اليوم ذاته الذي وصلت فيه الرسالة من «الناحية». (وقد قلنا سابقاً: إن النواب كانوا على اطِّلاع بالقرارات الحكومية التي تُتَّخذ في بلاط الدولة العباسية). وعلى كل حال فمن حيث المبدأ، معظم الذين يذهبون إلى السجن يتمّ إطلاق سراحهم بعد مدّة، ولكن تجار الخرافات يُحبّون أن يختلقوا من كل أمر بسيط معجزة!
* الخبران 56 وَ66 - يحكي «أبو القاسم بن أبي حليس» (أبي حابس) مجهول الحال حكايات يُمكن أن نفهم من خلالها أنه كان من الغلاة. يتعلّق عدد من قصصه كالعادة بموضوع أخذ الوجوه الشرعية! ولكن الأكثر أهمية من كل ذلك أن الحديث 56 يذكر أنهم قبلوا المال من شخص («لَمْ يَكُنْ مِنَ الْإِيمَانِ عَلَى شَيْءٍ» وَ«لَمْ يَكُنْ مِنْ دِينِ اللهِ عَلَى شَيْء»)، أما في الحديث 66 فجاء أن مال المُرجئ لا يُقبل: «لَا حَاجَةَ لِي فِي مَالِ الـْمُرْجِئ»! سبحان الله! باؤك تجرُّ وبائي لا تجرّ!
* الخبر 57 - يرويه مجهول يُدعى «عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَشْعَرِيُّ» يقول: "قَالَ كَانَتْ لِي زَوْجَةٌ مِنَ الْمَوَالِي قَدْ كُنْتُ هَجَرْتُهَا دَهْراً فَجَاءَتْنِي فَقَالَتْ: إِنْ كُنْتَ قَدْ طَلَّقْتَنِي فَأَعْلِمْنِي. فَقُلْتُ لَهَا: لَمْ أُطَلِّقْكِ وَنِلْتُ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَكَتَبَتْ إِلَيَّ بَعْدَ شَهْرٍ تَدَّعِي أَنَّهَا حَمَلَتْ. فَكَتَبْتُ فِي أَمْرِهَا وَفِي دَارٍ كَانَ صِهْرِي أَوْصَى بِهَا لِلْغَرِيمِ (ع) أَسْأَلُ أَنْ تُبَاعَ مِنِّي وَيُنَجَّمَ عَلَيَّ ثَمَنُهَا فَوَرَدَ الْجَوَابُ فِي الدَّارِ: قَدْ أُعْطِيتَ مَا سَأَلْتَ وَكَفَّ عَنْ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ وَالْحَمْلِ فَكَتَبَتْ إِلَيَّ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تُعْلِمُنِي أَنَّهَا كَتَبَتْ بَاطِلًا وَأَنَّ الْحَمْلَ لَا أَصْلَ لَهُ وَالْحـَمْدُ لِـلَّهِ رَبِّ الْعالَمِين".
أقول: من البديهي أنهم لم يكونوا يعلمون ما يقولونه، لذا لزموا الصمت بشأن المرأة والحمل، ولم يُجيبوا، لكن الراوي يميل إلى جعل هذا الأمر من باب العلم بالغيب!
* الخبر 58 - مجهولٌ يقول: إن «الناحية» كان يُخبر عن أمورٍ ستقع في المستقبل، وهذا أمر مخالف للقرآن الكريم الذي قال: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗا﴾ [لقمان: ٣٤] !![309] وجزء من هذا الخبر هو الخبر 2 من الباب ذاته.
* الخبر 60 - يرويه مجهول باسم «محمد بن علي الأسود» الذي ينقل لنا قصةً تدل على العلم بالغيب! ومن هذه القصص يَتَبَـيَّنُ أن علم الغيب لديهم يتعلّق بأخذ الأموال والألبسة أكثر مما يتعلّق بأيّ شيء آخر! ليت الذي ادّعوا العلم بالغيب هؤلاء قدّموا لنا دواء للأمراض المُستعصية أو اخترعوا لنا شيئاً يُفيد عامة الناس!
* الخبر 62- 53يرويه «مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَتِّيلٍ» قَالَ: "كَانَتِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ مِنْ أَهْلِ «آبَهْ» وكَانَتِ امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عِبْدِيلٍ الآبِيِّ مَعَهَا ثَلَاثُ مِائَةِ دِينَارٍ فَصَارَتْ إِلَى عَمِّي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَتِّيلٍ وقَالَتْ أُحِبُّ أَنْ أُسَلِّمَ هَذَا الْمَالَ مِنْ يَدِي إِلَى يَدِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ قَالَ فَأَنْفَذَنِي مَعَهَا أُتَرْجِمُ عَنْهَا فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللهُ أَقْبَلَ عَلَيْهَا بِلِسَانٍ فَصِيحٍ ورحب بها وسأل عن أحوالها بلغة أهل «آبه»"!!هذا في حين أن رسول الله صلم يُملِ أيّ رسالة بغير اللغة العربية، وكان يتكلم مع سلمان الفارسي أو صهيب الرومي باللغة العربية. (فتأمَّل) وبما أن كثيراً من الإيرانيين كانوا يُقيمون في ذلك الزمن في العراق فلا يبعد أن يكون «ابن روح» قد تعلم بضع كلمات فارسية منهم[310]. لكن الراوي يريد أن يُصوّر لنا معرفة «ابن روح» بالفارسية معجزة!! وفي نظرنا اختراعُ إمام غير موجود والتمكُّن من جذب آلاف الدراهم والدنانير إلى «الناحية» هو المعجزة!!
* الخبر 63- راويه «مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَتِّيلٍ» السابق ذاته الذي يحكي لنا قصة عن العلم بالغيب وعن سكّة كانت تعود إلى مكانها!!
* الخبر 64- راويه «الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَلَوِيُّ» الذي تعتبره كتب الرجال من الضعفاء وأن حديثه منكر [لذا فروايته لا تستحق الاعتناء]. وليس في هذه القصة من خبر مفيد سوى العلم بالغيب وطيّ الأرض!!
* الخبر 67- رواه شخصٌ خرج من وطنه ليفحص عن أمر المهدي ويبحث عنه فوصلت إليه رسالة تدعوه إلى عدم الفحص. فانصرف عن ذلك!
* 54الخبران 68 وَ69- هما قصتان مُتشابهتان تفيدان أن شخصين أحضرا سبائك ذهب إلى «الناحية» وفي الطريق فُقدت منهم بضعة سبائك فقام الشخصان بتعويض ما فقداه من السبائك بشراء سبيكة أخرى من مالهما الخاص. لكن «الحسين بن رَوْح» لم يقبل السبيكة غير الأصلية وأخبر الشخص الأول عن مكان السبيكة الضائعة وأظهر للشخص الثاني السبيكة الضائعة التي وصلت إلى يده (أي يد ابن رَوْح) قبل مجيئه!!!
والحديث الثاني يشتمل على قصة طريفة هي التالية: " ... امْرَأَةٌ دَخَلَتْ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ وَقَالَتْ لَهُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ! أَيُّ شَيْءٍ مَعِي؟ فَقَالَ: مَا مَعَكِ فَأَلْقِيهِ فِي دِجْلَةَ ثُمَّ ائْتِينِي حَتَّى أُخْبِرَكِ. قَالَ فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ وَحَمَلَتْ مَا كَانَ مَعَهَا فَأَلْقَتْهُ فِي دِجْلَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ وَدَخَلَتْ إِلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ فَقَالَ لِمَمْلُوكَةٍ لَهُ: أَخْرِجِي إِلَيَّ الْحُقَّةَ. فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ هَذِهِ الْحُقَّةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَكِ وَرَمَيْتِ بِهَا فِي دِجْلَةَ أُخْبِرُكِ بِمَا فِيهَا أَوْ تُخْبِرِينِي؟ فَقَالَتْ لَهُ: بَلْ أَخْبِرْنِي. فَقَالَ: فِي هَذِهِ الْحُقَّةِ زَوْجُ سِوَارِ ذَهَبٍ وَحَلْقَةٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا جَوْهَرٌ وَحَلْقَتَانِ صَغِيرَتَانِ فِيهِمَا جَوْهَرٌ وَخَاتَمَانِ ....... الخ". وبيَّن «الحسين بن رَوْح» محتويات الحُقَّة دون أن يراها!![311]
نعم هذه القصة تشبه قصص الصوفية، ولا يُصدِّقها إلا من ليس له اطِّلاع على الإسلام والقرآن. وينبغي أن نقول لهؤلاء: إن أنبياء الله لم يكونوا يعلمون الغيب، فها هو سليمان عليه السلام يُرسل الهدهد ليتقصَّى له أخبار سبأ وملكتها، وها هو حضرة موسى (ع) الذي كان من أولي العزم من الرسل لم يكن يعلم قبل عودته إلى قومه من الطور أن أخاه هارون (ع) لم يقع منه أيُّ تقصير تجاه ما فعله قومه من عبادة العجل، كما لم يكن حضرة موسى (ع) يعلم سبب خرق العبد الصالح للسفينة أو سبب قيامه ببناء الجدار دون سؤال أجر على ذلك، كما قال حضرة نوح (ع) عن أتباعه: ﴿وَمَا عِلۡمِي بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١١٢﴾ [الشعراء : ١١٢]. ولم يكن يعقوب (ع) يعلم بوجود ابنه يوسف في مصر وظل سنوات يبكيه حتى ابيضت عيناه. أما هؤلاء النواب المزعومين للإمام فيعلمون كل شيء خاصة الأخبار المتعلقة بالذهب والفضة! ولما كان الراوي مُدركاً لمدى مبالغته في روايته لذا أقسم بالله وبالاثني عشر إمام على صدقه فيما رواه وأنه لم يزد فيه ولم يُنقص منه شيئاً، ليُقنع مُستمعيه بصدق كلامه!! (وعندئذ هل تجرؤون على عدم تصديق كلامه؟!).
* الخبر 70- يرويه «مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ أَحْمَدَ الزَّرْجِيُّ» مجهولُ الحال عن شابٍّ لا نعلم اسمه ولا دينه أنه صاح بجارية اسمها متردد بين غزال وَزلال وقال لها حدِّثي بحديث الميل [أي الكحل] والمولود، فقالت: "كَانَ لَنَا طِفْلٌ وَجِعٌ فَقَالَتْ لِي مَوْلَاتِي ادْخُلِي إِلَى دَارِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) فَقُولِي لِحَكِيمَةَ تُعْطِينَا شَيْئاً نَسْتَشْفِي بِهِ مَوْلُودَنَا فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وسَأَلْتُهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ حَكِيمَةُ ائْتُونِي بِالْمِيلِ الَّذِي كُحِلَ بِهِ المَوْلُودُ الَّذِي وُلِدَ الْبَارِحَةَ يَعْنِي ابْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) فَأُتِيَتْ بِالْمِيلِ فَدَفَعَتْهُ إِلَيَّ وحَمَلْتُهُ إِلَى مَوْلَاتِي فَكَحَلَتِ الْمَوْلُودَ فَعُوفِيَ وبَقِيَ عِنْدَنَا وكُنَّا نَسْتَشْفِي بِهِ ثُمَّ فَقَدْنَاهُ". وهذا خبر مجهول عن مجهول آخر! (وبالطبع يجب عليكم أن تُصدّقوا قصة هَذَيْن المجهولين!!).
ننتقل الآن إلى الباب التالي الذي يتحدث عن أحوال سفراء المهدي في زمن الغيبة الذين ادَّعَوا السفارة عنه والنيابة له:
[268] وضعوا كلمة الكرامة أو خرق العادة (!!) كي لا يعترض عليهم أحد ويقول: وهل لغير الأنبياء معجزات أيضاً؟ [269] هو: الشيخ فريد الدين محمد بن إبراهيم المعروف: بالعطار النيشابوري المتوفى سنة 637هـ، له عديد من الكتب في التصوف [بالفارسية] منها كتابه المذكور «تذكرة الأولياء» ترجم فيه لسبعين شيخاً من مشاهير رجال التصوف وأقطابهم. (المُتَرْجِمُ) [270] هو: عبد الرحمن بن أحمد الجامي الأديب الصوفي ولد سنة 817 وتوفي سنة 898 هـ، له في التصوف عشرات الكتب بالعربية والفارسية، منها كتابه المشار إليه «نفحات الأنس من حضرات القدس في طبقات المشايخ» يذكر فيه مناقب مشايخ الصوفية ونبذ من أقوالهم وكراماتهم. (المُتَرْجِمُ) [271] ومطعونٌ به في كتب رجال الشيعة. (المُتَرْجِمُ) [272] أفضل كتاب وأكثره فائدة للاطِّلاع على أحوال الشلمغاني وعلى كتابه «التكليف» كتاب «معرفة الحديث» للأستاذ محمد باقر البهبودي. (مركز انتشارات علمى وفرهنگى، ص 216 إلى 219)، وقد كتب السيد إقبال الآشتياني عنه أيضاً: "يبدو أن هدفه كان في البداية الاستيلاء على مقام «الحسين بن روح» وإعلان نفسه باباً بدلاً منه". (خاندان نوبختى [الأُسْرَةُ النَّوْبَخْتِيَّة]، ص 223). [273] إن تأمُّلَ رواياتِ هذا الباب من البحار يُبيِّن أن أهم مسألة مطروحة ضمن الأخبار المُتعلّقة بالمهدي ونُوّابه مسألة الأموال والوجوه الشرعية. [274] نقل المجلسي في البحار عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي بسنده عن أَبِي عَلِيِّ بْنِ هَمَّامٍ قال: "لَمَّا أَنْفَذَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رض) التَّوْقِيعَ فِي لَعْنِ ابْنِ أَبِي الْعَزَاقِرِ أَنْفَذَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ فِي دَارِ الْمُقْتَدِرِ إِلَى شَيْخِنَا أَبِي عَلِيِّ بْنِ هَمَّامٍ... الخ". (بحار الأنوار، ج 51، ص 323 - 324). [275] لم يكن الخلفاء العباسيون يتورعون عن رمي الأئِمَّةِ بالسجن ولكن المُثير للانتباه أنهم لم يُرسلوا نائب الإمام إلى السجن بل احتفظوا به في البلاط تحت الإقامة الجبرية. [276] كان من أصحاب حضرة العسكري. راجعوا بشأنه كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، ص 190 و 191. [277] بحار الأنوار، ج 51، ص 377. [278] منتهى الآمال، ج 2، ص 507 و508. (وفي النسخة المعرَّبة وعنوانها: منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل، تعريب أ. نادر التقي، بيروت، الدار الإسلامية، 1994م/1414هـ ،ج2، ص 672). (المُتَرْجِمُ) [279] كان هناك شبه كبير من هذه الناحية بين «الحسين بن منصور الحلاج» و «ابن روح» مع فارق أن ابن روح كان أذكى من الحلاج وأكثر تجربةً منه. وفي «صلة تاريخ الطبري» أن أبا بكر الصولي قال: " قد رأيت الحلاج وخاطبته فرأيت جاهلاً يتعاقل وصبيّاً يتبالغ وفاجراً يتزهَّد. وكان ظاهره أنه ناسك صوفيّ فإذا علم أن أهل بلدةٍ يرون الاعتزال صار معتزليَّاً أو يرون الإمامة صار إماميَّاً وأراهم أن عنده علماً من أئمَّتهم، أو رأى أهل السنة صار سنيَّاً...". والطريف أنهم لا يعتبرون عمل الحلاج «تقيةً» ولكنهم يعتبرون عمل «ابن رَوْح» تقيةً!! كما أنه من الممُتِع أن نعلم أن السيد «ابن رَوْح» لم يكن يُحبّ إعطاء وصولات عن الأموال التي كان يأخذها من الناس وقد تمكّن من الحصول على موافقة النائب الثاني على هذا الأمر! (بحار الأنوار، ج 51، ص 354). [280] لقد شوّه علماء الشيعة مسألة التقيّة مع الأسف فأخذوا يُبرِّرون كل عمل بحُجّة التقيّة ويُسهّلون الأمر على أنفسهم!! (فتأمل). [281] يكفي لمعرفة مقدار لسانه المعسول أن نعلم أنه كان قادراً على تغيير عقيدة من يلتقي بهم ممن كانوا يُسيئون الظن به فيجعل معظمهم يُغيّرون فكرتهم عنه ويُحسنون الظن به! (بحار الأنوار، ج 51، ص357). وهنا لا ينبغي أيضاً أن نُغفل حماقة مُخاطَبيه وجهالتهم، فمثلاً كان هناك فرد يُدعى «أحمد الخجندي» كان يتقصَّى حقيقة مسألة المهدي ويبحث فيها بكل جدٍّ وإصرار. فكتب إليه «ابن رَوْح» توقيعاً لِـحَرف أفكاره (؟!) مفاده أن الطلب والبحث يجرّان إلى الشرك!! وعبارته هي التالية: "مَنْ بَحَثَ فَقَدْ طَلَبَ وَمَنْ طَلَبَ فَقَدْ دَلَّ وَمَنْ دَلَّ فَقَدْ أَشَاطَ وَمَنْ أَشَاطَ فَقَدْ أَشْرَكَ!". فَكَفَّ الخجندي عَنِ الطَّلَبِ وَرَجَع!! (بحار الأنوار، ج 53، باب ما خرج من توقيعاته، الخبر 22). هذا بدلاً من أن يسأله: بأيّ دليل شرعي تقول هذا الكلام؟ ألم يقل الله تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف: ١٠٧]، أولم يقل جدُّ مهديكم حضرة باقر العلوم (ع): "إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْ ءٍ فَاسْأَلُونِي مِنْ كِتَابِ اللهِ"؟ (فتأمّل جداً). [282] كان «جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَتِّيلٍ» أحدَ المُقَرَّبين من «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» (النائب الثاني) وأحد وكلائه. وكان يشتكي قائلاً: "كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعَمْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَهُ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُ بِبَغْدَادَ نَحْوٌ مِنْ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ رَوْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِيهِمْ وَكُلُّهُمْ كَانَ أَخَصَّ بِهِ مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ إِذَا احْتَاجَ إِلَى حَاجَةٍ أَوْ إِلَى سَبَبٍ يُنَجِّزُهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةُ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَيْهِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِ!! قَالَ وَقَالَ مَشَايِخُنَا كُنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ كَائِنَةٌ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ إِلَّا «جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَتِّيلٍ» أَوْ أَبُوهُ لِمَا رَأَيْنَا مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ ...." (بحار الأنوار، ج 51، 353 - 354). لكن الشخص الذي فاز بالنيابة لم يجلس بالطبع مكتوف الأيدي بل قام – مراعاةً للحيطة والحذر وتقويةً لأمر نيابته- بالسعي إلى إبطال الأثر السلبي لتلك الشكاية وقال على لسان «أم كلثوم» ابنة «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» (النائب الثاني): "كَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ قُدِّسَ سِرُّهُ وَكِيلًا لِأَبِي جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللهُ سِنِينَ كَثِيرَةً يَنْظُرُ لَهُ فِي أَمْلَاكِهِ وَيُلْقِي بِأَسْرَارِهِ الرُّؤَسَاءَ مِنَ الشِّيعَةِ وَكَانَ خِصِّيصاً بِهِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُ بِمَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَارِيهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَأُنْسِهِ. قَالَتْ: وَكَانَ يَدْفَعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ دِينَاراً رِزْقاً لَهُ غَيْرَ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنَ الْوُزَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ مِنَ الشِّيعَةِ مِثْلِ آلِ الْفُرَاتِ وَغَيْرِهِمْ لِجَاهِهِ وَلِمَوْضِعِهِ وَجَلَالَةِ مَحَلِّهِ عِنْدَهُمْ فَحَصَّلَ فِي أَنْفُسِ الشِّيعَةِ مُحَصَّلًا جَلِيلًا لِمَعْرِفَتِهِمْ بِاخْتِصَاصِ أَبِي إِيَّاهُ وَتَوْثِيقِهِ عِنْدَهُمْ وَنَشْرِ فَضْلِهِ وَدِينِهِ وَمَا كَانَ يَحْتَمِلُهُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَتَمَهَّدَتْ لَهُ الْحَالُ فِي طُولِ حَيَاةِ أَبِي إِلَى أَنِ انْتَهَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ ......" (بحار الأنوار، ج 51، ص 356). [283] كتب الدكتور عبَّاس إقبال الآشتياني يقول: "أصبح منزل الحسين بن رَوح محلاً لتردد كبار المسؤولين في الدولة العباسية ورجال البلاط والوزراء السابقين وكان بعضهم يستعين بالحسين بن روح لتسيير أعماله لدى الخلفاء والأمراء!". (كتاب خاندان نوبختى [الأُسْرَةُ النَّوْبَخْتِيَّة]، ص 219). [284] انظر كتاب «أخبار الراضي بالله والمتقي لله» لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي (ت 335 هـ.). [285] ليس من المُستبعد أن «ابن رَوْح» كان يدفع إلى جيوب العباسيين مقداراً من الإيرادات التي تأتيه باسم النيابة عن الإمام الغائب، ثم طمع يوماً فلم يدفع لهم حصتهم لذا تعرّض إلى لومهم ومؤاخذتهم ولكنه لما كان مُتعاوناً معهم وصاحب نفوذ بين الشيعة لم يؤدِّ ذلك به إلى الحبس بل بقي في قصر الخليفة تحت الرقابة والإقامة الجبرية كي يُسوُّوا حسابهم معه! [286] هو ثالث نواب وسفراء المهدي الأربعة في فترة غيبته الصغرى حسب عقيدة الإمامية الاثني عشرية. (المُتَرْجِمُ) [287] قراءة الصفحة 26 وما بعدها، من كتابي «سيرتي الذاتية» مفيدة للتعرّف على الأوضاع التي تحدث في الغالب لأجل الوصول إلى الرئاسة الدينية على الناس. [288] راجعوا الصفحة 139 من الكتاب الحاضر. [289] بناء على رواية الكليني (الباب 131، الحديث 3) أوصى الإمام الجواد سنة 220 هجرية عبد الله المساور أن يُسلّم ابنه الإمام الهادي ما تركه الإمام الجواد عندما يصل الهادي إلى سن البلوغ. أي أنه عندما تُوفي الإمام الجواد كان لابنه الهادي 6 أو 8 سنوات من العمر وكان في نظر أبيه غير بالغ، في حين أنه لو كان الإمام يكبر في اليوم أو في الشهر مقدار سنة لكان الإمام الهادي في زمن كتابة تلك الوصية شخصاً راشداً وبالغاً تماماً! فأيّ القولين نُصدّق؟! [290] كتاب «الخرائج والجرائح» تأليف قطب الدين الراوندي من علماء الشيعة الإمامية في القرن السادس الهجري، توفي في قم سنة 573 هـ. [291] المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 51، ص 294. [292] وهو راوي الحديث 11 من الباب 182 من الكافي الذي أورده المَجْلِسِيّ في الصفحة 297 من المجلد 51 من بحار الأنوار تحت رقم الحديث 14. [293] ونصُّ الرواية عن راويها المجهول يقول: "وُلِّينَا دِينَوَرَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ فَجَاءَنِي الشَّيْخُ قَبْلَ خُرُوجِنَا فَقَالَ إِذَا أَرَدْتَ الرَّيَّ فَافْعَلْ كَذَا فَلَمَّا وَافَيْنَا دِينَوَرَ وَرَدَتْ عَلَيْهِ وَلَايَةُ الرَّيِّ بَعْدَ شَهْرٍ فَخَرَجْتُ إِلَى الرَّيِّ فَعَمِلْتُ مَا قَالَ لِي". (المُتَرْجِمُ) [294] أي أن هناك أقوال مختلفة حول اسم المهدي وحول اسم أمه وحول تاريخ ولادته وكيفية ولادته ونشأته وحول مكان ظهوره ومدة حكمه و... و .. أي حول كل ما يتعلق به! (المُتَرْجِمُ) [295] جاء اسمه في الحديث 31 من الباب 182 من الكافي: «الباقطائي» وهذا يدل أنه كان على ارتباط بالدولة العباسية! وينبغي أن نعلم أن هذا الرجل ذاته الذي وُصف هنا بأنه مُدَّع كاذب هو ذاته الذي حضر في ذلك المجلس الذي عُقد بعد وفاة «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» (النائب الثاني) وكان المُقرّر أن يُنصب فيه «الْحُسَيْنَ بْنَ رَوْحٍ النوبختي» خليفةً له وأن يُصبح النائب الرسمي للإمام الغائب، فحضر «الباقطائي» بوصفه أحد وجوه الإمامية وأكابرهم، والواقع أن نيابة النوبختي تمَّ تأييدها ودعمها والمصادقة عليها من قبل مثل هذا الشخص!! وبالطبع كان أحد الحاضرين الآخرين في ذلك المجلس من أقرباء النوبختي وهو «أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي»! (فَتَأَمَّل). (كتاب «خاندان نوبختي» [أي الأسرة النوبختية]، ص 225). وكان الشخص الآخر في ذلك المجلس المُشار إليه: «أبا علي محمد بن همّام» وأقل ما يُمكن في حقّه أنه كان شخصاً ساذجاً سريع التصديق ولم يكن موثوقاً كثيراً لدى علمائنا! (يُراجع كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، ص 229). ما أحسنه من مجلس!! [296] أيها القارئ المحترم لقد أمضى كاتب هذه السطور شطراً كبيراً من عمره في الحوزات العلمية في النجف وقم ومشهد، وعاشرتُ المشايخ سنوات طويلة. وفي رأي هذا العبد الفقير كان «مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْرِيُّ» يتَّبع سياسةً تُشبه سياسة أحد مشايخي وأساتذتي. ففي أيام الشباب عندما كنت أدرس العلوم الدينية في قم كان هناك عالم دين له في قلبي منزلة عزيزة ومحترمة جداً وقد درست عنده ردحاً من الزمن وكنت أحياناً أذهب لزيارته لتفقّد أحواله وكنت ألتقي به في القسم الخارجي من منزله الذي كان غرفةً متواضعةً جداً وحقيرةً وفقيرةً. لم يكن في تلك الغرفة من شيء سوى بساط قديم جداً قد ذهب لونه وكرسيٌّ قديمٌ ومُهترئٌ. كان في نظري أُسوةً في الزهد والتقوى والإعراض عن مباهج الدنيا، إلى درجة أنني وضعت مرّةً ريالاً بشكل سري قرب كرسيّه. إلى أن دعاني بعد مُدّةٍ إلى حفل زفاف ابنته فما إن وضعت قدمي في القسم الداخلي من منزله إلا وأُصبت بالدهشة والحيرة. وجدت غرفاً فاخرةً مليئةً بالوسائل الجيدة والسجادات الثمينة والمرايا الفارهة. والخلاصة وجدت أن ما جعله في الغرفة الخارجية لأجل العامة لم يكن يتناسب أبداً مع أوضاع بيته الداخلية!! (فَتَأَمَّل). والنقطة الأخرى هي أنه لو كان من الواجب على النائب الواقعي للإمام أن يكون زاهداً فلماذا كان النائب الثالث يعيش برفاهية مثل النائبين الكاذبين اللذين جاء ذكرهما في هذه الرواية إلى درجة أنه كان له بوَّاب خاصّ! (راجعوا الصفحة 258 من الكتاب الحاضر). لم يكن النائب الثالث يُعرض عن المال إلى حدّ أنه بالإضافة إلى الأموال التي كانت تصله من قبل الوزراء وكبار أعيان الدولة كان يأخذ كل شهر ثلاثين ديناراً من «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» تلقاء إشرافه على أملاكه في حين أن المُتوقّع منه بوصفه تابعاً صادقاً لـ «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ»، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه لم يكن بحاجة للمال وكان لديه دخل جيد، أن يخدم نائب إمامه لوجه الله وقربةً إلى الله ولا يأخذ على هذه الخدمة مالاً بل يقول: إن الأفضل أن يُنفق هذا المال على ضعفاء الشيعة وعلى تبليغ شريعتنا، وأنه بالنظر إلى مشاغلكم الكثيرة واضطراركم إلى ملاحقة أمور الشيعة وارتباطكم بالإمام فإني بكل رغبة وبدون أيّ طمع مالي أخدمكم وأُساعدكم، لأن أُسرة النوبختي الإمامية كان لديها نفوذ كبير في بغداد بسبب ما لديها من أملاك وثروة ومقام علمي وإداري واعتبار شخصي. (كتاب «خاندان نوبختي» [الأسرة النوبختية]، ص 109). [297] كان يُقال لكل من الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري: ابن الرضا. والمقصود هنا هو حضرة العسكري. [298] لقد أوردوا هذا الجزء من القصة كي يعتبرَ المُخاطَبُ البسيطُ الساذجُ أن الشك والتردد في هذا الموضوع من وسوسة الشيطان فلا يسمح للشك في هذه القصة أن يتسرّب إلى قلبه. (فَتَأَمَّل) والكل يعلم أن العادة كانت حتى زمن قريب أنه عندما ينوي شخص الحجّ يُخبر معارفه وأقاربه وأهل حيّه عن عزيمته هذه ويجتمع الجيران والأقرباء والمعارف لدى الشخص الذي نوى الحجّ هذا العام كي يطلبوا منه أن يدعو لهم ويُودّعوه أو إذا كان لديهم أمانة أن يُرجعوها إليه ويُشيعوه. ولا شك أنه كان لصُناع المهدي جواسيس ومُخبرين في وسط أولئك الجمع من الأفراد وكانوا يُراقبون «أحمد الدينوري» ولعلَّهم كانوا يُرافقونه في وسط القافلة حتى يصل إلى بغداد حيث كان يُرسل ما يلزم من الأخبار إلى بغداد وسامراء كي تتمّ الاستفادة منها في الرسائل الصادرة مِنْ قِبَلِ «الناحية»، ومن الواضح أن هذه الجماعة كانت أكثر حِنكةً وتجربةً وحذاقةً من أعوان «الباقطاني» و «إسحاق الأحمر»! (فَتَأَمَّل) وفي زماننا أيضاً كنا نسمع أخباراً في أيام الحرب العراقية ضد إيران يرويها عدد كثير من الناس يقولون إنهم شاهدوا ظهور شخص نورانيّ (؟!) كان يتراءى لهم من بعيد (؟!) وكان يُقال: إنه المهدي الذي ظهر لأجل تأييد جنود إيران!! وفي رأينا إن مثل هذا العمل أو القول ليس له من فائدة سوى جعل العقلاء يُسيئون الظن بالإسلام والقرآن، ولكن واأسفاه! لا ينتبه العلماء إلى هذا الأمر. [299] تم التعريف به في كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 149- 150. [300] فالسند ساقط من الاعتبار لما فيه من جهالة وانقطاع. (المُتَرْجِمُ) [301] أي يُخالف قوله تعالى: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُ﴾ [لقمان: 34]. (المُتَرْجِمُ) [302] نُذكّر بأن المقصود بالناحية في هذه الروايات الناحية المقدسة أي المهدي الغائب المتواري عن الأنظار في فترة غيبته الصغرى، حسب عقيدة الشيعة الإمامية. (المُتَرْجِمُ) [303] وهم علي بن أبي حمزة البطائني وزياد القندي وعثمان بن عيسى فهؤلاء الثلاثة كانوا وكلاء للإمام موسى بن جعفر وقد اختارهم الإمام بنفسه وعينهم وكلاء له، لكنهم خانوه وأكلوا أمواله وإضافةً إلى ذلك أوجدوا فرقة الواقفية وأنكروا الأئمَّة بعد الإمام موسى بن جعفر وكذَّبوهم في ادِّعائهم للإمامة وفسَّقوهم ومن أراد التأكُّد من ذلك فليراجع كتب رجال الشيعة. (المُتَرْجِمُ) [304] حول هذا القياس الفاسد وغير المُتناسب راجعوا الكتاب الشريف «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] ( تمحيص الحديث السادس، ص 199). [305] هذا الرواية رواية مشهورة عن «إسحاق بن يعقوب» وقد أوردها المجلسيّ في بحار الأنوار، ج52، ص 92، حديث 7، نقلا عن كتاب الاحتجاج للطبرسي. (المُتَرْجِمُ) [306] راجعوا كتاب «نقد مفاتيح الجنان....»، ص 194. [307] يُراجع كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات] ص 268 إلى 270. [308] يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول ......»، ص 65، وكتاب «نقد مفاتيح الجنان .....»، ص 326 إلى 328. [309] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 174-175. [310] هذا إذا لم نعتبره قُمِّيَّاً، وإلا فإذا اعتبرناه قُمِّيَّاً فإن معرفته بلغة أهل «آبه» التي كانت من ضواحي قم القديمة لم يكن شيئاً عجيباً إطلاقاً. (راجعوا كتاب: «خاندان نوبختى» [أي: الأُسْرَةُ النَّوْبَـخْتِيَّة] تأليف الأستاذ عباس إقبال الآشتياني، ص 214). [311] ليس من البعيد أن يكون أحد خُدّام «ابن روح» لحق بالمرأة، ولما رمت المرأة الصندوق في دجلة ورجعت، قام الخادم بأخذ ذلك الصندوق وأوصل نفسه إلى «ابن روح» بسرعة قبل وصول تلك المرأة إليه، وأخبره عن محتويات الصندوق فقام «ابن روح» بعرض التمثيلية التي قرأناها في الحديث أعلاه!! (فلا تتجاهل). وكما تعلمون كان مدّعو النيابة يُمارسون الكثير من هذه الشعوذات ومن جملة ذلك أن «الحسين بن منصور الحلاج» المعروف لدى الخاصة والعامة يبدو أنه سافر مدة إلى الهند لتعلم السحر والشعوذة وكان ماهراً في خداع العوام مثله في ذلك مثل ابن روح! (يراجع في هذا الشأن ما سيأتي في هذا الكتاب الحاضر في صفحة 294). أليس من المضحك أن يكون «الحسين بن روح» الذي تُثبت له هذه الأخبار العلم بالغيب، تنقل عنه الكتب المعتبرة أنه لم يكن له علم ردحاً من الزمن بنشاطات الشلمغاني المنحرفة!! (فتأمَّل) وكما قالوا: كان الشلمغاني في بداية الأمر ينشر أخباراً باسم «الحسين بن روح» وكان يُقدّم نفسه للشيعة الإمامية بوصفه بابه. تروي أم كلثوم ابنة أبي جعفر محمد بن عثمان العَمْري أن الشلمغاني أصبح مقرّباً لدى أبناء بسطام -اللذين كانوا مسؤولين عن دواوين الدولة- وذلك بسبب إقبال «الحسين بن روح» عليه وجعله إياه محترماً لدى الناس. ولما بدأ ارتداده كان يروي كل كذب وكفر باسم الحسين بن روح فكانوا يقبلون ذلك منه إلى أن افتضح أمره وانكشف للحسين بن روح عند ذلك أقدم الحسين بن روح على إنكار تلك الأقاويل التي كان ينسبها إليه. ولما عرفت أم كلثوم بانحرافات الشلمغاني ذهبت إلى النائب الثالث أي الحسين بن روح وقالت: "هُرعت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح وأخبرته عن القصة وقد قبل مني لأنه كان يثق بي". («خاندان نوبختى» [أي: الأُسْرَةُ النَّوْبَـخْتِيَّة])، ص 232 و 234).
إن ما يُستفاد مما مرَّ في الأبواب السابقة وما سيأتي في هذا الباب هو أنّ أولئك السفراء والنوّاب كانوا وسائط لأخذ الوجوه والأموال الشرعية [كالزكاة والخمس ونحوها] من الناس فقط. ولما كانت الأموال الشرعية التي تأتي إلى الإمام كثيرة للغاية فإن كثيرين بذلوا كل جهدهم ليدّعوا النيابة له سواء النيابة الخاصة أم العامة!
وكانت مسألة إنكار وفاة الأئمَّة وادّعاء غيبتهم شائعة بين المسلمين قبل عدة أجيال من زمن حضرة العسكري (ع) كما بينت ذلك كتب الملل والنحل والكتب التي ألفت حول الفرق الإسلامية. وقد ذكر كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد] (ص 268 فما بعد) تلخيصاً لأحوال فرق الشيعة كُلِّها[312].
وسنقتصر هنا على ذكر المسائل المُتعلّقة بفترة ما بعد حضرة العسكري:
ينبغي أن نتذكر -بناءً على ما جاء في كتب التاريخ- أنه بعد وفاة حضرة العسكري (ع) شهدت أمه[313] وأخوه لدى القاضي أنه لم يترك ولداً ولما لم يكن من المقطوع به أن «صقيلاً» -إحدى إماء العسكري (ع)- لم تكن حاملاً لذا جعل الخليفة زوجات العسكري تحت المراقبة بواسطة نساء مُعتمدات وزوجات القاضي، وبعد أن تبيّن بشكل قاطع أنها لم تكن حاملاً حَكَمَ القاضي بتقسيم التركة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار نشوء فرق مختلفة (أكثر من عشرة فرق) بين أصحاب حضرة العسكري وأنصاره وأتباعه بعد وفاته، أمكننا أن نُدرك أنه باستثناء فرقة واحدة فقط فإن سائر أتباع حضرة العسكري -وكثير منهم كان يتردَّد باستمرار إلى منزله- لم يكونوا يعتقدون بأنه أنجب ولداً[314]. علاوةً على ذلك كان أقرباء العسكري (ع)، بما في ذلك أخته وأخوه وسائر العلويين، يعتقدون أنه لم يكن له ولد، وكان ذلك أيضاً ما يعتقده نقيب السادات الذي يحتفظ لديه بسجل المولودين العلويين. وبناءً على ما نقله الطبري بعد 25 سنة من وفاة حضرة العسكري جاء رجل إلى القاضي وادّعى أنه ابن الحسن العسكري وقال له: لماذا قسمت تركة والدي بين الورثة ولم تُعطني سهمي؟ قام القاضي بإحضار أفراد الأسرة العلوية جميعهم وأراهم ذلك المُدّعي فأجمعوا جميعاً على أنه يكذب، وقال نقيب السادات: لقد وضعنا جميع زوجات حضرة العسكري أثناء عدة وفاته تحت المراقبة ولم نجد أية واحدة منهنّ حاملاً فلذا قمنا بتقسيم التركة. ولكن ومع الأسف قرّر بعض الأشخاص من حاشية العسكري (ع) أن يخترعوا إماماً قائماً مستفيدين من تجارب الذين فعلوا مثل ذلك منذ عهد حضرة الباقر (ع)[315] -لاسيما الإسماعيلية الذين استطاعوا أن يخدعوا عدداً كبيراً من المسلمين وأنشؤوا فرقة كبيرة ذات إيرادات مالية ضخمة.
55كان أحد أصحاب حضرة العسكري (ع) شخصٌ يُدْعى «مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيُّ الْبَصْرِيُّ»[316] وكان مِمَّن يتردَّد إلى بيت حضرة العسكري في سامراء مدة تسع سنوات. وكان من الذين ساءهم جداً عدم وجود ابنٍ لحضرة العسكري لأن ذلك سيحول بينهم وبين الانتساب إلى ذلك الإمام والحصول على المقام والمنزلة لدى الناس من هذا الطريق! لذلك -كما كانت العادة- أخذوا بالتعاون مع بعض الأعوان بالتخطيط لفكرة اختراع إمام قائم. ولكي يتخلَّصوا من مشكلة شهادة أخ الإمام العسكري (ع) حول عدم وجود ولد له، نشروا عن أخ الإمام العسكري «جعفر بن علي» لقب الكذَّاب كي لا يُصدّقه أحدٌ في نفيه الابن لحضرة العسكري، وأشاعوا قصصاً حول أعمال «جعفر بن علي» السيئة وأما بالنسبة إلى مشكلة شهادة أمّ العسكري بأن ابنها لم يُنجب ولداً فقالوا: إنها قالت ذلك خوفاً على حفيدها وبهدف المحافظة عليه من شرّ الخليفة ومن مؤامرته!
وبهذا كان باستطاعتهم -كما كان رائجاً في ذلك الزمن- أن يُعرّفوا للناس شخصاً من بينهم بوصفه وكيل الإمام القائم الحي الغائب ونائبه فيصلوا عن طريقه إلى المال والجاه! ولم يكونوا يمتنعون بالطبع عن بذل ما يلزم من مال لتحقيق مقصدهم هذا، وكانوا يُعطون المال لمن يقبل عقيدتهم هذه! (الكافي، باب 182، الحديث 7).
كان «مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ» رجلاً قويَّ الشخصيَّة وصلباً ومُتكلِّماً فصيحاً، لكلامه نفوذٌ وتأثيرٌ في الآخرين، فخاف رفقاؤه أن يصبح باباً فعلاً فيُزيح الآخرين عن هذا الأمر ويحرمهم من الأموال الشرعية، لذلك رغم أنه ادَّعى النيابة للإمام إلا أن أعوانه فضّلوا أن يكون الباب والسفير رجلاً بسيطاً ساذجاً ضعيفَ الشخصية قليلَ العلم حتى يُمكن الاستفادة منه ويطمئنوا إلى استمرار أخذ الأموال عن طريق الإمام الغائب وأن لا يُضايقهم في هذا المجال، لذا وجدوا رجلاً بائعاً للزيت والسمن يسكن إلى جانب بيت الإمام العسكري وكان يقوم هو وابنه بخدمة الإمام وَيُدعى «عثمان بن سعيد» فجاؤوا إليهما [أي إلى عثمان وابنه محمد] وقرروا أن يجعلوا عثمانَ بن سعيد باباً وسفيراً [وأن يقتسموا فيما بينهم ما يأتيه من أموال شرعية].
وفي النهاية وبسعي الأعوان والشركاء حرموا «محمد بن نُصَيْر النُّمَيْرِيّ» من ذلك المنصب، فغضب الأخير -إذ كان هو الذي ابتكر موضوع القائم بين أصدقائه وأعوانه- واضطر لأجل إبطال خطة شركائه السابقين ومنافسيه الحاليين إلى إنكار الإمام الغائب من الأساس وتأسيس عقائد وبدع جديدة، وقد وجد للأسف أتباعاً آمنوا به أُطلق عليهم اسم «النُّصَيرية». واليوم يعيش هؤلاء النُّصَيريون في تركيا وسوريا ولبنان و........... .
نذكر الآن عدداً من الأشخاص الذين ادّعوا النيابة والسفارة ثم قام منافسوهم بفضح رياء عدد منهم وكشف خداعهم وانحرافهم، وقد كان لكثير من هؤلاء النُّوّاب المُدّعين مُريدون وأتباعٌ وكان لهم منصبٌ محترمٌ وتأتيهم الأموال والوجوه الشرعية التي يدفعها العوام إليهم بغير وجه حق:
1- أبو عمرو عُثْمَانُ بْنُ سَعيدٍ العَمْرِيُّ، النائب الأول.
2- أبو جعفر مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعيدٍ العَمْرِيُّ، النائب الثاني وابن النائب الأول. في الحديث 19 من باب «ذكر من رآه» (البحار، ج 52) يقول: إن أبا محمد الحسن بن علي العسكري (ع) عرض علينا ابنه [أي المهدي] وقال: "هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ أَطِيعُوا وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ أَمَا إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا". ومع ذلك ادّعى البابية! ومن الطريف أنه كان يستلم التواقيع من شخص لم يكن يراه؟!! ومن الجهة الأخرى يقول في الحديث 23 من الباب المذكور: رأيت المهدي إلى جانب الكعبة!! ويُراجع أيضاً الحديث 45 من باب «ما ظهر من معجزاته» من الكتاب الحاضر في صفحة 275.
3- أبو بكر البغدادي: ابن أخ النائب الثاني، وقد أورد المَجْلِسِيّ أخباراً في ذمّه! (فَتَأَمَّل). ومن المثير أن نعلم أن حفيد النائب الثاني من ابنته، أي «أبو نصر هبة الله بن أحمد» الكاتب، كان يعتبر الأئمة أيضاً ثلاثة عشر نفراً وكان يعدُّ «زيد بن عَلِيٍّ» في عداد الأئمة.
4- الشيخ أبو القاسم الحُسَيْن بن رَوْح بن أبي بحر النوبختي: النائب الثالث الذي سبق أن بيّنا أحواله. (الصفحة 253 إلى 257 من الكتاب الحاضر). هو راوي الخبر 20 الذي جاء في المجلد 53 من بحار الأنوار في باب «ما خرج من توقيعاته». وهو شخص لما سُئل عن حديث غير مُعتبر، بدلاً من أن يقول إن هذا الحديث غير صحيح لفّق جواباً وأحال الأمر إلى السائل (راجعوا حاشية الصفحات 192 إلى 195 من المجلد 53 من البحار).
5- مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْر النُّمَيْريُّ البَصْرِيُّ: الذي بيّنا أحواله.
6- ابنُ أَبِي الْعَزَاقِرِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ: كان على صلة ببعض رجال الحكم وأعيان الدولة العباسية. وقد تكلمنا عن أحواله باختصار فيما سبق في ص 253 من الكتاب الحاضر.
7- أحمد بن هلال الكرخي. راجعوا الكتاب الحاضر، ص 255، وقد ادّعى النيابة وأنكر نيابة«عُثْمَانَ بْنِ سَعيدٍ» وكان من منافسيه.
8- أبو طاهر محمد بن علي بن بلال: المعروف بالبلالي. راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، (ص 667 وَ748). كان بينه وبين النائب الثاني خلاف مالي وحسب ما نقل المَجْلِسِيّ لم يرضَ أن يعطي لمحمدِ بْنِ عثمانَ المالَ الذي أخذه من الناس بدعوى النيابة.
9- أبو محمد حسن الشريعي: كان من أصحاب حضرة الهادي وحضرة العسكري وممن ادّعى النيابة! أورد المَجْلِسِيّ حديثاً في ذمّه! (فَتَأَمَّل)
10- أبو عبد الله الحسن بن علي الوجناء النصيبي: كان من مُدَّعي الصلة بالإمام، وكان في بداية أمره من معارضي «النوبختي» لكنه في نهاية المطاف اتّفق مع «ابن روح» سنة 307 هجرية بفضل وساطة «محمد بن الفضل الموصلي»!! (فَتَأَمَّل) يُلاحظ في ذلك الحديث 33 من باب «ذكر من رآه» في المجلد 52 من البحار، ص 47. لقد تمّ دفع مضايقة الأشخاص المذكورين أعلاه (من 6 إلى 9) من خلال التوقيع الذي أراه «الحسين بن روح» للناس مما أدّى إلى كساد دُكانهم أما الفرد رقم (10) فكما قلنا تمّ إسكاته وترويضه بواسطة أحد شيوخ بغداد! (فَتَأَمَّل)
11- أبو عبد الله الباقطاني[317]: كان على صلة ببلاط الخليفة العباسي. وكان أحد الأشخاص الخمسة الذين حضروا مجلس المصادقة الرسمية على نيابة النوبختي (النائب الثالث) بوصفهم من وجوه الطائفة الإمامية! (فَتَأَمَّل) لكن المَجْلِسِيّ أورد خبراً في ذمّه!! (الخبر 19 من باب «ما ظهر من معجزاته و......»). (فَلَا تَتَجَاهَلْ). ولقد أوردنا ترجمة الخبر المذكور في الصفحة 265 من الكتاب الحاضر.
12- أبو محمد الوجناء: كان أيضاً من الذين ادّعوا الصلة بالمهدي. وكان لديه بالطبع دليل مُوجّه إذْ إنه بعد تلك الضيافة والترحيب الذي نالهما، لو نلت أنا مثل ذلك لكنت قد ادّعيت الرؤية!! وهو راوي الحديث رقم 27 في باب «ذكر من رآه» (البحار، ج 52)! ورغم أنه لم يكن بحاجة إلى المال واستطاع أن يحجّ 54 مرّة، إلا أنه ادّعى أن المهدي الموهوم صرف عليه كثيراً من المال!! وليت شعري! هل يُعطي الإمامُ العادلُ المالَ الذي هو حق الفقراء والمساكين لفرد غير محتاج؟! (وهو من رواة الحديث 10، الباب 134 من الكافي).
13- أَبُو الـْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيُّ: النائب الرابع. يُراجع في شأنه ما سيأتي بعد بضع صفحات في صفحة 300 من الكتاب الحاضر.
14- أَبو عَبْدِ اللهِ الْبَزَوْفَرِيّ: يتعلّق بعصر ما بعد الغيبة الصغرى وإذا كان هو «أبو عبد الله الحسين بن علي بن سفيان الْبَزَوْفَرِيّ» ذاته، فقد كان ذا رغبة شديدة في اختراع مهدي أو مهديين! (راجعوا كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، ( تمحيص الحديث التاسع، ص 220 إلى 223). وكان هناك صلة أيضاً بين أسرة الْبَزَوْفَرِيّ وأسرة النوبختي. وهو راوي الحديث 6 من باب «خلفاء المهدي وأولاده» (بحار الأنوار، ج 53، ص 147). واعترف المَجْلِسِيّ أن روايات كرواية الْبَزَوْفَرِيّ تُخالف المشهور!
15- أحمد بن إسحاق القمي: لاحظوا نموذج من إفاضاته فيما جاء في الصفحة 355 من كتاب «عرض أخبار الأصول .....». ادّعى جنابه في القصة رقم 16 من باب «ذكر من رآه» (البحار، ج 52، ص 23) أن حضرة العسكري (ع) قال: إن المهدي مثل الخضر وذي القرنين! هذا في حين أن الخضر شخصية تعيش في أذهان العوام ذات خصائص خرافية لا نجد أثراً لها في القرآن الكريم! كما ادّعى أن المهدي الذي كان له ثلاث سنوات من العمر فقط تكلم بلسان عربي فصيح قائلاً: أَنَا بَقِيَّةُ اللهِ فِي أَرْضِه! حول عبارة «بقية الله» من الضروري مراجعة كتاب «كسر الصنم» ص 732-733. وقد ذكر المَجْلِسِيّ في الصفحة 87 من المجلد 52 من البحار أنه توفي زمن حضرة العسكري وهو خطأ بالطبع.
16- وَ17- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْزِيَار الأهوازي وابنه محمد (علي) بن إبراهيم مَهْزِيَار[318]: روى هذان الوكيلان المحترمان (؟!) للناحية، خبراً يدل على أن للمهدي أخاً غائباً باسم موسى!! يُراجع الكتاب الحاضر (ص271 وص272، الحديثان 28 وَ32) وَ(ص315 و322، الأحاديث 6 وَ31 و32 وَ47 من باب «ذكر من رآه» الآتي) و(ص349، الحديث 77 من باب «فضل انتظار الفرج» الآتي، وص357، الحديث 30 من باب «علامات ظهوره») وهي أحاديث مفيدة!! وفي التوقيع رقم 10 (بحار الأنوار، ج 53، ص 181) أُشير إلى أنه كان يشك في الإمام!
18- و 19- القاسم بن العلاء وابنه الحسين بن القاسم: يُراجع بشأن الأب ما ذكرناه في الصفحة 854 من كتاب «كسر الصنم» والكتاب الحاضر، الحديثان 27 وَ37 في ص 270 وَ 273.
20- محمد بن صالح بن محمد الهمداني الدهقان: يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول .....» ص 858، والكتاب الحاضر ص 278، الحديث 51 وما سيأتي بعد بضع صفحات.
21- أبو الحسين محمد جعفر الأسدي العربي: هو راوي القصة المضحكة رقم 14 التي تكررت في المجلد 52 من بحار الأنوار (باب «ذكر من رآه»). اقرؤوا هذه القصة واحكموا عليها بأنفسكم. راجعوا الحديث 14 من باب «ذكر من رآه» الآتي بعد قليل في صفحة 319 من الكتاب الحاضر.
22- الحَسَنُ بْنُ النَّضْرِ (النصر): راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 852 (الحديث 4 من الباب 182 من الكافي). إن لم يدل هذا الحديث على كذبه فهو يدل على حماقته لأنه لم يسأل شيئاً وسلّم أموال الناس بشكل أعمى. وبالطبع لما كانت المسألة تتعلّق بالمال فإن الاحتمال الأول هو الأقوى.
23- حاجز بن يزيد الوشاء: راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 857.
24- محمد بن أحمد بن جعفر القطَّان القمي: كان من مدّعي الوكالة.
25- محمد بن أحمد:قال المَجْلِسِيّ في «مرآة العقول» لم يَرِدْ ذكره في عداد وكلاء المهدي وسُفرائه.
26- إِسْحَاق الأحْمَر:أورد المَجْلِسِيّ خبراً في ذمّه.
27- أبو دلف المجنون:أورد المَجْلِسِيّ خبراً في ذمّه.
28- أَحْمَدُ بْنُ الـْحَسَنِ المَادَرَائِيّ: مجهول.
29- محمد بن شاذان بن نعيم: مجهول.
30- أبو القاسم الحسن بن أحمد: مهمل.
31- أَبَو صِدَامٍ: مجهول.
32- أبو المغيث الـْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ الـْحَلَّاجُ البيضاوي: اعلم أنه كان من مُدّعي نيابة الإمام. وأصل الحلاج مجوسي من أهل فارس. والشعراء والصوفية يُكثرون من إجلاله وتمجيده في مؤلفاتهم وأشعارهم ويعتبرونه مؤمناً موقناً وعارفاً واصلاً وزاهداً مُتحرّراً من أسر الدنيا ويروون له كرامات عجيبة وغريبة وقد كتب المُستشرقون أيضاً والشيوعيون مؤلفات مفصلة عنه ونفخوا في تنور التصورات الباطلة حوله!! لهذا السبب يظنه العوام شخصية ذات شأن رفيع في حين أن الحقيقة شيء آخر تماماً والعجيب أن علماءنا يلزمون الصمت تجاه هذا الأمر ولا يُوعّون الناس إلى الحقيقة! لذا لا بُدّ لنا هنا من أن نُعرّف به على نحو الاختصار توعيةً للقرَّاء الكرام:
"اعلم أن تشتت الإمامية بعد وفاة حضرة العسكري (ع) في أمر الإمامة وصل إلى حدِّ اختلافهم في عدد الأئمة نفسه. فروى جماعة استناداً إلى حديثٍ رواه «سليم بن قيس الهلالي»[319] من أصحاب أمير المؤمنين علي ÷ أن الأئمَّة ثلاثة عشر[320]، واستناداً إلى هذا الحديث بالذات أورد «أبو النصر هبة الله بن محمد الكاتب» من رجال أيام الغيبة الصغرى ومن معاصري «الحسين بن رَوْح النوبختي» زيدَ بنَ عَلِيّ بن الحسين إمامَ الفرقة الزيدية في عداد الأئمَّة، وكان يقول للحسين بن منصور الحلاج الصوفي المعروف الذي لم يكن يعتقد بأكثر من اثني عشر إماماً: إن الإمام الثاني عشر مات ولن يظهر بعده إمام [يعني أنه لم يكن معتقداً بوجود المهدي الغائب] والساعة (أي القيامة) قريبة!
في الفترة التي كانت طائفة الإمامية تنتظر فيها انتهاء زمن الغيبة وظهور الإمام الغائب كان زِمَام إدارة أمورهم الدينية والدنيوية بيد النُّوَّاب والوكلاء. وكان الحسين بن منصور الحلاج البيضاوي يقوم بنشر آرائه والدعوة إلى عقائده في مراكز الشيعة الأساسية لاسيما في قم وبغداد. كان الحلاج في بداية أمره، -طبقاً لما يرويه المُصنِّفون من الإمامية- يُعرّف نَفْسَهُ للناس بوصفه رسولَ الإمام الغائب ووكيله وبابه، ولهذا السبب أورده الإمامية وذكروه في عداد مُدَّعي البابية. ولما ذهب إلى رؤساء الإمامية في قم سعى إلى إقناعهم بقبول العنوان المذكور أعلاه، وأبدى رأيه بشأن الأئمَّة طبقاً لما أوردناه أعلاه، وكانت تلك المقالات ذاتها سبباً في تبرؤ شيعة قم الإمامية منه وطرده من مدينة قم.
كان ادِّعاء الحلاج بشأن البابية وإبدائه رأيه الخاص حول عدد الأئمة بمثابة إعلان خصومة صريحة بينه وبين الأسرة النوبختية لأن أحد أفراد تلك الأسرة، يعني «أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي» كان صاحب مقام الوكالة والبابية للإمام الغائب منذ سنة 305 هـ . ق، وكان قبل ذلك أيضاً من خواص النائب الثاني للإمام الغائب «أبي جعفر محمد بن عثمان العَمْري» وموضع أسراره. كما كان شخص آخر من تلك الأسرة وهو «أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي» يُعتبر رئيس الإمامية في بغداد في فترة قيام الحلاج.
وبعد أن ظهرت من الحلاج مقالات الحلول وادِّعاء المعجزات[321] وادِّعاء الرسالة والربوبية، قرَّر أيضاً أن يجعل «أبا سهل إسماعيل النوبختي» [وكان من الأشخاص الذين صادقوا على بابية الحسين بن روح النوبختي] من جملة أعوانه، كي يجعل آلاف الشيعة الإمامية تبعاً لذلك -باعتبارهم تابعين في أقوالهم وأفعالهم لأوامر أبي سهل النوبختي وسائر آل نوبخت- يؤمنون بعقائده، خاصةً أن جماعة من رجال البلاط العباسي كانوا ذوي ظن حسن بالحلاج وكانوا يميلون إليه فلو اتَّبعه آل نوبخت أيضاً لَمَا بقي أمام الحلاج أيُّ عائق ولاستطاع استناداً إلى كثرة أصحابه وإلى نفوذ كبار رجال الدولة المُتنفّذين والمسؤولين في قصر الدولة العباسية أن يُعدّ لدينه الجديد[322] مؤسسة مهمة[323]!!
ولكن «أبا سهل النوبختي» الذي كان شيخاً مُجرّباً وعالماً ذكياً وحاذقاً ونشيطاً، لم يكن يستطيع أن يرى داعيةً صوفيةً يمدُّ جذوره لدى الدولة العباسية أمام سلطة قادة الجيش الأتراك وأمراء القادة، بواسطة مقالات جديدة، لاسيما أن هذه المقالات ستقضي من جهة على كثير من العقائد التي أسَّسها على أساس مُحكم مُتكلِّمو الإمامية بشكل عام -بما في ذلك أبو سهل النوبختي ذاته- وحافظوا عليها بكل قوّة في مواجهة انتقادات المُخالفين لهم!
لذا أبدى «أبو سهل النوبختي» غاية التدبير والفراسة والنشاط لدفع حركة الحلاج واقتلاع دعوته من جذورها، ذلك أنه لم يكن من السهل أبداً إدانة مثل هذا الشخص الذي كان -قبل الجميع وقبل آل نوبخت- مُدَّعياً للإمامة، على يد القضاة والأئمة والوزراء سُنيي المذهب[324]، في عاصمة الخلفاء التي لم يكن لقضاة الإمامية وعلمائهم أيّ تدخل في حلّ وفصل الدعاوي فيها، هذا علاوةً على وجود الأحقاد الطائفية والخصومات السياسية، وكان لابُدّ من استعمال الذكاء وبُعد النظر والدقة للنجاح في هذا المسعى!
من المحتمل أنه بعد عودة الحلاج إلى بغداد وشروعه في دعوة عامَّة الناس إلى مذهبه سنة 296 هـ، لجأ أبو سهل النوبختي لتحقيق الغرض المذكور إلى «أبي بكر محمد بن داود الأصفهاني» إمام المذهب الظاهري، ويبدو أن أبا سهل النوبختي كان وراء إصدار «محمد بن داود» إمام أهل الظاهر قبل وفاته لفتوى وجوب قتل الحلاج سنة 297 هـ ، أضف إلى ذلك أن الصداقة الشخصية بين أبي سهل النوبختي و«أبي الحسن علي بن الفرات» الذي كان في ذلك الوقت وزيراً مقتدراً للخليفة العباسي، وميل ذلك الوزير إلى الإمامية، كان لهما دور في تسهيل تحقيق خطة أبي سهل النوبختي!
وعلى كل حال، فإنه مما لا شك فيه أن «أبا سهل النوبختي» قام بفضح أمر الحلاج في بغداد وحمل الناس على الانفضاض من حوله حتى أصبح كذب دعاويه وأساليبه الماكرة حديث الخاص والعام في الاجتماعات الصغيرة والكبيرة.
وقعت أثناء قيام الحلاج بدعوته مناظرتين بينه وبين «أبي سهل النوبختي» قام الحلاج في كليهما بدعوة أبي سهل إلى الانضمام إليه ومتابعته في دعوته كما ادَّعى فيهما القدرة على صنع المعجزات حسب ما جاء في الروايات التاريخية [325]. وفي المقابل قام «أبو سهل النوبختي» من خلال الإجابات المُفحمة[326] التي كان يردُّ بها على الحلاج ومن خلال مطالبته إياه بأعمال عجز عن القيام بها، بفضح الحلاج ولهذا السبب لم يزدهر أمره. وفيما يلي نذكر روايتين بقيتا لدينا في هذا الباب:
1- روى الشيخ أبو جعفر الطوسي بواسطتين "عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ ابْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ قَالَ لَمَّا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَ الْحَلَّاجِ وَيُظْهِرَ فَضِيحَتَهُ وَيُخْزِيَهُ وَقَعَ لَهُ أَنَّ أَبَا سَهْلٍ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَلِيٍّ النَّوْبَخْتِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِمَّنْ تُجَوَّزُ عَلَيْهِ مَخْرَقَتُهُ[327] وَتَتِمُّ عَلَيْهِ حِيلَتُهُ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ يَسْتَدْعِيهِ وَظَنَّ أَنَّ أَبَا سَهْلٍ كَغَيْرِهِ مِنَ الضُّعَفَاءِ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِفَرْطِ جَهْلِهِ وَقَدَرَ أَنْ يَسْتَجِرَّهُ إِلَيْهِ فَيَتَمَخْرَقَ [بِهِ]، وَيَتَسَوَّفَ بِانْقِيَادِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَسْتَتِبَّ لَهُ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنَ الْحِيلَةِ وَالْبَهْرَجَةِ عَلَى الضَّعَفَةِ لِقَدْرِ أَبِي سَهْلٍ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ وَمَحَلِّهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ أَيْضاً عِنْدَهُمْ وَيَقُولُ لَهُ فِي مُرَاسَلَتِهِ إِيَّاهُ: إِنِّي وَكِيلُ صَاحِبِ الزَّمَانِ (ع) وَبِهَذَا أَوَّلًا كَانَ يَسْتَجِرُّ الْجُهَّالَ ثُمَّ يَعْلُو مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ وَقَدْ أُمِرْتُ بِمُرَاسَلَتِكَ وَإِظْهَارِ مَا تُرِيدُهُ مِنَ النُّصْرَةِ لَكَ لِتُقَوِّيَ نَفْسَكَ وَلَا تَرْتَابَ بِهَذَا الْأَمْرِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ لَهُ: إِنِّي أَسْأَلُكَ أَمْراً يَسِيراً يَخِف مِثْلُهُ عَلَيْكَ فِي جَنْبِ مَا ظَهَرَ عَلَى يَدَيْكَ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ وَهُوَ أَنِّي رَجُلٌ أُحِبُّ الْجَوَارِيَ وَأَصْبُو إِلَيْهِنَّ وَلِي مِنْهُنَّ عِدَّةٌ أَتَحَظَّاهُنَّ وَالشَّيْبُ يُبْعِدُنِي عَنْهُنَّ [وَيُبْغِضُنِي إِلَيْهِنَّ] وَأَحْتَاجُ أَنْ أَخْضِبَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَأَتَحَمَّلُ مِنْهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لِأَسْتُرَ عَنْهُنَّ ذَلِكَ وَإِلَّا انْكَشَفَ أَمْرِي عِنْدَهُنَّ فَصَارَ الْقُرْبُ بُعْداً وَالْوِصَالُ هَجْراً، وَأُرِيدُ أَنْ تُغْنِيَنِي عَنِ الْخِضَابِ وَتَكْفِيَنِي مَؤُنَتَهُ وَتَجْعَلَ لِحْيَتِي سَوْدَاءَ فَإِنِّي طَوْعُ يَدَيْكَ وَصَائِرٌ إِلَيْكَ وَقَائِلٌ بِقَوْلِكَ وَدَاعٍ إِلَى مَذْهَبِكَ مَعَ مَا لِي فِي ذَلِكَ مِنَ الْبَصِيرَةِ وَلَكَ مِنَ الْمَعُونَةِ. فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْحَلَّاجُ مِنْ قَوْلِهِ وَجَوَابِهِ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فِي مُرَاسَلَتِهِ وَجَهِلَ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهِ بِمَذْهَبِهِ وَأَمْسَكَ عَنْهُ وَلَمْ يَرُدَّ إِلَيْهِ جَوَاباً وَلَمْ يُرْسِلْ إِلَيْهِ رَسُولًا وَصَيَّرَهُ أَبُو سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أُحْدُوثَةً وَضُحْكَةً وَيَطْنِزُ[328] بِهِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ وَشَهَّرَ أَمْرَهُ عِنْدَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكَانَ هَذَا الْفِعْلُ سَبَباً لِكَشْفِ أَمْرِهِ وَتَنْفِيرِ الْجَمَاعَةِ عَنْهُ."[329].
562- كان عددٌ من أتباع الحلاج الجهلاء يعتقدون أنه يغيب عن أنظارهم ثم يظهر في الجوّ بعد مدّة قليلة. قام الحلاج في أحد الأيام بتحريك يده لِقَوْمٍ فنثر منها دراهم في وسطهم وكان بينهم «أبو سهل النوبختي»، فقال للحلاج: دعك من هذا العمل وأعطني درهماً قد نُقش عليه اسمك واسم أبيك كي أُؤمِنَ بك ويُؤمِنَ بِكَ خَلْقٌ كثيرٌ معي. فقال الحلاج: كيف أعطيك شيئاً لم يُصنَع؟ فردّ عليه أبو سهل قائلاً: مَنْ أَحْضَرَ مَا لَيْسَ بِـحَاضِرٍ صَنَعَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ! [330]
ويمكن من بعض القرائن أن نستنبط أن هذه المُناظرة الأخيرة بين الحلاج وأبي سهل النوبختي وقعت بين 298 و301 هـ في الأهواز أو فيما جاورها من القُرى، وفي الأيام التي كان الحلاج يُحضِرُ فيها للناس في مدينة الأهواز والقرى المجاورة لها طعاماً وشراباً وكان يقذف بينهم بدراهم سمّاها «دراهمَ القدرة»!، وكان الذي قام بكشف حيله في الأهواز -غير أبي سهل النوبختي- وأجبره على ترك الأهواز المُتكلِّم المُعتزلي المعروف «أبو علي الجبّائي»[331]، ويبدو أنه التقى في تلك الأيام ذاتها بأبي سهل النوبختي وكان بينهما اجتماعات في مدينة الأهواز"[332].
وجاء في كتاب «الفخري في الآداب السلطانية»: ".... وكان الحلاج مُخَلَّطاً يلبس الصوف والمسوح تارةً، والثياب المصبغة تارةً، والعمامة الكبيرة والدراعة[333] تارةً، والقباء وزي الجند تارةً، وطاف بالبلاد ثم قدم في آخر الأمر بغداد وبنى بها داراً، واختلفت آراء الناس واعتقاداتهم فيه وظهر منه تخليط، وتَنَقَّلَ من مذهب إلى مذهب، واستغوى العامة بمخاريق كان يعتمدها، منها أنه كان يحفر في بعض قوارع الطرقات موضعاً ويضع فيه زقاً فيه ماء، ثم يحفر في موضع آخر ويضع فيه طعاماً، ثم يمرّ بذلك الموضع ومعه أصحابه فيحتاجون هناك إلى ماء يشربونه ويتوضؤون به، فيأتي هو إلى ذلك الموضع الذي قد حفره وينبش فيه بعكاز فيخرج الماء فيشربون ويتوضؤون، ثم يفعل كذلك في الموضع الآخر عند جوعهم فيخرج الطعام من بطن الأرض، ويوهمهم أن ذلك من كرامات الأولياء، وكذلك كان يصنع بالفواكه يدخرها ويحفظها ويخرجها في غير وقتها، فشغف الناس به، وتكلم بكلام الصوفية، وكان يخلطه بما لا يجوز ذكره من الحلول المحض، وكثر شغف الناس به وميلهم إليه حتى كانت العامة تستشفي ببوله، وكان يقول لأصحابه: أنتم موسى وعيسى ومحمد وآدم، انتقلت أرواحهم إليكم!!"[334].
ويقول «أبو بكر محمد بن يحيى الصولي» - العالم والأديب العباسي المعروف: "أنا رأيت هذا الرجل [الحلاج] مرَّات وخاطبته، فرأيت جاهلاً يتعاقل وعَيِيَّاً يتبالغ وفاجراً يتزهَّد. وكان ظاهره أنه ناسك صوفيّ فإذا علم أن أهل بلدةٍ يرون الاعتزال صار معتزليَّاً أو يرون الإمامة صار إماميَّاً وأراهم أن عنده علماً من أئمَّتهم، أو رأى أهل السنة صار سنيَّاً. وكان خفيف الحركة مفتنا قد عالج الطب وجرَّب الكيميا وكان مع جهله خبيثاً وكان ينتقل في البلدان"[335].
وقال أحد المسافرين إلى الهند: "وكان معي في السفينة رجل يدعى بالحسين بن منصور [الحلاج] فلما خرجنا من المركب قلت له في أي شيء جئت إلى ههنا؟ قال لأتعلَّم السحر وأدعو الخلق إلى الله تعالى"[336].
"وكان ابن نصر القشوري قد مرض فوصف له الطبيب تفاحة فلم توجد فأومأ الحلاج بيده إلى الهواء وأعطاهم تفاحة فعجبوا من ذلك وقالوا من أين لك هذه؟ قال: من الجنة! فقال له بعض من حضر: إن فاكهة الجنة غير متغيرة وهذه فيها دودة! قال: لأنها خرجت من دار البقاء إلى دار الفناء، فحل بها جزء من البلاء! فاستحسنوا جوابه أكثر من فعله!"[337]
"وأحضره الوزير علي بن عيسى وناظره [في مجلس من العلماء] فلم يجده يقرأ القرآن ولا يعرف من الفقه شيئاً ولا من الحديث ولا من الأخبار ولا الشعر ولا اللغة. فقال له علي بن عيسى: تعلمك الطهور والفروض أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها، كم تكتب ويلك إلى الناس تبارك النور الشعشعاني ما أحوجك إلى الأدب. ثم أمر به فصُلب حيَّاً في الجانب الشرقي في مجلس الشرطة ثم في الجانب الغربي حتى رآه الناس ثم حمل إلى دار السلطان فحبس بها"[338].
" قام وزير الخليفة العباسي «حامد بن العباس» يوماً بإحضار أحد أصدقاء الحلاج وكان يُعرف بالسُّمَّرِيّ، وقال له: ألم تكن تعتقد أن صديقك الحلاج يهبط عليك من السماء؟ قال: بلى! فقال الوزير، لقد تركته في بيتي وحده مطلق اليدين والرجلين فلماذا لا يذهب حيث يشاء؟!
وقال الطبري[339]: "[حدثنا عبيد الله بن عثمان الصيرفي قال قال لنا أبو عمرو بن حيويه]: لما أُخْرِجَ الحلاج ليقتل مضيت في جملة الناس ولم أزل أزاحم حتى رأيته فقال لأصحابه: لا يهولنَّكم هذا فإنِّي عائدٌ إليكم بعد ثلاثين يوماً! وهذا إسناد صحيح لا شكَّ فيه، وهو يكشف حال هذا الرجل أنه كان مُمَخْرَقَاً يستخفُّ عقولَ الناس إلى حالة الموت. أنبأنا القزاز أنبأنا أحمد بن على أنبأنا القاضي أبو العلاء قال لما أخرج الحسين بن منصور ليقتل أنشد:
طلبت المُستقـرَّ بكل أرضٍ فلم أرَ لي بأرضٍ مسـتقرَّاً
أطعتُ مطامعي فاسـتعبدتني ولو أني قنعت لكنتُ حُرَّاً
[وجاء في كتاب «صلة تاريخ الطبري»][340]: "قال أبو سعيد النقاش في (كتاب) «تاريخ الصوفية»: منهم من نسبه إلى السحر[341] ومنهم من نسبه إلى الزندقة وحكى أبو عبد الرحمن السلمى اختلاف الطائفة فيه ثم قال هو إلى الرد أقرب. وكذا حطَّ عليه الخطيب وأوضح سحره وضلاله"[342].
وفي «صلة تاريخ الطبري»[343] أيضاً: "أفعال الحلاج وأقواله وأشعاره كثيرة وقد جمعت أخباره في كتاب سميته «القاطع لمجال اللجاج بمحال الحلاج» فمن أراد أخباره فلينظر فيه، فقد كان هذا الرجل يتكلَّم بكلام الصوفية فيندر له كلمات حسان ثم يخلطها بأشياء لا تجوز". (تاريخ الأمم والملوك وصلته، الطبري، دار القاموس الحديث، ج 12، ص 45 إلى 55).
***
لنأتِ الآن إلى الكلام عن شخص آخر من النُّواب:
57طبقاً لما رواه المَجْلِسِيّ، كان أحد مُدَّعي النيابة شخص يُدعى «محمد بن صالح الهمداني» وكان عمله جباية سهم الإمام وكان يأخذ المال من الناس بالقوة والمكر والحيلة (الحديث 25 من الباب 182 من الكافي) وقد ادَّعى هذا الشخص أنه كتب رسالةً[344] إلى «الناحية» قال فيها: "إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي يُقَرِّعُونِي بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ آبَائِكَ (ع) أَنَّهُمْ قَالُوا خُدَّامُنَا وَقُوَّامُنَا شِرَارُ خَلْقِ اللهِ".
يقول كاتب هذه السطور (البرقعي): إن هذا الكلام حق لأن كثيراً من الأشخاص الذين كانوا يلتفون حول الأئمة لم يكونوا ذوي نيَّة صادقة، كما مرّ معنا في الصفحات الماضية[345]. وكانوا يخترعون المعجزات المُزوَّرة لجذب قلوب العوام وكانوا يبنون على قبور الأئمة القباب والأضرحة الذهبية والفضية ويُلفِّقون نصوص زيارات لهم تتضمن أموراً مخالفة للقرآن! وللاطِّلاع على هذه البدع راجعوا كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» وكتاب «زيارت وَزيارتنامه» [زيارت المزارات وأدعية الزيارات].
58وينبغي أن نعلم أن كثيراً من الذين لم يكونوا يستطيعون أن يستفيدوا ويصلوا إلى منافعهم من خلال الحكومة القائمة كانوا يضطرون إلى أن يتظاهروا بأنهم من خواص الأئمة ومُقرّبيهم وكانوا ينتقدون الخلفاء ويطعنون بهم ويلعنونهم ويبثون الفرقة والخلاف وكانوا يخترعون أئمةً أعلى رتبةً من رسول الله ص في مواجهة الحُكّام الحاليين! وعلى كل حال، أدَّت الأعمال السيئة لجماعة الوكلاء إلى ضعف ثقة الناس بهم ولذلك تمّ وضع حديث «محمد الهمداني» لحلّ هذه المشكلة، لكن هذا الحديث لم يُحقق الغرض المطلوب لأنه طبقاً لهذا الحديث النوراني (!!) قامت «الناحية» بإعطاء إجابة عجيبة بل مضحكة لا تفيد شيئاً سوى خداع العوام الجهلاء!! بناءً على ادِّعاء «محمد بن صالح» أجابه الإمام الغائب قائلاً: "وَيْحَكُمْ مَا تَقْرَءُونَ مَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:﴿وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ ١٨﴾ [سبا: ١٨] فَنَحْنُ وَاللهِ الْقُرَى الَّتِي بَارَكَ فِيهَا وَأَنْتُمُ الْقُرَى الظَّاهِرَةُ"!
هذا في حين أن سورة سبأ مكية وكما قلنا مراراً وتكراراً لم تكن مسألة الإمامة مطروحة في مكة بأيّ وجه من الوجوه حتى يُنزل الله آية حول الإمام أو الإمامة أو حول وكيل الإمام ونائبه! يقول تعالى في هذه الآية المباركة: إننا جعلنا بين قوم سبأ -الذين كانوا يسكنون في اليمن الحالية- وبين القرى المباركة في بلاد الشام قرىً ظاهرةً يبعد أحدها عن الآخر مسافات مُحدّدة كي يُمكنهم أن يسيروا فيها بأمن وراحة بال أياماً وليالي (راجعوا في هذا الشأن تفسير مجمع البيان للطبرسي)، ولو انتبهنا إلى الآيات التي جاءت قبل هذه الآية وبعدها للاحظنا أن الله تعالى ذكر قوم سبأ كنموذج على كفران النعمة وظلم النفس ونتائجهما وأن الآية لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالإمام وسفير الإمام.
ولكن بناءً على تلك الآية أقسم الإمام بالله (؟!) أن المقصود من «القرى التي باركنا حولها» هم نحن، وأن المقصود من «القرى الظاهرة» أنتم الوكلاء!! بالله عليكم لاحظوا كيف يتلاعب هؤلاء الرواة الماكرون بآيات القرآن، وهذا الحديث غيض من فيض.
***
59لنأتِ الآن إلى دراسة حال «أَبِي الـْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيِّ» آخر النُّواب والسفراء الأربعة الذي كان نشاطه أقل من سائر النواب لاسيما النائب الثالث، ولهذا السبب لم يتمّ وضع قصص كثيرة حوله خلافاً لما تمّ حول «الحسين بن رَوْح».
60وعلى كل حال، لما دنا أجل «أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيُّ» الذي كان النائب الرابع حسب قول علمائنا، أدرك أنه لا يُمكن مواصلة هذا الطريق، فلما اقترب من الموت صحا ضميره وندم على ما سبق ولم يشأ أن يتحمل بعد وفاته وِزر النيابة الكاذبة ووبال أخذ الوجوه الشرعية من الناس البُسطاء، أو لأسباب أخرى الله أعلم بها، أصدر توقيعاً من طرف الإمام الوهمي ينص على أن النيابة انتهت ولن يكون هناك بعد الآن نائب ولا سفير!
وقد جاء نصُّ هذا التوقيع في كثير من كتب الشيعة ومن جملتها كتاب «منتهى الآمال» للشيخ عباس القُمِّي الذي ذكر في نهايته عبارات هذا التوقيع كما يلي: "... يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيَّ! أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَاجْمَعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومُ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ الثَّانِيَةُ فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الْأَمَدِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَامْتِلَاءِ الْأَرْضِ جَوْراً، وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَنِ ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ... [346]".[347]
فلما انقطعت النيابة والسفارة بموت النائب الرابع، واجه المُسترزقون بالدين خطر انقطاع أرزاقهم، وهو خطر لم يكونوا مُستعدِّين أبداً للتغاضي عنه، لذا فكَّروا بحلّ وقالوا: صحيح أنه لم يعد هناك نائب خاص للإمام ولكن رواة حديث الأئمة هم بشكل عام قائمون مقام الإمام ويُعَدُّون نُوَّابه العامُّون وقالوا: إن إمام الناحية (؟!) قال: "وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ أحَادِيثِنَا؛ فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَأَنَا حُجَّةُ اللهُ عليهم"!!
وينبغي أن ننتبه أنه لما لم تكن مسألة الاجتهاد والتقليد مطروحةً في ذلك الزمن بَعْد، إذْ طُرحت في زمن لاحق، لذا ذُكرَ «رواة الحديث» في التوقيع ثم قام المجتهدون بعد ذلك بتطبيق «رواة الحديث» على أنفسهم!!
أولاً: النقطة المهمَّة جداً هي أنه ليس لدينا أيّ دليل على انتساب هذا التوقيع إلى الشارع سوى ادِّعاء «العَمْريّ»!! (فَلَا تَتَجَاهَلْ). ونُكرّر ثانيةً القول بأن الذين لم يكونوا قد شاهدوا الإمامَ الغائبَ وخطَّ يده لم يكن في وُسعهم أن يعرفوا أن ذلك التوقيع أو المكتوب هو من قول الشارع فعلاً أم لا؟! وقد افترى رواتنا كل تلك الأكاذيب على لسان الأئمَّة عليهم السلام، فما الفرق بين هذا الادِّعاء وبين سائر الروايات حتى نقبل هذا التوقيع بوصفه سنداً شرعياً؟! وليت شعري! هل يُثبت مكتوبٌ لم يتمّ إحراز نسبته إلى كاتبه، شيئاً؟ هل دين الله يستند إلى أساس بمثل هذا الضعف والوهن؟!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
ولقد بينا في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» الذي سميناه أيضاً «بُت شكن» أي كسر الصنم (ص59)، عدداً من الإشكالات في هذا الحديث من الضروري مراجعتها ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعضها:
ثانياً: في هذه الرواية اعتبر المهدي الوهمي نفسه «حُجَّةً»! في حين أن الله تعالى هو الذي يملك وحده تعيين «الحُجَّة الشرعية»، والحال أننا لا نجد في كتاب الله أثراً لمثل هذه الحُجّة الغائبة لأن القرآن الكريم بيّن لنا أنه ليس للناس بعد الأنبياء من حُجّة (النساء: 165) كما قال أمير المؤمنين علي ÷ أيضاً: «.. تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ» (نهج البلاغة، الخطبة 91). فكيف يعتبر حفيده نفسه حُجَّة؟!!
ثالثاً: هذا التوقيع أرجعنا إلى «رواة الأحاديث»، وكما نعلم كان «رواة الأحاديث» هم أصحاب الأئمة وحاشيتهم في حين أن الأئمة اشتكوا من كثير من الأفراد الذين كانوا من بطانتهم ومن حواشيهم الملتفِّينَ حولهم وطعنوا بهم لأن كثيراً منهم لم يكونوا موثوقين ولا مطيعين للأئمة طاعة صادقة وتامّة، فكيف يكون أشخاص غير موثوقين حُجّةً؟!
رابعاً: اعتبر الحديث المذكور «رواة الأحاديث» حُجّة علينا مما يعني أن أشخاصاً من قبيل «الصفَّار» و«البرقي» و«الكُلَيْنِيّ» و«الصدوق» و...... الخ حُجَّة علينا، هذا في حين أن مجتهدينا يردُّون كثيراً من روايات أولئك المُحدّثين ويُخطِّئونهم، فهل يردّ المجتهدون قول من جعله الإمام حُجّةً علينا؟!!
خامساً: إن كتب الرجال حفظت لنا أسماء رواة أحاديث الأئمة ولم يكن أيٌّ منهم مجتهداً، وليس لدينا من دليل على أن الاجتهاد كان شرطاً لرواية الحديث. كما روى الرواة أيضاً أحاديث متناقضة ومتعارضة.
سادساً: لم يُشَر في هذا الحديث بأيّ وجه من الوجوه إلى أخذ الوجوه الشرعية، لكنكم تأخذون هذه الوجوه من الناس استناداً إلى هذا الحديث؟! (فَتَأَمَّل)!
والحديث الآخر الذي يتمسكون به لاستغفال العوام والركوب على ظهورهم حديث موضوع مذكور في تفسير موضوع ومنسوب زوراً إلى حضرة العسكري (ع)، ذُكِرَ ذيل قوله تعالى: ﴿وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ ٧٨﴾ [البقرة: ٧٨]. مع أن هذه الآية جاءت في ذمِّ تقليد عوام اليهود لأحبارهم الذين لم يكونوا يعلمون شيئاً من الكتاب سوى الأماني والظن مثل شعبنا اليوم الذي لا علم له بتعاليم دينه! فهذه الآية تذمّ الذين يركَنون إلى التقليد ولا يعلمون شيئاً من كتابهم السماوي الذي أنزله الله لهدايتهم، إلا أن الحديث الذي جاء في تفسيرها يقول على العكس: "فَمَنْ قَلَّدَ مِنْ عَوَامِّنَا مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ فَهُمْ مِثْلُ الْيَهُودِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالتَّقْلِيدِ لِفَسَقَةِ فُقَهَائِهِمْ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوه"[348]!
أولاً: هذا الحديث معارض للآية القرآنية التي ذمَّت سبب التقليد المُتمثّل بعدم العلم بالكتاب السماوي، في حين أن الحديث يعتبر التقليد جائزاً!! (فَتَأَمَّل). لذا يجب أن نقبل الآية الإلهية ونترك الحديث الموضوع.
ثانياً: العيب الكبير في هذا الحديث أنه أحال إلى أمر مُتعذّر بل أحال إلى أمر محال!! فكيف يعلم العوام أن الشيخ المُعمَّم الفلاني صائن حقيقةً لنفسه ومخالف لهواه ومطيع لِـلَّهِ؟! فكم من شخص يتظاهر رياءً بالعبادة والزهد ليخدع بذلك العوام! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
في زماننا كان الناس يُقلّدون آية الله العظمى السيد كاظم شريعتمداري سنين عديدة، وكانوا يُجلّونه ويحترمونه جدًّا، لكنهم قالوا أخيراً إنه اشترك في محاولة انقلاب على حكومة السيد الخميني فصادروا المكتبة والأبنية التي كانت تحت إشرافه في قم وبثوا في الإذاعة والتلفاز إظهاره للتوبة والندم! وبعد ذلك بمُدّة قالوا بحق آية الله العظمى الشيخ حسينعلي المنتظري نجف آبادي الذي عارض ممارسة الشدة والعنف والتطرف بلا مبرِّر مِنْ قِبَلِ أصحاب السلطة وكان الناس يعتبرونه مدّةً من الزمن نائباً للإمام وقائماً مقامه من بعده، لكنهم في آخر المطاف قالوا إنه دافع عن بعض أقربائه وأنه جمع حوله معارضي الحكم ولهذا السبب منعوه من التحرك وأجلسوه في بيته ولم يسمحوا له بالدفاع عن نفسه وأزالوا صوره من الدوائر الحكومية وجدران المدن وأبعدوا الناس والعوام الذين خُدعوا بدعاياتهم السابقة عنه. وهناك الكثير من أمثال هذه النماذج. وليت شعري! هل كان المُحقق الكركي الذي تعاون مع جماعات «القزلباشية» (ذوي العصابات الحمراء حول الرأس) من أتباع فرقة «أهل حق»[349] عديمي الدين، للسيطرة على إيران، وكان العوام يُقلِّدونه، مطيعاً لأمر مولاه حقيقةً؟! ألا يُقلِّد العوام الدكتور وآية الله العظمى الشيخ «محمد جعفر جعفري لنگرودي» لأنه مخالف لهوى نفسه ومطيع لأمر مولاه؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
ثالثاً: إن الذين يقولون بوجوب التقليد، يقولون لا بُدّ من تقليد المجتهد الأعلم، مع أن تشخيص الأعلم وتمييزه إن لم يكن أمراً محالاً فليس بعيداً كثيراً عن المحال، إذ يوجد في بلاد الإسلام في كل عصر وزمان عشرات المجتهدين كلٌّ منهم نشر رسالته العملية وقال فيها إن تقليد الأعلم واجب مما يفيد أنه يعتبر نفسه الأعلم ولذلك كتب للمُقلِّدين رسالةً. فكيف للعلماء الذين درسوا في الغالب سنوات عديدة مع بعض في حوزة علمية واحدة لا يعلمون هم أنفسهم من الأعلم من بينهم، أما العوام الجاهلون فعليهم أن يعلموا ذلك؟!
رابعاً: يقول صاحب كتاب «كفاية الأصول» إن هذا الحديث لا يدل على وجوب التقليد ولم يأتِ فيه أيّ كلمة تفيد الوجوب، إضافةً إلى أنه ليس معنى التقليد قبول أحكامه.
خامساً: هذا الحديث لا يُمكن الاستناد إليه لأنه ورد في تفسير موضوع من أساسه ومن المُسلّم به أنه ليس لحضرة العسكري (ع) وأن شأن الإمام العسكري أجلّ من أن يكون قد كتب ما جاء فيه من أمور[350]. (فَلَا تَتَجَاهَلْ). وإشكالات هذا الحديث أكثر من ذلك بالطبع، ولكننا نكتفي بهذا المقدار. (يُراجع في ذلك مُقدّمة تفسير «تابشى از قرآن» (قبس من القرآن)، فصل «التعليم والتعلُّم واجبان والتقليد حرام»).
ينبغي أن نعلم أن بعض الفقهاء اعتبروا الحكم والسلطة ملكاً للمجتهدين استناداً إلى هذه الروايات الضعيفة، وقد استفاد أحد المجتهدين مع الأسف من هذا الموضوع وأعطى الشرعية للقزلباشية غير المسلمين ثم طرح سلاطين الصفوية أنفسهم -خداعاً للعوام- بوصفهم نُوَّاباً للمُحقِّق الكركي [الذي اعْتُبر نائباً لإمام الزمان] ولنظائره من المراجع. وسننقل لكم هنا بعض المطالب التي ذكرها الكتاب القيّم «ارمغان آسمان» [هدية السماء] (ص146 فما بعد) تأليف الفاضل المجاهد الأستاذ حيدر علي قلمداران رحمه الله، توعية للقراء حول هذا الموضوع، قال:
"أحد الأخطاء الكبيرة المنتشرة في أذهان الناس تصورهم بأن كل مجتهد هو «حاكِمُ شَرْعٍ»، أي هو الخليفة الإسلامي الذي يجب على الناس أن يأتوا إليه ويوصلوه إلى مسند الحكم ويُسلّموه السلطة ليحكمهم ...... فإذا لم يفعل الناس ذلك فهم مسؤولون أمام الله، وعلى كل حال فهو «حاكِمُ شَرْعٍ» وتصرفاته نافذةٌ شرعاً في أموال الناس وأنفسهم! في حين أن الواقع ليس كذلك وأن هذا التصور خطأ كبير. نعم لا بُدّ أن يكون الحاكم الشرعي وسلطان المسلمين فقيهاً وعالماً بأحكام الله، وأهلاً لمقام السلطنة والحكم، ولكن ليس كل فقيه حاكم شرع. وبعبارة أخرى يجب أن يكون كلُّ حاكِمٍ فقيهاً ولكن ليس كل فقيه حاكم (أي بينهما علاقة عموم وخصوص مطلق باصطلاح علم المنطق)....... وسنُسلِّم زمام الكلام الآن لجناب السيد الحاج الشيخ «أسد الله الممقاني» الذي كان من جملة هؤلاء الفقهاء وكتب رداً وتفنيداً لهذه العقيدة التي لا أساس لها نقلاً عن كتابه «دين وشؤون»، قال:
وذهب بعض علماء الشيعة الآخرين إلى أن المجتهدين الكبار يقومون مقام الإمام -عليه الصلاة والسلام- في زمن الغيبة، وكل من شغل هذا المقام، أي مقام الحاكم ورأس السلطة المنيع، غيرهم، كان جائراً وكان اتِّباعه حراماً ومعصيةً ........ وحتى السلطان ذاته لا يَعْتَبِرُ نفسَه مُجازاً إلا استناداً إلى رأي المجتهد الذي يُقلِّده، وأقل ما يجب عليه فعله هو أن يستأجر قصر حكمه كلَّ سنةٍ من المجتهد الذي يُقلِّده كي لا يُعتَبَر مكانُ صلاتِهِ مكاناً مغصوباً! (لماذا يُؤجِّلُهُ المجتهدُ العادلُ أساساً؟!) .......
إن الدليل الذي يذكره أصحاب هذا الرأي لإثبات مُدَّعاهم فقرتان من حديث شريف طبَّقُوهُمَا على هذه المسألة. لقد استندوا لإثبات نيابة العلماء العامة للإمام إلى الحديثين التاليين:
الحديث الأول: "عن إسحاق بن يعقوب في حديثٍ أنه سأل المهديَّ (ع) عن مسائل فَوَرَدَ التَّوْقِيعُ: أمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ ...... وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ أحَادِيثِنَا؛ ....... الخ". فسَّر الذين يقولون بنيابة المجتهدين الكبار للإمام عبارة (الـْحَوَادِثُ الْوَاقِعَة) بجميع مهمات الأمور الداخلية والخارجية والعسكرية والمدنية وغيرها، وعبارة (رُوَاةِ أحَادِيثِنَا) بالعلماء الأعلام، أو المجتهدين الكبار، وقالوا: كان مقصود الإمام (ع) أنه يجب على الناس أن يرجعوا في إدارة أمورهم إلى رواة أحاديثنا أي إلى علماء الفقه، بمعنى أن السلطة وإدارة دفة الحكم قد أُوكلت إليهم! ولكن في هذا الدليل خَلَلٌ من عدة وجوه:
1- كان هذا الحديث الشريف جواباً عن أسئلة وُجّهت إلى حضرة الحُجّة (ع) وليس لدينا أيُّ اطِّلاع على ماهية الأسئلة التي سُئلت ولذلك فإن مورد الحديث وسبب صدوره مجهول بالنسبة إلينا والنص الذي لا يكون سبب وروده المُعيَّن ولا مدلوله صريحان لا يُعتبر برهاناً قطعياً ولا اعتبار له في الشرع والمنطق.
2- من الواضح أن عبارة (الـْحَوَادِثِ الْوَاقِعَة) [إن لم تكن إشارة إلى الحوادث التي ذُكرت في رسالة السؤال] ليس لها معنى شرعياً مُحدّداً أي أنها ليست كالصلاة والصوم والحج والجهاد والخُمس والزكاة التي نُقلت من معناها اللغوي الأصلي وأصبح لها مفهوم خاص مصطلح عليه في لسان الشرع، بل المقصود من (الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَة) المفهوم الذي يتبادر إلى الذهن في عُرف العامة. وعندما يتحدَّث العربي إلى صديقه عن (الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَة) فلا شك أن صديقه عربي اللسان لا يفهم من هاتين الكلمتين أمور الدولة والمهام المدنية والعسكرية بل لا تأتي إلى ذهنه مثل هذه المفاهيم أصلاً. إن العربي يفهم من عبارة (الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَة) معنى المسائل المُتجدّدة التي تقع دون أن يكون لها مثال سابق مثل شرب الدخان وأمثاله وقد أيَّد الشيخ مرتضى الأنصاري -أعلى الله مقامه- في «المكاسب» هذه النظرية، ونحن أيضاً نُعطي للحديث الشريف هذا المعنى وليس لهذا المعنى أيّ علاقة بما يرمي إليه أصحاب هذا الرأي لأن الحكم والسلطان اللذَين بدآ مع دين الإسلام كانا جزءاً من النُّبوة وكانا عين الإمامة وخلاصة تشكيلات الدين، ولا يُمكن اعتبارها أبداً إحدى (الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَة) أي المسائل الجديدة التي تظهر فجأةً دون مثال سابق ويلزم معرفة حكمها!
3- إن رواة أحاديث الأئمَّة ليسوا مجتهدين بالضرورة، فرواية الحديث أمر والاجتهاد أمر آخر، لأن الاجتهاد يحتاج إضافةً إلى تتبع الأخبار والتدقيق في نقلها، إلى فهم مدلولاتها وحكمتها وإلى امتلاك ملكة استخراج الأحكام اللازمة منها. بناءً على ذلك، ولو كان مدلول الحديث يدل على النيابة العامة فلن يكون ذلك الحق مُنحصراً بالمجتهدين فقط بل كل من صحّ تلقيبه براوي أحاديث الأئمة كان أهلاً للنيابة العامة ومستحقاً لها!
4- كان أمر الإمام برجوع الناس إلى رواة الحديث أمراً إرشادياً ولم يكن أمراً للوجوب. فقد سُئل الإمام أسئلةً كان أحدها مُتعلّقاً بالحَوَادِثِ الوَاقِعَةِ فقال الإمام في إجابته: "وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَة .......الخ"، ولو كانت مسألة النيابة العامة حكماً إلهياً واقعياً لصارت ذات موضوعية تستدعي الإيجاب، وعندئذ لكان على الإمام أن يُبيِّن هذا الحكم قبل غيبته دون أن يُوجَّه إليه سؤال خاص.
5- كلمة «الرواة» جمعٌ، فجعل الرواة حكاماً شرعيين يجب على الناس الرجوع إليهم في إدارة شؤونهم يستلزم اجتماع حكم وسلطان أشخاص مُتعدّدين في وقت واحد ومكان واحد، وهذا أمر متعذَّرٌ لأن آراء هؤلاء الحكَّام ستتعارض، بل قد يُناقِضُ بعضُها بعضاً ومن المحال في المنطق والعقل إطاعة الأوامر المُتضادة لأن الجمع بين النقيضين مستحيل. ولو صرفنا النظر عن مفهوم كلمة «الرواة» التي تفيد الجمع -وأقل مدلول الجمع في لسان العرب ثلاثة فما فوق- وقلنا: يمكن انتخاب أحد الرواة في كل عصر وبمرور العصور يتعاقب هؤلاء الرواة المُنتخبون فيُصبحون جمعاً وهذا هو المقصود من مجيء كلمة «الرواة» بصيغة الجمع، لَمَا كان هذا التأويل أيضاً قابلاً للتطبيق لأن رواة الأحاديث في كل عصر كثيرون جداً ولا يُمكن للمسلمين أن يُرجِّحوا أحدهم على الآخر، كما أن اتِّباع بعضهم دون الآخر سيؤدِّي إلى وقوع الاختلاف، كما نرى ذلك في شأن التقليد والاجتهاد اليوم، إذْ لم نرَ حتى الآن أن المجتهدين العظام اجتمعوا على رأي واحد بعد وفاة المجتهد ومرجع التقليد السابق، هذا في مسألة الرئاسة الدينية فما بالك في موضوع أمور الحكم، نعم، سيكون ذلك سبباً لوقوع الثورات والاختلافات والنزاعات الدائمة التي ستؤدي إلى الفتن والفساد الذي لا يُمكن تحمُّله.
6- إن النيابة العامة أي الرئاسة الفعلية والتشكيلات الظاهرية واستلام زمام السلطة وإدارة الدوائر وقيادة الجيوش والعساكر وقوى الأمن وإن كان حقاً مُحقَّقاً للإمام (ع) ولكن تلك الأمور لم تكن بيده قبل غيبته وَمِنْ ثَمَّ فلا يُمكن أن يوكِلَها إلى غيره. كل هذه الإشكالات تُوضِّح أن الحديث الأول لا يدل بأيّ وجه من الوجوه على ما يدّعونه.
الحديث الثاني الذي جعلوه شاهداً على مُدَّعاهم هو مقبولة «عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ» المروية عن حضرة الصادق (ع)، هذا مع أن الحديث الذي يُطلق عليه (مقبولة) ليس مُعتبراً ولا مُعتمداً عليه لدى العلماء والمجتهدين كما يعتمدون الأحاديث الصحيحة، فما بالك بالاعتماد عليه في مثل هذا الموضوع المهم.
نصُّ المقبولة كما يلي: قَالَ "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ ...... فَقالَ (ع): يَنْظُرَانِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا وَنَظَرَ فِي حَلَالِنَا وَحَرَامِنَا وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً ..... قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ كُلُّ رَجُلٍ اخْتَارَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا فَرَضِيَا أَنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ فِي حَقِّهِمَا وَاخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا وَكِلَاهُمَا اخْتَلَفَا فِي حَدِيثِكُمْ؟ فقَالَ: الْحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَأَفْقَهُهُمَا وَأَصْدَقُهُمَا وَأَوْرَعُهُمَا. قَالَ قُلْتُ: فَإِنَّهُمَا عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ لَا يُفَضَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صاحبه. فَقَالَ: يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا وَيُتْرَكُ الشَّاذُّ".
في القسم الأول من هذا الحديث الشريف ذُكر لفظ «الحكم» و «الحاكم» بمعنى السلطان ونائب الإمام -عليه الصلاة والسلام- وقيل: إن مراد الإمام أن كل من ميَّز الحلال عن الحرام وفهم أحكامنا فعليكم أن تطيعوه فقد جعلته عليكم رئيساً وسلطاناً! وهذا الدليل أيضاً كسابقه دليل سقيم من عدة جهات:
1- كان سؤال «عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ» من الإمام الصادق (ع) -كما هو واضح- يعود إلى تنازع شخصين من الأصحاب حول الدين والميراث وقد عرَّف الإمام لهما شخصاً عارفاً بالأحكام بوصفه حَكَمَاً بينهما، وهذا الأمر الجزئي لا علاقة له على الإطلاق بمسألة النيابة العامَّة التي لم يَرِدْ ذكرُها إطلاقاً في نصِّ الحديث، ومدلول الحديث صريح ومورده أخصُّ كثيراً من المعنى الذي يُفسِّرونه به، أي أنه لا يُمكن تعميم معناه إلى ما يرمون إليه بأيّ وجه من الوجوه.
2- معنى كلمة «الحُكْم» في اللغة العربية الأمر و«الحاكم» بمعنى الآمر ولم تُسْتَخْدَم هذه الكلمات أبداً في عُرف الشرع بمعنى السلطان والنائب العام. نعم، من ناحية العلماء المُتأخرين وفي عرف العوام استُخدمت هذه الألفاظ بمعنى القاضي كما استُخدمت المحكمة بمعنى مكان الحُكْم وهذا الاصطلاح لا يفيد كون هذه الكلمات شرعية، وحتى كلمتي «الحَكَم» و«الحاكم» على هذين المعنيين لا يدلان على مُدَّعاهم. إن الطوائف التي تعيش في العصر الحاضر كأقلية في مجتمعاتها، تقوم بحلّ نزاعاتها فيما بينها بقدر الإمكان. وعلى فرض صدور المقبولة عن الإمام فعلاً[351]، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الشيعة كانت جماعة معارضة لحكومة بني العباس، وأن الإمام مُفترض الطاعة كان موجوداً وحاضراً بين الشيعة، فإنه من المحتمل أن يكون الحديث ناظراً إلى هذا الأمر [أي إلى وجوب ترافع المتخاصمين إلى الإمام ليفصل بينهم].
3- لو كان استرداد حقوق حضرة الصادق (ع) من الآخرين ممكناً في زمن حياته (ع) لكان هو أولى بالتصرف بالطبع، ولكان إيكال ذلك إلى الآخرين رغم وجود الإمام وحياته ورغم إمكانية نقل ذلك إلى أولاده، مخالفاً للمنطق ومنافياً لوظيفة الإمام، وإذا كان استرداد الحقوق المذكورة غير ممكن فإن تحويل ذلك إلى الآخرين عبث ويُذكِّرنا بالمثل القائل (فاقد الشيء لا يُعطيه)! ولا يُمكن صدور العمل العبثي من الإمام في عقيدتنا نحن أتباع المذهب الجعفري. في الواقع كيف كان من الممكن للإمام أن يُعيّن نائباً عامَّاً له، رغم وجود الإمام نفسه ووجود أولاده، وأن يكل إليه إدارة أمور عامة الناس؟ هذا رغم أن الإمام ذاته كان ممنوعاً بشكل كامل من إدارة أعمال الناس.
بصرف النظر عن عدم دلالة أيٍّ من الحديثين على المعنى المُدَّعى، لو فرضنا على سبيل المحال أننا قبلنا بالنيابة العامة لرواة الأحاديث والفقهاء العارفين بأحكام الشرع، واعتبرنا أن المقصود من الرواة وغيرهم المجتهدون الجامعون لشروط الاجتهاد، فإننا سنُواجه معضلةً تتمثَّلُ في أن مُجرّد كون الشخص مجتهداً جامعاً للشروط لا يعني بالضرورة أهليته للحكم، ولا شك أن الإمام لا يوكل للعلماء الأعلام أمراً بمثل هذه الأهمية دون بيان أيّ قيد أو شرط له لأن ذلك سيستلزم في أغلب الأحوال إيكال منصب مهم جداً إلى أشخاص غير مُؤهّلين له! ....... ثم إن المجتهدين الكبار كانوا مُتعدّدين في كل عهد، ووجود سلاطين مُتعدّدين في وقت واحد ومنطقة واحدة -كما سبق أن قلنا- أمرٌ مُتعذِّرٌ ومحالٌ، والحاصل أن الذين أثبتوا النيابة العامة للعلماء الأعلام عن حضرة الإمام -عليه الصلاة والسلام- لا يملكون دلائل كافية على صحة قولهم، ولم يثبت في دين الإسلام مثل هذا المنصب لا نقلاً ولا عقلاً، هذا فضلاً عن أن أصحاب هذا الرأي لا يملكون أدلةً صحيحةً من الأساس ...... ولذلك قال الشيخ مرتضى الأنصاري في باب الخُمس بصراحة: لم تثبت نيابة المجتهدين للإمام عليه السلام! (فَتَأَمَّل جداً).
بعد أن انتهينا من مسألة الوكالة والنيابة عن الأئمة ينبغي أن ننصرف إلى الخرافات الواردة في المجلد 52 من «بحار الأنوار»!
***
[312] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....» الصفحات: 197، و 379 و658 إلى 661، و665 إلى667. و673 إلى 675 و846 إلى 850. [313] أي تلك المرأة ذاتها التي أرجعت حكيمة -عمة حضرة العسكري- الشيعة إليها: (إلى من تفزع الشيعة؟ فقالت: إلى الجدة، أمّ أبي محمد .....). (بحار الأنوار، ج 51، ص 364). كما أورد الكُلَيْنِيّ في الكافي أن أمّ حضرة العسكري ادّعت وصيته. (أصول الكافي، الباب 181، الحديث 1). [314] راجعوا الصفحة 59 فما بعد من الكتاب الحاضر، أو كتاب «معرفة الحديث» (ص 90 إلى 93)، وكتاب «خاندان نوبختى» [أي: الأُسْرَةُ النَّوْبَـخْتِيَّة]، (ص 162 إلى 165). [315] أي منذ وفاة حضرة باقر العلوم (ع) سنة 114هـ. وحتى 260هـ. أي سنة وفاة حضرة العسكري. [316] الحديث المعروف بخبر «المُفضَّل بن عُمَر» المذكور في بداية المجلد 53 من بحار الأنوار، باب «ما يكون عند ظهوره»، كما أشار إلى ذلك المُحقق والمُعلّق المحترم على بحار الأنوار، هو في الاحتمال القوي جداً من وضع مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ هذا أو أحد أتباعه. [317] اسمه في الكافي «الباقطائي» (ج 1، باب 182، الحديث 31). [318] هناك اختلاف حول اسمه. [319] للتعرف على أحواله راجعوا كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 37- 38). [320] من الضروري في هذا المجال مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 1109-1110 و 1129 إلى 1133. [321] ذكر المَجْلِسِيُّ في بحار الأنوار لِمُنَافِسِ الحلاجِ أي «الحسين بن روح النوبختي» معجزات أيضاً أو كرامات إن شئت، ولم يعترض عليها جناب «أبو سهل» بشيء!! بل ألّف لخداع العوام كتاباً مليئاً بالمغالطات باسم «التنبيه في الإمامة» للدفاع عن العقيدة التي كان يؤمن بها «الحسين بن روح»!! وسنقوم بدراسة أقواله في الصفحات الآتية ونكشف خداعه ومكره. [322] لقد وضع لِدِينِهِ الجديد أحكاماً من عند نفسه أيضاً! (تاريخ الطبري مع صلته، ج 12، ص 48 و54). [323] وجاء في تاريخ الطبري أيضاً عنه: "في رأسه رئاسة وكبر". (تاريخ الطبري وصلته، ج 12، ص 55). [324] لأن الحجاج كان حسب الظاهر من أهل السنة فإذا طالب الشيعة بقتله سيقول الوزراء العباسيون السُّنَّة: "هو سنيٌّ وإنما يريد قتله الرافضة"! فلا يطيعونهم في قتله. (المُتَرْجِمُ) [325] جاء في صلة تاريخ الطبري: "بسندٍ إلى محمد بن يحيى الرازي يقول سمعت عمرو بن عثمان يلعن الحلاج ويقول: لو قدرت عليه لقتلته بيدي، قرأت آية من كتاب الله فقال يمكنني أن أؤلف مثله أو أتكلم!!". وجاء أيضاً أن الحلاج "كان يُدخل يده في كُمِّه ويخرجها مملوءةً مِسْكَاً!!" (تاريخ الطبري وصلته، ج12، ص 53، و 55 و 64). [326] بالطبع لم يكن «أبو سهل النوبختي» يُوجّه مثل هذه الأجوبة المُفحمة والمطالبات المُحرجة لابن طائفته «الحسين بن روح»! لاحظوا الأحاديث 62 و 68 و 69 من الباب 20 من الكتاب الحاضر في صفحة 280 و 281. [327] جاء في تاج العروس للزبيدي: المَخْرَقَةُ : إظْهارُ الخُرْقِ توصُّلاً إلى حِيلَةٍ وقد مَخْرَقَ . والمُمَخْرقُ: المُموَّهُ وهو مُستعارٌ من مَخاريقِ الصِّبيان. (المُتَرْجِمُ) [328] طَنَزَ به يَطْنِزُ طَنْزاً: كلَّمه باستهزاء وسَخِرَ بِهِ، فهو طَنَّاز -كشَدَّاد-. والطَّنْز بالفَتْح: السُّخْرِيَة. (من لسان العرب وتاج العروس) (المُتَرْجِمُ) [329] الشيخ الطوسي، كتاب «الغيبة للحجَّة»، ص 401 - 402 . (المُتَرْجِمُ) [330] انظر تاريخ الطبري وصلته، ج 11، ص 86 - 88. (المُتَرْجِمُ) [331] جاء في تاريخ الطبري وصلته".... عن أبى الحسن أحمد بن يوسف قال كان الحلاج يدعو كل وقت إلى شيء على حسب ما يستنكه طائفة طائفة وأخبرني جماعة من أصحابه أنه لما افتتن الناس بالأهواز وكورها بالحلاج وما يخرجه لهم من الأطعمة والأشربة في غير حينها والدراهم التي سماها «دارهم القدرة»، حُدِّث أبو على الجبائي فقال لهم: هذه الأشياء محفوظة في منازل تمكن الحيل فيها ولكن أدخلوه بيتاً من بيوتكم لا من منزله وكلفوه أن يخرج منه جرزتين شوكاً فإن فعل فصدِّقوه، فبلغ الحلاج قوله وان قوماً قد عملوا على ذلك فخرج عن الأهواز". انتهى من كتاب صلة تاريخ الطبري.(تاريخ الطبري، ج 12، وقائع سنة 309 هـ، ص 53). [332] عباس إقبال الآشتياني، كتاب «خاندان نوبختى» [أي: الأُسْرَةُ النَّوْبَـخْتِيَّة]، (ص 110 فما بعد)، باختصار وتلخيص. [333] ثوب من صوف وجبة مشقوقة المقدم يلبسها المشايخ والزُّهَّاد عادةً. (المُتَرْجِمُ) [334] الفخري في الآداب السلطانية، محمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي (709هـ)، ترجمة وحيد الگلپايگاني، ص 355 إلى 357، وقد كتب أخونا الفاضل «سيد مصطفى الحسيني الطباطبائي» -حفظه الله تعالى - مقدمةً على الطبعة الثانية للكتاب بطلبٍ من الناشر. [يقول المترجِم: أما في النسخة العربية الأصلية لتاريخ الفخري - تحقيق عبد القادر محمد مايو، بيروت، دار القلم العربي، 1418هـ/1997م - فهو في ص 254 - 255]. [335] صلة تاريخ الطبري، للطبيب والمؤرِّخ "عُرَيْب بن سعد القُرطُبيّ" (369هـ)، ص 71. وانظر أيضاً: تاريخ الطبري وصلته، ج11، ص 88 فما بعد، وعبارته: (فرأيت جاهلاً يتعاقل وعَيِيَّاً يتفاصح وفاجراً يُظهر التنسُّك). (المُتَرْجِمُ) [336] عُرَيْب بن سعد القُرطُبيّ، صلة تاريخ الطبري، ص 71. (المُتَرْجِمُ) [337] عُرَيْب بن سعد القُرطُبيّ، صلة تاريخ الطبري، ص 68. (المُتَرْجِمُ) [338] عُرَيْب بن سعد القُرطُبيّ، صلة تاريخ الطبري، ص 70. (المُتَرْجِمُ) [339] الواقع أن قائل هذا الكلام ليس الطبري نفسه، بل «عُرَيْب بن سَعْد القُرطُبيّ» مؤلف كتاب «صلة تاريخ الطبري»، ص73 فما بعد. وهو أيضاً في تاريخ الطبري وصلته، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، دار المعارف، ط3، ج 11، ص 219 إلى 223. (المُتَرْجِمُ) [340] هذه الجملة بين المعقوفتين من عندي للتوضيح. (المُتَرْجِمُ) [341] جاء في كتاب «صلة تاريخ الطبري»: "قال أبو زرعة وسمعت أبا يعقوب الأقطع يقول زوجت ابنتي من الحلاج الحسين من منصور لِمَا رأيتُ مِنْ حُسْنِ طريقته، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحرٌ محتالٌ خبيثٌ كافرٌ". انتهى. [342] عُرَيْب بن سعد القُرطُبيّ، صلة تاريخ الطبري، ص 74. (المُتَرْجِمُ) [343] نسب المرحوم البرقعي هذا الكلام إلى الطبري نفسه وقد صحَّحت الأمر بما ذكرته في متن الترجمة، لأن الواقع أن الكلام ليس للطبري نفسه، بل لِـ «عُرَيْب بن سعد القرطبي» صاحب كتاب «صلة تاريخ الطبري»، ص 72. راجع حواشي الصفحة السابقة. (المُتَرْجِمُ) [344] في رأينا كان الهدف من وضع هذا الحديث كسب المنزلة والمقام لعدد من الوكلاء وتقليل الأثر السلبي لحديث «خُدَّامنا وقُوَّامنا شرار خلق الله». [345] حول أصحاب الأئمة راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، فصل تذكير حول مظلومية الأئمة، ص 376 فما بعد. [346] ابن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص 516. (المُتَرْجِمُ) [347] رغم أن جميع علماء الشيعة يقبلون بهذا التوقيع الذي ينص على أنه لا يجوز لشخص أن يدّعي نيابة الإمام ويعتبر نفسه قائماً مقام «علي السَّمُرِيّ» ويأخذ تحت هذا العنوان الوجوهَ الشرعيةَ وسهمَ الإمام من الناس، إلا أنكم ترون أن العلماء لا يمتنعون عن أخذ سهم الإمام. من هذا يُعلم أن العلماء يستفيدون من جهل البسطاء والعوام. وللأسف لقد وُجد آلاف الأشخاص ممَّن ادَّعَوا الفقه والاجتهاد وجعلوا أنفسهم نتيجةً لذلك نواباً للإمام الغائب بين الناس وقاموا بأخذ الوجوه الشرعية ليصرفوها طبقاً لرأيهم، دون حسيب ولا رقيب! والسؤال الذي يطرح نفسه: من أين يعلم الناس أن هؤلاء العلماء ليسوا مصداقاً لقوله تعالى: ﴿۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ٣٤﴾ [التوبة: ٣٤]. ومن الضروري في هذا الشأن مراجعة التنقيح الثاني لكتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» (ص 92 إلى 95). [348] التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري، ص 300، والمجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص 88. (المُتَرْجِمُ) [349] سبق أن عرّفنا بهذه الفرقة الضالَّة في الصفحة 112 من الكتاب الحاضر، فراجعه. (المُتَرْجِمُ) [350] لو رأى أحد الأكاذيب والخرافات التي جاءت في هذا التفسير فتساءل: أيّ إمام ذاك الذي كان جاهلاً إلى هذا الحد؟! وقد بيّن العالم المُحقّق الشيخ محمد تقي الشوشتري (التوستري) مؤلف كتاب «الأخبار الدخيلة» (ص 152 فما بعد) أكاذيب هذا الكتاب وأخطائه الكثيرة وقال: لو كان هذا الكتاب صحيحاً فالإسلام كاذب. ورُوي عن المرحوم الغضائري الذي كان من أكابر علماء الرجال أن راوي هذا التفسير شخص كذاب وضعيف رواه عن مجهولين أيضاً!! أي باطل عن باطل! [351] اثنان من رواة مقبولة «عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ» أي «محمد بن عيسى» و «داود بن الحصين» ضعيفان ولهذا السبب فليس لهذا الحديث قيمة تُذكر لأن السند يتبع أخسَّ الرجال كما أن النتيجة تتبع أخسَّ المُقدّمات.
جمع المَجْلِسِيّ في هذا الباب قصص الذين ادَّعوا رؤية المهدي. وينبغي أن نعلم أن هذه الرؤية المُدَّعاة مثلها مثل رؤية العديد من الناس لدينا - وعددهم كان كبيراً - لوجه من كانوا يُطلقون عليه «نائب الإمام» على سطح القمر في أوائل عهد الثورة في إيران (؟!) فهل يُمكن الوثوق بمثل هذه الرؤية؟! إن رؤية هؤلاء الأفراد تُماثل رؤية إمام الزمان في بلدة «آباده» التي سبق أن شرحناها في الكتاب الحاضر[تحت عنوان ذكر واقعة ذات عبرة] قبل الباب السادس (ص210)! أو تُشبه رؤية الذين كانوا يدَّعون رؤية الإمام والصلة به لما في ذلك من مصلحة كبيرة لهم!
وَعَلَى كُلِّ حَال، فإن القصص التي جمعها المَجْلِسِيّ نقلاً عن أقوال المجاهيل والضعفاء مبنيَّة على حدس الشخص الذي تصوَّر أن الذي رآه كان المهدي، وإذا رأينا في بعض الروايات أن المرئي قال لمن رآه: إنني أنا المهدي، فإما أنه كان يكذب أو كان يمزح أو أن الذي نقل لنا ذلك وضع هذه القصة من أساسها من عند نفسه، والحاصل أن مُجرّد ادِّعاء شخص، حتى لو لم يكن من الضعفاء، لا يُثبت شيئاً فما بالك إذا كان المُدَّعي من الضعفاء!
إن هذا الباب مثله مثل الأبواب السابقة باب فاضحٌ حقيقةً ولا يُمكننا أن نجد فيه حتى حديثاً صحيحاً واحداً يُمكن الاعتماد عليه، لذلك فإن دراسة أحاديث هذا الباب واحداً واحداً لا يعدو إضاعةً لوقت القرّاء. وكثير من أحاديث هذا الباب منقول عن كتاب الكافي[352]. ولذلك سوف نبدأ باستعراض هذه الروايات المنقولة عن الكافي قبل دراستنا لبقية الروايات. الأعداد التي تجدونها على يمين السهم (-->) هي أرقام الأحاديث كما جاءت في المجلد 52 من «بحار الأنوار»، في حين أن الأعداد التي تجدونها على يسار السهم (-->) هي أرقام الأحاديث في الكافي، وسوف نذكر حُكْمَ المَجْلِسِيّ عن كل واحد من هذه الأحاديث بين قوسين كما نصَّ عليه في كتابه «مرآة العقول»، بعد ذلك سنمحِّصُ عدداً مِمَّا تبقى من الأحاديث كنموذج للبقية كي يعلم القُرّاء حال قصص هذا الباب.
* 7 --> الحديث 11 باب 134 من الكافي، اعتبره المَجْلِسِيّ (مَجْهُولاً)، وذكر مُحَقِّق «البحار» في الحاشية أن اسم «نسيم» جاء في الكافي بصورة «سيماء» وقيل: إنه كان أحد غلمان «جعفر بن علي» أخي حضرة العسكري أو أنه كان من المعتمدين لدى الدولة العباسية!
* 8 --> الحديث 2 باب 134 (مجهول).
* 9 --> الحديث 6، الباب 134 (مجهول).
* 10 --> الحديث 8، الباب 134 (مجهول).
* 11 و 45 --> الحديثان 4 و 5، الباب 134 (ضعيف ومجهول).
* 21 --> الحديث 2، الباب 183 (مجهول).
* 22 --> يُشبه الحديث 3، الباب 182 (مجهول).
* 43 --> الحديث 15، الباب 134 (مجهول).
* 46 --> الحديث 7، الباب 134 (صحيح أو مجهول؟!!).
* 47 --> الحديث 9، الباب 134 (مجهول).
* 48 --> الحديث 3، الباب 133 والحديث 12، من الباب 134 (ضعيف).
* 49 --> الحديث 13، الباب 134 (مجهول).
* 52 --> الحديث 10، الباب 134 (مجهول).
الآن ننتقل إلى دراسة نماذج لما تبقَّى من الأحاديث في هذا الباب:
* الخبر 1: أورد الشيخ الطوسي [في كتابه «الغيبة» بسنده] عَنْ «أحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ» وهو - كما قال المحقق الفاضل لكتاب «البحار» في الحاشية - راو ضعيف وفيه غلو وارتفاع، وليس محلاً للثقة، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ وَرَدَ الرَّيَّ [ولم يذكر لنا اسم الشيخ ولا مبلغ علمه وعقله ومذهبه]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَدَكِيُّ -وهو شخص مجهول - قَالَ: قَالَ الأوْدِيُّ -وهو مجهول آخر-!!
فهل تقوم حجَّةٌ بمثل هذا السند؟! وهل يصلُحُ هذا دليلاً؟!
كما روى أيضاً عَنْ «عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْخَدِيجِيِّ الْكُوفِيِّ» الغالي وفاسد المذهب، عَنِ «الْأَزْدِيِّ» قال:
"سَنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ قَرِيباً مِنْهَا بَيْنَا أَنَا فِي الطَّوَافِ قَدْ طُفْتُ سِتَّةً وَأُرِيدُ أَنْ أَطُوفَ السَّابِعَةَ فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ وَشَابٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ هَيُوبٌ وَمَعَ هَيْبَتِهِ مُتَقَرِّبٌ إِلَى النَّاسِ، فَتَكَلَّمَ، فَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ كَلَامِهِ وَلَا أَعْذَبَ مِنْ مَنْطِقِهِ فِي حُسْنِ جُلُوسِهِ فَذَهَبْتُ أُكَلِّمُهُ ...... فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي! مُسْتَرْشِدٌ أَتَاكَ فَأَرْشِدْنِي هَدَاكَ اللهُ. قَالَ فَنَاوَلَنِي حَصَاةً، فَحَوَّلْتُ وَجْهِي فَقَالَ لِي بَعْضُ جُلَسَائِهِ: مَا الَّذِي دَفَعَ إِلَيْكَ ابْنُ رَسُولِ اللهِ؟ فَقُلْتُ: حَصَاةٌ، فَكَشَفْتُ عَنْ يَدِي فَإِذَا أَنَا بِسَبِيكَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَذَهَبْتُ فَإِذَا أَنَا بِهِ قَدْ لَحِقَنِي فَقَالَ: ...... أَتَعْرِفُنِي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: أَنَا الْمَهْدِيُّ أَنَا قَائِمُ الزَّمَانِ أَنَا الَّذِي أَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ، وَلَا يَبْقَى النَّاسُ فِي فَتْرَةٍ أَكْثَرَ مِنْ تِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ[353]، وَقَدْ ظَهَرَ أَيَّامُ خُرُوجِي فَهَذِهِ أَمَانَةٌ فِي رَقَبَتِكَ فَحَدِّثْ بِهَا إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ!".
أقول: ولكن مضت حتى اليوم ألف ومئة عام ولم يخرج المهدي بعد. لذا أراد المجلسيّ أن يوجِّه الرواية ويرتق فتقها فقال بعدها: "بيانٌ: لعل هذا مما فيه «البِدَاء» وأخبر (ع) بأمر غير حتمي معلق بشرط أو المراد بالخروج ظهور أمره لأكثر الشيعة بالسفراء".
لاحظوا مدى أهمّيّة مبدأ «البِداء» لأهل الخرافة، ولو لم يضعوا هذا المبدأ لواجهوا كثيراً من الأمور التي تذهب بماء وجههم وتفضح أكاذيبهم أمام الناس!
* الخبر 2: يروي الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة» أيضاً عن «أَحْمَدِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ» الغالي ذاته، عن رجل مجهول من أهل قم باسم «مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ» قصَّةً غير مترابطةٍ لا يُعرَف رأسها من ذيلها، يدَّعي فيها أَنَّهُ كان يَسِيحُ مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَلم يَصِلْ إلَى شَيءٍ، إلى أن رأى – وهو يطوف حول الكعبة - شاباً أسمرَ يقول: "لَمْ أرَ قَطُّ فِي حُسْنِ صُورَتِهِ وَاعْتِدَالِ قَامَتِهِ ثُمَّ صَلَّى فَخَرَجَ وَسَعَى فَاتَّبَعْتُهُ وَأَوْقَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي نَفْسِي أَنَّهُ صَاحِبُ الزَّمَانِ!...............[حتى يصل إلى قول ذلك الشاب الأسمر له]: فَإِنَّ الْأَمْرَ [أي الظهور] قَرِيبٌ إِنْ شَاءَ الله"!!
* الخبر 3: يروي الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة» أيضاً عن مجهول ومهمل بِاسْمِ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشُّجَاعِيِّ الْكَاتِبِ عَنْ مجهول آخر بِاسْمِ «أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النُّعْمَانِيِّ» عَنْ مجهول ثالث يدعى «يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ الْجَعْفَرِيّ» قَالَ: "حَجَجْتُ سَنَةَ سِتٍّ وثَلاثِمِائَةٍ وجَاوَرْتُ بِمَكَّةَ تِلْكَ السَّنَةَ ومَا بَعْدَهَا إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وثَلاثِمِائَةٍ ثُمَّ خَرَجْتُ عَنْهَا مُنْصَرِفاً إِلَى الشَّامِ فَبَيْنَا أَنَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وقَدْ فَاتَتْنِي صَلاةُ الْفَجْرِ فَنَزَلْتُ مِنَ المَحْمِلِ وتَهَيَّأْتُ لِلصَّلاةِ فَرَأَيْتُ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فِي مَحْمِلٍ فَوَقَفْتُ أَعْجَبُ مِنْهُمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: مِمَّ تَعْجَبُ تَرَكْتَ صَلاتَكَ وخَالَفْتَ مَذْهَبَكَ؟ فَقُلْتُ لِلَّذِي يُخَاطِبُنِي: ومَا عِلْمُكَ بِمَذْهَبِي؟ فَقَالَ: تُحِبُّ أَنْ تَرَى صَاحِبَ زَمَانِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! فَأَوْمَأَ إِلَى أَحَدِ الأرْبَعَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ لَهُ دَلائِلَ وعَلامَاتٍ. فَقَالَ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَرَى الْجَمَلَ ومَا عَلَيْهِ صَاعِداً إِلَى السَّمَاءِ أَوْ تَرَى المَحْمِلَ صَاعِداً إِلَى السَّمَاءِ؟؟ فَقُلْتُ: أَيُّهُمَا كَانَ فَهِيَ دَلالَةٌ. فَرَأَيْتُ الْجَمَلَ ومَا عَلَيْهِ يَرْتَفِعُ إِلَى السَّمَاءِ وكَانَ الرَّجُلُ أَوْمَأَ إِلَى رَجُلٍ بِهِ سُمْرَةٌ وكَانَ لَوْنُهُ الذَّهَبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَجَّادَةٌ"!!
أقول: بالله عليكم لاحظوا سند هذا الخبر ومتنه وانظروا هل يصلح دليلاً لشـيءٍ؟؟ إنهم يريدون أن يثبتوا أصول دين الله بمثل هذه المهملات، وحقاً إن الإنسان ليحتار ماذا يقول لهؤلاء الكُتَّاب الشيعة. حقاً إني لأتساءَل: لماذا أورد الشيخ الطوسي مثل هذا الخبر المهمل في كتابه؟!
* الخبر 4: يرويه الشيخ الطوسي [في كتاب «الغيبة»] عن «أَحْمَدِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ» الذي لا اعتبار لروايته، يُسْنِدُ إلى أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْهَاشِمِيِّ مِنْ وُلْدِ الْعَبَّاسِ قَالَ حَضَرْتُ دَارَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ العسكري (ع) بِسُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ تُوُفِّيَ وَأُخْرِجَتْ جَنَازَتُهُ وَ وُضِعَتْ وَنَحْنُ ... نَنْتَظِرُ حَتَّى خَرَجَ عَلَيْنَا غُلَامٌ عُشَارِيٌّ حَافٍ عَلَيْهِ رِدَاءٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ قُمْنَا هَيْبَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْرِفَهُ فَتَقَدَّمَ وَقَامَ النَّاسُ فَاصْطَفُّوا خَلْفَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَمَشَى فَدَخَلَ بَيْتاً غَيْرَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ"!!.
أقول: لقد جمع الشيخ الطوسي هذه القصص على نحوٍ ينطبق عليه المثل: «الغريق يشبَّثُ بكل حشيش»، يريد من خلال هذه القصص أن يثبت أن المهدي شوهد ورآه الناس، في حين أنه ليس في هذه الأخبار اسم للمهدي ولا أي دليل على أن من شوهد كان هو المهدي فعلاً، بل شاهد عددٌ من المجهولين شخصاً فتصوَّروا وتخيَّلوا أنه المهدي!
الخبر 5: روى الشيخ الطوسي [ في كتابه «الغيبة»] عن عددٍ من المجهولين عن مجهول باسم «أَبِي نُعَيْمٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَنْصَارِيِّ» قَالَ: كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَ المُسْتَجَارِ بِمَكَّةَ وجَمَاعَةٌ زُهَاءُ ثَلاثِينَ رَجُلاً... إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا شَابٌّ [كالعادة] مِنَ الطَّوَافِ... فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قُمْنَا جَمِيعاً هَيْبَةً لَهُ...". ثم يذكر أن الشاب جلس بينهم وأخذ يدعو بأدعية، ثم قام، وذكر أن هذا تكرَّر عدَّة أيَّام إلى أن قال لهم شخص اسمه «أَبُو عَلِيٍّ الـْمَحْمُودِيُّ»: يَا قَوْمِ! أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ هَذَا وَاللهِ صَاحِبُ زَمَانِكُمْ! فَقُلْنَا: وَكَيْفَ عَلِمْتَ يَا أَبَا عَلِيٍّ؟؟ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَكَثَ سَبْعَ سِنِينَ يَدْعُو رَبَّهُ ويَسْأَلُهُ مُعَايَنَةَ صَاحِبِ الزَّمَانِ! ثم قال لهم [أي المحمودي]: نِمْتُ مِنْ لَيْلَتِي تِلْكَ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ ص فَقَالَ يَا أَحْمَدُ رَأَيْتَ طَلِبَتَكَ؟؟ فَقُلْتُ: ومَنْ ذَاكَ يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي عَشِيَّتِكَ هُوَ صَاحِبُ زَمَانِكَ"!!
أقول: بالله عليكم هل يمكن إثبات عقيدة من عقائد الدين بمثل هذه الخيالات والأحلام؟
* 61الخبر 6: يروي الشيخ الطوسي [في كتابه «الغيبة»] عن «أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ»! الذي روى لنا في الخبر 1 من هذا الباب عن شَيْخٍ وَرَدَ الرَّيَّ دون أن يذكر لنا اسمه وصفته، وهو يروي لنا هنا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ قَزْوِينَ -وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَهُ وَلا مذهبَهُ أيضاً (ما أوثقهم مِنْ رواة!!)- يروي قصَّةً عن مجهول ثالث باسم «حَبِيبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ بْنِ شَاذَانَ الصَّنْعَانِيِّ» قَالَ: دَخَلْتُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ الأهوازيِّ [وهو أحد مُدَّعِي النيابة والسفارة عن الإمام] فَسَأَلْتُهُ عَنْ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ [العسكري] (ع) فَقَالَ: يَا أَخِي! لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، حَجَجْتُ عِشْـرِينَ حَجَّةً كُلاً أَطْلُبُ بِهِ عِيَانَ الإمَامِ فَلَمْ أَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً! فَبَيْنَا أَنَا لَيْلَةً نَائِمٌ فِي مَرْقَدِي إِذْ رَأَيْتُ قَائِلًا يَقُولُ: يَا عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ! قَدْ أَذِنَ اللهُ لِي فِي الْحَجِّ. فَلَمْ أَعْقَلْ لَيْلَتِي حَتَّى أَصْبَحْتُ فَأَنَا مُفَكِّرٌ فِي أَمْرِي أَرْقَبُ الْمَوْسِمَ لَيْلِي وَنَهَارِي، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْمَوْسِمِ أَصْلَحْتُ أَمْرِي وَخَرَجْتُ مُتَوَجِّهاً نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى دَخَلْتُ يَثْرِبَ فَسَأَلْتُ عَنْ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) فَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَثَراً وَلَا سَمِعْتُ لَهُ خَبَراً"!! (أيُّ إمام هذا الذي كان مُطَّلعاً على أقل حركة نقل وانتقال مالية وكان يعلم من خلال اطِّلاعه على الغيب صاحب كل كيس مال ومقدار ما في الكيس من ذهب أو فضة، ولكنه رغم ذلك لم يطلب طول عشرين عاماً من أحد نُوَّابه أن يُخبر هذا المسكين عن حقيقة المسألة كي يُصبح «وكيلاً» في وقت أبكر ويطلب المال من الناس بوصفه نائباً للناحية؟!). والأكثر طرافةً أن هذا الوكيل ذاته يقول: إن الإمام -الذي يُخبر حسب قولهم عن الأمور المُغيَّبة بشكل متواصل- لم يعرفه بل سأله قائلاً: "مِنْ أَيْنَ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. فَقَالَ لِي: مِنْ أَيِّ الْعِرَاقِ؟ قُلْتُ: مِنَ الْأَهْوَازِ. فَقَالَ لِي: تَعْرِفُ بِهَا ابْنَ الْخَضِيبِ؟ فَقُلْتُ: رَحِمَهُ اللهُ دُعِيَ فَأَجَابَ. فَقَالَ: رَحِمَهُ اللهُ فَمَا كَانَ أَطْوَلَ لَيْلَتَهُ وَأَكْثَرَ تَبَتُّلَهُ وَأَغْزَرَ دَمْعَتَهُ أَفَتَعْرِفُ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْمَازِيَارَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ.................
[حتى يصل إلى قول الرجل له]: فَأَنَا فِي التَّقِيَّةِ إِلَى يَوْمِ يُؤْذَنُ لِي فَأَخْرُجُ! فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي! مَتَى يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ؟ فَقَالَ: إِذَا حِيلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ سَبِيلِ الْكَعْبَةِ وَاجْتَمَعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَاسْتَدَارَ بِهِمَا الْكَوَاكِبُ وَالنُّجُومُ! فَقُلْتُ: مَتَى يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ؟ فَقَالَ لِي: فِي سَنَةِ كَذَا وَكَذَا!!".
لاحظوا كيف أراح هذا الإمام الموهوم نفسه بقوله: «في سَنَةِ كَذَا وَكَذَا»، وترك أهم مسألةٍ مُبهمةً، والطريف أيضاً أن إجابة المهدي تخالف سائر الروايات التي تنص على أن خروجه سيقع قُبَيل يوم القيامة، كما أن الأكثر طرافةً أن مهدي السيد «ابن مهزيار» هذا حدَّد وقت الخروج في حين أن المجلسي روى في الحديث رقم 6 في باب «التمحيص والنهي عن التوقيت» في المجلد 52 من البحار في عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "كَذَبَ الْمُوَقِّتُونَ! مَا وَقَّتْنَا فِيمَا مَضَى وَلَانُوَقِّتُ فِيمَا يَسْتَقْبِل"!! (فتأمَّل)
يقول القرآن الكريم عن زمن قيام الساعة: ﴿يَسَۡٔلُ أَيَّانَ يَوۡمُ ٱلۡقِيَٰمَةِ ٦ فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ ٧ وَخَسَفَ ٱلۡقَمَرُ ٨ وَجُمِعَ ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ ٩﴾ [القيامة: ٦، ٩]. أمَّا هذه الرواية فتقول: إن زمن الظهور هو زمن القيامة ذاته، وهذا على عكس سائر الروايات التي تقول إن المهدي يخرج قبل القيامة وليس حين يختلّ نظام الكون الحالي!! وليس عبثاً قول من قال: «حبل الكذب قصير»، لأن هذه الرواية تُخالف الروايةَ 19 في باب (التمحيص والنهي عن التوقيت) الذي ينسب إلى «الناحية» قوله: «أَمَّا ظُهُورُ الْفَرَجِ فَإِنَّهُ إِلَى اللهِ وَكَذَبَ الْوَقَّاتُون»، وتخالف الرواياتِ المشابهةَ لها كالروايات من 5 إلى 8 من الباب 25. فمثلاً في الرواية 5 يقول الإمام الباقر (ع): «كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ كَذَبَ الْوَقَّاتُون» ثلاث مرَّات!!
ثم إن هذا الوكيل لم يكن بارعاً إذْ لم ينقل في هذه القصة -على الأقل- نصَّ المهدي على وكالته ونيابته، بل نقل لنا حواراً مُضْحِكاً!! ولما كان حبل الكذب قصير لم يقم طول مدّة نيابته بتعريف ابنه «محمد بن إبراهيم المهزيار» على المهدي، حتى اضطر المسكين أن يخترع لنفسه نيابة باختلاق قصة لا اعتبار لها[354]!!! وينبغي أن نقول: وا مصيبتاه! من هؤلاء النُّواب الطائشين كثيري الخبط والنسيان!! والخطأ الآخر الذي وقع به هذا النائب هو روايته الحديث 28 في باب (ذِكْرُ مَنْ رآه) الذي علَّق عليه المُحقِّق الفاضل لكتاب البحار في الحاشية قائلاً: "ولا يخفى أن الحديث شاذٌّ جداً تُشْبِهُ ألفاظُهُ مخائلَ المصنفين القصَّاصين ومقامات الحريري وأضرابه"![355]
* الخبر 12: مرَّةً أخرى نجد روايةً عن «أَحْمَدِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ» الذي لا اعتبار لروايته، يروي عن مجهولٍ يُدعى «أَبِي ذَرٍّ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سَوْرَةَ» عن فرد مجهول كان -حسب ادِّعاء الرواة- زَيْدِيّاً أنه قَالَ: سَمِعْتُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ مِنْ جَمَاعَةٍ يَرْوُونَهَا عَنْ أَبِي رحمه الله أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى «الْحَيْرِ» قَالَ: فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى «الْحَيْرِ» [يبدو أن هذه المنطقة كانت قرب سامراء وأن قصر الخليفة كان فيها] إِذَا شَابٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ يُصَلِّي ثُمَّ إِنَّهُ وَدَّعَ وَوَدَّعْتُ وَخَرَجْنَا ....... .
ثم يذهب هذا الرجل زيدي المذهب إلى عنوان المنزل الذي أعطاه إياه الشاب حسن الوجه ويأخذ المال من ذلك المنزل، وبما أن الشاب حسن الوجه قال له عن نفسه: إنني «محمد بن الحسن» فإن الشيخ الطوسي ينتظر منَّا أن نُصدِّق بأنه كان المهدي! وأنه لا يحق لنا أن نقول: إن هناك مئات الأشخاص اسمهم «محمد بن الحسن»، فلماذا يجب علينا أن نعتبر كلام شخص [زيديّ المذهب] هو نفسه لا يؤمن بإمامة حضرة العسكري ولا إمامة أبيه ولا ابنه، حُجَّةً على وجود المهدي؟! بل من أين لنا أن نعلم أن الرواة لم يُلفِّقوا هذه القصة من الأساس ويضعوها على لسان شخص زيدي؟
* الخبر 13: حديث مرفوع[356] لا اعتبار له، [ينقله المجلسي عن الاحتجاج للطبرسي والغيبة للطوسي] يرويه مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ رَفَعَهُ عَنِ «الزُّهْرِيِّ» - وهذا الرفع لا يصح للانقطاع بين محمد بن يعقوب و«الزُّهْرِيِّ»، الذي كان من أهل السنة، ولعل الطوسي نقل عنه ليكون ذلك حسب ظنه مصداقاً لمقولة: «الفضل ما شهدت به الأعداء»!! ولكن لما كان السارق الغرُّ عديم التجربة يقتحم مستودع التبن!! فإن واضع الحديث أتى بكلام لا يوافق لا رأي أهل السنة ولا رأي الشيعة[357]!! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ.
قَالَ [أي «الزُّهْرِيُّ»]: "طَلَبْتُ هَذَا الأمْرَ طَلَباً شَاقّاً حَتَّى ذَهَبَ لِي فِيهِ مَالٌ صَالِحٌ فَوَقَعْتُ [أي ذهبت] إِلَى الْعَمْرِيِّ وخَدَمْتُهُ ولَزِمْتُهُ وسَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ الزَّمَانِ فَقَالَ لِي: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ وُصُولٌ [بالطبع كُلَّمَا تدلَّل أصحاب الدكاكين أكثر ازداد شوق الزبائن إلى بضائعهم!] فَخَضَعْتُ. فَقَالَ لِي: بَكِّرْ بِالْغَدَاةِ [الذي قال قبل لحظات إن الوصول إلى صاحب الزمان محال، تغير موقفه الآن بعد أن سمع المزيد من التملُّق وأصبح المحال لديه ممكناً!] فَوَافَيْتُ واسْتَقْبَلَنِي ومَعَهُ شَابٌّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً وأَطْيَبِهِمْ رَائِحَةً بِهَيْئَةِ التُّجَّارِ وفِي كُمِّهِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التُّجَّارِ فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ دَنَوْتُ مِنَ الْعَمْرِيِّ فَأَوْمَأَ إِلَيَّ فَعَدَلْتُ [أي رجعت] إِلَيْهِ وسَأَلْتُهُ فَأَجَابَنِي عَنْ كُلِّ مَا أَرَدْتُ ثُمَّ مَرَّ لِيَدْخُلَ الدَّارَ وكَانَتْ مِنَ الدُّورِ الَّتِي لا نَكْتَرِثُ لَهَا، فَقَالَ الْعَمْرِيُّ: إِذْ أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ سَلْ فَإِنَّكَ لا تَرَاهُ بَعْدَ ذَا. فَذَهَبْتُ لأسْأَلَ فَلَمْ يَسْمَعْ ودَخَلَ الدَّارَ ومَا كَلَّمَنِي بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالَ: مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ الْعِشَاءَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ ...الخ".
أقول: أولاً: لم يبيِّن الراوي من هو المقصود من«العَمْري» فإن قصد نائب صاحب الزمان فإن ما يذكره يصب في حانوت نيابته [ أي فلا تقبل شهادته فيه]. ثانياً: هناك كثير من الشبان ذوي الوجه الحسن فمن أين لنا أن نعلم أن الذي رآه الزهري – حسب الخبر المذكور – هو المهدي؟؟ ثالثاً: قوله ملعون من أخَّر العشاء خطأ، لأن الوارد عن رسول الله ص ملعون من أَخَّرَ المغرِبَ حتى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ[358] أي يجب أن تؤدى صلاة المغرب في أول وقتها، أما بالنسبة إلى صلاة العشاء فالمستحب - في رأي بعض الفقهاء على الأقل - تأخيرها ويستند هؤلاء إلى ما روي عن رسول الله ص من قوله: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ" وفي رواية أخرى "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"[359].
* الخبر 14: [يرويه الشيخ الطوسي أيضاً في كتابه «الغيبة»] راويه: «أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ» الذي لا اعتداد بروايته، عن عدد من المجهولين الذين ربما يكون أحمدُ الرَّازِيُّ قد اخترع أسماءهم من عند نفسه، ليروي قصَّةً كاذبةً على لسان «أَبِي سَهْلٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ النَّوْبَخْتِيِّ» يقول فيها: "... فَدَخَلْتُ أَتَحَرَّى فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٍّ سَاجِدٍ رَافِعٌ سَبَّابَتَهُ نَحْوَ السَّمَاء"!
ونسأل: ألا تكون راحتا اليدين على الأرض أثناء السجود فكيف كانت إحدى يدي أو إصبع المهدي تُشير إلى السماء أثناء سجوده؟! إن رائحة الكذب تفوح من جميع أنحاء هذه القصة!! ولكن ما الضرر في ذلك ما دامت تصبُّ في مصلحة «الحسين بن رَوْح» الذي كان من أقرباء «أَبِي سَهْلٍ النَّوْبَخْتِيِّ».
* 62الخبر 14 مُكرَّر: جاء هذا الحديث في «بحار الأنوار» تحت رقم 14 خطأً! [ويرويه الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة»]. راويه «أَحْمَدِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ» المغالي ذاته، عن أحد مُدَّعي النيابة ويُدعى «أَبِي الْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الأسَدِيِّ العربي» الذي يقصُّ علينا حكايةً. ولقد أورد المَجْلِسِيّ هذه القصة أيضاً في المجلد 91 من البحار، الصفحة 81 فما بعد. وراويها سواءً كان الغساني أم الأصفهاني، راوٍ مجهول ولا اعتبار لما يُروَى عنه. وللاطِّلاع على هذه القصة ونقدها راجعوا التنقيح الثاني لكتابنا «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» (ص 61 - 62).
وسنذكر أحاديث هذا الباب تحت الأرقام ذاتها التي ذكرها المَجْلِسِيّ في البحار وهذه الأرقام أقل بعدد واحد من أرقام أحاديث هذا الباب:
* الخبر 15- [يرويه الشيخ الطوسي في كتابه «الأمالي»] راويه «أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَهَّامُ» عن مهمل يُدعى «أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُطَّةَ» الذي يحكي لنا قصة غير مترابطة لا يُعرف أولها من آخرها ولا يُعلم ماذا يريد أن يقول صاحبُها!! واأسفاه على العمر الذي يُنفق على مثل هذه الأباطيل!
* الخبر 16- [يرويه الشيخ الصدوق في كتابه «كمال الدين»] راويه «عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْوَرَّاقُ» المهمل والمُتفرّد وحده بنقل هذه الرواية التي يرويها عَنْ «سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ» قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ الْخَلَفِ بَعْدَهُ ............. إلى أن يصل إلى قوله أنه رأى المهدي وحده!
أولاً: كان هذا الراوي نفسه يدَّعي النيابة، وَمِنْ ثَمَّ فإن ادِّعاء المُدَّعي لأمر يصبُّ في مصلحته لا يُسمع منه. ثانياً: في خبر «سعد بن عبد الله» (البحار، ج 52، ص 87) قيل: إن «أحمد بن إسحاق» تُوفي قبل وفاة حضرة العسكري (ع) في منطقة تقع على بعد ثلاثة فراسخ من بلدة «حلوان» الواقعة في ولاية «كرمانشاهان» ودُفن هناك!! لاحظوا كيف لا يتورَّع الكذَّابون عن رواية القصص المتعارضة التي يناقض أحدها الآخر.
* الأخبار 17 و24 و29: الطريف أن «مُظَفَّر العلوي» يروي عن «ابن العيَّاشي» المجهول عن «أبيه» وهو عن «آدم بن محمد البلخي» المهمل عن «علي بن الحسين (الحسن) بن هارون» عن مهمل باسم «جعفر بن محمد بن عبد الله بن القاسم» عن مجهول باسم «يعقوب بن منفوس (منقوش)» قال: "دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ العسكريِّ (ع) وَ هُوَ جَالِسٌ عَلَى دُكَّانٍ فِي الدَّارِ وَعَنْ يَمِينِهِ بَيْتٌ عَلَيْهِ سِتْرٌ مُسْبَلٌ فَقُلْتُ لَهُ: سَيِّدِي! مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ: ارْفَعِ السِّتْرَ فَرَفَعْتُهُ فَخَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامٌ خُمَاسِيٌّ لَهُ عَشْرٌ أَوْ ثَمَانٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَاضِحُ الْجَبِينِ أَبْيَضُ الْوَجْهِ دُرِّيُّ الْمُقْلَتَيْنِ شَثْنُ الْكَفَّيْنِ مَعْطُوفُ الرُّكْبَتَيْنِ فِي خَدِّهِ الْأَيْمَنِ خَالٌ وَفِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ فَجَلَسَ عَلَى فَخِذِ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع)! فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ، ثُمَّ وَثَبَ فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ ادْخُلْ إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ! فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا يَعْقُوبُ انْظُرْ مَنْ فِي الْبَيْتِ فَدَخَلْتُ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً.
يَتَبَـيَّنُ إذن أن مهدي هؤلاء الكذابين يتلاشى ويُصبح غير مرئيٍّ! مع أن النبيّ ص وعلياً (ع) لم يكونا يغيبان ويتلاشيان عن الأنظار! والأعجب من ذلك أن «مُظَفَّر العلويَّ» -وليتَ كان لديه قليلاً من العقل يمنعه من حكاية مثل هذه القصة- كان نفسه مُدَّعياً للنيابة والسفارة وَمِنْ ثَمَّ فمن الطبيعي أن يكون السفيرُ على صلةٍ بالمهدي وارتباط به وأن يكون قد رآه من قبل لا أن يُخبر عن وجود المهدي عبر عدة وسائط من أسماء أشخاص مجهولين ومهملين!! ولا شك أنه كان أحمق للغاية لأنه روى أن المهدي كان يتكلم في الليلة الثانية لولادته!! (الحديث 24). وإذا سألنا كيف يُمكن لطفل رضيع ذي يومين من العمر أن يتكلم؟! فمن المؤكد أنه سيُجيبنا قائلاً: كما تكلَّم حضرة عيسى (ع) في المهد. وبالطبع لا ينبغي أن ننتظر منه أن يفهم أن عيسى (ع) كان نبيَّاً والمهديُّ لم يكن نبيَّاً، وقياس النبيّ على غير النبيّ خطأ ولا يصح. ثانياً: من حيث المبدأ وكما أكَّدنا مراراً لا يُمكن أن ننسب معجزات نبيّ من الأنبياء إلى غيره إلا بدليل. وقد اعتُبِر الراوي «عبد الله السوري» من الأشخاص الذين رأوا «المهدي» مع أن اسمه لم يُذكر في الحديث 26.
الخبر 18- يقول شخص مجهول يُكنَّى بـ «أبي هارون»: "رَأَيْتُ صَاحِبَ الزَّمَانِ (ع) وَ وَجْهُهُ يُضِيءُ كَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَرَأَيْتُ عَلَى سُرَّتِهِ شَعْراً يَجْرِي كَالْخَطِّ وَكَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنْهُ فَوَجَدْتُهُ مَخْتُوناً". (وهل كان يشك في ختان الإمام حتى أراد أن يرى ذلك بأم عينه؟!) وينبغي أن نسأل المَجْلِسِيّ وأمثاله: ما الذي يُثبته قول شخص لا يُعرف اسمه ولا صفته؟
* الخبر 19- يرويه «مَاجِيلَوَيْهِ» -ضعيف العقل- عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنْ جَعْفَرٍ الْفَزَارِيِّ -الضعيف الذي كان يضع الحديث - عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ وَ«مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» [وهو النائب الثاني] قَالُوا عَرَضَ عَلَيْنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ [العسكري] (ع) ابْنَهُ وَنَحْنُ فِي مَنْزِلِهِ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ رَجُلًا فَقَالَ: هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ أَطِيعُوا وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ أَمَا إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا! قَالُوا: فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَمَا مَضَتْ إِلَّا أَيَّامٌ قَلَائِلُ حَتَّى مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (ع)".
هذا في حين أنهم يقولون في رواياتهم: لا يجوز التلفظ حتى باسم الإمام وكانوا يسعون في إخفاء ولادته، ورغم ذلك جاء في هذا الحديث أنهم أروه لأربعين شخصاً، مع أن مثل هذا العدد من الأشخاص في القرن الثالث الهجري ليس بالعدد القليل خاصةً في مدينة [صغيرة] مثل سامراء. ثم إن كلا «العَمْريين» كان يدَّعي النيابة والسفارة وهذا يستلزم رؤية المُوَكِّل وأخذ التوقيع منه، وقد ادّعى هذا «العَمْري» ذاته في روايات أخرى أنه رأى الإمام خارج منزل حضرة العسكري (ع) في مكة! كما ادَّعى آخرون أيضاً أنهم رأوا المهدي في مناسبات أخرى! (كالحديث 25).
* الخبر 26- حقَّاً إنَّ كاتب هذه السطور محتارٌ من عقل الشيخ الصدوق الذي ذكر هو نفسه في كتابه «كمال الدين» أنهم أظهروا المهدي إلى أربعين شخصاً وقالوا: لن تروه بعد اليوم (الحديث 19 من هذا الباب ذاته) ثم روى هو نفسه هذا الحديث ونقله عن «محمد الكوفي» الذي كان يؤمن بالجبر والتشبيه وينقل عن الضعفاء[360] أن 65 شخصاً رأوا المهدي!!
من البديهي أنه لا يُمكن القول: إن 25 شخصاً كانوا قد رأوا المهدي الموهوم قبل الجلسة التي رآه فيها أربعون شخصاً لأن كثيراً من الـ 25 شخصاً هؤلاء يدَّعون رؤية المهدي بعد حضرة العسكري (ع)! (فَلَا تَتَجَاهَلْ). والأكثر طرافة في هذا الخبر أن اسمَيْ النائبين الثالث والرابع لم يُذكرا فيه!
* الخبر 27- راجعوا الصفحة 273 من الكتاب الحاضر.
* 63الخبران 28 و 32- قال المُحقق الفاضل لكتاب البحار عن الحديث 28 هذا: "ولا يخفى أن الحديث شاذٌّ جداً تُشْبِهُ ألفاظُهُ مخائلَ المصنفين القصَّاصين ومقامات الحريري وأضرابه"!! يدل هذان الحديثان على أنه كان للمهدي أخٌ غائبٌ أيضاً باسم «موسى»!! وبالنسبة إلى الحديث الأخير راجعوا ما ذكره المحقق المحترم لكتاب البحار في حواشيه على الصفحة 42 و 43 للمجلد 51 من «بحار الأنوار».
إلى هنا بيَّنا عدداً من الـ 55 قصة المذكورة في هذا الباب ولو أردنا أن نأتي ببقية أخبار هذا الباب كلِّها لأصبح الكتاب كتاباً مُفصَّلاً جداً، والأهم من ذلك تضييع الأوقات والعُمْر وذلك لأننا لا نجد في تلك الأحاديث حتى حديثاً واحداً خالياً من الخلل أو العيب!!!
إن قصص هذا الباب تُشبه حكايات الجدَّات التي يحكونها لتنويم الأطفال بل بعضها أكثر إضحاكاً من تلك الحكايات!! في هذه القصص يَعْبُرُ «المهديُّ» الأبواب المغلقة ويغيب ويختفي عن النظر فجأة، ويُحَوِّل الحصى إلى ذهب ويشفي المريض ويملك في منطقة «صابر» في المدينة قصراً[361]!! وفي القصة رقم 55 يُعيد السن المكسور والواقع على الأرض إلى حالته السابقة! ويُصيب بالعمى امرأة سُنِّيَّةً ثم يُعيد إليها بصرها! يَشْفي مُصاباً بالشلل ويبرئُ ضريراً. يقطع في غزة في فلسطين رأس شخص كان يُدافع عن معاوية! ويمسح بيده على رأس مجروح جَرَحَهُ أحد أنصار علي فيشفيه! ويُعطي إناء من الماء لعدة عطشى فلا ينتهي الماء من الإناء مهما شربوا!! و.......الخ. ونقول:
أولاً: لقد روى أتباع الفرق الباطلة لاسيما الصوفية بل حتى غير المسلمين من أتباع الديانات الأخرى ما يُشبه هذه المعجزات والكرامات والخوارق العجيبة عن أئمتهم ومشايخهم ورهبانهم وهي لا تقل إعجازاً عن القصص المروية عن المهدي الوهمي. فلماذا نُصدّق قصص المهدي ونُكذِّب قصص أولئك؟[362]
ثانياً: إن من له علم بالقرآن وسيرة النبيّ ص لا يُمكنه أن يُصدّق هذه القصص. فخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يقول: ﴿وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ ٨٠﴾ [الشعراء : ٨٠] ولم يقل: إني أشفي نفسي. ولما هاجر رسول الله ص إلى المدينة مرض عدد من الصحابة وأُصيبوا بالحُمّى، وكُسرت رُباعيته ص في معركة «أُحد» وجُرحت شفته وأُصيب عاتقه المبارك بضربة كان يتألم منها حتى سنة، ولكن النبيّ ص لم يُعد رباعيته إلى مكانها وحالتها الأولى كما لم يشفِ مرضى الصحابة بمسح يده عليهم. ولم يشفِ جرحى بدر وأُحد بمسح يده. (فتأمَّل). وأُصيب الإمام زين العابدين (ع) يوم عاشوراء بالحُمّى ولم يشفه أبوه من ذلك. وابتُلي حضرة الرضا (ع) بانسداد الأمعاء أو على حسب قولكم أكل العنب أو الرمان المسموم ولم يشفِ نفسه! وهكذا......
ثالثاً: يقول رسول الله ص في ما رُوي عنه من أدعية ومنها دعاء «الجوشن الكبير»: «لا يشفِي المرضى إلا هو». ويصف القرآن الكريم المشركين بأنهم إذا أُحيط بهم ومسَّهم الضر دعوا الله مخلصين له الدين أو إذا كانوا في البحر وهبَّت عاصفة وخشوا من الغرق والهلاك دعوا الله مخلصين له الدين قائلين: لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ، أي إذا هم يعتبرون أن لغير الله يداً أيضاً في نجاتهم! (الأنعام: 63 و 64، الإسراء: 66 و 76، العنكبوت: 65). يَتَبَـيَّنُ إذن أنهم عندما يكونون في البر أيضاً أو في مكان آمن، ثم يَـحِلُّ بِهِم مِنَ الخَطَر ما حلّ بهم في البحر، يُصبحون مُوحِّدين وإلا فلا. ولو أردنا أن نأتي بجميع آيات القرآن المُتعلّقة بهذا الموضوع وأن نشرح مسألة الإذن الإلهي العام وإذنه الخاص لطال بنا الكلام ولأدّى ذلك إلى تكرار ما ذكرناه في كتبنا الأخرى[363].
[352] راجعوا كتابنا «عرض أخبار الأصول .....» للاطِّلاع على ما ذكرناه بشأن هذه الأحاديث. [353] من المعروف أن تيه بني إسرائيل في الصحراء دام حوالي أربعين سنة. [354] اعتبر المجلسي في كتابه «مرآة العقول» الحديث 5 من الباب 182 مجهولاً. والمجهول قسم من أقسام الحديث غير المعتبر. راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 852. [355] بحار الأنوار، طبع بيروت، ج 52، ص 33. (المُتَرْجِمُ) [356] الحديث المرفوع عند علماء الحديث الإمامية هو الذي لم يكن راويه معاصراً للنبيّ أو الأئمة وَمِنْ ثَمَّ فلا يمكن أن يروي مباشرة عنهم، ومع ذلك روى عنهم مباشرةً ولم تُذكر الواسطة بين هذا الراوي وبين من روى عنهم في سند الحديث. ومثل هذا يُسمّى لدى علماء الحديث من أهل السنة بالحديث المرسل. وهو بشكل عام حديث ضعيف لا يُعْتَمَدُ عليه. (المُتَرْجِمُ) [357] إلى حد أنهم اضطروا كعادتهم إلى الاستفادة من الذريعة الشائعة جداً وهي: «اشتباه النُّسَّاخ وخطؤهم». [358] الحديث رواه الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» [1: 220] عن الإمام الصادق (ع) قال: "مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ طَلَباً لِفَضْلِهَا فقِيلَ لَهُ إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يُؤَخِّرُونَ الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ فَقَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ عَدُوِّ اللهِ أَبِي الْخَطَّابِ". [359] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 3، ص 146. [360] للتعرُّف على أحواله راجعوا كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات]، الصفحة 98، وكتاب «معرفة الحديث»، ص 96. [361] من جهة يقولون: إنه غاب عن الأنظار خوفاً من القتل أو يقولون في القصة السادسة من هذا الباب: إنه لا يُقيم سوى في الجبال وفي الفيافي والبيادي. ومن الجهة الأخرى يقولون: إن لديه قصراً في «صابر»؟ فإذا كان الأمر كذلك فكيف لا يهجم عمال الخليفة على ذلك المكان المشار إليه ليعتقلوه؟! [362] من الضروري في هذ المجال مراجعة كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، ص 261 فما بعد. [363] يُراجع في ذلك التنقيح الثاني لكتاب المؤلِّف أي المرحوم البرقعي: «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، فصل «توحيد العبادة». (المُتَرْجِمُ)
نقل المَجْلِسِيّ في البحار عن الشيخ الصَّدوق قوله: إن «سعد بن عبد الله الأشعري» كان أحد الذين التقوا بالمهدي! لكن النجاشيّ قال: إن بعض أصحابنا اعتبر لقاء «سعد بن عبد الله» لحضرة العسكري خبراً موضوعاً. وَعَلَى كُلِّ حَال، روى الصدوق في [كمال الدين] عن «أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى» بواسطة «مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ النَّوْفَلِيِّ»، لكن «أَحْمَدَ بْنَ عِيسَى» هذا مجهول الحال! وروى عن «أَحْمَدَ بْنِ طَاهِرٍ الْقُمِّيِّ» وهو أيضاً مجهول ومهمل، عَنْ «مُحَمَّدِ بْنِ بَحْرِ بْنِ سَهْلٍ الشَّيْبَانِيِّ» وهو ضعيف ومن الغلاة، عَنْ «أَحْمَدَ بْنِ مَسْرُورٍ»، وهو أيضاً مهمل!! عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأشعري الْقُمِّيِّ!!
لاحظوا أن الصدوق نقل هذا الحديث عبر خمس وسائط عَنْ «سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ» وهذا لا يتطابق مع طريقة الصدوق ومنهجه، وكما أشار المُحقق المحترم لكتاب «بحار الأنوار» في الحاشية: يروي الشيخ الصَّدوق أحاديثه عَنْ «سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ» عبر واسطة واحدة دائماً هي إما والده [أي والد الشيخ الصدوق] أو [شيخ الصدوق] «محمد بن الحسن الوليد» أو عن كليهما عَنْ «سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ».
والإشكال الثاني في هذه الرواية أن ثلاثة من الوسطاء الخمسة من رجال سندها مجهولون ومهملون وأحدهم من الغلاة وهذا يجعل هذا الخبر في غاية الضعف.
والإشكال الثالث الأكثر أهمية مما سبق أن علماء الرجال لم يعدّوا «سَعْدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ» في عداد من روى عن إمام الزمان ولا في عداد من رأى معجزاته بعكس ما جاء في هذا الخبر الذي ينسب إلى سعد بن عبد الله مشاهدته لمعجزة للمهدي!
والإشكال الرابع أنه ذُكِرَ في متن الرواية أن أحمد بن إسحق تُوفّي زمن الإمام الحسن العسكري، وهذا يناقض الأخبار التي اعتبرته من نواب إمام الزمان! وأنه عاش لسنوات عديدة بعد الإمام العسكري (ع).
والإشكال الخامس أن الرواية تقول إن صاحب الأمر كان يلعب برمانة ذهبية ويدحرجها بين يديه في حين أن الكُليني روى عن الإمام الصادق (ع) قوله: "إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ لَا يَلْهُو وَلَا يَلْعَب"[364]. والطريف أنه قد جاء في الرواية أنه كان "بِيَدِهِ [أي بيد الإمام العسكري (ع)] قَلَمٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْطُرَ بِهِ عَلَى الْبَيَاضِ قَبَضَ الْغُلَامُ عَلَى أَصَابِعِهِ فَكَانَ مَوْلَانَا (ع) يُدَحْرِجُ الرُّمَّانَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَشْغَلُهُ بِرَدِّهَا لِئَلَّا يَصُدَّهُ عَنْ كِتْبَةِ مَا أَرَادَ"! ولكن من الجهة الأخرى يروي أن هذا الغلام ذاته كان يخبر عن الغيب و يجب عن أسئلة الضيوف الفقهية والكلامية!! أضِف إلى ذلك أن امتلاك الإمام العسكري لرمانة ذهبية باهظة الثمن جداً لا يُعدُّ فضيلةً له.
والإشكال السادس في هذه الرواية ما ذُكِرَ في متنها من أن إمام الزمان كان يُخبِر عن أموال الناس بالغيب مع أن الله نفى علم الغيب عن أحد سواه. أضف إلى ذلك أن هذه الرواية تذكر أن أحمد بن إسحاق نسي ثوب امرأة عجوز في حقيبته ولم يأت بها إلى الإمام فطالبه الإمام بها فاكتأب لذلك إلى أن وجد ذلك الثوب تحت قدمَي الإمام العسكري خلال الصلاة. أقول فبالله عليكم لاحظوا أي خرافات باسم الإسلام اخترعوا وافترَوا. إن الإنسان يحتار ماذا يقول لهؤلاء المحدّثين، هل إمامكم أعلى رتبة من رسول الله ص؟! عندما عاد رسول الله ص من غزوة بني المصطلق وحثّوا الجمال التي عليها الهودج على السير تحرك هودج عائشة دون أن تكون هي فيه حيث كانت تبحث عن عقد لها فقدته، فلما رجعت رأت الناس قد ذهبوا بهودجها وتركوها في البادية وحدها، فرآها صفوان بن المعطِّل، وكان قد بقي أيضاً وراء الجيش فعرفها فَقَدِمَ بها المدينة، عندئذ افترى المنافقون حديث الإفك الذي جعل رسول الله ص يتغيّر نحو عائشة حتى قالت إنها بقيت شهرين كاملين لا ترى اللطف الذي كانت تراه من النبي ص حتى أنه فكر بمفارقتها، إلى أن نزلت الآيات من 11 إلى 20 من سورة النور تُبَرِّئُها وتثبت طهارتها، فرسول الله ص لم يدر بتخلُّف أَهْلِهِ وبقائها في البادية وحدها ولم يكن متأكِّداً من براءتها قبل أن ينزل الوحي عليه، ولكن إمام هؤلاء الكذَّابين كان يعلم ببقاء ثوب العجوز في الحقيبة!! كذلك لما هاجر رسول الله ص لم يكن قادراً على طيّ الأرض بل تحرّك ماشياً أو راكباً وكان يتوارى عن أنظار المشركين ويسلك وعر الطريق ولكن إمام الكذّابين كان باستطاعته أن يأتي بأموال الناس ويحضرها لديه من مسافة فراسخ عديدة!
والإشكال السابع في هذه الرواية ما جاء في متنها من أن الله عز وجل قد أمر برجم الزانية المحصنة مع أن هذا افتراء على الله ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا﴾ [الانعام: ٢١] فالرجم موضع خلاف بين الفقهاء ولم يأمر الله به [في كتابه] فكيف تقول الرواية إن الله أمر بالرجم؟ ألم يعلم الرواة أن الله تعالى قال: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ ١٦٨ إِنَّمَا يَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلۡفَحۡشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ١٦٩﴾ [البقرة: ١٦٨، ١٦٩]، كما قال تعالى مرات عديدة في كتابه بأسلوب الاستفهام الإنكاري: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾؟؟
والإشكال الثامن في هذا الخبر أنه فسّر الحروف المقطعة في أول سورة مريم أي «كهيعص» بأن المقصود من الكاف كربلاء ومن الهاء هلاك العترة ومن الياء يزيد ومن العين عطش الحسين ومن الصاد صبر الحسين! وهذا أيضاً غير صحيح ومخالف لقول المفسِّـرين ولقول حضرة الإمام علي بن أبي طالب ÷ الذي نقل عنه المجلسي في البحار ذاته تفسيره لتلك الحروف بأن المقصود من كل منها اسم من أسماء الله عز وجل، بناء على ذلك فالمقصود من «كهيعص» هو أن الله تعالى أقسم في بداية سورة مريم بصفاته على أن ما سيأتي في السورة حق و واقع. (راجعوا الصفحة 227 من الكتاب الحاضر).
على كل حال، ما ذكرناه هو بعض الإشكالات في متن ذلك الخبر ذي السند المتهافت وهناك إشكالات كثيرة أخرى، ففي متنه جمل تخالف كثيراً من آيات القرآن الكريم، ولكننا نكتفي هنا بما ذكرناه من إشكالات. وسعد بن عبد الله الأشعري هذا الذي تُنسب إليه هذه الرواية، قد ألف كتاباً بعنوان «المقالات والفرق» ولم يشر فيه أدنى إشارة إلى رؤيته صاحب الأمر، فلو كان هذا الخبر صحيحاً عنه لأشار إليه في كتابه.
أيها القارئ المحترم! لقد أورد الشيخ الصدوق هذا الخبر الفاضح في كتابه «كَمَال الدِّيْن» ونسأل: يا تُرى لو كان للصدوق درايةٌ كافيةٌ بالقرآن، ولو كان قد استخدم عقله كما يجب هل كان من الممكن أن يروي مثل هذا الخبر في كتابه؟!
[364] الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 311، باب 128، حديث 15.
ذكر المجلسيّ هنا عدداً من أسباب غيبة المهدي وعِلَلَ استتاره، ولكن أياً من هذه الأسباب لا يصح [أي لا يصح أن يبرِّر غيبته]. كما ذكر عدداً من الأخبار التي لا تتَّفق مع العقل ولا مع القرآن وبالتالي فلا يمكن أن تكون من كلام الأئمة لأنهم لا يتحدثون قطعاً بما يخالف كتاب الله وسنة رسوله ص؛ فهذه الأخبار من وضع الكذّابين والوضّاعين، وقد ألقى التعصُّب المذهبي غشاوة على أبصار الذين أخذوا بهذه الأخبار من العلماء فحال دون تفكرهم بحقيقتها [واكتشاف وضعها] وَحَمَلَهْم على الدِّفاع عنها، مع أنَّ الأئمَّةَ عليهم السلام أنفسهم قالوا: "لَاتُصَدِّقْ عَلَيْنَا إِلَّا مَا وَافَقَ كِتَابَ اللهِ وَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ"[365] و "وَلَا تَقْبَلُوا عَلَيْنَا حَدِيثَنَا إِلَّا مَا وَافَقَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّة"[366].
وسنستعرض فيما يلي ما ذكره المجلسيّ من علل وأسباب لتبرير غيبة المهدي ونزنها بميزان العقل والقرآن ونترك الحكم بعد ذلك للقارئ. و بدايةً نقول إن أكثر هذه الأخبار مرويةٌ عن رواة مجهولين أو كذابين أو غلاة!! لذا لن نتعرض لأسانيدها بل سنكتفي بفحص متونها.
قبل البدء يجب أن نتذكَّرأنَّ أصحاب كل إمام من الأئمة لا يعرفون الإمام الذي بعد إمامهم، وأن المعاصرين لكل إمام كانوا يسألون إمامهم لِمَن الأمر من بعدك؟ (وتوجد في الكافي أحاديث عديدة تدل على ذلك)، بالإضافة إلى مسألة وفاة «إسماعيل» الأخ الأكبر لحضرة الكاظم (ع) قبل وفاة أبيهما الإمام الصادق (ع)، و وفاة «السيد محمد» الأخ الأكبر لحضرة العسكري (ع) قبل وفاة أبيهما الإمام الهادي (ع)[367] والانشقاقات العديدة التي وقعت بين الشيعة بعد وفاة كل إمام منذ رحيل الإمام الباقر (ع) فما بعد، كل هذه الحقائق تشكل أدلَّة دامغة على أن الشارع لم يعرِّف للمسلمين اثنا عشر إماماً بأسمائهم بالصورة الشائعة بيننا وأن الأحاديث التي تتعلق بالاثني عشر إماماً وبالإمام القائم وضعت جميعُها على لسان حضرات الصادقَيْن أو غيرهما من الأئِمَّة في زمنٍ لاحق، ولذلك حتى لو كانت أسانيد أحاديث هذا الباب صحيحةً فإن متونها معلولة لمخالفتها لحقائق التاريخ القاطعة هذه. (فتأمَّل)
أورد المَجْلِسِيّ في هذا الباب 22 حديثاً كي يبيِّن لنا علة غيبة المهدي والحكمة من غيبته. ولقد بينا في الصفحات الماضية خطأ مثل هذه الاستدلالات الواهية ولكننا مضطرون هنا لدراسة الأحاديث الخاصة بها على نحو الاختصار.
تنقسم أحاديث هذا الباب إلى قسمين:
القسم الأول: عدد من الأحاديث يذكر أن علَّة وقوع الغَيْبَة غير معروفة، بل سرٌّ من أسرار الله لم يُؤْذَن الكشف عنه، لذا ينبغي عدم السؤال عنه!! (الحديثان 4 و7). وهذا يدل على أن واضعي الأحاديث لم يكونوا مطلعين على موضوعات وأكاذيب بعضهم بعضاً، إذْ لم يعلموا أن زملاءهم من الوضاعين قد وضعوا أحاديث تُبَيِّنُ عِلَّة الغَيْبَة! وَمِنْ ثَمَّ فإن موضوعات كل فريق تذهب بعناء ما وضعه الفريق الآخر!! لأنه إذا كانت عِلَّة الغَيْبَة معروفة - كما بيَّنَتْهُ أحاديث القسم الثاني - فلماذا تقولون إن علَّة الغَيْبَة وحكمتها مجهولان وأنهما سرٌّ من أسرار الله لا ينبغي السؤال عنه؟ وإن كان الشارع قد بيَّن عِلَّة الغَيْبَة، فلماذا قلتم إن السؤال عن العِلَّة لا لزوم له؟!
ولا شك أن الشريعة التي يقول كتابُها: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: ١٠٧] ويقول: ﴿هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ٢٠﴾ [الجاثية : ٢٠] ويقول: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسُۡٔولٗا ٣٦﴾ [الإسراء: ٣٦] لا تدعو الناسَ إلى الإيمان الأعمى بشيء لا سيما إذا كان أصلاً من الأصول الاعتقادية[368]. (فتأمَّل)
وقد جاء في بعض أحاديث هذا القسم الأول قياس عدم كشف وجه الحكمة من غَيبة المهدي على عدم انكشاف وجه الحكمة فيما فعله الخضر أمام حضـرة موسى (ع) عندما قام الخضـر بخرق السفينة أو قتل الغلام أو إقامة الجدار، إذْ لم يكن موسى (ع) يعلم الحكمة من تلك الأعمال ولا سبب القيام بها!!! ومن جملة ذلك الحديث الرابع الذي رواه «ابْنُ عُبْدُوسٍ» المجهول عَنْ مجهولٍ آخر يُدعى «أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ الـْمَدَائِنِيُّ» عَنْ مجهولٍ ثالثٍ باسم: «عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ»! ولكن الحقيقة هي أنه:
أولاً: قام الراوي بقياس مع الفارق ليخدع بذلك العوام، وذلك لأن تعلُّم حضرة كليم الله (ع) من العبد الذي آتاه الله من لدنه علماً واتِّباعه له يتعلَّق بحضرة موسى (ع) وحده لا بأمته، ولم يكن لذلك أيُّ علاقة بعقائد أمته بل لم يكن لذلك أيُّ علاقة حتى بحضرة هارون (ع). (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
ثانياً: رغم أن العبْدَ العَالِمَ -كما جاء في سورة الكهف- اشترط على موسى وحذَّره أن الصبرَ على أمر مجهول الغاية أمرٌ في غاية الصعوبة واستبعد أن ينجح موسى في هذا الامتحان[369]، إلا أن حضرة موسى (ع) لم يكن موافقاً على الأعمال التي قام بها العبد العالم قبل أن يطَّلع على الهدف والحكمة منها، ثم بعد أن انكشفت له علّة تلك الأعمال وحكمتها قَبِلَهَا، ولكن الأكثر أهمية أن العبد العالم بيَّن لموسى (ع) ذاته عاقبة الأعمال التي قام بها والغرض والهدف منها ولم يُبيِّن ذلك لعشرات الأجيال بعده!
ثالثاً: كان حضرة موسى (ع) نَبِيَّاً وَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ تعالى أن يتَّبعَ العبدَ العالمَ ويتعلَّمَ منه، ولكنَّ اللهَ لم يأمر أمَّةَ الإسلام أن تتَّبع الشيخ الطوسي ورواياته غير الموثوقة، وأنتم أيضاً لم تُقدِّموا لنا شيئاً سوى الروايات. لاحظوا كيف يروي لنا عددٌ من الخرافاتيين والجهلة قصصاً فيأتي كُتَّابُنا ويقبلون حكاياتهم تعصُّباً ويُصرُّون على التمسُّك بها!
تذكير: اعلم أنه لا يوجد في القرآن الكريم ذِكْرٌ للخضر، وما شاع بين الناس من أنه شخص شرب من ماء نبع الحياة (؟! خرافة أخرى) فنالَ حياةً أبديّةً، هو من المشهورات بين العامة، ولا علاقة له مطلقاً بالقرآن الكريم، وللأسف يتم أحياناً نسبة أسطورة العمر الخالد لحضرة إلياس (ع) أيضاً. وقد بذل الشعراء والصوفية - مع الأسف- سعياً بليغاً في الترويج لاسم الخضر وأسطورته، وتمكنوا ليس من خداع العوام فقط، بل من خداع بعض علمائنا وكُتَّابنا أيضاً، مع أنه لا يوجد أي دليل عقلي أو شرعي على وجود الخضر! وقد اعتبره الصوفية المظهر الكامل للولي والمُراد والمُرشد ومظهر العلم بالباطن (؟!) وأشربت قلوبهم حبّ هذا الكائن الخيالي!!
لكن هذه الخرافة تتعارض مع القرآن الكريم القائل: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ ٣٤ كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِ﴾ [الأنبياء: ٣٤، ٣٥]، وينبغي أن نلاحظ أن كلمة «بشر» جاءت في الآية الكريمة بصيغة النكرة، والنكرة في سياق النفي تُفيد العموم، فالآية تدلُّ على أن جميع الأَنْبياء عليهم السلام قد رحلوا عن هذه الدُّنْيَا الفانية، سواءً كان ذلك موسى أم عيسى أم إلياس، فضلاً عن الخضر الموهوم! (فَلَا تَتَجَاهَلْ). كما ذُكر في الكتب المعتبرة أن رسول الله ص قال يوم بدر: «اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعبَد في الأرض»[370] ولو كان الخضر أو إلياس حيين و باقيين لكانا ممن يعبد الله في الأرض ولما قال خاتم النبيين ص تلك العبارة. بناء على ذلك فكل الأحاديث التي فيها ذكر للخضر مردودة. (فتأمَّل جدَّاً).
القسم الثاني لأحاديث هذا الباب هي الأحاديث التي تبيِّن علل الغَيْبَة. فبعضها اعتبر أن الغَيْبَة «سُنَّة من سنن الأنبياء»! (الحديث رقم 3) في حين أن هذه الحجَّة مردودةٌ تماماً إذْ لم يغب أيُّ نبيٍّ من الأنبياء. فبالنسبة إلى حضرة موسى:
أولاً: لم تكن ولادة موسى (ع) ولا وجوده مشكوكاً بهما. ثانياً: إن غاب عن مصر فقد ظهر في مدين. ثالثاً: إن ذهب إلى الميقات وتأخر عشرة أيام عن الموعد الذي أخبر عنه، فقد رجع بعد ذلك إلى قومه أنفسهم الذين وعدهم بعودته إليهم ولم يرجع إلى ذُريَّاتهم الذين جاؤوا بعد عشرات القرون! وإن غاب حضرة يوسف (ع) عن كنعان فقد كان ظاهراً للناس في مصر كما كان ظاهراً لصاحِبَيْهِ في السجن وللسجانين. وإن خرج حضرة إبراهيم (ع) من مدينته ودياره -وغاب حسب قولكم- فقد ذهب إلى مكة لأجل عمارتها وتطهير بيت الله وكان ظاهراً هناك، وإن استقر حضرة يونس (ع) في بطن الحوت فقد وقع ذلك منه بعد إنجازه مهمة تبليغ قومه لا قبل إبلاغ الرسالة، وقد عاقبه الله لأنه ترك قومه قبل أن يأذن الله له بذلك، وهذا لا يُسمَّى غيبة. لماذا لا يدرس كُتَّابنا تاريخ الأنبياء ويقرؤونه جيداً ويقبلون الروايات بدون تأمل؟!
وجاء في بعض أحاديث القسم الثاني أن عِلَّة الغَيْبَة هي «الخوف من القتل»!! كما في الأحاديث رقم 1 و2 و5 و10 و16 و18 و20 إلى 22 التي أوردها المَجْلِسِيّ حول هذه العِلَّة للغَيْبَة. هذا في حين أن هذه الحجَّة مردودةٌ تماماً. لأنه إذا وجب على من هو حجَّةُ اللهِ على خَلْقِهِ أن يغيب ويستتر عن الخَلْق خوفاً من القَتْل لوجب على جميع الأنبياء الذين كان أعداؤهم أكثر عدداً والذين لم يكن لهم أي ناصر ومعين في بداية دعوتهم أن يغيبوا ولا يُظْهِرُوا أنفُسَهم لأحد! هذا في حين أن الله تعالى قال عن مُبَلِّغِي رسالاته المؤمنين: ﴿ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَ﴾ [الأحزاب : ٣٩]. أضف إلى ذلك أن الله خير الحافظين وهو قادر على حفظ حجته على الخلق كما قال لآخر حججه ص: ﴿وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧]. ولو كان الموجب لغيبة الحجَّة خوفه من القتل، لوجب أن يبقى غائباً إلى يوم القيامة لأن هذه العلة موجودة دائماً بل إن الخوف من القتل يزداد يوماً بعد يوم لاسيما في زماننا الذي أصبحت الأسلحة فيه أكثر تطوُّراً وفتكاً وقوَّةً فيجب إذاً أن لا يظهر المهدي مطلقاً إلى يوم القيامة!
ثم إنه في زماننا هذا أصبح الحكم والرئاسة في بلادنا بيد نائب المهدي ـ حسب قولكم ـ والناس لدينا يدعون ليل نهار قائلين: "اللهم عجِّل في فرج مولانا القائم" فلماذا لا يظهر «القائم» إذاً؟! وهل يخاف من نائبه ولا يثق به؟!
وبعض الأحاديث - في هذا القسم - تذكر أن عِلَّة الغَيْبَة هي «أن لا يكون في عُنُق المَهْدِيّ بَيْعَةٌ لأحد»، كما نجد المَجْلِسِيّ ينقل لنا هذه العِلَّة في الروايات 11 و12 و13 و14 و15 من هذا الباب!!
وهذا التبرير أو الحُجَّة في غاية الضعف! وهو يُبيِّن أن صُنَّاع المهدي لم يكونوا على علم بالتشيع وأصوله لأنه من وجهة نظر الشيعة لا تكون البيعة مشروعة ومُعتدَّاً بها شرعاً إلا إذا كانت للإمام الحق أما بيعة الإمام غير الحق وغير المنصوص عليه فهي بيعة غير شرعية ولا تنعقد أصلاً ولا بُدَّ عند الإمكان من نقضها والعودة إلى الإمام المنصوص عليه. بناءً على ذلك، فإن البيعة غير المُعتبرة وغير المشروعة للحاكم الغاصب لا يُمكنها أن تحول دون خروج الإمام أو تمنع خروجه. وليت شعري! هل امتنع حضرة السجاد (ع) أو حضرة الصادق (ع) لهذا السبب عن الخروج، ولم يُشكّلا الحكومة الإسلامية لأنه كان في عنقهما بيعة لحاكم غاصب؟! ولو كان في عنق حضرة العسكري (ع) بيعة لأحد ولهذا السبب لم يكن قادراً على الخروج لمَا كان هناك من داعٍ لوضعه تحت الإقامة الجبرية والمراقبة الدقيقة في معسكر سامراء؟!! ثم إن الفقهاء ومُبلِّغي الدين لاسيما بعد عهد الصفوية لم يكن في عنقهم بيعة لأحد فلماذا لم يظهر المهدي؟! واليوم لم يعد تقليد البيعة قائماً، فلماذا لا يظهر المهدي؟! أيّة مهملات هذه التي دُوِّنت في كتبنا منذ ألف سنة ولا زال علماؤنا يتعصَّبون لها؟!
ذكر عدد من أحاديث هذا الباب، والتوقيع الذي ورد برقم 10 في المجلد 53 من البحار (ص 180 - 181) وجه انتفاع الناس من الإمام الغائب بأنه مثل انتفاع الناس من الشَّمْس المُحتَجِبَة عن الأنظار خلف الغيوم، مع أن ذلك قياس غير مناسب، وتجنُّباً لإطالة الكتاب نُحيل القُرَّاء المحترمين إلى الدلائل المفصَّلة على بطلان هذا التشبيه في كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (تمحيص الحديث السادس، ص 199).
في ختام هذا الباب قام المَجْلِسِيّ بتلفيق بعض الجمل -بل الأكاذيب- فقال:
"فإن قيل أليس آباؤه (ع) كانوا ظاهرين ولم يخافوا ولا صاروا بحيث لا يصل إليهم أحد قلنا آباؤه (ع) حالهم بخلاف حاله لأنه كان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت وغيرهم أنهم لا يرون الخروج عليهم ولا يعتقدون أنهم يقومون بالسيف ويُزيلون الدول بل كان المعلوم من حالهم أنهم ينتظرون مهدياً لهم وليس يضر السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم. وليس كذلك صاحب الزمان لأن المعلوم منه أنه يقوم بالسيف ويزيل الممالك ويقهر كل سلطان ويبسط العدل ويميت الجور فمن هذه صفته يخاف جانبه ويتَّقى ثورته فيتتبع ويرصد ويوضع العيون عليه ويُعنى به خوفاً من وثبته..... الخ".
وأقول: هذا الكلام كذب وباطل من عدَّة وجوه:
أولاً: كما قلنا مراراً لم يكن الإمام ولا أتباعه يعلمون من سيكون الإمام التالي فالقول بأن الجميع كانوا ينتظرون ابن حضرة العسكري كذب محض!
ثانياً: القول بأن المهدي سيُزيل الممالك ويقهر كل سلطان ويبسط العدل ويميت الجور فلا يبقى ظلم ولا جور في الأرض ولا يبقى شخص غير مسلم قول لا يتَّفق مع القرآن كما مرّ شرح ذلك فيما مضى (ص 84 و 182-184 من الكتاب الحاضر).
ثالثاً: ألم يكن حضرة سيد الشهداء -عليه آلاف التحية والثناء- مُعارضاً ومُحارباً لحكومة زمنه؟! وإن لم يكن حضرة الكاظم (ع) مُنازعاً لحكم زمنه فلماذا ألقوه في السجن؟ ولماذا كان حضرة العسكري (ع) محجوراً عليه تحت رقابة الحكم في سامراء حسب قولكم؟! ألم ينتقد أصحاب الأئمة حكومات عصرهم ويطعنوا بها ويلعنوا السلاطين ويدعوا الناس إلى رئاسة الأئمة وقيادتهم؟ ألم يكن هذا مُنازعة لذوي السلطان؟!
و يُواصل المَجْلِسِيّ تلفيقاته قائلاً:
"وأيضاً فآباؤه (ع) إنما ظهروا لأنه كان المعلوم أنه لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه ويسد مسده من أولادهم وليس كذلك صاحب الزمان لأن المعلوم أنه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف فلذلك وجب استتاره وغيبته وفارق حاله حال آبائه...".
ويتجاهل المَجْلِسِيّ الأحاديث التي رواها لنا والتي تقول إن الأئِمَّة السابقين يرجعون إلى الدنيا في زمن قيام المهدي لكي ينتقموا من أعدائهم الذين ظلموهم في هذه الدنيا. كما يتناسى الأخبار التي تقول إنه بعد المهدي اثني عشر مهدياً آخر!!
ثم يعرض المَجْلِسِيّ لإشكالٍ ويجيب عنه إجابةً غير صحيحة - كعادته! - فيقول:
"فإن قيل: بأي شيء يعلم زوال الخوف وقت ظهوره أبالوحي من الله؟ فالإمام لا يوحى إليه، أو بعلم ضروري؟ فذلك يُنافي التكليف، أو بأمارة توجب غلبة الظن؟ ففي ذلك تغرير بالنفس. قلنا: عن ذلك جوابان: أحدهما أن الله أعلمه على لسان نبيه وأوقفه عليه من جهة آبائه زمان غيبته المخوفة، وزمان زوال الخوف عنه، فهو يتبع في ذلك ما شرع له وأوقف عليه!!".
ويتناسى المَجْلِسِيّ أو يتجاهل أن هناك أحاديث كثيرة تقول إن العلم بزمن الظهور عند الله فقط (أَمَّا ظُهُورُ الْفَرَجِ فَإِنَّهُ إِلَى اللهِ وَكَذَبَ الْوَقَّاتُون)، علاوة على أن لدينا أخباراً تُفيد أن الأئِمَّة عَيَّنُوا وقتاً ولكن حصل في ذلك بِداء أو أنَّ اللهَ تعالى أَخَّرَ موعد الظهور لأن الشيعة حَدَّثُوا به وأذاعوه، أو لأن الشيعة وقعوا في معصية الله! أضف إلى ذلك أنكم رويتم عن المهدي نفسه أن على الشيعة أن يدعوا كي يُعجِّل الله وقت ظهوره ويجعله قريباً!! إن كل هذا الكلام المُضطرب والمُتناقض منشؤه التعصب.
[365] رواه مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَدِيرٍ - ونقله الحر العاملي عنه في وسائل الشيعة، ج 18، ص 89، حديث 47. (المُتَرْجِمُ) [366] رواه الكشي في رجاله، طبعة مشهد المحققة، ص 224. ونقله عنه المجلسي في بحار الأنوار، ج 2، ص 249 - 250. (المُتَرْجِمُ) [367] وقد تمّ حل هاتين المشكلتين من خلال طرح مسألة «البداء». [368] يقولون علماؤنا إن الإمامة والمسائل المتعلقة بها من أصول العقائد. [369] لا يُكلّف الله تعالى الرؤوف العفوّ الرحيم بأكثر من «وُسْع» الإنسان، و«الوُسع» هو أدنى الطاقة وأقلها (البقرة: 286)، فكيف يطلب من العباد العاديين أمراً لم يكن في طاقة نبيٍّ من أُولي العزم؟! [370] انظر ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 626. (المُتَرْجِمُ)
روى المجلسي في هذا الباب خمسين روايةً عن رواة مجاهيل أو غلاة أو كذابين!! وكثير من روايات هذا الباب منقول من كتاب «الغيبة» للنعماني وهو كتاب خرافي لا اعتبار له.
1- يقول كثير من أخبار هذا الباب إن علَّة طول الغيبة امتحان الشيعة إذ لابُدَّ من تمحيص الشيعة وغربلتهم كَمَا يُغَرْبَلُ الزُّؤَانُ [الشيعة غير الحقيقيين] مِنَ الْقَمْحِ [الشيعة الصادقين]! (الأحاديث 2 و3 و 20 و21 --> 33، و 36 --> 38).
2- يقول عدد من الأحاديث في هذا الباب: إن التوقيت [أي تحديد وقت خروج القائم] كذب. (الأحاديث من 5 حتى 9 و 19، 39، 41، 44، 45، 47) ولكن الطريف أن نعلم أن المَجْلِسِيّ حدد وقت الظهور في رسالة «الرجعة».
3- يُبيِّن عدد من أحاديث هذا الباب -خلافاً للمجموعة السابقة- وقت الخروج ويعتبر عدم حصول الخروج في الوقت المذكور ناجماً عن «البداء» أو يُشير إلى أصل «البداء» فقط! (الأحاديث من 10 حتى 12، و 40 و 42 و 43).
4- كما أن هناك عدداً من الأحاديث لا علاقة لها بعنوان هذا الباب. وسنتأمل فيما يلي نماذج لكل واحد من هذه المجموعات الأربعة:
* 1- روايةٌ ضعيفةٌ [ينقلها المجلسي عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي] تقول إن أَمِيرَ الـْمُؤْمِنِينَ (ع) وَذَكَرَ الْقَائِمَ فَقَالَ: "لَيَغِيبَنَّ عَنْهُمْ حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ مَا لِـلَّهِ فِي آلِ مُحَمَّدٍ حَاجَةٌ [أي لهداية الناس]"؟!
وأقول: ليس الجاهل هو الذي يقول ذلك بل العالم بالقرآن والذي تعلم من حضرة عليٍّ(ع)[371] هو الذي يقول إنه بعد إكمال الدين وإتمام النعمة ويأس الذين كفروا من الإسلام وعدم إشارة القرآن إلى هادٍ أو زعيم غير نبيٍّ منصوص عليه ومنصوب مِنْ قِبَلِ الله تعالى، لم يبقَ أي دليل على وجود حاجة لقيام مهدي. (فتأمَّل).
ثم إن امتحان الناس لا يختصّ بانتظار المهدي ولا يحتاج إليه لأن الله تعالى قال في إحدى السور المكّيّة المباركة: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢ وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٣﴾ [العنكبوت: ٢، ٣]. ألم تُمتَحَن أمم نوح وسليمان وعيسى و....؟! ألم يُمْتَحَن أصحاب رسول الله ص الذين لم تكن مسألة الغيبة مطروحة لديهم أصلاً؟! ألم يُمْتَحَنُ الشيعة حتى زمن حضرة العسكري (ع)؟! وعموماً لا يمكن لمسألة الامتحان أن تكون مبرِّراً لغيبة تطول ألف سنة!
* 4 و18 - يروي الشيخ الطوسي أن «عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ» قَالَ: "قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ [أي الإمام الكاظم] (ع): يَا عَلِيُّ! إِنَّ الشِّيعَةَ تُرَبَّى بِالأمَانِيِّ مُنْذُ مِائَتَيْ سَنَةٍ! [أي تربى على الأمل بقيام دولة العلويين دولة آل البيت]. وَقَالَ يَقْطِينٌ لابْنِهِ عَلِيٍّ: مَا بَالُنَا قِيلَ لَنَا [أي أن دولة بني العباس ستقوم] فَكَانَ وَقِيلَ لَكُمْ [أي دولة الأئِمَّة ستقوم] فَلَمْ يَكُنْ؟! فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّ الَّذِي قِيلَ لَكُمْ وَلَنَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، غَيْرَ أَنَّ أَمْرَكُمْ حَضَرَكُمْ فَأُعْطِيتُمْ مَحْضَهُ وَكَانَ كَمَا قِيلَ لَكُمْ! وَإِنَّ أَمْرَنَا لَمْ يَحْضُرْ فَعُلِّلْنَا بِالأمَانِيِّ، وَ لَوْ قِيلَ لَنَا إِنَّ هَذَا الأمْرَ لا يَكُونُ إِلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ أَوْ ثَلاثِمِائَةِ سَنَةٍ لَقَسَتِ الْقُلُوبُ وَ لَرَجَعَتْ عَامَّةُ النَّاسِ عَنِ الإسْلامِ وَ لَكِنْ قَالُوا مَا أَسْرَعَهُ وَمَا أَقْرَبَهُ تَأَلُّفاً لِقُلُوبِ النَّاسِ وَتَقْرِيباً لِلْفَرَجِ". (وهو الحديث 6 في الباب 139 من أصول الكافي الذي اعتبره المَجْلِسِيّ في كتابه «مرآة العقول» ضعيفاً).
وينبغي أن نقول: لقد مضت ألف ومئتي سنة ولم يظهر المهدي، ولكن المشايخ لا يزالون يدعون الناس إلى انتظار ظهور المهدي ولو أن الأئمة كانوا يعلمون أن المشايخ بارعون في خداع العوام وماهرون ومُتخصصون في هذا الأمر إلى هذا الحد لَمَا شعروا بأنهم مُلزمون بالقول: «ما أسرعه! ما أقربه!». إن عمل المشايخ هذا ليس أقل من معجزة!![372]
* الروايتان 11 و 42 - طبقاً لرواية الشيخ الطوسي يقول الإمام الباقر (ع) لأَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ: "يَا ثَابِتُ! إِنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ وَقَّتَ هَذَا الأمْرَ فِي السَّبْعِينَ، فَلَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى أَهْلِ الأرْضِ (؟!) فَأَخَّرَهُ إِلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ [إذاً الأحاديث التي تقول "كَذَبَ الْمُوَقِّتُونَ، مَا وَقَّتْنَا فِيمَا مَضَى!" كاذبةٌ]، فَحَدَّثْنَاكُمْ فَأَذَعْتُمُ الحَدِيثَ وَكَشَفْتُمْ قِنَاعَ السِّتْرِ فَأَخَّرَهُ اللهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتاً عِنْدَنَا".
فنسأل: وهل كان الإمام الباقر (ع) يوحَى إليه حتى عَلِمَ بأن الله أَخَّرَ موعد الظهور إلى 140 سَنَةٍ؟! لاحظوا بأيِّ أكاذيب خدعوا العوام؟ وثانياً: سنة 70 تُوافق حضرة السجاد (ع) الذي كان اسمه عليّاً، وسنة 140 تُوافق حضرة الصادق (ع) الذي كان اسمه جعفرَ. و هذا يعني أن الأخبار التي رووها عن النبي ص أنه قال عن المهدي: اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، أخبارٌ كاذبةٌ.
* الرواية 13 - حديث مرسلٌ يرويه «العيَّاشِيّ» الخرافاتي مباشرة ودون ذكر وسائط عن «أبي لبيد المخزومي» والطريف أكثر أن أبا لبيد هذا مهملٌ أيضاً!! وقد افترى على الإمام الباقر (ع) حديثاً يطفح بالألغاز وَتَمَّ فيه التلاعب بالحروف الأبجدية والحروف المقطَّعة في أوائل سور القرآن!! والسؤال الذي يطرح نفسه أن الإمام الهادي للأُمَّة لا ينبغي أن يكون طارحاً للألغاز والطلاسم! فالأوقات التي عينها الإمام في هذه الرواية بطريقة الألغاز غير مفهومة مِنْ قِبَلِ عامة الناس المخاطَبين بالشريعة! وثانياً: هي تخالف أحاديث «كذب الوقّاتون»!
* الرواية 49 - حديث ضعيف وافتراء على الإمام الصادق (ع) بأنه قال: "إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَى عِمْرَانَ أَنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً سَوِيّاً مُبَارَكاً يُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ ويُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وجَاعِلُهُ رَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَحَدَّثَ عِمْرَانُ امْرَأَتَهُ حَنَّةَ بِذَلِكَ وهِيَ أُمُّ مَرْيَمَ فَلَمَّا حَمَلَتْ كَانَ حَمْلُهَا بِهَا عِنْدَ نَفْسِهَا غلام [غُلاماً] فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى... ولَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثى أَيْ لا تَكُونُ الْبِنْتُ رَسُولا يَقُولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ واللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ فَلَمَّا وَهَبَ اللهُ لِمَرْيَمَ عِيسَى كَانَ هُو الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِمْرَانَ ووَعَدَهُ إِيَّاهُ فَإِذَا قُلْنَا فِي الرَّجُلِ مِنَّا شَيْئاً فَكَانَ فِي وَلَدِهِ أَووَلَدِ وَلَدِهِ فَلا تُنْكِرُوا ذَلِكَ"!.
أقول: بالله عليكم لاحظوا أيَّ مهملات جمعوها وراكموها في الكتب الدينية. فأولاً: لم يكن لدى عمران ولا حَنَّة كتاب «الجفر» ولا «الجامعة» و ...... حتى ينظر فيها، فلذلك لو لم يتحقَّق ما أخبرا به فإنَّ هذا أقل تعجباً من الإمام الذي ينظر حسب قولكم في «الجفر» و «الجامعة». فأيُّهما نقبل؟ (من الضروري في هذا المجال مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول .....» الباب 98، ص 552 إلى 555).
ثانياً: إن الكلام المنسوب للإمام هنا لا يتوافق مع القرآن الكريم لأن كتاب الله ذكر لنا أن امرأة عمران هي التي نذرت، وليس في القرآن أيُّ إشارة إلى أن الله أخبر عمران بهذا الأمر، في حين أن الله تعالى صرَّح لنا أنه بشَّر زكريا (ع) بابنه يحيى (ع) وبشَّر مريم (ع) بابنها عيسى (ع). بناءً على ذلك، لم يكن لنذر «حَنَّة» علاقة بعمران كي يُبشِّره الله ثم لا يقع ما بشَّره به في ابنه!! (آل عمران: 33 إلى 47). ولكن لما كان الرواةُ جاهلين بالقرآن الكريم لم يعرفوا ما يُلَفِّقونه!!
هذا ولما لم يكن لدى المجلسي وغيره دليل ومستند صحيحٌ فإنه يحاول أن يجد في كل موضوع مستمسكاً يستدل به، من ذلك قوله بعد ذكره أحاديث هذا الباب: "..... فإن مَرَّ هذا الزمان ولم يظهر الفرج والعياذ بالله كان ذلك من سوء فهمنا والله المستعان [أي أن الإخبار سيتحقق في وقت آخر أو في شخص آخر ولكنكم لم تفهموا ذلك فلا تُنكروا!] أو مع أن احتمال «البداء» قائم في كل من محتملاتها!! كما مرت الإشارة إليه في خبر ابن يقطين والثمالي وغيرهما فاحذر من وساوس شياطين الإنس والجان وعلى الله التكلان!!"[373].
أقول: نعم! بهذه التأويلات يريد المجلسيّ إلباس المضامين المُختَلَقَة لرواياته لباس الحقيقة والصواب ليقتنع بها الناس ويصدقوها!!
وفي الحديث 34 من باب «فضل انتظار الفَرَج» يقول رواةٌ جاهلون: "أَوْحَى اللهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سَيُولَدُ لَكَ فَقَالَ لِسَارَةَ" هذا في حين أن القرآن بين لنا إن سفراء الله تعالى [أي ملائكته] بشروا بأنفسهم سارة ذاتها مباشرةً بأنها ستنجب ولداً (هود: 71 -73). والمضحك أكثر أنهم قالوا - كما في بقية الرواية- : " فَقَالَتْ: أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ؟ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنَّهَا سَتَلِدُ وَيُعَذَّبُ أَوْلَادُهَا أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ بِرَدِّهَا الْكَلَامَ عَلَيَّ!!". وهذا كذب أيضاً لأن سفراء الله دعوا اللهَ لسارة ولزوجها (هود: 73)، أضِف إلى ذلك أن هذا الكلام مخالف لقاعدة ﴿لا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ﴾[الأنعام: 164 والإسراء: 15 و فاطر: 18 والنجم: 38] فإذا كانت سارة قد أخطأت فما علاقة أولادها بذلك حتى يُعَذَّبوا؟!
ويواصل راوي الحديث روايته قائلاً: "قَالَ فَلَمَّا طَالَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعَذَابُ ضَجُّوا وَبَكَوْا إِلَى اللهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ يُخَلِّصُهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ فَحَطَّ عَنْهُمْ سَبْعِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع): هَكَذَا أَنْتُمْ لَوْ فَعَلْتُمْ لَفَرَّجَ اللهُ عَنَّا فَأَمَّا إِذْ لَمْ تَكُونُوا فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْتَهِي إِلَى مُنْتَهَاهُ"! لاحظوا كيف أنهم مستعدون لتصغير عظمة الله تعالى كي يثبتوا خرافاتهم! نعوذ بالله من العصبية.
[371] قال عليٌّ - عليه السلام - عن النبيِّ ص: "فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ وخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ" (نهج البلاغة، الخطبة 133). وقال: "بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ! لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ والإنْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّمَاءِ". (نهج البلاغة، الخطبة 235). [372] ليس هناك في هذه المعجزة سوى إشكال واحد هو سوء الظن بالإسلام مِنْ قِبَلِ أصحاب الفكر العميق والباحثين المحققين، وللأسف فإن المشايخ غير قلقين لهذا الأمر!! [373] المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 52، ص 121. (المُتَرْجِمُ)
«البِدَاء» من مشكلات التشيُّع الإمامي وقد ذكروا له عدَّة تعريفات، ففسّر المجلسيُّ وآخرون «البِدَاء» بأن يُخبر رسلُ اللهِ أو الأئمَّةُ الناسَ بخبرٍ كما تَلَقَّوْهُ من وحي الله فيُعْلِنُوه للناس، مع علم الله أن ذلك الخبر لن يقع إلا أنه لم يُظهر هذه الحقيقة لرسله في بداية الأمر ولم يظهرها إلا في وقت لاحق. فإذا أخبر رسلُ اللهِ بخبر ولم يتحقق ذلك الخبر فسبب ذلك أن واقع الأمر كان مخفياً عنهم ولكن الله تعالى كان يعلم بذلك وأظهر حقيقة الأمر لاحقاً!!
كما تلاحظون، لم يكونوا هم أنفسهم يفهمون ما يقولون!!
في نظرنا لقد صدق من قال: إن علماء الشيعة جعلوا من مسألتين دِرْعاً ومستمسكاً لهم في تعصُّبهم المذهبي: إحداهما مسألة «التَّقِيَّة» والثانية مسألة «البِدَاء»، فإذا أفتى الإمام بفتوى لم تعجبهم أو وجدوها مخالفة لآراء سائر الفقهاء قالوا إنه قال ذلك تقيّةً، في حين أنه لو كانت تلك الفتوى مخالفة لما أنزل الله لما جاز أن يفتي الإمام بمثلها أبداً، كيف وهو مقتدى الناس ومرجعهم؟ ففي إفتائه بما يخالف ما أنزل الله إضلال للناس، ولا يُقبَل إضلال الناس من هادي الأمَّة ومرشدها! وأكثر ما يمكن فعله في التقية: السكوت، أو التهرُّب من الإجابة وتأجيلها إلى وقت آخر، ولكن لا يجوز للإمام بحال من الأحوال أن يفتي بما يخالف ما أنزل الله[374].
ومسألة «البِدَاء» أيضاً من إبداعات الشيعة الإمامية وقد وضعوها حتى إذا وعد إمامهم وعداً بحصول شيء في المستقبل فلم يحصل قالوا بَدَا لِـلَّهِ فيه. وذلك لأنهم لمَّا كانوا يعتقدون بعصمة الإمام وأن الأئِمَّة يعلمون بما كان وما هو كائن وما يكون إلى يقوم القيامة، فإذا أخبر الإمام عن وقوع أمرٍ فلم يقع، تبيَّن أنه لا علم له بالمستقبل، فاخترعوا البداء كحل لدفع الإشكال.
[374] كتب أخونا الفاضل جناب السيد «محمد جواد الموسوي الغروي» رسالةً حول «التقيَّة» آمل أن تجد سبيلها إلى الطبع والنشر.
أورد المجلسيُّ في هذا الباب 77 حديثاً حسب الظاهر، إلا أن الواقع أن معظمها مكرر إما في هذا الباب ذاته أو في الأبواب السابقة! وسنقوم بدراسة وتمحيص عدد من هذه الأحاديث كنموذج فقط، وليس من الصعب على القارئ المحترم أن يدرك حال سائر الأحاديث:
* الحديث 5 - راويه إما «علي بن إبراهيم القمي» أي ذلك الأحمق ذاته القائل بتحريف القرآن، أو شخص ضعيف مثل «عَمْرو بن شِمْر». وأما متنه ففي البداية ينسب الرواة إلى الإمام الباقر (ع) أنه يوصي أصحابه قائلاً: ".. واكْتُمُوا أَسْرَارَنَا". فأقول: ليس من المعلوم ما هي أسرارهم؟ فإن كانت أموراً دينيّة أي من عقائد الدين وأحكامه فإن كتمانها حرام، وكل من يكتم أحكام الله فإنه يستوجب اللعن من الله، كما قال تعالى في سورة البقرة: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ ١٥٩﴾ [البقرة: ١٥٩]، إضافةً إلى أن أحكام الدين ليست من الأسرار بل لابد من إعلانها على نحو متساو لجميع الناس ولا ريب أن الرسول المبلغ عن الله الذي وصفه ربه بأنه «رحمة للعالمين» لا يضِنُّ على أحدٍ في إبلاغ رسالة الرحمة الإلـهية، كما قال تعالى في سورة الأنبياء: ﴿ءَاذَنتُكُمۡ عَلَىٰ سَوَآءٖ﴾ [الأنبياء: ١٠٩][375]، وبناءً عليه فلم يُبلّغ رسول الله ص شيئاً على نحو سرِّي لأحد. أما إن كان المقصود من «الأسرار» نشاطات الإمام السياسية ضد الحكومة الجائرة في عصره ودعوته الناس إلى إقامة الحكم العادل، ففي هذه الحالة يتوجَّب على الشيخ الطوسي، وتبعاً له يجب على المَجْلِسِيّ أن يعدلا عن قولهما بأن الحكومات قبل المهدي لم تكن تواجه أيّ خطر أو تهديد مِنْ قِبَلِ الأئمة، ولو قبلوا ما جاء في هذا الحديث ونظائره فلن يبقى ثمَّة دليل أو عذر لغيبة المهدي وحرمان الأمة من حضوره.[376] (فَتَأَمَّل)
ثم يقول الإمام الباقر (ع) في بقية هذا الحديث: "وانْظُرُوا أَمْرَنَا ومَا جَاءَكُمْ عَنَّا فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُ فِي الْقُرْآنِ مُوَافِقاً فَخُذُوا بِهِ وإِنْ لَمْ تَجِدُوا مُوَافِقاً فَرُدُّوهُ".
أقول: وهذا كلام حقٌّ، وقد رُوِيَتْ رواياتٌ عديدةٌ عن الأئِمَّة في هذا المعنى، لكن للأسف كثير من الشيعة الذين يدَّعون حبَّ الأئِمَّة واتِّباع أقوالهم، لا يطبّقونها فتجد في كتبهم كثيراً من الأمور المخالفة للقرآن.
* الحديث 6 - عددٌ من الضعفاء والغلاة مثل «الْعَمْرَكِيِّ الْبُوفَكِيِّ» يروون: عَنْ أَبِي بَصِيرٍ أنه سأل الإمام الصادق (ع) "مَا طُوبَى؟ قَالَ (ع): شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ أَصْلُهَا فِي دَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) ولَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ إِلا وفِي دَارِهِ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِهَا وذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ طُوبى لَـهُمْ وحُسْنُ مَآبٍ"!!
لاحظوا إلى أيّ حدٍّ كان أولئك الرواة يلعبون بعقول العوام ويخدعونهم. لقد وضعوا هذا الحديث لمن لا علم له بالقرآن ولا معرفة له بالمسائل الدينية لاسيما أن عدد المُتعلِّمين في كل مدينة وبلدة في تلك الأزمنة الماضية كان قليلاً والعالمين منهم بالقرآن والأحاديث أقل، بل نادرين.
وأما قصة هذا الحديث فاعلم أن الله تعالى قال في كتابه: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مََٔابٖ ٢٩﴾ [الرعد: ٢٩]. كما تلاحظون ليس في هذه الآية أيُّ إشارة إلى شجرةٍ، والآية عامة وتتحدث عن عاقبة المؤمنين الذين عملوا الصالحات، وقد فسَّر المُفسِّرون أيضاً الآية المذكورة بهذا المعنى، وبالطبع لا يجوز للمُفسِّر أن ينسب الأقوال غير الموثوقة إلى كلام الله تعالى. ولكن لا يخفى أنه قد شاعت بين المسلمين أحاديث -بغضّ النظر عن صحتها وسقمها- تُفيد أن «طوبى» اسم شجرة في الجنة كبيرة جداً جداً أصلها في المكان الذي يقطن فيه النبيّ ص في الجنة، وأغصانها المُتعدّدة تُظلِّل أماكن جميع المؤمنين في الجنة. ومن الجدير بالذكر أن الحديث الذي ذكر هذا الأمر موقوف على «أبي سعيد الخدري» وليس مُتَّصلاً بالنبيّ ص فهو حديث غير مُعتبر، كما أن سائر الروايات في هذا الموضوع لا تتمتَّع بوضع حسن. (يُراجع في ذلك تفسير «مجمع البيان» للطبرسي). وَعَلَى كُلِّ حَال، ليس للرواية المذكورة علاقة بالمهدي، ولكن الطريف في الأمر أن «ابن فضَّال» الواقفي الذي لا يؤمن بإمامة خمس أئمة من الأئمة الاثني عشر روى لنا هذا الحديث لإثبات المهدي! وجاء إلى آية قرآنية عامة فجعلها خاصة بمُنتظري القائم الموهوم كي يخدع العوام بذلك!
* الحديث 8 - يرويه أبو الجارود وهو من الضعفاء[377]، فيقول: "عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: ذَاتَ يَوْمٍ وعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اللهُمَّ لَقِّنِي إِخْوَانِي مَرَّتَيْنِ فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَ مَا نَحْنُ إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: لا إِنَّكُمْ أَصْحَابِي وإِخْوَانِي قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ آمَنُوا ولَمْ يَرَوْنِي لَقَدْ عَرَّفَنِيهِمُ اللهُ بِأَسْمَائِهِمْ وأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ أَصْلابِ آبَائِهِمْ وأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ...".
أقول: ولكن الله تعالى قال لرسوله في القرآن الحكيم: ﴿قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ ٩﴾ [الأحقاف: ٩] كما أنه لما جاءه ابن أُمّ مكتوم الضرير يسعى وكان ص مشغولاً بدعوة كبار قريش فعبس وتولى عنه عاتبه ربه تعالى قائلاً: ﴿وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ ٣ أَوۡ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكۡرَىٰٓ ٤﴾ [عبس : ٣، ٤][378]. كما قال تعالى لنبيّه في سورة التوبة: ﴿وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡ﴾ [التوبة: ١٠١]. وبناءً على ذلك، فليس من وظيفة رسول الله ص أن يعلم السعداء من الأشقياء بل وظيفته الإبلاغ والبشارة والإنذار، فالقرآن الكريم يردُّ كَذِبَ «أبي الجارود».
* الأحاديث 9 و10 و60 - راجعوا بشأن هذه الأحاديث الثلاثة ما ذكرناه في الكتاب الحاضر (ص187).
* الحديثان 13و20 - يرويهما «علي بن إبراهيم» الأحمق الذي يعتقد بتحريف القرآن، عن شخص مجهول باسم «بسطام بن مرة» عن شخص ضعيف ملعون يُدعى «عمرو بن ثابت»، ينسب إلى سيد العابدين أنه قال: "مَنْ ثَبَتَ عَلَى وَلايَتِنَا فِي غَيْبَةِ قَائِمِنَا أَعْطَاهُ اللهُ أَجْرَ أَلْفِ شَهِيدٍ مِثْلِ شُهَدَاءِ بَدْرٍ وأُحُدٍ"!!
ينبغي أن نقول: إن الله تعالى مدح شهداء بدر وأُحد، ولكننا لا نجد في القرآن أيّ كلام عن شيعة زمن الغيبة. والحديث 20 مرويّ عن «عمار الساباطي» فطحيّ المذهب الذي لم يكن يؤمن بالاثني عشر إمام! من المعلوم إذن أن هؤلاء الرواة الكذابين كان يرمون إلى تحقير أصحاب رسول الله ص الذين نزلت آيات كثيرة في مدحهم! ولا نملك إلا أن نقول لعنة الله على الكذَّابين. وفي هذا الباب أحاديث كثيرة من هذا النمط.
* الحديث 24 - في سنده «عَنِ الأسَدِيِّ عَنِ النَّخَعِيِّ عَنِ النَّوْفَلِيِّ» والثلاثة إما ضعفاء ومجروحون أو من الغلاة ولا يُعتدُّ بروايتهم!
* الحديث 34 - راويه «الْفَضْل بْن أَبِي قُرَّةَ» ضعيفٌ ومتنه يتعارض مع قوله تعالى ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164]، يُراجع بِشأنه ما قلناه في التعليق على الحديث رقم 49 في باب «النهي عن التوقيت».
* الحديث 35 - يرويه «العيّاشيُّ» الذي كان شخصاً قليل العلم وخرافاتياً [وكثير الرواية عن الضعفاء] وافترى على حضرة باقر العلوم (ع) رواية حول الآية 77 من سورة «النساء» المدنية تقول: "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ [الباقر] (ع) فِي قَوْلِهِ ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ﴾ [النساء : ٧٧]: إِنَّمَا هِيَ طَاعَةُ الإمَامِ، فَطَلَبُوا الْقِتَالَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ مَعَ الْحُسَيْنِ (؟!!) قَالُوا: ﴿أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ﴾ [إبراهيم: ٤٤](؟!!)، أَرَادُوا تَأْخِيرَ ذَلِكَ إِلَى الْقَائِمِ (ع)"!!
وسنأتي بنص الآيات التي تم الاستشهاد بها ليتضح مدى كذب هؤلاء الوضَّاعين! قال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا ٧٧﴾ [النساء : ٧٧].
كما تلاحظون تخاطب الآية والآيات التي تتلوها (حتى الآية 81) المنافقين وضعاف الإيمان الذين كانوا بين المسلمين زَمَنَ رسولِ اللهِ ص قبل أن ينزل الإذن بالقتال، وكان يُقال لهُم أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وجاهدوا أنفسكم واصبروا وتحمَّلوا الأذى وكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وامتنعوا عن قتال المشركين، ولكنهم كانوا يقولون لا ينبغي أن نجلس مكتوفي الأيدي أمام ظلم المشركين واضطهادهم لنا، ولكن لمَّا حلَّ زمنُ الدفاع ومواجهة المشركين المعتدين على المسلمين في المدينة، خافوا من المشركين وتقاعسوا عن الجهاد ولم يرغبوا في الحضور في ساحات القتال بل كانوا يختلقون الأعذار ليَفِرُّوا من الجهاد!
أما الآية الثانية التي ورد ذكرها في الرواية فهي قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَ لَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ ٤٤﴾ [إبراهيم: ٤٤].
كما تلاحظون، تتعلق هذه الآية بكل وضوح بيوم القيامة، ولا علاقة لها بمنكري المهدي أو بمعارضيه. ثانياً: السورة مكية ونزلت قبل سورة النساء لكن العياشي الخرافاتي قليل العلم يقول: "فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ القِتَالُ مَعَ الحُسَـيْنِ(؟!!) قَالُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ أي إِلَى زمن الْقَائِمِ!! وينبغي أن نسأل العياشي: لقد جاء في الآية أن الله أمر هؤلاء القائلين باتِّباع الرسل، فهل تعتبرون «المهدي» من «الرسل» حتى أوَّلْتُم الآية بالمهدي؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
ثم إنَّ الأفعال التي وردت في الآية مثل: "قيل" و"كُتِبَ" و"قالوا" أفعال ماضية كُلُّها ولا يمكن أن تتعلق بزمن الإمام الحسين، لكن رغم ذلك نجد العياشي يتغافل عن هذا الأمر ويقول إن الآية تتعلَّق بزمن سيد الشهداء(ع)!!
للأسف لقد تلاعب رُوَاة العياشي بمعاني آيات القرآن ونسبوا أكاذيبهم إلى حضرة الباقر (ع) ويبدو أنهم كانوا يعتبرون الإمام الباقر جاهلاً باللغة العربية!
* الحديث 40 - في سنده عدو القرآن «علي بن أبي حمزة البطائني»[379] الواقفي الذي لا يؤمن بالأئمة بعد حضرة الكاظم، ويروي رواية تدل على تحريف القرآن!! إذ يقول: إن المهدي يُبايع الناس على كتاب جديد!!
* الحديث 42 - حديثٌ عن ضعفاء وكذابين[380].
* الحديث 44 - يرويه عدد من الضعفاء والمجاهيل الذين يروون قصة تتعلّق بعصر أبي مسلم الخراساني!
ملاحظة: كثيرٌ من روايات هذا الباب تأمر بالسكوت والجلوس في المنزل وعدم المشاركة في الثورات ضد الحكام الظالمين الجائرين!! لقد ذكر المَجْلِسِيّ هنا عدداً من أحاديث الكُلَيْنِيّ، وبما أننا تعرّضنا إلى دراستها ونقدها في كتاب «بت شكن» [كسر الصنم] أو كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» فلا داعي لتكرار كلامنا عليها ثانيةً هنا.
* الحديثان 53 و57 - يتضمنان تلاعباً بمعنى الآية 71 من سورة الإسراء[381] فلا بُدَّ من مراجعة الصفحات 324-325 و422 و701-703 من كتاب «كسر الصنم».
* الحديث 58 - هذا الحديث من الأحاديث التي لا تصبُّ في مصلحة حكومة عصرنا لأنه يقول: "كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ (ع) فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ"! وعلى المسؤولين في بلادنا أن يُفكّروا بحلّ بشأن مثل هذه الأحاديث!
* الحديث 59 - هو حديث فاضح جداً يُعرف بحديث «اللوح» ولا حاجة لإعادة نقده، ويُمكنكم الرجوع في ذلك إلى الكتاب الشريف «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 167 فما بعد) وإلى التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الباب 183 «باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم»، ص 862 فما بعد)، والكتاب الشريف «معرفة الحديث» للأستاذ محمد باقر البهبودي (ص 109).
* الحديث 63 - عبارة عن جمل مأخوذة من نهج البلاغة ولا علاقة لها على الإطلاق بالمهدي، لأن أمير المؤمنين علي ÷ كان يُرغِّب أصحابه في كثير من خطبه بالجهاد. وثانياً: قام ابنا ذلك الإمام الجليل أي حضرات الحسنين -عليهما السلام- بالسيف في وجه طواغيت عصرهما. وأكثر ما تدل عليه هذه الجمل أن الإمام علياً (ع) نهى عن الثورة غير المدروسة وغير المُعَدّ لها جيداً ونهى عن الاستعجال في الأمور، ولا علاقة لذلك بالمهدي (= ابن حضرة العسكري). وينبغي أن نقول: الغريق يتشبَّث بِكُلِّ حشيش!
* الحديث 76 - يرويه عدد من الضعفاء من جملتهم «علي بن أبي حمزة البطائني» واقفّي المذهب الذي لم يكن يعتقد بالأئمة بعد حضرة الكاظم (ع)، وقد افترى على الإمام الصادق ÷ بأنه قال: إن المقصود من الآية 158 من سورة الأنعام المباركة خروج المهدي وقيامه!! وسنذكر للقراء الكرام فيما يلي الآية المشار إليها مع أخذنا بعين الاعتبار الآية 210 من سورة البقرة والآية 33 من سورة النحل والآيات قبل الآية 158 المشار إليها من سورة الأنعام:
قال تعالى: ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ١٥٨﴾ [الانعام: ١٥٨].
تلاحظون أن الله تعالى قال إن المشركين لا يؤمنون رغم رؤيتهم لكل هذه الآيات البيّنات والدلائل الواضحات، ولا يُوحِّدون الله ولا يؤمنون بالقيامة وينتظرون أن تظهر لهم الملائكة أو أن تظهر لهم إمارات الساعة وعلامات القيامة القطعية، هذا مع أن الإيمان الاضطراري لا قيمة له، وَمِنْ ثَمَّ فيا أيها النبيّ قل لهم: انتظروا كي تروا نتيجة كفركم وعدم إيمانكم ونحن المؤمنون سننتظر معكم أيضاً. إذن، كما لاحظتم، لا علاقة لهذه الآية المكية بالمهدي من قريب ولا من بعيد. وليت شعري! هل من المعقول أن يقول رسول الله ص لأهل مكة في زمنه انتظروا ظهور المهدي؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
ثم لماذا لا ينفع الناس إيمانهم إذا آمنوا يوم خروج القائم؟ أليس المهدي المنتظر – حسب قولكم - إنما سيظهر لأجل أن يدعو الناس للإيمان؟! فإذا كان الهدف من ظهوره آخر الزمان نشـر العدل والدعوة إلى الإيمان فكل من آمن عندئذٍ سينفعه إيمانه، وإلا ما الفائدة من قيام المهدي إذن؟! بالطبع لا يُنتظر من الضعفاء والمجروحين أن يضعوا حديثاً أفضل من مثل هذه الأباطيل!
* 64الحديث 77 - وهو آخر أحاديث الباب: يقول راويه «ابن مهزيار» -الذي تعرّفنا على قصصه في الصفحات السابقة -: "كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الحَسَنِ [أي الإمام الكاظم] (ع) أَسْأَلُهُ عَنِ الْفَرَجِ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِذَا غَابَ صَاحِبُكُمْ عَنْ دَارِ الظَّالِمِينَ فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ"!!
أقول: هذه الإجابة غير صحيحة لأنه إذا كان المقصود من «صاحبكم» صاحب الزمان فإنه قد غاب، ولا يوجد منذ أكثر من ألف عام في دار أيّ ظالم من الظالمين ومع ذلك فَلَمْ يحصل الفَرَجُ!! ومن حيث المبدأ لم يكن «ابن مهزيار» قصَّاصَاً ماهِراً!
[375] راجعوا كتاب «نقد مفاتيح الجنان»، ص 322. [376] راجعوا الصفحة 239 من الكتاب الحاضر. [377] للاطَّلاع على أحواله يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول..»، ص107 و444. يقول المُتَرْجِمُ: ورد في كتب الرجال قول الإمام عن أبي الجارود: إنه أعمى في الدنيا والآخرة. انظر رجال الطوسي، تصحيح وتعليق: ميرداماد الأسترابادي، ج2، ص495. وفيه: "عن أبي أسامة، قال، قال لي أبو عبد الله (ع): ما فعل أبو الجارود؟! أما والله لا يموت إلا تائهاً." و"عن أبي بصير، قال: ذكر أبو عبد الله (ع) كثير النواء، وسالم بن أبي حفصة، وأبا الجارود، فقال: كذَّابون مُكَذَّبون كُفَّار عليهم لعنة الله، قال قلتُ: جُعِلتُ فداك! كذَّابون قد عرفتهم فما معنى مُكَذَّبون؟ قال: كذَّابون يأتونا فيخبرونا أنهم يصدقونا وليسوا كذلك، ويسمعون حديثنا فيكذبون به.". (المُتَرْجِمُ) [378] من العلامات البارزة جداً للتعصب المذهبي ما يقوله علماؤنا من كلام مضحك بشأن الآيات الأولى من سورة «عبس»، إذ يقولون: إن الخطاب فيها ليس مُوجّهاً إلى النبيّ بل إلى رجل من بني أُميَّة كان مع النبي صلى الله عليه وآله، فلما أقبل ابن أمّ مكتوم تنفَّر منه وجمع نفسه خشية أن يُصيبه شيء من وسخ ذلك الضرير الأشعث رثّ الهيئة ونأى بنفسه جانباً وعبس في وجهه وأعرض عنه! أيُّها القارئ المحترم: اقرأ هذه الآيات بنفسك واحكم هل هناك أيُّ مناسبة أو معنى لمخاطبة الله أحد بني أُميَّة مباشرةً؟ وأن يقول له: لماذا تُعرض عن شخص جاءك يخشى الله ويسعى إلى الهداية وما يُدريك لعلّه يزَّكى، وتُقبل بدلاً منه على من يُبدي استغناءه عن الهداية؟! ويحتجّ علماؤنا بأن النبي معصوم وأن العصمة لا تتناسب مع العتاب، والحقيقة أنه لا يوجد أيّ دليل قرآني على عصمة الأنبياء خارج موضوع إبلاغ الوحي والشريعة وإعلام الناس بالأحكام (راجعوا ما ذكرناه حول العصمة في كتابنا «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، ص350 إلى 352 في الحاشية). بناءً على ذلك، فلا علاقة لهذه الحادثة بالعصمة بالمعنى الذي قلناه بل الحادثة تتعلّق باختيار النبي ص بين الاهتمام بهداية أحد كبار قريش وتبلغيه دعوة الله وبين دعوة ابن أمّ مكتوم الذي كان قد آمن من قبل. ثانياً: كانت نيّة النبيّ ص صالحةً تماماً. فقد كان يرغب في جذب أحد كبار قريش إلى الإسلام لأن في إسلامه تأثير على سائر الناس. وقد عبس النبيّ قلقاً وخشيةَ أن تفوته فرصة مناسبة لهداية قومه، ومثل هذا الأمر لا يتنافى مع العصمة. (فَلَا تَتَجَاهَلْ). ثالثاً: كان ابن أُمّ مكتوم ضريراً ولم يكن قادراً على مشاهدة عبوس النبيّ ص! بناءً على ذلك لم تُزعجه أو تحزنه تلك الحالة الطبيعية وغير الإرادية التي عرضت للنبيّ ص كما أن ذلك الموقف لا يمس أبداً خلق النبي العظيم ولا يتعارض مع رفقه ورحمته. رابعاً: إن عتاب الله لنبيه لا ينحصر بالآيات المذكورة فقط، فإصراركم على صرف الآيات عن النبيّ ص لا يحلّ مشكلتكم ولا يُثبت قولكم! [379] للاطِّلاع على أحواله راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....» الصفحات 163 و 196 فما بعد. [380] في سنده «مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ» أحد الكذّابين والوضّاعين، انظر مثلاً ما قاله عنه العلامة الحلي في رجاله [ص251]: "محمد بن الحسن بن جمهور العمِّيّ: عربيٌّ بصريٌّ روى عن الرضا (ع). كان ضعيفاً في الحديث غالياً في المذهب فاسداً في الرواية لا يُلتَفَتُ إلى حديثه ولا يُعْتَمَدُ على ما يرويه.". وفي سنده أيضاً «أبو الجارود» الذي ذمه الإمام كما مرّ. (المُتَرْجِمُ) [381] أي قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۢ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا ٧١﴾ [الاسراء: ٧١]. (المُتَرْجِمُ)
بدأ المَجْلِسِيّ هذا الباب بذكر «التوقيع» الذي أوردناه في الصفحة 300 من الكتاب الحاضر والذي يُصَحِّحُهُ ويَقْبَلُهُ علماءُ الشيعة جميعُهم. وإذا صح هذا «التوقيع» فلا معنى لذكر مدّعي الرؤية في الغَيْبَةِ الكُبْرَى![382] ولذلك ذكر المَجْلِسِيّ في هذا الباب أحاديث تذكر فقط أن المهدي يأتي إلى الناس ويحضر بينهم ولكن الناس لا يرونه، أو يرونه دون أن يعرفوا أنه هو المهدي!
ذَكَرَ المَجْلِسِيُّ في هذا الباب واحداً وعشـرين خبراً عن رواةٍ كذَّابين وضّاعين أو غُلاةٍ أو مِنَ الواقِفَة، ولا يوجد بين هذه الروايات حديثٌ صحيحٌ واحدٌ. ومضمون الروايات أيضاً مردودٌ.
فمثلاً في الخبر الثالث جاء تشبيه المهدي الغائب بالخضـر ونُسِب إلى الإمام الرضا (ع) قوله: "إِنَّ الخَضِرَ شَرِبَ مِنْ مَاءِ الحَيَاةِ فَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ....". وهذا الكلام ترديد لأسطورة شائعة بين العوام وقد سبق أن بينَّا أن فكرة حياة الخضر الأبدية تخالف القرآن الكريم ولا تتفق مع الأحاديث المعتبرة (راجعوا ص 209 من الكتاب الحاضر).
وفي الحديث الخامس: أن صاحب الأمر لا يطلع على موضعه أحد حتى أولاده لا يرونه ولا يعرفون أين هو؟ ونسأل: من أين علمتم أنه تزوَّج. ثانياً: لماذا لا يعلم أولاده مكانه؟ وهل من الممكن أن يُفشي أولادُهُ عن مكانه للأعداء؟!
وفي الحديث السادس: يقول: "لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ مِنْ عُزْلَةٍ ولَا بُدَّ فِي عُزْلَتِهِ مِنْ قُوَّةٍ ومَا بِثَلَاثِينَ مِنْ وَحْشَةٍ ونِعْمَ المَنْزِلُ طَيْبَةُ.". هذا في حين أنه قد جاء في الأخبار الأخرى في كتاب «البحار» (ج 52، ص 34) أن أباه الإمام الحسن العسكري (ع) قال له: لا تسكن المدن بل اسكن في البيادي والصحاري، ولكن الراوي نسي هنا هذا الأمر وذكر أن منزله طيبة [أي المدينة المنورة]. ثم إنكم تقولون إن يحضر بين الناس لكن الناس لا يرونه، فلماذا إذاً يحتاج دائماً إلى ملازمة ثلاثين شخصاً له حتى لا يشعر بالوحدة؟!
والحديث السابع: مناقض للحديث السادس لأنه يتضمن ما يفيد أن مسكن المهدي جبل يُدْعَى رَضْوَى مِنْ جِبَالِ فَارِسَ, (وهذا يشبه الخرافة التي قالها مريدو «محمد بن الحنفية» وأتباعه) والطريف في هذا الحديث قوله إن جبل رَضْوَى كان من جبال فارس فأحبَّنا اللهُ (؟!) فنقله إلينا أي وضعه ما بين مكة والمدينة!!! (يستحق اهتمام علماء الجغرافيا! يُعلَم أنه يوجد شيعة وسنة بين الجبال أيضاً؟!). لاحظوا أيَّ خرافات جمعوا وقدَّموها للعوام باسم معارف أهل البيت؟!
معظم أحاديث هذا الباب تقول إن المهدي غاب غيبتين، ولا فائدة من ذكر هذه الأحاديث كلها واحداً واحداً والتعليق عليها سوى ضياع العمر.
الحديث الحادي والعشرون: راويه «علي بن أبي حمزة البطائني» الواقفي الدجَّال المخادع للعوام، وهنا ينسب إلى الإمام الصادق (ع) قوله: "إِنَّ لِصَاحِبِ الأَمْرِ بَيْتاً يُقَالُ لَهُ «بَيْتُ الحَمْدِ» فِيهِ سِرَاجٌ يَزْهَرُ مُنْذُ يَوْمَ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ يَقُومُ بِالسَّيْفِ لَا يُطْفَى"!!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي فضيلة في ذلك؟ وهل الإمام وبيته مثل بيوت المجوس تبقى فيها النار مشتعلة ليل نهار لا تُطفأ؟ ألم تكن مصابيح الأنبياء تطفأ فهل المهدي أعلى رتبة من الأنبياء؟ أضف إلى ذلك أنه أثناء النهار ومع وجود نور الشمس لا تبقى هناك حاجة إلى السراج وكذلك في الليل أثناء النوم فلماذا يبقى السـراج مشتعلاً طوال الوقت، أليس هذا إسراف؟ أفلا يعلم مهديِّكم أنَّ اللهَ تعالى قال: ﴿وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ ٣١﴾ [الأعراف: ٣١]. إلى هنا تنتهي خرافات هذا الباب.
[382] لأنه جاء في ذلك التوقيع: "فَقَدْ وَقَعَتِ الغَيْبَةُ التَّامَّةُ فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ... وَسَيَأْتِي مِنْ شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي المُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَنِ ادَّعَى المُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ والصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ". (المُتَرْجِمُ)
هنا شرع المجلسيّ بحكاية القصص، فقصَّ علينا عدّة قصص مُختَلَقَة وخيالية مثل قصة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض والتي كتب محقق «بحار الأنوار» عنها في الحاشية قائلاً بصراحة:
"هذه قصة مصنوعة تخيّليّة، قد سردها كاتبها على رسم القصاصين، وهذا الرسم معهود في هذا الزمان أيضاً يسمونه "رمانتيك" [أي القصص الرومانسية] وله تأثير عظيم في نفوس القارئين لانجذاب النفوس إليه. فلا بأس به، إذا عرف الناس أنها قصة تخيُّليّة"![383]
في هذه القصَّة تمَّ تشجيع الناس على قول الشهادة الثالثة وهذا يخالف رأي المتقدِّمين من الشيعة.[384] (بحار الأنوار، ج 52، ص 163). أضِف إلى ذلك أن هذه القصَّة تدل على تحريف القرآن (بحار الأنوار، ج 52، ص 170)، لذا علق عليها محقق البحار (الشيخ البهبودي) في الحاشية قائلاً:
"يظهر من كلامه ذلك أن مُنْشِئَ هذه القصة كان من الحشوية الذين يقولون بتحريف القرآن لفظاً، فسرد القصة على معتقداته"!
يُعْلَم إذاً أن واضعي هذه الأخبار لم يكونوا يؤمنون بالآية 9 من سورة الحِجْر المباركة[385]، ولم يكن همُّهم سوى خداع العوام!! وللأسف فإن المَجْلِسِيّ لزم الصمت بشأن هذا الأمر المهم فكشف بذلك عن حماقته![386]
وأقول: وعلى كل حال لما كان الناس في زماننا قد سبروا كل أصقاع الدنيا وجابَ أهل الأسفار والسياحة والاكتشافات جميع نواحي المعمورة ولم يجدوا مثل هذه الجزيرة الخضراء بتلك الصفات المذكورة في هذه القصة الخيالية فإننا نصرف النظر عنها ولا نُضيِّع عمرنا في هذه المهملات. أما سائر القصص التي أوردها المَجْلِسِيّ في هذا الباب فليس فيها أيضاً أيُّ دلالة صريحة على المهدي كما لا يُمكن معرفة كذبها من صدقها، بل القصة الأخيرة تطفح منها علائم الكذب بكل وضوح!
[383] المجلسي، بحار الأنوار، (تحقيق الشيخ محمد الباقر البهبودي)، ج52، حاشية ص 159. (المُتَرْجِمُ) [384] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 70 فما بعد. [385] أي ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩﴾[الحجر: 9]. وراجعوا حول هذه النقطة كتاب «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] (ص 108). [386] تتضمن هذه القصة خرافات كثيرة منها: أنه يوجد الآن ثلاثمئة ناصر من جند إمام الزمان مع الإمام في الجزيرة ولا ينقصهم إلا ثلاثة عشر ناصراً آخر حتى يعجِّل الله لوليه الفرج!! ويجدر أن نسأل: هل لا يزال أولئك الأنصار الثلاثمئة أحياء أيضاً مع المهدي إلى اليوم؟!
ذكر المجلسيّ هنا علاماتٍ عديدةً لظهور المهدي وجَمَعَ أخباراً كثيرةً في هذا الموضوع. وبغضّ النظر عن أن هذه الأخبار لا يُوثق بها ولا اعتبار لها[387]، فإن معظمها لا يُثبت ما يرمي المَجْلِسِيّ إلى إثباته منها. وتنقسم هذه الروايات وعلامات الظهور إلى عدة أقسام:
1- قسم من هذه الأخبار (كالأحاديث 2 و20 و21 و172 و.....) يتعلّق بسوء الزمان وفساد الأحوال وهو أمر عام لا يخلو منه زمن من الأزمان سواء وجد المهدي أم لم يوجد، حتى أنه في زمن الأئمة كانت الأوضاع على هذا الحال، ومن هذا النمط ما أورده المجلسيّ في الحديث الثاني عن رسول الله ص أنه قال:
"كَيْفَ بِكُمْ إِذَا فَسَدَ نِسَاؤُكُمْ وفَسَقَ شُبَّانُكُمْ ولَمْ تَأْمُرُوا بِالمَعْرُوفِ ولَمْ تَنْهَوْا عَنِ المُنْكَرِ؟ فَقِيلَ لَهُ: ويَكُونُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: نَعَمْ وشَرٌّ مِنْ ذَلِكَ كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالمُنْكَرِ ونَهَيْتُمْ عَنِ المَعْرُوفِ؟ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ويَكُونُ ذَلِكَ؟! قَالَ: نَعَمْ وشَرٌّ مِنْ ذَلِكَ كَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ المَعْرُوفَ مُنْكَراً والمُنْكَرَ مَعْرُوفاً؟.. ".
أو ما أورده في خبر آخر من قول الله تعالى لرسول الله ص في حديث المعراج أن خروج المهدي سيكون: "إِذَا رُفِعَ العِلْمُ وظَهَرَ الجَهْلُ وكَثُرَ القُرَّاءُ وقَلَّ العَمَلُ وكَثُرَ الفَتْكُ وقَلَّ الفُقَهَاءُ الهَادُونَ وكَثُرَ فُقَهَاءُ الضَّلَالَةِ الخَوَنَةُ وكَثُرَ الشُّعَرَاءُ واتَّخَذَ أُمَّتُكَ قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ وحُلِّيَتِ المَصَاحِفُ وزُخْرِفَتِ المَسَاجِدُ وكَثُرَ الجَوْرُ والفَسَادُ وظَهَرَ المُنْكَرُ وأَمَرَ أُمَّتُكَ بِهِ ونَهَوْا عَنِ المَعْرُوفِ واكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ والنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ .....الخ"[388].
وهذه العلامات كلها من الأمور التي كانت قبل الإسلام وبعده، وكانت في عصر الصفوية أو حتى في عصرنا أيضاً، ومن جملة ذلك أننا عندما نقوم بدعوة الناس إلى توحيد العبادة ووحدة الأمة الإسلامية فإن مسؤولي البلاد ينهوننا عن ذلك بل يحكمون علينا وعلى أمثالنا بالسجن أو النفي!! بناءً على ذلك، فلا علاقة لهذه الأمور بزمن ظهور المهدي.
2- القسم الثاني: أخبار تتفق مع القرآن وتُفيد أن الأئمة لم يكونوا يعلمون الغيب. وذلك مثل الخبر السابع [الذي ينقله المجلسيّ عن كتاب قرب الإسناد] وفيه: "سَمِعْتُ الرِّضَا (ع) يَقُولُ يَزْعُمُ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ أَنَّ جَعْفَراً زَعَمَ أَنَّ أَبِي القَائِمُ وَمَا عَلِمَ جَعْفَرٌ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ أَمْرِ اللهِ فَوَاللهِ لَقَدْ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى يَحْكِي لِرَسُولِهِ ص: ﴿قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ ٩﴾ [الأحقاف: ٩]". وهذا الخبر يُكذِّب الأخبار التي تقول: إن الإمام كان يُخبر عن الأمور المُستقبلية من خلال علمه بالغيب.
3- القسم الثالث: أخبار موضوعة مخالفة للقرآن كالخبر الأول الذي في سنده «عبد الله بن سليمان» مجهول الحال والذي كان بعد رسول الله ص[389]، ويقول: "قَرَأْتُ فِي الإِنْجِيلِ وذَكَرَ أَوْصَافَ النَّبِيِّ ص إِلَى أَنْ قَالَ تَعَالَى لِعِيسَى أَرْفَعُكَ إِلَيَّ ثُمَّ أُهْبِطُكَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لِتَرَى مِنْ أُمَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ العَجَائِبَ ولِتُعِينَهُمْ عَلَى اللَّعِينِ الدَّجَّالِ أُهْبِطُكَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتُصَلِّيَ مَعَهُمْ"!!
أقول فهذا الخبر كذبٌ وموضوعٌ قطعاً لعدة دلائل:
أولاً: لا يوجد مثل هذا الكلام في الإنجيل، ولو كانت الآيات المذكورة موجودة في الإنجيل زمن «عبد الله بن سليمان» لاحتجَّ بها الأئمةُ وغيرهم قطعاً على النصارى.
ثانياً: بقاء حضرة عيسى (ع) حيَّاً حتى الآن مخالف للقرآن الكريم[390] كما ذكرنا ذلك فيما سبق (الصفحة 222 من الكتاب الحاضر). وكل بشر كان قبل محمد ص فقد تُوفي أما قضيَّة بقاء عيسى (ع) حياً ونزوله في آخر الزمن إلى الدنيا فهي قصَّة كاذبة. ولكن لحسن الحظ فإن هذا الخبر ليس منسوباً إلى أيّ إمام من الأئمة ولا ندري لماذا أورده المَجْلِسِيّ في كتابه!
4- القسم الرابع: أخبارٌ تُخالف القرآن والعقل والعلم (كالحديث 4، و14 و26 و.....) فمثلاً الحديث الرابع يُخالف سنن الله في خلقه إذ يذكر أن من علامات الظهور: "طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا" مع أن الله تعالى يقول في كتابه: ﴿وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ ٣٨ وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ ٣٩ لَا ٱلشَّمۡسُ يَنۢبَغِي لَهَآ أَن تُدۡرِكَ ٱلۡقَمَرَ وَلَا ٱلَّيۡلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِۚ وَكُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ ٤٠﴾ [يس: ٣٨، ٤٠]. بناءً على ذلك، لن يقع أيّ تغيير بأيّ وجه من الوجوه في الوضع الحالي للقمر والشمس ولن يتبدل مسيرها إلى ما قبل وقوع الساعة.
وجاء في الخبر 43: "تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ قِيَامِ القَائِمِ (ع)"، ولكن جاء في الخبر 41: "آيَتَانِ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الأَمْرِ خُسُوفُ القَمَرِ لِخَمْسٍ وَخُسُوفُ الشَّمْسِ لِخَمْسَ عَشْرَةَ"، وجاء في الخبر 67: "تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ والقَمَرُ فِي آخِرِهِ..." ومثله في الأحاديث 82 و84، فهذه الأحاديث يناقض بعضها بعضاً.
أقول: ومن المناسب هنا أن نذكر حديثاً صحيحاً ذكره الشيعة والسنة مراراً في كتبهم عن رسول الله ص وصححوه، عن موضوع الخسوف والكسوف، وسأنقله من كتاب «وسائل الشيعة» المعتمد والمقبول لدى جميع الشيعة:
"عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ مُوسَى (ع) يَقُولُ إِنَّهُ لَمَّا قُبِضَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ الله ص جَرَتْ فِيهِ ثَلَاثُ سُنَنٍ أَمَّا وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ لَمَّا مَاتَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ لِفَقْدِ ابْنِ رَسُولِ اللهِ ص فَصَعَدَ رَسُولُ اللهِ ص الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَجْرِيَانِ بِأَمْرِهِ مُطِيعَانِ لَهُ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا انْكَسَفَتَا أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَصَلُّوا ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْكُسُوف".
بناءً على ذلك، حتى لو فرضنا أن طلوع الشمس من المغرب من علامات القيامة كما جاء في بعض الأخبار، فإن هذا لا علاقة له بالمهدي أو غير المهدي لأن المهدي ينبغي أن يظهر قبل مدة من وقوع القيامة كي ينتفع الناس به، في حين أن طلوع الشمس من مغربها لو كان له حقيقة فإنه سيكون من علامات الساعة الكبرى أي العلامات المُؤْذِنَة ببدء اختلال نظام العالَم وقيام القيامة! أو أحاديث قالت عن الدجال أن عينه في كتفه وهذا يُشبه الأساطير اليونانية! أو قالت إن ناراً تشتعل قرب مسجد المحلة (أو منازل) «سعد بن همام» وتحرق جميع منازل بني أُميَّة!! هذا مع أنه قد مضت قرون طويلة على زوال جميع منازل بني أُميَّة ولم يبقَ أثر لمحلة «سعد بن همام» ومع ذلك لم يظهر المهدي الموهوم!
5- القسم الخامس: أحاديث كثيرة مجملة أو مبهمة لا يُمكن الخروج منها بشيء مفيد، كقولها إنه ستكون حرب بين بني فلان وبني فلان (؟!) أو أن زمن انقضاء ملك بني فلان هو كذا وكذا(؟!).. الخ.
وبمعزل عن أن رواة هذه الأخبار أشخاص ضعفاء لا اعتبار لحديثهم، فإن كل إنسان يستطيع أن يُلفِّق مثل هذه الأخبار المُبهمة، وهذا لا يليق بهداة الأمة.
6- القسم السادس: كثير من هذه الأخبار يربط وقت حدوث أمر مجهول بوقوع أمر مجهول آخر كقوله مثلاً: إن من علامات القائم خروج السفياني [من الشام] وخروج اليماني [من اليمن] أو ثورة رجل حَسَني أو خروج الدجال أو الصيحة السماوية أو خَسْفٌ بالبيداء وخسف بالمغرب وخسف بالمشرق، والعجيب جداً أنه لم يسأل أحد: من هو اليماني وما شغله؟ أو من هو الحَسَني الذي سيثور؟ وإن سأل أحد لم يُعطَ إجابة صحيحة (كالحديث 38)، من هذا يُعلَم أن الذين وضعوا هذه الأخبار المُبهمة أرادوا فقط أن يُؤمِّلوا الناس في عصرهم ويُبقوهم مُستعدِّين ولم يكن قصدهم إرشاد الأمة أبداً.
7- القسم السابع: أخبارٌ تُعارض روايات "كَذَب الوقّاتون"، إذ تُحدِّد وقت الظهور!! وقد تبيَّن أن هذا التحديد لم يكن صحيحاً ولم يظهر القائم في ذلك الوقت الذي تمَّ تحديده!! وذلك مثل خبر «علي بن مهزيار» 65(الحديث 30) الذي يقول: "لَيْسَ بَيْنَ قِيَامِ قَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ قَتْلِ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ إِلَّا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَة"! ولكن قد مضت ألف سنة على قَتْلِ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ ولم يقم القائم بعد!!
وقد ترك الرواة لأنفسهم سبيلاً للهروب في مثل هذه الأخبار من خلال ذِكْر جملة «إن شاء الله» أو «ما شاء الله» في أحاديثهم!! فمثلاً الخبر الثامن يقول: "أَوَّلُ عَلَامَاتِ الفَرَجِ سَنَةَ خَمْسٍ وتِسْعِينَ ومِائَةٍ وفِي سَنَةِ سِتٍّ وتِسْعِينَ ومِائَةٍ تَخْلَعُ العَرَبُ أَعِنَّتَهَا وفِي سَنَةِ سَبْعٍ وتِسْعِينَ ومِائَةٍ يَكُونُ الفَنَاءُ وفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وتِسْعِينَ ومِائَةٍ يَكُونُ الجَلَاءُ! فَقَالَ: أَمَا تَرَى بَنِي هَاشِمٍ قَدِ انْقَلَعُوا بِأَهْلِيهِمْ وأَوْلَادِهِمْ؟ فَقُلْتُ: لَهُمُ الجَلَاءُ. قَالَ: وغَيْرُهُمْ [غَيْرِهِمْ] وفِي سَنَةِ تِسْعٍ وتِسْعِينَ ومِائَةٍ يَكْشِفُ اللهُ البَلَاءَ إِنْ شَاءَ اللهُ"!
ونقول: إن الله يفعل ما يشاء في السنوات كلها. وفي الوقت ذاته تجنَّب الإمام في هذا الحديث إعطاء جواب واضح وصريح على بعض الأسئلة. وقال: ليس من المصلحة لكم أن أُخبركم!! من هذا يتبيَّن أن هذه الأخبار موضوعة ولعلَّ اللهَ أرادَ أنْ تكونَ وسيلةً لفضح أولئك الذين ادَّعوا أن الأئمَّة يعلمون الغيب. أو جاء في الحديث رقم 112 أن المهدي سيخرج "مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ بِتُرَاثِ رَسُولِ اللهِ ص! فسأل الراوي: وَمَا تُرَاثُ رَسُولِ اللهِ ص؟ فَقَالَ: سَيْفُهُ وَدِرْعُهُ وَعِمَامَتُهُ وَبُرْدُهُ وَقَضِيبُهُ وَفَرَسُهُ وَلَأْمَتُهُ وَسَرْجُهُ"! هذا في حين أن فَرَسَ رسول الله ص مات منذ قرون. فلعلَّ هؤلاء الرواة كانوا من المؤمنين بِرَجْعَةِ الفَرَسِ أيضاً!! كما أن قماش العمامة والبردة اهترئ واندثر تماماً خلال ألف عام! وليت شعري!
ولا يخفى أن المَجْلِسِيّ لما كان أجيراً للملوك الصفوية المنحرفين فقد طبَّق بعض هذه الأخبار عليهم ومن جملة ذلك الحديثان 104 و116؟! فالحديث 116 يقول: "كَأَنِّي بِقَوْمٍ قَدْ خَرَجُوا بِالمَشْرِقِ [هذا في حين أن الصفوية دخلوا إلى البلاد من شمال غرب إيران وليس من شرقها] يَطْلُبُونَ الحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ ثُمَّ يَطْلُبُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ فَإِذَا رَأَوْا ذَلِكَ وَضَعُوا سُيُوفَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا فَلَا يَقْبَلُونَهُ حَتَّى يَقُومُوا وَلَا يَدْفَعُونَهَا إِلَّا إِلَى صَاحِبِكُمْ".
يقول المجلسيّ بعد هذه الرواية: "بيان: لا يبعد أن يكون إشارة إلى الدولة الصفوية شيَّدها الله تعالى و وصلها بدولة القائم (ع)" ؟!
إن المَجْلِسِيّ يرى أن الدولة الصفوية - رغم كل فساد ملوكها وشربهم الخمر وممارستهم اللواط وارتكابهم الجرائم الفظيعة وقتل العلماء أو إجبارهم على الهروب، كانت دولة طالبة للحق!! وهو يدعو أن تبقى هذه الدولة حتى زمن ظهور المهدي!!
أيُّها القارئ المحترم! هل يُمكن أن يعتَبِرَ حضرةُ الباقر (ع) الضالين الغلاة من أتباع فرقة «أهل حق» المنحرفين طُلاباً للحق؟!
وَعَلَى كُلِّ حَال، فمن حيث المبدأ لا يُمكن الاعتماد على مثل هذه الأخبار التي تتحدث عن أمور مستقبلية والتي لا نملك مستنداً شرعياً قويماً على وقوعها، وهي تشبه من يُخبر قائلاً: سيأتي يومٌ تُعَبَّد فيه الأرض كلُّها ويتمّ تمديد أنابيب الغاز إلى جميع المنازل وتجري فيه كثير من قطارات الأنفاق تحت الأرض، فمثل هذه المسائل حتمية[391]. أيُّ دليل لديكم على كذب مثل هذا الخبر الأخير وما الفرق بين التنبؤات التي تُقدِّمها هذه الروايات وبين تنبؤات الطبيب أو العالم الفلاني؟ علينا أن نقول: إن أياً من هذه التنبؤات لا يملك مستنداً ولا دليلاً من الكتاب السماوي ولذا فقد يقع بعضها ولا يقع الآخر ولكننا لا يُمكننا أن نلتزم بها من الناحية الشرعية. (فَتَأَمَّل).
والكلمة الأخيرة، إن كثيراً من روايات هذا الباب روايات فاضحة إلى درجة تُغنينا عن دراستها ونقدها لأن متنها ذاته يدل بكل وضوح على بُطلانها، ولذلك فإن الخطباء في زماننا لا يُبَيِّنون مثل هذه الأخبار للشباب المُتعلّم والمُثقَّف!
والنقطة الأخرى أن «المُعَلَّى بن خُنيس» -وبالمناسبة كثيرٌ من الروايات المُتعلّقة بالنيروز من وضعه- قال: "يَوْمُ النَّيْرُوزِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْت"! (الحديث 171 في هذا الباب والحديث 84 من الباب التالي).
في هذا الباب أحاديثُ تمّ الاستشهاد فيها على نحو غير صحيح بآيات من القرآن الكريم، مما يُبيِّن أن رواة هذه الأحاديث كانوا أميين جهلة قاموا بوضع تلك الأحاديث ونسبوها إلى أحد الأئمة. من جملة ذلك استشهادهم بالآية 86 من سورة هود التي ذكرنا توضيحات بشأنها أكثر من مرَّة.
بعض هذه الأحاديث أيضاً (كالحديث 96) يقول: إن المهدي يأتي بكتاب جديد (؟!) مما يدل على تحريف القرآن. أو أحاديث تقول: إنه لن يبقى عند ظهور المهدي أيُّ إنسان غير مسلم (= ولا يستبقي أحداً) وهذا كما قلنا مراراً مخالف للقرآن الكريم وهذا وحده يكفي لإثبات بطلان هذه الأحاديث. هذا بمعزل عن أن رواة هذه الأحاديث أشخاص مثل «ابن البطائني» لا اعتبار لحديثهم. والحديث 90 مروي عن «عُمَر بن سَعْد» القائد العسكري لجيش قاتلي الإمام الحسين(ع) الذي لم يكن يعتبر الإمام الحسين منصوباً من عند الله فما بالك باعتقاده بحفيده التاسع؟!!
كما قلنا تمّ الاستشهاد في بعض روايات هذا الباب بآيات من القرآن الكريم لبيان علامات الظهور في حين أن الآيات المذكورة لا علاقة لها بذلك مُطْلَقاً [392]، وسنذكر فيما يلي للقراء الكرام بعض هذه الآيات:
* 1- ﴿وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰٓ أَن يُنَزِّلَ ءَايَةٗ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٣٧﴾ [الانعام: ٣٧].
كان مشركو مكَّة يقترحون -لجاجاً وعناداً- على النبيِّ ص أن يأتيهم بآيات ومعجزات ويطلبون منه طلبات في غير محلها كمطالبتهم إيَّاه أن يُنَزِّل عليهم ملاكاً من السماء، كما تبين الآيات التالية: ﴿وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ مَلَكٞۖ وَلَوۡ أَنزَلۡنَا مَلَكٗا لَّقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ ٨ وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ ٩﴾ [الانعام: ٨، ٩]. فَرَدَّ اللهُ على اقتراحهم بأنه بمعزل عن كون القرآن الكريم ذاته معجزة كبرى، أولاً: لو أنزلنا مَلَكَاً، فلن يبقى للمشركين عندئذٍ مجالٌ ولا مُهْلَةٌ للإيمان الاختياري، وسيستحقون العذابَ حينذاك. ثانياً: لو أنزلنا مَلَكَاً فسيأتيهم بصورة رجل وَمِنْ ثَمَّ فلن يكف المشركون عن تحجُّحهم ولجاجهم (يُراجَع تفسير «التبيان» للشيخ الطوسي، وتفسير «مفاتيح الغيب» للفخر الرازي) لا سيما أنهم كانوا يطالبون بتلك المعجزة من باب اللجاج لا بقصد الإيمان لأنهم كانوا أساساً يستهزئون بآيات الله أو يقولون إنها سحرٌ وليست بمعجزات!! (الصافات: 13 إلى 15، و يس: 46، والأعراف: 132 و146، والأنعام: 4 و25 و.....).
بعد أن عرفنا هذا المعنى الواضح للآيات، نرى «عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ القُّمِّيَّ» يروي عن «أبي الجارود» (الحديث 4) [عن الإمام الباقر (ع)]: أن المقصود من كلمة «الآية» في هذه الآية هو دابة الأرض والدجَّال ونزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها!! وإذا عرفنا أن سورة الأنعام مكّيّة فهل من المعقول أن يقول مشركو مكَّة للنبيِّ: هلّا تأتِنا بآيةٍ معجزةٍ من ربِّك، فيجيبهم النبيّ: اصبروا حتى يأتي الدجَّال وتطلع الشمس من مغربها؟!
* 2- ﴿إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ٢٤﴾ [يونس : ٢٤].
في هذه الآية الكريمة يُشبِّه الله تعالى الحياةَ الدنيا المؤقتة سريعة الزوال بالأرض الخضراء النَّضِرة المليئة بالنباتات من كل نوع والتي تنزل بها فجأةً جائحةٌ سماويةٌ فتجعلها حصيداً كأن لم تغنَ بالأمس، فكذلك لا يمكن الركون إلى الحياة الدنيا والاطمئنان إليها، بل الله يدعوكم لدار البقاء الأبدية لأن فيها الحياة الباقية التي يمكن الاعتماد عليها، لكن المجلسيّ يروي عن الإمام الباقر وعن «محمد بن الحنفية» (الحديث 9 في باب التمحيص والنهي عن التوقيت، والحديثان 127 و161 من الباب الحالي: باب علامات ظهوره...) أن المقصود من ﴿حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ﴾ هم بنو العباس الذين وصلوا إلى سُدَّة الخلافة ثم أخذتهم الصيحة فأهلكتهم (ولا يُسْتَبْعَد أن تكون هذه الأحاديث من وضع الكيسانية). فانظروا بالله عليكم كيف يتم التلاعب بمعاني آيات كتاب الله!!
3- ﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُهُۥ بَيَٰتًا أَوۡ نَهَارٗا مَّاذَا يَسۡتَعۡجِلُ مِنۡهُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٥٠﴾ [يونس : ٥٠]. إذا لاحظنا أن سورة يونس مكية، وأن المشركين كانوا يقولون في مكة: متى يأتي هذا العذاب الذي تَعِدُونَنَا به إن كنتم صادقين؟ فيردُّ الله عليهم أنه إذا وقع العذاب فستؤمنون به ولكن إيمانكم عندئذٍ لن ينفعكم، وأنتم الآن تستعجلون بالعذاب قبل وقوعه استهزاءً وإنكاراً في حين أن الاستعجال بالعذاب ليس أمراً حكيماً، ولكن اعلموا أن وقت العذاب محدَّدٌ عند الله فإذا وقع فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ. (راجعوا الآيات من 44 إلى 57 من سورة يونس).
لكن المجلسي ينقل لنا (الحديث 10) عن «عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ» الأحمق عن «أبي الجارود» الذي لا اعتبار لحديثه، روايةً تُفَسِّر العذاب المذكور في الآية بأنه: "... عَذَابٌ يَنْزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عَلَى فَسَقَةِ أَهْلِ القِبْلَةِ وَهُمْ يَجْحَدُونَ نُزُولَ العَذَابِ عَلَيْهِمْ"!!
أقول: هل كان مجرمو مكّة يستعجلون قيام القائم ونزول العذاب في آخر الزمن؟! ثانياً: لم يكن مسلمو مكة هم الذين يستعجلون العذاب، لكن الحديث الجاهل جَعَلَ الآيةَ بشأن أهل القبلة!! ثم ما علاقة هذا الحديث بعلامات ظهور المهدي؟!
4- ﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٥﴾ [البقرة: ١٥٥].
أقول: ضمير «كم» في هذه الآية خطاب للحاضرين زمن رسول الله ص ولسائر المؤمنين إلى يوم القيامة، كما جاء في مواضع أخرى من القرآن أن الله سيمتحن جميع الناس ويختبرهم، فالآية عامَّة ولا تدلُّ على زمن خاصٍّ بأي وجهٍ من الوجوه.
لكن المجلسيّ روى في هذا الباب (الأحاديث 28 و93 و94) عن رواة ضعفاء أن المقصود الخوف من ملوك بني فلان (؟!) وأن المقصود من «الجوع» في الآية الجوع قبل قيام القائم, وأن المقصود من «الخوف» الخوف بعد قيام القائم!
5 - ﴿فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ١٤٨﴾ [البقرة: ١٤٨]. هذه الآية جاءت في سياق آيات مرتبطة بما قبلها وتنهى المؤمنين عن التنازع بشأن القِبْلَة وتدعوهم إلى التسابق بدلاً من ذلك في أفعال الخير والأعمال الصالحة وأن الله سيجمعكم جميعاً يوم القيامة ويحكم بينكم. لكن المَجْلِسِيّ أورد (الحديث 105 في هذا الباب) نقلاً عن كتاب «الغيبة» للنعماني المليء بالخرافات عن قول رواة ضعفاء نسبوا إلى حضرة باقر العلوم (ع) قوله بشأن آية: ﴿أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ١٤٨]: "فَيَجْمَعُ اللهُ عَلَيْهِ أَصْحَابَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَيَجْمَعُهُمُ اللهُ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ قَزَعاً كَقَزَعِ الْخَرِيفِ، وَهِيَ يَا جَابِرُ الْآيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"![393]. إن الراوي الجاهل لم ينتبه لكون أفعال الآية وضمائرها تخاطب معاصري النبي ص لا أفراداً غير موجودين ممن سيأتي بعد قرون حين ظهور المهدي!! علينا أن نقول: أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الكَاذِبِيْنَ!
والآيةُ الأخرى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلۡنَا مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبۡلِ أَن نَّطۡمِسَ وُجُوهٗا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰٓ أَدۡبَارِهَآ أَوۡ نَلۡعَنَهُمۡ كَمَا لَعَنَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلسَّبۡتِۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولًا ٤٧﴾ [النساء : ٤٧]
هذه الآية خطاب لأهل الكتاب - وخاصَّةً اليهود - (تُراجَع الآيات التي قبلها وبعدها أي من الآية 44 حتى 54).
لكن المجلسيّ يروي (في الحديث 105) نقلاً عن كتاب «الغيبة» للنعماني الخرافاتي عن رواةٍ ضعفاء عن حضرة الباقر (ع): أن الآية نزلت في جيش السفياني ولا ندري ما دليله على ذلك!
6- ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ ٢٢٢﴾ [البقرة: ٢٢٢].
أيها القارئ المحترم! أرجو منك أن تقرأ هذه الآية الكريمة من سورة البقرة بصورتها الكاملة ثم انظر إلى هذا الحديث المرفوع الذي لا اعتبار له (الحديث 167) الذي ينسب إلى أمير المؤمنين علي ÷ قوله: إن المقصود من التوَّابين في هذه الآية جيش اليماني وجيش خراسان وأمثالهم من آل محمد!
بالله عليكم انظروا كيف تلاعب واضعوا هذه الرواية بالقرآن على لسان عليٍّ ÷ !
7 - ﴿مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩]. هذه الآية تتعلّق بغزوة «أُحد» وتقول إن الله تعالى لن يترك المؤمنين -ومن جملتهم أصحاب النبيّ ص - على حالهم بل سيمتحنهم في المواقف المختلفة والحوادث المُتنوِّعة، ومن جملتها الحرب، كي يتميَّز المؤمنون الحقيقيون مِن مُدَّعي الإيمان. لكن المَجْلِسِيّ يروي عن «العياشي» الخرافاتي روايةً (الحديث 86) يُنْسَبُ فيها للإمام الصادق (ع) أنه قال: "لَا تَمْضِي الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ يَا أَهْلَ الْحَقِّ اعْتَزِلُوا! يَا أَهْلَ الْبَاطِلِ اعْتَزِلُوا! فَيَعْزِلُ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَيَعْزِلُ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ. قَالَ قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللهُ! يُخَالِطُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ النِّدَاءِ؟ قَالَ: كَلَّا إِنَّهُ يَقُولُ فِي الْكِتَابِ: ﴿مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ﴾".
وينبغي أن نقول: إن هذا المعنى مخالف للآية التي قالت إن المؤمنين سيتميَّزون بواسطة الامتحانات لا بواسطة نداء سماوي، والآية مُتعلِّقة بجميع المؤمنين لا بالناس زمن المهدي فقط!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
8 - ﴿فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشۡهَدِ يَوۡمٍ عَظِيمٍ ٣٧﴾ [مريم: ٣٧]. يُبيِّن الله تعالى في الآيات من 16 وحتى 40 من سورة مريم المباركة -وهي سورة مكية- سيرة حضرة مريم وحضرة عيسى -عليهما السلام-، ثم بيَّن أن فرق النصارى المختلفة اختلفت حول عيسى (ع). وخلاصة الكلام، أن المُفسِّرين جميعاً اعتبروا أن هذه الآيات تتعلّق بعيسى وأمه. لكن المجلسيّ روى عن الإمام الباقر (الخبران 87 و95) أنه قال: "... وَ إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ يَخْتَلِفُونَ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ رَايَاتٍ الأَصْهَبِ وَالأَبْقَعِ وَ السُّفْيَانِيِّ مَعَ بَنِي ذَنَبِ الحِمَارِ مُضَرُ وَمَعَ السُّفْيَانِيِّ أَخْوَالُهُ مِنْ كَلْبٍ فَيَظْهَرُ السُّفْيَانِيُّ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى بَنِي ذَنَبِ الحِمَارِ حَتَّى يَقْتُلُوا قَتْلًا لَمْ يَقْتُلْهُ شَيْءٌ قَطُّ وَيَحْضُرُ رَجُلٌ بِدِمَشْقَ فَيُقْتَلُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ قَتْلًا لَمْ يَقْتُلْهُ شَيْءٌ قَطُّ وَهُوَ مِنْ بَنِي ذَنَبِ الحِمَارِ وَهِيَ الآيَةُ الَّتِي يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَاخْتَلَفَ الأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ"!! كما روى عن أَمِيرِ الـْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (الحديث 95 في هذا الباب نقلاً عن كتاب «الغيبة» للنعماني أيضاً) "أنه سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡ﴾ [مريم: ٣٧] فَقَالَ: انْتَظِرُوا الْفَرَجَ مِنْ ثَلَاثٍ! فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَمَا هُنَّ؟ فَقَالَ: اخْتِلَافُ أَهْلِ الشَّامِ بَيْنَهُمْ وَالرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ خُرَاسَانَ ......الخ"!!
9- ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ﴾ [فصلت: ٥٣]. المراد من ضمير الهاء في قوله «أنه الحق»: اللهُ أو القرآنُ، بمعنى أنه كلما تقدم الزمان واكتشف البشر آيات الله في خلقهم وفي الكون أدركوا أكثر حقانية القرآن. ولكن المجلسيّ يروي هنا عن الإمام قوله (في الحديثين 83 و110): "إن المقصود من «أنه الحق»: المهدي وظهوره الذي سيفهم الناس أنه الحق". وليت شعري من أي موضع في الآية استخرج موضوع المهدي؟؟ وهل من المعقول أن يقول الله تعالى لمشركي مكَّةَ: سنظهر لكم قريباً جداً أن المهدي حقٌّ!!
6610- ﴿إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ ٤﴾ [الشعراء : ٤]. هذه الآية مكية وهي خطاب للكفار ولا علاقة لها بالمهدي لكن المَجْلِسِيّ يروي حديثاً منسوباً إلى الإمام الباقر (ع) (الحديث 84 في هذا الباب، والحديث 12 في باب «يوم خروجه وما يحدث عنده»): "يَقُولُ إن المقصودين بالآية هُمْ بَنُو أُمَيَّةَ وَشِيعَتُهُمْ وأن ذلك سيقع فِي زَمَانِ السُّفْيَانِيِّ"!! في حين أن بني أُميَّة هلكوا منذ قرون متمادية ولم يظهر السفياني ولا المهدي!! [394] تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَة.
لقد أتينا بنماذج لأحاديث تلاعب فيها الرواة الوضَّاعون بمعاني آيات القرآن توصُّلاً إلى تحقيق مقاصدهم، ونكتفي بهذا المقدار ونعتقد أن القارئ بإمكانه أن يُدرك كذب الرواة بشأن ما رووه من أحاديث منسوبة إلى الأئمة حول سائر الآيات القرآنية!
[387] وكما قلنا مراراً لو اجتمع لدينا ألف صفر لم ينشأ منها أيّ عدد. [388] جاء هذا ضمن الحديث الطويل رقم 172 الذي أورده المجلسيُّ في هذا الباب في الجزء 52 من بحار الأنوار: ص 277- 278. [389] لقد كان الإنجيل زمن رسول الله ص مُحرّفاً، وعلى هذا الأساس أصبحوا منكرين لذكر رسول الله ص في الإنجيل. [390] أي مخالف لقوله تعالى: ﴿إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [ال عمران: ٥٥] ، ولقوله تعالى عن قول عيسى: ﴿وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي﴾ [المائدة: ١١٧]. ولقوله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ ٣٤﴾ [الأنبياء: ٣٤]. (المُتَرْجِمُ) [391] وهذا يُشبه التنبؤات التي كتبها الكاتب الفرنسي «جول فيرن» عن أوضاع المستقبل. [392] هذا بصرف النظر عن أن بعض الأحاديث التي أوردها المَجْلِسِيّ في هذا الباب لا تتعلق بعلائم ظهور المهدي وقد أوردها المَجْلِسِيّ في هذا الباب دون مناسبة. [393] تُراجع أيضاً الأحاديث 10 و21 و26 و37 و78 من الباب التالي. [394] راجعوا الكتاب الحاضر، ص 173. وقد تم الاستشهاد بهذه الآية في الأحاديث 12 و13 و14 و15 و40 و41 و74 في المجلد 52 من «بحار الأنوار»، باب «يوم خروجه وما يحدث عنده»!!
أورد المجلسيّ في هذا الباب أخباراً معظم متونها مخالف للقرآن وللسنن الإلهية في الخلق، وهي في الواقع أخبار حمقاء ومهملة. وقد ذكر المجلسيّ في هذا الباب 84 خبراً معظمها عن أولئك الرواة المجروحين والمطعون بهم الذين مرّوا معنا في أسانيد روايات الأبواب السابقة، والأحاديث المُكرَّرة كثيرة في هذا الباب كما في سائر الأبواب. وقد كرَّر المَجْلِسِيّ مثلاً حديثاً في عشرة أبواب وعشرين موضعاً! وسنستعرض نماذج من هذه الأخبار ونُمحِّصها:
* 1 و17 - يقول الحديث الأول: "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ: يَخْرُجُ قَائِمُنَا أَهْلَ البَيْتِ يَوْمَ الجُمُعَةِ"، هذا في حين أن الحديثين 17 و30 المرويان عن الإمام الباقر (ع) يقولان: "يَخْرُجُ القَائِمُ يَوْمَ السَّبْتِ", فالحديث 1 يتعارض مع هذين الخبرين. أفلا يدل تعارض هذه الأخبار وتناقضها على كذب رواتها؟! وفي الخبرين 17 و 19 اعتبر الرواة أن المهدي سيقوم في شهر محرَّم، وهذا يُخالف جميع الأخبار التي تقول: إن المهدي سيقوم في شهر شعبان أو شهر رمضان!
* 2 و18 و63 - خبر مضحك وخرافي يقول فِي وَصْفِ الحَجَرِ وَالرُّكْنِ الَّذِي وُضِعَ فِيهِ: "قَالَ (ع): وَمِنْ ذَلِكَ الرُّكْنِ يَهْبِطُ الطَّيْرُ عَلَى القَائِمِ (ع) فَأَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُهُ ذَلِكَ الطَّيْرُ وَهُوَ وَاللهِ جَبْرَئِيلُ (ع) ......."!
ونسأل: لماذا يُقسم الإمام؟! ثم هل الملائكة كائنات على شكل طيور كما يتخيَّل العوام؟! والأهم من ذلك هل ينزل جبريل على غير الأنبياء أيضاً؟!! ثم لماذا يُبايع الملائكةُ القائمَ؟! وهل المُقرَّر أن تقوم الملائكة باتِّباع الإمام؟!! (فتأمل جداً).
* 3 و5 و16 - كذبٌ يُخالف سنة الله في خلقه لأنه يقول عن المهدي: "يُطِيلُ اللهُ عُمُرَهُ فِي غَيْبَتِهِ ثُمَّ يُظْهِرُهُ بِقُدْرَتِهِ فِي صُورَةِ شَابٍّ ذو [دُونَ] أَرْبَعِينَ سَنَةً"؟!! (وبعض الأخبار ذكرت أنه ابن ثلاثين سنة)، هذا في حين أن الله تعالى يقول: ﴿وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ ٦٨﴾ [يس: ٦٨] ويقول: ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا﴾[الأحزاب: 62، وفاطر: 43]. إن مثل هذه الروايات يقيناً من وضع رواة لا يعرفون الله.
* 4 - مرويٌّ عن «علي بن إبراهيم» القائل بتحريف القرآن, وهو يرويه عن كذابين وغلاة من أمثال العَمْرَكِيِّ ومحمَّدِ بنِ جُمْهُورٍ وغيرهم. ومتن الرواية خرافي ونصه: "عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: حمعسق عِدَادُ سِنِيّ القَائِمِ (؟!!) وَق جَبَلٌ مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ (!!) [يستحق انتباه علماء الفلك والفيزياء!!] فَخُضْرَةُ السَّمَاءِ مِنْ ذَلِكَ الجَبَلِ، وَعِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ فِي عسق"!!! ينبغي أن نقول: لا يُمكننا أن نتوقع من مثل أولئك الرواة الكذابين أفضل من هذه المعلومات القيّمة!
* 6 - حديثٌ مخالفٌ للقرآن لأنه يقول: إن المهديَّ يُكْرِهُ الناسَ على اعتناق الإسلام وأنه لن يبقى في الأرض كافر إلا آمن، وقد تكلمنا عن هذا الموضوع بما يكفي في الصفحات الماضية وقلنا إن القرآن الكريم بيَّن أنه لا يحق للنبيّ أن يُكره أحداً على الإيمان وأن وظيفته مقتصرة على الدعوة والتبليغ وأن الله لم يُرد الإيمان الجبري من أحد، وأن اليهود والنصارى سيبقون على الأرض إلى يوم القيامة.
* 7 - يُحتمل أن يكون من أخبار الكيسانية التي استفاد علماؤنا منها!
* 8 و 9 و 11 و 21 - يرويها «المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ الجُعْفِيُّ» الذي اعتبره علماء رجالنا [كالمرحوم النجاشي والعلامة الحلي] فاسد المذهب ضعيفاً، وقالوا: إنه لا يُعتمد على أقواله وكتبه[395]. في الحديث 9 يروي هذا الشخص عن الصادق (ع) قوله: "أَمَا وَاللهِ لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ وَلَيُمَحَّصُ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ أَوْ هَلَكَ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ وَلَتَدْمَعَنَّ عَلَيْهِ عُيُونُ المُؤْمِنِينَ ... وَلَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْـرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ؟؟ ...... قَالَ: فَبَكَيْتُ. فَقَالَ لِي: مَا يُبْكِيكَ يَا أبَا عَبْدِ اللهِ؟! فَقُلْتُ: وَكَيْفَ لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَقُولُ تُرْفَعُ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟؟ ......."!
في رأينا هذه الأخبار وضعها أشخاصٌ كانوا على عداء مع دولة بني العباس وكانوا يريدون قيام المهدي في زمن قريب عاجل، وكانوا يضعون الأحاديث لإبقاء الناس في عصرهم على أُهبة الاستعداد للثورة، ولم يكن يدور في ذهنهم أيّ تصور عن مَهْدِيٍّ يُعمِّر ألفاً ومئتي عام! وذلك كالخبر 22 الذي يقول: "إِنَّ وَلِيَّ اللهِ [أي المهدي] يُعَمَّرُ عُمُرَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ وَيَظْهَرُ فِي صُورَةِ فَتًى مُوَفَّقٍ ابْنِ ثَلَاثِينَ سَنَةً"!! هذا مع أنه مضت حتى الآن ألف ومئتي سنة ولم يظهر المهدي الموهوم!!
ذلك الكذَّاب ذاته ادَّعى في الحديث رقم 11 أن الإمام الصادق (ع) قال في تفسير قوله تعالى: "﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ﴾: إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُسْتَتِراً فَإِذَا أَرَادَ اللهُ إِظْهَارَ أَمْرِهِ نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً فَظَهَرَ فَقَامَ بِأَمْرِ اللهِ"!![396] هذا في حين أن سورة المُدَّثر من أوائل سور القرآن نزولاً إذْ نزلت في مكة وهي تتحدث عن القيامة ولا علاقة لها بالمهدي من قريب ولا من بعيد. هل يُعقل أن يقرأ رسول الله ص على كفار مكة الذين لم يكونوا يؤمنون بنبوته ولا بالتوحيد ولا بالقيامة آية تتعلق بالمهدي؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
وروى الكذَّاب ذاته الخبر 21 واستشهد فيه بالآية 148 من سورة البقرة (راجعوا النموذج رقم 5 من الباب السابق ص 465) في هذه القصة يقول: "إن أصحاب المهدي يُفْتَقَدُونَ عَنْ فُرُشِهِمْ لَيْلًا فَيُصْبِحُونَ بِمَكَّةَ وَبَعْضُهُمْ يَسِيرُ فِي السَّحَابِ[397] نَهَاراً يُعْرَفُ اسْمُهُ وَاسْمُ أَبِيهِ وَحِلْيَتُهُ وَنَسَبُهُ"!! (يشبه الأساطير والحكايات التي تحكيها الجدات لأحفادهن!).
* 12 إلى 15 و37 و78 - راجعوا النموذج 10 في الباب السابق، في الصفحة 364 من الكتاب الحاضر.
* 19و20 - ينسب عدد من الضعفاء إلى الإمام الصادق (ع) قوله: "سَيَأْتِي فِي مَسْجِدِكُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا [يعني أصحاب المهدي] يَعْنِي مَسْجِدَ مَكَّةَ، يَعْلَمُ أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّهُ لَمْ يَلِدُهُمْ آبَاؤُهُمْ وَلَا أَجْدَادُهُمْ، عَلَيْهِمُ السُّيُوفُ [راجعوا الصفحة 136 من هذا الكتاب، فقرة: ثانياً] مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ سَيْفٍ كَلِمَةٌ تَفْتَحُ أَلْفَ كَلِمَةٍ ......"!! (مصداق لمقولة: المعنى في بطن الشاعر!!). ثم أيها نقبل هل الكلمة أم الألف كلمة؟! بالطبع كلما كانت الكِذْبةُ أكبر كان ذلك أفضل!
تقول الأحاديث 19 و 34 والأحاديث من 21 حتى 25 في الباب التالي للباب الحالي أن "المَهْدِيَّ يَقْضِي بِقَضَاءِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ (ع) لَا يُرِيدُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً"!!
ونسأل: هل المهدي يهوديٌّ حتى يقضي بشريعة داود وسليمان اليهودية المنسوخة؟! أضف إلى ذلك أنه لا فضيلة في الحكم دون بيِّنة ودليل، ولم يكن رسول الله ص يحكم دون دليل وبيِّنة ولم يكن يعتبر مثل هذا الحكم جائزاً.
* 25 و 65 - مجهول يروي عَنْ «سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ» الضعيف جداً قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ يَا سَيْفَ بْنَ عَمِيرَةَ لَا بُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ السَّمَاءِ فَقُلْتُ: يَرْوِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَسَمِعَ أُذُنِي مِنْهُ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي بِاسْمِ رَجُلٍ مِنَ السَّمَاءِ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ قَطُّ فَقَالَ: يَا سَيْفُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يُجِيبُهُ أَمَا إِنَّهُ أَحَدُ بَنِي عَمِّنَا قُلْتُ أَيُّ بَنِي عَمِّكُمْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (ع) ثُمَّ قَالَ: يَا سَيْفُ لَوْ لَا أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يُحَدِّثُنِي بِهِ ثُمَّ حَدَّثَنِي بِهِ أَهْلُ الدُّنْيَا مَا قَبِلْتُ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ"!! ونسأل: لماذا إذن لم يكن المنصور يقبل ادِّعاء الإمام الباقر للإمامة؟ ولماذا لم يكن يأتي لرسول الله ص نداء من السماء؟! ولماذا لم يأتِ لأمير المؤمنين علي ÷ في السقيفة أو للإمام الحسين ÷ نداء من السماء؟! (وهذا ينطبق على سائر الروايات التي تتحدث عن نداء من السماء). وبالطبع لما لم يكن لهذه الأخبار مصدر شرعي فإن التناقضات فيها كثيرة فمثلاً في الخبر 58 من هذا الباب قيل بدلاً من النداء السماوي: "تَوَقَّعُوا الصَّوْتَ يَأْتِيكُمْ بَغْتَةً مِنْ قِبَلِ دِمَشْقَ، فِيهِ لَكُمْ فَرَجٌ عَظِيمٌ"!!
* 33 - [منقول عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي]، يدَّعي بإسناده إلى حُذَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ص وَذَكَرَ المَهْدِيَّ فَقَالَ: "إِنَّهُ يُبَايَعُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ اسْمُهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ اللهِ وَالمَهْدِيُّ فَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُ ثَلَاثَتُهَا"!
أقول: هذا الخبر يردّ تلك الأخبار التي تقول إن المهدي هو محمد بن الحسن! إضافة إلى أن هذا الخبر جعل «المهدي» اسماً من أسماء القائم مع أن «المهدي» لقبه وليس اسمه! كذلك يُناقض هذا الخبر تلك الأخبار الواردة في النهي عن تسمية المهدي وأنه يُحرَّم ذكر اسمه!! (راجعوا الكتاب الحاضر، ص148) والعجيب أن المجلسيُّ تجاهل كل هذه الاختلافات والتناقضات تماماً!
* 34 - متنه مخالف للقرآن والعقل لأن «أبا الجارود» الذي لا اعتبار لحديثه يدَّعي أن الإمام الباقر (ع) قال: "إِنَّ الْقَائِمَ يَمْلِكُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ كَمَا لَبِثَ أَهْلُ الْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً وَيَفْتَحُ اللهُ لَهُ شَرْقَ الْأَرْضِ وَغَرْبَهَا وَيُقْتَلُ النَّاسُ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا دِيْنُ مُحَمَّدٍ ص (!!) يَسِيرُ بِسِيرَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ...."!! لا ندري لماذا يُصرُّ رواة وواضعو هذه الأحاديث على وصف زعماء الدين بأنهم سفاكون للدماء، مع أن الأنبياء جميعهم (والإمام الذي هو من الأتباع الصادقين للنبيّ) لم يكن لديهم من وظيفة في مواجهة كفر الكفار وعنادهم ولجاجهم سوى إبلاغ رسالات الله، كما قال تعالى في القرآن: ﴿وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ١٨﴾ [العنكبوت: ١٨]، وقال: ﴿وَمَا عَلَيۡنَآ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ١٧﴾ [يس: ١٧]، ولا يلجؤون إلى السلاح إلا للدفاع عن أنفسهم عند هجوم الأعداء وتآمرهم على المسلمين، ولم يكونوا يلجؤون للسيف لإجبار الناس على الإيمان، فالقَتْل وسفك الدماء مخالفٌ لسيرة الأنبياء جميعهم. ثم يقول إن المهدي يعمل بشريعة سليمان بن داود! فعلينا أن نسأل: وهل المهدي يهودي؟! (لعلَّ بعض اليهود الذين كانوا يتظاهرون بالإسلام هم الذين وضعوا مثل هذه الأحاديث ونشروها بين المسلمين!). ثم إن هذا الحديث مخالف للأحاديث 59 و60 و62 التي تقول: إن القائم يحكم تسعة عشر عاماً! وللأحاديث التي تقول: إن القائم يحكم خمس أو سبع سنوات!
* 42 - في سنده «علي بن أبي حمزة البطائني» الواقفي المنكر للأئمَّة الاثني عشر (إذْ يُنكر الأئمة بعد الإمام الكاظم) والمنكر بالتالي لإمامة ابن حضرة العسكري (ع) من الأساس، يروي عن حضرة الإمام الصادق (ع) أنه قال: "إِذَا صَعَدَ العَبَّاسِيُّ أَعْوَادَ مِنْبَرِ مَرْوَانَ أُدْرِجَ مُلْكُ بَنِي العَبَّاسِ! وَقَالَ (ع): قَالَ لِي أَبِي يَعْنِي البَاقِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا بُدَّ لَنَا مِنْ آذَرْبِيجَانَ لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَكُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ وَأَلْبِدُوا مَا أَلْبَدْنَا. وَالنِّدَاءُ وَخَسْفٌ بِالبَيْدَاءِ، فَإِذَا تَحَرَّكَ مُتَحَرِّكٌ فَاسْعَوْا إِلَيْهِ وَلَوْ حَبْواً، وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى كِتَابٍ جَدِيدٍ (؟!) عَلَى العَرَبِ شَدِيدٌ. وَقَالَ: وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ"!!
أولاً: ما المقصود من «الكتاب الجديد»؟! أليس في ذلك إشارة ضمنية من البطائني[398] إلى أن القرآن الذي بأيدينا مُحرَّف؟! ثم إنه قد مضت سبعمئة سنة على زوال ملك بني العباس ولم يظهر المهدي بعد!! ولكن روايات الذين كانوا يطمعون بحكومة بني العباس لا تزال باقية في كتبنا ويُدافع عنها علماؤنا!! إن ما يؤلم الإنسان ويحزنه أن هذه المهملات تُحفَظ وتُرَوَّج بين الناس باسم دين الإسلام، وكم علينا أن نعاني كي نُقنع الناس ونُفهمهم أن لا علاقة لهذه القصص بالإسلام أو القرآن على الإطلاق!
* 45 و46 - [ينقلهما المَجْلِسِيّ عن كتاب «الغيبة» للنعماني] ينسب للإمام الباقر قوله: "إِنَّ الْمُنَادِيَ يُنَادِي أَنَّ الْمَهْدِيَّ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ فَيُنَادِي الشَّيْطَانُ إِنَّ فُلَاناً وَشِيعَتَهُ عَلَى الْحَقِّ يَعْنِي رَجُلًا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ"! هذا في حين أن بني أُميَّة انقرضوا منذ أكثر من ألف ومئتي عام ولم يعد لهم أيُّ أثر، ومن المضحك جداً أن يُنادي مُناد سماوي بعد مئات القرون باسمهم!
* 49 و49 - حديثان لا يُعطيان إجابة صحيحة ومفيدة عن سؤال كيف يُمكن التمييز بين نداءين سماويين أحدهما حق والآخر باطل؟ والأمر نفسه نجده في الحديثين 50 و 64.
* 66 - هذا الحديث تشمله النقطة ثانياً (في الصفحة 136 من الكتاب الحاضر). ويقول الحديث: "إن المهدي يخرج في مكة بِتُرَاثِ رَسُولِ اللهِ ص! فقيل: مَا تُرَاثُ رَسُولِ اللهِ ص؟! قَالَ [الإمام]: سَيْفُ رَسُولِ اللهِ ص وَدِرْعُهُ وَعِمَامَتُهُ وَبُرْدُهُ وَقَضِيبُهُ وَرَايَتُهُ وَلَامَتُهُ وَسَرْجُهُ حَتَّى يَنْزِلَ مَكَّةَ فَيُخْرِجُ السَّيْفَ مِنْ غِمْدِهِ وَيَلْبَسُ الدِّرْعَ وَيَنْشُرُ الرَّايَةَ وَالْبُرْدَةَ وَالْعِمَامَةَ وَيَتَنَاوَلُ الْقَضِيبَ بِيَدِهِ ........... الخ"!! ولم يكن للراوي علم بأن زمن السيف والدرع قد ولَّى وأنه لو ظهر المهدي بمثل هذه الهيئة لكان مضحكاً لمن ينظر إليه!! (فَتَأَمَّل). في الحرب الأخيرة بين العراق وإيران لم يكن الشيخ رفسنجاني ولا السيد الخامنئي ولا سائر القادة العسكريين يزورون جبهات القتال وهم يلبسون الدرع ويمتشقون السيف! وكذلك يدَّعي الخبر 72 في هذا الباب أن السيف ينطق متكلِّماً (؟!!) والعجيب أن سيف النبيّ ص لم يكن يتكلم لكن سيف المهدي ناطق!! وفي الحديث 82 في هذا الباب أن أصحاب المهدي: "يَتَمَسَّحُونَ بِسَرْجِ الْإِمَامِ (ع) يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ وَيَحُفُّونَ بِهِ يَقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ فِي الْحُرُوبِ وَيَكْفُونَهُ مَا يُرِيد"!! وشعارهم «يَا لَثَارَاتِ الـْحُسَيْن»!! يُعلَم إذن أن أصحاب المهدي الموهوم أشخاص حمقى يريدون أن ينتقموا للإمام الحسين (ع) من أهالي آخر الزمن!!!
* 68 - هو حديث لا يصبُّ في مصلحة حكومتنا الحالية لأنه ينسب إلى حضرة عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) أنه قَالَ: "وَاللهِ لَا يَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنَّا قَبْلَ خُرُوجِ الْقَائِمِ إِلَّا كَانَ مَثَلُهُ مَثَلَ فَرْخٍ طَارَ مِنْ وَكْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ جَنَاحَاهُ فَأَخَذَهُ الصِّبْيَانُ فَعَبَثُوا بِهِ"!! بناءً على ذلك، فإن المسؤولين في بلادنا عملوا خلافاً لهذا الحديث! (ليس من المستبعد أن تكون حكومات ذلك العصر هي التي قامت بوضع مثل هذه الأحاديث وإشاعتها بين الناس لتُثبِّطهم عن القيام وتمنعهم من الثورة عليهم!).
عدد من أحاديث هذا الباب يدل على نزول الملاك على المهدي وهو أمر يتعارض مع العقيدة الإسلامية ولا يحتاج إلى دراسة ونقد.
فلننتقل الآن إلى دراسة خرافات الباب التالي الذي كرَّر المَجْلِسِيّ فيه كثيراً من الأحاديث التي ذكرها في الأبواب السابقة.
[395] كان «المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ الجُعْفِيُّ» من الغُلاة من أتباع «أبي الخطاب» الخبيث. جاء عنه في رجال الكشي [ص 323]: "عن عبد الله بن مسكان، قال، دخل حجر بن زائدة و عامر بن جذاعة الأزدي على أبي عبد الله (ع) فقالا: جُعِلْنَا فِدَاكَ، إن المفضَّلَ بْنَ عُمَرَ يقول إنكم تُقدِّرون أرزاق العباد؟ فقال: والله ما يقدر أرزاقنا إلا الله، ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري وأبلغت إلى الفكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم فعندها طابت نفسي، لَعَنَهُ اللهُ وبرئَ منه. قالا: أفتلعنه وتتبرأ منه؟؟ قال: نعم، فالعناه و ابرآ منه، بَرِئَ الله ورسوله منه."! ثم ذكر في [ص 324] تصريحاً آخر للإمام الصادق عنه فقال: " قال أبو عمرو الكِشِّيُّ قال يحيى بن عبد الحميد الحماني في كتابه المؤلف في إثبات إمامة أمير المؤمنين (ع): قلت لشريك إن أقواماً يزعمون أن جعفر بن محمد ضعيف في الحديث؟ فقال: أخبرك القصة! كان جعفر بن محمد رجلاً صالحاً مسلماً ورعاً، فاكتنفه قوم جُهَّالٌ يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون حدثنا جعفر بن محمد، ويُحَدِّثون بأحاديث كلها منكرات كذب موضوعة على جعفر، يستأكلون الناس بذلك ويأخذون منهم الدراهم، فكانوا يأتون من ذلك بكل منكر، فَسَمِعَت العوامُّ بذلك منهم فمنهم من هلك ومنهم من أنكر، وهؤلاء مثل المُفَضَّل بْنِ عُمَرَ وبيان وعمرو النبطي". (المُتَرْجِمُ) [396] راجعوا الصفحة 201 من الكتاب الحاضر، الرواية رقم 49 من باب «الآيات المؤولة بقيام القائم». [397] لا يُمكن الادِّعاء بأن المقصود بالسحاب الطائرات لأنه اعتبر أن حركة السحب منحصرة بالنهار في حين أن الطائرة تتحرك في السماء في الليل أيضاً. ثم إنه قال: إنه يُعْرَفُ اسْمُهُ وَاسْمُ أَبِيهِ وَحِلْيَتُهُ وَنَسَبُهُ وهذا لا يتناسب مع الطائرة إذ لا علاقة بين الركوب في الطائرة وأن يُعرف اسم الراكب ونسبه مِنْ قِبَلِ سائر الناس! وفي الواقع فإن قصد الراوي من الحركة في النهار أن يقول: إن الناس يرون حركته في السحاب فيتعرَّفون بذلك على حسبه ونسبه! هذا في حين أن ركاب الطائرة لا يُمكن التعرّف عليهم من قبل الناس في الأرض. [398] راجعوا لمعرفة أحواله كتاب «عرض أخبار الأصول .....» ص 201 .
ينبغي أن نعلم أن الذي يجب اتِّباعه في الإسلام هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله ص أي طريقته العملية، فقط لا غير، وليس لدينا في الإسلام شيء اسمه «سنَّة الإمام» لأن الإمام نفسه تابع لسنة النبي ص. ويوضّح ذلك أن الله تعالى قال في سورة الأحزاب: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ﴾ [الأحزاب : ٢١]، وقد قال عليٌّ عليه السلام "السُّنَّةُ مَا سَنَّ رَسُولُ اللهِ ص وَالْبِدْعَةُ مَا أُحْدِثَ مِنْ بَعْدِهِ..."[399]. وقال أيضاً: "...نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللهِ ومَا وَضَعَ لَنَا وأَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ ومَا اسْتَنَّ النَّبِيُّ [صلى الله عليه وآله] فَاقْتَدَيْتُهُ"[400]. وَرُوِيَ عَنِ رَسُولُ اللهِ ص أنه قال فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ مَا مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الجَنَّةِ ويُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا وقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ وأَمَرْتُكُمْ بِهِ"[401]. وقال أمير المؤمنين علي ÷ بشأن الآية 59 من سورة النساء: "فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ﴾ فَالرَّدُّ إِلَى اللهِ الأخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ والرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الأخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ"[402]. وقال: "وقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ والرَّسُولِ فَرَدُّهُ إِلَى اللهِ أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ ورَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّتِهِ"[403]. ولو أردنا أن نذكر جميع النصوص الواردة في هذا الأمر لطال بنا الكلام جداً.
وقد ورد عن الأئمَّة عليهم السلام أيضاً أحاديث كثيرة قالوا فيها إن ما جاءكم عنا يجب أن يكون متوافقاً مع كتاب الله وأن لا يخالف كتاب الله وسنة النبيّ ص [فما وافقهما فخذوا به وما خالفهما فاتركوه]. بناء على ذلك فسُنَّةُ رسول الله ص وسيرتُه هما فقط اللذَّان يجب اتِّباعهما. [أما سنن الآخرين -كالقائم أو غيره - وسيرتهم فليست واجبة الاتباع على أحد].
بعد أن عرفنا ذلك فينبغي أن نعلم أن الروايات التي أوردها المجلسـيّ في هذا الباب حول سير وأخلاق المهدي متناقضة متعارضة! فمثلاً الخبر الثاني في هذا الباب يقول إن الإمام الصادق والإمام الكاظم - عليهما السلام - قالا: "لَوْ قَدْ قَامَ القَائِمُ لَحَكَمَ بِثَلَاثٍ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ يَقْتُلُ الشَّيْخَ الزَّانِيَ وَيَقْتُلُ مَانِعَ الزَّكَاةِ وَيُوَرِّثُ الأَخَ أَخَاهُ فِي الأَظِلَّةِ". (ما المقصود من توريث الأخ في الأظِلَّة؟! لعلَّ المَعْنَى في بطن الشاعر!).
هذا في حين أن الله تعالى يقول: ﴿وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٤٤﴾ [المائدة: ٤٤] ﴿وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٤٥﴾ [المائدة: ٤٥] ﴿وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٤٧﴾ [المائدة: ٤٧] . تلاحظون إذاً أنهم لا يعتبرون المهديَّ تابعاً للكتاب والسنَّة!
ولما لم يكن في دراسة ونقدِ جميعِ أحاديثِ هذا الباب الخرافيةِ - التي يبلغ عددها 214 حديثاً! - واحداً واحداً، من فائدة سوى تضييع وقت القُراء، لذا سنأتي اختصاراً ببعض أحاديث هذا الباب كنموذج لما سواها، ويمكن للقارئ الكريم أن يحكم بنفسه على سائر الأحاديث أو أن يرجع إلى ما ذكرناه في الأبواب السابقة.
وبناء عليه، لا يلزمنا أن ننقل جميع متون روايات هذا الباب، ولكننا سنشير باختصار إلى ما فيه من خرافات وموهومات كي يتيقّظ القراء الكرام:
* الحديث 4 - خبر طويل منسوب إلى النبي ص وفيه "قَالَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي وَصْفِ القَائِمِ (ع): إِنَّ اللهَ تَعَالَى رَكَّبَ فِي صُلْبِ الحَسَنِ (ع) نُطْفَةً مُبَارَكَةً زَكِيَّةً طَيِّبَةً طَاهِرَةً مُطَهَّرَةً.... الخ"، وهو الحديث السابع في كتاب «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] (ص 200 إلى 213)، وهو حديث واضح الكذب والبطلان، ولا نُكَرِّرُ هنا الدلائل على كذبه وبطلانه التي ذُكِرت بالتفصيل في الكتاب المذكور. (فَلْتُرَاجَعْ ثَمَّةَ).
* الحديث 5 - ثلاثة مجهولين مهملين يروي أحدهم عن الآخر، هم: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الهَمْدَانِيُّ عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ القَاسِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، يروون عن الرضا (ع) عن آبائه حديثاً عن النبي ص حول المعراج، وفيه أن الله تعالى عيَّن اثني عشر حجَّةً على خلقه! وهو كلام يخالف ما جاء في القرآن الكريم في سورة النساء الآية 165 من نفي أي حجة [للناس على الله] بعد الرسل! وفي هذه الرواية يذكر أنه عندما يصل الإمام الثاني عشر من هؤلاء الحجج إلى الخلافة: "وَلَأُطَهِّرَنَّ الأَرْضَ بِآخِرِهِمْ مِنْ أَعْدَائِي وَلَأُمَلِّكَنَّهُ مَشارِقَ الأَرْضِ وَمَغارِبَهَا ...... وَلَأَنْصُـرَنَّهُ بِجُنْدِي وَلَأَمُدَّنَّهُ بِمَلَائِكَتِي حَتَّى يُعْلِنَ دَعْوَتِي وَيَجْمَعَ الخَلْقَ عَلَى تَوْحِيدِي .......".
أقول: وهذا كَذِبٌ ومُخالِفٌ للقرآن الكريم الذي بيّن أن اليهود والنصارى سيبقون إلى يوم القيامة على الأرض. (المائدة: 14 و64).
* الأحاديث 6 و14 و57 و129 و168 - تنسب إلى حضرة الإمام الرضا (ع) أنه قال: "إِذَا خَرَجَ القَائِمُ قَتَلَ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ الحُسَيْنِ .... [لأنَّهم] يَرْضَوْنَ بِفِعَالِ آبَائِهِمْ وَ يَفْتَخِرُونَ بِهَا وَ مَنْ رَضِيَ شَيْئاً كَانَ كَمَنْ أَتَاهُ"!! هذا مع أن الحقيقة أننا لا يمكن أن نجد أحداً من المسلمين - أعم من الشيعة أو السنَّة - يرضى بقتل حضرة سيد الشهداء، وقد كتب كثير من الكُتَّاب غير الشيعة - مثل عباس محمود العقاد و..... - كُتُباً في تجليل الإمام الحسين، المسلمون جميعاً يعتبرون قَتْلَه خطيئةً كبرى ولا يرضون بها.
ثم جاء في آخر الحديث قوله: "وَإِذَا قَامَ يَبْدَأُ بِبَنِي شَيْبَةَ فَيَقْطَعُ أَيْدِيَهُمْ لِأَنَّهُمْ سُرَّاقُ بَيْتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ"!! هذا مع أن بني شيبة الذين كانت مفاتيح حجابة الكعبة بيدهم رحلوا عن الدنيا قبل ألف وثلاثمئة عام!! وقد صاروا الآن تراباً واندثروا ولم يبقَ لهم أثر!! يبدو أن الأحقاد التي كانت بين القبائل كان لها دور في وضع مثل هذه الأحاديث.
* الحديث 8- حديثٌ ضعيفُ السَّنَدِ يختلق حواراً من سؤال وجواب بين «أبي حنيفة» وحضرة الصادق (ع) بهدف إثارة الفرقة بين المسلمين، وفي النتيجة يفتري على حضرة الصادق (ع) أنه سأل «أبا حنيفة» عن الأرض التي أُشير إليها في الآية 18 من سورة سبأ وأن «أبا حنيفة» أجاب بأنه يظن أنها الأرض التي بين مكة والمدينة!! هذا في حين أن من له أدنى معرفة بالقرآن يعلم أن تلك الأرض تقع في جنوب غرب الجزيرة العربية وتُعرف بأرض اليمن التي كان فيها سد «مأرب» الذي انهدم ووقع فيها سيل العرم المُدمّر[404]. والطريف أن الإمام لم يقل لأبي حنيفة: كلا إن الأرض المذكورة في الآية هي أرض اليمن بل قال له إن المقصود من الآية: "سيروا في الأرض مع قائمنا أهل البيت آمنين"!![405] (لعلَّ الرواة أرادوا أن يُصوِّروا لنا الإمام جاهلاً بالقرآن).
ثم يسأل الإمام أبا حنيفة قائلاً: "... يَا أبَا حَنِيفَةَ! أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنٗا﴾ [آل عمران: ٩٧] أَيْنَ ذَلِكَ مِنَ الأَرْضِ؟ قَالَ: الكَعْبَةُ. قَالَ: أَفَتَعْلَمُ أَنَّ الحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ حِينَ وَضَعَ المَنْجَنِيقَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الكَعْبَةِ فَقَتَلَهُ كَانَ آمِناً فِيهَا؟ قَالَ فَسَكَتَ. فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الحَضْرَمِيُّ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! الجَوَابُ فِي المَسْأَلَتَيْنِ؟؟ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ، فَقَالَ مَعَ قَائِمِنَا أَهْلَ البَيْتِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنٗا﴾ فَمَنْ بَايَعَهُ وَدَخَلَ مَعَهُ وَمَسَحَ عَلَى يَدِهِ وَدَخَلَ فِي عَقْدِ أَصْحَابِهِ كَانَ آمِناً ... الخَبَر"!!
مرَّةً ثانية نُكرِّر القول: إن من هو أقل علماً بكثير من أبي حنيفة يعلم أن الآية المذكورة إنشاء بصورة الخبر وأن «الأمن» المذكور في الآية ليس أمناً تكوينياً وطبيعياً بل هو «أمن» تشريعي، أي إذا لجأ إلى الحرم شخص من غير أهله وكان مستحقاً لحدٍّ شرعي عليه لم يجز إقامة الحد عليه حتى يخرج من الحرم. ولهذا السبب قيل إنه لا يجوز التعامل مع من استوجب الحد ولجأ إلى الحرم ولا معاشرته ولا إطعامه كي يضطر إلى الخروج من أرض الحرم. وكل عاقل يعلم أن ضمير «الهاء» في كلمة «دَخَلَهُ» يرجع إلى «أَوَّل بيت» المذكور في الآية 96 وهذا الأمر الواضح لا يخفى على من هو أقل علماً من أبي حنيفة بكثير فضلاً عن أن يقوله أبو حنيفة أو حضرة الصادق (ع)!!
بالله عليكم لاحظوا أيَّ مصاب أوقعه الوضَّاعون الجهلة أو المُغرضون بالإسلام والقرآن وأئمة الإسلام العظام؟! فينبغي أن نقول: أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الكَاذِبِيْنَ.
* الحديثان 9 و 177 - حديثٌ ضعيفُ السَّنَدِ لا اعتبار له يفتري راويه على الإمام الباقر (ع) أنه يقول: "أَمَا لَوْ قَامَ قَائِمُنَا لَقَدْ رُدَّتْ إِلَيْهِ «الحُمَيْرَاءُ» [لقب أم المؤمنين عائشة] [406] حَتَّى يَجْلِدَهَا الحَدَّ [حدَّ القذف] وَحَتَّى يَنْتَقِمَ لِابْنَةِ مُحَمَّدٍ فَاطِمَةَ (ع) مِنْهَا"؟!! ثم يسأل الراوي الإمام فيقول: "جُعِلْتُ فِدَاكَ! وَلِمَ يَجْلِدُهَا الحَدَّ؟! قَالَ: لِفِرْيَتِهَا عَلَى أُمِّ إِبْرَاهِيمَ! [إحدى زوجات النبيّ]. قُلْتُ: فَكَيْفَ أَخَّرَهُ اللهُ لِلْقَائِمِ (ع)؟ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّداً ص رَحْمَةً وَبَعَثَ القَائِمَ (ع) نِقْمَةً"!!!
اعلم أنه لما رأى المؤمنون بالخرافات ودعاة التفرقة الطائفيّة أنه قد جاءت عدة آيات في القرآن الكريم في الدفاع عن عائشة -كما هو مذكور في كتب السيرة والتفاسير المُعتبرة- ساءهم ذلك، فلفَّقوا بدلاً من حادثة الإفك المعروفة، قصَّةً مضمونُها أن عائشةَ قالت للنبيّ ص إن إبراهيم ليس ابنك بل هو ابن فلان!! فأمر النبيّ عليَّاً (ع) أن يذهب ويقتل ذلك الشخص (؟!! كيف يُمكن أن يأمر رسول الله ص بقتل مُتَّهم دون التحقيق بل لمُجرَّد الادِّعاء عليه واتِّهامه؟!!). فلمَّا ذهب عَلِيٌّ لقتل ذلك الرجل فرَّ الرجل وصعد إلى نخلة ورأى عَلِيٌّ (ع) من أسفل النخلة أن ذلك الرجل مجبوبٌ (أي مقطوع الذكر) وبهذا انكشف كذب عائشة!! فنقول:
أولاً: لا اعتبار لهذه القصة لأنها تُخالف الأخبار التي وردت في الكتب المعتبرة في شأن نزول الآيات 11 إلى 17 من سورة النور. ثانياً: لنفرض أن عائشة اتَّهمت أمّ إبراهيم، فما علاقة السيدة فاطمة (عليها السلام) بذلك؟ ولماذا جاء في هذه الرواية أن القائم سينتقم لفاطمة من عائشة؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ ثالثاً: ألستم تدَّعون أن طريقة الأئمة هي طريقة رسول الله ص الحقيقية وسُنَّته الواقعية الأصيلة؟ فلماذا لا تلتزمون بهذا الأصل في حالة الإمام القائم وتقولون أحياناً: إنه سيحكم بغير سُنَّة النبيّ (كما جاء في الأحاديث من 21 إلى 25 في هذا الباب)، وأحياناً تقولون إن النبيّ نبيُّ رحمةٍ والقائم إمامُ نقمةٍ وعذاب!! نسأل الله أن يُوقظ أمتنا ويُنقذهم من أمثال هذه الكتب وهذه الروايات. آمين يا ربَّ العالمين.
[399] بحار الأنوار، ج 2، ص 266. [400] نهج البلاغة، الخطبة 205. [401] بحار الأنوار، ج 2، ص 171. أقول: ورواه الكُلَيْني في الكافي، ج2، ص74، بلفظ قريب. (المُتَرْجِمُ) [402] نهج البلاغة، الخطبة 53. [403] نهج البلاغة، الخطبة 125. [404] تُراجع في ذلك كتب التفسير. [405] راجعوا الصفحة 299 من الكتاب الحاضر. [406] التي أنزل الله سبع آيات في سورة النور للدفاع عنها. راجعوا في ذلك كتب السيرة المعتبرة وكتب التفسير ومن جملتها تفسير «مجمع البيان» للشيخ الطَّبْرَسِي.
لا يخفى بالطبع أن تلك القصة تستند إلى القول بالرجعة - أي رجعة بعض الأموات إلى الدنيا قبل قيام القائم -. وينبغي أن نقول لواضعي مثل هذه الروايات: إن القول برجعة بعض الأموات إلى هذه الدنيا قبل يوم القيامة قول مخالف لكثير من آيات القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ١٥ ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ تُبۡعَثُونَ ١٦﴾ [المؤمنون : ١٥، ١٦]. وينبغي أن ننتبه إلى الآيات التي جاءت قبل هاتين الآيتين وذكرت مراحل خلق الإنسان كلها (قبل الولادة وحتى القيامة) لذلك لا يُمكننا القول إن الله صرف النظر هنا عن ذكر إحياء بعض الخلق قبل القيامة وبعد موتهم وانتقالهم إلى عالَم البرزخ (أي الرجعة)!! أضف إلى ذلك أنه ليس ممكناً للإنسان في أيِّ مرحلة من مراحل خلقه ونُموِّه وتكامله أن يرجع إلى المراحل السابقة، وَمِنْ ثَمَّ فلا يُمكننا أن نقول -دون دليل قويم- أن بعض الناس سيرجعون إلى الدنيا بعد أن كانوا قد انتقلوا منها إلى عالَم البرزخ أي عالَم ما بعد مرحلة الدنيا! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
وقال تعالى أيضاً: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ ٩٩ لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ١٠٠﴾ [المؤمنون : ٩٩، ١٠٠].بعد هاتين الآيتين مباشرة ذكر الله تعالى النفخ في الصور والقيامة ولم يذكر أيّ شيء عن الرجوع إلى الدنيا قبل القيامة لأنه لا يوجد بين الموتة الأولى وبين القيامة إلا البرزخ فقط لا غير.
وقال تعالى: ﴿أَفَمَا نَحۡنُ بِمَيِّتِينَ ٥٨ إِلَّا مَوۡتَتَنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ ٥٩ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ٦٠﴾ [الصافات : ٥٨، ٦٠]. في هذه الآية الكريمة يُبيِّن الله تعالى لنا تعجُّب أهل الجنة وسعادتهم من أنهم ماتوا مرَّة واحدة في الدنيا ولن يموتوا بعد ذلك بالجنة مع أنه لو كان هناك في الدنيا رجعة لكان هناك موت ثان ولما قالوا: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى. وكذلك قال تعالى: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰ[408]......﴾ [الدخان: ٥٦]،وقال أيضاً: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٞ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ٣٠ ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ ٣١﴾ [الزمر: ٣٠، ٣١]. وقال أيضاً: ﴿وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بَِٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٢٧ بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡل﴾ [الانعام: ٢٧، ٢٨] ، وقال كذلك عن المُسيئين: ﴿وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ ٩٥﴾ [الأنبياء: ٩٥]، وقال: ﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ أَنَّهُمۡ إِلَيۡهِمۡ لَا يَرۡجِعُونَ ٣١﴾ [يس: ٣١]، وقال: ﴿فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ تَوۡصِيَةٗ وَلَآ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ يَرۡجِعُونَ ٥٠﴾ [يس: ٥٠]. بناءً على هذه الآيات فإن «الرَّجْعَةَ» كذب محض لا أساس له على الإطلاق وهي من وضع الوضاعين الكذبة.
وللأسف لقد تلاعبوا بمعنى الآية 95 من سورة الأنبياء وخدعوا العوام حين جعلوها آيةً تُثْبِتُ «الرَّجْعَةَ» مع أنها في الواقع آيةٌ تنفي «الرَّجْعَةَ» بكل وضوح!! فمثلاً نسب «ابن أبي عُمير» الذي لا اعتبار لحديثه، و «ابن سنان» الكذاب الضعيف، إلى الإمام كلاماً يُظهره بمظهر الجاهل بالقرآن، وافتروا على حضرات الصَّادقَيْن -عليهما السلام- أنهما قالا: "كُلُّ قَرْيَةٍ أَهْلَكَ اللهُ أَهْلَهُ بِالْعَذَابِ لَايَرْجِعُونَ فِي «الرَّجْعَةِ»، فَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَالَةِ فِي «الرَّجْعَةِ» لِأَنَّ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَايُنْكِرُ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى الْقِيَامَةِ مَنْ هَلَكَ وَمَنْ لَمْ يَهْلِكْ، فَقَوْلُهُ لايَرْجِعُونَ، عَنَى فِي الرَّجْعَةِ فَأَمَّا إِلَى الْقِيَامَةِ يَرْجِعُونَ حَتَّى يَدْخُلُوا النَّارَ"!! (بحار الأنوار، ج 53، ص 52، الحديث 29، نقلاً عن تفسير «علي بن إبراهيم» الخرافاتي).
أولاً: تعلمون يقيناً أن القرآن لا يقتصر على آية واحدة حول هذا الموضوع بل لا بُدَّ من الانتباه إلى سائر الآيات المُتعلِّقة بهذا الموضوع، كما قمنا قبل قليل بذكر سائر الآيات ذات العلاقة بهذا الموضوع.
ثانياً: من الواضح تماماً أن الآية 95 من سورة الأنبياء بَيَّنَت الأمر بالصورة العُرفية التي يفهمها عوام الناس وخواصهم وهي مُوجَّهة لكل عاقل منصف لا يسعى إلى تحميل عقيدة اعتنقها من قبل على معنى الآية، بل يُدرك مفهوم الآية بوضوح تام، كما أنه لم يقع أيُّ اختلاف حتى الآن في فهم الآية 151 من سورة الأنعام! (فَلَا تَتَجَاهَلْ). وسنذكر الآية المرادة كي يحكم القارئ الكريم بنفسه حول هذه المسألة. يقول تعالى: ﴿قُلۡ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشۡهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَٰذَاۖ فَإِن شَهِدُواْ فَلَا تَشۡهَدۡ مَعَهُمۡ﴾ [الانعام: ١٥٠] ثم قال تعالى في الآية التي أشرنا إليها: ﴿قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم﴾ [الانعام: ١٥١]. فهل قال عاقلٌ حتى الآن أن الآية قالت: يحرم عليكم أن لا تُشركوا بالله ويحرم عليكم أن لا تقتلوا أولادكم وأن لا تقتلوا النفس التي حرَّم الله ....... الخ؟!! أو قال عن الآية التي تقول: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَ[409].....﴾ [الأعراف: ١٢] ، إن المقصود أن الله وبَّخ إبليس لأنه سجد؟!![410]
بالطبع إن مفهوم الآية 95 من سورة الأنبياء واضح أيضاً وهو أن الهالكين لا «رَجْعَةَ» لهم إلى الدنيا (كما قال تعالى في الآية 93: «كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ»)، ولما كان إثبات الشيء لا ينفي ما عداه بالطبع فإن الذي يُفهَم بوضوح من سائر آيات القرآن أن الصالحين أيضاً لا رجعة لهم إلى الدنيا، ولم يكن القرآن في تلك الآية في صدد الفصل بين الهالكين وغيرهم بشأن هذا الأمر [أي عدم رجوعهم إلى الدنيا] على الإطلاق. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
ثالثاً: إن الآية 95 من سورة الأنبياء ليست في صالح مسألة الرجعة أبداً لأنه طبقاً لعقيدة المُعتقدين بالرجعة لا يرجع إلى الدنيا إلا من بلغ أعلى المراتب في الكفر أو الإيمان، وبناءً على ذلك، فمن لوازم الرجعة مثلاً أن يرجع موسى وفرعون، في حين أن الله أهلك فرعون وآله بالعذاب (الأنفال: 54) وَمِنْ ثَمَّ فإنَّهم لن يرجعوا إلى الدنيا بناءً على الرواية المذكورة أعلاه!! [التي قالت: كُلُّ قَرْيَةٍ أَهْلَكَ اللهُ أَهْلَها بِالْعَذَابِ، لَا يَرْجِعُونَ فِي «الرَّجْعَةِ»]. فإن قلتَ: إن «الرَّجْعَةَ» خاصة بهذه الأمة لا غيرها! سألنا: ما هي الحكمة من رجعة أبي بكر وعمر حسب قولكم وعدم رجعة نمرود وفرعون؟!!
[407] هذا العنوان من عندي للتوضيح. (المُتَرْجِمُ) [408] لما استخدم تعالى كلمة «الموتة» بدلاً من كلمة «الموت» ترجمناها بموتة واحدة. [409] لاحظوا الآيات من 148 حتى 152 من السورة ذاتها. [410] ما يريد المؤلف رحمه الله قوله هنا: هو أن «لا» زائدة وأن معنى الآية 95 من سورة الأنبياء: حرام على قرية أهلكناها رجوعهم إلى الدنيا. (المُتَرْجِمُ)
بناءً على ما نقله المَجْلِسِيّ في البحار (ج 53، ص128) اعتبر الشيخ الصدوق -الذي كان ضعيفاً جداً في الاستفادة من نعمة العقل- بعض آيات القرآن التي تدلُّ على قدرة الله المطلقة اللامحدودة دليلاً على الرجعة!! ومن جملة ذلك استدلاله بقوله تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] وقوله تعالى: ﴿أَوۡ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٖ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحۡيِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٖ ثُمَّ بَعَثَهُۥۖ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۖ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِاْئَةَ عَامٖ فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ يَتَسَنَّهۡۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِۖ وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَيۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمٗاۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٢٥٩﴾ [البقرة: ٢٥٩]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٥٦﴾ [البقرة: ٥٥، ٥٦]. فقال: إن هذه الآيات جميعها تُثبت الرجعة!! مع أنه من الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار أن الآيات التي استشهد بها ومثلها الآية 260 من سورة البقرة وآية إحياء الأموات بدعاء عيسى (ع)[412] تدل جميعُها على إمكانية إحياء الأموات -أعمّ من الحيوان أو الإنسان- وعلى قدرة الله على ذلك وهي دليل على حقانية المعاد والبعث يوم القيامة، ولم يقل أحد من المسلمين إن الله لا يقدر على إحياء الموتى قبل يوم القيامة أو أنَّ مِثْلَ هذا العمل مُحَالٌ على اللهِ حتى يُرَدَّ عليه بذكر الآيات التي مرَّت معنا. إن نقاشنا ليس حول قدرة الله على إحياء الموتى قبل يوم القيامة، بل حول أصل اعتقادي عنوانه «الرجعة زمن المهدي»، وهذه العقيدة ليس فقط لا يوجد أي دليل شرعي قويم عليها، بل لدينا دلائل عديدة -كما مرّ- ضدَّها! أضف إلى ذلك أن الآيات التي ذكرها الصدوق تتحدث عن حالات كان كلٌّ منها معجزةً وأمراً استثنائياً، لا ينقض القاعدة والأصل، ونقاشنا هو حول القاعدة والأصل لا حول المعجزات والاستثناءات. (فَلَا تَتَجَاهَلْ). ولذلك فإن الله تعالى لم يُمِتْ رسولَ اللهِ ص ثم يُحيه ولا أمات موسى أو يَحيى أو نوح أو لوط أو يونس ثم أحياهم من جديد في هذه الدنيا، مع أنه كان قادراً على فعل ذلك، بل بيَّن لنا أنه فعل ذلك بحق «العُزَيْر» فَحَسْب فلا يُمكننا أن ننسب وقوع هذا الأمر للآخرين دون دليل. وكذلك بعث وحياة دابَّته وحياة من ماتوا بالصاعقة من بني إسرائيل أو حياة الطيور التي صرَّها إبراهيم وجعل على كل جبل منها جزءاً. كما أننا لا نقول إن رسول الله ص دخل النار وخرج منها سالماً لمُجرَّد أن إبراهيم أُلقي في النار فجعلها اللهُ برداً وسلاماً عليه. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
وقد استشهد الشيخ الصدوق بالطبع -من باب «الغَرِيقُ يَتَشَبَّثُ بِكُلِّ حَشِيْشٍ»- بأصحاب الكهف، وقال دون تأمل بل بتفسير من عند نفسه إن أهل الكهف كانوا قبل بعثهم قد ماتوا وهم في الكهف! مع أن القرآن يُصرِّح بأنهم كانوا نياماً فقط إذْ قال: «وَهُمْ رُقُودٌ»، ولو كانوا أمواتاً لَمَا قال تعالى عنهم: ﴿وَنُقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ﴾ [الكهف: ١٨]. ثانياً: لا وجه لاستشهاد الصدوق [لإثبات رأيه بشأن أصحاب الكهف بأنهم كانوا موتى قبل بعثهم في الكهف ولم يكونوا نائمين] بالآية 52 من سورة يس التي وصفت الموت بالرقود فقالت: ﴿مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرۡقَدِنَاۜ﴾ [يس: ٥٢]، لأن الموتى إنما قالوا ذلك يوم القيامة بعد النفخ في الصور في حين أنه في الآية موضع الاستشهاد صُرِّح أنهم كانوا نياماً إذ جاءت عبارة «وَهُمْ رُقُودٌ» مقابلةً لعبارة «وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا» التي تُعدُّ أقوى قرينة على أنهم كانوا نياماً[413]، كما أن تقليبهم يميناً وشمالاً لا يتناسب أبداً مع موتهم. وبعبارة أخرى، لو كانت كل عودة إلى الوعي -سواءً من النوم أم من الموت- استيقاظاً فإن كل غياب للوعي بما في ذلك النوم والغياب عن الوعي ليس موتاً حتى نقول: بما أن الأموات الذين يحيون يوم القيامة من موتهم يقولون: ﴿مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرۡقَدِنَاۜ ۗ هَٰذَا﴾ [يس: ٥٢] فكل«ميِّتٍ» يُسَمَّى: «راقداً» أيضاً!! (فَلَا تَتَجَاهَلْ). بناءً على ذلك، فما ادَّعاه الشيخ الصدوق حول أصحاب الكهف لا وجه له وباطل.
ولكن قبل اختتام هذا المبحث ولكوني على دراية بخدع المشايخ ولعبهم بعقول العوام أرى من اللازم أن أُوضِّح أمراً مُهماً وهو أنه عندما يُقال: «النوم أخو الموت» فإن المقصود هو التشابه من بعض الوجوه بين «النوم» (أو الغياب عن الوعي) من جهة و«الموت» من الجهة الأخرى. وإحدى وجوه الشبه هو عدم الاطِّلاع على ما يجري حول الإنسان، فالميت والنائم أو الغائب عن الوعي كلهم لا يُدركون ما يجري حولهم، ونحن لا نُنكر هذا الموضوع. بناءً عليه إذا استند شخصٌ إلى موضوعِ عدم اطِّلاع أصحاب الكهف -الذين كانوا من عباد الله الصالحين المُقَرَّبين- على وقائع الدنيا أثناء نومهم ليُثبت عدم اطِّلاع الأموات ذوي المقام العالي عند الله على أمور الدنيا بعد موتهم فإنه في الواقع استدل بأمر صحيح ولم يُجانب الصواب، لكننا لا نستطيع في نقاشنا حول «الرَّجْعَةِ» أن نتمسَّك بهذه الآية لأن الشخص النائم أو الغائب عن الوعي رغم عدم اطِّلاعه على ما يجري حوله لكنه لم يترك الدنيا الفانية بعد، ولم ينتقل إلى عالَم ما بعد الدنيا ولم تشمله آية ﴿وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ١٠٠﴾ [المؤمنون: ١٠٠] بعد، ولا شك أن عودته إلى الوعي واستيقاظه يختلف تماماً عن «الرجعة والبعث بعد الموت»، فالذين تركوا الدنيا الفانية وانتقلوا إلى عالَم البرزخ لا يعودون إلى هذه الدنيا حتى يوم القيامة كما يُصرِّح بذلك القرآن الكريم، وفي هذا الموضوع لا تنقض بعض الاستثناءات مثل عودة «عُزير» (ع) أو عودة أصحاب موسى (ع) بعد موتهم، هذه القاعدة. (فَلَا تَتَجَاهَلْ). وراجعوا بشأن الآية 11 من سورة غافر (المؤمن) تفسير الزمخشري أيضاً، والصفحتان 96 - 97 من الكتاب الحاضر.
ومن أراد المزيد من التفصيل في بيان بطلان عقيدة «الرَّجْعَةِ» فعليه قراءة كتاب «الإسْلامُ والرَّجْعَةُ»» الذي ألَّفه المرحوم الشيخ «عبد الوهاب فريد التنكابني»[414]، ونكتفي بما ذكرناه هنا حول الموضوع[415].
* الحديث 10 – يُراجَع بشأن هذا الحديث والآيات التي وردت فيه باب «الآيات المُؤَوَّلة بقيام القائم» في الكتاب الحاضر في ص161.
* الحديث 11 - ينسب إلى أمير المؤمنين قوله: "وَلَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا لَأَنْزَلَتِ السَّمَاءُ قَطْرَهَا وَلَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ نَبَاتَهَا وَلَذَهَبَتِ الشَّحْنَاءُ مِنْ قُلُوبِ العِبَادِ وَاصْطَلَحَتِ السِّبَاعُ وَالبَهَائِمُ..."!! أي لم يعد للذئاب اهتمام بالغنم، بل ستصوم أو تأكل الأعشاب!!
* الحديث 13 - في سنده «محمد بن جمهور» الضعيف جداً[416] الذي ينسب إلى حضرة الإمام الصادق قوله: "كَأَنِّي أَرَى نُزُولَ القَائِمِ فِي مَسْجِدِ السَّهْلَةِ بِأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ..... ثُمَّ إِذَا قَامَ قَائِمُنَا انْتَقَمَ اللهُ لِرَسُولِهِ وَلَنَا أَجْمَعِينَ".
ولنا أن نسأل: أيُّ ظُلمٍ اقترفه الناس المعاصرون للقائم حين قيامه تجاه الرسول والأئمة عليهم السلام حتى ينتقم لهم منهم؟!
* الحديثان 18 و101- يروي فيه «رُفيد مولى أبي هُبَيْرة»، وهو رجل مجهول، عن رَاوٍ كذَّاب أن الإمام الصادق (ع) قال له: "يَا رُفَيْدُ! كَيْفَ أَنْتَ إِذَا رَأَيْتَ أَصْحَابَ القَائِمِ قَدْ ضَرَبُوا فَسَاطِيطَهُمْ فِي مَسْجِدِ الكُوفَةِ ثُمَّ أَخْرَجَ المِثَالَ الجَدِيدَ عَلَى العَرَبِ شَدِيدٌ؟؟ قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! مَا هُوَ؟ قَالَ: الذَّبْحُ! قَالَ قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ يَسِيرُ فِيهِمْ بِمَا سَارَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ع) فِي أَهْلِ السَّوَادِ؟؟ قَالَ: لَا يَا رُفَيْدُ! إِنَّ عَلِيّاً سَارَ بِمَا فِي الجَفْرِ الأَبْيَضِ وَهُوَ الكَفُّ [ونسأل وهل عمل عليٌّ بشيء خلال حكمه سوى بالكتاب والسُّنَّة؟!] وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَى شِيعَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَإِنَّ القَائِمَ يَسِيرُ بِمَا فِي الجَفْرِ الأَحْمَرِ وَهُوَ الذَّبْحُ (!!)....". أقول: يُراجَع بشأن الجَـفْر ما ذكرناه في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الباب 98، ص 552 إلى 560، والباب 119، ص 597إلى 606.
* الحديث 19 - ينسب عددٌ من الضعفاء إلى حضرة باقر العلوم (ع) قوله: "كَانَ عَصَا مُوسَى (ع) لآِدَمَ فَصَارَتْ إِلَى شُعَيْبٍ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّهَا لَعِنْدَنَا وَإِنَّ عَهْدِي بِهَا آنِفاً وَهِيَ خَضْـرَاءُ كَهَيْئَتِهَا حِينَ انْتُزِعَتْ مِنْ شَجَرِهَا وَإِنَّهَا لَتَنْطِقُ إِذَا اسْتُنْطِقَتْ أُعِدَّتْ لِقَائِمِنَا لِيَصْنَعَ كَمَا كَانَ مُوسَى يَصْنَعُ بِهَا وَإِنَّهَا لَتَرُوعُ وَتَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ وَتَصْنَعُ كَمَا تُؤْمَرُ وَإِنَّهَا حَيْثُ أَقْبَلَتْ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ تُفْتَحُ لَهَا شَفَتَانِ إِحْدَاهُمَا فِي الأَرْضِ وَالأُخْرَى فِي السَّقْفِ وَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً [مع أن المسافة بين الأرض والسقف ليست أربعين ذراعاً!!] وَتَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ بِلِسَانِهَا".
أقول: هل هذه هي علوم آل محمد التي تتباهون بامتلاكها دائماً!
* الحديث 20 - ينسب رواةٌ ضعفاء كذَّابون إلى الإمام الصادق (ع) قوله: "إِنَّ أَبِي لَبِسَ دِرْعَ رَسُولِ اللهِ ص وَكَانَتْ تُسْحَبُ عَلَى الأَرْضِ وَإِنِّي لَبِسْتُهَا فَكَانَتْ وَكَانَتْ وَإِنَّهَا تَكُونُ مِنَ القَائِمِ كَمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ ص مُشَمَّرَةً كَأَنَّهُ تُرْفَعُ نِطَاقُهَا بِحَلْقَتَيْنِ وَلَيْسَ صَاحِبُ هَذَا الأَمْرِ مَنْ جَازَ أَرْبَعِينَ". يُراجَع بشأن هذا الحديث ما ذكرناه في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الباب 95، ص 542 إلى 549).
* الأحاديث من 21 إلى 25 - فكرة تكررت خمس مرات في هذه الأخبار الخمسة وهي أن حضرة الإمام الصادق والإمام العسكري قالا: "إِذَا قَامَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ حَكَمَ بِحُكْمِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ بَيِّنَةً". يُراجَع تعليقنا على الحديث 19 في الباب السابق.
* الحديث 26 - يتضمن متنه تلاعباً بمعنى آية من القرآن الكريم وهي قوله سبحانه:﴿يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ ٤١ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٤٢ هَٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٤٣﴾ [الرحمن: ٤١، ٤٣]، حيث نسب الرواة إلى الإمام الصادق أنه قال في تفسيرها: "عَنْ مُعَاوِيَةَ الدُّهْنِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ ٤١﴾ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ! مَا يَقُولُونَ فِي هَذَا؟ قُلْتُ: يَزْعُمُونَ أَنَ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَعْرِفُ المُجْرِمِينَ بِسِيمَاهُمْ فِي القِيَامَةِ فَيَأْمُرُ بِهِمْ فَيُؤْخَذُ بِنَوَاصِيهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ فَيُلْقَوْنَ فِي النَّارِ. فَقَالَ لِي: وَكَيْفَ يَحْتَاجُ الجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى مَعْرِفَةِ خَلْقٍ أَنْشَأَهُمْ وَهُمْ خَلْقُهُ؟؟ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! وَمَا ذَلِكَ؟؟ قَالَ: لَوْ قَامَ قَائِمُنَا أَعْطَاهُ اللهُ السِّيمَاءَ فَيَأْمُرُ بِالكَافِرِ فَيُؤْخَذُ بِنَوَاصِيهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ ثُمَّ يَخْبِطُ بِالسَّيْفِ خَبْطاً".
أقول: إن واضع الرواية الجاهل يظن أن الإمام الصادق (ع) كالعوام الذين لم يقرؤوا القرآن وأنه ولم يُلاحِظ عبارة «هَذِهِ جَهَنَّمُ» في تلك الآيات، وأنه لم يكن يعلم أن سيماء الكافرين والمجرمين ليست لأجل أن يتعرَّف الله عليهم بل هي علامة يتميَّز بها المجرمون عن الصالحين ليتعرَّف أهل القيامة على المجرمين ويشاهدوا عاقبتهم. ثم الحديث يدل ضمناً على أن هذه الآيات كأنها لم تنزل على المسلمين زمن رسول الله ص بل أنزلها الله لأجل زمان القائم؟! فهل هذه هي المعارف القيمة لمنتظري المهدي؟!
* الحديثان 29 و 30 – جاء في الحديث 29 أن المهدي : "... تُطْوَى لَهُ الأَرْضُ وَلَا يَكُونُ لَهُ ظِلٌّ، وَهُوَ الَّذِي يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِهِ يَسْمَعُهُ جَمِيعُ أَهْلِ الأَرْضِ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ، .... وَهُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ ٤﴾ [الشعراء : ٤]"[417]. وجاء في الحديث 30: "وَإِنَّ الْقَائِمَ هُوَ الَّذِي إِذَا خَرَجَ كَانَ فِي سِنِّ الشُّيُوخِ وَمَنْظَرِ الشَّبَابِ قَوِيّاً فِي بَدَنِهِ حَتَّى لَوْ مَدَّ يَدَهُ إِلَى أَعْظَمِ شَجَرَةٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَقَلَعَهَا (!!) وَلَوْ صَاحَ بَيْنَ الْجِبَالِ لَتَدَكْدَكَتْ صُخُورُهَا (!!)".
ليت شعري! ألم يكن لدى أولئك الرواة من عمل سوى تلفيق مثل هذه المهملات؟!
* الحديث 32 - مضمونه مخالف لما عليه الشيعة لأنه ينسب إلى حضـرة الإمام العسكري (ع) أنه قال: "إِذَا قَامَ القَائِمُ أَمَرَ بِهَدْمِ المَنَارِ وَالمَقَاصِيرِ الَّتِي فِي المَسَاجِدِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لِأَيِّ مَعْنَى هَذَا؟ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ مُبْتَدَعَةٌ لَمْ يَبْنِهَا نَبِيٌّ وَلَا حُجَّةٌ". فينبغي أن نقول: إذا كان الشيعة يقبلون هذا الخبر فلماذا يعملون خلافاً له ويزيدون كل يوم عدد المنارات والمآذن والمقاصير في المساجد؟!
* الأحاديث 34 و36 و65- يُراجع بشأنها ما ذكرناه في الباب الخامس من الكتاب الحاضر، الحديثان رقم 31 و 22 (ص182 و189).
* الأحاديث 37 و40 و67 و105 – ينبغي أن نقول: إن مهدي هذه الأحاديث تأخر ظهوره جداً عن الوقت الذي كان يجب أن يظهر به!! لأن الحديث يقول: "إِذَا خَرَجَ القَائِمُ (ع) مِنْ مَكَّةَ يُنَادِي مُنَادِيهِ أَلَا لَا يَحْمِلَنَّ أَحَدٌ طَعَاماً وَلَا شَرَاباً وَحَمَلَ مَعَهُ حَجَرُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (ع) وَهُوَ وِقْرُ بَعِيرٍ (؟!) فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا انْفَجَرَتْ مِنْهُ عُيُونٌ فَمَنْ كَانَ جَائِعاً شَبِعَ وَمَنْ كَانَ ظَمْآناً رَوِيَ وَرَوِيَتْ دَوَابُّهُمْ حَتَّى يَنْزِلُوا النَّجَفَ مِنْ ظَهْرِ الكُوفَةِ"!
كما قلنا يبدو أن مهدي هذا الحديث والحديثين 120 و 121 قد مضى وقت ظهوره[418]، إذ انتشرت اليوم في الجزيرة العربية وفي العراق أنابيب تمديد المياه ولم يعد هناك من حاجة إلى حجر موسى بن عمران كما أنه لم يعد أحد يذهب إلى الحرب على ظهور الجمال والخيول ولا يستخدم السيوف في القتال، بل أصبحت المعارك تتمّ بالوسائل ذات المحركات وبالأسلحة النارية. أضف إلى ذلك أن حجر موسى بن عمران لم يكن شيئاً يُحْمَل ويأخذه موسى معه هنا وهناك، بل الراوي الكاذب اخترع هذه القصة من بنات أفكاره، وينطبق على قصته ما ذكرناه في فقرة ثانياً في الصفحة 136 من الكتاب الحاضر! والأمر ذاته ينطبق على الحديثين 44 و70 اللذين جاء فيهما "أن أصحاب المهدي لَا يَكُفُّونَ سُيُوفَهُمْ حَتَّى يَرْضَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ"! وكذلك الحديث 179 الذي يرويه «ابن ظبيان» الذي لعنه الإمام الرضا (ع)، والذي يقول: "إِذَا قَامَ الْقَائِمُ (ع) أَتَى رَحْبَةَ الْكُوفَةِ فَقَالَ بِرِجْلِهِ هَكَذَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَوْضِعٍ ثُمَّ قَالَ احْفِرُوا هَاهُنَا فَيَحْفِرُونَ فَيَسْتَخْرِجُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْعٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَيْفٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ بَيْضَةٍ لِكُلِّ بَيْضَةٍ وَجْهَانِ ثُمَّ يَدْعُو اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ مِنَ الْمَوَالِي مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَيُلْبِسُهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ يَقُولُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْكُمْ فَاقْتُلُوهُ"!!
الراوي الكذَّاب لهذا الحديث يظن أن في زمن المهدي لا يزال للدروع والسيوف فائدة في المعارك!! وكذلك الحديث 52 الذي يقول: "إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَام ......... وَيَتَّصِلُ بُيُوتُ الْكُوفَةِ بِنَهَرِ كَرْبَلَاءَ بِالْحِيرة حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى بَغْلَةٍ سَفْوَاءَ[419] يُرِيدُ الْجُمُعَةَ فَلَا يُدْرِكُهَا"!! ولا يدري راوي هذا الحديث الكاذب أن أهل العراق اليوم لم يعودوا يركبون الأنعام والمواشي بل أصبحوا يتنقلون بالسيارات وغيرها من وسائل النقل الحديثة ذات المحركات!
والنقطة الطريفة الأخرى هي ما جاء في الحديثين 52 و 77 من قوله: "وَيُعَمَّرُ الرَّجُلُ فِي مُلْكِهِ حَتَّى يُولَدَ لَهُ أَلْفُ ذَكَرٍ لَا يُولَدُ فِيهِمْ أُنْثَى"!! (وهذا ما يتطابق مع طريقة تفكير الناس قبل ألف سنة!). لاحظوا كيف يتخبَّط واضعو روايات المهدي ويحتارون في أكاذيبهم فمن جهة يقولون: إن المهدي سيحكم سبع سنوات أو تسع سنوات أو تسعين سنة على أكثر تقدير، ومن الجهة الأخرى يقولون: إن أتباع المهدي يُعمِّرون عمراً طويلاً جداً!! بالإضافة إلى أن الحديثين المذكورين يتضمنان ما يوافق طريقة تفكير العرب زمن الجاهلية الذين كانوا يكرهون أن تُولد لأحدهم أنثى، مع أن الله تعالى قدَّم في القرآن إعطاء الأنثى على إعطاء الذكر فقال: ﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ ٤٩﴾ [الشورى: ٤٩]، علاوةً على أنه في مثل هذه الحالة لو ولد لكل إنسان ألف ذكر ولم تولد أنثى فكيف سيتزوَّج هؤلاء الذكور؟ أوليس الزواج سنة النبيّ؟
والطريف أن هذين الحديثين يقولان أيضاً: إن الظلام ينتهي عند ظهور المهدي ويستغني العباد عن ضوء الشمس، في حين أن هذا الكلام مُجرّد خيالات لا تتفق مع القرآن، كما أن عدم وجود الظلمة ليس رحمةً بل عذابٌ، كما قال تعالى في كتابه: ﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلَّيۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِضِيَآءٍۚ أَفَلَا تَسۡمَعُونَ ٧١ قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِلَيۡلٖ تَسۡكُنُونَ فِيهِۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ٧٢ وَمِن رَّحۡمَتِهِۦ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٧٣﴾ [القصص: ٧١، ٧٣]. فذهاب الظلمة في زمن القائم أمر غير مرغوب به ومُضِرٌّ ولا يُعتبر امتيازاً. ثم إن الشمس ليست لأجل الضياء فقط بل لها فوائد أخرى لا يستغني عنها البشر مطلقاً، ولكن واضعي هذا الحديث كانوا جاهلين بهذه الحقيقة!
* الحديثان 38 و86- راجعوا بشأن هذين الحديثين ما ذكرناه في كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، (الباب 86، ص 599 إلى 503).
* الحديث 46 - يقول: "إِذَا تَنَاهَتِ الْأُمُورُ إِلَى صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ رَفَعَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ كُلَّ مُنْخَفِضٍ مِنَ الْأَرْضِ وَخَفَضَ لَهُ كُلَّ مُرْتَفِعٍ [يستحق اهتمام علماء الجغرافيا والجيولوجيا!!] حَتَّى تَكُونَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ رَاحَتِهِ....."!
أقول: هذا مخالف لسنن الله التكوينية. ونسأل: إذن فإن القرآن الذي قال أن الله: ﴿وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ﴾ [النحل: ١٥] كان مخطئاً -والعياذ بالله-؟!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ ولا نتوقع بالطبع من «الـْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ» حديثاً أفضل من هذا!
* الحديث 49 - ينسب إلى حضرة الصادق (ع) قوله: "لَيَنْصُرَنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ بِمَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ، وَلَوْ قَدْ جَاءَ أَمْرُنَا لَقَدْ خَرَجَ مِنْهُ مَنْ هُوَ الْيَوْمَ مُقِيمٌ عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ"!
أقول: إن هذا الحديث يُكذّب جميع الأحاديث التي جاءت في مدح أصحاب القائم! (فَتَأَمَّل) من هذا يُعلَم أن الوضاعين لم يكن لهم علم بموضوعات بعضهم بعضاً لذا نجد بين موضوعاتهم هذا التعارض والتناقض!
* الحديث 56 - عدد من الضعفاء ينسبون إلى حضرة الصادق (ع) حديثاً يُصوِّره جاهلاً بالقرآن. إذْ ينسبون إليه قوله: "إِنَّ أَصْحَابَ مُوسَى ابْتُلُوا بِنَهَرٍ وَهُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَر﴾ [البقرة: ٢٤٩] وَإِنَّ أَصْحَابَ الْقَائِمِ يُبْتَلَوْنَ بِمِثْلِ ذَلِكَ"! مع أن كل من له علم بالقرآن يعلم أن الآية المذكورة لا تتعلق بأصحاب موسى (ع) بل كانت امتحاناً من الله لأتباع أحد أنبياء بني إسرائيل الذين جاؤوا بعد موسى بمُدّة وهو «صموئيل» (ع). (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
* الحديثان 59 و74 - ينسبان إلى الإمام الصادق (ع) قوله: "إِذَا قَامَ الْقَائِمُ جَاءَ بِأَمْرٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَ"! ونقول: إن كان المقصود أنه سيأتي بقرآن غير القرآن الحالي أو أنه سيعمل بسُنَّة اليهود أو أنه سيحكم بغير بيِّنة وأمثال هذه الأمور [التي ذُكرت في بعض الأحاديث] فهذا أمر واضح البُطلان، وإن لم يكن هذا هو المقصود فلا فائدة من كلام مجمل لا يُعرف المراد منه. أضف إلى ذلك أن هذا الحديث يُخالف الأحاديث 88 و 108 و112 التي تقول: لو آل هذا الأمر إلينا أهل البيت لعملنا بمنهج عيش رسول الله ص وبسيرة أمير المؤمنين علي ÷، وأحيينا الإسلام. والحديث 60 يتضمن كلاماً مبهماً كالحديث الأخير!
* الحديثان 61 و 84 - يرويهما البطائني الواقفي الذي اختلس أموال حضرة الكاظم (ع)، وفيه: "إِذَا قَامَ الْقَائِمُ دَخَلَ الْكُوفَةَ ... وَيَأْمُرُ اللهُ الْفَلَكَ فِي زَمَانِهِ فَيُبْطِئُ فِي دَوْرِهِ حَتَّى يَكُونَ الْيَوْمُ فِي أَيَّامِهِ كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَالشَّهْرُ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسَّنَةُ كَعَشْرِ سِنِينَ مِنْ سِنِيكُمْ! [يستحق اهتمام علماء الفلك!!]". هذا في حين أن الراوي لا يعلم أن علم الفلك بمعناه البطليموسي أصبح مردوداً تماماً اليوم علاوةً على أن مثل هذا الادِّعاء مخالف للقرآن (يس: 38- 40)، ولن يتغيَّر هذا التقدير الإلهي إلى ما قبل القيامة. بناءً عَلَى ذَلك، فإن قياس أيام القيامة التي يختل فيها نظام الكون على الأيام التي تكون قبل وقوع القيامة قياس غير صحيح لأنه قياس مع الفارق!!
* الحديث 81 - عن أبي الجارود – [الذي مرّ معنا بيان حاله التعيسة فيما سبق] – ينسب إلى الإمام الباقر أنه يقول ضمن حَدِيثٍ طَوِيلٍ: "... إِذَا قَامَ القَائِمُ (ع) سَارَ إِلَى الكُوفَةِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِضْعَةَ عَشَرَ آلاف [أَلْفَ] أَنْفُسٍ يُدْعَوْنَ البُتْرِيَّةَ عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ فَيَقُولُونَ لَهُ: ارْجِعْ مِنْ حَيْثُ جِئْتَ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي بَنِي فَاطِمَةَ! فَيَضَعُ فِيهِمُ السَّيْفَ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى آخِرِهِمْ، ثُمَّ يَدْخُلُ الكُوفَةَ فَيَقْتُلُ بِهَا كُلَّ مُنَافِقٍ مُرْتَابٍ وَيَهْدِمُ قُصُورَهَا وَيَقْتُلُ مُقَاتِلِيهَا حَتَّى يَرْضَى اللهُ عَزَّ وَعَلَا"!!
ولم يوجد من يسأل هذا الراوي: كيف سيُهلك المهدي الناس بالسيف مع أن السيف اليوم لم يعد له أيُّ استخدام في الحروب وحلّت محلّه المدافع والدبابات والرشاشات ...... الخ؟!
* الأحاديث 89 و90 و91 - [ينقله المجلسيُّ] عن تفسير العياشي الخرافاتي الذي يروي "عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الحَسَنِ (ع) عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا﴾ [آل عمران: ٨٣] ؟؟ قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي القَائِمِ (ع)...."!!. هذا في حين أنه بملاحظة صدر الآية والآيات التي قبلها يَتَـبَيَّنُ بوضوح أن الآية تتكلَّم عن الله لا عن عبد الله، ومن الواضح تماماً أن رسول الله ص لم يكن مأموراً بإجبار الناس على الإسلام فكيف يُؤمر بذلك حفيد من أحفاده ص؟! بناءً عَلَى ذَلك، -كما قلنا- لا علاقة للآية المذكورة بعبد الله ولا بالقائم. ولست أدري لماذا يُصِرُّ هؤلاء الرواة الغلاة على أن يرفعوا الإمام إلى مقام الإلهية؟!!
لقد حارب أمير المؤمنين علي والإمام الحسن -عليهما السلام- معاوية أشهراً وجاهداه ولكنهما لم ينتصرا عليه كما قال حضرة عَلِيٍّ (ع): "ولَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا، وسَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الأرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ والْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ"[420]، وقال: "فَإِنْ يُمَكِّنِّي اللهُ مِنْكَ ومِنِ ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَجْزِكُمَا بِمَا قَدَّمْتُمَا وإِنْ تُعْجِزَا وتَبْقَيَا فَمَا أَمَامَكُمَا شَرٌّ لَكُمَا"[421].
أجل، لم يكن لدى ذينك الإمامين الجليلين أيَّة قوَّة إلهية خارقة للعادة ولم تكن الأرض ولا السماء مطيعة لهما، فكيف يكون لحفيدهما مثل ذلك؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ هذا بصرف النظر عما قلناه مراراً من أن غير المسلمين سيبقون على الأرض إلى يوم القيامة. أما بالنسبة إلى سائر الآيات التي تمَّ الاستشهاد فيها في الأحاديث 91 و 93 و 94 فيُراجع الباب 5 في الكتاب الحاضر (باب الآيات المؤولة بقيام القائم).
* الحديث 92- يروي فيه «العياشي» الخرافاتي عَنِ «الْـمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ»، الضعيف جداً، عَنْ الإمام الصادق (ع) قوله: "إِذَا قَامَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ اسْتَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا ....."[422] (؟!!). ولكن لما كان حبل الكذب قصير فقد عدَّد 37 نفراً بدلاً من 27!!
* الحديث 95- يروي «العياشي» الخرافاتي أن رجلاً ذكر بعض بيوت العباسيين في محضر الإمام الصادق (ع) وقال: "أَرَانَاهَا اللهُ خَرَاباً أَوْ خَرَّبَهَا بِأَيْدِينَا" فقال له الإمام الصادق: "لَا تَقُلْ هَكَذَا بَلْ يَكُونُ مَسَاكِنَ القَائِمِ وَأَصْحَابِهِ، أَمَا سَمِعْتَ اللهَ يَقُولُ: وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ؟"!! وقد ظهر كذب هذا الخبر، فاليوم لم يبقَ أثر من مساكن بني العباس بل اندرست جميعها منذ قرون ومع ذلك لم يظهر المهدي الموهوم بعد!!
* الحديثان 99 و 109 - يفتري فيهما البطائني الواقفي والبزنطي على الإمام الباقر بأنه قال عن المهدي القائم (ع) أنه: "يَسِيرُ بِالقَتْلِ" أو "ليس شأنه إلا القتل"؟!! وأن أول من يتَّبعه محمدص!! ينبغي أن نقول: لعنة الله على الكاذبين. هل يتَّبع النبيّ فرداً من أفراد أمته مهما علا مقامه؟ لاسيما شخص ليس شأنه إلا القتل؟! من المقطوع به أن الإمام الباقر (ع) لم يقل مثل هذا الكلام مطلقاً. والأحاديث 110 و 111 و 113 و 114 و 115 و 116 أيضاً تدل على أن المهدي الموهوم لن يكون تابعاً لسنة رسول الله ص وسيسير بالقتل ولن يكون شأنه إلا القتل!!! لاسيما 113 الذي يُصرِّح قائلاً: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا يَصْنَعُ الْقَائِمُ إِذَا خَرَجَ لَأَحَبَّ أَكْثَرُهُمْ أَنْ لَا يَرَوْهُ مِمَّا يَقْتُلُ مِنَ النَّاسِ أَمَا إِنَّهُ لَا يَبْدَأُ إِلَّا بِقُرَيْشٍ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا إِلَّا السَّيْفَ وَلَا يُعْطِيهَا إِلَّا السَّيْفَ حَتَّى يَقُولَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَيْسَ هَذَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ"!!
وينبغي أن نسأل: هل هذه هي علوم ومعارف أهل البيت التي تتباهون بها أمام العامة؟ أم أنها أحاديث خصوم أهل البيت؟ وبالطبع ينبغي أن نعلم أن مهدي الغلاة والرواة الضعفاء لن يكون أفضل من ذلك.
* الحديث 122 - يفتري عدد من المجهولين والضعفاء على حضرة باقر العلوم (ع) أنه قال عن مصير المُرجئة حين قيام القائم: "يَذْبَحُهُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا يَذْبَحُ الْقَصَّابُ شَاتَهُ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ!! قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ اسْتَقَامَتْ لَهُ الْأُمُورُ فَلَا يُهْرِقُ مِحْجَمَةَ دَمٍ! فَقَالَ: كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى نَمْسَحَ وَأَنْتُمُ الْعَرَقَ وَالْعَلَقَ وَأَوْمَأ بِيَدِهِ إِلَى جَبْهَتِهِ"!
ونقول: لقد انقرض المُرجئةُ ولم يأتِ قصَّابُكُم بعد!
* الحديث 127 - [ينقله المَجْلِسِيّ عن كتاب «الغيبة» للنعماني] ومن رواته «الْـمُفَضَّلُ» الذي هو من الضعفاء، يدَّعي قائلاً: "كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ [الإمام الصادق (ع)] بِالطَّوَافِ فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ لِي: يَا مُفَضَّلُ! مَا لِي أَرَاكَ مَهْمُوماً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ؟ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! نَظَرِي إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ هَذَا الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ وَالْجَبَرُوتِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكُمْ لَكُنَّا فِيهِ مَعَكُمْ"!!
يُعلَم إذن أن كثيراً ممن كانوا يلتفُّون حول الأئمَّة الكِرام -عليهم السلام- ويتظاهرون بأنهم من أصحابهم لم تكن نيَّتهم صالحة، بل كانوا يبحثون عن المنصب والجاه! (فَتَأَمَّل)
* الحديث 139- يفتري عدد من المجهولين والضعفاء على الإمام عَلِيٍّ (ع) وينسبون إليه قوله: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى شِيعَتِنَا بِمَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَقَدْ ضَرَبُوا الْفَسَاطِيطَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ أَمَا إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ كَسَرَهُ وَسَوَّى قِبْلَتَهُ"!! ولم يسأل أحد الراوي الكاذب لهذا الحديث: إن كانت قبلة المسجد غير صحيحة فلماذا لم يُصلحها عَلِيٌّ (ع) أثناء خلافته بل كان يُصلّي في ذلك المسجد؟!
* الحديث 141- [ينقله المجلسيُّ عن كتاب «الغيبة» للنعماني]: بسند فيه النَّهَاوَنْدِيُّ الضعيف الذي لا اعتبار لحديثه، يُسند إلى عَلِيٍّ (ع) أنه قال: كَأَنِّي بِالعَجَمِ فَسَاطِيطُهُمْ فِي مَسْجِدِ الكُوفَةِ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ القُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ! قُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَوَلَيْسَ هُوَ كَمَا أُنْزِلَ؟! فَقَالَ: لَا، مُحِيَ مِنْهُ سَبْعُونَ مِنْ قُرَيْشٍ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، وَمَا تُرِكَ أَبُو لَهَبٍ إِلَّا لِلْإِزْرَاءِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ص لِأَنَّهُ عَمُّهُ"!!! أقول: ألا لعنة الله على الكاذبين. إذا لم يكن هذا القرآن الذي بين أيدي المسلمين عين القرآن المنزل [لفظاً وترتيباً وتأليفاً] فلماذا اعتبر عليٌّ عليه السلام في عشـرات الخطب المنقولة عنه في نهج البلاغة أن هذا القرآن الذي بين أيدي المسلمين حُجَّة الله وحبل الله المتين[423]؟؟
وثانياً: إذا كانت هناك آياتٌ قد حُذفت من القرآن الكريم فلماذا لم يقم عليٌ في زمن خلافته [التي دامت خمس سنوات] بإصلاح الأمر وتدارك النقص وإعادة المحذوف. (من الضروري في هذا الموضوع مراجعة التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول .....» الصفحات 97 إلى 101 والصفحات 392 إلى 394 والصفحات 529 إلى 537 والصفحات 734 فما بعد).
وثالثاً: إن الله تعالى هو الذي ذكر أبا لهب في القرآن، ولو كان في ذلك إزراء على رسول الله ص لما ذكره تعالى في القرآن، فإذا كان من ملامة في هذا الأمر فإنها ستُوجَّه ـ والعياذ بالله ـ إلى الله تعالى، أما الناس فلا دخل لهم في ذلك!
رابعاً: لقد أكد الله تعالى في كتابه بتأكيدات عديدة أنه سيحفظ هذا القرآن فقال: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩﴾ [الحجر: ٩] ونحن نؤمن بقول الله ولا نؤمن بأكاذيبكم، ونعتقد أن هدف أولئك الرواة الغلاة الأفاكين أن يعملوا على هدم الإسلام وإضعافه من خلال افتراء الأكاذيب ونسبتها إلى الأئمة.
* الحديث 143- لا علاقة له بالقائم.
* الحديث 144- قصة مضحكة ينقلها المَجْلِسِيّ عن كتاب «الغيبة» للنعماني المليء بالخرافات، وفي سنده «النهاوندي» الذي لا اعتبار لحديثه ينسب إلى الإمام الباقر (ع) قوله: "إِذَا قَامَ الْقَائِمُ بَعَثَ فِي أَقَالِيمِ الْأَرْضِ فِي كُلِّ إِقْلِيمٍ رَجُلًا يَقُولُ عَهْدُكَ فِي كَفِّكَ فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ مَا لَا تَفْهَمُهُ وَلَا تَعْرِفُ الْقَضَاءَ فِيهِ فَانْظُرْ إِلَى كَفِّكَ وَاعْمَلْ بِمَا فِيهَا قَالَ وَيَبْعَثُ جُنْداً إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَإِذَا بَلَغُوا إِلَى الْخَلِيجِ كَتَبُوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ شَيْئاً وَمَشَوْا عَلَى الْمَاءِ فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الرُّومُ يَمْشُونَ عَلَى الْمَاءِ قَالُوا هَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ يَمْشُونَ عَلَى الْمَاءِ فَكَيْفَ هُوَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَفْتَحُونَ لَهُمْ بَابَ الْمَدِينَةِ فَيَدْخُلُونَهَا فَيَحْكُمُونَ فِيهَا بِمَا يُرِيدُونَ"! (ولم يكن الراوي على اطِّلاع بأنه منذ قرون لم يعد للمدن أبواب كما كان الحال زمن وضعه لهذا الحديث!!).
* الحديث 146- يرويه البطائني الواقفي الذي لم يكن يؤمن بالأئمة بعد حضرة الكاظم (ع)، وقد وردت قصته في كتبنا وقد استغلَّه مُؤيِّدو المهدي! ومن شطارة علمائنا وكُتَّابنا أنهم يأتون إلى الأحاديث التي وضعتها سائر فرق الشيعة لمهديهم الموعود فيُدخلونها في كتبهم ليستدلُّوا بها على مهديِّهم!! (فَتَأَمَّل)
* الحديث 151- يرويه المَجْلِسِيّ عن كتاب «الغيبة» الخرافي وغير المعتمد، للنعماني الذي يقول: "لَمَّا الْتَقَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ نَشَرَ الرَّايَةَ رَايَةَ رَسُولِ اللهِ ص فَتَزَلْزَلَتْ أَقْدَامُهُمْ ...."! و هذا الكلام مخالف للتاريخ.
* الحديث 153- هو الحديث 21 في باب «يوم خروجه وما يحدث عنده». (فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ). والأمر ذاته ينطبق على الأحاديث 154 إلى 157 و 159.
* الحديث 160- عدد من الواقفة الذين لم يكونوا يؤمنون بالأئمة بعد حضرة الكاظم (ع) ينسبون إلى الإمام الصادق (ع) حديثاً يتضمن تأويل آيتين من القرآن بالقائم وأصحابه! مع أن الآيتين لا علاقة لهما بذلك مطلقاً. الآية الأولى قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿فَإِن يَكۡفُرۡ بِهَا هَٰٓؤُلَآءِ فَقَدۡ وَكَّلۡنَا بِهَا قَوۡمٗا لَّيۡسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ ٨٩﴾ [الانعام: ٨٩]. هذه السورة -كما نعلم- مكية، وكلمة «هؤلاء» تُشير إلى معاصري النبيّ ص، حيث كان كثير من أهل مكة كافرين بشريعته، لكن أهل المدينة وسائر المناطق آمنوا به ص، ويقول الشيخ الطَّبْرَسِي: في الآية ضمان بأن الله سينصر دين نبيّه (يُراجع تفسير مجمع البيان). ومن حيث المبدأ، وكما قلنا مراراً، لم يكن بحث الإمامة والخلافة مطروحاً أصلاً في مكة فلا مجال أن يقول تعالى لأهل مكة إن تكفروا بالمهدي فإن الله سيأتي بقوم ليسوا به كافرين!
والآية الثانية أيضاً لا علاقة لها بقائم آخر الزمان مطلقاً بل تفيد أن الله غني عن إيمان أيِّ مؤمن، وأنه إذا لم يُدرك من آمن قيمة الإيمان وأهميته فارتدَّ عن الإيمان واتَّجه نحو الباطل فإن الله سيُقوِّي عباده الصالحين المُؤهَّلين ويأتي بهم بدلاً من الذين ارتدُّوا عن الدين وتخلَّوْا عن الإيمان. كما قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖ﴾ [المائدة: ٥٤].
أكثر المُفسِّرين اعتبروا هذه الآية إشارة إلى أبي بكر وأصحابه -وكان عَلِيٌّ (ع) بالطبع في صدرهم - الذين قاتلوا أهل الردّة ومانعي الزكاة بعد رحيل النبيّ ص وثبَّتوا بذلك دولة الإسلام وأمَّنوا بقاءها. كما اعتبر آخرون الآية إشارة إلى حروب حضرة أمير المؤمنين علي ÷ ضدّ من خرجوا عليه من أهل البصرة والشام، ولكن هذا الرأي الأخير غير صحيح بالطبع لأنه لا يُمكن اعتبار مخالفي عَلِيٍّ (ع) مرتدّين، وهو نفسه لم يتعامل معهم تعامله مع الكفار المرتدين، فهذا القول لا ينسجم مع قول عَلِيٍّ وعمله. (فَلَا تَتَجَاهَلْ). وَعَلَى كُلِّ حَال، فلا علاقة للآية بآخر الزمان ولا يُعقل أن يقول الله تعالى للناس إن ارتددتم فسيأتي الله بعد ألف أو آلاف السنين بأصحاب القائم الذين سيكونون كذا وكذا!
* الحديث 163- هو حديث ضعيف لا اعتبار له كما ذكر ذلك المُحَقِّقُ الفاضل لكتاب البحار في الحاشية. وهذا الحديث هو ذاته الحديث 1 في الباب 99 من الكافي (يُراجع التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 560 إلى 564) وهو حديث ينضح بالكذب من جميع جنباته! جاء في هذا الحديث: "فَوَدِدْتُ أَنَّ عَيْنَيْكَ تَكُونُ مَعَ مَهْدِيِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالْمَلَائِكَةُ بِسُيُوفِ آلِ دَاوُدَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ تُعَذِّبُ أَرْوَاحَ الْكَفَرَةِ مِنَ الْأَمْوَاتِ(!!) [هل تُعذِّب الملائكة الأرواح بالسيوف؟! هل فهم واضع الحديث ما لفَّقه من كلام؟!] وَيُلْحِقُ بِهِمْ أَرْوَاحَ أَشْبَاهِهِمْ مِنَ الْأَحْيَاءِ ثُمَّ أَخْرَجَ سَيْفاً ثُمَّ قَالَ هَا إِنَّ هَذَا مِنْهَا!!". ونسأل: هل يُستفاد من السيوف في زمن المهدي أيضاً؟!!
* الحديث 165- [يرويه المجلسيُّ نقلاً عن تفسير «فرات بن إبراهيم» بسند] ينتهي إلى «عِمْرَانَ بْنِ دَاهِر» المهمل المجهول الذي لا ذكر له بتاتاً في كتب الرجال[424] يروي قائلاً: "قَالَ رَجُلٌ (!) لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (ع): لَنُسَلِّمُ عَلَى القَائِمِ بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لَا، ذَلِكَ اسْمٌ سَمَّاهُ اللهُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَا يُسَمَّى بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَابَعْدَهُ إِلَّا كَافِرٌ(!!) قَالَ: فَكَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: تَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللهِ! قَالَ ثُمَّ قَرَأَ جَعْفَرٌ (ع): ﴿بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [هود: ٨٦] "!!
نسأل: ما الدليل على أن كل من أُطْلِقَ عليه لقب أمير المؤمنين قبل أو بعد علي (ع) يكون كافراً؟؟ وهل الإمارة على المؤمنين كفر؟ إن الراوي الجاهل لم يكن يعلم أن الكافر هو من يُنكر أصلاً من أصول الدين أو فرعاً من فروعه معلوماً من الدين بالضرورة أي لا خلاف فيها ويُسلِّم بها الجميع، وأنه لا يُمكن تكفير إنسان اعتماداً على مُجرَّد الهوى والرأي. ثم إن «أمير المؤمنين» ليس اسماً بل صفة لكل من حكم المؤمنين وكان أميراً عليهم. ومن المستحيل أن يجهل الإمام الصادق ÷ أن «أمير المؤمنين» ليس اسماً!
* الحديث 166- كلام منقول عن «زيد بن علي» رحمه الله، ولا علاقة له بابن حضرة العسكري.
* الحديثان 167 و 175- ينقلهما المجلسيُّ عن تفسير فرات بن إبراهيم! حيث يفتري على الإمام الصادق ÷ بأنه قال: إن الآيات 63 فما بعد من سورة الفرقان المباركة نزلت في الأوصياء!! فنقول:
أولاً: سورة الفرقان مكية ولم تكن الخلافة والوصاية مطروحة في تلك الفترة على الإطلاق حتى تنزل بشأنها آيات من القرآن.
ثانياً: هذه الآيات ليست في صالحكم لأنها لا تعتبر الأئمة معصومين إذ إن الآيات من 68 إلى 70 من سورة الفرقان تعتبر أن احتمال وقوع «عباد الرحمن» بالإثم غير منتفٍ وتشترط لنجاتهم التوبة والإيمان والعمل الصالح!
ثالثاً: جاء في آخر هذا الحديث: "فَإِذَا قَامَ القَائِمُ عَرَضُوا كُلَّ نَاصِبٍ عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِالإِسْلَامِ وَهِيَ الوَلَايَةُ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ أَوْ أَقَرَّ بِالجِزْيَةِ فَأَدَّاهَا كَمَا يُؤَدِّي أَهْلُ الذِّمَّةِ"!!
ولست أدري لماذا يُصِرُّ هؤلاء الرواة على تصوير المهدي شخصاً مخالفاً للسُّنَّة وَلِفِقْهِ الإسلام؟! ثم هل الولاية من أصول الدين حتى يُضرب عُنق كل من أنكرها؟! والأهم من ذلك أنه حتى منكر أصول الدين إذا لم يكن محارباً لم يجز ضرب عنقه في الإسلام لأن الله تعالى قال: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٨﴾ [الممتحنة : ٨]،كما أن الإسلام لا يُجيز محاربة الذين صالحوا المسلمين ولم يعينوا الكفار في حربهم ضد المسلمين (النساء: 90).
حقاً لقد ظَلَمَتْ هذه الروايات الإسلام. نسأل الله تعالى أن يحفظ المسلمين من شرّ أمثال هذه الروايات. آمين يا ربَّ العالمين.
والحديث 211 أيضاً يقول: "وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (ع) إِنَّ الْأَرْضَ لِـلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ فَمَنْ أَخَذَ أَرْضاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَعَمَرَهَا فَلْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا حَتَّى يَظْهَرَ الْقَائِمُ (ع) مِنْ أَهْلِ بَيْتِي بِالسَّيْفِ فَيَحْوِيهَا وَيُخْرِجُهُمْ عَنْهَا كَمَا حَوَاهَا رَسُولُ اللهِ ص إِلَّا مَا كَانَ فِي أَيْدِي شِيعَتِنَا فَإِنَّهُ يُقَاطِعُهُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيَتْرُكُ الْأَرْضَ فِي أَيْدِيهِمْ"!
يبدو أن الراوي يريد القول: إن المهدي لم يكن مُتَّبِعاً لأحكام الإسلام وتشريعاته!!
* الحديث 171- يقول: إن المهدي سيقوم بإصلاح المساجد التي فيها تصاوير، وأن الإمام الباقر نفسه (ع)[425] سُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْـمَسَاجِدِ الْـمُصَوَّرَةِ فَقَالَ: "أَكْرَهُ ذَلِكَ". هذا في حين أنه بعد ثورة عام 57[426] امتلأت مساجدنا بالصور المتنوِّعة في حين بلغت ادِّعاءات مسؤولي البلاد لدينا بشأن محبة الإسلام وإقامة أحكامه ومحبة المهدي، عنان السماء، ومع ذلك لم يظهر من ينهى عن هذا العمل!
* الحديث 172- ينسب إلى أمير المؤمنين علي ÷ مدحه لمسجد الكوفة بقوله: "فِي وَسَطِهِ عَيْنٌ مِنْ دُهْنٍ [أيُّ سَمْنٍ أو أيُّ زيتٍ هذا ؟!] وَعَيْنٌ مِنْ لَبَنٍ وَعَيْنٌ مِنْ مَاءٍ شَرَابٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَيْنٌ مِنْ مَاءٍ طَهُورٍ لِلْمُؤْمِنِينَ"!! ونسأل: هل هذه هي العلوم التي يتفاخر بها أنصار المهدي؟!
* الحديث 177 - هذا الحديث يُكذِّب جميع الأحاديث الأخرى التي تقول إن المهدي يجعل جميع الناس مسلمين وأنه لا يبقى إنسانٌ غير مسلم على وجه الأرض!
* الحديث 180 - راجعوا الباب الخامس في الكتاب الحاضر، الآية رقم 5، ص167.
* الأحاديث 183 إلى 189- حول هذه الأحاديث ينبغي مراجعة التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، وكتاب «شاهراه اتِّحاد» (طريق الاتِّحاد) للمرحوم قلمداران.
* الحديث 197- يدَّعي أنه "إِذَا قَامَ الْقَائِمُ وَدَخَلَ الْكُوفَةَ لَمْ يَبْقَ مُؤْمِنٌ [وليَقُل الشيعة] إِلَّا وَهُوَ بِهَا"!! يُعْلَم من هذا الحديث أن الشيعة كانوا أقلِّيَّةً ضئيلةً جداً بين المسلمين في ذلك الوقت، وإلا فاليوم لا يمكن حصول هذا الأمر المذكور في هذا الحديث، إذْ لا يمكن للكوفة أن تتسع لجميع الشيعة في العالم!! والأمر ذاته ينطبق على الحديثين 198 و199.
* الحديثان 200 و 201 - يقولان إن أول عملٍ يبدأ به القائم هو إخراج الشيخين رَطْبَيْنِ غَضَّيْنِ فَيُحْرِقُهُمَا وَيُذْرِيهِمَا فِي الرِّيحِ (مشابهٌ لما كان يفعله الشاه إسماعيل الصفوي!!) في حين أن نبش القبر ليس جائزاً في الإسلام! وينبغي أن نسأل واضعي أمثال هذه الروايات: هل تعتقدون أن جثمانَي الشيخين لا يزالان رَطْبَيْنِ غَضَّيْنِ في قبرهما حتى اليوم بحيث يُمكن حرقهما؟!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
* الحديث 202 - يُثني على أصحاب القائم ويمدحهم، خلافاً لما جاء في الحديث رقم 49، ثم يقول: "وَقَدْ وَصَفَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالتَّوَسُّمِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡمُتَوَسِّمِينَ ٧٥﴾ [الحجر: ٧٥] "!!
يجب أن نعلم أن واضعي هذه الأحاديث تلاعبوا كثيراً بالآية المذكورة. وقد خصَّص الكُلَيْنِيُّ الباب 86 من «أصول الكافي» لهذه الآية وسمَّاه "بَابُ أَنَّ الْمُتَوَسِّمِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ هُمُ الْأَئِمَّةُ!"، أي اعتبر أن الآية نزلت بشأن الأئمة أنفسهم[427]، أما هنا فاعتبر الحديثُ الآيةَ نزلت بشأن أصحاب المهدي!! حقاً إن واضعي الحديث يفضحون كذب بعضهم بعضاً على أفضل نحو! وَعَلَى كُلِّ حَال، فلا علاقة لهذه الآية بالقائم أو أصحاب القائم من قريب ولا من بعيد، بل الآيات من 58 حتى 77 من سورة الحِجر المكية تتحدَّث عن قوم لوط.
* الحديث 203 - يشبه الحديث 91. يفتريه «عَبْدُ اللهِ بْنُ سِنَانٍ» على حضرة الصادق (ع) فينسِبُ إليه أنه قَالَ: "يَقْتُلُ الْقَائِمُ (ع) حَتَّى يَبْلُغَ السُّوقَ[428] قَالَ فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ أَبِيهِ: إِنَّكَ لَتُجْفِلُ النَّاسَ إِجْفَالَ النَّعَمِ فَبِعَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ ص أَوْ بِمَاذَا؟! قَالَ وَلَيْسَ فِي النَّاسِ رَجُلٌ أَشَدَّ مِنْهُ بَأْساً. فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي فَيَقُولُ لَهُ: لَتَسْكُتَنَّ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ!! [لاحظوا أنه قد جاء في الروايات مدح مثل هؤلاء الأشخاص والثناء عليهم بوصفهم من أصحاب المهدي!!] فَعِنْدَ ذَلِكَ يُخْرِجُ الْقَائِمُ (ع) عَهْداً مِنْ رَسُولِ اللهِ ص"!!.
لم يكن واضع هذا الحديث يعلم أن رسول الله ص نفسَه لم يكن مُجازاً بإكراه الناس على الإيمان، فضلاً عن أن يُسْمَح بذلك للآخرين!! وينبغي القول: يبدو أنكم لا تعتبرون المهدي تابعاً للقرآن والإسلام!! والأمر ذاته ينطبق على الحديث 204 الذي يقول: إن القائم يقتل من أهل المدينة حتى ينتهي إلى الأجفر (منطقة تقع على بعد عدة فراسخ خارج المدينة!!) وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحديث 210 المروي عن «عبد الله بن سنان» ذاته والذي ليس فيه شيء سوى القتل والمذابح الجماعية للناس!!
يَتَبَيَّنُ من أمثال هذه الأحاديث، ومنها الحديث 113 أيضاً في هذا الباب نفسه، أن واضعيها كانوا على قَدْرٍ كبير من الحقد والبغضاء حين وضعوا هذه القصص وكان لديهم رغبة شديدة في قتل مخالفيهم بشكل جماعي، فألصقوا رغبتهم هذه بالإمام وبالقائم الذي يُعجبهم، وإلا فإن الشارع المُنزَّه عن الأهواء والأغراض لا تصدر منه مثل هذه الأقوال مطلقاً! (فَتَأَمَّل جداً).
* الحديثان 205 و206 - جاء فيهما أن المهديَّ يلقى جَيْشَ السُّفْيَانِيَّ وَأَصْحَابَهُ قُربَ الكوفة، فيقوم المهديُّ وأصحابُهُ بقتلهم عن بكرة أبيهم!! فنسأل: إذاً هل الأخبار التي جمعها المَجْلِسِيُّ أيضاً والتي تقول إن جَيْشَ السُّفْيَانِيِّ يُخْسَفُ بِهِ في «الْبَيْدَاءِ» كُلُّها كَذِبٌ!![429]
* الحديث 207 - يقول أَبُو بَصِيرٍ - الذي نَسَبَ كثيراً من الأكاذيب إلى حضرات الصادِقَيْنِ عليهما السلام - عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (ع) قَالَ: "يَقْضِي الْقَائِمُ بِقَضَايَا يُنْكِرُهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ مِمَّنْ قَدْ ضَرَبَ قُدَّامَهُ بِالسَّيْفِ وَهُوَ قَضَاءُ آدَمَ ع فَيُقَدِّمُهُمْ فَيَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ!!" [هذا بدلاً من أن يذكر لهم دليله على عمله ويُفْرِح أصحابه بذلك]! ونسأل: هل هذه سيرة الأنبياء أم سيرة الجبَّارين المستكبرين؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
* الحديث 208 - يَدَّعي أن حضرة الصادق (ع)قال: "إِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ (ع) لَمْ يَبْقَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا عَرَفَهُ صَالِحٌ أَوْ طَالِحٌ"!! فنقول: حتى النبي ص نفسه لم يكن يملك مثل هذه الصفة! (البقرة: 204 - 205)، وهذا الحديث يخالف كثيراً من آيات القرآن.
* الحديث 209 - يقول فيه «أَبُو الْجَارُودِ» - الضعيف الذي كان مغضوباً عليه مِنْ قِبَلِ الإمام - : "قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ [الباقر] (ع): جُعِلْتُ فِدَاكَ! أَخْبِرْنِي عَنْ صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: يُمْسِي مِنْ أَخْوَفِ النَّاسِ وَيُصْبِحُ مِنْ آمَنِ النَّاسِ يُوحَى إِلَيْهِ هَذَا الْأَمْرُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ. قَالَ قُلْتُ: يُوحَى إِلَيْهِ يَا أبَا جَعْفَرٍ؟! قَالَ: يَا أبَا جَارُودٍ! إِنَّهُ لَيْسَ وَحْيَ نُبُوَّةٍ وَلَكِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ كَوَحْيِهِ إِلَى مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَإِلَى أُمِّ مُوسَى وَإِلَى النَّحْلِ. يَا أبَا الْجَارُودِ! إِنَّ قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ لَأَكْرَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَأُمِّ مُوسَى وَالنَّحْلِ"!!
ونقول: أولاً: هناك شك قوي جداً في وجود المهدي من الأساس، وَمِنْ ثَمَّ فما لم يثبت وجوده يكون النقاش حول الوحي إليه في غير محلّه. ثانياً: على فرض وجوده فإن هذا الكلام المذكور في الحديث مخالف لكلام جدّ المهدي أعني أمير المؤمنين علي ÷ الذي قال عن النبيِّ ص: "فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ وخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ" (نهج البلاغة، الخطبة 133). وقال: "بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ! لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ والإنْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّمَاءِ". (نهج البلاغة، الخطبة 235).
ثالثاً: إن إيحاء الله تعالى للنحل يختلف عن الوحي الاصطلاحي المستخدم في لسان أهل الشرع، وهو خارج عن بحثنا تماماً. ومن المحال أن يجهل حضرة باقر العلوم (ع) هذا الأمر الواضح.
رابعاً: إن الوحيَ الذي أوحاه اللهُ إلى أمّ موسى وإلى حضرة مريم (ع) لم يكن من نوع الوحي الذي يُوحيه الله لرسله لينقلوا من خلاله رسالات الله إلى الناس كما لم تكن له أيّ استمرارية، والأهم من ذلك أن ذلك الوحي كان قبل رسول الله ص في حين أن موضوع بحثنا يدور حول الوحي بعد رسول الله ص (فَلَا تَتَجَاهَلْ). ومن الضروري في هذا الموضوع مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (البابان 60 و61، الصفحات 380 إلى 398).
* الحديث 212 - يقول -خلافاً للحديث 200- إن: "أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ الْقَائِمُ (ع) بِأَنْطَاكِيَةَ فَيَسْتَخْرِجُ مِنْهَا التَّوْرَاةَ مِنْ غَارٍ فِيهِ عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ قَالَ وَأَسْعَدُ النَّاسِ بِهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَقَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ الْمَهْدِيَّ لِأَنَّهُ يُهْدَى إِلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ حَتَّى إِنَّهُ يُبْعَثُ إِلَى رَجُلٍ لَا يَعْلَمُ النَّاسُ لَهُ ذَنْباً فَيَقْتُلُهُ [هكذا من دون إقامة أيّ دليل عليه!!] حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ يَتَكَلَّمُ فِي بَيْتِهِ فَيَخَافُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ الْجِدَارُ"!!
لست أدري هل يريد الراوي أن يُصوِّر المهدي حاكماً مستبدَّاً جداً؟! ألم يكن يعلم أنه قبل ظهور المهدي وجد مثل هذا النمط من الحكم الشمولي الاستبدادي المطلق في المعسكر الشرقي في الأرض وكان حكمه مكروهاً لم يتقبله الناس، إن هذا التوصيف لحكم المهدي يُشبه -إلى الحد الذي يعلمه هذا العبد كاتب هذه السطور - الحكومة الشيوعية لدولة رومانيا!!
* الحديث 213 - حديث مرفوع يقول: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ فِي زَمَانِ الْقَائِمِ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ لَيَرَى أَخَاهُ الَّذِي فِي الْمَغْرِبِ وَكَذَا الَّذِي فِي الْمَغْرِبِ يَرَى أَخَاهُ الَّذِي فِي الْمَشْرِقِ"!!
أقول: لم يكن أولئك الرواة يعلمون أنه قبل ظهور المهدي الوهمي بمدة طويلة أصبح أهل المشرق والمغرب الناس في الدنيا قادرين على سماع صوت بعضهم بعضاً ورؤية وجوه بعضهم بعضاً، وهذا أمر لا يختصُّ بالمؤمنين بل ينطبق على غير المؤمنين أيضاً وحتى لو ظهر المهدي فلن يعتبر أحد من الناس مثل هذا الأمر من اختراعاته! في حين أن هذا الحديث يريد أن يربط هذا الموضوع بزمن ظهور القائم!! (فَلَا تَتَجَاهَلْ). نعم، إن هذا الاختراع نجم عن التحقيق والبحث والتجارب المتواصلة التي قام بها غير المسلمين الذين انصرفوا إلى الدراسة والبحث العلمي في الطبيعة التي خلقها الله بدلاً من توغلهم في الخرافات والتفرقة الطائفية والتعصب المذهبي فيما بينهم. نسأل الله أن يُنقذنا من شرّ أهل الخرافات ويُنقذ شعبنا من الكتب الخرافية. آمين يا ربّ العالمين. الآن لننتقل إلى دراسة وتمحيص خرافات المجلد 53 من بحار الأنوار.
***
[411] هذا العنوان من عندي للتوضيح. (المُتَرْجِمُ) [412] من الضروري في هذا الموضوع مراجعة التنقيح الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول .....» ص 139 إلى 147، وكتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» (المُعَرَّب)، ص 141 إلى 155. [413] لأن الذي يُقابل «اليقظة» هو «النوم» لا «الموت». (المُتَرْجِمُ) [414] وقد ترجمتُهُ إلى العربية وَنُشِرَ في موقع «اجتهادات» على الإنترنت. (المُتَرْجِمُ) [415] تُراجَع أيضاً الصفحات 81 و 95 إلى 98 من الكتاب الحاضر. [416] نص علماء الرجال على أنه كان فاسد المذهب يستحل محرمات الله ويروِّج للكفر والفسوق في أشعاره. انظر: رجال النجاشي، ج2، ص225، و «جامع الرواة» للأردبيلي، ج2، ص 87. وقال العلامة الحلي كتابه «الرجال» (ص251): "محمد بن الحسن بن جمهور: عربي بصري روى عن الرضا عليه السلام كان ضعيفاً في الحديث غالياً في المذهب فاسداً في الرواية لا يُلتَفَت إلى حديثه ولا يُعْتَمَد على ما يرويه.". (المُتَرْجِمُ) [417] يُراجع حول الاستشهاد - في غير محلِّه - بهذه الآية باب «الآيات المُؤَوَّلة بقيام القائم»، الحديث رقم 10. [418] لا ننتظر من ابن البطائني الكذاب قصصاً أفضل من هذه بالطبع! [419] البغلة السفواء: هي الخفيفة السريعة. (المُتَرْجِمُ) [420] نهج البلاغة، الرسالة 45. [421] نهج البلاغة، الرسالة 39. [422] إن كان قصده من استخراجهم: الرجعة فقد تكلمنا في الصفحات السابقة بما يكفي حول بطلان «الرجعة» ولا داعي لتكرار ذلك هنا. [423] انظر إلى الخطب 1 و 2 و 18 و 83 و 110 و 127 و 132 و 138 و 156 و 158 و 176 و 183 و 198 و 115 في نهج البلاغة وغيرها. أقول (المُتَرْجِمُ): ولأهمية الموضوع أرى من المفيد أن أذكر بعض تلك النصوص التي أشار إليها المؤلف: 1- "تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ، وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ، وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ، وَأَحْسِنُوا تِلاوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ" [نهج البلاغة، الخطبة 110]. 2- "وَكِتَابُ اللهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، نَاطِقٌ لا يَعْيَا لِسَانُهُ، وَبَيْتٌ لا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ، وَعِزٌّ لا تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ" [نهج البلاغة، الخطبة 133]. 3- "وَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِينُ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، وَالرِّيُّ النَّاقِعُ، وَالْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ، وَالنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ، لا يَعْوَجُّ فَيُقَامَ، وَلا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ، وَلا تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ ووُلُوجُ السَّمْعِ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ.." [نهج البلاغة، الخطبة 156]. 4- "ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ، ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ: إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا مَضَى وَعِلْمَ مَا يَأْتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحُكْمَ مَا بَيْنَكُمْ" [نهج البلاغة، الخطبة 158]. 5- "انْتَفِعُوا بِبَيَانِ اللهِ، وَاتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اللهِ، وَاقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللهِ، فَإنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَعْذَرَ إلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمْ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّهُ مِنَ الاَْعْمَالِ، وَمَكَارِهَهُ مِنْهَا، لِتَتَّبِعُوا هذِهِ، وَتَجْتَنِبُوا هذِهِ....". "وَاعْلَمُوا أَنَّ هذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لاَ يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لاَ يُضِلُّ، وَالْـمُحَدِّثُ الَّذِي لاَ يَكْذِبُ، وَمَا جَالَسَ هذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَة أَوْ نُقْصَان: زِيَادَة فِي هُدىً، أَوْ نُقْصَان مِنْ عَمىً. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَد بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَة، وَلاَ لأحَد قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنىً; فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ، وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لاَْوَائِكُمْ، فَإنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ، وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ، وَالْغَيُّ وَالضَّلاَلُ، فَاسْأَلُوا اللهَ بِهِ، وَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ، وَلاَ تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ، إنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إلَى اللهِ بِمِثْلِهِ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ، وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ، وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْه، فَإنَّهُ يُنَادِي مُنَاد يَوْمَ الْقِيَامةِ: أَلاَ إنَّ كُلَّ حَارِث مُبْتَلىً فِي حَرْثِهِ وَعَاقِبَةِ عَمَلِهِ، غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرآنِ; فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَاسْتَدِلُّوهُ عَلى رِّبِّكُمْ، وَاسْتَنْصِحُوهُ عَلى أَنْفُسِكُمْ، وَاتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ، وَاسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ.....". "وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَسَبَبُهُ الاَْمِينُ، وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ، وَمَا لِلْقَلْبِ جَلاَءٌ غَيْرُهُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَكِّرُونَ، وَبَقِيَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ. فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ...." [نهج البلاغة، من الخطبة 176]. (المُتَرْجِمُ). [424] هذا الحديث هو الحديث الثاني في الباب 164 في الكافي وقد ذُكر اسم راويه هناك: «عمر بن زاهر»، واعتبر المَجْلِسِيُّ الحديثَ مجهولاً. يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول .....» ص 731 إلى 733. [425] في أصل كتاب المرحوم البرقعي ذُكِرَ هنا الإمام الصادق (ع)، والصحيح هو الإمام الباقر (ع) كما أثبتُّهُ في المتن، كما هو الموجود في كتاب «بحار الأنوار». (المُتَرْجِمُ) [426] يقصد الثورة في موطنه إيران التي انتصرت عام 1357 هجرية شمسية حسب التقويم الإيراني، الموافق لعام 1979 ميلادية. (المُتَرْجِمُ) [427] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، باب 76، ص 499 إلى 503. [428] أي سيقان الأرجل، أي يبلغ الدم الركب كما يُقال. وليس المقصود السوق الذي هو مكان البيع والشراء. (المُتَرْجِمُ) [429] انظر مثلاً: المَجْلِسِيُّ، بحار الأنوار، ج 52، ص 238، وج 52، ص 308. (المُتَرْجِمُ)
اعلم أن المجلسيَّ أراد أن يزيد من حجم كتابه لذا خصَّص الباب الأول من المجلد 53 من البحار للقصة المفصلة التي يرويها «المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ»[430]، والباب الأول كله عبارة عن سرد لهذا الحديث المفصل، رغم أن مضامين هذا الحديث سبق أن جاءت ضمن أحاديث الأبواب السابقة، وثانياً: راويه «المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ»[431] رجلٌ مجروحٌ طعن به علماء الرجال، وقال الممقاني: إن علماء الرجال اعتبروه ضعيفاً وغالياً وفاسد المذهب. وقال بعض العلماء: لم يكن منحرفاً في نفسه بل وضع المنحرفون باسمه روايات كثيرة تأييداً لمذاهبهم الفاسدة، وعلى أيِّ حال، فمثل هذا الأمر يُؤدِّي إلى عدم الثقة بكل حديث يوجد في سنده اسم هذا الرجل.
والراوي الآخر لهذه القصة الطويلة هو «الحسين بن حمدان» الذي نصَّ علماء الرجال على أنه كذّاب فاسد المذهب، وهو يروي بدوره عن شخص مجهول عن «مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْر النُّمَيْرِيِّ» الكذّاب الغالي الخبيث الذي كان مُدَّعياً للنيابة[432]. والراوي الآخر للحديث هو «عمر بن الفرات البغدادي» الذي كان غالياً ومنحرفاً، وروى الحديث عن «مُحَمَّدِ بْنِ المُفَضَّلِ» المهمل مجهول الحال أو المتهم في دينه وروايته مثل أبيه! والطريف أن المَجْلِسِيّ بيَّن، في بداية روايته لهذا الخبر الطويل، مصدره، بالعبارة التالية: "رُوِيَ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِ أَصْحَابِنَا"!! أي أنه نقله لنا من كتاب لا ندري ما اسمه ولا من مؤلِّفُهُ!! (فَتَأَمَّل)
هذا الحديث الطويل مليء بالإساءة إلى الخلفاء وإلى مسلمي صدر الإسلام وإلى الزيدية، كما هو مليء بالغُلوّ في المهدي ونسبة أمور مُتخيَّلةٍ ووهميةٍ إليه، ومليء بالأخطاء الفاحشة(؟!!) والتلاعب بآيات القرآن!! وفيه ادِّعاءٌ أحمقٌ بوقوع التحريف في القرآن.
ومما يُذْكَر أن هذا الحديث ذَكَرَ أموراً تتعارض مع ما ذكرته الأحاديث السابقة، فمثلاً قال إن ولادة المهدي كانت في الثامن من شهر شعبان سنة 257 هـ ! ومن الواضح أن الوضَّاعين لم يستطيعوا أن يتفقوا على قول واحد بشأن تاريخ ولادة المهدي أو أن يضعوا لولادته يوماً محدَّداً! وبالطبع لم تختلف الأقوال بشأن يوم ولادته وشهرها وسنتها فقط، بل وقع الاختلاف في الأخبار بشأن اسم أمّه وكيفية ولادته وفي الأشخاص الذين رأوه وفي مُدَّة حكمه[433] .....الخ!!
أيها الأخ الكريم! لقد أوضحنا عدداً من العيوب الكثيرة لهذا الحديث في المقال الذي ابتدأنا به هذا الكتاب[434]، وهي تكفي لإثبات بطلانه، لذا سنكتفي هنا ببيان بعض الإشكالات الأخرى في متن هذا الحديث:
النقطة التي تستحقّ التأمّل في هذا الحديث -كما أشار إلى ذلك مُحقّق «البحار» المحترم في الحاشية- هي أنه عرَّف بـ «مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ» بوصفه وكيلاً ونائباً للمهدي، وادَّعى واضع الرواية أنه كان للمهدي قصر في منطقة «صابر»!! (وهذا يُشبه ما جاء في الحديث 54، باب «ذكر من رآه»، ج 52، ص 68)، في حين أنه طبقاً للأحاديث الأخرى التي وردت في باب «ذكر من رآه» ذاته (ج 52)، لا يقطن المهدي قبل ظهوره سوى في الجبال والفيافي!
والإشكال الآخر أن الحديث يقول: إن المؤمن يرى المهدي قبل غيبته أما الشاك فلا يراه!! في حين أن المؤمن والكافر كانا يريان رسول الله ص، فهل يختلف حفيده عنه؟! والإشكال الآخر أيضاً أن الحديث يقول: إن الملائكة تُقبِّل يد المهدي؟! ونسأل: هل كانت الملائكة تُقبِّل يد رسول الله ص؟! وقد جاء في جزء من حديث مشابه، كما في الروايتين 200 و 201 من الباب السابق، أن المهدي يُخرج أبا بكر وعُمر وهما رَطْبَيْنِ غَضَّيْنِ فَيُحْرِقُهُمَا وَيُذْرِيهِمَا فِي الرِّيحِ ......الخ!! وقد كتب مُحقّق «البحار» المحترم معلِّقَاً على هذه الجملة في الحاشية:
"قد مرَّ في ج 52، الباب 24، أحاديث في ذلك مع ضعف أسنادها، ولكن كاتب هذا الحديث أبرزها بصورة قصصية تأباها سنة الله التي قد خلت مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا[435].
والطريف أنه في هذه القصة يحيا جمل النبيّ أيضاً وفرسه وبغلته ويكونون مع المهدي!! كما جاء في هذا الحديث أن تعداد جيش «زياد الثقفي» مئة وخمسون ألفاً، ولفَّقوا بشأنه قصةً علَّقَ عليها مُحقّق «البحار» المحترم في الحاشية قائلاً: إنها لا تتفق مع حقائق التاريخ، كما بيَّن المُحقِّق خطأ المسائل التي لفَّقها واضع الحديث حول نكاح المتعة. (لاحظوا حواشي الصفحات 28 و 29 و 31 من المجلد 53 من البحار).
ولما كان «مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيُّ» وأتباعُه، أصحابُ عقائد منحرفة، وكانوا من الغلاة، فقد دسَّ النُّمَيْرِيُّ عقيدته في هذا الحديث وافترى على الإمام الصادق ÷ أنه قال للمُفضَّل: "يَا مُفَضَّلُ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ: اللَّهُمَّ حَمِّلْنِي ذُنُوبَ شِيعَةِ أَخِي وَأَوْلَادِي الْأَوْصِيَاءِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا تَفْضَحْنِي بَيْنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ شِيعَتِنَا فَحَمَّلَهُ اللهُ إِيَّاهَا وَغَفَرَ جَمِيعَهَا"!! وقد علَّق مُحقّق «البحار» المحترم على هذه العبارة في الحاشية بقوله:
"هذه من عقائد الغلاة، فإنهم كانوا يعتقدون أن كل من والى الأئمة عليهم السلام جاز له ترك العبادة اتِّكالاً على ذلك، وكان أصحابنا القدماء يمتحنون من رُمي بالغُلوّ في أوقات الصلاة"[436].
بعد هذا الباب ذكر المَجْلِسِيّ باباً باسم باب «الرَّجْعَة». وقد تحدَّثنا باختصار فيما من الكتاب الحاضر عن مسألة «الرَّجْعَة»، كما أن العالم الربَّاني المرحوم «عبد الوهاب فريد التنكابني» الذي كان من تلامذة المرحوم «شريعت سنگلجي» كتب قبلنا كتاباً خاصاً في نقد عقيدة الرجعة سمَّاه «اسلام و رجعت» [الإسلام والرجعة] فعلى من أراد التفصيل أن يرجع إلى ذلك الكتاب، وسنكتفي بهذه الإشارة عن تضييع الوقت في تمحيص أحاديث باب «الرَّجْعَة» الواهية التي لا اعتبار لها ودراستها واحداً واحداً.
الباب التالي في المجلد 53 من البحار يتعلّق بخلفاء المهدي ويشتمل على ثمانية أحاديث، بيد أنَّنا لما عرفنا أن أصل الموضوع، يعني المهدي نفسه، لا يعدو أمراً موهوماً لا حقيقة له، فإن حال مسألة خلافته وخلفائه سيكون معلوماً من باب أولى! أي أن مسألة خلافته وخلفائه سالبةٌ بانتفاء الموضوع كما يُقال في علم المنطق[437]، وقد صرَّح المَجْلِسِيّ أن أخبار باب خلفاء المهدي مخالفة للمشهور بين الشيعة!
آخر أبواب المجلد 53 من البحار مُخصَّص للتوقيعات التي نُسبت إلى المهدي، والتي بيَّنا عيوب بعضها فيما سبق من الكتاب الحاضر لذا نمتنع هنا عن دراستها وتمحيصها واحداً واحداً.
على هذا النحو ينتهي المجلد 53 من البحار، ولكنهم ألحقوا بكتاب المَجْلِسِيّ كتاباً آخر من مؤلفات «الميرزا حسين النوري الطَّبْرَسِي» اسمه: «جَنَّة المأوى». والميرزا حسين النوري هذا هو ذاته الذي ألَّف مع الأسف كتاباً خاصاً حول تحريف القرآن!!!! وقد جمع في كتابه «جَنَّة المأوى» قصص الذين ادَّعوا رؤية المهدي! وعلى سبيل المثال كذب الحكاية الثالثة في ذلك الكتاب واضح وضوحَ الشمس في رابعة النهار، فاليوم بعد أن اكتُشفت جميع مناطق الكرة الأرضية لم يعد أحد يشتري مثل تلك القصة! وقد استند راوي القصة إلى آيتي التطهير والمُباهلة، كرَّر فيها المغالطات والخدع ذاتها الشائعة بين الناس لدينا حول معنى تينك الآيتين، وقد استشهد «ابن قِبَّة» -الذي سنتعرّض لدراسة ونقد آرائه في الصفحات القادمة- أيضاً بالآيات من 7 إلى 10 من سورة الإنسان وبآية التطهير، وقد بيَّنا نحن وإخوتنا المُوحِّدون بطلان ادِّعاءاتهم بشأن تلك الآيات في كتبنا وخطبنا فلا نُكرِّر الكلام حول ذلك هنا[438]. والحكاية الثامنة في ذلك الباب هي القصة المنقولة عن «الْـحَسَنِ بْنِ مُثْلَةَ الْـجَمْكَرَانِيِّ» الذي عرَّفنا به في كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارت المزارات ونصوص الزيارات] تحت الرقم 102 (ص167).
أعتقد أنه بدلاً من تضييع وقت القراء بذكر عيوب وإشكالات أحاديث المجلد 53 من «بحار الأنوار»، من الأجدى والأكثر فائدةً للقُرَّاء أن ندرس ونُمحِّص على نحو الاختصار الدلائل التي نقلها الشيخ الصَّدوق عن «أَبِي سَهْلٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ النَّوْبَخْتِيِّ» و «مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قِبَّةَ الرَّازِيِّ» كما سبق أن وعدنا بذلك.
[430] لعل المَجْلِسِيّ أورد هذا الحديثَ الفاضحَ في كتابه، استناداً إلى ذوق وهوى أربابه من القزلباشية (جنود الملوك الصفويين)! [431] عرَّفنا بحاله في كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 171 فما بعد. أقول (المُتَرْجِمُ): سأكتفي هنا بذكر ما قاله عنه النجاشي: "المُفَضَّل بن عُمَر أبو عبد الله و قيل أبو محمد، الجُعْفِيّ، كوفيٌّ، فاسدُ المذهب، مضطربُ الرواية، لا يُعبأ به. و قيل إنه كان خطَّابياً. و قد ذُكِرت له مصنفات لا يُعَوَّل عليها." (رجال النجاشي، قم، مؤسسة انتشارات اسلامى، 1407هـ، ص416). (المُتَرْجِمُ) [432] مرّ معنا شرح أحواله في الكتاب الحاضر، ص 284 فما بعد. [433] ذكروا لمُدَّة رئاسة المهدي وحكمه مدّة خمس سنوات، وسبع إلى تسع سنوات، و19 إلى 20 سنة وأربعين سنة! وإذا أضفنا إلى هذه الروايات المتناقضة الرواية التي تقول: إن كل سنة من سنوات حكمه تُعادل عشر سنوات من سنيكم أمكن القول: إنه قد ذُكر لحكم المهدي مدّة سبعين إلى تسعين سنة أيضاً، وجاء في إحدى الروايات أن مدّة حكمه ستطول 309 سنوات! [434] راجعوا الصفحة 69 فما بعد من الكتاب الحاضر. [435] بحار الأنوار، بتحقيق الشيخ محمد باقر البهبودي، حاشية الصفحة 13، في المجلد 53. (المُتَرْجِمُ) [436] بحار الأنوار، ج 53، حاشية الصفحة 33. (المُتَرْجِمُ) [437] ذكرنا بعض الأمور حول هذا الباب في المقال الذي ابتدأنا به الكتاب الحاضر. [438] حول الآيتين المذكورتين من الضروري مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (الباب 122، دراسة الحديث 1، الصفحات 610 إلى 622)، وكتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، (الفصلان الخامس والسادس، من الباب الثاني، ص392-395).
اعلم أن «أَبَا سَهْلٍ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَلِيٍّ النَّوْبَخْتِيَّ» كان أحد المُتَنَفّذين من الأسرة النوبَـخْتِيَّة ومن أنصار «الـْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ النَّوْبَخْتِيِّ» (النائب الثالث) ومُؤَيِّديه وأقربائه!! وقد ألَّف في الدفاع عن الخرافات كتاباً باسم «التَّنْبِيْهِ في الإِمَامَةِ»! وقد نقل الشيخ الصَّدوق أقواله في كتابه «كمال الدين»، وسنستعرض فيما يلي بعض هذه الأقوال ونناقشها:
1- قال أبو سهل النوبختي:
"وكثيراً ما يقول خصومنا: لو كان ما تدَّعون من النصِّ حقَّاً لادَّعَاه عليٌّ (ع) بعد مُضيِّ النبيِّ ص. فيُقال لهم: كيف يدَّعيه فيُقيم نفسه مقام مُدَّع يحتاج إلى شهود على صحة دعواه وهم لم يقبلوا قول النبي ص، فكيف يقبلون دعواه لنفسه؟! وتخلُّفه عن بيعة أبي بكر ودفنه فاطمة (ع) من غير أن يُعرِّفهم جميعاً خبرها حتى دَفَنَهَا سِرَّاً أدلُّ دليلٍ على أنه لم يرضَ بما فعلوه". اهـ
وأقول: أولاً: ينبغي أن نعلم أننا لا نتكلم هنا عن أفراد مجهولين بل عن أشخاص مدحهم القرآن مراراً وتكراراً ولم يكونوا يتوانون عن بذل أرواحهم وأموالهم في سبيل الإسلام، كما أن أثنى عليهم حضرةُ عَلِيٍّ (ع) أيضاً ومدحهم مرَّات عدّة كما في الخطبة 182 من نهج البلاغة.
67ثانياً: لنفرض أنه كان للمهاجرين مصلحة في كتمان النص على خلافة عَلِيٍّ (ع)، لكن المُؤكّد أنه لم يكن للأنصار أيُّ نفع في ذلك، ولا شك أنهم لم يكونوا ليبيعوا آخرتهم بدنيا المهاجرين، بل لو كان هناك نصٌّ لأظهره الأنصار على الأقل، وحول هذا الموضوع وموضوع تأخُّر عَلِيٍّ في مبايعة أبي بكر، من المفيد مراجعة الكتاب الشريف «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، للمرحوم قلمداران، ومراجعة التحرير الثاني لكتابنا «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» (ص 451 إلى 464).
ثالثاً: إن ما ندَّعيه هو أن الإمام المنصوص عليه والمنصوب مِنْ قِبَلِ الله -حسب قولكم- لم يُبيِّن هذا النص على نفسه في وقت الاحتجاج، أي في الوقت الذي يكون فيه «الصمت في موضع البيان بيان» ولم يُشر إليه أدنى إشارة لإتمام الحُجَّة، في حين أن ردّ الآخرين أو قبولهم لهذا النص خارج عن موضوع بحثنا، لأن بيان الهداة الإلهيين للأمة ليس مرهوناً بقبول المخاطبين لبيانهم أو ردِّهم له بل يستند إلى وجوب إتمام الحُجَّة[440]، في حين أن الإمام عَلِيّاً (ع) قال كلاماً آخر ولكنه لم يُشر إلى مسألة غدير خم، في حين أنه لو كان احتجاج الإمامِ عليٍّ على منافسيه في أمر الخلافة مرهوناً بقبول مخاطبيه لكلامه لوجب أن يسكت من الأساس ولا يقول شيئاً، ولكنه ÷ لما لم يسكت، فمن الواضح أن سكوته عن ذكر مسألة نصبه مِنْ قِبَلِ رسولِ اللهِ ص في غدير خُم لن يكون له أيُّ تفسير سوى ثبوت بطلان ادِّعائكم! ولحسن الحظ ليس بيننا وبينكم خلاف في هذه النقطة وهي أن عَلِيّاً (ع) لم يذكر النص على نفسه وَنَصْبِهِ مِنْ قِبَلِ اللهِ ورسولهِ ص في موضع الاحتجاج على منافسيه.
أما مسألة دفن حضرة الزهراء (ع) سِرَّاً فيُراجَع في ذلك كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات ونصوص الزيارات] (ص 14 إلى 16، الدليل السادس من الدلائل العقلية والتاريخية).
ثم ذكر النوبختي أموراً حول الخلافة بعد النبي ص يُمكن لكل من قرأ كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد] أن يُدرك بطلانها بكل وضوح ولا حاجة لتكرار ذلك هنا. ولكن يجب أن نتذكّر أن آل النوبختي -ومنهم «أبو سهل»- كانوا ماهرين جداً في خداع العوام، إلى درجة أنهم لم يكونوا يتورّعون عن الكذب في هذا السبيل!! فإحدى أكاذيب «أبي سهل النوبختي» قوله:
"وربما قال خصومنا إذا عضَّهم الحِجَاج ولزمتهم الحُجَّة في أنه لابُدَّ من إمام منصوص عليه عالم بالكتاب والسنة مأمون عليهما لا ينساهما ولا يغلط فيهما ولا تجوز مخالفته واجب الطاعة بنص الأول عليه؛ فمن هو هذا الإمام؟ سمُّوه لنا ودُلُّونا عليه...!!". اهـ
أقول: لا شك أن ادِّعاء النوبختي هذا كذب محض ولم يقل مخالفوه ما نسبه إليهم، بل يقولون: بما أن رسول الله ص لم ينصب أحداً خليفةً له، وأن القرآن الكريم يقول: ﴿وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣٨﴾ [الشورى: ٣٨]، فلا ضرورة إذن للإصرار على خلافة شخص منصوبٍ مِنْ قِبَلِ الله ورسوله، بل على المسلمين أن يختاروا، بعد التشاور فيما بينهم، شخصاً ملتزماً بالكتاب والسنة ويُبايعوه ويطيعوه طالما رأوه مُتَّبعاً للكتاب والسنة غير متجاوز لهما [441]، لاسيما أنه ليس لدينا أيُّ نصٍّ موثوق يدل على أن حضرة عَلِيٍّ (ع) نصب حضرات الحسن والحسين و ...... خلفاء وحكاماً على المسلمين من بعده. وخاصة أن ادِّعاءكم ضرورة أن يكون الإمام معصوماً وأن المعصوم لا يجوز أن ينصب للإمامة إلا معصوماً، مخالف لعمل الأئمة، لأن حضرة الإمام الصادق ÷ نصب في بداية الأمر ابنه إسماعيل إماماً من بعده، وحضرة الهادي (ع) نصب في بداية الأمر ابنه السيد محمد إماماً من بعده، ولكن بعد أن تُوفي إسماعيل والسيد محمد في حياة أبويهما قام الصادق (ع) بنصب ابن آخر من أبنائه خليفة له وكذلك فعل الإمام الهادي (ع)، مع العلم أنكم لا تعتبرون إسماعيل والسيد محمد معصومين. فهذه الوقائع تُثبت أن نصب إسماعيل ومحمد لم يكن من جانب الشارع! حول هذا الموضوع من الضروري مراجعة التنقيح الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الأبواب من 119 حتى 133 من الكافي، في الصفحات 597 إلى 669).
ثم يُواصل النوبختي كلامه قائلاً:
"تكلَّمنا فيما توجبه العقول [وقلنا إنه] إذا مضى النبيُّ عليه السلام وهل يجوز أن لا يستخلف وينص على إمام بالصفة التي ذكرناها؟! فإذا ثبت ذلك بالأدلة فعلينا وعليهم التفتيش عن عين الإمام في كل عصر".
أقول: إن مسألة لزوم أن يقوم النبيّ بالنص على خليفة له في حكم المسلمين أمرٌ لا يُمكن إثباته عقلاً -كما تمّ بيان ذلك في كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد] (ص 65 إلى 75، فصل: العقل مُنكر للنص) وكتابنا «تضاد مفاتيح الجنان با قرآن»، (ص 383 - 384)- وبناءً على ذلك فإن ادِّعاء «أبي سهل النوبختي» خداع وتضليل، ولما كان رسول الله ص يعلم أفضل من أيّ أحد آخر ما يتوجب عليه فعله ولم يقم بشكل واضح وصريح بنصب أحدٍ حاكماً على المسلمين من بعده، فلا يجوز أن نكون أكثر ملكية من الملك ونُصرّ على عنوان «الإمام المنصوص عليه من الله» ونُفسِّق الآخرين الذين لا يؤمنون بهذا الأمر.
ثم قال النوبختي: "ونقل الشيعة النصَّ عَلَى عليٍّ (ع) وهم الآن من الكثرة واختلاف الأوطان والهِمَم على ما هم عليه، يُوجب العلم والعمل، لاسيما وليس بإزائهم فرقة تدَّعي النصّ لرجل بعد النبي ص غير علي (ع)"!!
أقول: أولاً: إن مخالفيكم لا يدَّعون أن النبيَّ نَصَبَ شخصاً آخر غير عَلِيٍّ في مقام الحكم والخلافة، بل يقولون: إن رسول الله ص لم ينصب أحداً أصلاً لمقام الخلافة من بعده، لكي يتَّبع المسلمون مبدأ الشورى القرآني (الشورى: 38) وينتخبوا خليفتهم بأنفسهم مُراعين في ذلك المبادئ العامة للشريعة -كما تمّ بيانها في كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 70 إلى 73)-. بناءً عَلَى ذَلك، لا يُمكن الاستنتاج من عدم ادِّعاء أحد أن النبيّ نصب أحداً غير عَلِيٍّ خليفةً له، ضرورةَ أن يكون النبيُّ قد نَصَبَ عَلِيّاً إذاً، لاسيما أن منصوبكم المزعوم لم يستند في احتجاجه على منافسيه إلى الدليل الذي تذكرونه على نصب النبيّ له. أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
وتبلغ وقاحة «أبي سهل النوبختي» وخداعه مداها حين يقول:
"..... بل أخبار الشيعة أوكد، لأنه ليس معهم دولة ولا سيف ولا رهبة ولارغبة وإنما تنقل الأخبار الكاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدول وليس في أخبار الشيعة شيء من ذلك!!". اهـ
فنقول: أولاً: الادِّعاء بأنه لمَّا لم يكن لدى الشيعة حتى زمن «أبي سهل النوبختي» دولة ولا سيف ولا رهبة، وَمِنْ ثَمَّ فلم يكن لديهم دافع لوضع الأخبار، ادِّعاء معلول وعلى المُدِّعي أن يقبل مثله بالنسبة إلى سائر الطوائف التي كانت أقلية! في حين أنه هو نفسه يعتبر فرق الفطحية والكيسانية والإسماعيلية والواقفية والزيدية و...... الخ فرقاً باطلة ولا يقبل مروياتها.
ثانياً: أصل ادِّعائه بأنه لما كان الشيعة يفتقدون الدولة ولا يملكون السلطة فلم يكن لديهم دافع لوضع الحديث ادِّعاء باطل في باطل، لأنه مخالف للتحقيق[442] بل مخالف لقول أكثر علماء الشيعة أنفسهم الذين يعتبرون كثيراً من الأحاديث في كتبهم ضعيفةً وساقطةً من الاعتبار.
ثالثاً: من حيث المبدأ لا تحتاج الحكومة التي تمتلك السلطة والحكم وتكون من أنصار مذهب الأكثرية (أو تُعلن عن نفسها بأنها من أتباع مذهب الأكثرية) إلى وضع الحديث، أو على الأقل لِنَقُلْ أن حاجتها إلى ذلك أقل بكثير من حاجة الأقلية المعارضة إلى وضع الأحاديث لنصرة قضيتها، وهذا أمر لا يخفى على من له علم بالتاريخ، خاصة أنه في ذلك العصر القديم كان اختلاق الأحاديث أحد أهم الوسائل المستخدمة لإضعاف حكومة الأكثرية وتشويهها في أنظار عامة الناس وتصويرها منحرفةً وضالةً. بناءً عَلَى ذَلك، فإن الدافع لوضع الحديث كان لدى الشيعة وسائر الأقليات أقوى منه لدى الأكثرية صاحبة الحكم والسلطة. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
2- ثم يقول «أبو سهل النوبختي» عن المهدي:
"وإذا صحَّ بنقل الشيعة النص من النبي ص على علي (ع) صحَّ بمثل ذلك نقلها النص من عليٍّ على الحسن ومن الحسن على الحسين ثم على إمام إمام إلى الحسن بن علي [العسكري] ثم على الغائب الإمام بعده (ع) لأن رجال أبيه الحسن [العسكري] (ع) الثقات كلهم (!!) قد شهدوا له بالإمامة وغاب (ع) لأن السلطان طلبه طلباً ظاهراً ووكَّل بمنازله وحرمه سنتين.".
ويُكرِّر «أبو سهل النوبختي» الفكرة ذاتها في موضع آخر من كتابه فيقول:
"ووجه آخر [أي من الدلائل على ثبوت وجود المهدي وإمامته] وهو أن الحسن [العسكري] (ع) خلَّف جماعةً من ثقاته ممن يروي عنه الحلال والحرام ويؤدي كتب شيعته وأموالهم ويخرجون الجوابات، وكانوا بموضع من الستر والعدالة بتعديله إياهم في حياته، فلما مضى أجمعوا جميعاً على أنه قد خلف ولداً هو الإمام (!!)[وطبعاً لم يرَ هذا الولد أحدٌ سوى هؤلاء المُدَّعين، خلافاً لأبيه الحسن العسكري الذي رآه كثيرون وعرفوه] وأمروا الناس أن لا يسألوا عن اسمه وأن يستروا ذلك من أعدائه، وطلبه السلطان أشد طلب ووكَّل بالدور والحبالى من جواري الحسن (ع) ثم كانت كتب ابنه الخلف بعده تخرج إلى الشيعة بالأمر والنهي على أيدي رجال أبيه الثقات [يعني ذنب الثعلب يشهد له؟!!] أكثر من عشرين سنة [وكانوا بالطبع يأخذون الأموال والوجوه الشرعية من الناس باسمه، وبالطبع يمكن صرف النظر عن كل شيء إلا عن الأموال!!]، ثم انقطعت المكاتبة ومضى أكثر رجال الحسن (ع) الذين كانوا شهدوا بأمر الإمام بعده وبقي منهم رجل واحد (؟!!) قد أجمعوا على عدالته وثقته فأمر الناس بالكتمان (؟!!) وأن لا يُذيعوا شيئاً من أمر الإمام [لماذا؟؟ وبماذا اختلفت الأوضاع الآن عما كانت عليه قبل عشرين سنة؟! لا بد أنكم ستقولون لنا لا دخل لك في ذلك وإياك والفضول!] وانقطعت المكاتبة فصح لنا ثبات عين الإمام بما ذكرت من الدليل"!.اهـ
أقول: في رأيي كان «أبو سهل النوبختي» مُجرَّداً من الحياء تماماً وإلا لما ذكر مثل تلك الأكاذيب!!
يقول الدكتور عباس إقبال الآشتياني:
"إن وفاة الإمام الحادي عشر دون أن يُخلّف ابناً ظاهراً ...... لم يُجرّئ مخالفي الطائفة الإمامية في ذلك العصر على الطعن بها وتضليلها فحسب بل أوقع الاضطراب والحيرة في قلوب المؤمنين بذلك المذهب الإمامي حتى برزت بينهم الفرقة والاختلاف في الرأي إلى درجة أنهم انقسموا إلى 14 فرقة كلٌّ منها يلعن سائر الفرق ويُكفِّرها، وكاد أن ينهدم ذلك الأساس الذي بُني بمشقة ومعاناة على مدار سنين طويلة بسبب هذه الاختلافات وبسبب سعي أعداء الإمامية ...... توفي الإمام الحادي عشر حضرة الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري (ع) -حسب رواية الشيعة- يوم الجمعة الثامن من ربيع الأول سنة 260 هجرية قمرية بعد خمس سنوات وثمانية أشهر وخمسة أيام من إمامته في مدينة «سُرَّ من رأى» في حين لم يكن له حسب الظاهر أيُّ ابنٍ ظاهر أمام مرأى عامة الناس، ولهذا السبب أمر الخليفة العباسي آنذاك «المُعتمد على الله» (حكم من 256هـ. إلى 279هـ) بتفتيش بيت الإمام وحجراته وختم عليها جميعها، وبحث عماله عن ابن ذلك الإمام وتمّ تعيين نساء قابلات للتحقُّق من أحوال إماء الإمام الحادي عشر، ولما ادَّعت إحداهنَّ أن هناك أَمَةً للإمام حاملاً، تمّ وضعها في غرفة خاصة وأوكلوا لخدمتها خادماً وبضعة نساء، وحضر أخو الخليفة «أبو عيسى بن المتوكل» في تشييع جثمان الإمام (العسكري) والصلاة عليه وأخذ تصديقاً من كبار الأسرة العلوية والعباسية ورؤساء الجند والكُتّاب والقضاة والفقهاء والمُعدّلين بأن الإمام مات ميتة طبيعية. بعد أن تمّ دفن جثمان الإمام (الحادي عشر) في الغرفة ذاتها التي كان الإمام العاشر قد دُفن فيها، بذل الخليفة وأعوانه جهداً كبيراً للبحث عن «ابْنٍ» له، فلما لم يصلوا إلى نتيجة كما أن الأَمَة التي تُوُهِّم أنها حامل لم تضع أيَّ وليد رغم إبقائها تحت المراقبة مُدّةَ سنتين، عندئذٍ استقرَّ رأي الخليفة على تقسيم تركة حضرة العسكري، هنا نشب نزاعٌ على الميراث بين أمّ حضرة العسكري واسمها «حديث» وأخيه «جعفر»، فرغم أن «حديث» أثبتت عند القاضي أنها الوارثة الوحيدة للإمام الحادي عشر، إلا أن «جعفرَ» أخا المرحوم الإمام العسكري عارضها في ذلك وسعى لدى الخليفة ضدها واستعان بالخليفة للحصول على ميراث أخيه. في نهاية المطاف وبعد سبع سنوات من التوقف، قُسِّمَت تركة الإمام الحادي عشر بين أمه «حديث» وأخيه «جعفر»...... ومن الجهة الأخرى كان في رحيل الإمام الحادي عشر وغياب ابنه، أي حضرة القائم، ودعاوي أخيه جعفر الذي لقّبه الإمامية بـ«جعفر الكذَّاب»، كما أشرنا من قبل، مستمسكاً لمخالفي الإمامية لاسيما المعتزلة والزيدية وأصحاب الحديث والسُنَّة والخليفة العباسي، للهجوم على الإمامية وتضليلهم. ومن الجهة الأخرى انقسم الإمامية أنفسهم إلى فروع عديدة برزت منهم 14 فرقة[443]، بعضها كان مُنكراً لوجود ابْنٍ للإمام الحادي عشر وبعضها كان شاكاً ومتردداً في وجوده، واعتقدت فرقةٌ منها بختم الإمامة في الإمام الحادي عشر، وادَّعت فرقةٌ أخرى غيبة الإمام الحادي عشر ورجعته في المستقبل، ومن هذه الفرق أيضاً فرقةٌ اعتقدت بإمامة «جعفر» أخي الإمام الحادي عشر ولكن أتباع هذه الفرقة لم يتَّفقوا على إمامة جعفر، فبعضهم اعتبره خليفةً للإمام الحادي عشر وبعضهم الآخر اعتبره منصوباً مِنْ قِبَلِ أخيه الآخر «محمَّد» الذي تُوفي أثناء حياة أبيه (=حضرة الهادي)، واعْتَبَرَتْهُ فرقةٌ مُعَيَّناً مِنْ قِبَلِ الإمامِ العاشِرِ..... وقد استغرقت معركة الآراء هذه والأزمة الطاحنة الفترة من عهد الخليفة العباسي «المعتمد» حتى زمن «المقتدر»[444]". ا هـ . (كتاب «خاندان نوبختي» [الأسرة النوبختية]، ص 107 إلى 109).
كما تُلاحظون لم يكن معظم أتباع وشيعة حضرة العسكري موافقين على فكرة إنجابه لابْنٍ. إضافةً إلى ذلك -وكما مرّ معنا في الصفحات الماضية من الكتاب الحاضر (ص298)- لم يكن كثير من أصحاب العسكري أشخاصاً موثوقين بل كان معظمهم أشخاصاً كذَّابين يحتالون على العوام شأنهم في ذلك شأن معظم أصحاب سائر الأئمة. لكن «أبا سهل النوبختي» الذي شهد هذه الاختلافات بين أصحاب حضرة العسكري وأتباعه قال بكلِّ وقاحة: "لأن رجال أبيه الحسن [العسكري] (ع) الثقات كلُّهم (!!) قد شهدوا له بالإمامة"!!!
يقول الكاتب (البرقعي): عندما يقول معظم أتباع حضرة العسكري (ع) وشيعته -13 فرقة من أصل 14- الموثوقون جداً حسب قولكم: إنَّهُ لم يكن للإمام وَلَدٌ، فلا يجوز أن نكون أكثر مَلَكِيَّةً مِنَ الَملِكِ ذاته فنقول إنه كان ذا وَلَدٍ دون أن يكون لدينا دليل قاطع على ذلك! وحتى لو كان لحضرة العسكري (ع) ابنٌ لكان حين وفاة أبيه طفلاً غير بالغ وغير مُؤَهَّلٍ لإمامة الأمة، وإن أردتم أن تُحيلونا إلى تلك الأكاذيب التي جَمَعَها الكُلَيْنِيّ في كتابه حول إمامة الطفل غير البالغ فإننا نُحيلكم بدورنا إلى كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الباب 130 إلى 134، في الصفحات 658 إلى 669، والأبواب 179 إلى 183، في الصفحات من 840 إلى 861).
أما قولكم: "كانت كُتُبُ ابنه الخَلَفِ بَعْدَهُ تخرج إلى الشيعة بالأمر والنهي على أيدي رجال أبيه الثقات أكثر من عشرين سنة"، فنقول -كما سبق أن قلنا مراراً في كتابنا الحاضر هذا وغيره-: كيف يمكن للذين لم يسبق لهم أن رأوا المهدي بأمّ أعينهم ولا عرفوا خطّ يده أن يعلموا أن تلك الكتب والرسائل والتوقيعات كانت بخط الإمام الغائب فعلاً ولم تكن مُزوَّرةً ومنسوبةً إليه كَذِبَاً؟! (راجعوا الصفحة 253 من الكتاب الحاضر).
3- ثم يقول «أبو سهل النوبختي»:
"وقد سألونا في هذه «الغيبة» وقالوا: إذا جاز أن يغيب الإمام ثلاثين سنة وما أشبهها فما تُنكرون من رفع عينه عن العالم؟ فيُقال لهم: في ارتفاع عينه ارتفاع الحجة من الأرض وسقوط الشرائع إذا لم يكن لها من يحفظها، وأما إذا استتر الإمام للخوف على نفسه بأمر الله عز وجل وكان له سبب معروف متصل به وكانت الحجة قائمة إذ كانت عينه موجودة في العالم وبابه وسببه معروفان، وإنما عدم إفتائه وأمره ونهيه ظاهراً وليس في ذلك بطلان للحجة، ولذلك نظائر [في تاريخ الإسلام] قد أقام النبي ص في الشعب [شعب أبي طالب] مدةً طويلةً وكان يدعو الناس في أول أمره سراً إلى أن أمن وصارت له فئة وهو في كل ذلك نبيٌّ مبعوثٌ مُرْسَلٌ؛ فلم يبطل تَوَقِّيه وتَسَتُّرَه من بعض الناس بدعوته، نُبُوَّتَهُ ولا أدحضَ ذلك حُجَّتَهُ!! ثم دخل (عليه السلام) الغار فأقام فيه فلا يَعرفُ أحدٌ موضعَه ولم يبطل ذلك نُبُوَّتَهُ ولو ارتفعت عينه لبطلت نبوته؛ وكذلك الإمام يجوز أن يحبسه السلطان المدة الطويلة ويمنع من لقائه حتى لا يُفتي ولا يعلم ولا يبين والحجة قائمة ثابتة واجبة وإن لم يُفْتِ ولم يُبيِّن لأنه موجود العين في العالم ثابت الذات...." اهـ .
فنقول: إن ادِّعاءه أنَّ: "في ارتفاع عين الإمام ارتفاع الحجة من الأرض وسقوط الشرائع.."[445] مُجرّد ادّعاء خرافي لم يأتِ عليه بأي دليل أو برهان، وقد بيَّنَّا بُطلانه في التحرير الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول». ثم إن الحُجَّة الإلهية الكافية ليست الإمام حتى يُقال: إن عدم وجود الإمام يساوي عدم وجود الحُجَّة الإلهية، بل القرآن هو الحُجّة الإلهية وهو الذي يُعتبر عدم وجوده فقداناً للحُجَّة الإلهية بلا خلاف. وقد اعتبره عَلِيٌّ (ع) أيضاً حُجَّةً كافيةً فقال: "أرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كافِيَةٍ "(نهج البلاغة، الخطبة 161)، وقال: "تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) حُجَّتُهُ" (نهج البلاغة، الخطبة 91)، ولم يذكر لأهل الأرض سوى أمانين أحدهما النبيّ ص والآخر الاستغفار (يُراجع كتاب «تضاد مفاتيح الجنان با قرآن»، ص 188). في حين أنه لو كان هناك أمر آخر غير هذين الأمرين، مثل ضرورة وجود الإمام المعصوم، لَمَا امتنع الإمامُ عَلِيٌّ (ع) عن ذكره، ولكن لما كانت الحُجَّة الباطنة لِـلَّهِ على عباده هي العقل وحُجَّة الله الظاهرة هي الأنبياءُ والرُّسُل الذين اختُتِمُوا بحضرة محمد ص ولم يذكر أميرُ المؤمنين عليٌّ ÷ - اتِّباعاً منه للقرآن الكريم- الإمامَ المعصوم، فعلينا نحن أيضاً إن كنا مُتَّبعين صادقين له أن لا نعتبر من عند أنفسنا ودون دليل قويمٍ الإمامَ حُجَّةً إلهيةً، لاسيما أن الآية 59 من سورة النساء بيَّنت أنَّ اللهَ ورسولَه هما فقط المرجعين اللذين تجب طاعتها طاعةً مطلقةً غير قابلةٍ للتنازع معها، ولو كان هناك معصوم آخر (مرجع غير قابل للتنازع معه) لوجب أن لا يمتنع القرآن عن تعريف أمة الإسلام به بكل وضوح وصراحة[446]. (فَتَأَمَّل)
أما القول بأن الإمام اختفى خوفاً على حياته، فهو حُجَّةٌ غير معقولة جعلتموها ترساً لخرافتكم بدلاً من تقديم دليل أو برهان على ما تقولون! في حين أنه يجب عليكم بدايةً أن تأتوا بدليل قاطع من الكتاب والسنة على وجوده وما لم يتمّ إثبات وجوده فلا جدوى من جميع الأبحاث والنقاشات الأخرى حول ذلك ولا طائل تحتها. بالإضافة إلى أن الخوف على النفس من القتل موجود دائماً، وَمِنْ ثَمَّ فلا ينبغي أن يظهر المهدي أصلاً في أيّ وقت من الأوقات! ونسأل: لما قال موسى لربِّه: ﴿فَأَخَافُ أَن يَقۡتُلُونِ ١٤﴾ [الشعراء : ١٤] هل قال اللهُ له: إذن فاختفِ وغِبْ عن الأنظار؟! أم قال له ولأخيه: ﴿كَلَّاۖ فَٱذۡهَبَا بَِٔايَٰتِنَآۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسۡتَمِعُونَ ١٥﴾ [الشعراء : ١٥]؟! كما أمر تعالى رسولَه أن يُبلِّغ ما أنزله إليه وقال: ﴿وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧]، إذن الحضور بين الناس من سُنن الأنبياء وَمِنْ ثَمَّ فإن الإمام التابع لسُنة النبيّ ص لا يُمكن بالطبع أن يهرب من الناس خوفاً على حياته!!
أما قولك: "قد أقام النبي ص في الشِّعب [شعب أبي طالب] مدةً طويلةً[447].....الخ" فلا يُفيدك في شيء: أولاً: لأن النبيّ ص قبل ذهابه إلى شِعب أبي طالب كان حاضراً بين الناس مدة أربعين سنة ولم يكن أحدٌ، مؤمنٌ أم مشركٌ، يشكُّ في وجوده، ولم يكن مُنكرو نُبُوَّة رسول الله ص يشكُّون بأيّ وجه من الوجوه في وجوده، خلافاً لمخالفي المهدي الذين يُنكرون وجوده من الأصل. ولو كان مخالفو النبيّ يشكون في وجوده لقام النبيّ قطعاً بإظهار نفسه ودفع تلك الشُّبهة. كما نرى أنه لما أُشيع أن النبيّ قُتل في غزوة «أُحد»، تبيَّن مباشرةً أن هذا الخبر كذب وأن النبيّ حيٌّ ولم تبقَ شُبهة في ذلك لأحد، مؤمناً كان أم مشركاً. على عكس حالة المهدي الذي كانت أكثرية أتباع حضرة العسكري والعلويين في ذلك الزمن لا يعتقدون بأن العسكري أنجب ولداً، وحتى بعد البحث والتحقيق الذي قام به القاضي والخليفة حول هذا الأمر لم يوجد أثر لابنٍ للعسكري. أضف إلى ذلك أننا كما لا نملك دليلاً يُثبِتُ أن الخليفة قَتَلَ حضرةَ العسكري، سوى مُجرّد الادِّعاء[448]، كذلك لا نملك دليلاً قاطعاً على أن الخليفة كان يريد قَتْلَ المهدي. (فَتَأَمَّل).
وبصرف النظر عن كل ما سبق، فإن السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: لماذا لم يظهر هذا المهدي الغائب زمن الصفوية أو في زماننا هذا الذي أصبحت فيه جميع شؤون البلاد بيد نائب المهدي(؟!) والناس يدعون الله ليل نهار أن يُعجّل لهم بظهور المهدي، فممّ يخاف إذن؟! ألا يثق بنائبه؟! هل يحتمل أن يقوم نائبه بقتله؟!!
ثم إن رسول الله ص، حتى في فترة إقامته في شِعب أبي طالب، كان يخرج من الشِّعب في موسم الحج ويلتقي بالوافدين إلى مكة ويدعوهم إلى الإسلام، كما يتَّفق على ذلك علماء السيرة، فلم يكن غائباً تماماً عن الأنظار لا يراه أحد من الناس، بل إن بعض الناس في مكة ومنهم «حكيم بن حزام» كان على صلة بالساكنين في الشِّعب، في حين أن وضع المهدي لم يكن كذلك.
بناءً على ما تقدّم، فإن تشبيه غيبة المهدي بإقامة رسول الله ص في شِعب أبي طالب ليس له أيُّ وجه من الصحة ولا يعدو الخداعَ والمغالطة!! أضف إلى ذلك أن النبيّ عندما كان في الشِّعب لم يكن غائباً عن أتباعه بل كان أتباعه يرونه، أما المهدي فلا يراه أحدٌ حتى أتباعه وشيعته!!! ثم إن النبيّ الذي لم يكن آمناً في مكة لم يَغِبْ ولم يتوارَ عن الأنظار تماماً بل هاجر إلى المدينة وكان ظاهراً فيها في حين أن مهديكم اختفى تماماً عن أنظار جميع الخلق، وبين الأمرين فرق شاسعٌ كالفرق بين السماء والأرض! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
والمسألة الأخرى قول «النوبختي» أن النبيَّ ص: "كان يدعو الناس في أول أمره سراً إلى أنْ أَمِنَ وصارت له فئةٌ وهو في كل ذلك نبيٌّ مبعوثٌ مُرْسَلٌ؛ فلم يبطل تَوَقِّيه وتَسَتُّرَه من بعض الناس بدعوته، نُبُوَّتَهُ ولا أدحضَ ذلك حُجَّتَهُ!!".
الواقع أن لا علاقة لما ذكره بموضوع نقاشنا فالنبيُّ ص أخفى دعوته ورسالته في بداية بعثته، ولم يُخْفِ ذاته!! فكان أعداؤه ومخالفوه يرونه بكل سهولة ويسر، ولكنهم لم يكونوا يشاهدون دعوته، ومن الواضح أن إخفاء الدعوة غير إخفاء شخص النبيّ ذاته، ولذلك لم يكن لدى أحدٍ من مخالفي النبيّ شكٌّ أبداً في أصل وجوده، بل كانوا منكرين لدعوته لا لوجوده، على عكس حالة المهدي التي يوجد شك كبير وأساسيٌ في أصل وجوده، وليس لدينا أي دليل قاطع على وجوده الفعلي.
وأما قول النوبختي:
"ثم دخل [النبيُّ] عليه السلام الغار فأقام فيه فلا يعرف أحدٌ موضعَه[449] ولم يبطل ذلك نبوَّتَهُ ولو ارتفعت عينه لبطلت نبوته، وكذلك الإمام يجوز أن يحبسه السلطان المدة الطويلة ويمنع من لقائه حتى لا يُفْتِي ولا يُعَلِّم ولا يُبَيِّن والحُجَّةُ قائمةٌ ثابتةٌ واجبةٌ وإن لم يُفْتِ ولم يُبَيِّن؛ لأنه موجود العين في العالم ثابت الذات، ولو أن نبياً أو إماماً لم يُبَيِّن وَيُعَلِّم ويُفْتِ لم تَبْطُلْ نُبُوَّتُهُ ولا إمامته ولاحُجَّتُهُ ولو ارتفعت ذاته لبطلت الحُجَّة، وكذلك يجوز أن يستتر الإمام المدة الطويلة إذا خاف ولا تَبْطُلْ حُجَّةُ اللهِ عزَّ وَجَلَّ.". اهـ
فاعلم أنه: أولاً: الناس قبل أن يقوم السلطان الجائر بحبس حُجَّة الله كانوا قد رأوه ورأوا ثورته ضد جور السلطان ولم يكن من المستغرب لديهم أن يقوم السلطان الظالم بحبسه بسبب تحركه ضده. إذن فقد رأى الناس تلك الحُجَّة المذكورة قبل أن يتم القبض عليه ويُودع في السجن فعرفوه ولم يكن لديهم أيُّ شك في وجوده. كما أن أسرته وأهله كانوا يزورونه أثناء إقامته في السجن ويلتقون به وينقلون أخباره وأقواله إلى الآخرين. فليس بين مثل هذا الشخص ومهديكم أيُّ تشابه إذ إن مهديكم لم يرَ أحدٌ ولادته ولا يوجد أيُّ معلومات قطعية مُوَثَّقة عنه كما لا أثر له في كتاب الله.
ثانياً: إن موضوع نقاشنا مُنحصرٌ في حالة حبس حُجَّة الله (أي عدم قدرة الناس على التواصل معه والوصول إليه) وبقائه في السجن وعدم تحرُّره منه، أما الحُجَّة الذي يُسجن فترة من الزمن (أو يغيب) ثم يُطلق سراحه ويظهر للناس فهو خارج عن بحثنا.
ثالثاً: لا يخلو الأمر من إحدى حالتين: إما أن يُسجَنَ حُجَّةُ الله أو يغيب (أي يُصبح خارج متناول أيدي الناس) بعد أدائه مهمته، وهذا لا ينطبق على المهدي لأنه على فرض وجوده فإنه غاب قبل سن التكليف أي قبل أدائه للمهمَّة الإلهية. أو أن يُسجن حُجَّة الله أو يغيب (أي يُصبح خارج متناول أيدي الناس) قبل أدائه لمهمته الإلهية، ففي هذه الحالة لا تكون حُجَّة الله قد تمَّت على العباد، وبالنسبة إلى الناس لا يكون ثمَّة فرق بين الحُجَّة المعدومة والحُجَّة الموجودة لكنها خارج متناول أيديهم ويتعذّر الوصول إليها، ولهذا السبب قبل ختم النبوة كان الله تعالى كلما استُشهد نبيّ -من أنبياء الدعوة والتبليغ بالطبع- أو تعذَّر الوصول إليه لسبب ما، يُرسل نبياً جديداً. وهذا الحكم يجري أيضاً على المهدي، أي حتى لو كان موجوداً، طالما كان الوصول إليه والاتصال به مُتعذَّراً لا على عامة الناس فحسب بل حتى على العلماء والمراجع، فإن وجود عينه أو عدمه سيانٌ من ناحية عدم قيام حُجَّة الله به على العباد.
ولا غرابة في هذه الأقوال والاستدلالات الضعيفة الواهية من شخص قضى عمره في التلوّن كالحرباء واللعب على الحبلين وخداع عوام الناس، لكن عتبنا على علمائنا الذين يسكتون أمام هذه السفسطات أو يُدافعون عنها!!
4 - ويواصل «أبو سهل النوبختي» كلامه قائلاً:
" فإن قالوا: فكيف يصنع من احتاج إلى أن يسأل عن مسألة؟! قيل له: كما كان يصنع والنبي ص في الغار من جاء إليه ليُسْلِمَ وليتعلَّم منه؛ فإن كان ذلك سائغاً في الحكمة كان هذا مثله سائغاً[450]." اهـ.
فنقول: أولاً: معظم أحكام الإسلام العملية وتشريعاته الاجتماعية نزلت في المدينة، أما في مكة فكانت الآيات تُركِّز على التوحيد والمعاد إذ لم يكن المجتمع الإسلامي قد نشأ بعد في مكة، ولم يكن رسول الله ص قد تولى إدارة زمام أمور المجتمع وقيادته، أي لم يكن هذا الشأن من شؤونه ص أي الزعامة والرئاسة العملية للمجتمع قد تحققت له بعد. (فَتَأَمَّل)
ثانياً: معظم أصحاب النبيّ ص كانوا موجودين في مكة والمدينة، بناءً عَلَى ذَلك إذا كان النبيّ قد غاب عن أصحابه بضعة أيام في الغار فإن من أراد أن يُسْلِمَ أو أراد أن يسأل عن مسألة كان بإمكانه أن يرجع إلى أحد صحابة رسول الله ص ومن جملتهم حضرة عَلِيٍّ (ع) أو جناب جعفر الطيار أو جناب حمزة -رضي الله عنهما- أو عمار بن ياسر و ....... ويسأله عما أراد ويحصل على ما يطلب إلى أن يُعلن النبيّ عن مواصلة مهمته الإلهية من جديد بعد مُدَّة قصيرة في المدينة ويُلبِّي سائر حاجات المؤمنين الشرعية بنفسه. وهذا لا يُشبه على الإطلاق غيبة شخص -على فرض وجوده- تواصل غيابه عشرات الأجيال، ولم يكن أحد خلال ذلك يستطيع أن يراه أو يتصل به أو يسمع منه. و لو كان النبيّ وأصحابه قبل ظهورهم في المدينة خارج متناول أيدي جميع الناس تماماً -كما هو حال المهدي- لَمَا كانوا قطعاً حُجَّةً على سائر الناس ما لم يُظْهِر النبيُّ نفسَه ويُصبح في متناول أيدي الخلق، إذْ لا فرق بالنسبة إلى المُكلَّفين بين انعدام عين الحُجَّة أو وجود عينه مع تعذّر الاتصال به بأيّ شكل من الأشكال. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
ثالثاً: يتعلَّق المهدي بعصر ما بعد تشكيل المجتمع الإسلامي أي في الزمن الذي تحقق فيه أحد شؤون رسول الله ص وهو شأن قيادة المجتمع الإسلامي ورئاسته وإدارة دفة أموره. وأنتم أيضاً لا تعتبرون «الإمام» مُجرّد فقيه يُجيب عن الاستفتاءات المُتعلّقة بالمسائل الفقيهة بل تعتبرون أن أحد فوائد وجوده إقامة الحدود وتطبيق أحكام الشريعة وهداية المجتمع من خلال الأوامر والنواهي وسائر القرارات المُتعلّقة بشؤون الدولة والمجتمع الإسلامي كلها، وكلا الأمرين أي بيان حكم الشرع في المسائل الفقهية المُستحدثة، وقيادة المجتمع نحو الخير والصلاح يتعطَّلان تماماً بغيبة الإمام. فهذا لا يُشبه من قريب ولا من بعيد غياب النبيّ ص في [الغار أو الشِّعب] قبل تشكيل المجتمع الإسلامي. أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
5- يقول «أبو سهل النوبختي»:
"... فَصَحَّ لنا ثباتُ عين الإمام بما ذكرتُ من الدليل وبما وصفتُ عن أصحاب الحسن (ع) ورجاله ونقلهم خَبَرَهُ، وَصِحَّةَ غيبته بالأخبار المشهورة في غيبة الإمام (ع) وأن له غيبتين إحداهما أشدُّ من الأخرى. ومذهبنا في غيبة الإمام في هذا الوقت لا يشبه مذهب الممطورة[451] في موسى بن جعفر لأن موسى مات ظاهراً ورآه الناس مَيِّتاً ودُفن دفناً مكشوفاً[452] ومضى لموته أكثر من مائة سنة وخمسين سنةً[453] لا يدَّعي أحدٌ أنه يراه ولا يكاتبه ولا يراسله، ودعواهم أنه حيٌّ فيه إكذابُ الحواس التي شاهدته ميِّتاً، وقد قام بعده عدَّةُ أئمَّةٍ فأتوا من العلوم بمثل ما أتى به موسى (ع)؛ وليس في دعوانا هذه غيبة الإمام إكذاب للحس ولا محال ولادعوى تنكرها العقول ولا تخرج من العادات وله إلى هذا الوقت من يدعي من شيعته الثقات المستورين أنه باب إليه وسبب يؤدي عنه إلى شيعته أمره ونهيه ولم تطل المدة في الغيبة طولاً يَـخْرُجُ من عادات من غاب[454]؛ فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن (ع) على ما شرحت وأنه قد غاب كما جاءت الأخبار في الغيبة فإنها جاءت مشهورة متواترة، وكانت الشيعة تتوقعها وتترجاها كما ترجون بعد هذا من قيام القائم (ع) بالحق وإظهار العدل!". اهـ
فنقول: أولاً: طبقاً لإقرار «النوبختي» ذاته، كان الناس قد رأوا جثمان حضرة الكاظم (ع) - يستوي في ذلك أتباعه وغيرهم- وتأكدوا من موته وقاموا علناً بدفنه.
ثانياً: أعلن حضرة الرضا (ع) والعلويون جميعهم بلا خلاف وفاةَ حضرة الكاظم، وقام حضرة الرضا (ع) بمطالبة وكلاء أبيه بالأموال التي جبوها باسمه (راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الباب 18، ص 197 إلى 200). وكانت أموال حضرة الكاظم (ع)، إضافة إلى ممتلكاته الشخصية وإمائه، الوجوه الشرعية التي أودعها الناس لدى وكلائه ونُوّابه حتى يُسلّموها إلى الإمام عند تحرّره من السجن.
ثالثاً: كان حضرة الرضا (ع) نفسه مشهوداً ومرئياً ولم يكن أحد يشك في أنه ابن حضرة الكاظم (ع) ولم يكن الأئمة بعد حضرة الكاظم (ع) بحاجة على الإطلاق لإثبات بُنُوَّة كل منهم للإمام قبله. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
رابعاً: كيف توجب رؤية جثمان حضرة الكاظم (ع) العلم بوجوده ووفاته ولا يكون العلم بوجود المهدي بحاجة إلى رؤيته (إذ لم يره سوى بعض الأشخاص الضعفاء في الرواية والمجهولون أو المحتالون المخادعون للعوام؟!)، خاصة أن أكثرية مُحبّي حضرة العسكري (ع) وأتباعه أي 13 فرقة من أصل 14 فرقة من شيعته، لم يكونوا يعتقدون بإنجابه لابنٍ.
خامساً: قوله إن غيبة المهدي لم تطل مُدَّتها طولاً يَخْرُجُ من عادات من غاب، يدل على أن «النوبختي» كان مهتماً فقط بإسكات عوام الناس في زمانه ولم يكن يخطر على باله أن زمن الغيبة سيطول طولاً شديداً على نحو يوقع الأجيال اللاحقة في إشكال كبير. (فَتَأَمَّل). في حين أنه في زمننا هذا تكون غيبة المهدي قد طالت قرابة ألف ومئتي عام وهو أمر عجيب جداً وخارج تماماً عن عادات من غاب، ولا يقبله عقل العقلاء من جهات مُتعدّدة.
نعم، إن إشكالات رسالة «أبي سهل النوبختي» هذه وسفسطاته أكثر مما ذكرنا، ولكنني لصعوبة الكتابة في هذه الأيام سأكتفي من تفنيد أباطيله بما ذكرته ولا شك لديَّ أنه لو قرأ شخص سائر كتب هذا العبد الفقير يعني التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» والتحرير الثاني لكتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» وكتاب «خرافات وفور در زيارات قبور» الذي يُشكّل الجزء الثاني من كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارت المزارات ونصوص الزيارات]، أو الكتابين القيمين لأخينا العالم الفاضل المرحوم «حيدر علي قلمداران» -أعلى الله مقامه- «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، و «راه نجات از شر غلاة» [طريق النجاة من شر الغلاة] ستتضح له بكل سهولة خدع «أبي سهل النوبختي» وأتباعه. لذا سأنتقل في الصفحات التالية إلى كشف خدع أحد معاصري النوبختي -وهو «ابن قِبَّة الرازيّ»- على نحو الاختصار، الذي يبدو أنه قد كتب رسائله أو بعضها قبل أن يكتب النوبختي كتابه «التنبيه»، ولعلّ النوبختي قد استفاد في مغالطاته من رسائل «ابن قِبَّة» وأخذها عنه. والعلم عند الله.
***
[439] وضعتُ هذا العنوان من عندي لأجل التوضيح. (المُتَرْجِمُ) [440] كما نجد أنه لما قال موسى (ع): ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ١٢﴾ [الشعراء : ١٢] لم يقل الله تعالى له: إذن فاصمت ولا تقل شيئاً، بل قال له ولأخيه: ﴿قَالَ لَا تَخَافَآۖ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ ٤٦ فَأۡتِيَاهُ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ﴾ [طه: ٤٦، ٤٧]. (فَتَأَمَّل) [441] وهذا القول يستند إلى الرسالة 6 من نهج البلاغة. وحول مدلولات هذه الرسالة من الضروري مراجعة كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، ص 383. [442] ولأجل توعية للناس لدينا على وضع الأحاديث والروايات في كتب الحديث الشيعية ألَّفنا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» وكتاب «تضاد مفاتيح الجنان با قرآن». [443] كتب السيد عباس إقبال الآشتياني يقول: "إن الذي يَرْشَحُ من كتاب «فرق الشيعة» الذي بين أيدينا اليوم، والعبارات المنقولة عن النوبختي، هو أن فرقة الشيعة الإمامية انقسمت بعد رحيل الإمام الحسن بن علي العسكري إلى 14 فرقة، ولكن في تلك الأيام التي كان كل شخص فيها يقوم بإظهار مقالة حول موضوع الإمامة فيجمع حوله جماعة من الناس، وكان النزاع فيها على خليفة الإمام الحادي عشر لا يزال مستمراً، أُضيفت فرق أخرى جديدة لتلك الفرق الأربعة عشر بحيث أن المؤرّخ المسعودي صاحب «مروج الذهب» ذكر أن عدد فرقهم بلغ عشرين فرقةً وقد ذكر المسعودي في اثنين من مؤلَّفاته أي «المقالات في أصول الديانات» و«سرّ الحياة» مقالات تلك الفرق العشرين كلَّها". كتاب «خاندان نوبختي» [الأسرة النوبـختية]، ص 161. [444] أي الفترة بين 256 هـ إلى 320هـ، التي توالى فيها حكم الخلفاء العباسيين التالين (مع سنوات توليهم الخلافة): أبو العباس أحمد المعتمد 256هـ، أبو العباس أحمد المعتضد 279هـ، أبو محمد علي المكتفي 289هـ، أبو الفضل جعفر المقتدر 295هـ الذي استمر حكمه حتى 320هـ . (المُتَرْجِمُ) [445] إشارة إلى الخرافات التي جمعها الكُلَيْنِيّ في الأبواب 62 و63 و 64 من أصول الكافي. ومن اللازم مراجعة تعليقنا على أحاديث الأبواب المذكورة في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات من 398 إلى 403. [446] حول الآية 59 من سورة النساء من الضروري مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات 374، و417 إلى 419 (بحث في المُراد من «أُولِي الْأَمْرِ» الذين أوجب الله طاعتهم). [447] أيها القارئ المحترم! تأمل قليلاً في قول من يعتبر ثلاث سنوات مدة طويلة، ما عساه أن يقول عن مدة ألف ومئتي عام؟!! [448] حول كيفية وفاة الأئمة من الضروري مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الباب 130، الصفحة 660، حيث أتينا بكلام الشيخ المفيد والشيخ الطوسي اللذين قالا إنه ليس لدينا دليلٌ على أن حضرات الجواد والهادي والعسكري -عليهم السلام- قُتلوا أو ماتوا بالسم، وأن الأخبار التي تدل على قتلهم قيلت لأجل إثارة الناس وإرجافهم!! [449] راجعوا الصفحة 237 من الكتاب الحاضر. [450] راجعوا الصفحة 237 من الكتاب الحاضر. [451] في عُرفِ الشيعة الاثني عشرية يُطلق على الواقفية لقب: "الكلاب الممطورة"!! ويُقال لهم اختصاراً: الممطورة!. وأقول (المُتَرْجِمُ): «الممطورة»: الكلاب المبتلة بالمطر (كما في مجمع البحرين)، وذكر في المجمع أن سبب تسمية الواقفية بذلك "أن علي بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعضهما فقال له عليّ بن إسماعيل- وقد اشتد الكلام بينهما-: ما أنتم إلا كلاب ممطورة. أراد أنكم أنتن من جيف لأن الكلاب إذا أصابها المطر؛ فلزم الواقفية هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم". انتهى. (المُتَرْجِمُ) [452] نسأله: لو أخفوا جثمانه، و لم ير دفنه أحد من الناس، فماذا كنت تقول؟! [453] لاحظوا أنه يعتبر هنا مدة 150 عاماً مدة طويلة وذات أهمية تستدعي الانتباه إليها! فما عساه أن يقول اليوم بشأن غيبة طالت أكثر من 1200 عام؟! [454] ونسأله: لو كانت غيبته طويلةً طولاً يَخْرُجُ عن عادات من غاب، فماذا تقول؟!
اعلم أنَّ «محمَّد بْنَ عبدَ الرحمنِ بْنِ قِبَّةَ- بالقاف المكسورة و فتح الباء - الرازيّ أبو جعفر» كان من علماء الشيعة الإمامية المتقدِّمين ومُتكلِّميهم الكبار، وقد مدحوه كثيراً وأثنوا عليه حتى اعتبروه شيخ الإماميّة في عصره. وكان في بداية أمره من المعتزلة ثم صار إمامياً اثني عشرياً بعد ذلك!
كان «ابْنُ قِبَّةَ» على علاقة بأحد «آل نوبخت» هو «الحسن بن موسى النوبختي». وكان لتلك الأسرة مساعٍ قوية في إضعاف الإسلام وإثارة الفرقة بين طوائف المسلمين. ولا يُستبعد أن تكون أيادي «آل نوبخت» هي التي وسوست إلى «ابْنِ قِبَّةَ»، إما مباشرة أو على نحو غير مباشر، وحَرَفَتْه وأدَّت إلى اتِّصاله بـ «الحسن النوبختي». والله أعلم.
ولا يخفى بالطبع أن آراء «ابْنِ قِبَّةَ» لا تخلو من أقوال وآراء صحيحة جداً وموافقةٍ للقرآن وهي تستحق اهتمام الباحثين وتأمُّلهم. فمثلاً نجده يُصرّح قائلاً: "ومن ينحل للأئمَّةِ علمَ الغَيْبِ فهذا كُفْرٌ بالله وخروجٌ عن الإسلام عندنا."[456]. ويقول كذلك: "والغيبُ لا يعلمُهُ إلا اللهُ وما ادَّعاهُ لِبَشَرٍ إلا مُشْرِكٌ كافرٌ"[457].
ويقول أيضاً بشأن الأحاديث والروايات التي وضعها الغلاة لإثبات علم الأئمة بالغيب: "والإمام أيضاً لم يقف على كل هذه التخاليط التي رويت لأنه لايعلم الغيب وإنما هو عبد صالح يعلم الكتاب والسنة ويعلم من أخبار شيعته ما ينهى إليه"[458]. وقد وصف إثبات علم الغيب للأئمة بقوله: "... من الأباطيل من علم الغيب وأشباه ذلك من الخرافات". أي عدَّ هذا القول من الأباطيل والخرافات. (فتأمَّل جدَّاً).
إذن نلاحظ أن أحد مُتكلِّمي الشيعة القدماء والمُدافعين عن التشيع الإمامي كان يردُّ علم الأئمة بالغيب جملةً وتفصيلاً، وهذا يتوافق مع القول الذي نقلناه عن الطَّبْرَسِي مؤلِّف تفسير «مجمع البيان» في التحرير الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (فصل علم الغيب والمعجزات والكرامات في القرآن، ص 135). وكما نعلم فإن مثل هذه العقيدة [أي النفي القاطع لعلم الأئمة بالغيب] لم يعد لها مشترون كُثر بين علمائنا اليوم، بل معظم أهل المنابر يقومون بترويج الأكاذيب المروية في «الكافي» ونظائره من الكتب، وإشاعتها بين الناس! ولا يقلق أحد على عقائد الإسلام الصحيحة بل يهتم الجميع بإضفاء الصحة على عقائد الفرقة التي تُعجبهم أو الفرقة التي تدر عليهم منافع أكثر من غيرها!! وعندما أقوم ببيان العقائد الصحيحة كالتي ذُكِرَتْ أعلاه، بدلاً من أن يعتبرونني من شيعة عَلِيٍّ (ع) الصادقين، لا يتورَّعون عن محاولة اغتيالي أو سجني ولا عن كَيْلِ التهم الباطلة لي والافتراء عليَّ وإهانتي، ولكي يُبعدوا الناس عني ويجعلوهم يُسيئون الظن بي يُصوِّرون لهم كذباً وزوراً أنني عدوٌّ للأئمة عليهم السلام!!!
روى الشيخ الصَّدوق في كتابه «كمال الدين وتمام النعمة»[459] عدّة رسائل لابْنِ قِبَّةَ الرَّازي هي:
1- ردُّه على «علي بن بشار» الذي كان من القائلين بإمامة جعفر (أخي حضرة العسكري).
2- ردُّه على أحد الإمامية الذي سأل أسئلةً يطرحها المُعتزلة.
3- كتابه الذي ألَّفه في نقض كتاب «الإشهاد» الذي ألَّفه «أبي زيد العلوي» أحد علماء الزيدية.
وسنُبيِّن فيما يلي على نحو الاختصار نماذج من خدعه ومغالطاته التي جاءت في رسائله المذكورة، وقبل البدء في دراسة أقواله ونقضها يجب أن نعترف أن «ابْن قِبَّة» كان حقّاً أستاذاً ماهراً في الكذب والمغالطة والمصادرة على المطلوب ويفوق في هذه الأمور أبا سهل النوبختي بكثير، بل هو أستاذ له في هذه الأمور!
1- قال ابنُ بشَّار: ".... إذْ كان أهلُ الأصنام التي أحدها البدّ قد عكفوا على موجود وإن كان باطلاً؛ وهم [أي الإمامية القائلون بالمهدي الغائب المنتظر] قد تعلقوا بعدم ليس وباطل محض"!
وأجاب «ابنُ قِبَّةَ» عن ذلك قائلاً: "فإن قلت فأين ذلك [المهدي الغائب] دلونا عليه؟!! قلنا: كيف تحبون أن ندلكم عليه؟ أتسألوننا أن نأمره أن يركب ويصير إليكم ويعرض نفسه عليكم؟ أو تسألونا أن نبني له داراً ونحوله إليها ونعلم بذلك أهل الشرق والغرب؟ فإن رمتم ذلك فلسنا نقدر عليه ولا ذلك بواجب عليه!!"[460].
ونسأل ابن قِبَّة: بأيِّ دليل يجب عليك بوصفك مسلماً أن تدل الناس على الهادي الإلهي للأمة؟! ولو سألك أحد المخالفين قبل عدة سنوات -مثلاً في زمن حضرة الرضا أو الجواد أو الهادي أو ......- السؤال ذاته فبمَ كنت تُجيبه؟ إن مشكلتك لا تقتصر على إثبات وجود المهدي بل أنت لا تملك إجابة صحيحة حول إشكالية غيبته المُدَّعاة. والمشكلة الأخرى أنك تقول -دون دليل شرعي-: إن الإمام بعد رسول الله ص يجب أن يكون مصوناً من الخطأ ومعصوماً، في حين أنك تعترف بنفسك أن الإمام لا يعلم الغيب واحتمال وقوع الشخص الذي يفتقد العلم بالغيب في الخطأ احتمال وارد لا يُمكن نفيه. وكذلك تقول -دون دليل شرعي-: "إن إمام المسلمين يجب أن يكون ابناً للإمام الذي قبله!![461] وبما أن حضرة العسكري لم يكن له ابنٌ اضطررت أن تخترع له ابناً غائباً ثم تخترع لهذا الابنِ عمراً متطاولاً على نحو غير مألوف وخارج عن العادة! ولكن حتى الزمن الذي كانت مُدَّة غيبته فيه لا تزال لم تتجاوز الحدّ العادي لم تتكلم عن عمره غير العادي كما أنك لم تكن تقل شيئاً حول ضرورة أن يُثبت بُنُوَّتَه للحسن العسكري (ع) بواسطة معجزة، وذلك لأن الأئمة السابقين -خلافاً للمهدي- لم يُصبحوا أئمة بواسطة إظهار معجزة بل بواسطة التعريف بكل واحد منهم مِنْ قِبَلِ أبيه، لكن حضرة العسكري لم يُعرِّف الأمة بالمهدي اللهم إلا بادِّعاء بضعة أشخاص من الضعفاء والأفراد الذين لا اعتبار لروايتهم، وحتى لو كان للعسكري ابنٌ فإنه لم يكن يمتلك الأهلية للتصدي لمقام زعامة الأمة وإمامتها لأنه كان طفلاً غير بالغ حين وفاة أبيه!![462] (فَتَأَمَّل)
2- قال «ابنُ قِبَّةَ» في معرض ردِّه على «أبي زيد العلويِّ» صاحب كتاب «الإشهاد»[463]:
"وأعجب من هذا قوله: [أي قول أبي زيد العلوي الزيدي صاحب كتاب «الإشهاد»]: حتى انتهوا إلى الحسن فادَّعَوا له ابناً وقد كانوا في حياة علي بن محمد وسموا للإمامة ابنَه محمداً إلا طائفة من أصحاب «فارس بن حاتم»[464] وليس يحسن بالعاقل أن يشنع على خصمه بالباطل الذي لا أصل له.
والذي يدل على فساد قول القائلين بإمامة «محمد» [بن علي الهادي] هو بعينه ما وصفناه في باب إسماعيل بن جعفر لأن القصة واحدة وكل واحد منهما مات قبل أبيه، ومن المحال أن يستخلف الحي الميت ويوصي إليه بالإمامة وهذا أبين فساداً من أن يحتاج في كسره إلى كثرة القول!!"[465]. انتهى.
لاحظوا كيف يَكْذِبُ «ابنُ قِبَّةَ» صراحةً ولا يستحيي من ذلك. فالتاريخ شاهدٌ على أن ما قاله مُؤلِّف كتاب «الإشهاد» صحيحٌ تماماً، وطبقاً لما ترويه كتب الشيعة، كان عدد من الشيعة يعتقدون بإمامة «السيد محمد» ابن الإمام علي الهادي، وبعد انتشار خبر وفاة السيد محمد أثناء حياة أبيه أنكروا موته واعتبروه الإمام الغائب القائم وكانوا يقولون: لا يُمكن للإمام الهادي (ع) أن يقول قولاً غير صحيح وأن يُشير بالإمامة وبخلافته إلى شخص يُفارق الدنيا قبله!
والخدعة الثانية التي قام بها «ابْن قِبَّة» هنا قوله متجاهلاً: "ومن المحال أن يستخلفَ الحيُّ الميِّتَ ويوصيَ إليه بالإمامة"! إذ من البديهي أن مخالفيه لا يقولون مثل هذا القول بل الجميع يعلمون أن لا أحد يقول: إن حضرة الهادي (ع) عهد بالإمامة والخلافة من بعده لابنه «السيد محمد» بعد وفاته، بل يقولون إنه عهد إلى ابنه السيد محمد عندما كان ابنُهُ لا يزال حياً. هل من الممكن أن يكون «ابْن قِبَّة» قد عجز عن فهم موضوع بمثل هذا الوضوح؟!!
3- وقال «ابنُ قِبَّةَ» عن الإمامِ وَ حُجَّةِ الله على الأمَّة:
"والدليل على صِحَّةِ أَمْرِ أبيه أنَّا وإياكم مُجمعون على أنه لابُدَّ مِنْ رَجُلٍ من وُلْدِ أبي الحسن تثبت به حُجَّةُ اللهِ وينقطعُ به عُذْرُ الخَلْقِ وأن ذلك الرجل تلزم حجته من نأى عنه من أهل الإسلام كما تلزم من شاهده وعاينه!! [ونحن وأكثر الخلق ممن قد لزمتنا الحجة من غير مشاهدة]!!"[466]. انتهى.
فنسأل: كيف يُمكن للناس النائين أن يُطيعوا حُجَّة الله؟ مثلاً كيف يُمكن لأهالي كابُل أو مراكش أن يُطيعوا الإمام الساكن في المدينة؟! (وقد سبق أن تكلمنا عن هذا الموضوع فيما مضى من الكتاب الحاضر).
4- ثم قال «ابنُ قِبَّةَ»:
"ونحن وأكثر الخلق ممن قد لزمتنا الحُجَّة من غير مشاهدة، فننظر في الوجه الذي لزمتنا منه الحُجَّة ما هي؟ ثم ننظر مَنْ أولى من الرجلين اللذَيْنِ لا عقب لأبي الحسن غيرهما؟ فأيهما كان أولى فهو الحُجَّة والإمام. ولاحاجة بنا إلى التطويل. ثم نظرنا من أي وجه تلزم الحجة من نأى عن الرسل والأئمة عليهم السلام فإذا ذلك بالأخبار التي توجب الحُجَّة وتزول عن ناقليها تهمةُ التواطؤ عليها والإجماع على تَـخَرُّصِهَا وَوَضْعِهَا، ثم فحصنا عن الحال فوجدنا [أي بعد حضرة الهادي] فريقَيْن ناقلَيْن يزعم أحدهما أن الماضي [أي الإمام الهادي] نصَّ على الحسن [العسكري] (ع) وأشار إليه، ويروون مع الوصية وما له من خاصة الكِبَرِ [أي كِبَرُ السِنِّ] [467] أدلةً يذكرونها وعِلْماً يُثبتونه[468]، ووجدنا الفريق الآخر يروون مثل ذلك لجعفر لا يقول غير هذا، فإنه أولى بنا، نظرنا فإذا الناقل لأخبار جعفر جماعة يسيرة والجماعة اليسيرة يجوز عليها التواطؤ والتلاقي والتراسل فوقع نقلهم موقع شبهة لاموقع حجة، وحجج الله لا تثبت بالشبهات. ونظرنا في نقل الفريق الآخر فوجدناهم جماعات متباعدي الديار والأقطار مختلفي الهمم والآراء متغايرين فالكذب لا يجوز عليهم لنأي بعضهم عن بعض ولاالتواطؤ (؟!!) ولاالتراسل والاجتماع على تخرُّص خبر ووضعه فعلمنا أن النقل الصحيح هو نقلهم وأن المحق هؤلاء "[469]. انتهى.
أقول: لِيُراجِع القارئ المحترم كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (البابان: 132 و 133، في الصفحات: من 633 إلى 669) لكي يتأكد من كذب «ابنِ قِبَّةَ» ويعلم حقيقة حال تلك الأحاديث التي يدافع عنها «ابنُ قِبَّةَ» ويمدحها ويدَّعي أنها «النقل الصحيح»!!
ثانياً: إن مشكلتنا حول المهدي أسوأ من هذا بكثير، لأن أتباع حضرة العسكري انقسموا بعد وفاته إلى 14 فرقة على أقل تقدير، واحدة منهم فقط كانت تُؤمن بالمهدي الذي هو ابنُ العسكري!! بناءً عَلَى ذَلك، لو صدق «ابْن قِبَّة» في قوله إنه سيتَّبِعُ النهج ذاته الذي توصل بواسطته إلى اكتشاف إمامة حضرة العسكري على حدّ قوله، لوجب عليه أن لا يؤمن بإمامة المهدي لأن أخبار المخالفين لذلك أكثر بكثير من أخبار الموافقين للمهدي، وكان المعتقدون بأن المهدي هو ابن العسكري أقلية قليلة جداً وأشخاص غير معتبرين، هذا بصرف النظر عن أنه حتى لو وُجد ذلك المهدي فإنه سيكون حينذاك طفلاً غير بالغ! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
والطريف أنه عندما وَجَدَ «ابْنُ قِبَّةَ» أنه لا يستطيع أن يطعن في وثاقة أحد الرواة كما أنه لا يستطيع في الوقت ذاته أن يقبل روايته لأنها لا تُوافق هواه، عمد إلى اختراع معنى آخر لروايته يتَّفق مع هواه!! فمثلاً لما قال الشيخ «سديد الدِّين علي بن أبي غانم الجواني»: -الذي اعتبره علماء الشيعة فقيهاً وأثنوا عليه ومدحوه- إنه يعتقد بإمامة «جعفر» [أخو الإمام العسكري] أَوَّلَ «ابْنُ قِبَّةَ» كلامه ذلك دون ذكر دليل على تأويله وقال: "فأمَّا ما حُكِيَ عن ابن أبي غانم رحمه الله فلم يُرِدِ الرَّجُلُ بقوله عندنا يثبت إمامة جعفر، وإنما أراد أن يُعْلِمَ السائلَ أن أهل هذه البيت لم يفنوا حتى لا يوجد منهم أحدٌ."[470]!!
ونسأل: لو أراد «أبو غانم» -الذي كان حسب قولك فقيهاً ومعتمداً ولا يُعاني من أيّ مشكلة في بيان مقصوده- أن يُبيِّن اعتقاده بإمامة جعفر فكيف كان عليه أن يُعبِّر عن ذلك حتى تقبل المعنى الذي يريده ولا تُحمِّله المعنى الذي يتَّفق مع هواك ورغبتك؟! إن هذا الأمر بحدِّ ذاته يدلنا على أن «ابْن قِبَّة» لم يكن صادقاً في ذلك البحث والتحقيق الذي ادّعى أنه قام به للتوصل إلى معرفة الإمام!!
بعد الخدع والمغالطات التي ذكرناها أعلاه أخذ «ابْنُ قِبَّةَ» بتلفيق بعض المطالب واستند لأجل تقوية كلامه إلى الآية 119 من سورة الأنعام المباركة التي توصي المؤمنين بعدم اتِّباع هوى النفس مُلوِّحاً أنه بريءٌ من اتِّباع هوى النفس في هذه المسألة!! ثم ذكر مسألة اختفاء النبيّ في غار ثور، التي أثبتنا في نقضنا لكتاب «التنبيه» للنوبختي (الفقرة 4) عدم ارتباطها أصلاً بمسألة غيبة المهدي. فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.
5- ثم قال «ابنُ قِبَّةَ» في معرض ردِّه على صاحب كتاب «الإشهاد»:
"وأما قوله: "إنهم ادَّعَوا للحَسَنِ وَلَدَاً" فالقوم لم يدَّعوا ذلك إلا بعد أن نقل إليهم أسلافهم حاله وغيبته وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث، وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر!"[471]. انتهى.
وأردف «ابنُ قِبَّةَ» مخاطباً «ابن بشار» بقوله:
"ثم نقول: وهذا أيضاً [أي المهدي] لم يَغِبْ حتى ملأ آباؤه عليهم السلام آذان شيعتهم بأن غيبته تكون وعرَّفوهم كيف يعملون عند غيبته....."، ثم قال: وحُجّةٌ أخرى نقول لك يا أبا الحسن: أَتُقِرُّ أن الشيعة قد روت في الغيبة أخباراً؟! فإن قال: لا، أوجدناه الأخبار، وإن قال: نعم، قلنا له: فكيف تكون حالة الناس إذا غاب إمامهم؟ فكيف تلزمهم الحجة في وقت غيبته؟ فإن قال: يقيم من يقوم مقامه؛ فليس يقوم عندنا وعندكم مقام الإمام [أي المعصوم] إلا الإمام [أي المعصوم]، و إذا كان إماماً قائماً[472] فلا غيبة...... الخ"[473].
لقد كذب «ابْنُ قِبَّة» هنا عدَّةَ كِذْباتٍ: الأولى أن أهل التحقيق - على الأقل - يعترفون اليوم أن الأحاديث التي عَرَّفَتْ بجميع الأئمة الاثني عشر لم تصدر عن الرسول والأئمة - عليهم السلام - بل تم وضعها في زمن لاحق، وكان الأئمَّة عليهم السلام وأصحابهم المقرّبين جاهلين بتلك الأحاديث والنصوص الموضوعة[474]، وأنت بدلاً من إبراز دليل ومستند موثوق تُحيلنا إلى سند غير مُعتبر لا يُثبت مسألةً! كما أن أحاديث أهل السنة لا تشمل ابنَ حضرة العسكري!
ثم إنه ليس لدينا أيُّ حديث مُعتبر عن أجداد المهدي يذكر شيئاً عن وظيفة المؤمنين وتكليفهم الشرعي سوى ضرورة انتظار الفرج. (فَتَأَمَّل)
ثالثاً: الأحاديث التي رُويت عن أمير المؤمنين علي ÷ أو حضرات الصادقَيْن -عليهما السلام- عن القائم -كحديث لوح جابر أو الأحاديث التي نصَّت على أسماء الأئمة الاثني عشر جميعهم- أحاديث موضوعة قطعاً، إذْ لم يكن الأئمةُ ولا أصحابُهم يعلمون من قبل من سيكون الإمام من بعدهم، ولذلك نجد أن حضرة الصادق وحضرة الهادي عهدا بالإمامة من بعدهما لأحد أبنائهما فلما تُوفي الابنان قبل وفاة أبويهما عهدا بالإمامة إلى ابن آخر من أبنائهما ولو كانا يعلمان من قبل أسماء الأئمة جميعهم لَمَا وقعا في ذلك!![475] خاصة أن التاريخ يشهد على وقوع انشقاقات وانقسامات مُتعدِّدة بين شيعة كل إمام من الأئمة بعد وفاته، الأمر الذي يُثبت أنه لم يتمّ تعريف الأمة من قبل بأسماء جميع الأئمة، كما أن هناك أحاديث كثيرة تدل على أن أصحاب بعض الأئمة لم يكونوا يعرفون من سيخلف إمامهم في الإمامة، فقوله إن "آباء المهدي ملؤوا آذان شيعتهم بأن غيبته تكون وعرَّفوهم كيف يعملون عند غيبته" كذب محضٌ.
رابعاً: حتى بين تلك الأخبار الموضوعة نجد كثيراً منها يتعلّق بقائم غير الابن الموهوم لحضرة العسكري[476]، ومع ذلك قام مُحدِّثونا بعرض تلك الأحاديث على العوام بوصفها أحاديث تثبتُ المهدي!! (فَتَأَمَّل جدَّاً)
خامساً: حول كذب «ابْنِ قِبَّةَ» نسأل السؤال التالي: لم يكن الأئمة هم الذين بيَّنوا التكليف الشرعي للمأمومين في زمن الغيبة، بل الذي حدَّد ذلك هو «أبُو جَعْفَر مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ العَمْرِيُّ» من خلال التوقيعات التي كان يُصدرها، والتي جعل فيها الرواة غير المعصومين لأحاديث الأئمة خلفاء -عَمَلِيَّاً- للأئمة المعصومين!! فقل لنا: هل صدق «العَمْرِيُّ» فيما قاله أم كان كاذباً؟ إن قلت: صدق، فنسألك: "ألست تقول ليس يقوم عندنا مقام الإمام المعصوم إلا إمام معصوم" وعلى هذا الأساس أصررت على ضرورة أن يكون لحضرة العسكري (ع) ابناً كي لا تنقطع سلسلة المعصومين، فكيف يُمكن لغير المعصوم أن يُلبِّي حاجة المؤمنين إلى الهداية في زمن الغيبة وأن يُقيم حُجَّة الله عليهم؟! وإن قلت: إن «العَمْرِيَّ» كذب، فعليك أن تُحدِّد التكليف الشرعي للمأمومين طيلة ألف ومئتي عام بعد وفاة حضرة العسكري!! وذلك لأن مصير حوالي خمسين مليون إنسان في بلادنا اليوم أصبح مرهوناً بتصرف فقيه غير معصوم يعتقد لنفسه «ولايةً مطلقةً» -نعوذ بالله تعالى-!!! ويُخالف رئيس جمهوريةٍ يعتبر أن حدود صلاحيات «ولي الأمر» هي حدود الفقه لا غير! ولا شك أن لك ولنظائرك دور في إيجاد مثل هذا الوضع الذي هو ظُلْمٌ لِدِينِ اللهِ حَقَّاً.
6- وكتب «ابنُ قِبَّةَ» في رسالته الثانية حول إثبات «الغَيْبَةِ» يقول:
"قالوا [أي المعتزلة] لو كان الحسن بن علي (ع) قد نصَّ على من تدَّعون إمامته لسقطت الغيبة [أي لأن الجميع عندئذٍ سيكونون قد عرفوا مَن هو خليفة الحسن العسكري]. والجواب في ذلك أن الغيبة ليست هي العدم فقد يغيب الإنسان إلى بلد يكون معروفاً فيه ومُشَاهداً لأهله ويكون غائباً عن بلد آخر، وكذلك قد يكون الإنسان غائباً عن قوم دون قوم وعن أعدائه لا عن أوليائه؛ فيُقال إنه غائب وإنه مستتر. وإنما قيل غائب لغيبته عن أعدائه وعمَّن لا يوثق بكتمانه من أوليائه وأنه ليس مثل آبائه (ع) ظاهراً للخاصَّة والعامَّة، وأولياؤه مع هذا ينقلون وجوده وأمره ونهيه، وهم عندنا ممن تجب بنقلهم الحجة إذا كانوا يقطعون العذر لكثرتهم واختلافهم في هممهم ووقوع الاضطرار مع خبرهم، ونقلوا ذلك كما نقلوا إمامة آبائه (ع).... الخ"!!.[477] انتهى.
وكرَّر «ابنُ قِبَّةَ» كذبه الفاضح الواضح هذا في رسالته الثالثة - أي ردِّه على كتاب «الإشهاد» إذ قال:
"والجواب عما سأل أن الإمام لم يستتر عن مسترشديه إنما استتر خوفاً على نفسه من الظالمين!!! "[478]. انتهى.
في حين أنه هو نفسه يعلم أن لا أحد يستطيع الوصول إلى المهدي في فترة غيبته الكبرى لا من مخالفيه ولا من موافقيه ولا حتى مجتهدي الشيعة، ومن حيث الأساس والمبدأ الفرق بين الغيبة الصغرى والكبرى هو أنه في مُدَّة الغيبة الصغرى كان هناك عدد معدود من الأفراد -رغم أنهم غير موثوقين- يدَّعون اتِّصالهم بالمهدي، على عكس الحال في مُدَّة الغيبة الكبرى التي لم يعد أحد فيها يرى المهدي ولا يستطيع الاتِّصال به والوصول إليه، ولهذا السبب تمت إحالة الشيعة إلى رواة أحاديث الأئمَّة، وإلا فلو كان هناك عدد من أصحاب المهدي قادرون على الاتِّصال به في عهد الغيبة الكبرى لَمَا بقي هناك فرق بين الغيبتين الصغرى والكبرى ولقام أولئك الأفراد بإيصال أخبار المهدي وفتاويه وتوصياته لسائر الشيعة ولَمَا بقيت هناك حاجة في إرجاع الناس إلى رواة أحاديث الأئمة السابقين.
ثم بلغ «ابنُ قِبَّةَ» القمَّة في الكذب حين قال بوقاحة تامَّة [خلال نقضه لكتاب «الإشهاد» لأبي زيد العلوي]:
"وأما قوله: وما بال الإمام في تقية من إرشادهم وليس في تقية من تناول أموالهم والله يقول اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً؟؟ فالجواب عن ذلك إلى آخر الفصل يقال له: إن الإمام ليس في تَقِيَّةٍ من إرشاد من يريد الإرشاد، وكيف يكون في تَقِيَّةٍ وقد بيَّن لهم الحقَّ وحثَّهم عليه ودعاهم إليه وعلَّمهم الحلال والحرام حتى شُهِرُوا بذلك وعُرِفوا به؟!!"[479].
هذا في حين أن الأئمَّةَ السابقين لاسيما حضرات الصادِقَيْنِ -عليهما السلام- هم الذين بيَّنوا أحكام الحلال والحرام والطريقة الصحيحة لسير المجتمع الإسلامي وليس المهدي الذي لم يره أحد! وليس في أيدينا شيء عن المهدي سوى بضعة أحاديث معدودة نقلها لنا النواب على لسانه أو عدة توقيعات نسبوها إليه ولم يُشاهد أحد من الناس صدورها عنه بشكل مباشر. وأكثر تلك التوقيعات كانت لأجل مطالبة الناس بالأموال والوجوه الشرعية أو لعن بعض الوكلاء والنواب، ولم يأتِ فيها أيُّ فكرة أو موضوع لا سابقة له سوى توقيع إرجاع الناس إلى رواة أحاديث الأئمة السابقين. إن المهدي، بعد وفاة «عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيِّ» [النائب الرابع] أصبح خارجاً تماماً عن إمكانية وصول طالبي الإرشاد والهداية وسائر الناس إليه سواءً مباشرة أو عبر وسطاء، وَكَذِبُكَ يُثيرُ العَجَبَ حقَّاً!!
ولقد كرَّرَ «ابنُ قِبَّةَ» هذا الكَذِب مرَّات عديدةً، ومن ذلك قوله في معرض نقضه لكلام أبي زيد العلوي الزيدي صاحب كتاب «الإشهاد»:
"ولكن أخبرنا عن الإمام من العترة عندك من أي قسم هو؟ فإن قال: من المجاهدين؛ قيل له: فمن هو؟ ومن جاهد؟ ويعلم من خرج وأين خيله ورجله؟ فإن قال: هو ممن يعظ بالأمر والنهي عند إعواز الأعوان، قيل له: فمن سمع أمره ونهيه؟ فإن قال: أولياؤه وخاصته. قلنا: فإن اتبع هذا وسقط فرض ما سوى ذلك عنه لإعواز الأعوان وجاز أن لا يسمع أمره ونهيه إلا أولياؤه فأي شيء عِبْتَهُ على الإمامية؟ وَلِمَ أَلَّفْتَ كتابَكَ هذا؟ وَبِمَنْ عرَّضْتَ؟ وليت شعريَ وبِمَنْ قَرَّعْتَ بِآيِ القرآن وألزمته فرض الجهاد........ الخ "[480].
من البديهي أنه كان باستطاعة العالم الزيدي -على الأقل- أن يُري لـ«ابْن قِبَّة» شخصاً ظاهراً -ولو بغير وجه حق- بوصفه إماماً، ويذكر له مكانه، كما أن «ابْن قِبَّة» ذاته كان قادراً على فعل ذلك إلى ما قبل وفاة حضرة العسكري، لكن المهدي، بناءً على آخر توقيع صدر عنه أو نُسب إليه، أصبح خارجاً تماماً عن إمكانية وصول حتى مُحبِّيه وأصدقائه إليه (ولولا ذلك لَمَا أُرجع الناس إلى رواة أحاديث الأئمة السابقين) ولم يعد أمره ولا نهيه يصل إلى أحد من الناس بما في ذلك المجتهدين!! فلماذا تكذب؟ والآن نحن نُوجّه لك الأسئلة ذاتها التي تسألها ونسألك: أين إمامك؟ مَنْ مِنْ أصحابه رآه وسمع منه مسألةً؟ ولماذا لا يظهر اليوم مع أن مُؤيِّديه وأنصاره في إيران يُبْدُونَ شَوقَهُم الشديد إلى ظهوره ويدعون الله لأجل ذلك ليل نهار، كي يُبلِّغ مسؤولي البلاد على الأقل الذي هم من مُريديه أمره ونهيه وإرشاده؟!!
وينبغي أن نعلم أن نقاشنا مع «ابْن قِبَّة» ونظائره، بمعزل عن مسألة عدم ثبوت وجود المهدي، هو في مسألة الغيبة الكبرى بحدّ ذاتها التي كتب عنها «عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيُّ» في آخر توقيع أصدره عن قول المهدي، يقول: "..... يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيّ! ............ سَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَنِ ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ"[481].[482] وأرجع الناس في فترة الغيبة الكبرى إلى رواة أحاديث الأئمة! فقل لنا الآن: هل كذب عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيّ فيما كتبه؟ أم أنك تكذب في قولك: إن أصدقاء المهدي ينقلون وجوده وأمره ونهيه لك ولأمثالك؟! وكيف يُمكنهم أن يُخبروا عن إمام غير مرئي وينقلوا لنا أقواله؟!! ومن أين لك أن تعلم على وجه اليقين أن الذين ادَّعوا الصلة بالمهدي في عهد الغيبة الكبرى كانوا صادقين حقيقةً؟!
ثم إن المعنى الذي جعله «ابْنُ قِبَّةَ» للغَيبَة، لا علاقة له بموضوع بحثنا على الإطلاق، لأنه من البديهي -كما قلنا مراراً - أنه عندما يكون الشخص في مصر مثلاً أو في المدينة، يكون غائباً عن المدن الأخرى كمَدْيَن أو كنعان (فلسطين) أو مكَّة، وإذا كان في مَدْيَن أو في الطائف كان غائباً عن مصر أو كنعان أو مكَّة أو المدينة، وهكذا....، وكذلك الذي يكون حاضراً لدى أوليائه وأحبائه فقط، يكون غائباً عن أعدائه بالطبع، والعكس بالعكس. ولا حاجة أصلاً لذكر مثل هذا الأمر البديهي. لكن نقاشنا هو بشأن شخصٍ، ليس أنه لا يوجد أي خبر عنه خلال ألف ومئتي عام فَحَسَبْ، بل حتى معظم أصدقاء أبيه وأتباعه، أي 13 فرقة من أصل 14، لم يكونوا يعتقدون بوجود مولودٍ لأبيه، ولا يعرفون مثل ذلك الولد، ولم يخبر أحدٌ عن وجود مثل ذلك الولد سوى بضعة أفراد غير موثوقين. وثانياً: ما أخبر عنه أولئك الأفراد القلائل هو وجود طفلٍ غير بالغ ليس مؤهَّلاً لإمامة الأمة وإرشادها، في حين أنك تقول إن الأمة بحاجة دائمة إلى إمام معصوم «لا يسهو ولا يغلط»! مع أن الإمام إذا لم يعلم الغيب[483]، فإن احتمال السهو بشأنه واردٌ غيرُ مُنْتَفٍ!.
7- ويُشْكِلُ صاحبُ كتاب «الإشهاد» على الإمامية قائلاً :
"ثم قال صاحب الكتاب [أي كتاب الإشهاد]: ويُقَال لهم [أي للإمامية]: لِمَ استتر إمامكم عن مسترشده؟ فإن قالوا: تقيَّةً على نفسه؛ قيل لهم: فالمسترشد أيضاً يجوز له أن يكون في تقيَّةٍ من طلبه لا سيما إذا كان المسترشد يخاف ويرجو ولا يعلم ما يكون قبل كونه، فهو في تَقِيَّةٍ، وإذا جازت التقية للإمام فهي للمأموم أجْوَزُ. وما بال الإمام في تقيَّةٍ من إرشادهم وليس هو في تقيَّةٍ من تناول أموالهم؟ والله يقول: ﴿ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسَۡٔلُكُمۡ أَجۡرٗا﴾ [يس: ٢١]، وقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٤]، فهذا مما يدلُّ على أن أهل الباطل عرض الدنيا يطلبون، والذين يتمسكون بالكتاب لا يسألون الناس أَجْراً وهُمْ مُهْتَدُونَ..."[484]. انتهى.
لاحظتم في الصفحات السابقة نماذج لأكاذيب «ابْنِ قِبَّةَ» الصريحة، ولكنكم سترون هنا أغرب النماذج لخروج «ابْنِ قِبَّةَ» عن موضوع النقاش وتهرُّبه من الإجابة الصريحة وخداعه وتضليله، حقاً إنه قد سبق في قدرته على الخداع والتمويه آل نوبخت - ومنهم «أبي سهل النوبختي» - بمراحل بعيدة! إنه يقول ردَّاً على هذا الإشكال الأخير الذي طرحه صاحب كتاب «الإشهاد»:
"و الجواب عما سأل: أن الإمام لم يستتر عن مسترشده إنما استتر خوفاً على نفسه من الظالمين. فأما قوله: فإذا جازت التقية للإمام فهي للمأموم أجوز، فيُقَالُ له: إن كنتَ تريد أن المأموم يجوز له أن يتقي من الظالم ويهرب عنه [ويغيب] متى خاف على نفسه كما جاز للإمام فهذا لَعَمْرِي جائزٌ!! وإن كنتَ تريد أن المأموم يجوز له أن لا يعتقد إمامة الإمام [المعصوم] للتَقِيَّةِ فذلك لا يجوز إذا قَرَعَتْ الأخبار سَمْعَهُ وقَطَعَتْ عُذرَه، لأن الخبر الصحيح يقوم مقام العيان وليس على القلوب تَقِيَّةٌ، ولا يعلم ما فيها إلا الله"[485]. انتهى.
لاحظ أيها القارئ المحترم كيف انحرف «ابنُ قِبَّةَ» عن موضوع البحث واخترع من عند نفسه تفسيراً لكلام المعترض (أبي زيد العلوي الزيدي) ثم أجاب عمَّا لفَّقه نفسه من تفسيرٍ لكلام مخالفه؟!! إن «ابْنَ قِبَّةَ» نفسه يعلم أفضل من غيره أن لا أحد تحدَّث عن التَّقِيَّةِ القَلْبِيَّةِ لأنه قول لا معنى له، لكنه لم يتورَّع عن ذكر مثل هذا القول المهمل ليحرف أذهان مُخاطَبيه مع أنه يعلم أن التَّقِيَّةَ القَلْبِيَّةَ سالبة بانتفاء الموضوع، وكما قال هو نفسه لا أحد يعلم ما في صدور العباد سوى الله تعالى، وَمِنْ ثَمَّ إن كانت في قلب إنسانٍ عقيدةٌ ما ولم يُظْهِرْها فلن يطلع أحدٌ على عقيدته، حتى تأتي النوبة إلى موضوع التَّقِيَّةِ أو عدم التَّقِيَّةِ.
إن قصد صاحب كتاب «الإشهاد» هو أنه بناء على ما تقولونه [معشر الإمامية] من أنه يجوز للإمام المعصوم المنصوب وهادي الأمة مِنْ قِبَلِ الله أن يترك هداية الأمَّة خوفاً على حياته، و يغيب عن أنظار الناس بشكل كامل، ويصبح خارجاً تماماً عن إمكانية الوصول إليه، فإنه سيكون من الجائز أيضاً على المأموم أن لا يبحث عن الإمام المعصوم تَقِيَّةً، كي لا يوقع نفسه في المخاطر والمهالك!! لكن «ابْنَ قِبَّةَ» تجاهل مثل هذا الإشكال الواضح تماماً وأتى بكلام لم يكن بأي وجه من الوجوه مقصوداً للسائل، فقال: نعم لَعَمْرِي متى خاف المأموم على نفسه جازت له التَقِيَّةُ كما جازت للإمام!! وانطبق عليه البيت القائل:
از كرامات شيخ ما اين است كه شكر خورد و گفت شيرين است!
أي:
من كرامات شيخنا أنه أكل السكر وقال إنه حُلْوُ الطعم!
في الواقع إشكال المخالفين أن هادي الأمة الذي نصبه الله لأجل إرشادها لا يجوز له أن يختفي ويغيب ويُصبح خارج متناول الناس بشكل تام حتى لو كانت حياته عُرضة للخطر لأن وظيفته ليست سوى إبلاغ أحكام الله وتطبيق شريعته، وإلا لو جاز الاختفاء والغياب بسبب الخوف على الحياة لوجب أن يغيب الأنبياء في بداية دعوتهم التي كانوا فيها أكثر وحدة وعُرضة للخطر من الأئمة، مع أن الأنبياء كانوا يُبلِّغون الحق رغم الأخطار المُحيطة بهم والمُهدِّدة لحياتهم إلى درجة أن بعضهم استُشهد في هذا السبيل أو كاد أن يستشهد، كما نجد أن حضرة إبراهيم (ع) أُلقي في النار ومع ذلك لم يتوقف عن دعوة الناس في السر والعلن، كما أن حضرة موسى (ع) رغم أنه كان ملاحقاً في مصر وكان عُرضة لخطر القتل بشكل قوي جداً لكنه رغم ذلك لم يمتنع من العودة إلى مصر والدعوة فيها، فلو كان الإمام المعصوم مُتَّبِعاً لسنة الأنبياء وسائراً على منهجهم فلا يجوز له أن يختفي ويتوارى بحُجَّة المحافظة على حياته بدلاً من قيامه بإرشاد الأمة وهدايتها وتبليغ دين الله. وعلى فرض أن مثل ذلك التصرف يجوز في حق الإمام الذي تحتاج الأمة كلها إلى هدايته، فسيكون أكثر جوازاً بالنسبة إلى المأموم الذي لا يتمتع بمثل ذلك الوضع [أي لا تحتاج الأمة إلى هدايته] فيجوز له أن يبتعد عن الأخطار ولا يبحث عن الإمام وأن لا يقوم بواجب الأمر بالمعروف (معرفة الإمام) والنهي عن المنكر (اتِّباع الإمام والحاكم بغير حق)، وأن لا يُظهر عقيدته الصحيحة! وفي هذه الحالة عندما يختفي الإمام بشكل تام ويُصبح كالمعدوم ويختفي المأموم كذلك، لا يبقى في الميدان حق ولا حقيقة، وفي الواقع يُصبح هذا الوضع بمثابة انتهاء الإمامة المعصومة وانعدامها في المجتمع!! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
وفي معرض ردِّه على السؤال المُهِمّ الذي وجَّهه صاحب كتاب «الإشهاد» إلى الإمامية قائلاً: "وما بال الإمام في تقيَّةٍ من إرشادهم وليس هو في تقيَّةٍ من تناول أموالهم؟"سأل «ابْنُ قِبَّةَ» صاحبَ «الإشهاد» قائلاً:
"ويُقَال لصاحب الكتاب: أخبرنا عن الإمام منكم إذا خرج وغلب، هل يأخذ الخمس؟ وهل يجبي الخراج؟ وهل يأخذ الحق من الفيء والمغنم والمعادن وما أشبه ذلك؟ فإن قال: لا فقد خالف حكم الإسلام، وإن قال: نعم، قيل له: فإن احتج عليه رجل مثلك بقول الله عز وجل: ﴿ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسَۡٔلُكُمۡ أَجۡرٗا﴾ [يس: ٢١] وبقوله ﴿إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ﴾ [التوبة: ٣٤]، بأي شيء تجيبه حتى تجيبك الإمامية بمثله.."[486]. انتهى.
لاحظوا أن «ابْنَ قِبَّةَ» طرح، خداعاً للسائل، فرضاً لم يُراعِ مثله في حق إمامه الموهوم!! فقد سأل: "إذا خرج إمامكم وغلب، هل يأخذ الخمس ويجبي الخراج والفيء والمغنم والمعادن وما أشبه ذلك أم لا؟". وهو يعلم أن جواب صاحب «الإشهاد» عن هذا السؤال سيكون الإيجاب قطعاً، لكنه تجاهل تماماً أن هذا الفرض لا يصح إلا إذا كان الإمام ظاهراً وقادراً ويقوم بجباية تلك الأموال في إطار قيامه بوظيفة إرشاد العباد وإدارة دفة حكم المسلمين وتلبية متطلبات المجتمع الإسلامي، فهو يجبي بالطبع الزكاة والجزية والخراج وخمس الغنائم الحربية عملاً بتعاليم الإسلام وأحكام الشرع ضمن قيامه بوظائف الإمامة لا أن عمله يقتصر على أخذ تلك الوجود الشرعية فقط لا غير دون أن يقوم بأي وظيفة أخرى من وظائف الإمامة!! لكن إشكال صاحب كتاب «الإشهاد» على الشيعة الإمامية هو: لماذا يقوم إمامكم، الذي لا يأخذ على عاتقه أي مهمَّة من مهام ووظائف إمامة وقيادة المجتمع الإسلامي كما هو مقتضى وظيفة الإمامة، ولا يدير شؤون المسلمين بيديه، ويمارس التقية فلا يقوم بواجب إرشاد العباد وهدايتهم، ولكنه رغم ذلك لا يُمارس التقية في أخذ الأموال ولا يكل هذا الأمر إلى حين ظهوره وتمكُّنه؟!! وقد تهرب «ابْنُ قِبَّةَ» عن الإجابة عن هذا الإشكال وأجاب عن إشكال لا مورد له افترضه من عند نفسه!!
ثانياً: الزيدية لا يأخذون الخُمس عندما يكون الحكم بأيديهم.
ثالثاً: رغم أن الخُمس يتعلَّق بغنائم الحرب فقط ولكننا لن نخوض هذا البحث هنا ونكتفي بالقول إن أئمَّتك وهبوا الخُمس لشيعتهم حتى ظهور المهدي وأعفوهم من دفعه[487]، فلماذا تنسى كل شيء عندما تُطرح مسألة المال؟ ولماذا لا يزال نواب إمامكم العامُّون يأخذون الخُمس من الناس وينطبق عليهم المثل: المَلِكُ وَهَبَ وَغُلامُ المَلِكِ لا يَهِبُ!!
رابعاً: أورد مُؤلَّف كتاب «الإشهاد» الآية 21 من سورة يس بشأن شخصٍ لا يملك الحكم بيده ولا يعمل إلا بالدعوة فقط، وقال إن الداعي الذي لا ينتظر مالاً من أحد أفضل من الداعي الذي يُطالب الناس بالمال وأدعى لثقة الناس به، لأن الداعي يقوم في الحقيقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو واجب ديني كالصلاة والصوم والحج ومن العبادات التي يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى ولا يجوز أخذ المال على أدائها. (فَلَا تَتَجَاهَلْ). بناءً عليه فلا علاقة بين كلام الشيخ الزيدي «أبي زيد العلوي» والحكومة الإسلامية وتقسيم الزكاة والخراج بين الفقراء والمساكين في المجتمع. هل من المعقول أن «ابْنَ قِبَّةَ» لم يفهم هذه الأمور الواضحة إلى هذه الدرجة ولم يُدرك الفرق بين الإمام المتواري خلف ستار الغيبة التامة والذي لا أثر له بَيْن المؤمنين ولا عَيْن، وبين الإمام الممسك بزمام أمور الحكم والذي يحتاج إلى المال لإدارة دفة أمور المجتمع وتأمين حاجة الفقراء والمساكين وحفظ الحدود وحماية الثغور وإصلاح الطرق وبسط الأمن .......الخ؟!!
خامساً: لم نذكر الآية 34 من سورة التوبة لإمامكم أيضاً بل ذكرناها لأجل أمثالك ممن يأخذون المال من الناس باسم الإمام ويبيعونهم مقابل ذلك الخرافات والمغالطات والتفرقة المذهبية!!
سادساً: أما قولك: «إنا نعمل بالكتاب والسنة» فنسألك: قل لنا من فضلك في أيِّ موضع من كتاب الله أمر الله بأخذ الخُمس من الكاسب والتاجر والموظف والطبيب و.......، ومتى أخذ رسول الله ص وأمير المؤمنين علي ÷ الخُمس من كسب الناس وكدِّ يمينهم حتى تُطالب بالخُمس اتِّباعاً للكتاب والسنة بزعمك؟![488]
8- وقال «ابْنُ قِبَّةَ» مُدافعاً عن إمامة الابن الأكبر للإمام:
"إذا رأينا جماعات كثيرة في بلدان نائية متباعدة بعضها عن بعض يشهدون أنهم رأوا أن الأكبر منهما قد حمل ذلك، ووجدنا جماعة يسيرة في موضع واحد يشهدون أن الأصغر منهما فعل ذلك، ولم نجد لهذه الجماعة خاصة يأتوا بها، فلم يجز في حكم النظر وحفيظة الإنصاف وما جَرَتْ به العادة وصَحَّتْ به التجربة ردّ شهادة تلك الجماعات وقبول شهادة هذه الجماعة والتهمة تلحق هؤلاء وتبعد عن أولئك"[489].
هنا انتبه «ابْنُ قِبَّةَ» إلى أن كلامه هذا يستتبع إشكالاً واضحاً يمكن لمخالفيه أن يطرحوه عليه وهو قولهم: إذاً كيف أعرضتم يا معشر الإمامية عن قول أكثرية مؤمني صدر الإسلام الذين قبلوا بإمامة أبي بكر وزعامته، ورجَّحْتُم قول الأقلية؟! فقال مستدركاً:
"فإن قال خصومنا: فما تقولون في شهادة سلمان وأبي ذر وعمار والمقداد [القِلَّة] لأمير المؤمنين (ع)، وشهادة تلك الجماعات وأولئك الخلق [الكثيرون] لغيره [أي أبي بكر] أيهما كان أصوب؟ قلنا لهم: لأمير المؤمنين (ع) وأصحابه أمور خُصَّ بها وخُصُّوا بها دون من بإزائهم فإن أوجدتمونا مثل ذلك أو ما يقاربه لكم فأنتم المحقون: أَوَّلُـها: أن أعداءه(؟!!)[490] كانوا يُقِرُّون بفضله وطهارته وعلمه. وَقَدْ رُوِّينَا وَرَوَوْا لَهُ مَعَنَا أَنَّهُ ص خَبَّرَ "أَنَّ اللهَ يُوَالِي مَنْ يُوَالِيهِ وَيُعَادِي مَنْ يُعَادِيهِ"[491]. فوجب لهذا أن يُتَّبَعَ دون غيره.
والثاني: أن أعداءه (؟!!) لم يقولوا له نحن نشهد أن النبي ص أشار إلى فلان بالإمامة ونصبه حجَّةً للخلق وإنما نصبوه لهم على جهة الاختيار كما قد بلغك.
والثالث: أن أعداءه (؟!!) كانوا يشهدون على أحد أصحاب أمير المؤمنين (ع) أنه لا يكذب لِقَوْلِهِ ص: مَا أَظَلَّتِ الـْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ. فكانت شهادته وحده أفضل من شهادتهم.
والرابع: أن أعداءه (؟!!) قد نقلوا ما نقله أولياؤه مما تجب به الحجة وذهبوا عنه بفساد التأويل.
والخامس: أن أعداءه (؟!!) رَوَوْا فِي الْـحَسَنِ وَالْـحُسَيْنِ "أَنَّهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، وَ رَوَوْا أَيْضاً أَنَّهُ ص قَالَ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". فلما شهدا لأبيهما بذلك وَصَحَّ أنهما من أهل الجنَّة بشهادة الرسول ص وَجَبَ تصديقُهُما لأنهما لو كَذَبَا في هذا لم يكونا من أهل الجنَّة......الخ"[492].
ثم وجَّه «ابْنُ قِبَّةَ» سؤالاً لصاحب كتاب «الإشهاد» فقال:
"ويقال لصاحب الكتاب: هل تعرف في أئمة الحق أفضل من أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ فَمَنْ قَوْلُهُ لا، فيُقَالُ له: فهل تعرف مِنِ المُنْكَرِ بعد الشرك والكفر شيئاً أقبح وأعظم مما كان من أصحاب السقيفة؟ فَمَنْ قَوْلُهُ لا. فيُقَالُ له: فأنت أعلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد أو أمير المؤمنين (ع)؟ فلا بد من أن يقول أمير المؤمنين. فيُقَالُ له: فما باله لم يجاهد القوم؟؟ فإن اعتذر بشيء قيل له: فاقبل مثل هذا العذر من الإمامية فإن الناس جميعاً يعلمون أن الباطل اليوم أقوى منه يومئذٍ، وأعوان الشيطان أكثر، ولا تُهَوِّل علينا بالجهادِ وذِكْرِهِ فإن الله تعالى إنما فرضه لشرائط لو عرفتها لقلَّ كلامُكَ وقَصُرَ كتابُكَ ونسأل الله التوفيق."[493].
رحم الله المرحوم «قلمداران» رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين كل خير لتأليفه الكتاب الشريف «شَاهْرَاه اتِّحَاد» (بررسى نصوص امامت) [طَرِيق الاتِّحاد -دراسة نصوص الإمامة]، فقد قدَّم بكتابه هذا خدمة جليلة للمسلمين لاسيما لمن يُحبُّون عَلِيّاً (ع) حُبَّاً صادقاً، حتى لا يُخدعوا بالأقوال المشهورة التي رغم شهرتها فهي غير معتبرة ولا موثوقة، ومن جملتها ادِّعاءات «ابْنِ قِبَّةَ» الكاذبةِ هذه وأمثالها! ومن الواضح أنه لما كانت أيدي «ابْن قِبَّة» خالية من الدليل والمستند لجأ إلى الخدع والمغالطات، وإلا فإنه يعلم جيداً ما يلي:
أولاً: لم يكن أحد -لاسيما من المهاجرين والأنصار الذين مدحهم القرآن- يُنكر فضل عَلِيٍّ (ع) وطهارته وعلمه، كما أنهم كانوا يعلمون أن عَلِيّاً لا يُنكر أيضاً سوابق الصحابة الآخرين وجهادهم وفضلهم ونقاءَهم وعلمَهُم ولم يكن يعتقد أن الله لا يُحبُّ أحداً سواه. بل إنه (ع) لم يكن يعتقد أن المهاجرين والأنصار كانوا معادين له لأنه كان يعلم -حسب قولكم- أن عدوَّه عدوّ الله، وبالطبع لم يكن لِيُبايِعَ عدوَّ اللهِ الذي ارتكب أكبر ذنب بعد الشرك والكفر، كما لم يكن ليقبل عدوّاً آخر لِـلَّهِ صهراً له!
ثانياً: عندما قال مسلمو صدر الإسلام: إننا اخترنا أبا بكر للخلافة فإنهم قالوا ذلك بناءً على أن الخلافة تنال المشروعية من خلال تشاور أهل الحلِّ والعقد والمهاجرين والأنصار ثم مُبايعتهم للفرد المنتخب ورضاهم به، ولم يكونوا يعتقدون بنص شرعي من الله ورسوله على شخص مُحدَّد ونصب النبيّ ص له في مقام الحكم والخلافة، وكانت تلك أيضاً عقيدة أمير المؤمنين علي ÷ التي عبَّر عنها في احتجاجه على منافسيه حيث لم يُشر إلى كونه منصوصاً عليه ومنصوباً مِنْ قِبَلِ الله ورسوله لإمارة المسلمين وحكمهم[494]. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
ثالثاً: لا تدل شدَّة صدق «أبي ذرٍّ الغفاري» على كذب الآخرين! لأن ثبوتَ الشيء لا يفيدُ نفي ما عداه، ولو كان سائر الصحابة كاذبين لَمَا بايع عَلِيٌّ (ع) الكاذبين الذين تعدَّوا على أحد أصول الشريعة ولَمَا أثنى عليهم ومدحهم وأضفى المشروعية على حكمهم لأن مُبايعة مثل هؤلاء الكذابين المُفترضين أكبر إثم بعد الشرك والكفر، واحتمال مثل هذه العمل من حيدر الكرَّار (ع) غير وارد، كما أنه لن يكون هناك معنى عندئذٍ لقول حضرة الصادق (ع): إني أنتسِبُ إلى الكاذب الغاصب للحق الإلهي لجدِّي من طريقين!![495] (فَتَأَمَّل)
رابعاً: لماذا لم تذكر نموذجاً واحداً على الأقل من التأويلات الفاسدة التي زعمت أن مخالفيك يقومون بها للأخبار التي تدل على النصِّ عَلَى عَلِيّ (ع) مِنْ قِبَلِ الله ونصبه في مقام الخلافة والحكم، مع بيانكَ تأويلها الصحيح؟ كي يتبيَّن أن تفسيرك لهذه الأحاديث صحيح وتفسير المخالفين لك غير صحيح؟ ألا تعلم أن الادِّعاء المُجرَّد لا يُثبت شيئاً؟!
خامساً: لا شك ولا ريب أن كلام حضرات الحسنين -عليهما السلام- على عيننا ورأسنا ونحن أكثر شوقاً لقبول كلامهما منك، ولكن أين ومتى شهد ذينك الإمامين الجليلين على النص الإلهي على أبيهما ونصب الله له في مقام حكم المسلمين وخلافة رسول الله ص، ولماذا لم يُثبت الكُلَيْنِيّ شهادتهما هذه؟! كما أنك لم تُبرز لنا أيَّ سند ودليل على ادِّعائك هذا!! إن كنت صادقاً فيما تقول يا جناب الشيخ «ابْنِ قِبَّةَ» فلماذا لم يكن لابن حضرة المُجْتَبَى (ع) أيُّ علم بهذا الموضوع؟! فقد سأل رجلٌ الحسنَ المُثَنَّى بن الحسن المُجْتَبَى (ع): ألم يقل رسول الله ص: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: بلى، والله لو عنى بذلك الإمارة والسلطان لأفصح لهم بذلك فإن رسول الله ص كان أنصح للمسلمين, ولقال: يا أيها الناس! هذا ولي أمركم والقائم عليكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا. (ثم أضاف): والله لئن كان اللهُ ورسولهُ اختارا عليَّاً لهذا الأمر وجعلاه القائم للمسلمين من بعده، ثم ترك عليٌّ أمرَ اللهِ ورسولِهِ لكان عليٌّ أعظمَ الناس خطيئةً وجُرماً في ذلك[496] "!! [497]
سادساً: نحن أيضاً نسأل «ابْنَ قِبَّةَ»: هل أنت أعلم بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم حضرة سيد الشهداء -عليه آلاف التحية والثناء-؟! فلماذا لم يُبايع الحسينُ يزيداً رغم الكثرة الواضحة لجنود يزيد بل أقدم على مجاهدتهم وقتالهم؟ لقد كان الإمام الحسين (ع) أعلم منك قطعاً بشروط الجهاد وأحكامه وكان يعلم أن عدم جهاد أبيه الكريم للخلفاء الذين سبقوه كان له علّة أخرى، وكان يعلم أفضل منك أن أباه الكريم ليس أنه لم يُجاهد أولئك الخلفاء فحسب بل بايعهم وأعطى لخلافتهم المشروعية.
إن بيعة عَلِيّ (ع) لأبي بكر وعمر ومدحه إياهما أفضل دليل على أن عمل أصحاب السقيفة وعمل شورى الأشخاص الستة بعد عمر لم يكن بأيِّ وجه من الوجوه مخالفاً للشرع لأن عَلِيّاً لا يُشارك في عمل مخالف للشرع. من البديهي أن بيعة التلميذ الأول لمدرسة رسول الله ص للخلفاء الراشدين امتياز وافتخار كبير لهم لم يتمتع به أيُّ خليفة أو حاكم في عالَم الإسلام سواهم. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
سابعاً: لو أن رسول الله ص نصب عَلِيّاً بأمر من الله حاكماً على المسلمين وخليفةً له مباشرةً عليهم ونزلت آية في هذا الأمر ثم تعدّى أبو بكر وعمر هذا الحكم الإلهي الصريح واتَّخذوه ظهرياً لكان عملهما هذا إثم كبير قطعاً يصل إلى مرتبة ليست أقل من الكفر، ومَنْ الذي لا يعلم أنه لا تجوز مُبايعة الكافر ولا طاعته؟ (فَلَا تَتَجَاهَلْ). فقل لنا بربِّك: كيف بايع عَلِيٌّ الكفار وأطاعهم وقال عن عمر: ".... فلما احتضر [أبو بكر] بعث إلى عمر فولَّاه فسمعنا وأطعنا وبايعنا وناصحنا... إلى آخر الكتاب"[498].
9 - وقال «ابْنُ قِبَّةَ»:
"فأقول وبالله الثقة: الدليل على أن الإمامة لا تكون إلا لواحد أن الإمام لا يكون إلا الأفضل والأفضل يكون على وجهين إما أن يكون أفضل من الجميع أو أفضل من كل واحد من الجميع، فكيف كانت القصة فليس يكون الأفضل إلا واحداً، لأنه من المحال أن يكون أفضل من جميع الأمة أو من كل واحد من الأمة، وفي الأمة من هو أفضل منه؛ فلمَّا لَمْ يَجُزْ هذا وصَحَّ بدليل تعترف الزيدية بصحته أن الإمام لا يكون إلا الأفضل صحَّ أنها لا تكون إلا لواحد في كل عصر....الخ"[499].
مرَّة أخرى يُغالط «ابْن قِبَّة» ويُكرِّر الخلط بين معنيين للإمام: فَإِنْ كانت الإمامةُ بمعنى إرشاد الناس وهدايتهم وتعليمهم القرآن والسنة، كما قلنا، فإنها عندئذٍ لن تكون منحصرة بأسرة خاصة وعدد محدود من الأفراد، وإن كانت بمعنى الإمارة والرئاسة واستلام زمام الأمور فهي تعتمد على الانتخاب والاختيار بعد تشاور المؤمنين، فلو وُجِدَ سَيِّدٌ شريفٌ عالمٌ أعلم من جميع علماء عصره لكن المؤمنين لم يختاروه ولم يُبايعوه لم يُعَدَّ إماماً مشروعاً. ولهذا السبب نرى أن عَلِيّاً (ع) بايع الخلفاء الذين اختارهم المؤمنون وبايعوهم. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
10 - وقال «ابْنُ قِبَّةَ»: "إذْ كان الناس محتاجين في كل عصر إلى من يكون خَبَرُهُ لا يختلف ولا يتكاذب، كما اختلفت أخبار الأمة عند مخالفينا هؤلاء وتكاذبت.."!! [500].
هذا الكلام يدل على أنَّ «ابْنَ قِبَّةَ» لم يكن أقلَّ من «أبي سهل النوبختي» في الوقاحة والكذب أبداً، إذْ إنه يعلم جيداً أنه عندما يَعْتَبِرُ اختلافَ أئمَّةِ مخالفيه في أقوالهم دليلاً على عدم صحة عقائدهم، فإن حال أئمة الشيعة في وجود اختلاف بين أقوالهم وأفعالهم لا يختلف عن ذلك أيضاً، وقد اضطر الكُلَيْنِيّ بسبب اختلاف أقوال الأئمة الاثني عشر وأفعالهم إلى الإتيان بأحاديث الباب 119 في الكافي[501]. وقد وصل موضوع الاختلاف في أقوال الأئمَّة إلى حدّ أن الشيخ الطوسي اعترف أن إحدى أكبر الانتقادات التي وُجِّهَتْ إلى الشيعة هي أن أحاديثهم يُناقض بعضُها بعضاً ولا يوجد خبرٌ دون أن يكون هناك خبرٌ آخر يُناقضه، ولا روايةٌ لا توجد روايةٌ أخرى تُخالفها!! وقد ألَّف كتابه «الاستبصار فيما اختلَفَ من الأخبار» بهدف رفع هذه المشكلة ورتقها، فَجَمَعَ بين الأخبار المتعارضة بتأليفات من عند نفسه وحمل بعض الروايات على التَّقيّة!
ومما يُثبت ذلك أيضاً ما جاء في كتاب «المقالات والفِرَق» مما يلي:
"أن «عمر بن الرياح الأهوازي» زعم أنه سأل أبا جعفر [الباقر] عن مسألة فأجابه فيها بجواب، ثم عاد إليه في عام آخر فزعم أنه سأله تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الأول، فقال لأبي جعفر: هذا خلاف ما أجبتني فيه في هذه المسألة عامك الماضي؟! فذكر أنه قال له أن جوابنا ربما خرج على وجه التقية، فشك في أمره وإمامته فلقي رجلاً من أصحاب أبي جعفر يقال له «محمد بن قيس» فقال له: إني سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب ثم سألته عنها في عام آخر فأجابني فيها بخلاف جوابه الأول، فقلت له لم فعلت ذلك؟ فقال فعلته للتقية، وقد علم الله إني ما سألته إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به وقبوله والعمل به فلا وجه لاتقائه إياي، وهذه حالي، فقال له «محمد بن قيس»: فلعله حضرتك من أتقاه! فقال [«ابن الرياح»]: ما حضر مجلسه في واحدة من الحالتين غيري، ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التبخيت ولم يحفظ ما أجاب به في العام الماضي فيجيب بمثله، فرجع عن إمامته و قال لا يكون إماماً من يفتي بالباطل على شيء من الوجوه ولا في حال من الأحوال، ولا يكون إماماً من يفتي تقية بغير ما يجب عند الله..."[502].
وجاء في كتاب «المقالات والفِرَق» أيضاً:
"فلما قُتِل الحسين حَارَتْ فرقةٌ من أصحابه وقالوا: قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين، لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقَّاً واجباً صوابا من موادعته معاوية وتسليمه الخلافة له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوته؛ فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم وكثرة أصحاب يزيد حتى قتل وقتل أصحابه جميعاً، خطأ باطل غير واجب، لأن الحسين كان أعذر في القعود عن محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية حتى قُتل وقُتِل أهل بيته وأصحابه، فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد والعدَّة خطأ باطل؛ فشكوا لذلك في إمامتهما فدخلوا في مقالة العوام ومذاهبهم"[503].
11- اعتبر «ابْنُ قِبَّةَ» أن عقيدة اختيار الأمة وانتخابها للخليفة والإمام عقيدة خاطئة، وتغافل عن أن الأمة منذ سنوات متمادية محرومة من الوصول إلى الإمام المعصوم المنصوب من عند الله -حسب قولكم-، إذن هل يجب أن يسود الهرج والمرج بين المسلمين وأن لا يكون للناس رئيسٌ وإمامٌ حاكمٌ؟! وكل ما تقوله بشأن زمن حرمان أمة الإسلام من الإمام؛ نقوله نحن بشأن وضع الأمة بعد وفاة رسول الله ص مباشرةً. (فَتَأَمَّل). أما إن قلتَ: إن الأمة قد تُخطئ ويشتبه عليها الأمر في اختيار الأصلح والأجدر لمنصب الإمامة، قلنا: لا حرج في ذلك لأن الإسلام أمرنا باتِّباع الإمام بشرط اتِّباعه للكتاب والسنة، فإذا تخطَّاهما استحق العزل ووجب على المسلمين اختيار شخص آخر لحكمهم. ثانياً: في هذا العالَم الفاني لا بُدَّ في كل عمل من طيِّ المسيرة التكاملية واكتساب التجربة والمهارة فيه، فعندما تعتاد الأمة على انتخاب رئيسها بعد التشاور فإنها ستُصبح تدريجياً أكثر بصيرة وتجربة في اختيار الأصلح وأكثر قدرة على تشخيص الأجدر لهذا المنصب، كما أن الإمام بسبب إحساسه بمراقبة الناس له سيكون أقل جرأة هو وبطانته على التعدي على أحكام الكتاب والسنة[504]. فبدلاً من السعي لإثبات «الإمامة المنصوص عليها» من الله ورسوله من الأفضل السعي في تربية أمة الإسلام وتعليمها كي لا تكون بحاجة إلى إمام معصوم قَيِّمٍ عليها يُرشدها في كل أمر.
12- ويجيب «ابْنُ قِبَّةَ»، الذي عاش في أواخر القرن الثالث الهجري وربما في أوائل القرن الرابع أيضاً، عن السؤال الذي يوجهه المعتزلة للإمامية ويقول: "إذا ظهر [المهدي] فكيف يُعْلَمُ أنه محمد بن الحسن بن علي (ع)؟" يجيب عن هذا السؤال بإجابتين تدلان على أنه كان أكثر احتيالاً من «أبي سهل النوبختي»![505] قال:
"فالجواب في ذلك أنه قد يجوز بنقل من تجب بنقله الحجة من أوليائه كما صحت إمامته عندنا بنقلهم!!"[506]
هذا في حين أنه قد مضت ألف سنة على وفاة الرواة - غير الموثوقين بالمناسبة - الذين رووا لنا وجوده وإمامته، ولم يبق منهم أحد اليوم لكي يعرِّف الناس بالمهدي حين ظهوره بأنه هو ابن حضرة العسكري!!
ثم قال «ابْنُ قِبَّةَ» في جوابه الثاني:
"وجواب آخر وهو أنه قد يجوز أن يُظْهِرَ مُعْجِزَاً يَدُلُّ على ذلك. وهذا الجواب الثاني هو الذي نعتمد عليه ونجيب الخصوم به، وإن كان الأوَّل صحيحاً!"[507].
فنقول له: يُعْلَم أن إجابتك الأولى خاطئة بلا أي شبهة، وأنه لا يوجد اليوم شخصٌ يمكنه أن يؤيد ويثبت بُنُوّة المهدي لحضرة الحسن العسكري (ع)! اللهم إلا أن تقول إن شهود المهدي و رواة ولادته، سَيُعَمِّرون أيضاً آلاف السنين مثله!! أو أنهم سيحيون من قبورهم عند ظهوره ليشهدوا أنه هو نفسه ابن الحسن العسكري!!
ثانياً: لماذا لا تقول الفِرَقُ الأخرى كالواقفية مثلاً - أو المباركية (المشروحة في الفَقَرة 157 من كتاب «المقالات والفِرَق»)[508] ونظائرها - إن «موسى بن جعفر» كان إماماً منصوصاً عليه، وغاب، وحين ظهوره سيتعرَّف عليه عددٌ من أوليائه، أو سيُظهِر معجزةً تدل على أنه هو موسى بن جعفر؟! فإن قُلْتَ: لقد ثبت موته، قلنا: لم يكن هناك أيُّ خلاف في وجود حضرة الكاظم (ع)، لكن الاختلاف وقع في موته ونحن نأخذ بالأمر المُتَّفق عليه، على عكس حالة المهدي المشكوك في ولادته بشدة، والذي لم يقل بولادته سوى أقلية قليلة من أصحاب حضرة العسكري، فنحن لا نردُّ رأي الأكثرية! وقد قال «ابْنُ قِبَّةَ» نفسه ما يُشبه هذا القول في الفقرة 4 التي نقلناها عنه. ولا يوجد سوى هذا الفرق بين «موسى بن جعفر» و «المهدي». ولا يُمكن إثبات شيء بمُجرّد الخيالات المُلفَّقة[509].
ثالثاً: لا يجوز أن تستند أحكام شريعة الإسلام لاسيما في مجال العقائد والإيمانيات إلى عبارات من مثل: «من الممكن» و «يُحتمل» و «ربَّما» و...... وأمثالها، بل لا بُدَّ من إقامة الدليل الشرعي على أن المهدي سيأتي وتُعْرَفُ هوِّيَّته خلال إظهاره للمعجزة!
رابعاً: المعجزة خاصَّةٌ بالأنبياء فقط في حين أن بحثنا يدور حول الأوصياء والأئمة الذي نتَّفق وإياكم على أنهم لم يكونوا أنبياء، فَقُلْ لَنَا: متى وأين قال الإسلام: إن غير النبيّ يُمكنه الإتيان بمعجزة؟ وأيّ إمام من الأئمة السابقين أتى -طبقاً للنقل المعتبر والمتَّفق عليه- بمعجزة لإثبات إمامته حتى يكون المهدي ثاني من يفعل ذلك؟! ماذا كانت معجزة حضرة السجاد أو حضرة موسى بن جعفر أو ....... وأمام أيّ أشخاص أظهروها[510]، وأين قال علماؤنا إن شرط إمامة المسلمين بعد رسول الله ص امتلاك الإمام لمعجزة؛ حتى تَقُولَ إن المهدي سيأتي بمعجزة ليُثبت هويته؟!
خامساً: لقد تجاهل «ابْنُ قِبَّةَ» أنه لو تقرَّر أن يأتي المهدي بمعجزةٍ لَمَا كان هناك لزوم لغيبته من الأساس لأن المعجزة تُبطل مؤامرة مخالفيه من جهة وتُثبت أنهم على غير حق من الجهة الأخرى وتكون أيضاً سبباً في إيمان الشيعة به واتِّباعهم له[511].
سادساً: لم تقل شيئاً بشأن عمر المهدي المخالف للعادة والمألوف والذي لا يُشبه عمر أجداده أبداً؟! لقد أمر الله تعالى رسوله ص أن يقول: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ﴾ [الكهف: ١١٠] أي أنه بشر كسائر البشر لا يختلف عنهم سوى في تلقِّيه الوحي، ولذلك كان النبيّ ص يشيخ مع مرور الأعوام وَكِبَرِ السن شأنه في ذلك شأن سائر بني آدم. كما أن الأئمة باعترافكم -في الظاهر على الأقل- لم يكونوا يتلقَّوْن الوحيَ فحتى هذا التمايز والاستثناء لم يكونوا يتمتعون به، فكيف يُمكن للمهدي أن لا يشيخ ويهرم رغم مرور ألف ومئتي عام على ولادته المزعومة ويبقى شاباً حتى يوم ظهوره حين يظهر شاباً بين الثلاثين والأربعين؟!! إن أبناءَ البشر العاديين لا يُعمِّرون مئات السنين، وإذا أردت أن تعتبر أن المهدي استثناءٌ عن جميع البشر كما كان حال حضرة نوح (ع) وحال أصحاب الكهف، فهات برهانك ودليلك الشرعي على هذا الأمر، لأن مُجرَّد إثبات إمكانية أمر لا تحلُّ الإشكال بل لا بُدَّ من الإتيان بدليل قاطع على الوقوع الفعلي له ولا يُمكن الاكتفاء في هذا الأمر بمُجرَّد الظن والاحتمال! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
13- ويذكر «ابْنُ قِبَّةَ» الإشكال الذي يطرحه كتاب «الإشهاد» على الإمامية بقوله: "إن منهم [أي من الشيعة الإمامية] فرقةٌ [واحدة فقط] قَطَعَتْ على موسى [بن جعفر، أي آمنوا بإمامته] وائْتَمُّوا بعده بابنه علي بن موسى [الرضا]". فيرُدُّ «ابْنُ قِبَّةَ» عليه قائلاً: إن قوله:
"قول رجل لا يعرف أخبار الإمامية لأن كل الإمامية - إلا شرذمةٌ وَقَفَتْ [على موسى بن جعفر] وشذوذٌ قالوا بإمامة إسماعيل وعبد الله بن جعفر [الأفطح] - قالوا بإمامة «علي بن موسى» ورووا فيه ما هو مدون في الكتب. وما يُذْكَرُ مِنْ حَمَلَةِ الأَخْبَارِ وَنَقَلَةِ الآثار خمسةٌ مالوا إلى هذه المذاهب في أول حدوث الحادث وإنما كَثُر من كَثُر منهم بعدُ"![512].
ونقول: إن الإشكال الأول في كلام «ابْنُ قِبَّةَ» هذا هو ببساطة: أنه كذبٌ! لأن أكثرية شيعة الإمام الصادق ÷ مالوا بعده إلى إمامة ابنه «عبد الله بن جعفر الأفطح» بدلاً من القول بإمامة ابنه الآخر «موسى بن جعفر»![513]
والإشكال الثاني: أن «ابْنَ قِبَّةَ» يريد بكذبه هذا أن يعتبر الأكثرية ملاكاً لقبول العقيدة الصحيحة، ويقول إن أنصار حضرة الكاظم وحضرة الرضا وأتباعهما كانوا أكثر من أتباع الواقفية والفطحية، في حين أننا نجدُ «ابْنَ قِبَّةَ» نفسَه، في حالات أخرى، ومنها في حالة المهدي، يتجاوز هذا الملاك تماماً ويترك قول أكثرية أصحاب حضرة العسكري (ع) الذين لم يكونوا يعتقدون بإنجابه لابنٍ ويُرجِّحُ الأَخْذَ -دون دليلٍ مُرَجِّحٍ- بقول الأقلية القليلة من أتباعه الذين اعتقدوا بولادة ابنٍ له!! وهذا ما يُقال له الازدواجية في المعايير!
ومن الجدير بالذكر طبعاً أنَّ «ابْنَ قِبَّةَ» ادَّعى في رسالته هذه كاذباً أن أنصار إنجاب حضرة العسكري لابنٍ كانوا هم الأكثرية! (تُراجع الفقرة 4 من أقوال «ابْنِ قِبَّةَ»).
المشكلة الثالثة هي السؤال: إذا كان عدد أتباع فرقة ما قليلاً في بداية دعوتهم ثم ازدادوا شيئاً فشيئاً، فهل يُعَدُّ هذا دليلاً على بطلان تلك الدعوة؟ وإذا كان عدد أتباع فرقة ما كثيراً في بداية أمرهم ومنذ شروع دعوتهم، هل يُعَدُّ هذا دليلاً على حقانية هذه الفرقة؟ (فلماذا لا تعتبرون أهل السنة إذن الذين كانوا أكثرية دائماً، على حق؟). في رأينا إن ميزان تشخيص الحق من الباطل ليس الكثرة ولا القلة، بل هو كتاب الله وسنة رسوله ص الجامعة غير المُفرِّقة وليس شيئاً آخر (فَلَا تَتَجَاهَلْ). للأسف إن «ابْنَ قِبَّةَ» كاتب يلجأ في كثير من الموارد إلى سلاحِ الكذب!!
14 - ويردُّ «ابْنُ قِبَّةَ» على صاحب كتاب «الإشهاد» قائلاً:
"ثم رجع صاحب الكتاب إلى أن يعارضنا بما تدَّعيه الواقفة على موسى بن جعفر، ... وقد بينا أنا علمنا أن موسى [بن جعفر] (ع) قد مات بمثل ما علمنا أن جعفراً [الصادق] مات، وأن الشك في موت أحدهما يدعو إلى الشك في موت الآخر، وأنه قد وقف على جعفر (ع) قومٌ أنكرت الواقفة على موسى عليهم، وكذلك أنكرت قول الواقفة على أمير المؤمنين (ع). فقلنا لهم: يا هؤلاء [الواقفين على موسى بن جعفر]: حجتكم على أولئك هي حجتنا عليكم فقولوا كيف شئتم تحجوا أنفسكم."[514]. (يعني أن كل دليل تقيمونه على وفاة الإمام جعفر الصادق أو وفاة الإمام علي وَتَرُدُّونَ به على من وقف عليهما، نستخدمه نفسه لإثبات وفاة موسى بن جعفر وَنَرُدُّ به وَقْفَكُم عليه).
أولاً: ما مِن رَيْبٍ أن عقيدة الواقفية (المنكرين لوفاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم ÷ والقائلين بغيبته) عقيدة باطلة وغير معقولة، شأنها في ذلك شأن عقيدة كل من أنكر وفاة إمام من الأئمة وقال بغيبته. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا يرى «ابْنُ قِبَّةَ» عيب عقيدته في الوقف على المهدي ونفي وفاته والقول بغيبته أيضاً؟ ألا ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ﴾ [البقرة: ٤٤] ؟ كيف تُبَرِّر لنفسك يا «ابْنَ قِبَّةَ» عقيدتك بالمهدي وعدم موته وغيابه، رغم فقدان النص الشرعي على ذلك، ورغم مخالفة ذلك للعقل والتجربة، وكيف لا تنتبه إلى أنه حتى لو كان للمهدي الموهوم وجود، فاليوم بعد هذه المدة الطويلة جداً لابدَّ أن يكون قد تُوُفِّيَ، مثله في ذلك مثل آبائه، بل تُصِرُّ على إثبات عمر متطاول خارج عن العادة له، على نحو لا يشبه فيه عمر أي إمام من آبائه وأجداده!! ألست في ذلك تشابه الواقفية -الذين أنكروا موت إمامهم- رغم مخالفتك لهم؟!! ألا يحق لهم أن يقولوا لك: باؤك تجرُّ وباؤنا لا تُجُرُّ؟! (فلا تتجاهل ولا تتعصَّب).
15- يقول «ابْنُ قِبَّةَ» إن رسول الله ص قال: "خَلَّفْتُ فِيكُمْ كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي[515]".[516]
ونقول: لو صَدَرَ الحديثُ المذكورُ بِصُورَتِهِ المذكورةِ أعلاه، فإن في عطف «العِترة»[517] على «كتاب الله» أوضحُ دليل على أنه لم يكن قصدُ رسولِ اللهِ ص من هذا الحديث نَصْبَ عَلِيٍّ في مقام الخلافة المباشرة بعده وتعيينه بأمر الله حاكماً على الأمة، لأنه من الواضح تماماً أن القرآن ليس إنساناً حتى يستطيع أن يأخذ على عاتقه زمام أمور المسلمين! بناءً عَلَى ذَلك، فإن الحديث يدل على أن رسول الله ص اعتبر ذينك الأمرين (الثقلين) مرجعين يرجع إليهما الناس لمعرفة مسائل الشريعة في آخر الزمن. وثانياً: يدل اعتبار القرآن الكريم «الثقل الأكبر» وعطف «العِترة» عليه على أن المراد من «العِترة» العترة التي لا تبتعد أبداً عن القرآن. والنتيجة أنه لو وصل إلينا خبر عن «العِترة» لا يتَّفق مع القرآن فعلينا أن نرفضه استناداً إلى هذا الحديث ذاته، ومن الله التوفيق، كما أنه ليس في هذا الحديث ذكر لاثني عشر إمام منصوبين مِنْ قِبَلِ الله.
16 - يقول «ابْنُ قِبَّةَ»:
"ثم يُقال له: إنا إنما علمنا أن في العترة من يعلم التأويل ويعرف الأحكام بخبر النبيص الذي قدَّمْنَاه وبحاجتنا إلى مَنْ يُعرِّفُنا المرادَ من القرآن ومن يفصل بين أحكام الله وأحكام الشيطان، ثم علمنا أن الحق في هذه الطائفة من ولد الحسين (ع) لمَّا رأينا كل من خالفهم من العترة يعتمد في الحكم والتأويل على ما يعتمد عليه علماء العامة من الرأي والاجتهاد والقياس في الفرائض السمعية التي لا علة في التعبد بها إلا المصلحة، فعلمنا بذلك أن المخالفين لهم مبطلون.
ثم ظهر لنا من علم هذه الطائفة بالحلال والحرام والأحكام ما لم يظهر من غيرهم ثم ما زالت الأخبار تَرِدُ بنصِّ واحدٍ على آخر حتى بلغ الحسن بن علي (ع) فلما مات ولم يُظْهِرِ النَّصَّ والخَلَفَ بَعْدَهُ[518] رجعنا إلى الكُتُب التي كان أسلافنا رووها قبل الغيبة فوجدنا فيها ما يدل على أمر الخلف من بعد الحسن [العسكري] (ع) وأنه يغيب عن الناس وَيَـخْفَى شَخْصُهُ وأن الشيعة تختلف وأن الناس يقعون في حيرة من أمره فعلمنا أن أسلافنا لم يعلموا الغيب وأن الأئمة أعلموهم ذلك بخبر الرسول ص، فصحَّ عندنا من هذا الوجه بهذه الدلالة كونه ووجوده وغيبته؛ فإن كان هاهنا حجة تدفع ما قلناه فلتظهرها الزيدية فما بيننا وبين الحق معاندةٌ والشكر لِـلَّهِ"[519].
ثم قال أيضاً:
" ... إن هذا الأمر [أي أمر الإمامة] لا يَصُحُّ بإجماعنا وإيّاكم عليه [أي على أن النبيَّ جعل العترةَ خلفاء له] وإنما يَصُحُّ بالدليل والبرهان، فما دليلك على ما ادعيت؟ وعلى أن الإجماع بيننا إنما هو في ثلاثة أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام، ولم يذكر الرسول ص ذريته وإنما ذكر عترته، فملتم أنتم إلى بعض العترة دون بعض بلا حُجَّة وبيان أكثر من الدعوى، واحتججنا نحن بما رواه أسلافنا عن جماعة حتى انتهى خبرهم إلى نَصِّ الحسين بن علي (ع) على عليٍّ [زين العابدين] ابنِهِ، وَنَصِّ عليٍّ على محمَّدٍ [الباقرِ] وَنَصِّ محمَّدٍ على جعفر [الصادقِ]، ثم استدللنا على صحة إمامة هؤلاء دون غيرهم ممن كان في عصرهم من العترة بما ظهر من علمهم بالدين وفضلهم في أنفسهم وقد حمل العلم عنهم الأولياء والأعداء وذلك مبثوث في الأمصار معروف عند نقلة الأخبار، وبالعلم تتبين الحجة من المحجوج والإمام من المأموم والتابع من المتبوع، وأين دليلكم يا معشر الزيدية على ما تدَّعون؟!
ثم قال صاحب الكتاب[520]: ولو جازت الإمامة لسائر بني هاشم مع الحسن والحسين (ع) لجازت لبني عبد مناف مع بني هاشم ولو جازت لبني عبد مناف مع بني هاشم لجازت لسائر ولد قصي ثم مد في هذا القول.
فيُقال له: أيها المحتج عن الزيدية! إن هذا لشيءٌ لا يُسْتَحَقُّ بالقرابة وإنما يُسْتَحَقُّ بالفضل والعلم ويَصُحُّ بالنصِّ والتوقيف؛ فلو جازت الإمامة لأقرب رجل من العترة لقرابته لجازت لأبعدهم؛ فافصِل بينك وبين من ادَّعى ذلك وأظْهِرْ حُجَّتَكَ وافْصِل الآنَ بينك وبين من قال: ولو جازت لولد الحسن لجازت لولد جعفر، ولو جازت لهم لجازت لولد العباس، وهذا فصلٌ لا تأتي به الزيدية أبداً إلا أن تفزع إلى فصلنا وحجتنا، وهو النص من واحد على واحد وظهور العلم بالحلال والحرام."!![521]
ونقول: إن «ابْنَ قِبَّةَ» لم يذكر لنا - كما هي عادته - سوى مجموعة من الادِّعاءات التي لا دليل عليها!![522]، هذا إن لم نَقُل أنه مارس الكذب فيما قاله!
فأولاً: قولُكَ إن العلم الذي ظهر من الأئمة لم يظهر مثله من غيرهم!!! نسألكَ: بينك وبين الله! أيُّ علم ظهر من حضرة الجواد أو الهادي أو العسكري (ع) مِمَّا لم يظهر نظيره من جناب «زيد بن عَلِيٍّ» رحمه الله، الذي جُـمِعَ كتابُ «مسند الإمام زيد» من الروايات المنقولة عنه، أو لم يظهر مثله من الطبري أو مالك بن أنس أو محمد بن الحسن الشيباني أو الشافعي أو الأوزاعي، مما يجعلك تعتبر أولئك الأجلاء الثلاثة أئمَّةً ولا تعتبر هؤلاء العلماء أئمَّةً أيضاً؟!
ثانياً: إن النصوص التي تدَّعي أنها تدلُّ على أن كلَّ إمام نصَّ على الإمام الذي بعده ليست نصوصاً موثوقةً ولا معتبرةً بأيّ وجه من الوجوه!! ولو رجع القارئ الكريم على سبيل المثال إلى أحاديث الباب 125 أو 126 أو 131 من أصول الكافي التي استعرضناها ومحَّصناها في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» لرأى أنه ليس بينها حتى حديث صحيح واحد!! لكن جناب «ابْن قِبَّة» يتجاهل هذا الموضوع ويتعامى عنه!!
ثالثاً: إن الأحاديث المروية في كتب أهل السنة عن رسول الله ص حول مُصْلِحِ آخرِ الزمان، بصرف النظر عن ضعف أسانيدها، تختلف كثيراً عن «محمد بن الحسن العسكري» الذي عاش ألفاً ومئتي عام حتى الآن، ولا تنطبق عليه، كما أن كثيراً مما جاء في كتبنا من أحاديث عن القائم هو في الواقع من وضع الفرق الأخرى التي وضعوها عن قائمهم هم، لكن علماءنا جاؤوا بعد ذلك وجمعوا تلك الأحاديث ضمن أخبار الابنِ الموهوم لحضرة العسكري (ع) واعتبروا أنَّها تشيرُ إليه! كما أن حيرة أصحاب الأئمة لا تنحصر بحيرة أتباع حضرة العسكري (ع) فقط بل قد وقعت مثل تلك الحيرة بعد زمن كل إمام من الأئمة منذ حضرة الباقر (ع) -بل حتى قبل الإمام الباقر - وحتى آخر إمام!! فهل تريد إنكار التاريخ؟!
رابعاً: هل من الإنصاف أن نعتبر شجاعة جناب «زيد بن عَلِيّ» أو «يحيى بن زيد» أو جناب «النفس الزكية» وتضحياتهم وعلمهم أقل من شجاعة وتضحيات وعلم حضرات الكاظم أو الجواد أو الهادي أو العسكري؟ نحن لا نُصِرُّ طبعاً على أن علم من ذكرناهم من شخصيات آل البيت (مثل زيد ويحيى .... الخ) كان أكثر من علم الأئمة عليهم السلام، لكننا نقول: إنه ليس من دليل على أن علم تلك الشخصيات كان أقل من علم الأئمة المذكورين. إضافةً إلى ذلك، إنْ كان المقصود من الإمامة هو الحكم والسلطة والأخذ بزمام الأمور فإن هذا العنوان أكثر صدقاً على جناب «زيد» و«يحيى» اللذَيْن قاما وجاهدا. بناءً عَلَى ذَلك، فإنك لم تأتِنا بكلامٍ مُستَدَلٍّ ومُستَنَدٍ، ولم تذكر سوى ادِّعاءات لا دليل عليها!
خامساً: ولم تأتِنا أيضاً بأيّ دليل وبرهان من الكتاب والسنة على أن أئمة المسلمين وحكامهم منحصرون في اثني عشر نفراً لا أكثر! (فَتَأَمَّل جدَّاً).
17 - قال «ابْنُ قِبَّةَ» إن صاحب كتاب «الإشهاد» قال:
"اعلم أن النبي ص لما أمرنا بالتمسك بالعترة كان بالعقل والتعارف والسيرة ما يدل على أنه أراد علماءَهم دون جُهَّالهم والبررة الأتقياء دون غيرهم، فالذي يجب علينا ويلزمنا أن ننظر إلى من يجتمع له العلم بالدين مع العقل والفضل والحلم والزهد في الدنيا والاستقلال بالأمر فنقتدي به ونتمسك بالكتاب وبه.
وإن قال: فإن اجتمع ذلك في رجلين وكان أحدهما ممن يذهب إلى مذهب الزيدية والآخر إلى مذهب الإمامية بمن يقتدى منهما؟ ولمن يتبع؟ قلنا له: هذا لا يتفق فإن اتفق فرق بينهما دلالة واضحة إما نص من إمام تقدمه وإما شيء يظهر في علمه....الخ"[523].
هنا أيضاً لم يتخلَّ «ابْنُ قِبَّةَ» عن الخداع والمغالطة والخلط بين مفهومين للإمامة، كما تجاهل مسألة «البيعة» المهمة وتعامى عنها!! لذا نُذكِّره أنه لو توافرت صفات العلم والتقوى والزهد و ... في أكثر من شخص، فلا مانع أن يكون كلٌّ منهم إماماً لجماعةٍ من المُكلَّفين (الفرقان: 74). هذا عندما يُراد من الإمامة الإرشادَ الديني. أما إن كان المقصود من الإمامة الحكم واستلام زمام الأمور والسلطة السياسية ووُجِدَتْ الصفات المذكورة والشروط اللازمة للإمامة بهذا المعنى في أكثر من شخص فمن الطبيعي أن يكون الإمام مَنْ يُبايعه أكثرية المؤمنين ويختارونه. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
18 - وقال «ابْنُ قِبَّةَ»:
"فإن كان قياس الزيدية [أي ترجيحهم للإمام المجاهد القائم على الإمام القاعد] صحيحاً؛ فزيدٌ بن علي أفضل من الحسن بن علي [المجتبى] لأن الحسن [المجتبى] وادعَ [معاوية] وزيدٌ حارَبَ حتى قُتِلَ، وكفى بمذهبٍ، يُؤَدِّي إلى تفضيل زيدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) قُبْحَاً، وَاللهُ الْمُسْتَعان"[524].
أقول: أولاً: إن ما تقتضيه عقائد الزيدية ليس على النحو الذي ذكرته، لأن حضرة الحسن المجتبى (ع) بصرف النظر عن جهاده في زمن الخلفاء الراشدين، لما كان يعتبر نفسه أفضل لهذا المنصب من غيره ولما كان الناس قد بايعوه بالإمامة فإنه جاهد معاويةَ وحاربه مرَّات عدّة، فلمَّا تبيَّن له أن التغلُّب على معاوية وأتباعه غير ممكن، لم يُلقِ بأصحابه إلى التهلكة دون جدوى. بناءً عَلَى ذَلك، فلم يكن حضرة الحسن المجتبى (ع) بأيّ وجه من الوجوه مصداقاً للقاعدين، بل كان من أعلى مصاديق المجاهدين. وبالطبع لا يُمكن للزيدية حسب عقائدهم أن يعتبروا حضرة الحسن المجتبى «قاعداً». (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
ثانياً: لنفرض أنك لم تكذب في نقلك لعقيدة الزيدية، وأن ما نسبته إليهم صحيح، فنقول: إنهم على كل حال لم يقولوا قولاً مخالفاً للشرع، ورغم أن الزيدية لم يذهبوا في الواقع إلى مثل هذا التفضيل الذي نسبته إليهم فإننا نسألك: بأيِّ دليلٍ مِنْ آيةٍ أو نهيٍ شرعيٍّ اعتبرتَ تفضيل حفيد أخي حضرة المجتبى (ع) عليه أمراً قبيحاً جداً ولُمت من قال به؟!
ثالثاً: ثم نسألك: إن كنتَ مؤمناً بالآية 95 من سورة النساء فقل لنا: هل تعتبر حضرة سيد الشهداء (ع) أفضل أم حضرة الحسن المجتبى (ع)؟[525] هل تعتبر حضرة سيد الشهداء (ع) أفضل أم حضرة الجواد (ع)؟[526] وبأيّ دليل معتبر تعتبر حضرة الجواد أفضل من «زيد بن عَلِيّ بن الحسين» أو من «يحيى بن زيد» أو أفضل من «محمد النفس الزكية» وتعتبر الجواد إماماً ولا تعتبر أولئك المجاهدين الأجلاء الكرام أئمةً؟! (فتأمَّل ولا تتعصَّب).
19 - وقال «ابْنُ قِبَّةَ»:
"...... والإمامة لا يتم أمرها إلا بالعلم بالدين والمعرفة بأحكام رب العالمين وبتأويل كتابه، وما رأينا إلى يومنا هذا ولا سمعنا بأحد قالت الزيدية بإمامته إلا وهو يقول في التأويل أعني تأويل القرآن على الاستخراج وفي الأحكام على الاجتهاد والقياس، وليس يمكن معرفة تأويل القرآن بالاستنباط لأن ذلك كان ممكناً لو كان القرآن إنما أنزل بلغة واحدة وكان علماء أهل تلك اللغة يعرفون المراد، فأمَّا القرآن فقد نزل بلغات كثيرة وفيه أشياء لا يُعرَف المُرادُ منها إلا بتوقيفٍ، مثل الصلاة والزكاة والحج وما في هذا الباب منه، وفيه أشياء لا يُعرف المراد منها إلا بتوقيف مما نعلم وتعلمون أن المراد منه إنما عُرف بالتوقيف دون غيره فليس يجوز حمله على اللغة لأنك تحتاج أولا أن تعلم أن الكلام الذي تريد أن تتأوَّلَهُ ليس فيه توقيفٌ أصلاً لا في مُجْمَلِهِ ولا في تفصيله.
فإن قال منهم قائلٌ: لم ينكر أن يكون ما كان سبيله أن يُعْرَفَ بالتوقيف فقد وقف الله رسوله ص عليه وما كان سبيله أن يُستَخْرَجَ فقد وكل إلى العلماء وجعل بعض القرآن دليلاً على بعض فاستغنينا بذلك عمَّا تدعون من التوقيف والموقف.
قيل له: لا يجوز أن يكون ذلك على ما وصفتم لأنا نجد للآية الواحدة تأويلين متضادين كل واحد منهما يجوز في اللغة ويحسُنُ أنْ يُتَعَبَّدَ اللهُ به، وليس يجوز أن يكون للمتكلم الحكيم كلامٌ يَحْتَمِلُ مرادين متضادين.
فإن قال: ما ينكر أن يكون في القرآن دلالةٌ على أحد المرادين وأن يكون العلماء بالقرآن متى تدبروه علموا المراد بعينه دون غيره؟
فيُقَال للمعترض: بذلك أنكرنا هذا الذي وصفته لأمر نخبرك به: ليس تخلو تلك الدلالة التي في القرآن على أحد المرادين من أن تكون محتملةً للتأويل أو غير محتملة، فإن كانت محتملةً للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية، وإن كانت لا تحتمل التأويل فهي إذاً توقيفٌ ونصٌّ على المراد بعينه، ويجب أن لا يُشْكِلَ على أحدٍ عِلْمُ اللغة معرفة المراد وهذا ما لا تنكره العقول وهو من فعل الحكيم جائزٌ حسنٌ، ولكنا إذا تدبرنا آي القرآن لم نجد هكذا ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائماً بين أهل العلم بالدين واللغة، ولو كان هناك آيات تفسر آيات تفسيراً لا يحتمل التأويل لكان فريقٌ من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين ولأمكن كشف أمرهم بأهون السعي ولكان مَنْ تأوَّل الآيةَ خارجاً من اللغة ومن لسان أهلها لأن الكلام إذا لم يحتمل التأويلَ فحَمَلْتَهُ على ما لا يحتمله خَرَجْتَ عن اللُّغَةِ التي وقع الخطاب بها فدُلُّونا يا معشر الزيدية على آيةٍ واحدةٍ اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدل نصَّاً وتوقيفاً على تأويلها، وهذا أمر متعذرٌ، وفي تعذره دليلٌ على أنه لا بُدَّ للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالى فيخبر به وهذا عندي واضح."[527].
ونقول: للأسف إن «ابْنَ قِبَّةَ» لا يكُفُّ عن الكَذِب، وإلا فهو نفسه يعلم أنه: أولاً: رغم وجود مفردات لقبائل أو بطون مختلفة من قريش أو مفردات ذات أصل غير عربي -كأن تكون من أصل آرامي أو سرياني أو فارسي....- في القرآن الكريم، إلا أنَّه لا يوجد عربيٌّ واحدٌ يعتبرُ القرآنَ الكريمَ غيرَ فصيحٍ بل قد بلغت فصاحته وبلاغته حدَّاً جعلهم يعتبرونه ساحراً لسامعيه! (المدثر: 24). لقد فضح «ابْنُ قِبَّةَ» نفسه بهذا الكذب عندما تعامى عن أنَّ استخدامَ كلمةٍ أو مراعاةَ قاعدةٍ نحوية مُتعلِّقة ببطنٍ من بطون قريش لا يُوجب القول بأن القرآن نزل بلغات وألسنة مُتعدِّدة. وهل يُمكن لإنسان عاقل إذا وجد - بلا تشبيهٍ - بضعة كلمات غير فارسية في منظومة «الشاهنامه» أن يقول إن «الشاهنامه» نُظِمَت بلغات وألسنة مُتعدِّدة؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
ونسألك: ألا تعتقد بالقرآن الذي يقول: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡ﴾ [إبراهيم: ٤] ؟ ألا تعلم أن المشركين أيضاً ما كانوا يقولون لرسول الله ص إننا لا نفهم كلامك بل كانوا يقولون له إننا لا نقبل رسالتك وما تدعونا إليه؟! لا يوجد إنسان يُشكِّك بأن القرآن نزل بلغة قبيلة قريش الكبرى، كما نجد القرآن نفسه يصف نفسه بأنه نزل بلغة عربية واضحة مُبِينة ويقول: ﴿وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣] ويقول عن نفسه: ﴿قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا غَيۡرَ ذِي عِوَجٖ﴾ [الزمر: ٢٨]. بناءً عَلَى ذَلك، فإنَّ كُلَّ من كان عالماً باللغة العربية كان قادراً على فهم معاني آيات القرآن، ولذلك نجد أن كثيراً من غير العرب كتبوا تفاسير مُفصّلة للقرآن الكريم لقيت اهتمام العرب أنفسهم كتفاسير الزمخشري والفخر الرازي والمودودي و......الخ، بناءً عَلَى ذَلك، فإن ما ذكرتَه من كَذِبٍ لن يُبقي لك سوى سواد الوجه!
ثانياً: أما قولك إن هناك مفرداتٍ تحتمل معنيين مُتضادين من ناحية الدلالة اللفظية واللغوية فهذا لا يَرِدُ قطعاً في آيات الأحكام دون أن يترافق بقرينة من أيّ نوع كان أو دليل خارجي يحملنا على ترجيح أحد المعنيين والعدول عن المعنى الآخر!! وأنت لم تفعل سوى الادِّعاء وخداع العوام ولم تأتنا حتى بنموذج واحد على ما تقول، أما نحن فنذكر نموذجاً كي يتضح قصدنا أكثر وينكشف كذبك -وبالتالي عدم حسن نيَّتك-! فمثلاً اختلف العلماء في مسألة التيمُّم حول جواز التيمُّم بالصخرة التي فوقها غبار[528] أم لا؟ بالطبع يُمكن للعالم المنصف غير المُتعصِّب أن يصل إلى الإجابة الصحيحة بالاستفادة من كلمة «منه» في الآية 6 من سورة المائدة وأن يعتبرها قرينة على رجحان معنى التراب في المسألة المذكورة، ويرفع بذلك الإبهام والإجمال في الآية 43 من سورة النساء. لأن كلمة «منه» تدل على أنه يجب أن يصل جزء من الشيء المُتيَمَّم به للمُتيَمِّم وإلا لكانت كلمة «منه» لغواً[529]. بناءً عَلَى ذَلك، فإن حُجَّتك مُجرَّد ادِّعاء لم تذكر عليه أيَّ شواهد.
أما لو كنت تقصد غير آيات الأحكام فإن ادِّعاءك هذا سيكون أكثر افتضاحاً لأنه لا خلاف في أنَّ التفصيل غير مطلوب في غير آيات الأحكام، وأنَّ الإيمانَ الإجماليَّ بمُجرِّده يرفع المسؤولية عن المؤمن، بناءً عَلَى ذَلك، فلا حاجة لمترجمٍ ومُفصِّلٍ ومُبيِّنٍ من عند الله، وادِّعاؤك زائد! أضف إلى ذلك أنه لو كان القرآن كما تقول فكيف كان العرب يؤمنون بعد سماعهم آيات الله وقبل أن يُترجمها النبيّ لهم ويُبيِّن لهم تأويلها؟!
ثالثاً: لو كان المُفسِّر المُعيَّن من الله لآيات القرآن والإمام المُبيِّن لها مِنْ قِبَلِ الله رافعاً لكل اختلاف وإشكال فالنتيجة الطبيعية ينبغي أن تكون عدم وجود أيّ اختلاف في تفاصيل الأحكام الشرعية بين علمائكم معشر الشيعة الإمامية لأن عندكم أحد عشر مُفسِّراً ومُبيِّناً لمراد الله من آيات كتابه، في حين أن الواقع أن الخلاف بين علماء مذهبكم لا يقلُّ عن الخلاف بين علماء سائر المذاهب!! يا تُرى هل أدَّى مُفسِّروكم المنصوبين مِنْ قِبَلِ الله وظيفتهم على نحو كامل وصحيح؟!!
رابعاً: أنت تحتجُّ في زمن الغيبة على عالم زيدي وتُناظره، ولو كانت الحاجة إلى إمام مُفسِّر ومُبيِّن منصوب من الله حاجةً ماسَّةً وضروريةً إلى ذلك الحدّ الذي ذكرته، لكانت الغيبةُ مُتعارضةً مع هذه الضرورة! فأنت لا تملك الوصول إلى ذلك الإمام «المهدي» فكيف لك أن تُلبِّي حاجتك إلى المُبيِّن المعصوم؟ قُلْ لنا حتى نفعل نحن أيضاً مثلك في تلبية حاجتنا إلى معرفة التفسير الواجب اتِّباعه! هل تفعل شيئاً سوى رجوعك إلى أحاديث الأئمة الطاهرين من قبل واستخراجك المعاني أو استنباطك الأحكام من أحاديثهم؟! أي أنك تقوم بمثل ما يقوم به علماء سائر المذاهب؟!! بَاؤُكَ تَجُرُّ وَبَائِي لَا تَجُرُّ؟!
هل أخبار الأئمة السابقين كافيةٌ لتلبية حاجتنا إلى معرفة الأحكام الشرعية للمسائل الحادثة اليوم أم لا؟ إن قلتَ كافيةٌ فلن تكون هناك إذاً حاجةٌ إلى المهدي، وإن لم تكن كافيةً فلم يكن من الجائز إذاً للمهدي أن يغيب لأنه بغيابه حُرِمْنَا من الهداية الكاملة وَمِنْ ثَمَّ فلم تقم حُجَّة الله علينا. وفي رأينا إن الغيبة بحدِّ ذاتها دليل قاطع على أن ادِّعاءكم «ضرورةَ وجود مُفسِّر ومُبيِّن مِنْ قِبَلِ الله للشريعة بعد رسول الله ص» ادِّعاءٌ باطلٌ! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
خامساً: قلتَ للعالم الزيدي: إن كان الدليل الموجود في القرآن لأجل فهم مراد القرآن أو حلِّ الإبهام أو الإجمال الموجود في آية من آياته قابلاً لأكثر من تأويل أو تفسير، فإن هذا الدليل ذاته سيشمله الإشكال ذاته الذي طرحناه، ولكنك أخفيت عن العالم الزيدي أن أحاديث الأئمة الذين تُعرِّفهم للناس بوصفهم مُبيِّنين لمراد القرآن ومُفسِّرين للمعاني المقصودة من آياته أحاديث «صعبة مُستصعبة»[530] وَمِنْ ثَمَّ فإن كلام أئمتك سيشمله إشكالك ذاته الذي أوردته على العالم الزيدي! في حين أن القرآن عرَّف نفسه بأنه كتاب مُيسَّر للذكر وخاطب العرب المُعاصرين للنبيّ جميعهم، وهم أيضاً لم يدَّعوا أن القرآن الذي أتى به رسولُ الله ص ليس مفهوماً لهم. وفي الواقع مُجرَّد توجيه القرآن الكريم خطابه إلى الناس دون استثناء (بقوله: يا أيها الناس) لدليل واضح على أن القرآن كان مفهوماً لهم، فمثلاً لو تكلمتُ اليوم مع الإيرانيين المُعاصرين بلغة كتاب «الدُّرَّة النادرة» وخاطبتُهم بعبارة: أيها الناس، أي اعتبرت أن مُخاطَبيَّ هم عامة الناس كلهم، لكان عملي هذا عمل خاطئ وكنت مسؤولاً عن هذا الخطأ لأن مُخَاطَبِيَّ الذين سيفهمون كلامي لن يكونوا سوى بضعة أساتذة خبراء في كلية الآداب، فلم يكن لديَّ الحق في اعتبار «الناس» مُخَاطَبِيَّ. (مع ملاحظة أنه لا خلاف في أن الله الرحمن الرؤوف الرحيم واللطيف لا يُكلِّف الإنسان بما لا يُطيقه). أو كان يجب عليَّ أن أقول: أيها الناس، لقد وجَّهتُ كلامي لبضعة أساتذة خبراء في كلية الآداب وعلى الناس أن يسألوهم عن معنى ما قلتُ!! فهل لديك دليلٌ على أن الله تعالى الذي وجَّه خطابه إلى «الناس» دون قيد أو استثناء قام بمثل ذلك العمل الذي ضربت له مثالاً؟
في رأيك، هل كان عمل مُنْزِلِ القرآن، ناقصاً - والعياذ بالله - عندما أرسل رسوله الأكرم ص لتفصيل ما أجمله في كتابه ولِيُبَيِّنَهُ للناس، وقام ذلك النبيّ الكريم ببيان شريعة الله وتفصيل مُجملات الدين لأصحابه ومُعاصريه من خلال أقواله وأفعاله على مدى ثلاثة وعشرين عاماً على أحسن وجه، وأعلن لهم على هذا النحو مسائل التوحيد والمعاد والنُّبوة، وفي الوقت ذاته لم يُبيِّن مُنْزِل القرآن ضرورة وجود فرد منصوبٍ مِنْ قِبَلِه تعالى بعد النبي لِيُفَسِّرَ مراده تعالى من آيات كتابه، ولم يذكر ذلك حتى في خطبة الغدير؟! أم أنك أنت الذي اخترعت لاحقاً مثل هذه الصفة والوظيفة للأئمة؟!!
سادساً: لو لم تكن آيات القرآن تُوضِّح بعضها بعضاً ويُبيِّن بعضها ما أُبهم أو أُجمل في بعضها الآخر فلماذا قال حضرة عَلِيٍّ (ع) عن القرآن: «ويَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ويَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ» (نهج البلاغة، الخطبة 133)، حتى أدَّى ذلك إلى ضلال صاحب تفسير «الميزان» الذي قام بكتابة تفسير مُفصّل للقرآن استناداً إلى هذه القاعدة؟!!
أيها القارئ المحترم! ينبغي أن نعلم أن «ابْنَ قِبَّةَ» في احتجاجه على العالِم الزيديِّ أحاله إلى الأقوال الضعيفة والواهية ذاتها التي جمعها الكُلَيْنِيّ في أبواب «الكافي» المختلفة! وتجنُّباً للتكرار من الضروري مراجعة التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الأبواب 51 و 59 و 80 والباب 56، الحديث 8).
20 - ويقول «ابْنُ قِبَّةَ»:
"وأما قوله كيف يتّخذه اللهُ شهيداً على من لم يرهم ولا أمرهم ولا نهاهم؟ فيُقَال: له ليس معنى الشهيد [أو الشاهِد] عند خصومك ما تذهب إليه، ولكن إن عبت الإمامية بأن من لم ير وجهه ولا عرف شخصه لا يكون بالمحل الذي يدعونه له، فأخبِرْنَا عنك مَن الإمام الشهيد من العترة في هذا الوقت؟؟ فإن ذكر أنه لا يعرفه دخل فيما عاب ولزمه ما قَدَّرَ أنه يُلزَمُ خصومَهُ. فإن قال: هو فلان، قلنا له: فنحن لم نر وجهه ولا عرفنا شخصه فكيف يكون إماماً لنا وشهيداً علينا...... الخ"[531].
وأقول: إن إشكال العالم الزيدي واردٌ قطعاً ويقيناً على الإمامية، إذْ قال: لا بُدَّ أن يكون الإمام مشهوداً ومرئياً وحاضراً بين الناس لكي يستطيع كل من أراد الاتِّصال به أن يصل إليه، ولكي يتعلَّم منه المُكلَّفون القرآن وأحكام الشريعة وقوانين الإسلام. وهذا الموضوع واضحٌ جداً لا يشكُّ فيه أيُّ مُسْلمٍ مُنصف. ومن حيث المبدأ فإن الشخص الذي لا يراه أحدٌ من الناس بما في ذلك العلماء المجتهدون، ولا يستطيع أحدٌ أن يتعلّمَ منه شيئاً ولا أن يهتدي بهدايته وإرشاده، والذي لا يستفيد أحدٌ منه في حلِّ معضلات المجتمع وقضاياه المختلفة ولا نحصل منه على أيّ أثر أو فائدة؛ هو في حكم المعدوم، فكيف يكون مثل هذا الإمام زعيماً وشاهداً وحُجَّةً مِنْ قِبَلِ الله على خلقه؟!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
ولكن إذا وُجدت ظروف لم يقبل فيها المؤمنون إماماً واجداً لشروط الإمامة ولم يمنحوه المشروعية من خلال مُبايعتهم له، ووصل أشخاص من طُرق أخرى إلى سُدَّة الحكم وأخذوا بيدهم زمام أمور السلطة، فإن ذلك لا يُبرِّر لنا القولَ بأن ثمَّة إماماً معصوماً خلف الستار لكنه غائبٌ وغيرُ مرئيٍّ!! بل الواقع والحقيقة أن الحاكم المذكور يُعتبرُ أميراً وقائداً فاقداً للمشروعية لأنه لم ينل إمامته ورئاسته بالبيعة الحرّة واختيار أكثرية المؤمنين له، ولذا فيجب على المُكلَّفين أن يُنزلوه عن سُدَّة الحكم ويعزلوه، وعندما يجدون شخصاً تتحقق فيه صفات الإمام وشروطه ويكون قد نال الرئاسة والسلطة من خلال مُبايعة أكثرية المؤمنين له فلا شك أنه سيكون عندئذ إماماً مشروعاً تجب طاعته في أمره ونهيه طالما التزم بالكتاب والسنة ولم يتخطَّاهما[532]. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
أما لو قيل إن المقصود من الإمامة هنا إرشاد الناس إلى مسائل الشريعة وأحكامها وإلى العقائد الصحيحة؛ فينبغي القول إن مثل هذا الإمام -كما قلنا مراراً- لم يكن في أيِّ زمن من الأزمان مُنحصراً بشخص واحد فقط ولن يكون [وانحصاره باثني عشر نفراً لأجل جميع الأزمنة أيضاً يفتقد إلى الدليل الشرعي]، بل كل فرد عالم مُتَّقٍ يُمكنه أن يكون إماماً للناس من خلال بيانه لعقائد الإسلام وأحكامه مع ذكر الدليل الشرعي[533] على كل ما يقوله وأن يُبيِّن لهم أصول دين الله وأحكامه.
من الواضح أن «ابْنَ قِبَّةَ» الذي اعتاد على المغالطة لم يَكُفَّ عنها هنا وتجاهل أنه لو قام عالم مُتَّقٍ في إندونيسيا بهداية الناس إلى تعاليم الكتاب والسنة كان إماماً لهم بطبيعة الحال، وإن لم يكن إماماً لأهل مراكش، والعكس بالعكس، ولا علاقة لهذا الموضوع أبداً بالمهديِّ الذي لا يستطيعُ أحدٌ من الناس أن يصل إليه في أيّ نقطة من نقاط الكرة الأرضية والذي لا يترتب على وجوده أيّ أثر إيجابي أو سلبي في جميع أنحاء الدنيا!! والموضوع الآخر أن الشهادة لا تنحصر بالأئمة بل المؤمنون الصادقون جميعهم -كما ينص القرآن على ذلك- شهداءُ لِـلَّهِ على الناس، كما قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡ﴾ [الحديد: ١٩]. إن الانتباه إلى الأمور التي ذكرناها أعلاه يكشف بطلان كثير من ضجيج وخداع ومغالطات «ابْنِ قِبَّةَ».
21- ويقول «ابْنُ قِبَّةَ»:
"مذهب الإمامية أن الأحكام منصوصة. واعلموا أنا لا نقول منصوصة على الوجه الذي يسبق إلى القلوب [أي لا يحتاج في معرفته إلى بحث وتأمُّل] ولكن المنصوص عليه بالجمل التي مَنْ فَهِمَهَا فَهِمَ الأحكامَ من غير قياس ولا اجتهاد [؟!! قل لنا إذاً ما هو عمل المجتهدين من الشيعة الإمامية؟] فإن قالوا: عنده [أي إمامنا] ما يخالف هذا كله [أي غير ما عندكم معشر الإمامية] خرجوا من التعارف، وإن تعلقوا بمذهب من المذاهب قيل لهم: فأين ذلك العلم هل نقله عن إمامكم أحد يوثق بدينه وأمانته؟ فإن قالوا: نعم. قيل لهم: قد عاشرناكم الدهر الأطول فما سمعنا بحرف واحد من هذا العلم وأنتم قوم لا ترون التقية ولا يراها إمامكم فأين علمه وكيف لم يظهر ولم ينتشر؟ ولكن أخبرونا ما يؤمنا أن تكذبوا فقد كذبتم على إمامكم كما تدعون أن الإمامية كذبت على جعفر بن محمد (ع) وهذا ما لا فصل فيه.
مسألة أخرى ويُقَال لهم: أليس جعفر بن محمد عندكم كان لا يذهب إلى ما تدعيه الإمامية وكان على مذهبكم ودينكم؟ فلا بد من أن يقولوا: نعم اللهم إلا أن تبرءوا منه فيُقَال لهم: وقد كَذَبَتْ الإماميةُ فيما نقلته عنه، وهذه الكتب المؤلَّفة التي في أيديهم إنَّما هي من تأليف الكذَّابين؟ فإذا قالوا: نعم، قيل لهم: فإذا جاز ذلك فَلِمَ لا يجوز أن يكون إمامكم يذهب مذهب الإمامية ويدين بدينها وأن يكون ما يحكي سلفكم ومشايخكم عنه مُوَلَّداً موضوعا لا أصل له؟ ....."[534].
أقول: أولاً: علاوةً على الأخبار التاريخية القاطعة فإن أحاديث الإمامية نفسها تدل على أن جناب «زيد بن عَلِيّ» رحمه الله لم يكن على مذهب الإمامية، فلماذا تتجاهل كون الحديث 5 من الباب 59 من الكافي يدل على أن «زيد بن عَلِيّ» لم يكن مُعتقداً بالنصِّ الإلهي على إمامة أخيه حضرة الباقر (ع)[535].
ثانياً: إذا أردتَ أن تتأكد أن الزيدية لم يكذبوا على أئمتهم خلافاً لِمَا فعلتموه أنتم فعليك أن تَكُفَّ عن تجاهلك لحقيقة أن ما نقلوه عن أئمتهم نقله أيضاً سائر المسلمين، ولو كانوا قد افتروا الكذب على أئمتهم لخالَفَتْ أقوالُهُم أقوالَ أكثرية المسلمين. اللهم إلا أن تقول من فرط التعصُّب إن الأكثرية تكذبُ ولا يصدق أحد سوى نحن الأقلية!! وادِّعاء ذلك ليس مُستبعداً منك بالطبع!
ثالثاً: يَتَـبَيَّنُ من شكوى أئمة الشيعة الكرام وتبرُّمهم بأصحابهم والمُلتفِّين حولهم والتي أثبتموها أنتم أنفسكم في كتبكم أن احتمال تلفيق الأكاذيب مِنْ قِبَلِكم على الأئمة أقوى منه لدى الزيدية. ولا غَروَ، فعلماؤكم الكبار كالمَجْلِسِيّ مثلاً لم يعتبر معظم أحاديث «الكافي» صحيحةً، وهذا بحدّ ذاته دليلٌ على أن الثقة في رواياتكم أضعف وأقل من الثقة في روايات الآخرين. ولقد أوضحنا هذه الحقيقة في مقدّمة التنقيح الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الصفحات من 26 إلى 37، والباب 59، وفصل: «تذكير بمظلومية الأئمة»، ص376) فَلْتُرَاجَعْ ثَمَّةَ.
رابعاً: ادِّعاؤكم هذا بأن الأحكام منصوص عليها في مذهب الإمامية ......الخ ذهب أدراج الرياح مع غيبة إمامكم، واضطر علماؤكم إلى سلوك الطريق ذاته الذي يسلكه علماء سائر فرق المسلمين ومذاهبهم أي الأخذ بقواعد علم أصول الفقه والعمل بالاجتهاد!! أي العمل ذاته الذي كنتم تعترضون عليه وتنتقدونه على مدى سنوات عديدة بسبب تعصُّبكم وطائفيَّتكم، أما سائر الفرق فقد سلكوا هذا الطريق قبلكم كما تعلَّموه من رسول الله ص. فقد ورد في خبر مُعَاذ أنه "لَمَّا أَرَادَ النبيُّ ص أَنْ يَبْعَثَه إِلَى الْيَمَنِ سأله قَائلَاً: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟». قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللهِ. قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللهِ؟». قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ص. قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ص وَلاَ فِي كِتَابِ اللهِ؟؟». قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ص صَدْرَهُ، وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِى وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ»[536].
خامساً: إنك تقول إن الأئمَّة لا يعلمون الغيب ولا يُوحَى إليهم، فقُلْ لنا كيف سيعرفون إذاً تفاصيل الأحكام؟ أليس ذلك سوى استنباطهم لها من الكتاب والسنة؟ في هذه الحالة فإن بقية علماء الإسلام وأئمة المسلمين يدَّعون أيضاً أنهم يأخذون علمهم من الكتاب والسنة، كما أن مُجتهديكم معشر الشيعة يختلفون في فتاواهم وآرائهم وليسوا مصونين من الاختلاف في الفتوى والرأي. وقد قلنا مراراً إن على المسلم أن يتَّبع الفتوى التي تكون دلائلها وبراهينها أقوى، وأن لا يتعصَّب لمذهب فقهي مُعيَّن لمُجرَّد كونه مذهب آبائه وأجداده. نعوذ بالله من العصبيَّة.
إن أخطاء «ابْنِ قِبَّةَ» وأكاذيبه لا تنحصر فيما ذكرناه بالطبع، وقد أتيت بنماذج منها فقط لتنبيه القراء وأترك بقيتها لتحقيق القراء المحترمين وتأمُّلهم وتفحُّصهم ولا أستطيع التفصيل أكثر من ذلك وأختم الكتاب بتذكير نهائي.
***
إنه مما يؤسف له جداً أن تُخْدَع الشعوب دائماً ولا تسعى وراء التفكير والتعقُّل والاستفادة من نعمة العقل. فمثلاً بدلاً من توجه الناس إلى الله تعالى الذي أغرقهم بنعمه وهو الحاضر الناظر في كل مكان وهو القادر على كل شيء وهو الذي أخبرنا بأنه أَقْرَبُ إِلَيْنا مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وقال لنا: ﴿ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡ﴾ [غافر: ٦٠]، وكأنه يقول لنا إنني أرحم بكم من أيِّ أحد آخر، وأعلم بحالكم، وقال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: ١٨٦]؛ تجدهم رغم كل ذلك يتركون التوجُّهَ إلى مثل هذا الإله ويتوجَّهُون إلى عبدٍ مُفترضٍ [موهوم لا دليل على وجوده] فيسألونه حوائجهم ويطلبون منه المدد وكأنه أعلم بهم من الله، وأرحم بهم وأقرب إليهم من الله!!! ويقولون "يا مهدي أدركني"! وكأنهم لا يعتبرون الشِّرْكَ بالله الذي حاربه جميع الأنبياء شيئاً سيئاً!!
ومن الجهة الأخرى يقوم المسؤولون و ولاة الأمور الذين يأكلون عرق جبين هؤلاء العوام البُسطاء والذين كان من المفروض أن يُوَّعُوهم ويُرشدوهم ويُخْلِصوا لهم النُّصْح، يقومون بدلاً من ذلك بخداعهم وإبقائهم في الجهل والخرافات! كما كان البهلوي الثاني[537] يقول: ـ مخادعاً شعبه ـ إن إمام الزمان المهدي حفظني من السوء حين وقعت من على صهوة الجواد وأخذ بيدي وحال دون كسر عظم جنبي!! وكما قام آخرون بإلباس بعض جنودهم في جبهة الحرب لباساً أبيضَ وحملوهم على خيول بيضاء وأرسلوهم إلى الجبهة باسم المهدي ليُحرِّضوا الناس على القتال والاستبسال!!
هنا يصدق قول الشاعر:
دردا كــــه دواى درد پنهــــانـى مـــا افسوس كه چارهى پريشانى ما
در دست كسانى است كه پنداشتهاند آبــادى خويش را به ويرانـى ما
أي:
وا ألماه، دواء دائنا الخفيّ وا أسفاه، حل مشكلة اضطرابنا
بِيَدِ أشخاصٍ قد حسبوا أن عمرانهم لا يكون إلا بخرابنا
أجل منذ أن وجدت الدنيا كان الأمر كذلك، ولذا لا حل إلا أن تستيقظ الشعوب نفسها وتنطلق نحو التفكير والتعقُّل ولا تتخلَّى عن نعمة العقل الذي هو حجة الله الباطنة على كل إنسان، بل تستخدمه حق الاستخدام.
آمل أن يرحم أصحاب الحوانيت المذهبية هذا الشعب المسكين وأن يخافوا الله فيه ويتقوه ويكفوا عن التكسب بالدين على حسابه.
في الختام آمل من القارئ المحترم إن رأى في كتابي هذا قصوراً أو أخطاء أن يعذرني، لأنني كتبت كتابي هذا في زمن الشيخوخة والاكتئاب والضعف، وكتبتُهُ على عجل في زمنٍ لم يبق لديَّ فيه أمل باهتداء الناس، إذْ أصبح كل من يُظهر بعض الحقائق [المرَّة] تنهال عليه آلاف التهم والافتراءات، ولا يأتيه أحدٌ بأي إجابة منطقية عمَّا طرحه!! ورغم ذلك أقدمت على تأليف هذا الكتاب طلباً لرضا الله تعالى ومعذِرةً إلى ربِّي واستجابةً لطلب إخوتي في الإيمان ورغبتهم إلي أن أكتب كتاباً في هذا الشأن، فأقدمتُ على كتابة هذا الكتاب المختصر في بضعة أيام، رغم أنني كنت منزعجاً لما أحسسته فيه من نقص. ثم في أيام الترحال من منزل إلى آخر بعد خروجي من السجن، سعيتُ بِقَدْرِ الإمكان في إصلاح ما في الكتاب من نقص وتنقيحه وتكميله، ولكنِّي بسبب مرضي الناجم عن سجني وضعف الشيخوخة ويأسي من مسؤولي البلاد، وبسبب عدم إمكانية وصولي إلى مكتبتي الشخصية وفقداني للإمكانات المطلوبة لم أتوفَّق إلى تنقيحه وتكميله بأكثر مما فعلته في الكتاب الحاضر. أسأل الله تعالى أن يوفِّق الشباب النابِه في بلادنا إلى مواصلة أبحاثنا هذه وتأليف كتب أفضل من الكتاب الحاضر بهدف إيقاظ الناس وتوعيتهم. آمين يا ربَّ العالمين.
وأرى مناسباً أن أختم كتابي بالأبيات التالية: ما بر سر عهديم كه داديم خدا را همت نبود در سر ما غير وفا را گفتاكه نگوئيد و نخوانيد و نياريد جز گفتهى من گركه صفائى است شما را ما بندهى گفتار اوييم اركه نگويد از خويش نسازيم بر او مدح وثنا را وصفش بجز آن وصف كه خود كرده نياريم زان سو نرود فهم بشر غير خطا را أي: نحن على العهد الذي عاهدنا الله عليه لم يكن في فكرنا لِـلَّهِ إلا الوفاء قال لا تقولوا ولا تدعوا ولا تأتوا إلا بكلامي إذا أردتم لأنفسكم الصفاء نحن تَـبَعٌ لما يقوله لنا فإن لم يقل شيئاً لا نخترع من عند أنفسنا مدحاً أو ثناء لا نصفه إلا بما وصف به نفسه لا يذهب فهم البشـر عن ذلك إلا إلى أخطاء
وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى وَخَافَ عَوَاقِبَ الرَّدَى.
خادم الشريعة المطهَّرة:
أبوالفضل بن الرضا (البرقعي)
[455] وضعتُ هذا العنوان من عندي بغية التوضيح (المُتَرْجِمُ) [456] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 106. (المُتَرْجِمُ) [457] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 116. (المُتَرْجِمُ) [458] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 110. (المُتَرْجِمُ) [459] من الجدير بالذكر أن آية الله محمد باقر الكمرهاى كان من أصدقائي الحميمين وكان بيننا مخالطة وصحبة وثيقة جداً. وقد قام بترجمة كتاب «كمال الدين» للشيخ الصَّدوق لأجل كتاب فروشي إسلامية في طهران وتمّ نشر الترجمة مع النص العربي، وقد ساهمتُ في تصحيح الأخطاء المطبعية لذلك الكتاب لذا قام المترجم بذكر اسمي في الصفحة الأخيرة من الجزء الثاني من الكتاب وأهدى إليّ نسخة منه بعد طبعه ونشره، وما نقلته هنا من كتاب «كمال الدين» منقول عن هذه النسخة المذكورة. [460] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 54. (المُتَرْجِمُ) [461] راجعوا حول هذا الادِّعاء كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (باب 121: ثبات الإمامة في الأعقاب....، ص 609- 610). [462] من الضروري في هذا الموضوع مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (الأبواب من 130 إلى 134، الصفحات من 658 إلى 669). [463] ليعلم القارئ المحترم أن «أبا زيد العلوي» مؤلِّف كتاب «الإشهاد» كان من الزيدية، و لم يكن في وسع «ابنِ قِبَّةَ» أن يتَّهم أتباع ذلك المذهب - كما فعل في اتهام أهل السنة بغير وجه حق بأنهم أعداء عليٍّ عليه السلام!! - ببغض أئمة أهل البيت عليهم السلام والتعصب ضدَّهم، ولكن هذا لم يمنعه من قوله عن «الزيدية» في آخر ردِّه على الكتاب المذكور: "وهي أشدُّ الفِرقِ علينا"! (فتأمَّل)! [464] قال الشيخ علي أكبر الغفاري محقق كتاب «كمال الدين»: "هو «فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني» نزيل العسكر من أصحاب الرضا (ع) غال ملعون أهدر أبو الحسن العسكري (ع) دمه وضمن لمن يقتله الجنة، قتله جنيد. راجع منهج المقال، ص 257.". انتهى (المُتَرْجِمُ) [465] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 107. (المُتَرْجِمُ) [466] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 54. (المُتَرْجِمُ) [467] أما في حالة خليفة الإمام جعفر الصادق (ع) فاضطررتم - فراراً من الإقرار بأنه كان الابن الأرشد للإمام الصادق - أن تتحجَّجوا بوجود عيب جسماني فيه، بل اعتبرتموه جاهلاً!! والسؤال: ألم يكن عبد الله يعيش في بيت أبيه، أفلم يتعلم خلال مدة حياة أبيه أي شيء من العلم منه؟! وليتذكر القارئ المحترم أن «ابنَ قِبَّةَ» هو من علماء الشيعة الإمامية الذين لم يكونوا يعتقدون بعلم الأئمَّة بالغيب. راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الباب 138، لا سيما الحديثين 13 و 14)، لتروا كيف أنهم يراعون الأصول والقواعد فقط عندما يصب ذلك في مصلحتهم ويوافق هواهم وميلهم!! [468] أين تمَّ إثبات هذا العلم أي الدلائل الأخرى التي تدعيها؟! إنك لم تذكر قبل عدَّة أسطر من دليل لمعرفة الإمام سوى الأخبار المتواترة ولم تشر إلى «أدلة أخرى يذكرونها»!! [469] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 55 . (المُتَرْجِمُ) [470] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 58. (المُتَرْجِمُ) [471] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 107. (المُتَرْجِمُ) [472] أي إذا كان من يقوم مقام الإمام السابق إماماً قائماً، أي ظاهراً. [473] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 57 . (المُتَرْجِمُ) [474] ينبغي الرجوع إلى كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، فصل «تاريخ الأئمة يُكذّب أحاديث النص على الأئمة»، (ص 233 إلى 266)، وكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (الأبواب من 128 إلى 139، ص643 إلى 696) وكتاب «معرفة الحديث» للأستاذ الشيخ محمد باقر البهبودي، ص 90 إلى 94. [475] راجعوا في ذلك كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (فقرة فرق الشيعة بعد الإمام الصادق، الصفحة 282، وفقرة فرق الشيعة بعد الإمام الهادي، الصفحة 287). [476] كالحديث 3 من الباب 128 في الكافي. راجعوا التحرير الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 881 - 882. [477] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 61 . (المُتَرْجِمُ) [478] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 111 . (المُتَرْجِمُ) [479] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 112. (المُتَرْجِمُ) [480] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 124. (المُتَرْجِمُ) [481] كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص 516. (المُتَرْجِمُ) [482] راجعوا الصفحة 300 من الكتاب الحالي. [483] نُذَكِّر بأن «ابْنَ قِبَّةَ» كان من القائلين بعدم علم الأئمَّة بالغيب، وأن من يقول إن الأئمَّة يعلمون الغيب خارجٌ عن الإسلام. وارجعوا أيضاً إلى كتاب «تضادّ مفاتيح الجنان مع القرآن» (ص 192 إلى 196 و ص 323 إلى 324). [484] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 111. (المُتَرْجِمُ) [485] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 111 - 112. (المُتَرْجِمُ) [486] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 113. (المُتَرْجِمُ) [487] في هذا الموضوع ألَّف المُحقق الفاضل أخونا المجاهد المرحوم «حيدر علي قلمداران» كتاباً فريداً من جزأين بعنوان «حقائق عريان در اقتصاد قرآن» [الحقائق المكشوفة في اقتصاد القرآن]، الجزء الأول منه خاص بفريضة الزكاة، والجزء الثاني خاص بموضوع «الخُمس». ونوصي القراء الكرام بقراءة هذا الكتاب وصية مؤكدة. [488] يجب أن ننتبه إلى أن أخذ خُمس ما يغنمه الفرد من غير غنائم الحرب لم يكن معروفاً لدى المسلمين حتى عهد الإمام الصادق (ع)، ولذلك فإن على من يدَّعي العمل بالكتاب والسنة أن يأتي بدليل يثبت أن رسول الله ص وأميرَ المؤمنين علياً ÷ طَالَبَا الناسَ في فترة حكمهما بدفع خمس أموالهم، أو يثبت أن علياً اعترض على عدم قيام الخلفاء الثلاثة قبله بتطبيق سنة جباية خمس أموال الناس. أما الإتيان برواية عن حضرة الصادق (ع) أو حضرة الكاظم (ع) فإن هذا لا يحل المشكلة. ينبغي هنا الرجوع إلى كتاب «الخمس» وكتاب «رسالتان» للمرحوم حيدر علي قلمداران. [489] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 59. (المُتَرْجِمُ) [490] من علامات الخداع والتضليل الذي يمارسه «ابْنُ قِبَّةَ» أنه يُعَبِّر في جميع أنحاء رسائله عن الذين لم يختاروا علياً لمنصب الإمامة بعد النبي مباشرةً بعبارة: "أعداء علي"!! (فتأمَّل) مع أن الحقيقة هي أن أصحاب النبي ص - خلافاً لادعائه الكاذب - كانوا على علاقة طيبة بعليٍّ (ع) ولم يكن بين عليٍّ (ع) وبينهم عداوة. (يُراجع كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، ص 373 وما بعدها) و كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، ص 120. هذا وقد بيَّن حضرة علي (ع) كيف يكون سلوكه مع أعدائه بالعبارات التالية: "إِنِّي واللهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وهُمْ طِلاعُ الأرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ ولا اسْتَوْحَشْتُ وإِنِّي مِنْ ضَلالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ والْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي ويَقِينٍ مِنْ رَبِّي، وإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللهِ لَمُشْتَاقٌ وحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ ولَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ الأمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وفُجَّارُهَا فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللهِ دُوَلاً وعِبَادَهُ خَوَلاً والصَّالِحِينَ حَرْباً والْفَاسِقِينَ حِزْباً...". (نهج البلاغة، الرسالة 62). و قال: "أَلا وإِنِّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ رَجُلاً ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ"(نهج البلاغة، الرسالة 173). بناء على ذلك فإن علياً (ع)لم يكن ليبايع الفجَّار والمدَّعين الكذبة مُطْلَقَاً، فضلاً عن أن يبايع الكُفَّار! [491] لم ينقل «ابْن قِبَّة» هذا الحديث بأمانة، لأن ما قاله النبيّ ص في غدير خم هو دعاؤه الله تعالى بقوله: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاه ". [492] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 59 - 60. (المُتَرْجِمُ) [493] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 125 - 126. (المُتَرْجِمُ) [494] من الضروري في موضوع الخلافة المباشرة لحضرة علي (ع) قراءة «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، (الفصلان الخامس والسادس من الباب الثاني، ص347 وما بعدها)، ومراجعة الصفحة 408 أيضاً من الكتاب الحاضر. [495] يُراجع «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الباب 176، ص 829). ملاحظة: يشير المؤلف البرقعي في هذا إلى ما روي عن الإمام الصادق ÷ من قوله: "ولقد ولدني أبو بكر مرتين" في إشارة إلى انتساب الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) إلى أبي بكر من طريقين إذْ كان الإمام (ع) ابن فاطمة الملقَّبة بـ «أم فروة». وأم فروة هذه كان أبوها: القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمِّها: أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. (المُتَرْجِمُ) [496] يُنْظَر: ابن عساكر الدمشقي، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري، دار الفكر، ج13، ص 69 و70 و71. (المُتَرْجِمُ) [497] يراجع كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 117 إلى 119 و ص 157 فما بعد). [498] مستدرك نهج البلاغة، الشيخ هادي كاشف الغطاء، ص 119 – 120، (طبع لبنان) وقارن بالرسالة رقم 62 من نهج البلاغة. وقد ذكر أخونا الفاضل السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي هذه الرسالة في كتابه الشريف «راهى به سوى وحدت اسلامى» [طريق نحو الوحدة الإسلامية]، (الصفحات 164 إلى 167). [499] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 98. (المُتَرْجِمُ) [500] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 61. (المُتَرْجِمُ) [501] من الضروري في هذا الأمر الرجوع إلى كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (فقرة: نتيجة ما سبق، ص 138 إلى 142). وإلى كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الباب 22 «باب اختلاف الحديث» في الصفحات 229 إلى 240 والباب 119 في الصفحات 597 إلى 607). [502] سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القُمِّيّ (ت 301هـ)، المقالات والفرق، صحَّحه وقدَّم له وعلَّق عليه الدكتور محمد جواد مشكور، نشر طهران، مؤسسه مطبوعاتى عطائى، ط2، ص 75. [503] المقالات والفرق، الأشعري القمي، ط2، ص 25. ومن الطريف أن نعلم أن «ابْنَ قِبَّةَ» قال في معرض رده على كتاب «الإشهاد» مُذَكِّراً مؤلفه: "و التغرير بالنفس قبيح و من التغرير أن تخرج جماعة قليلة لم تشاهد حرباً ولا تدربت بدربة أهله إلى قوم متدربين بالحروب تمكنوا في البلاد وقتلوا العباد وتدربوا بالحروب ولهم العدد والسلاح والكراع ومن نصرهم من العامة ويعتقدوا أن الخارج عليهم مباح الدم مثل جيشهم أضعافاً مضاعفة. فكيف يسومنا صاحب الكتاب أن نلقي بالأغمار المتدربين بالحروب؟! وكم عسى أن يحصل في يد داع إن دعا من هذا العدد؟! هيهات هيهات، هذا أمر لا يزيله إلا نصر الله العزيز العليم الحكيم". (كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 119). وراجعوا أيضاً كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، فصل «نتيجة ما مرَّ» ، ص 138 فما بعد. [504] من الضروري الرجوع إلى الكتاب الشريف «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (فصل «العقل منكر للنص»، ص 68 إلى 75) حيث أورد مؤلفه المحترم المرحوم «قلمداران» قول الشيخ مرتضى مطهري في هذا المجال. [505] قارنوا بين كلام «ابْنِ قِبَّةَ» هنا و كلام «أبي سهل النوبختي» (الفقرة 5) في الكتاب الحاضر. [506] يعني أن الذين رووا ونقلوا لنا إمامته، فأوجب نقلهم هذا عِلمنا بإمامته، هم أنفسهم سيثبتون وينقلون لنا عند ظهوره أنه هو ابن الحسن بن علي العسكري!! [507] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 62. (المُتَرْجِمُ) [508] وصف صاحب كتاب «المقالات والفِرَق» هذه الفرقة بقوله: "فرقةٌ ثالثة زعمت أن الإمام بعد جعفر، محمد بن إسماعيل بن جعفر، وأمه أم ولد وقالوا إنَّ الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه فلما تُوفِّي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الأمر لمحمد بن إسماعيل وكان الحق له، ولا يجوز غير ذلك لأنها لا تنتقل من أخ إلى أخ بعد حسن وحسين، ولا تكون إلا في الأعقاب. ولا يكون لإخوة إسماعيل: عبد الله الأفطح، وموسى في الإمامة حق كما لم يكن لمحمد بن الحنفية [أخي حضرة سيد الشهداء] فيها حق مع علي بن الحسين. وأصحاب هذه المقالة يُسَمَّونَ المُباركية برئيس لهم كان يُسَمَّى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر". انتهى. (كتاب «المقالات والفِرَق»، الفقرة 157، الصفحتان: 80 - 81) [509] طالما لا يوجد في الخلافات بين المذاهب الإسلامية دليل أو مستند شرعي أو عقلي فستبقى مثل هذه المجادلات إلى أن تقوم الساعة ويُنفخ في الصور! [510] لنفرض أنك تُصِرُّ مُتعصِّباً على أن حديث الغدير يدل دلالة واضحة على النص على عَلِيّ (ع) خليفةً وأميراً وحاكماً، وأن الحُجَّةَ قد تمَّت في هذا الموضوع على المهاجرين والأنصار! وأن الإمام عَلِيّاً لم يُظهر لهم معجزة لإثبات إمامته الإلهية لأنهم أنكروها عناداً وعن علم!! فنقول: إن النبيّ لم يُعرّف في خطبته الغديرية حضرة السجاد أو حضرة موسى بن جعفر أو ..... للأمة بوصفهم حكاماً وخلفاء على الناس من بعده فلماذا لم يقوموا بالإتيان بمعجزات لإظهار إمامتهم وإتمام الحُجَّة على الخلق؟! [511] خاصة في زمن الصفوية أو زماننا حيث يدعو الناس لدينا ليل نهار أن يُعجّل اللهُ فَرَجَ المهدي ويصرفون أموالاً طائلة على إضاءة المصابيح في الشوارع وتوزيع الحلوى لأجله! [512] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 106. (المُتَرْجِمُ) [513] جاء في كتاب «المقالات والفِرَق»: "..... فمال إلى عبد الله وإمامته جُلُّ مَنْ قال بإمامة أبيه وأكابر أصحابه، إلا نفر يسير عرفوا الحق، وامتحنوا عبد الله بالمسائل في الحلال والحرام والصلاة والزكاة والحج فلم يجدوا عنده علماً، وهذه الفرقة القائلة بإمامة عبد الله بن جعفر هم المُسَمَّوْنَ بالفطحية، سُمُّوا بذلك لأن عبد الله كان أفطح الرأس وقال بعضهم كان أفطح الرجلين.. ومال عند وفاة جعفر والقول بإمامة عبد الله عامَّةُ مشايخ الشيعة وفقهاؤها ولم يشُكُّوا إلا أن الإمامة في عبد الله وفي ولده من بعده.". (كتاب «المقالات والفِرَق»، الفقرة 162، ص 87). وتُراجَع أيضاً الصفحة 93 من كتاب «معرفة الحديث» للشيخ محمد باقر البهبودي. [514] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 114. (المُتَرْجِمُ) [515] كان «ابْنُ قِبَّةَ» منتبهاً إلى أهمية عطف «العترة» على «الكتاب» بواو العطف، وما يستتبعه ذلك من اتِّحاد الحكم فيهما، لذلك نجده يصرِّح قائلاً: "... لأن الكتاب والعترة خُلِّفَا مَعَاً وَالخَبَرُ نَاطِقٌ بِذَلِكَ شَاهِدٌ بِهِ". (انظر كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 116). [516] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 94 و ص 95. (المُتَرْجِمُ) [517] حول هذا الحديث يُراجَع ما ذكرناه في التنقيح الثاني لكتاب كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (فصل «ما العمل إذن؟» ص 62 فما بعد). [518] إذاً هل تعترفون أن الأحاديث التي نقلها أمثال المجلسي في أن حضرة العسكري (ع)عرف شيعته بابنه بوصفه الحُجَّة من بعده، أحاديث كاذبة؟! [519] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 113. (المُتَرْجِمُ) [520] يقصد: أبا زيد العلوي الزيدي صاحب كتاب «الإشهاد» في الرد على الإمامية. (المُتَرْجِمُ) [521] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 115 - 116. (المُتَرْجِمُ) [522] هنا يجدر أن نرد عليه بعبارته ذاتها التي وصم بها الشيخ الزيدي صاحب كتاب «الإشهاد» بقوله: "ولم يقل في شيء من ذلك: الدليلُ على صحة تأويلي كيت كيت، وهذا شيء لا يعجز عنه الصبيان!!". (كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 125). (المُتَرْجِمُ) [523] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 120. (المُتَرْجِمُ) [524] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 126. (المُتَرْجِمُ) [525] انتبهوا إلى أن «ابْنَ قِبَّةَ» اعتبر في احتجاجه على العالم الزيدي حضرة المجتبى تاركاً للقتال والحرب وأن سؤالنا مبني على ما يقوله «ابْنُ قِبَّةَ» ويلتزم به. [526] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....» الباب 130. [527] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 99 - 100. (المُتَرْجِمُ) [528] لأن الغبار الموجود فوق الصخرة يشمله معنى الصعيد أي التراب. [529] من الجدير بالذكر أن قصدنا من الإنصاف وعدم التعصب أن يقوم الشخص ببيان أكثر ما يمكنه من الدلائل والقرائن لإثبات وجهة نظره، وأن لا يتجاهل أيَّ واحد من الأصول ولا يتعامى عن سائر الآراء المخالفة، وإنْ عدل عن قاعدة كلية فعليه أن يأتي بدليله على ذلك. بناءً عَلَى ذَلك، كلما استند الرأي الفقهي إلى الدليل والشواهد والقرائن أكثر وكلما كان تجاهله للأصول والقواعد أقل كان أقرب للإنصاف وأوجب للاتِّباع. فمثلاً في المثال الذي ذكرناه أعلاه تجاهل مَنْ أفتى بجواز التيمُّم بالصخر في الواقع وجود كلمة «منه» في الآية 6 من سورة المائدة ولم يأتِ بتفسير لهذه الكلمة أو لم يُبيِّن ما محلها، أما العالم الذي أفتى بعدم جواز التيمُّم بالصخر فإنه -شأنه في ذلك شأن العالم الذي أجاز ذلك- راعى لزوم التقيد بالدلالة اللفظية واللغوية للكلمات كما أولى عنايته عمل رسول الله ص وأصحابه، ولكنه خلافاً لصاحب الرأي الأول أعطى لكلمة «منه» شأناً ومحلاً ولم يتجاهلها. بناءً عَلَى ذَلك، فلديه نقاط استناد أكثر من صاحب القول الأول فيما رجَّحه من رأي. (فَتَأَمَّل). في رأينا لو رُوعِيَتْ هذه القواعد التي أشرنا إليها في جميع موارد الاختلاف في الآراء الفقهية فإن هذه الاختلافات إن لم تَزُلْ نهائياً أصبحت ضئيلةً للغاية. [530] راجعوا في هذا الموضوع كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الباب 159. [531] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 121. (المُتَرْجِمُ) [532] بالنسبة إلى موضوع البيعة ورأي أمير المؤمنين علي ÷ بشأنها لا بُدَّ من الرجوع إلى كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، (الفصلان الخامس والسادس، الباب الثاني، ص 351). وكتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 28- 29). [533] كي يتمكّن الناس من مقارنة دلائله ومستنداته بدلائل سائر العلماء ومستنداتهم فلا يكون اتِّباعُهُم له تقليداً أعمى! (فَتَأَمَّل) [534] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 122 - 123. (المُتَرْجِمُ) [535] يُراجع الباب المذكور -أي الباب 59- من كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول». [536] الحديث رواه أبو داود في سننه (3593) والترمذي في سننه (1327) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ". وأخرجه أيضاً الدارمي في السنن (168) وأحمد بن حنبل في المسند، ج 5، ص 230، ح(22357). ولكن البخاري قال في "التاريخ الكبير" (ج2، ص 277): "لا يَصِحُّ". ومن طريق الطيالسي أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (ج2، ص 758- 759), وقال: "هذا حديث لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه". انتهى. وحكم الألبانيُّ بضعفه. (المُتَرْجِمُ) [537] يقصد آخر ملوك إيران الشاه محمد رضا بهلوي الذي أُطيح به عام 1979. (المُتَرْجِمُ)