بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

الإسْلام والرَّجْعَة

 

 

ألفه (بالفارسية) الأستاذ الشيخ:

عبد الوهاب فريد تُنْكَابُني

تلميذ المصلح الشهير آية الله محمد حسن شريعت سنغلجي (1943م)

 

 

 

 

ترجمه إلى العربية وقدَّم له وعلَّق حواشيه

سعد محمود رستم


 

 

 

 

 

 

 

P


 

مقـدمة المترجـم

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله وكفى، وسلامٌ على عبادِهِ الذين اصطفى، لا سيما خاتم أنبيائه وأشرف رسله محمدٍ الهادي المجتبى وآله أعلام التُّقى ومصابيح الهُدَى وصَحْبِهِ أهل الهجرة والنصرة والوفا، وَمَنْ بِنَهْجِهِم اهْتَدَى وَلِطَرِيقِهِم اقْتَفَى، وبعد،

فلقد شهد القرن الميلادي العشرين منذ بداياته (أوائل القرن الهجري الرابع عشر) ظهور عدد من المصلحين المجدِّدين بين علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية في إيران دعوا إلى النقد الذاتي وإعادة النظر في العقائد والممارسات الشيعية الموروثة، ونبذ البدع الطارئة والخرافات الدخيلة، وإصلاح مذهب العترة النبوية بإزالة ما تراكم فوق وجهه الناصع منذ العصور القديمة من طبقات كثيفة من غبار العقائد الغالية والأعمال الشركية والبدعية، والأحاديث الخرافية والآثار والكتب الموضوعة، والعودة به إلى نقائه الأصلي الذي يتجلى في منابع الإسلام الأصيلة: القرآن الكريم وما وافقه من الصحيح المقطوع به من السنة المحمدية الشريفة وما أيَّدهما من صحيح هدي أئمّة العترة الطاهرة وسيرتهم.

وكان إرهاصة هذا الخط التجديدي الإصلاحي وصاحب السبق فيه «آية الله الشيخ محمد حسن شريعت سنغلجي» وتلميذيه: الشيخ «عبد الوهاب فريد تنكابني» مؤلف كتابنا الحالي «الإسلام والرجعة»، والأستاذ الفاضل «الحاج يوسف شُعَار التبريزي»، وقد تأثّر بهم أو واصل دعوتهم من بعدهم مئات العلماء أو المراجع أو الأساتذة الفضلاء من الشيعة في إيران وانتهجوا نهجهم بِصُوَرٍ مختلفة ودرجات متفاوتة، منهم - على سبيل المثال لا الحصر -: السيد أسد الله خرقاني والمرجع المجاهد آية الله الشيخ محمد مهدي الخالصي، والدكتور المناضل علي شريعتي.. وصولاً إلى آية الله السيد أبو الفضل بن الرضا البرقعي والأستاذ حيدر علي قلمداران القُمِّيّ والشيخ إسماعيل آل إسحاق الخوئيني وآية الله السيد محمد جواد الموسوي الغروي الأصفهاني وآية الله الدكتور محمد الصادقي الطهراني والعلامة السيد مصطفى حسيني الطباطبائي ومؤخّراً الأستاذ أحمد الكاتب و... الخ.

وقد أطلق بعض المعاصرين(1) على هذا التيار الإصلاحي التجديدي اسم «القرآنيون الشيعة» لأن أصحابه أحسّوا بشيء من تغييب النص القرآني في الثقافة الشيعية لصالح الروايات والأخبار، لذا عملوا - من جهة - على ترسيخ المرجعية القرآنية، ولاسيما فكرة إمكان فهم النص القرآني بلا حاجة للحديث، كما عملوا - من جهة أخرى - على نقد التراث الروائي الشيعي بل على التشكيك بمكانة معظم الأخبار والأحاديث من الأساس، بنقد مصادرها، وإثبات ركاكتها.

وقد بدأ هذا التحوّل الجديد نحو النصّ القرآني مع آية الله الشيخ محمد حسن شريعت سنغلجي (المتوفى سنة 1943م)، الذي يمكن تسميته «مؤسّس المدرسة السلفية القرآنية الشيعية الحديثة».

تتلمذ الشيخ «شريعت سنغلجي» على علماء إيران من أمثال الشهيد فضل الله النوري، والشيخ النبي النوري، والميرزا الكرمنشاهي، الذي درس الفلسفة عنده، والميرزا هاشم الأشكوري الذي درس عنده العرفان، ثم سافر إلى العراق، ودرس عند المحقق آغا ضياء الدين العراقي، والسيد أبي الحسن الأصفهاني. وتأثّر «شريعت سنغلجي» بمدرسة الشيخ هادي نجم آبادي في طهران، ثم عكف على تدريس القرآن في المدينة نفسها، وأسّس داراً عرفت بدار التبليغ، إلاّ أنّه ووجه بالرفض من جانب المؤسسة الدينية الرسمية، حتّى عرّض به الإمام الخميني في كتابه كشف الأسرار(2)، ويقول سنغلجي أنّه قد مورست عليه ضغوط كثيرة، وأنه قد جرت محاولتان لاغتياله، بيد أنهما باءتا بالفشل(3).

ألّف سنغلجي كتباً عديدة من أهمها كتابه «توحيد عبادت» أي (توحيد العبادة) الذي نقد فيه كثيراً من العقائد والممارسات التي أصبحت رائجة بين عوام الشيعة الإمامية عند مراقد أئمة أهل البيت وذراريهم من تعظيمٍ للقبور وغلوٍّ بالأئمة وطوافٍ حول الأضرحة المنتشرة في كل حدب وصوب ونَذْرٍ لها واستغاثةٍ بأصحابها مما عتبره أعمالاً شركية تتناقض مع توحيد العبادة الذي هو أساس الإسلام، مما جعله يحسب على التيار المناصر للحركة الوهابيّة في إيران آنذاك، بيد أنّ أهمّ كتاب تركه الشيخ «شريعت سنغلجي» يكشف عن منهجه الإصلاحي كان كتاب «كليد فهم قرآن» أي (مفتاح فهم القرآن)، فقد رأى سنغلجي في كتابه هذا أن المسلمين هجروا القرآن، فكان نصيبهم الفشل والخسران، وأن الحّل الوحيد يكمن في الرجوع إلى الكتاب الكريم. إلاّ أنّ السؤال كيف يمكن فهم القرآن؟ هذا ما يجيب عنه «شريعت سنغلجي» بأخذ الدين عن السلف لا الخلف، أولئك - أي الخلف - الذين جاؤوا مع الفلسفة والتصوّف والاعتزال(4). ولكي يؤسّس لمرجعية القرآن ودور السنّة الشريفة طرح في كتابه أفكاراً أساسيةً هامَّةً حول القرآن الكريم منها أن النص القرآني غير محرّف، ويذكر سنغلجي أدلّته على ذلك، وأن القرآن قابل للفهم، لا يحتاج لغيره، وأن القرآن مستوعب لتمام قضايا الدين الأساسية، دون أن يعني ذلك التخلي عن السنة النبوية بل ينتقد سنغلجي تلك الحركة التي حاولت رفض السنّة الشريفة رفضاً مطلقاً، ويرى أنّ الحاجة قائمة لها، لكن القبول بمبدأ حجية السنّة، لا يعني تدخّلها في شؤون الدين كافّة، من هنا يطرح سنغلجي تفصيلاً في دور السنّة يتمثّل، برأيه، في الحاجة إلى السنّة في مجال الشرعيات، لأنّها تفصّل أمر الكتاب الكريم، أما العقائديات الأساسية التي عليها مدار النجاة والهلاك فالقرآن تكفَّل ببيانها ولا حاجة - عند سنغلجي - للسنّة فيها(5).

وقد تحوّل سنغلجي إلى تيار في إيران، إذ وقع تحت تأثيره جماعة، واستمرّ تياره في النفوذ والتنامي داخل الوسط الديني في إيران حتى نهاية الخمسينات من القرن العشرين حين طغت عليه الأحداث السياسية للثورة الإيرانية، فغاب عن الواجهة حتى اليوم.

وكان من جملة من تأثر بالشيخ «شريعت سنغلجي» وسار على منهجه القرآني تماماً تلميذه المقرَّب الشيخ «عبد الوهاب فريد تنكابني» مؤلف كتابنا الحالي «إسلام ورجعت» الذي ردَّ فيه عقيدة «الرَّجْعَة» -التي يعتبرها معظم علماء الإمامية من العقائد الأساسية للمذهب الإمامي الاثني عشري وأن الأخبار تواترت عن الأئمة في إثباتها!- وأسَّسَ من خلال ذلك لمنهج نقدي شامل للتراث الحديثي الشيعي وما ابتنى عليه من عقائد مغالية.

«عبد الوهاب فريد تنكابني» وترسيخ الاتجاه القـرآني الجديد ونقد الروايات الشيعية:

يعلن «عبد الوهاب فريد تنكابني» في مقدمة كتابه «إسلام ورجعت»(6) أنّ الحلّ يكمن في نبذ الخرافات والأساطير وألوان التعصّب، ثم العودة إلى القرآن الكريم، تلك هي الرسالة التي أرادتها حركة سنغلجي في الأوساط الشيعية. ويفي «عبد الوهاب فريد» بدعوته للرجوع إلى القرآن، حيث نلاحظه، كما نلاحظ أكثر أنصار مدرسة القرآن الشيعية الجديدة، يعتمد كثيراً على النص القرآني، إذا نجد هذا النص حاضراً بقوّة في ثنايا المصنفات والتأليفات، مما يكشف عن جدية الدعوة ورسوخها العلمي النظري معاً عند أصحابها.

وإذا كان «شريعت سنغلجي» قد ركّز - بوصفه المؤسّس - مفهوم مرجعية القرآن، فإنّ «عبد الوهاب فريد» ساهم في تلك الحقبة في نقد التراث الحديثي والروائي الشيعي لصالح المرجعية القرآنية عينها، إذ فتح موضوع «وَضْع الحديث»، ذلك الموضوع الهامّ الذي لم تعرفه -بهذا الشكل- الثقافة الشيعية، رغم كثرة الأحاديث والأخبار الموضوعة في تراثها.

عالج «عبد الوهاب فريد» ظاهرة «وضع الحديث» وأسبابها وتطبيقاتها في دنيا الحديث والمحدّثين بشكل مفصَّل، وذكر سبعة أسباب لوضع الحديث هي: (1) الخلاف السياسي: وهنا يذكر «عبد الوهاب فريد» -فيما يذكر- الأثر السيّئ الذي تركته فرق غلاة الشيعة كالسبئية والخطابية والكيسانية وغيرها في التراث الروائي الشيعي (2) التعصّب والانحياز القومي، والمذهبي، والمناطقي: وهنا تظهر روايات العرب، والعجم، وخواص البلاد والمدن و.... (3) اختلاط المسلمين بالأجانب ودخول الفلسفة اليونانية والشرقية إلى الثقافة الإسلامية: وهنا يذكر «عبد الوهاب فريد» جملة أمثلة هي: أحاديث تفسير قصص القرآن، وأسرار الخلق والكون، وأحاديث التناسخ، وأحاديث تحريف القرآن، وروايات كيفية المعراج، وأخبار الرجعة، وروايات التجسيم والتشبيه و.... (4) ظهور فرقة الزنادقة وهدفها في تخريب الإسلام. (5) التقرّب للخلفاء، ونيل المكانة الاجتماعية. (6) الارتزاق وكسب الأموال. (7) ترغيب وترهيب جماعات الزهد والتصوّف.

ثم انتقل «عبد الوهاب فريد» إلى بيان معايير كشف الحديث الموضوع، فذكر ستة معايير، هي ذاتها المعايير التي قرَّرها علماء أهل السنة لمعرفة الحديث الموضوع وهي:

1- ركاكة التعبير أو المعنى. 2- مخالفة العقل. 3- مخالفة القرآن، ويعتبره مهماً جداً. 4- مخالفة السنّة المتواترة أو الإجماع القطعي. 5- ما تكثر الدواعي إلى نقله ولم ينقله سوى عدد محدود. 6- ترتيب الخبر ثواباً عظيماً أو عقاباً أليماً على أمرٍ بسيط جداً. ويخلص «عبد الوهاب فريد» إلى استحالة وجود حديث متواتر في غير ضروريات الدين.

والحاصل أن هذا الكتاب يمثِّل في الواقع الخطوة الأقدم للإصلاحيين الشيعة في نقد التراث الحديثي الشيعي، بعد تأسيس سنغلجي لمشروع ترسيخ المرجعية القرآنية والعودة المجدَّدة إلى القرآن الكريم في الأوساط الشيعية وجعل القرآن الكريم المعيار الأساسي والأول لقبول أو رفض كل الموروث الروائي والعقائدي الشيعي.

وقد عانيت خلال ترجمتي لهذا الكتاب من موضوع اقتباسات مؤلفه من بعض الكتب العربية القديمة التي كانت في عصره ولم تعد متوفرة اليوم، مثل كتاب «الوحي المحمدي» للسيد محمد رشيد رضا، وكتاب «تاريخ التمدن الإسلامي» لجرجي زيدان، و«دائرة معارف القرن العشرين» لفريد وجدي..الخ، لعدم جواز ترجمة هذه الاقتباسات بلغتي بل ضرورة العودة إلى الكتب الأصلية لنقل العبارات المقتبسة بألفاظها، مما اضطرني إلى الرجوع إلى المكتبات العامة بحثاً عنها وقد ظفرت بها جميعاً وَلِـلَّهِ الحمد، سوى المرجع الرجالي الذي رجع إليه المؤلف كثيراً بل كان مرجعه الوحيد في تراجم رواة أحاديث الإمامية وهو كتاب «تنقيح المقال في علم الرجال» لآية الله عبد الله المامقاني (1350هـ) فلم أظفر به، ولكنني حللت المشكلة بالرجوع إلى المراجع الرجالية الأقدم التي نقل عنها المامقاني ذاته كرجال النجاشي واختيار معرفة الرجال للكشي ورجال ابن الغضائري وخلاصة الأقوال للعلامة الحلي.. الخ، فنقلت العبارات منها، ومع ذلك اضطررت أحياناً إلى أن أترجم اقتباس المؤلف من كتاب المامقاني ترجمةً حرفيةً بلغتي لأني لم أجد عين عباراته في الكتب الرجالية الأقدم، فأرجو القارئ الكريم الانتباه إلى هذا الأمر، ولكي أكون دقيقاً ذكرت في الحاشية في مثل هذه الموارد (انظر المامقاني، تنقيح المقال) بدلاً من (الممامقاني، تنقيح المقال) إشارةً إلى أن النقل من المصدر هو بألفاظي أي بالمعنى وليس بعين ألفاظ المصدر.

وهنا أشير إلى أن الأصل في حواشي الكتاب أنها جميعاً للمؤلف نفسه، أما الحواشي والتعليقات التي علَّقتُها من عندي فميَّزتُها عن حواشي المؤلف بكلمة (المترجم) آخرَها.

هذا ما أردت ذكره في هذه المقدمة آملا أن ينفع الله تعالى بهذا الكتاب ويوقظ به أذهان المؤمنين المنصفين إلى مدى الحاجة إلى تنقية التراث الحديثي لاسيما الشيعي وإعادة النظر في كل ما انبنى عليه من عقائد وتصورات والعودة إلى القرآن الكريم، والحمد لله رب العالمين.

 

المترجم سعد رستم

 

+                     +                    +


 

افتتاحية

﴿ بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ ﴾

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف:1-3].

﴿ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران:8] ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران:193] ﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران:53] ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران:9]، ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران:38] ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة:250]، ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف:89]، ﴿ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم:8]، ﴿ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة:286] ﴿ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الممتحنة:4]، ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة:127].

+                     +                    +

 


 

ديباجة

إن الشيء الوحيد الذي أضعفَ اهتمامَ الناس بالإسلام اليوم وساقَ كثيراً من أبناء الإسلام نحو اللادينية، وفي الوقت ذاته أصبح أكبر مانع من تقدُّم الإسلام، هو الخرافات والأوهام التي اختلطت منذ أمدٍ طويلٍ بحقائق الإسلام الناصعة.

إن الإسلام الحالي، الإسلام الذي هُجِرَتْ تعاليمُه الأخلاقية والاجتماعية وسائر تشريعاته السامية الأخرى لتحلَّ محلَّها مجموعةٌ من العادات الباطلة، الإسلام الذي استفحلت فيه كل تلك الخرافات التي لا يمكن قبولها، وضربت الأساطير الباطلة جذورها في كل نواحيه، واحتجبت حقائقه العظيمة خلف آلافٍ من حُجُب الأوهام، والخلاصة الإسلام الذي فقد صورته الجميلة الأولى وأخذ حالياً هذه الصورة المنفرة! كيف يمكننا اليومَ أن ندعو الدُّنيا إليه؟!

كيف يمكننا أن نجذب أفكار الناس اليومَ إلى مثل هذا الدِّيْن؟! لا ريب أن أدمغة أبناء العصر الحاضر لم تعد مستعدة لقبول كل هذه الخرافات!

وإذا استثنينا جماعاتٍ من المسنّين الذين لا يزالون متمسِّكين بالدِّين بحكم العادة أو لعوامل أخرى، كيف يمكن للناسِ الذين تفتَّحت أعينهم وآذانهم على إثر هذه الثورات العلمية والتغيُّرات الأدبية والاجتماعية في العالم، واستيقظوا إلى حدّ ما، والمجتمع الذي فُتن بمظاهر الحضارة الغربية وأخذت الأفكار العصرية مكانها في أعماق روحه، خاصَّةً أولئك الذين لهم معرفة بالبرهان والمنطق، أن يقبلوا قبولاً أعمى بكل تلك الخرافات؟! إننا نقول بكل صراحة إن مثل هذا الدِّين الذي أصبح ممتزجاً بكل هذه الأباطيل محكومٌ عليه بالفناء والزوال في هذا العالم بأوضاعه الحالية!

ويا للأسف! إن الإسلام، ذلك القانون السماوي الأخير الذي اجتثَّ بسرعة البرق شجرة الشرك والوثنيّة وأبلغ أهل الدنيا بصوت واضح انقضاء عهد الشرك وعبادة الأصنام، ورفع لواء التوحيد فوق أنقاض معابد الأوثان الكبرى في الدنيا، انظروا اليوم كيف ظهرت في عالمه مظاهرُ الوثنية ذاتها بأشكال متنوعة جديدة، وكيف تمكنت شجرة الشرك الكبيرة أن تتمدد من جديد في محيط التوحيد وكيف تراخت أمة الإسلام المسكينة وركنت في ظل هذه الشجرة الخبيثة!

ذلك الإسلام الذي جعلت شريعته المقدَّسة العلمَ والعملَ عموديها الأساسيين ودَعَتْ جميعَ أفراد البشر إلى إعمال عقولهم والتفكير وإلى السعي والمجاهدة، انظروا كيف أظلَّت عالمه اليوم ظلمة الجهل وكيف غرق أتباعه في الكسل والتخلف!

ذلك الدِّينُ الذي جعل هدفه تهذيب النفوس وغايته الأساسية تتميم مكارم أخلاق البشر، انظروا اليوم كيف سقط أتباعه بسبب فساد أخلاقهم في مستنقع الهلاك والشقاء وحلَّتْ بهم الغفلة والضلالة!

ذلك الدِّينُ الذي قامت تعاليمه الاجتماعية العظيمة على نواميس العدالة والأخوّة والتعاون، انظروا اليومَ كيف يتعدَّى أتباعه ويتطاولون على بعضهم البعض وكيف صار النفاق والتلّون بوجهين لهم سجية وكيف صارت الأنانية والغرور والعجب بالنفس ديدناً لهم.

وذلك النبيُّ الكريم الذي بنى أساس شريعته على الوحدة والاتحاد بين أفراد الأمة والمجتمع، وحذّر بأوضح العبارات من العواقب الوخيمة للتفرُّق والتنازُع، وذكّر بشكلٍ خاصٍّ بالمخاطر والمحذورات المترتّبة على العصبيّة الجاهليّة، انظروا اليوم كيف أصبحنا نرى بأم أعيننا كيف مزَّق الجهلُ والتعصُّبُ حبال الترابط بين أبناء أمته وفرَّق أفراد مجتمعه الإسلاميّ ورَمَى كلَّ فرقةٍِ منهم في ورطة الذل والشقاء!

الإسلام الذي اجتثَّ شجرة التقليد الأعمى ونشر في الوقت ذاته ناموس التجدُّد والإحياء في العالم، لاحظوا بكل حسرة كيف رضيَ المسلمون اليومَ أن يضعوا على رقابهم بلا خجل ولا حياء نير التقليد الأعمى للأمم الأخرى، وفقدوا بذلك كل مجدهم وعظمتهم الأولى!

الإسلام الذي ألغى كل التمايزات والعناوين الموهومة بين أبناء البشر وجعل المزيَّةَ الإنسانيّةَ الوحيدةَ مزيَّةَ التقوى، انظروا كيف سادت بين أبنائه اليوم التمايزات وكيف تشبَّثَتْ كلُّ جماعةٍ من أبنائه بعناوين موهومة لتبرِّر لنفسها استغلال زحمات وكدح الآخرين بلطائف الحيل!!

والخلاصة: ذلك الإسلامُ الذي طهّر صفحة العالم من لوث جميع الخرافات وطوى صفحة الموهومات، لاحظوا بدقَّة كيف حُجِبَتْ حقائقُه النيِّرةُ اليومَ بكلِّ هذه الحُجُب المظلمة من الخرافات، وكيف ابتُلي المسلمون بوضع مخجل حين صاروا مكبَّلين بكل هذه الموهومات!!

لذلك كلِّه يجب القيام بأسرع ما يمكن بعملية فَصْلٍ شاملةٍ للخرافات عن الدِّين، ويجب القضاء بكلِّ جدِّيَّة على هذا الخطر الكبير والمرض المهلك (مرض الخرافات والموهومات) الذي يهدِّد الإسلام أي يهدِّد منبع السعادة والفلاح، بشكل كامل. يجب أن ننهض إلى محاربة هذا العدو المهلك. يجب أن نقضيَ على جرثومة الفساد هذه التي انتشرت في عروق وأوردة أفراد مجتمعنا وهي تسوقنا اليوم نحو الزوال والانعدام. يجب حرق بيت المذلة والشقاء هذا. يجب اقتلاع هذه الشجرة الخبيثة من جذورها. وبالإجمال وكيفما كان، يجب أن نطهّر دين الإسلام المقدَّس، الذي هو الوسيلة الوحيدة لتأمين السعادة والسلامة في النشأتين، من لوث جميع الخرافات، وأن نُخْرِجَ حقائق القرآن المقدّس الشامخة من دائرة الأوهام المخجلة، وفي النهاية يجب أن نتمسَّك بكل قوَّة وبمنتهى الاستقامة بحبل الله المتين القرآن الكريم، وأن نطبِّق ونعمل بشريعة الإسلام كما كان عليه الأمر في عهود رُشْد ونموّ الإسلام الأولى، وإلا فَعَلَيْنَا وعلى الإسلام السلام!.

أيها الإخوة في الإيمان، يا أمَّة الإسلام! استيقظوا من مهد غفلتكم وجهلكم الذي غفوتم به! انتبهوا قليلاً إلى أوضاع العالم الحاليَّة وإلى وضعكم التعيس الأسود، انظروا كيف أصبحتم مرمىً لسهام المبشِّرين الأجانب المسمومة! وكم من الجراحات المهلكة يوقعونها كل يوم في جسد الإسلام، وكيف يستفيدون من جهلكم فيضعِّفُون إسلامكم ومنبع عزّتكم وسعادتكم بل يسعون للقضاء عليه وإطفاء نوره!

وإذا كان الأمر كذلك، فهل يجوز أن تساعدوا أعداءكم بتشبُّثِكم بكل تلك الخرافات وبتلك الأعمال الجاهلة؟؟ تعالوا وارحموا قليلاً حالكم وحال أبناء مستقبلكم ولا تساعدوا على هدم ذاتكم! انتهوا عن هذه الأعمال الجاهلة التي حجبت الإسلام بشكل كامل وسترت حقائقه، وابتعدوا عن كل هذه الخرافات التي لا يمكن قبولها والتي دخلت إلى الدِّين فأصبح كلُّ فريقٍ يعتقد بها بشكل أعمى ويتشبَّثُ بها من كل روحه وقلبه. وفي النهاية دَعُوا الإسلام المسكين بحاله وكُفُّوا عن تشويهه! لأن الإسلام بمبانيه المتقنة وحقائقه النيِّرة إذا تخلّص من أعمالكم الجاهلة هذه وخرج من تحت حُجُبِ الخرافات والأوهام المتراكمة فوقه، فإنه لن يقاوم أشد هجمات الأجانب قوَّةً فحسب، بل من شأنه أن يبسط نفوذه وتأثيره في زمنٍ قصيرٍ على كلِّ المعمورة. وا حسرتاه! إنَّ الإسلامَ محجوبٌ بالمسلمين!

أجل، لقد شغل موضوع ضرورة محاربة الخرافات والتعريف بحقائق الإسلام الصحيحة انتباهي وأرّق فكري منذ زمن طويل، حتى جعلتُ منذ ذلك الزمن إنجازَ هذا الأمر دَيْناً وواجباً في عُنُقي، ولا زلتُ أترصَّد الفرصةَ المناسبةَ لأداء هذا الدَّيْن وإنجاز هذا العمل والقيام بهذا الواجب الهامّ، وأحمد الله أني وجدتُ شيئاً من الفراغ المساعد على هذا الأمر فقمتُ بعون الله تعالى بالسعي إلى تحقيق أمنيتي القديمة هذه بقدر الوسع.

فاليوم أقوم في هذا الكتاب «إسلام ورجعت» (الإسلام والرجعة) بالتعريف بجانب من مزايا الإسلام وحقائقه الناصعة، وخلال ذلك أبيِّن بعض المسائل الهامة الخاصَّة بالحديث، وأوضِّحُ بعضَ الأمور الدخيلة على الإسلام والتي من جملتها مسألة «الرَّجْعَة»، مستخدماً في ذلك عبارات سهلة وأسلوب ميسّر يفهمه كل قارئ أياً كان مستواه العلمي. هذا ولمّا كانت عقيدة «الرَّجْعَة» قد فتحت باب الدعاوي الباطلة للأشخاص الدجّالين، ولما كان لها تأثيرٌ في نشر العصبيَّة المذهبيَّة، خاصَّةً في بلادنا إيران، كما أنها وجَّهَت في الوقت ذاته صفعةً كبيرةً إلى أركان التشيُّع، فقد عالجتُها في هذا الكتاب أكثر من غيرها.

ورغم أن المصلح المعظَّم والعلامة المحترم الشيخ «شريعت سنغلجي»(7) نهض منذ سنوات طويلة بإيمان كامل وعزم راسخ إلى شرح حقائق الإسلام وتوضيحها، وإزالة الخرافات والأوهام، وأبْطَلَ منذ مدَّة مديدة، في مدرسته «دار التبليغ»، عقيدةَ «الرَّجْعَة» ببيانات رائعة وجميلة وأتى عليها من جذورها، إلا أنَّني لمّا لاحظتُ أن هذا المطلب لم يتَّضح بعد وأسيئ فهمه بشكل كامل بل أثّر على جماعات تأثيراً سلبياً، خلافاً لما كان متوقعاً، إذْ جعل تلك العقيدة ترسخ فيهم أكثر من قبل!، ومن الجهة الأخرى فإن بعض الأشخاص المهووسين الذين يصطادون في الماء العكر، والمنتسبين إلى أطراف نعلمها جميعاً قاموا بنشر هذه العقيدة (أي عقيدة الرجعة) التي كانت منذ زمن بعيد مستورةً ضمن مجموعة من الكتب القديمة التي يعلوها الغبار، وطرحوها بين جماهير العامة على أساس أنها من المباني المتقنة للإسلام ومن مقومات فرقة «الإمامية»!، وباختصار لمّا رأيت أن الإسلام قد أُلبِس هذا اللباس المخجل الذي جعل إخوتنا المصريين الأعزّاء وأبناء البلدان الإسلامية الأخرى يهاجموننا نحن «الإمامية» بسبب هذه العقيدة وبسبب مقولات «الغُلاة» الأخرى، أردتُ أن أوضح أن الإمامية براء ومنزهون من هذه المقولة ولذلك اهتممتُ بهذه العقيدة أكثر من غيرها من مقالات «الغُلاة» وصرفتُ مدة في دراستها ودراسة أطرافها بشكل عميق وخرجتُ بهذا الكتاب طبقاً لما سمح به فكري الضعيف، ووضعته أمام إخوتي في الإيمان ليطالعوه.

ورغم أنني أعلم أن مثل هذا المبحث غير مستساغ لأغلب الناس لدينا، خاصة لقصيري النظر الذين سوف يلومونني ويهاجمونني بشأنه، وأنا أعلم علم اليقين أنني سأُبْتلى بسبب هذا الطريق الذي سلكته بأشواك كثيرة وبجفاء كثير! فالكل يعلم جيداً إلى أي حدِّ أُشربت في قلوب الناس الأوهامُ والخرافاتُ وأَنِسُوا بها حتى أنهم بمجرد أن يروا شخصاً مُصْلِحاً خَيِّراً قام لإصلاح مفاسدهم، يريد أن يأخذ من أيديهم أقل الأمور من العقائد التي لا أساس لها والعادات الباطلة التي اعتادوا عليها، ترتفع أصواتهم صارخين في كل حدب وصوب واشريعتاه، وامذهباه! ولكن رغم ذلك فإني لن أخشى أحداً في بيان الحق ولن أهابَه، لأن نصيرنا هو الحق والحقيقة، ومُعتَمَدُنا هو الله القادر المتعال وحده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

طهران- الخامس عشر من شهر جمادى الثاني 1300هـ

عبد الوهاب فريد

 

+                     +                    +


 

الإسلام دين الفطرة وشريعة الإنسانية

 

الإسلام دين الفطرة وشريعة الإنسانيّة، الإسلام دين العقل والفكر، الإسلام دين الوسطيّة الجامع بين حقوق الروح والجسم والحافظ لمصالح الدنيا والآخرة، الإسلام دين العلم والحكمة وشريعة البرهان والحجة، الإسلام عدو التقليد الأعمى والتعصّب الجاهل.

_____________________

 

قد أتى على البشر حينٌ من الدهر لا يعرفون من «الدين» إلا أنه تعاليم خارجةً عن محيط العقل كُلِّف البشر بها(8) مقاومةَ فطرتهم، وتعذيب أنفسهم، ومكابرة عقولهم وبصائرهم، خضوعاً للرؤساء الذين يلقِّنُونهم إيّاها، فإن انقادوا لسيطرتهم عليهم بها كانوا من الفائزين، وإن خالفوهم سراً أو جهراً كانوا من الهالكين.

حتى إذا بعث الله محمداً خاتم النبيين، يتلو عليهم آياته ويعلِّمهم الكتاب والحكمة ويزكِّيهم مما كانوا فيه من الضلال المبين - بيَّن لهم أنَّ دين الله الإسلام هو دين الفطرة، والعقل والفكر، والعلم والحكمة، والبرهان والحجة، والضمير والوجدان، والحرية والاستقلال، وأن لا سيطرة على روح الإنسان وعقله وضميره لأحد من خلق الله، وإنما رسل الله هداةٌ مرشدون، مبشِّرون ومنذرون(9). وأعلن للدنيا قوله تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم:30]، فدعا البشر إلى دين الفطرة وشريعة الإنسانية وأفهم العالم أن الإسلامَ دينُ الفطرة وشريعةُ العقل والتفكير، وأنَّه دينُ الوسطية الجامعُ لحقوق الروح والجسم والحافظ لمصالح الدنيا والآخرة، وأنَّ الإسلام قرينُ العلم والحكمة وتوأمُ البرهان والحجة، وأنَّه شريعةُ الاستقلال والحريّة، وأنَّ الإسلام عدوّ التقليد الجاهل والتعصّب الأعمى، وأنَّ الإسلام مربِّي العقول ومكمِّل قابليَّات البشر ومُطَوِّر مَلَكَات الإنسان، وباختصار أنَّ الذي يؤمِّن الطُّمَأنينة ويضمن راحة النفس ورخاءها ويكفل للبشر سعادة الدنيا والآخرة إنما هو الإسلام.

أجل الإسلام دين العقل والفكر :

إذا تدبَّرنا آيات القرآنَ الكريم بدقّة سوف نرى أن أساس دعوة الإسلام يرتكز على العقل، وأنه بدلاً من أن يقوم، مثل سائر الأديان ودعوات الدنيا، بدعوة الناس مستخدماً عوامل الإكراه والاضطرار ومتشبثاً بالترغيب والترهيب وإثارة عواطف الناس، يدعو البشرية لأجل إثبات دعاويه إلى التعقُّل والتفكُّر والنظر في كائنات السماء والأرض، ويترك الحكم في هذه القضية إلى عقولهم فيقول: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس:99-101].

خلاصـة مفاد هذه الآيات أنه لما كانت عقول البشر وأفكارهم، وفي النهاية نفوسهم مختلفةً بمقتضى سنة الله الجارية، وكانت أنظارهم في آيات الآفاق والأنفس مختلفةً عن بعضها البعض، فمن الطبيعيّ والحتميّ أن يختلفوا أيضاً حول الإيمان والكفر(10). فالوصول إلى حقيقة دين الإسلام والإيمان رهينٌ بالعقل وبالتفكّر، ونتيجةٌ للنظر في آيات عالم الوجود؛ فالذين يُحَرِّرُونَ عقولَهم من تأثير العوامل الخارجية، وينتبهون بتفكيرٍ متجرِّدٍ حُرٍّ مستقلٍّ إلى كائنات السموات والأرض وعجائب عالم الكون، وتساعدهم أيضاً مَلَكَاتُهُم الفطرية إلى حدٍّ ما، سيصلون بالتأكيد إلى حقيقة الدِّين ويدركون المبدأ والمعاد والأخلاق التي تشكّل أساس الدِّين وعماده.

أمّا الذين تبقى عقولهم أسيرةً لتقليد عادات آبائهم واعتقادات أقرانهم، ويظلُّون قابعين بشكل كامل تحت تأثير بيئتهم والعوامل الأخرى المحيطة بهم، فإنّهم يفقدون استقلال الفكر، وكذلك الأشخاص الذين هم في الأساس قليلو العقل وضعيفو الأهلية والكفاءة(11)، وباختصار الذين لا يملكون من القدرة الفطرية ما يُمَكِّنُهُم من التمييز بين هداية الدين وضلال الكفر، أو أنهم نتيجةً للغرور والعجب بالنفس وحبّ الذات لا يعرفون شيئاً سوى الأكل والشرب والنوم ولا ينتبهون أبداً إلى أي شيء، مثل هؤلاء سيبقون بالتأكيد في ضلال الكفر... فيا أيها النبي! لا ينبغي عليك أن تجبر البشر قهراً على التصديق بالدِّين والإيمان بالله، بل وظيفتك الوحيدة أن تُذكِّر الناسَ بأحكام الإسلام وتعاليمه وأن تدعوهم إلى مطالعة آيات الكتاب التكوينية والتأمّل والتفكّر في كائنات هذا العالم، والخلاصة واجبك في الدرجة الأولى التذكير وفي الدرجة الثانية الدعوة إلى التعقُّل والتفكير: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية:21-22]، أي فلا تـجبـرهم على قبول ما تدعوهم إليه وتكرههم عليه، بل لا ينبغي أن تكون أمنيتك أن يؤمن بكَ جميع أفراد البشر حتى أولئك الذين خُتم على أبصارهم وقلوبهم بخاتم الجهل والغرور وحَجَبَتْ عقولَهم أغشيةٌ غليظةٌ من الكِبْر وعبادة الهوى، لأن ذلك خلافٌ لسنَّتي ومشيئتي(12)، كما أن اتحاد أفكار وعقول جميع البشر مخالفٌ لسنتي الجارية.

أجل إنه من الطبيعي أن يكون طريق تبليغ دين الفطرة هذا الطريق، ولا يجب أن يُدعى الإنسان إلى شريعة الإنسانية إلا بهذا السبيل. فلا ريب أن يكون التصديق والإيمان بالدِّين الذي يدّعي تأمين راحة النفس والطمأنينة لجميع طبقات البشر حتى يرث اللهُ الأرض ومَنْ عليها، ويعلّم جميع تطورات البشر الروحية، وتتَّفق أحكامه وتعاليمه مع أحكام العقل وتنسجم مع فطرة الإنسان الأصليَّة، أقول لا ريب أن يكون التصديق بمثل هذا الدين موكولاً إلى العقل ومنوطاً بالتفكير فحسب، وأن لا تكون هناك أيُّ حاجة أبداً إلى الإكراه والإجبار في الدعوة إلى هذا الدين، بل أن يُدعى الناس فيه إلى مراجعة عقولهم ووجدانهم فقط وإلى أن يتعقّلوا ويتفكّروا.

من هنا نرى أن القرآن الكريم في دعوته إلى كل أصل من أصول الدين، سواء أصل المبدأ أم المعاد أم التعاليم والأخلاق، يُحِيْلُ الناس إلى عقولهم، ويختم الآيات المتعلقة بالتوحيد والمعاد والأخلاق بِجُمَل: «أفلا تعقلون؟» «أفلا تذكّرون؟» ونحوها، أمّا الكنيسة فقد بنت دعوتها إلى خرافة التثليث على قاعدة «اعتقِدْ وأنت أعمى» أو قاعدة «أطفئ سراج عقلك واتْبَعْني»، فدعت الناس إلى اتِّباع تعاليمها اتِّبَاعاً أعمى!. بعكس القرآن الكريم الذي نجد أنه يصف المؤمنين بأنهم أولو الألباب أي أصحاب العقول، وأنهم الذين يتفكرون والذين يعقلون: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران:190-191]، في حين يصف الكفار بأنهم صمٌّ عُمْيٌ لا عقل لهم ولا تفكير: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة:171]، بل يعتبرهم في موضع آخر أضلّ من الأنعام أي الأبقار والحمير فيقول: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان:44].

أما ذلك الرجل المغرور العابد لذاته(13) أو إله الخِرفان (!) فإنه كان يخاطب أولئك السذَّج الذين اتبعوه بعبارة «أغنام الله»!

وهكذا نجد أنَّ نبيَّ الإسلام صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ عندما يقيم الحجة على أن القرآن الكريم كتاب الله وأنه مبعوثٌ مِنْ قِبَلِ الله يحيل الناس إلى عقولهم فيقول:

﴿ قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [يونس:16].

ويطرح كتاب الله أمام تفكير البشر ويدعوهم دائماً إلى التدبُّر فيه فيقول لهم:

﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [ص:29]، ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء:82]، ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد:24].

ولهذا السبب يخاطب القرآنُ العقلاءَ ويدعوهم دائماً إلى النظر في جمال عالم الطبيعة والتفكّر في آيات الكتاب الكونيّ معتبراً أن ذلك أهم وظائف العقل والوسيلة الوحيدة للرقي المادي والمعنوي للبشر، ويوكل فهم تلك الآيات للعقلاء فيقول:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة:164].

﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [آل عمران:191].

كما يوكل فهم حقائق الكتاب التشريعي (القرآن) إلى العقلاء أصحاب الألباب أيضاً فيقول: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [الرعد:19]، ﴿ هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [إبراهيم:52].

ولهذا يصف القرآن الكريم الناسَ الذين لا عقل لهم ولا فَهْمَ ولا تفكير بأنهم مثل «البهائم» بل أضلّ من البهائم فيقول: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف:179].

ويجعل عدم استخدام قوى العقل سبباً لعذاب الآخرة فيقول: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك:10].

أمّا الكنيسة فقد رأت أن حفظ مصالحها يقتضي إبقاء الناس في الغفلة والجهالة فكانت تُنزل بأصحاب العقل الحرّ والتفكير المستقلّ العذاب والعقاب.

ومن هنا لم يكن نبيّ الإسلام يرى لنفسه أيّ مقام سوى اتّباع ما يوحى إليه، ولم يكن يرفع نفسه عن مرتبة البشرية، وكان ينفي عن ذاته بكل صراحة علم الغيب والتصرّف في خزائن الأرض أو امتلاك رزق الخلق الذي غالباً ما يدّعيه رؤساء الأديان لأنفسهم: ﴿ قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام:50].

وكما يقول «آرنست رينان» الفرنسي: [لم يدَّعِ محمّدٌ أبداً القدرة على إحياء الموتى ولم يصلب نفسه بين السماء والأرض ثم يحيا بعد موته، بل جعل معجزته هذا القرآن ذاته الذي لم يستطع أي بشر حتى الآن أن يأتي بمثله فعلاً. إن كل عظمة ذلك الشخص الكبير هي أنه كان يقول ويكرر: «إنما أنا بشر مثلكم».

أما عيسى الذي تعرّفه الكنيسة فهو........

من هنا، عندما نتلو القرآن الكريم نرى أن ذكر «العقل» باسمه وأفعاله في القرآن الحكيم يبلغ زهاء خمسين مرة، وأما ذكر «أولي الألباب» ففي بضع عشرة مرة، وأما كلمة «أولي النُّهَى» أي العقول فقد جاءت مرَّةً واحدةً في آخر سورة طه.

ولكن مهما تفحَّصتَ في قاموس الكتاب المقدّس فلن تجد فيه كلمة «العقل» ولا ما في معناها من أسماء هذه الغريزة البشرية التي فضل الإنسان بها جميع أنواع هذا الجنس الحي كاللبّ والنُّهَي، ولا أسماء التفكُّر والتدبُّر والنظر في العالم التي هي أعظم وظائف العقل، ولا أن الدين موجَّهٌ إليه، وقائم به وعليه (14).

إذن قد تبيَّن بوضوح أن الإسلام دين العقل والفكر، دينٌ يريد بعد تشييده بنيانَه على عمادَيْ العقل والعلم المتينين وإقامته تعاليمه السامية على النواميس العقلية، يريد أن يحرِّر عقل الإنسان من كل الحجب والقيود التي كبَّلَتْهُ عهوداً متمادية من الزمن، ويريد أن يمنح للمجتمع البشري الاستقلال العقلي، ويريد أن يصل البشر في ظل الحرية الفكرية إلى شاطئ السعادة المادية والمعنوية.

[وقد صرَّح بعض حكماء الغرب، بما لا يختلف فيه عاقلان في الأرض، من أن التفكُّر هو مبدأ ارتقاء البشر، وبقدر جودته يكون تفاضلهم فيه، وقد كانت التقاليد الدينية حَجَرَتْ حُرِّيَّة التفكير واستقلال العقل على البشر، حتى جاء الإسلام فأبطل بكتابه هذا الحَجْرَ، وأعتقهم من هذا الرقّ، وقد تعلَّم هذه الحريَّةَ أممُ الغرب من المسلمين ثم نكس هؤلاء المسلمون على رؤوسهم فحَرَّمُوها على أنفسهم، حتى عاد بعضهم يقلِّدون فيها من أخذوها عن أجدادهم](15).

فيا أمَّة الإسلام هذا هو دينُكِ! هذا هو الدين الذي تنسبين نفسكِ إليه منذ سنوات طويلة ولكنكِ لم تتمكني من استخدام قواك العقلية في أي موضوع بل أبقيتِ رأس مال قواكِ العقلية في ركود وتوقف!

وأنت أيها المسلم! لا يجوز أن تكون مهملاً لعقلكَ وفكركَ إلى هذا الحدّ وأن تقلّد والديكَ في آداب الدِّين تقليداً أعمى يجعلك عندما تصادف ولو شبهة صغيرة، أو تغيِّر بيئتك، متزلزل الإيمان بل قد تخسر أساس دينك وتعاليم شريعتكَ!

يا أخي! إن كنت مسلماً حقيقةً فلا يليق بمقامك مثل هذا الجمود الفكري! وتأكَّد من أن روح النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، ذاك الناطق بالحقِّ الذي ينادينا ربُّه في قرآنه المجيد فيقول: ﴿ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران:139]، تتألَّم من وضعك المذلّ هذا!.

أنا على يقين أنكَ لو كنتَ قد أسْلَمْتَ بذلك الطريق الذي عيَّنه القرآن أي اعتنقتَ الإسلام بفضل إرشاد العقل وفي ظل التعقل والتفكر، لامتلكت بلا أي شبهة -كما وعد الله تعالى في تلك الآية الأخيرة- مقام العلوّ والعزَّة والرفعة، ولكن يا للأسف كان مرشدك للدين أمورٌ أخرى أو أشخاصٌ آخرون هم أضل منك بكثير وأعجز من أن يديروا حتى بيوتهم!

 

+                     +                    +


 

الإسْلامُ دِيْنُ الوَسَطِيَّة

 

الإسلام دين الوسطية الجامع بين حقوق الروح والجسم والحافظ لمصالح الدنيا والآخرة

ـــــــــــــــــــ

لما كان الإنسان مركباً من روح وجسم كان لحياته جانبان: جانب جسمي وجانب روحاني، وبالتالي فإن سعادته وفلاحه الكاملين رهينان بتشييد مباني كل جانب من جانبي حياته، وهذان الجانبان مرتبطان ببعضهما دائماً بحيث أن إهمال إعمار أحدهما يؤدي إلى اضمحلال أساس الآخر كما أن التقصير في تربية كلّ من قِوَى الجسم أو قوى الروح يؤدي إلى فتور قوى الآخر.

وبعبارة أخرى كما أن حفظ صحة وسلامة كل شخص رهين بحفظ صحّة جسمه وروحه ومرتبط بحفظ التناسب بين قواه الجسمية والروحية والتوازن بينهما، فكذلك تأمين الطمأنينة الكاملة والسعادة في الدنيا والآخرة منوط باستحكام أسس الحياة الجسمية والروحية أو عمارة الدنيا والآخرة، وبالتالي فأولئك الذين لا يجدون سعادتهم إلا في تحسين مستوى حياتهم المؤقتة (الجسمية) هذه ويهملون بشكل كامل بناء حياتهم الروحية، يقعون في خطأ كبير، وكذلك الذين يجدون سعادتهم في «الرهبانية» والإعراض عن الدنيا ويظنون أن عزلتهم عن الناس وسوء ظنهم بالخلق وإهمال قواهم الذهنية وحالاتهم النفسية باسم تزكية النفس وتصفية الروح، وباختصار يظنون أنهم بتمضية عمرهم بالكسل والخمول لأجل القيام بمجموعة من العبادات، يؤَمِّنُون راحتهم الأخروية ويصلون إلى السعادة الأبدية مخطئون أيضاً بشكل كامل.

إن نتيجةَ حياة الجماعات التي فقدت ميزان التعادل بين الدنيا والآخرة وسلكت طريق الإفراط أو التفريط نتيجةٌ سيّئةٌ مفعمةٌ بالشقاء وبعيدةٌ عن منزل السعادة مسافات كبيرة.

إذا عرفنا أن السعادة الكاملة وراحة النفس المطلقة للبشر رهينة بحفظ التعادل بين الحياة الجسمية والحياة الروحية ورهينة بعمارة الدنيا والآخرة، ومن ناحية أخرى لما كان «الدين» أكبر ناموس لحفظ مجتمع بني آدم وأهمّ عامل مؤثِّر في انتظام حياة البشر، كان لا بد على الإنسان أن يبحث عن دين وشريعة تحفظ له هذا التعادل بأفضل صورة وتضمن له السعادة والراحة في الدنيا والآخرة بشكل كامل.

ولحسن الحظ إذا ألقينا نظرة إجمالية على أديان العالم الحالية أدركنا بكل وضوح أن ذلك الدين الذي يحقق ما ذكرناه ليس سوى دين الإسلام الحنيف وشريعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ المطهَّرة، لأننا عندما نلاحظ الكتب المنسوبة إلى الأديان الماضية، نرى أنه، بمعزل عن احتوائها جميعاً على مجموعة من القصص التي هي أشبه بالأساطير وعلى مطالب لاهوتية لا فائدة منها، نرى أن أحكامها وتعاليمها تختص إما بالجانب الدنيوي من حياة الإنسان فقط أو تنحصر بالجانب الأخروي من حياته، أما الإسلام فكما قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا... ﴾ [البقرة:143].

فهو الجامع بين حقوق الروح والجسم والحافظ لمصالح الدنيا والآخرة، وشريعته تتضمن تعاليم عباديَّة، إضافة إلى قوانين أخلاقية وحقوقية وجزائية واجتماعية، وبذلك فإنه يضمن راحة الروح والجسم وسعادة الدنيا والآخرة على أفضل وجه، ولا ريب أنه لو طُبِّقَت أحكام وتعاليم الإسلام بشكل كامل في كلّ مجتمع فإن أفراده يكونون عابدين لِـلَّهِ أتقياء طالبين للحقّ والحقيقة محبّين للشرف والاستقامة مهتمّين بتنمية علومهم ومعارفهم خَيِّرين صالحين سالكين سلوكاً حسناً بعيداً عن حدود الإفراط والتفريط، ومعتدلين في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم، ومالكين للشجاعة والشهامة والعزم والإرادة الصلبة، وباختصار يكونون أصحاب أخلاق مرضيّة وملكات فاضلة فيملكون موجبات سعادة الدنيا والآخرة.

وكما نعلم جميعاً جيداً، بمجرد أن نزلت أحكام هذا الدين في عصر صدر الإسلام وبدأ المسلمون يلتزمون بها في ظل جهاد النبي الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ وجهاد سائر أئمة الإسلام، لم تمض مدة طويلة إلا وتحولت حياة أولئك الذين كانوا من قبل يعيشون حياةً متوحِّشَةً، وكانوا متفرّقين متنازعين مشغولين على الدوام بالقتل والسلب والنهب، وكان كلُّ فريق منهم قد وضع على عنقه نير عبادة وثن أو صنم لا يضرُّ ولا ينفع، فتحولت حياتهم وتركوا جميع نزاعاتهم واختلافاتهم ببركة تعاليم الإسلام المقدسة وأصبحوا بنعمة الله إخواناً متحدين، وتحرروا من قيد كل عبودية لغير الله ووصلوا إلى المقام الشامخ لإفراد الله وحده بالعبادة والذي يتضمن في الحقيقة الحرية المطلقة -أي حرية الإنسان تجاه غير الله- فأفلحوا ونجحوا وصاروا طلّاب حق وحقيقة وأصحاب عدالةٍ وخيرٍ وصَلاح.

كانوا أنفسهم أولئك التعساء والأذلاء من قبل الذين حدَّدوا أنفسهم لشدة خمودهم وفقدانهم للإحساس القومي الجامع بحدود قبائلهم من بني فلان وبني فلان، فأحدثت تعاليم الإسلام في أذهانهم ثورة فكرية ومعنوية جعلتهم يسيطرون في زمنٍ قياسيٍّ بفضل سلاح التقوى والعمل الصالح على أجزاء كبيرة من العالم آنذاك من بحر الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، وأشعلت بيانات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ وسائر أئمة الإسلام العظام حرارة في أعماق قلوب ذلك الشعب جعلت دمائه تفور نشاطاً، مما أحدث تغيراتٍ عميقةً في حضارة العالم فأثبتوا بكل شهامة للدنيا وأهلها عظمة أمَّتهم بعد أن كانوا قبائل مغمورة لا يؤبه لها.

نعم، هؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا من قبل الجهلاءُ الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر والجوع ويئدون بناتهم حيَّاتٍ خشية الفضيحة، ويبيعون النساء كما يبيعون الأنعام ويأكلون حقوق بعضهم البعض بلا حياءٍ اتباعاً لشهواتهم وغرورهم، والذين لم يكن لهم من العلم سوى خيالات أسطورية وحفظ الأنساب، وباختصار كانوا أمَّةً خارج حدود الاعتدال لا علم لهم بآداب الإنسانية مبتلين بآلاف المفاسد الأخلاقية والاجتماعية، فتخلصوا بفضل نور تعاليم الإسلام في مدّة قليلة من كل تلك المصائب والنكبات وصلُحت مفاسدهم وخَلُصوا من ورطات الانحطاط والذل، وأفلحوا في مقام الفضائل الأخلاقية، وبدلاً من الظلم السائد فيهم أصبحت العدالة حاكمة في جميع شؤون حياتهم على نحو أصبحوا يشعرون فيه بالمسؤولية أمام الله تعالى الحَكَمِ العَدْل، وأصبحوا يراعون حدود ومصالح بعضهم البعض ويحترمون شؤون بعضهم وأعراض بعضهم مشتركين في أفراح وأتراح بعضهم ومتعاونين في العسر واليسر، فخرجوا من حدود الإفراط والتفريط وأصبحوا معتدلين في جميع شؤون حياتهم، وقوي فيهم حسّ طلب الحقيقة وأحبُّوا العلم إلى درجة جعلتهم يسعون رغم قلَّة الوسائل إلى ترجمة وتكميل علوم الأمم السابقة وفلسفتها، وفي النهاية أصبحت -بمساعيهم- جميع البلدان التي خضعت لنفوذهم مثل: تركستان وإيران والأندلس، مراكز للعلم والمعرفة.

نعم الإسلام هو دين الوسط والكفيل بسعادة الدنيا والآخرة لأن هذا الدين قد قرر لأجل حفظ مصالح الروح والجسم وعمارة الدنيا والآخرة تعاليم متينة وبسيطة وسهلة التطبيق في الوقت ذاته، فهو دينٌ يهتمّ بدعوتنا إلى العبادة وتزكية النفس وتهيئة موجبات السعادة الأخروية الأبدية بقدر اهتمامه بدعوتنا إلى تحصيل وسائل العيش وعمارة الدنيا: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص:77].

إضافة إلى أن أحكام الإسلام وقوانينه التي نُظّمت على نحو يكفل مصالح الدنيا والآخرة معاً تضمَّنت فوائد أخرى أيضاً يحتاج شرحها إلى كتب كثيرة.

وعلاوة على كل ما ذُكر فإن الإسلام يسلك في دعوتنا إلى جميع مقاصده طرقاً كل واحد منها هو في الحقيقة أفضل وسيلة لعمارة الدنيا ويضمن تأمين السعادة الدنيوية والرقي والتطور المادي، وبعبارة أخرى إن الإسلام جعل الأمور الطبيعية سلّماً للأمور المعنوية بحيث أن الإنسان لو أراد أن يصل إلى قمّة المعنويّات فعليه أن يترقَّى في الطبيعيّات ويصعد في سلّمها، فمثلاً في دعوته إلى الإيمان بمبدأ الوجود (أي الله تعالى) والمعاد (أي اليوم الآخر) اللذان يشكلان أساس اعتقاداته وأهم وأبرز مقاصده، بدلاً من أن يورطنا في خيالات معقدة مثل «فلسفة الفناء في الله الهندية» أو «فلسفة الإشراق» بما فيها من التواءات تسوقنا إلى طرق خطرة، -كما أشرنا- فإنه دعانا إلى النظر في كائنات عالم الكون والتفكّر في هذه المجموعة الشمسية فقال: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ... ﴾ [يونس:101].

ولا يخفى على أحد أن حضارة الدنيا الحالية وكل رقيّ البشر المعاصر إنما انطلق من هذا النظر والتفكُّر.

وفي دعوته إلى الأخلاق -التي لها الأهمية الأساسية في نظر الإسلام بعد المبدأ والمعاد- وتوعيتنا بفوائد الدِّين والتديُّن وأضرار قلَّة الدِّين وسوء الأخلاق، دعانا إلى مطالعة تاريخ الأمم الماضية والسير في الأرض والتأمل في عاقبة السلوك السيئ والأعمال الشريرة للشعوب التي تخلت عن الدِّين واستشرى فيها سوء الخلق فقال: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الأنعام:11]، ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [النمل:69]، ﴿ أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ﴾ [غافر:21].

ولا شبهة أن كل ذلك من العوامل المهمة للتربية الأخلاقية الفردية والاجتماعية.

وبصرف النظر عن ذلك فقد قصّ القرآن الكريم علينا عَدَداً من القصص لأجل هذا الهدف ذاته، وهذه القصص -لو تدبَّرناها بدقة- لرأيناها تعلّمنا كثيراً من الأسرار الأخلاقية والاجتماعية بعبارات بسيطة، وتوضّح لنا كثيراً من مشاكل المجتمع، وفي الحقيقة كل واحدة منها يمكنها أن تكون أفضل مثال ونموذج أخلاقي لحياتنا، وسأوضح هذا الأمر إن شاء الله في الكتاب الذي أزمع كتابته حول شرح مقاصد القرآن.

والخلاصة فإن الإسلام -خلافاً لسائر الأديان والقوانين الموضوعة لأجل إصلاح البشر وتربيتهم- لا يعتبر الدنيا والآخرة أمران منفصلان عن بعضهما لا ارتباط بينهما بل يهدف إلى اعتبار كل منهما مرتبطاً بالآخر ومتصلاً به ويجعل حياة الإنسان في كلٍّ من المرحلتين مرتبطة بحياته في المرحلة الأخرى بشكل كامل، أي أن الأشخاص الذين أمضوا أعمارهم في البصيرة والمعرفة وحفظ ميزان التعادل في تمام شؤون حياتهم فسلكوا في هذه الحياة الصراط المستقيم بشكل كامل -أو اتبعوا قانون الفطرة- فَسَيَحْيَوْن بلا شك في آخرتهم سعداء وسينالون الفلاح والخلاص، أما الذين وقعوا في هذه الحياة في الجهل والغفلة وكانوا أشقياء ضالين فإنهم سيكونون في الحياة الآخرة أيضاً ضالين أشقياء.

ومن هنا نجد أن القرآن الكريم يعتبر الضلال والجهل في هذه الدنيا دليلاً على الضلال والشقاء في الآخرة فيقول: ﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء:72].

ومن هنا أيضاً يبشّر الله تعالى المؤمنين الصالحين بالتوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة كلاهما: ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس:62-64].

وعلى العكس من ذلك يتوعّد الكفّار - في أكثر من موضع من القرآن- بالذّل والخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة فيقول مثلاً: ﴿ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة:114].

والآن يجب أن نرى هل المؤمنون هم حقيقةً مثلما وصفهم القرآن؟ هل يتمتعون بالجرأة والشجاعة والشهامة؟ هل هم فعلاً لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ إن كاتب هذه السطور لم يصادف مثل أولئك المؤمنين حتى هذه اللحظة!

 لقد أباح القرآن الكريم جميع وسائل الزينة والتجمّل -ما عدا تلك التي تخرج عن آداب الإنسانية- وجميع لوازم الراحة ووسائل التنعُّم، وفي النهاية كل ما هو من نعم الحياة وطيباتها، للمؤمنين فقال: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف:32].

في حين أنه قرَّر للكفار العذاب الشديد في الدنيا والآخرة: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [آل عمران:56].

ولكن مما يُؤسف له أن القذارة واستعمال كل لباس متسخ ومهترئ في الحياة أصبح اليوم لدينا من علامات الإيمان!

ويصف القرآن الكريم المؤمنين بأنهم يطلبون الخير والسعادة في الدنيا والآخرة فقال: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة:200-201].

 أما الكفار فقد ذمهم القرآن الكريم في عدة مواضع بأنهم الخاسرين للدنيا والآخرة فقال: ﴿ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج:11]، وقال كذلك: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور:19]، وقال أيضاً: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [آل عمران:22]، وأمثالها من العبارات المشعرة بذلهم وشقائهم في الدنيا والآخرة.

من هذا المنطلق يعرّف القرآن الكريم المسلمين بوصفهم «الأمة الوسط» أي المجتمع المعتدل المالك لسعادة الدنيا والآخرة ويعتبرهم حجة وشاهداً على سائر أمم الدنيا أو مربِّين لهم وقادة عليهم فيقول: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا... ﴾ [البقرة:143].

فهذه الآية تفيد أن الله تعالى راعى في جميع الأحكام والتكاليف تربية القوى الروحية والجسمية للإنسان وتعمير دنياه وأخراه،مع حفظه للتعادل والتوازن بينها.

فالآية تريد القول أن الله منحكم يا أمَّة الإسلام كل الحقوق الإنسانية (حقوق الروح والجسم) وذكَّركم بجميع موجبات السعادة المادية والمعنوية بشكل عام، وبكلمةٍ واحدةٍ: أرشدكم بواسطة حضرة خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى الطريق الوسط وجادة الاعتدال فجعلكم أمة وسطاً ومجتمعاً معتدلاً، وهذا كله لكي تكونوا مرشدين لسائر أمم الدنيا، تلك الأمم التي خرجت عن الحدّ وسلكت طرق الإفراط أو التفريط، فتهدوهم إلى طريق الإنسانية المستقيم وتقومون على الدوام بواجب تربيتهم وإصلاح مفاسدهم الأخلاقية والاجتماعية وتعرِّفوهم واجبات الإنسانية وحقوقها.

والخلاصة أننا جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء وحجة على الناس فتبيِّنوا للناس حقائق الإسلام الجامعة لكل حقوق الإنسان والضامنة لسعادة البشر الدنيوية والأخروية.

وبعبارة أوضح، تقول الآية: إن الله وضع مهمة إصلاح وتربية جميع طبقات البشر على عاتقكم يا أمَّة الإسلام، لأنه لم يرَ أحداً في هذه الدنيا أهلاً لتقبل هذه المسؤولية العظيمة سواكم، فجعلكم بواسطة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ على الصراط المستقيم وجادة الاعتدال في جميع المزايا الإنسانية من العقائد والأخلاق والأعمال، بما يجعلكم قادرين على أن تشاهدوا الأوضاع السيئة لسائر المجتمعات التي اختارت طريق الإفراط أو التفريط، فتقوموا بهدايتهم وإرشادهم وتربيتهم وإصلاح مفاسدهم، أما الذين خرجوا عن حدّ الاعتدال في حياتهم المادية والروحية وضاعوا في طرق خطرة من الإفراط أو التفريط فلا يمكنهم الاطلاع على أوضاع بعضهم البعض وأحوالهم فضلاً عن أن يتمكنوا من ترشيدها وإصلاحها، لأن الذي انحرف عن الطريق المستقيم كيف يمكنه أن يرى وضع الطرف الآخر من الجادة؟ لا شك أن مشاهدة ومراقبة طرفي الجادة لا يكون إلا لمن كان واقفاً في وسطها.

نعم هكذا ينبغي أن يكون أتباع الإسلام (لا المسلمون الذين يشكلون اليوم فريقان أحدهما مفرط والآخر مفرّط) لأنهم يسلكون في كل شؤونهم الإنسانية جادة الاعتدال فيمكنهم أن يعوا مفاسد ونواقص الأمم المفرطة كالمسيحيين (ولا أقصد النصارى الحاليين الذين ترك معظمهم العمل بشريعة المسيح وأصبحوا مفرّطين أو ماديين خالصين) أو الصابئة وطوائف الهندوس وغيرهم الذين يسعون إلى هضم حقوق جسمهم وحرمان أنفسهم من اللذات الجسمية وسلوك طريق الرهبنة والزهد وتعذيب الجسد وإذلال النفس، كما أنهم يمكنهم (أي المسلمون الحقيقيون) الوقوف على الأمم المفرّطة كالماديين واليهود وأمثالهم الذين ضحوا في سبيل منافعهم الجسمية وتعمير حياتهم المادية بكل حقوق الروح ومصالح الحياة الروحية، ولذلك كان من الطبيعي أن يُعهد بوظيفة إصلاح وتربية مثل أولئك الأمم إلى الأمة المعتدلة أي أمة الإسلام.

من هنا جاء في القرآن الكريم الإشارة إلى هذا المعنى وهذه الوظيفة للأمة الإسلامية فقال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... ﴾ [آل عمران:110].

فالأمر بالمعروف هو الأمر باتخاذ وسائل تربية القوى الروحية والجسمية وتحصيل لوازم عمارة الدنيا والآخرة وباختصار: إعداد موجبات السعادة المادية والمعنوية، والنهي عن المنكر نهي عن كل ما يؤدي إلى الشقاء في الدنيا والآخرة. ثم انتم من الجهة الأخرى تؤمنون بالله لذا فأنتم خير أمة من الأمم التي ظهرت في الدنيا! أي أن الله تعالى يريد أن يقول في الواقع: لمّا كنتم أيها المسلمون أمة التوسط والاعتدال وقع على عاتقكم واجب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» أو إصلاح المفاسد الأخلاقية والاجتماعية وتربية البشر، لذا ستكون قيادة البشرية لكم فعليكم أن تكونوا على رأس جميع أمم الدنيا مراقبين على الدوام لأوضاعها وشاهدين عليها، تعرّفوها بحقوقها وتقومون بإصلاحها وتربيتها وتدعونها للالتزام بواجباتها الإنسانية وتخرجوها من الطرق الخطرة للإفراط والتفريط وترشدونها إلى جادة الاعتدال وشريعة الوسطية.

أيها القارئ المحترم! انظر أي مقام شامخ قرَّره لنا الإسلام! وأي حق عظيم في الدنيا أعطانا! لنتأمل قليلاً ونرى أننا معشر المسلمين بهذه الأوضاع المضطربة التي نعيشها، وبحياتنا هذه التي خرجت عن حدود الاعتدال وبسلوكنا لطرق معوجّة، هل يحق لنا أن ننسب أنفسنا إلى هذا الدين؟! ألا ينبغي علينا -على الأقل أمام وجداننا- أن نستحي من تسمية أنفسنا بالمسلمين؟! هل نستحق أكثر من هذا الذل والمسكنة التي ابتُلينا بها؟! أليس سبب كل ذلك الشقاء والمسكنة هو أننا خرجنا من إطار التربية الإسلامية وبالتالي ابتعدنا عن جادة الاعتدال وسلك بعضنا طريق الإفراط وآخرون طريق التفريط؟!

ليت أفراد الأمة الإسلامية الحاليين كانوا كسائر أمم الدنيا أصحاب منهج واحد إما الإفراط أو التفريط المحض لأنهم بذلك كانوا يحفظون وحدتهم الاجتماعية على الأقل! ولكن للأسف لقد غزاهم عفريت الجهل والتعصّب وجعلهم متفرّقين مبتعدين جميعاً عن حد الاعتدال الإنساني وسلكت كل جماعة منهم طريقاً خطراً دون أن تشعر: فجماعة جعلت كل اهتمامها إعمار الدنيا والرقي المادي وانصرفت بشكل كامل عن المعنويات وعن الآخرة وكأنها ستعيش إلى الأبد وكأن الالتزام بطقوسها الدينية وما فيها من تزكية للنفس وتطهير للروح وإصلاح للأخلاق سيسوّد معيشتها، ومع ذلك لا تزال تعتبر نفسها مسلمة؛ وجماعات أخرى أساءت فهم حديث «الدنيا سجن المؤمن» فرأت أن الدنيا يجب أن تكون كالسجن للمؤمنين لا يجوز لهم الخلاص منه لذا يجب عليهم أن يحبسوا أنفسهم في حياة منحطة مبنية على النفور من الحياة والبطالة والجوع معتبرة أن تحمّل كل هذه المصائب والانحطاط عبادةٌ يؤجرون عليها! وأن هذا هو طريق الوصول إلى الآخرة، فهذا النمط أيضاً يعتبر نفسه مسلماً! بل إن بعض دعاة الدِّين -الذين يعتبرون أن فهمَ حقائق الدِّين مختصٌّ بهم- يعتبرون الإسلام مناقضاً للرقيّ والتمدّن وللسعي، ومخالفاً لجميع شؤون الحياة الإنسانية ويرونه علناً دين رهبانية وفلسفة ورياضات روحية ويدعون الناس باسمه دائماً إلى الكسل والخمول والوساخة والفقر وجمود الفكر والذلّة؛ وخاصة إلى الغفلة والجهل فيسوقون الناس بذلك نحو الشقاء، وباختصار يفسرون هذه الشريعة المطهرة على نحو يرى أن الأشخاص المغالين في الزهد هم فقط الأتباع الحقيقيون لهذا الدين، في حين توجد جماعات أخرى تزداد يوماً بعد يوم تجد نفسها متأثرة من غربة الإسلام فتدَّعي كل يوم أن الإسلام يتفق في جميع شؤونه مع الحضارة الغربية الكاذبة، وتسعى على الدوام إلى مطابقة أحكام الإسلام المتينة مع كل نظرية جديدة غربيّة يخرج بها جاهل في «بلاد الغرب»، حتى أنني أعرف أشخاصاً افتتنوا بمظاهر المدنية في أوربا وأصبحوا أوربيين في عقولهم وتفكيرهم إلى درجة أنهم أخذوا يكذبون حول الغرب ويخترعون مطالب باسم الأوربيين أو يخترعون أسماء من أسمائهم وينسبون إليهم أموراً غير حقيقيَّة تسرّ قلوب أمثالهم ممن فتنوا بأوربا إلى درجة الوله!. وهؤلاء الأذلّاء اقتصروا على الجانب الدنيوي والمادي من الإسلام وأخذوا يدعون الناس باسمه إلى الدنيا وعبادة الدنيا ويسوقونهم نحو الغرور والعجب بالنفس وإنكار كل فضيلة وحقيقة، وبقدر ما استطاعوا قاموا بعرض معنويات الإسلام بصورة ماديات وإذا أعجزهم الأمر أنكروا معنويات الإسلام من الأساس! في الحقيقة لقد اتَّخذ هؤلاء الجهلاء الإسلام ظهرياً وعرّفوه بصورة فلسفةٍ مادّيّةٍ محضةٍ. وبعض هؤلاء النمط إذا أراد تعريف الناس بموازين الإسلام فإنه يلغي سيرة النبي وسنَّته وتعاليم الأئمة الأطهار ويكتفي بالقرآن! وبعضهم على العكس اتخذ القرآن وسنة النبي الأكرم وسيرته ظهرياً واهتم فقط بالأخبار المنسوبة إلى الأئمة الأطهار فرجع إليها جميعاً دون مراعاة للتمييز بين الصحيح والسقيم منها!

مسكين هذا الإسلام! لقد تمزّق بين ذينك المشربين غير المستقيمين، ومساكين أولئك المسلمين التعساء الذين حيَّرتهم تلك الدعوات المختلفة والأقوال المتناقضة!!

أيُّ مسلم غيور لا يعتريه الحزن والقلق لرؤية هذه الأوضاع المضطربة ولا يُجرح قلبه من هذا الوضع المحزن!! أجل

لمثل هذا يذوب القلب من أسف       ***    إن كان في القلب إيمان وإسلام

أيها الإخوة الأعزاء! إنني كفرد مسلم أذكركم: اليوم الإسلام في خطر والقرآن في معرض الزوال بسبب هذه الأوضاع الحالية للدنيا وبسبب كل هذه التشكيلات الواسعة للكنيسة النصرانية!! تعالوا وتوقَّفوا عن أعمال الإفراط والتفريط هذه ولا تقضوا على ذاتكم بذاتكم أكثر من ذلك! وإن لم تكونوا في مقام ترويج الإسلام أو حفظ سعادتكم وسيادتكم فعلى الأقل لا تكونوا سدّاً يمنع تقدّم الإسلام ولا تفعلوا ما يؤدِّي إلى شقائكم!

أنا على يقين أنكم لو اتخذتم القرآن الكريم وسنة النبيِّ الأكرم وسيرته وسيرة أئمة الإسلام الأعلام أسوة ونبراساً لكم في أعمالكم وسلوككم وانتهجتم في ظل القرآن وسنة النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ وسيرته طريق الاعتدال، فإنكم ستنقذون الإسلام الذي هو وسيلة سعادتكم وعزّكم من هذا الخطر الكبير وليس هذا فحسب بل ستعودون إلى مجدكم وعزتكم! وإِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ.

لقد ابتعدتُ عن مقصدي قليلاً، فلأعود إلى كلامي وأقول: لما كان الإسلام قد أخذ في عين الاعتبار في جميع أحكامه تأمين السعادة الدنيوية والأخروية للبشر ودعانا إلى إعمار دنيانا وترقيتها بقدر ما دعانا في الوقت ذاته إلى إعمار الآخرة وترقية الروح والمعنويات، ومن هذا المنطلق رغَّب الناس بكسب العلم وتحصيله بكل جديّة لأنه أفضل وسيلة للرقيّ المادي والمعنوي للبشر، فتوسعة العلم ونشر المعارف العلميّة تشكِّل أهم عامل لتأمين السعادة الكاملة لكل مجتمع، وهذا ما يسمِّيه علماء الاجتماع بالقوّة العقليّة والذهنيّة لجسم المجتمع التي عليها أن تقوم بتربية وتأمين راحة وسلامة سائر أعضائه.

فالإسلام يسعى بكل جديّة إلى إيجاد تلك القوّة وتوسعة المعارف إلى الحد الذي يمكن أن نقول فيه بكلّ تأكيد أن الإسلام دين العلم والحكمة:

 

+                     +                    +

 


 

الإسلام دين العلم والحكمة!

 يدلُّ على ذلك أوّلاً: أنَّ الإسلام جعل تحصيل العلم فريضةً على كلِّ مسلم ومسلمة كما جاء في الحديث: [طلبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ](16). والقرآن الذي لا يزيد عدد آياته على ستة آلاف آية(17) رغّب البشر باكتساب العلوم الطبيعية في أكثر من 750 آية، أي تلك العلوم التي هي الوسيلة الوحيدة لإعمار الدنيا والتي هي أفضل الطرق لمعرفة حقائق هذا العالم، هذا علاوة على الآيات الأخلاقية والاجتماعية التي تشكّل في الواقع عصارة علم الأخلاق والاجتماع. إضافة إلى أنه توجد 150 آية تتعلَّق بعلم الفقه (علم الحقوق) وقد نُظّمت جميع موادّها على نحو النظام القانوني من ناحية علم التشريع أي: أمور المعيشة والوفرة والأمن والمساواة التي تشكل أسس السعادة العامة للبشر، فكلها لاحظها الإسلام، ومن البديهي أن القرآن قد علّمنا بهذا الأمر بشكل ضمني طريقة وضع القوانين!

وثانياً: أن الإسلام -لأجل ترويج وتوسعة العلم- أثنى في القرآن ثناءً كبيراً على العلماء وأعطاهم مقاماً جليلاً معطياً للعلم أهميةً بالغةً، إلى حدِّ أن القرآن، في مقام الشهادة لله بالوحدانية، أدرج «أهل العلم» إلى جانب الله تعالى والملائكة قائلاً: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران:18]، فهل يمكن أن نتصور إجلالاً لأهل العلم أكثر من ذلك!

كما وعد القرآن بكل صراحة أهل العلم مقاماً شامخاً ودرجاتٍ رفيعةً فقال: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة:11].

وعلّم خاتم النبيين أن يدعو ويقول: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه:114]. ففي هذه الآية يأمر الله تعالى صاحب المقام الختمي الذي لم يتلوث قلبه أبداً بالأفكار البشرية المحدودة، بل كان يقظاً بروحه الطاهرة النقيّة إلى آيات الله في هذا الكون اللامحدود، وبعبارة مختصرة كان قد وصل إلى لبّ المعارف التي تليق بمقامه، ومع ذلك أمره الله تعالى أن يطلب منه المزيد من العلم! أفلا يدل ذلك على أهمية العلم وكمال عظمته؟

لا شك أن القارئ المحترم يدرك أنه إذا كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ الذي هو مهبط الوحي ومركز العلم قد أُمر بذلك، فنحن أولى بكثير أن نُخاطَبَ بذلك الأمر، لذا فإن ذلك الأمر الإلهي يتوجّه إلينا بكلّ شدّة ويُلزمنا بكلّ تأكيد أن نسعى بكلّ جدٍّ واجتهاد إلى زيادة العلم، وأن نكون جميعاً طلّاب علم ساعين في تطوير المعارف، وأن نحمل لواء العلم والمعرفة بكلّ سرور وبكلّ ثبات ونروّج باستمرار للعلم ونحمي المعارف، ولماذا لا نكون كذلك؟! أولسنا نحن المسلمون الأمة الوسط التي أخذت على عاتقها إصلاح وتربية سائر طبقات البشر!

والقرآن الكريم ينهانا بكل تأكيد عن اتّباع ما ليس لنا به علم من العقائد والأفعال والأقوال فيقول: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء:36].

ويذمّ القرآن الكفار بأنهم لا علم لهم وأنهم يتّبعون الظنون فيقول: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [النجم:28]، ويقول أيضاً: ﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴾ [النساء:157]، ويقول كذلك: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [يونس:36].

ويعتبر القرآنُ «الحِكْمَةَ» وسيلةَ الوصول إلى كلِّ كمالٍ مطلوب ومنبعَ الفضائل، وبكلمة مختصرة يعتبر «الحِكْمَةَ» منشأ الخير الكثير فيقول: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة:269].

ويعتبر القرآنُ أحكامَ الإسلام وما أوحاه إلى صاحب مقام ختم النُبُوّة، من «الحِكْمَةِ» فيقول: ﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء:39].

 ويقرن الله تعالى بين «آيات القرآن» و«الحِكْمَةَ» فيقول: ﴿ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء:113].

ويقول كذلك: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة:2].

ويعتبر القرآن «الحِكْمَةَ» أول وسائل الدعوة والتبليغ فيقول: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... ﴾ [النحل:125].

ويصل القرآن في تعظيمه لشأن «العلم» إلى حدِّ أنه لدى تحريمه للشرك بالله -الذي يُعْتَبَرُ القضاءُ عليه أهمَّ أهداف الإسلام وأوَّلَ مقاصده- يلحظ أهمية العلم فيعتبر الشركَ قريناً لفقدان العلم فيقول: ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا... ﴾ [العنكبوت:8].

ففي هذه الآية وصّى الله تعالى الإنسان أن لا يقصِّر في شيء من الإحسان تجاه والديه وأن يتَّبع أمرهما على الدوام، إلا إذا أمراه أن يشرك بالله شيئاً لا «علم» له به ولا دليل عنده عليه فعندئذٍ لا يجوز له إطاعتهما.

كما أنه في موضع آخر يقرن النهي عن الشرك بفقدان البرهان عليه فيقول: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف:33]، فكما نلاحظ يأمر الله تعالى صاحب مقام ختم النبوة أن يقول للمشركين إن ربي حرّم أن يُشرَك به شيئاً لا دليل عليه ولا سلطان أي لا برهان عليه! وفي الواقع إنه يريد أن يقول إن الشرك بالله وعبادة الأصنام إنما حُرّمت لأنه لا برهان على صحتها ولا دليل عليها!

فانظر أيها القارئ العزيز! إلى أي حدّ اعتنى الإسلام بالعلم والبرهان، فمع أن الشرك في نظره وفي حقيقة الواقع بديهي البطلان ولا يحتاج أن يُقرن بأي وجه من الوجوه بأن لا علم به أو لا برهان عليه، لكنه مع ذلك قيَّد النهيَ عنه والمنعَ منه في تلك الآيات بفقدان العلم والبرهان!

أجل إن تلك الآيات في الوقت الذي تشعرنا فيه بأهمية العلم والبرهان وكمال عظمتهما فإنها تريد أيضاً أن تفهمنا أن منشأ الإيمان والاعتقاد يجب أن يكون العلم والبرهان! وأنه من دون إرشاد هذين الدليلين والمرشدين القويين لا يجوز لأحد أن يُدْخِلَ إلى أعماق قلبه عقيدةً، فلا يجوز للإنسان أن يجعل خَلْوَةَ قلبه مَحطّاً لكل عقيدة بمجرد التقليد الأعمى. كما نجد ذلك المعنى خلال محاجَّة إبراهيم لقومه، حيث ينقل القرآنُ لنا على لسان إبراهيم مذمَّته الشديدة للكفار لأنهم يجعلون لِـلَّهِ شريكاً دون أن يمتلكوا أي برهان على ذلك فيقول:

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام:81]، وفي موضع آخر يقيِّد وعيده للمشركين - خلال تخويفه لهم - بقيد فقدانهم للبرهان على ما يذهبون إليه فيقول: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المؤمنون:117].

هذا مع أننا نعلم أن الكفار لا برهان لهم على مقولاتهم، ورغم ذلك ولأجل تعظيم مقام البرهان فقط يقول: لما كان المشركون فاقدين للبرهان لا ينبغي أن يأملوا بالنجاة والفلاح وليس هذا إلا لبيان تعظيم مقام البرهان وإفهامنا أنه في الأمور الاعتقادية لا بد أن نستند إلى الدليل والبرهان.

إن هذا الاحترام للبرهان والعناية به وإن كان عجيباً في حدّ ذاته إلا أنه ليس غريباً على دين الإسلام لأن الإسلام أساساً دين البرهان والحجة.

 

+                     +                    +


 

الإسلام دين البرهان والحجَّة!

لقد دعا القرآن الكريم الناس إلى الإسلام بوصفه بهذا الاسم ذاته أي «البرهان» فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء:174].

وبعد أن أقام القرآنُ برهاناً على إبطال الشرك بقوله: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء:22]، اتجه في الآية التالية إلى المشركين فطالبهم بالبرهان على عقيدتهم فقال: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ... ﴾ [الأنبياء:24]، كما أنه في موضع آخر وبعد بيانه لأدلة التوحيد، طالب المشركين بأن يأتوا ببرهان على دعواهم الباطلة فقال: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ [النمل:60]، إلى أن يصل إلى قوله: ﴿ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [النمل:64].

وقلتُ سابقاً إن الله تعالى ذكر لنا في القرآن على لسان حضرة إبراهيم عليه السلام أنه ذمّ أولئك الذين جعلوا لِـلَّهِ شريكاً وعاندوا توحيد الله دون برهان ولا دليل، وفي الوقت ذاته أثنى على إبراهيم لأنه أطاح بأساس عبادة الأصنام وحطّم معابدها بقوة الدليل والبرهان، فقال تعالى عقب بيان الأدلة التي أقامها إبراهيم لإبطال عقيدة المشركين: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام:83].

وقد اعتبر القرآن ملة إبراهيم، أي تلك الملة التي تأسست بفضل القوة القاهرة للبرهان والدليل، أفضل ملل الدنيا فقال: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء:125].

وعرّف حضرة الرسول الأكرم دينه بأنه دين إبراهيم فقال: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام:161].

وأمرنا باتِّباع تلك الملّة الحنيفة والطريقة القويمة لإبراهيم التي هي في الحقيقة ِشريعة البرهان والحجة فقال: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران:95].

لقد اتَّضح لنا تماماً من كل ما سبق أن الإسلام دِين «العقل» و«الفكر» ودِين «العلم» و«الحكمة» وشريعة «البرهان»، فهو الدِّين الذي ارتكزت حقائقه الشامخة على قاعدتي «العقل» و«العلم» المتينتين وطُرحت تعاليمه المتقنة على أسس «الحِكْمَةَ» و«البرهان»، ولا شك أن تصديق مثل هذا الدين سيقع على عاتق العقلاء والعلماء لذلك يقول القرآن الكريم: ﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [سبأ:6].

فلا ينبغي أن نغتمَّ ونتحسَّر لكون الناس الجهلاء ينظرون إلى هذا الدِّين بعدم مبالاة ويحرمون أنفسهم بشكل كامل من نعمة هذا الدين ويتيهون في أودية خطرة من الضلال، لأن هذا «الدِّين» إنما يخاطب من كان له قلبٌ واعِ وعينٌ بصيرةٌ وأذنٌ سامعةٌ واعيةٌ، وفي النهاية يخاطب من كان عالماً حكيماً؛ ولا يخاطب من خُتم على سمعه وقلبه بختم الجهل والغرور وغشّت على بصره أغشية الجهل والتعصب المظلمة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة:6-7].

والقرآن كما يقول عن ذاته: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [البقرة:2-3]، هدايةٌ للمتّقين الذين حرَّرُوا أنفسهم من قيود التعصُّب والتقليد الجاهل وغير ذلك من الحُجُبِ التي تحجب الحقيقة عن العقل وتوجَّهُوا بفكرٍ حُرٍّ إلى آيات الآفاق والأنفس في صفحة الكون الواسعة فآمنوا بغيب الأشياء وباطنها، أو كما يقول محيي الشريعة النبوية حضرة الإمام «جعفر بن محمد»: إن القرآن هدايةٌ لمن صان نفسه من غَلَبة الجهل والسفاهة، وبكلمةٍ مختصرةٍ: إن القرآنَ هدايةٌ للأشخاص الذين فتحوا أعينهم وآذانهم واستخدموا قواهم العقلية، وفي النهاية وجدوا حياةً جديدةً في نور «العلم»، إنه هدايةٌ وإرشادٌ لهؤلاء فقط، أما الذين حجبوا عقولهم بِحُجُبٍ كثيرةٍ وعجزوا عن أن يَخْطُوا خطوةً فوق المحسوس والظاهر، الذين سيطر عليهم شيطان الجهل فَغَدَوُا سادرين في الغيِّ منغمسين في الجهل والغرور، فصاروا كالموتى الراقدين بلا شعور في القبور، هؤلاء لا يتوجه إليهم القرآن والإسلام، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [النمل:80-81].

هذه هي قيمة «العلم» ومنزلة «العلماء» في الإسلام، والآن لنرى كيف كان موقف الكنيسة من العلم وكيف تصرّف رجال الكنيسة والقساوسة دينيَّاً مع العلماء؟؟

 

+                     +                    +

 


 

الكنيسة والعلم

بعد ظهور المسيحية في العالم شكَّلت «الكنيسة» مجامع عديدة بأسامي مختلفة ومن جملتها:

1- مجمع باسم «المجلس Council»، يتألف من عدد من الأساقفة يعيِّنهم البابا تنحصر وظيفتهم في تفسير الإنجيل والتوراة واستخراج العقائد والأحكام منهما، إذْ إنَّ الكنيسة لم تكن تعتقد بأن فهم الكتاب المقدَّس متاحٌ لعامَّة الناس، وتعتقد من الناحية الأخرى أن أحكام الدين يتم الحصول عليها عن طريق التفسير، لذا شكَّلَت ذلك المجمع لتحقيق ذلك الهدف.

وكانت الأحكام التي تخرج من تلك المجامع من خلال تفسير الإنجيل والتوراة تتوافق تماماً مع مصالح القساوسة! ونتيجةً لذلك ازدهرت الكنيسة ووصل مقام رجالها ونفوذهم إلى حدِّ تدخّلهم في جميع شؤون المملكة، حتى أن النجباء والأشراف كانوا يدخلون بكل افتخار في خدمة الأمور الدينية ويصيرون أعضاءَ في الكنيسة لأجل كسب المنزلة والمقام وتحصيل المنافع المادية، كما كانوا يلجؤون لأجل الحصول على الولاية على الأملاك الوَقْفِيَّة إلى أساليب ملتوية أدناها الرشوة، وباختصار كانوا يلتحقون بالكنيسة ويصيرون من رجالها ليتمكنوا من تأمين معيشتهم ولو في ظل ارتكاب كل نوع من الظلم والإجرام.

2- وأوجدت الكنيسة مجمعاً آخر باسم «كاسيون دولينديكس» وظيفته تفتيش الكتب الضالة والمحرَّمة من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية وإصدار دليل أو فهرس بها يمنع قراءتها وبيعها وتداولها دون أخذ موافقة مسبقة من رجل الكنيسة تحت طائلة الملاحقة والحَرْم الكَنَسِيّ، وقد وصل عمل أعضاء هذا المجمع الجاهل إلى حدّ اعتبار جميع الكتب العلمية والفلسفية في عداد الكتب الضالّة والمحرَّمة التي تشكل خطراً على الإيمان والأخلاق ويجب إحراقها بالنار!!!

هذا علاوة على أن الكنيسة كانت تمسك بكتّاب وقرّاء تلك الكتب المحرَّمة -بعد تكفيرهم- وتُنْزِلُ بهم صنوف العذاب ثم تعدمهم بصور بشعة: مثل تقطيعهم إرباً إرباً أو حرقهم أحياء! ولو رجعنا إلى تاريخ الأدب الفرنسي لرأينا أن كثيراً من كتب الفلاسفة الكبار صارت طعمةً للحريق نتيجةً لتلك الملاحقات(18).

3- وأنشأت ثالثاً «محاكم التفتيش» التي عُهِدَ إليها بمهمَّة تفتيش عقائد الناس، وقد أُنشئت هذه المحاكم خلال فترة الحروب الصليبية ثم أُلغيت ثم أُعيد إقرارها على إثْرِ إجراءات البابا في جميع الممالك الكاثوليكية (19).

كان تشكيل تلك المحاكم الدينية في الحقيقة جريمةً من أكبر الجرائم في حق العالم المتمدّن والبشرية، لأنها أدت إلى قتل آلاف الناس بجرم اتّباعهم لأصول الإصلاح والبروتستانتية بشكل مفجع!

يقول أحد الكتّاب الإنجليز: [قام «أُولْوَا» وزير الملك «فيليب الثاني» ملك إسبانيا(20) مستعيناً بمحاكم التفتيش المقدسة بقتل ثمانمائة شخص تحت التعذيب خلال أسبوع. وكانت جريمة المقتولين أمران: الأول اتّباعهم لأصول البروتستانتية؛ والثاني الغنى والتمكُّن المالي!(21)

وكان «أُولْوَا» هذا يفتخر في نهاية السنة السادسة لثورته أنه خنق أكثر من 18 ألف شخص من بني جنسه وأغرقهم في الماء أو أحرقهم أحياء أو قطع رؤوسهم!(22)

وقد ألقى أعضاء محكمة التفتيش في إسبانيا في ليلة واحدة 800 شخص من البروتستانت في الحبس وكانوا كلَّما أمسكوا أشخاصاً من تلك الفرقة أودعوهم السجن ثم أحرقوهم، وكان هذا الأمر جارياً في معظم مدن إسبانيا!].

ويقول الكاتب المذكور: [إن شارع...(أحد أزقّة لندن) كثيراً ما كانت تشتعلُ فيه النيرانُ وترتفع فيه ألسنةُ اللهب نتيجة إحراق البروتستانت!](23).

ويقول الدكتور «آرنولد»: [كانت سجون قصر البابا في الفاتيكان إحدى أعجب الأشياء التي رأيتها في عمري. لقد كانت أسطحة الزنازين لا تزال سوداء من أثر دخان النار التي كان يتم تعذيب الأشخاص وحرقهم حتى الموت بها، وإذا تم فتح النافذة الصغيرة المطلة على الغرف السفلية ونظر أحدٌ من خلالها لرأى آثار دماء الشهداء والمساكين الذين كان «جوردن» يرميهم من فوق إلى تلك الغرف السفلية عام 1791م. كانت مشاهدةُ تلك الآثار التي تحكي لنا قصة شكلين من أشكال الشرّ والإجرام البشري مشاهدةً مخيفةً ومُرْوِعَةً!](24).

والأهم من ذلك هو أن المظالم والجرائم التي كانت تلك المحاكم الدينية تُنْزِلها بالعلم والعلماء والتي لوَّثت صفحات تاريخ أمة المسيح بوصمة عار لا تُمحى، وصلت إلى حدّ أن كل من كان يعبِّر عن رأي جديد في مسألة علميّة أو أخلاقيّة أو اجتماعيّة خلافاً لما تراه الكنيسة كان يتعرّض للاعتقال والتعذيب، الأمر الذي حال دون تجرّؤ العلماء على السير في اكتشافاتهم في مجال العلوم والرياضيّات والطبيعة خوفاً من أن يظنّ بهم مأمورو محاكم التفتيش ظنّ السوء فينزلون بهم أنواع العذاب، فكانت تلك المحاكم في الحقيقة مذابح للرجال العلماء أصحاب الإحساس والفكر الحرّ!...

لقد قاموا بحرق «برنو» في روما بسبب إماطته الستار عن خطأ الفلسفة الكاذبة الرائجة في عصره! كما كانوا يحرقون أتباع «كوبرنيكُس» عالم الفلك الكبير بتهمة الكفر! كما رموا بالسجن عالم الرياضيات والطبيعة الإيطالي المشهور «غاليليو» الذي قال بحركة الأرض حول الشمس! وأجبروا ذلك العالم الكبير على أن يجثو راكعاً على ركبتيه وهو في سن السبعين من عمره ويُنكر اكتشافه العظيم! فضلاً عن أنهم اعتبروا جميع كتبه في عداد الكتب المحرَّمة والممنوعة!(25).

وكفّروا «كيبرل» عالم الرياضيات الألماني المعروف لـِمَا أظهره من اعتقادات بشأن استحالة الجوهر، واعتبروا كتابه الموسوم بـ(تلخيص علم فلك كوبرنيكُس) في روما من الكتب المحرّمة والممنوعة وحبسوا أمّه التي كان عمرها 72 عاماً بجرم السحر، ثم حكموا عليها بالحرق، ولما سمع «كيبرل» بالخبر سافر فوراً إلى مسقط رأسه لعلّه ينقذ أمّه من الحرق! ولكنه لم يكد يصل حتى رأى نسخ التقاويم التي كان قد كتبها لأجل عام 1624 قد انتشرت بين الملأ العام وكان الناس يحرقونها ووضعوا الشمع الأحمر على مكتبته ثم نتيجة للفتنة التي وقعت أُجبر على الهجرة من وطنه فاستقر في مدينة «سيكان» وتُوفي فيها نتيجة مرض دماغي عرض له بسبب مطالعاته الكثيرة(26).

وضربوا «بارتيلي» لأنه قال أن النجوم لا تسقط!

وحاكموا «كامبانلا» 27 مرة لأنه كان يرى أن الأجرام السماوية غير محدودة! وعذبوا «هارو» بشدة بجرم قوله بدوران الدم في بدن الإنسان.

وكفّروا «كولومبوس» مكتشف أمريكا لاعتقاده أن شكل الأرض كرويٌّ وأن المحيط الخارج عن العالم القديم آنذاك ليس كلُّه بحراً بل لا بدّ أن تكون فيه يابسة في النهاية، فكفّروه ثم حبسوه بهذا الجرم! ثم شكّلوا له محكمة في إسبانيا بأمر ملكها وأوعزوا إلى «سلمنكا» أحد عقلائهم بمطالعة ودراسة خريطة سفر كولومبوس واُحْضِرَ هو أيضاً أثناء ذلك، فاعتبره رجال الدين أحمقاً وأهانوه وطردوه من مجلسهم لأنهم كانوا يعتبرون أن الأرض مسطَّحةً وأنه لو صحَّ أنَّ في ذلك الطرف من المحيط أرضٌ جديدةٌ يعيش عليها البشر، فإن ذلك سيعني بنظرهم خطأ عقيدة أن جميع الناس من نسل آدم! ثم بعد اكتشاف أمريكا قبضوا على كولومبوس وكأنه رجل مجرم وكبلوه بالسلاسل وأرسلوه مغلولاً في السفينة إلى إسبانيا، وفي وسط الطريق تأثر «ويلكو» الضابط المسؤول عنه وفك الأغلال عن رقبته فقال له كولومبوس: لا، لا تفعل بل يجب أن احتفظ بهذه الأغلال ذكرى لخدماتي التي قدمتها! وكان ابن كولومبوس يقول: كنتُ أرى تلك السلسلة في غرفة أبي حتى أنه أوصى أن تُدفن معه عندما تُوفي!(27).

واعتبروا «مونتانييه» زنديقاً لانتهاكه الأخلاق و«موليير» كافراً لانتهاكه الدين والأخلاق أيضاً(28).

وأما «جاندارك» تلك الفتاة الفرنسية القروية الغيورة التي أنقذت مملكة فرنسا بطريقة عجيبة بعد أن احتلها الإنجليز في عهد الملك «شارل السابع» وأعادت للمَلِكِ تاجَه الذي سُلب منه، فقد كافأها رجال محاكم التفتيش بأن اعتبروا أن عملها المحيِّر ذاك دليلٌ على أن روحَ شيطانٍ قد حلّت بها، وأنها في الحقيقة ساحرة! فحكموا بإعدامها حرقاً وهي حيَّة!

ولا يسعنا في هذا الكتاب أن نشرح كل الفجائع والفضائح التي ارتكبتها الكنيسة ضدّ كلّ من كان يُبرِزُ رأياً أو عقيدةً خارج فهم أعضاء الكنيسة، وضدَّ كلِّ من لا يستسلم استسلاماً أعمى لخرافاتها!

وكما يقول الكاتب الفرنسي «فيكتور هوغو» في تصريحه ضد قانون «فالر» في كانون الثاني (يناير) 1850م: [إن هذا الحزب (أي أعضاء الكنيسة) وقف في مواجهة الحقيقة وجعل من الجهل والاشتباه حاميين كبيرين له، إن هذا الحزب جعل الناس محدودين ضمن تلك الأصول الاعتقادية التي كان يؤمن بها وحَجَرَ على علم البشر وذكائهم وتفكيرهم أن يخطوا خطوة وراءَها! وكُلُّ خطوةٍ خطاها العقل والذكاء في أوربا إنّما تمت رغماً عن ذلك الحزب. إن تاريخ ذلك الحزب كُتب في تاريخ تطور الإنسان بشكل معكوس، لقد كان ضدَّ كلِّ شيء..](29).

ويقول أحد العلماء المنصفين في الغرب: [إن الرقيِّ الحالي للشعوب الغربية مدينٌ في الحقيقة لأتباع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ وليس لأمّة المسيح، لأن الكتاب الذي بين أيدي المسلمين (القرآن) هو الذي أدَّى إلى كلّ هذا الترقِّي والتقدُّم، لا الكتاب المقدّس الذي يدعو البشر للعزلة والرهبانية، بل هو (أي الكتاب المقدس) سبب الانحطاط، الذي ابتُلي به المسلمون حالياً!].

 

+                     +                    +


 

الإسلام عدو التقليد الأعمى والتعصّب الجاهل

لا يخفى على أحد أن التفكير بالعاقبة والمآل والتفريق بين الحق والباطل والتمييز بين الخير والشرّ وبين الحَسَن والقبيح بطريق العقل والعلم من الخصائص التي تميِّز الإنسان عن سائر الحيوانات، وفي الوقت ذاته تُعتَبَر من العوامل المهمّة للرقيّ الماديّ والمعنويّ للإنسان، ومن الواضح أن القيام بتلك الأمور مرتبطٌ بإعمال العقل واستخدام قِوَاه، ولكن ينبغي أن نعلم أن أكثر ما يحجز قوى العقل عن العمل ويحفظها بحالة ركود وتوقف، وفي النهاية يسلب من الإنسان تلك المزايا الإنسانية هو مرض «التقليد الأعمى والتعصب الجاهل»، ذلك أنَّ الذين يقلِّدون عقائد وأخلاق وأعمال الآخرين في حياتهم تقليداً أعمى ويتَّكِئون في جميع شؤون حياتهم المادية والمعنوية على غيرهم ولا يتخيّلون وجود حقيقة في الدنيا خارج عادات وتقاليد أسلافهم أو أقرانهم، ويقضون على حسّ المحاكمة وقوة التمييز لديهم، ظانين أن سلوك الناس المعاصرين واعتقاداتهم هي ملاك صحة كل شيء، مثل هؤلاء لا يحتاجون إلا قليلاً إلى قواهم العقلية لأنهم لا يعتمدون أساساً على أنفسهم حتى يُعمِلوا النظر في شؤون حياتهم، كما أن الناس الذين يراوحون مكانهم بسبب تعصّبهم وغرورهم لا يهتمون بكل ما يجري في الدنيا حولهم لأنهم يقتصرون على الأخلاق التي ورثوها عن آبائهم أو التي انتقلت إليهم عن طريق تأثير البيئة والتربية الأُسَرِيَّة، فلا يرون أي مزيّة للآخرين، مثل هؤلاء الناس لن يشعروا في حياتهم بأيِّ حاجةٍ إلى إعمال قواهم العقلية بسبب ضعف نفوسهم واقتصارهم على المحافظة على عادات آبائهم وعقائدهم القديمة.

لا شكّ أن القوى العقلية والملكات الذهنية لأمثال أولئك الأقوام تبدأ - بعد بقائهم مدّة من الزمن على تلك الحال - بالضعف والاضمحلال تدريجياً، وفي النهاية يبقون في المراحل البدائية للحياة ويعيشون حياةً أشبه بحياة البهائم، وذلك مثل وضع هنود أميركا وأهالي الأسكيمو وأقوام أستراليا الأصليين وبعض القبائل في أدغال أفريقيا الذين لا يزالون يعيشون حالة التوحش البدائية بسبب محافظتهم على عادات وعقائد آبائهم، ولو أن هؤلاء أعملوا قواهم العقلية في شؤون حياتهم مثل سائر الأقوام المتحضّرين في الدنيا لما بقوا على وضعهم الحالي.

والخلاصة إن الأقوام الذين يسيطر عليهم التقليد الأعمى والتعصُّب الجاهل لِـما ورثوه عن آبائهم لا يستطيعون التفكير الصحيح نتيجة عدم اعتمادهم على قواهم العقلية وبالتالي يُحرمون من التطوُّر، وليس هذا فحسب بل يفقدون تدريجياً ملكاتهم وأهليتهم الذاتية ويبقون في حالة انحطاط وتأخّر؛ وكما يقول علماء الاجتماع: [كما تتطور ذرات الأجسام وموادها الأولية بفضل قانون الحركة المتواصلة وتتحول إلى صور متنوعة من الأجسام هي التي نراها اليوم، كذلك تتطور مواد جسم المجتمع البشري أي أفراد المجتمع طبقاً لناموس الحركة ذاك وتتحول إلى صور أكثر تقدماً] أي تخرج من حالة التوحُّش والهمجيّة إلى حالة متمدّنة أكثر جمالاً، ولا شك أنها ستترقى في المستقبل إلى وضع أعلى وأكمل أيضاً، أما لو جمدت أقوام الدنيا على عاداتها وعلى تقاليد آبائها القديمة وقلّدت أبناء نحلتها تقليداً أعمى لما وصلت إلى واحد من ألف من الرقي والتطور الحالي الذي وصلت إليه.

إذن تبين أن أكبر آفة من آفات العقل الإنساني وأهم عامل يُبعد الإنسان عن مراحل الإنسانية هو «التقليد الأعمى والتعصُّب الجاهل»، كما توصل علماء الاجتماع بعد تتبُّع كثير إلى قاعدة كلّيّة تقول: [إن قوة درجة روح التقليد تتناسب عكساً مع قوة العقل والإرادة]، فمثلاً الحيوانات، لا سيما تلك التي تشبه الإنسان كـ«الشامبانزي» و«الغوريلا»، رغم أنها تعيش حياةً اجتماعيةً بصورة قطعان كقطعان الخرفان والغزلان... هي في المرتبة الأولى من ناحية التقليد والجمود، ويأتي بعدها في الدرجة القبائل المتوحشة، ثم يأتي في الدرجة الثالثة الأطفال والنساء والرجال عصبيو المزاج وضعيفو النفس(30). إلى أن يصل الأمر إلى الإنسان الراقي الذي يسيطر عقلُه على عواطفه وتكون روح التقليد الأعمى والجمود الفكري لديه ضعيفةً جداً ويحكمه بدلاً من ذلك ناموس الاقتباس (أي التقليد العاقل والواعي) الذي يُعتبر من أول علامات اكتمال العقل ومن أهم وسائل الرقي والتطور كما يقول القرآن الكريم: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [الزمر:17-18]، فهذا المعنى يشير إلى كمال قوة العقل وأن أصحاب العقل هم فقط الأشخاص الذين يحكمهم ناموس الاقتباس الواعي، أي لا يقتصرون في انتباههم إلى ما حولهم على عادات وتقاليد آبائهم وأجدادهم تعصباً وجموداً على وضعهم، كما لا يجعلون قلوبهم محلاً ينعكس فيه كل شيء مهما كان منحطاً أو سيئاً، بل يفتحون أعينهم وآذانهم تجاه كل الحركات والأصوات في الدنيا فما يجدونه حسناً وصالحاً يختارونه بكل تعقل وفهم ثم يتِّبِعونه.

 في الحقيقة تركنا جانباً جميع آيات الأخلاق الفردية والاجتماعية في القرآن الكريم، ولم يكن لدينا إلا هذه الآية القصيرة الأخيرة لكانت وحدها كافية لتحقيق سعادة أفراد البشر المادية والمعنوية، لأننا لو لاحظنا بدقة تاريخ تمدّن الإنسان لرأينا أن جميع أنواع الرقيّ الماديّ والمعنوي لعالم اليوم مرتبطة بمفاد ذلك الأمر المقدّس الذي تأمرنا به تلك الآية. فهذا التعليم من أهم تعاليم الرقيّ بمستوى العيش ومن أفضل طرق تربية الأفكار، إنه تعليم ينقذنا من التقليد الأعمى والعصبية الجاهلة التي هي سبب كل انحطاط وشقاء ومصدر كثير من الآلام والنكبات وفي الوقت ذاته يعلّمنا الطريق المستقيم للاقتباس الصالح الذي هو أقصر الطرق لنيل السعادة الفردية والاجتماعية.

وبكلمة واحدة، لما كان الإسلام يريد إحداث ثورة فكرية في أعماق روح البشر ينتشلهم من خلالها من حالة الجمود وفقدان الحسّ ويضعهم فيها أقدامهم على جادّة الرقيّ والكمال، ولما كان هدف الإسلام وصول البشر إلى الكمال وهداية عقولهم إلى الكمالات المادية والمعنوية بتحريرها من القيود التي تكبّل حريتها، وكما يقول «جوستاف لوبون»: [لقد أراد الإسلام إيجاد حضارة جديدة في العالم من خلال ثورة فكرية ومعنوية شاملة]، وفي النهاية لما كان الإسلام يأخذ على عاتقه مهمة تأمين الخير والسعادة لكافة طبقات البشر إلى الأبد، فإنَّه اهتمَّ بكل جدّيّةٍ بهدم أسس التقليد الأعمى والعصبيّة الجاهليّة التي هي أكبر سدّ أمام سعادة البشر، وقد جاءت في ذلك - إضافة إلى هذه الآية وأمثالها من الآيات التي تتكلّم عن فضيلة العلم وحريّة التفكير-، آياتٌ عديدةٌ أخرى تذمُّ التقليدَ الأعمى والتعصُّب الجاهل كقوله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة:170]،

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ [المائدة:104].

ففي هاتين الآيتين يذمُّ اللهُ تعالى أولئك الذين رفضوا اتّباع دعوة النبيّ الأكرم (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) لاتِّباعهم ما وجدوا عليه آباءَهم وتقليدهم سنَّةَ أجدادهم.

وقال تعالى أيضاً: ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف:28]، ففي هذه الآية ذمَّ اللهُ سبحانه الذين يجعلون أعمال آبائهم القبيحة ملاكاً لحسن كل شيء ثم ينسبون إلى الله كل عمل قبيح يأتون به بسبب ذلك التقليد!

ويقول الحق تعالى في موضع آخر: ﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف:20-23].

فنلاحظ كيف يوبِّخ اللهُ تعالى بشدّة أولئك الذين كانوا يعبدون الملائكة لا لشيء إلا لأنهم وجدوا آباءَهم يفعلون ذلك فقلَّدوهم!

وهذه الآية الأخيرة، إضافةً إلى منعها التقليدَ الأعمى، تفيدنا معنىً آخر إذْ تُعَيِّنُ لنا ميزاناً محدَّداً في باب العقيدة حيث تقول: إن الذين كانوا يعبدون الملائكة لم يكونوا يملكون أي دليل صحيح أو برهان علمي على صحة عملهم، كما لم يكن لديهم أي كتاب سابقٍ منزّل من الله يتمسكون به في ذلك، بل كلُّ حجتهم اتّباعُهُم لطريقة آبائهم وحفظُهُم لآثار أجدادهم؛ وبالتالي فالآيةُ تبيِّن لنا أن منشأ كلِّ عقيدةٍ لا بدَّ أن يكون إما العلم اليقيني والبرهان القاطع أو الكتابُ السماوي المنزَّل من الله.

ويقول سبحانه كذلك: ﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ * وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ ﴾ [الصافات:68-71]، ففي هذه الآيات يخبرنا الله بكلِّ وضوح أن مآل الذين يبقون أسرى التقليد الأعمى لعادات وتقاليد وعقائد آبائهم وأجدادهم يظلُّون مقيّدين بأغلال تقليدهم الأعمى وتعصّبهم الجاهل الذي يحبسهم في مستنقع الذلّ والضلال، مآلهم هو الجحيم وعذاب النار. أَجَل هذا هو مقتضى قاعدة: ﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء:72].

وهناك آيات أخرى في هذا الموضوع نجدها في قصة حضرة إبراهيم مع قومه في سورة الأنبياء (الآية 53) وسورة الشعراء (الآيات 70-83)، يمكن للقرّاء المحترمين أن يرجعوا إليها.

إذن اتَّضَحَ من مجموع كل آيات القرآن الكريم تلك التي أوردناها حول الترغيب بالعلم وبالتعقُّل وبحرية التفكير وحول أهميّة البرهان، وحول مذمّة التقليد والتعصّب؛ أن الإسلام هو دين العلم والعقل والفكر والبرهان، وأنّ الإسلام مضادٌّ بكل معنى الكلمة للتقليد الأعمى والتعصّب واتّباع الظنّ، وبالتالي لا بد على المسلمين أن يتسلّحوا دائماً بسلاح العلم والبرهان، وأن يمتلكوا الاستقلال العقلي وحرية الفكر وقوّة التدبُّر، وأنّ على المسلمين أن يعتمدوا على أنفسهم وعلى الاقتباس الواعي لِـما هو صالح، وأنْ يجتنبوا بشدّة طرق الإفراط والتفريط ويحفظوا التعادل بين حياتهم المادية الجسمية وحياتهم الروحية المعنوية، ويجب عليهم أن يُبْقُوا عواطفهم تحت سيطرة العقل تماماً وأن يجتنبوا بشدَّةٍ اتّباع الظنون والأوهام ويبتعدوا عن التقليد الأعمى والتعصُّب الجاهل، وبالتالي فيجب على المسلم - خاصَّة في أمور العقيدة وما يتعلق بالإيمان -أن يبذل أقصى جهده في تتبع الحقيقة والاجتهاد للوصول للحق، وبكلمة مختصرة يجب على المسلم أن يكون متديناً بشكل حقيقيٍّ واعٍ بدين الإسلام الحنيف!

إذا عرفنا أن العقل يحكم بداهةً بحرمة التقليد واتّباع الظن، وأنَّ القرآن الكريم كذلك يحرّم بكل صراحة التقليد الأعمى واتّباع الظنون -لاسيما في الأمور الاعتقاديّة- آن الأوان أن نأتي بآراء وأقوال جماعة من كبار الفقهاء والمجتهدين من الشيعة الإثني عشريّة حول هذه المسألة كي لا يظن القارئ أننا منفردون فيما أوردناه في هذا المجال:

يقول المرحوم الشيخ «مرتضى الأنصاري» أعلى الله مقامه في مبحث «حجية الظن» من كتابه الأصولي «الرسائل»، عند بحثه مسألة (اعتبار الظن في أصول الدين) في الصفحة 169 (31) ما نصه: [إن مسائل أصول الدين -وهي التي لا يُطْلَبُ فيها أولاً وبالذات إلا الاعتقاد باطناً والتديُّن ظاهراً وإن ترتَّب على وجوب ذلك بعض الآثار العَمَليّة- على قسمين: أحدهما: ما يجب على المكلَّف الاعتقاد والتديُّن به غير مشروط بحصول العلم كالمعارف الخمسة (أي التوحيد والعدل والمعاد والنبوة والإمامة)، لأن الاعتقاد بها واجبٌ مطلقاً، فيكون تحصيل العلم بها (من ناحية وجوبه) من مقدمات الواجب المطلق، فيجب. (والقِسْم) الثاني: ما يجب الاعتقاد والتديُّن به إذا اتّفق حصول العلم به، كبعض تفاصيل المعارف (الخمسة).

أمّا (هذا القِسْم) الثاني، فحيث كان المفروض عدم وجوب تحصيل المعرفة العلميّة، كان الأقوى القول بعدم وجوب العمل فيه بالظن لو فُرِضَ حصوله، ووجوب التوقُّف فيه، للأخبار الكثيرة الناهية عن القول بغير علم والآمرة بالتوقف(32)، وأنه: "إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها. وأهوى بيده إلى فيه"(33). ولا فرق في ذلك بين أن تكون الأمارة الواردة في تلك المسألة خبراً صحيحاً أو غيره. قال شيخنا الشهيد الثاني في «المقاصد العليّة» - بعد ذكر أن المعرفة بتفاصيل البرزخ والمعاد غير لازمة -: [وأما ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) في ذلك من طريق الآحاد فلا يجب التصديق به مطلقاً وإن كان طريقه صحيحاً، لأن خبر الواحد ظنيٌّ، وقد اختلف في جواز العمل به في الأحكام الشرعية الظنية، فكيف بالأحكام الاعتقادية العِلْمِيَّة](34)، انتهى. وظاهر الشيخ (الطوسي) في (كتابه) العُدَّة: أنَّ عدم جواز التعويل في أصول الدين على أخبار الآحاد اتفاقيٌّ إلا عن بعض غفلة أصحاب الحديث(35). وظاهر المحكيِّ في السرائر عن السيد المرتضى عدم الخلاف فيه أصلاً(36). وهو مقتضى كلام كلّ من قال بعدم اعتبار أخبار الآحاد في أصول الفقه(37])(38).

وبعد بيان الشيخ الأنصاري لطريق تميُّز هذا القسم الثاني وبيان عدم اعتبار الظن في الاعتقاد بتفاصيل المعارف الخمسة لأصول الإسلام، وبعد أن نَقَلَ روايات كثيرةً توافق هذا المدَّعى، وصل أخيراً في الصفحة 174 إلى القول: [وأما القسم الأول الذي يجب فيه النظر لتحصيل الاعتقاد، فالكلام فيه يقع تارة بالنسبة إلى القادر على تحصيل العلم وأخرى بالنسبة إلى العاجز، فهنا مقامان: الأول: في القادر والكلام في جواز عمله بالظن يقع في موضعين: الأول: في حكمه التكليفيّ. والثاني: في حكمه الوضعيّ من حيث الإيمان وعدمه، فنقول: أما حكمه التكليفي، فلا ينبغي التأمل في عدم جواز اقتصاره على العمل بالظن، فمن ظنَّ بنبوّة نبيّنا محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ أو بإمامة أحد من الأئمّة صلوات الله عليهم فلا يجوز له الاقتصار، فيجب عليه - مع التفطّن لهذه المسألة - زيادة النظر، ويجب على العلماء أمره بزيادة النظر ليحصل له العلم إن لم يخافوا عليه الوقوع في خلاف الحق، لأنه حينئذ يدخل في قسم العاجز عن تحصيل العلم بالحقّ، فإن بقاءه على الظنّ بالحق أولى من رجوعه إلى الشك أو الظن بالباطل، فضلاً عن العلم به. والدليل على ما ذكرنا: جميع الآيات والأخبار الدالة على وجوب الإيمان والعلم والتفقُّه والمعرفة والتصديق والإقرار والشهادة والتديُّن وعدم الرخصة في الجهل والشكّ ومتابعة الظنّ، وهي أكثر من أن تُحصى. وأما الموضع الثاني: فالأقوى فيه - بل المتعيِّن - الحكم بعدم الإيمان، للأخبار المفسرة للإيمان بالإقرار والشهادة والتديُّن والمعرفة وغير ذلك من العبائر الظاهرة في العلم] إلى آخر كلامه الشريف رحمه الله(39).

ويقول المرحوم الشهيد الثاني في (الصفحة 3) (40)من كتابه «حقائق الإيمان»: [«تعريف الإيمان الشرعي»: وأما الإيمان الشرعي: فقد اختلفت في بيان حقيقته العبارات بحسب اختلاف الاعتبارات. وبيان ذلك: أن الإيمان شرعاً: إما أن يكون من أفعال القلوب فقط، أو من أفعال الجوارح فقط، أو منهما معاً. فإن كان الأول، فهو التصديق بالقلب فقط، وهو مذهب «الأشاعرة» وجمع من متقدّمي الإماميّة ومتأخّريهم، ومنهم المحقّق الطوسي رحمه الله في فصوله(41)، لكن اختلفوا في معنى التصديق، فقال أصحابنا: هو العلم. وقال «الأشعريّة»: هو التصديق النفساني، وعنوا به أنه عبارة عن ربط القلب على ما علم من أخبار المخبر، فهو أمر كسبيٌّ يَثْبُتُ باختيار المصدِّق، ولذا يُثاب عليه بخلاف العلم والمعرفة، فإنها ربما تحصل بلا كسب، كما في الضروريات. وقد ذكر حاصل ذلك بعض المحققين، فقال: التصديق هو أن تنسب باختيارك الصدق إلى المخبر، حتى لو وقع ذلك في القلب من غير اختيار لم يكن تصديقاً وإن كان معرفةً، وسنبين إنشاء الله تعالى [قصور] ذلك. وإن كان الثاني، فإمّا أن يكون عبارة عن التلفظ بالشهادتين فقط، وهو مذهب «الكرّامية»، أو عن جميع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها فرضاً ونفلاً، وهو مذهب «الخوارج» وقدماء «المعتزلة» و«الغلاة» و«القاضي عبد الجبار». أو عن جميعها من الواجبات وترك المحظورات دون النوافل، وهو مذهب «أبي علي الجبائي» وابنه «أبي هاشم» وأكثر معتزلة البصرة. وإن كان الثالث، فهو: إما أن يكون عبارة عن أفعال القلوب مع جميع أفعال الجوارح من الطاعات، وهو قول المحدِّثين وجمع من السلف كابن مجاهد وغيره فإنهم قالوا: إن الإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان](42).

وبعد بيانه لأدلة المذاهب المذكورة يقول في الصفحة 6:

[اعلم أن العلماء أطبقوا على وجوب معرفة الله تعالى بالنظر، وأنها لا تحصل بالتقليد، إلا من شذَّ منهم، كعبد الله بن الحسن العنبري والحشوية والتعليمية، حيث ذهبوا إلى جواز التقليد في العقائد الأصولية، كوجود الصانع وما يجب له ويمتنع، والنبوّة، والعدل وغيرها، بل ذهب إلى وجوبه](43)

ثم يقول في الصفحة 57 في باب وجوب معرفة أصول الدين الخمسة:

[الأصل الثالث (التصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وآله) وبجميع ما جاء به تفصيلاً فيما علم تفصيلاً، وإجمالاً فيما علم إجمالاً. وليس بعيداً أن يكون التصديق الإجمالي بجميع ما جاء به عليه السلام كافياً في تحقق الإيمان، وإن كان المكلّف قادراً على «العلم» بذلك تفصيلاً، يجب «العلم» بتفاصيل ما جاء به من الشرائع للعمل به. وأما تفصيل ما أخبر به من أحوال المبدأ والمعاد، كالتكليف بالعبادات، والسؤال في القبر وعذابه، والمعاد الجسماني، والحساب والصراط، والجنّة، والنار، والميزان، وتطاير الكتب، مما ثبت مجيئه به تواتراً، فهل التصديق بتفاصيله معتبرة في تحقق الإيمان؟ صرّح باعتباره جمعٌ من العلماء. والظاهر أن التصديق به إجمالاً كاف، بمعنى إن المكلَّف لو اعتقد حقّية كل ما أخبر به عليه السلام، بحيث كلّما ثَبَتَ عنده جزئيٌّ منها صدَّق به تفصيلاً كان مؤمناً.](44).

ويقول المرحوم «الشيخ الطبرسي» صاحب «تفسير مجمع البيان» في الصفحة 59 ذيل تفسيره لقوله تعالى: ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾ [الإسراء:٣٦]، بعد نقله لأقوال «ابن عباس» و«قتادة» و«محمد بن حنفية»: [والأصل أنه عامٌّ في كلِّ قول، وفعل، أو عزم، يكون على غير علم، فكأنَّه سبحانه قال: لا تَقُلْ إلا ما تعلم أنه مما يجوز أن يُقال، ولا تفعل إلا ما تعلم أنه مما يجوز أن يُفْعَلَ، ولا تعتقد إلا ما تعلم أنه مما يجوز أن يُعْتَقَدَ. وقد استدلَّ جماعةٌ من أصحابنا بهذا على أن العمل بالقياس، وبخبر الواحد غير جائز، لأنهما لا يوجبان «العلم»، وقد نهى الله سبحانه عن اتباع ما هو غير معلوم](45).

فتبيَّن ولِـلَّهِ الحمد أننا لسنا وحيدين في هذا الأمر، وظهر بكل وضوح من النصوص التي ذكرناها، أن التقليد واتباع الظنّ، خاصّة في أمور العقيدة، ممنوعٌ ومحرّمٌ يقيناً وبكلِّ تأكيد، وأن ميزان المسلمين في مجال العقيدة هو الأدلّة العلميّة اليقينيّة فقط، والتي هي العقل السليم والقرآن الكريم والسيرة والسنة المتواترة والمسلّمة لنبي الإسلام والأئمّة الكرام عليهم السلام، أي أنه على المسلم في الدرجة الأولى أن يُحَرِّرَ عقلَه من تأثير وسيطرة الأوهام والعادات وتقاليد الآباء والأجداد وتأثير بيئته المحيطة، ثمَّ عليه أن يضع نصب عينيه القرآن الكريم وسنة النبيّ والأئمّة وسيرتهم القطعيّة فيتخذها نبراساً ويطابق جميع أفعاله القلبية والظاهرية وحالاته الروحية والجسمية على تلك الموازين المتقنة، لا أن يضع على عنقه طوق تقليد الآباء والأقران أو يتّبع كل خبر وحديث دون النظر إلى ثبوته ومعرفة حقيقة مصدره ويتبيَّن أي ملحدٍ افتراه واخترعه، وبالنهاية يجعل دماغه مركزاً للأباطيل والخرافات.

وحقِّا إنِّي لَـمُتَحَيِّرٌ فيما أسمِّي به هذه الطريقة التي يتَّبِعُها إخوتي في الدين؟! فهم في الأصول الأولية للدين (مقلّدون للأب والأم)، وفي سائر الاعتقادات (أخباريون) وفي الأحكام العملية والفرعية (أصوليون) وفي العبادات (واصلون للحق) وفي الكسل والبطالة والتخيلات (متَّبعون لفلسفة الفناء في الله الهندية) وفي الأعمال الموافقة لهوى النفس (محبُّو عليّ!) وفي التعبُّد بالسنن وحفظ النواميس الإلهية (أعداء أهل بيت محمّد!) ومع كل تلك العناوين يطلقون على أنفسهم عنوان شيعة عليٍّ وأتباعَ المذهب الجعفري.

و يا للأسف! «عليٌّ أمير المؤمنين» صاحب كل ذلك الزهد والتقوى والشجاعة الممزوجة بالعفّة، وصاحب روح البسالة المقترنة بالعلم والحكمة، وصاحب كل ذلك الاهتمام بالفقراء والضعفاء والقلق لحالهم، عليُّ الذي تحمل كل تلك الأتعاب والمشقات في طريق تحطيم أصنام الظلم والجهل ومحو الأوهام والخرافات، وصاحب كلّ تلك الخدمات التي تحيِّر العقول التي بذلها في سبيل نشر حقائق الإسلام في عالم البشرية والتي قدّم في النهاية روحه فداءً لذلك الهدف، أهكذا تكون طريقة اتِّباعه والتشيُّع له؟!.

و«جعفر بن محمد» الذي كان يجلس بكل رحابة صدر ويناقش الماديين ويأتي على أُسُس المادية فيدحضها، والذي كان يصرف جميع أوقاته الشريفة في نشر معارف الإسلام حتى أنه ربَّى وعلَّم قُرابةَ 4000 تلميذ(46) كان من جملتهم عالم الكيمياء الشهير جابر بن حيان الطرسوسي الذي لا تزال كتاباته تدرس في المجامع العلمية الكبرى في الدنيا الذي تخرج من مدرسته(47)، أليس من المخجل لنا أن ننسب أنفسنا مع هذا الجهل والبعد عن العلم الذي فينا إلى ذلك الإمام؟!

حقاً لا توجد مصيبة يعسر تحملها أكثر مما نراه اليوم من اضطرار العلماء النابهين المحققين في معارف الإسلام إلى العزلة، في حين يتولى هذا الأمر الخطير (أي نشر معارف الإسلام) رجال جاهلون حتى وصل الأمر إلى أن يحتلّ منابر رسول الله في المجتمعات الإسلامية أشخاص ليس لهم نصيب من العلم أكثر من معرفة القراءة والكتابة وينسبون بكل جرأة كل حديث باطل وهراء إلى النبيّ والأئمة المعصومين عليهم السلام ويفرضونها على أذهان الناس المساكين!

وليت شعري! كيف لا يكون بمقدور شخص أن يصدر حكمه وفتواه بشأن أخبار «النجاسة والطهارة» إلا بعد أن يصرف عمره في تحصيل علوم مختلفة وبعد أن ينال مقام الاجتهاد الشامخ الذي هو أصعب -حسب قول المرحوم الشيخ مرتضى الأنصاري- من الجهاد، ويصبح قادراً على تمييز صحيح الأخبار من سقيمها وعلى إبداء الرأي في مدلولاتها والاستنباط الصحيح منها، أما عندما يتعلَّق الأمر بالأخبار والأحاديث المتعلِّقة بأمور العقيدة التي مدارها على العلم واليقين فقط، فَيُكْـتَفى في فهمها والاستنباط منها بمعرفة بسيطة باللغة الفارسية؟؟ هذا مع وجود كل تلك الأخبار الموضوعة في الأمور الغيبيّة والعقائديّة التي افتراها الوضّاعون بدوافع مختلفة منذ صدر الإسلام وحتى اليوم (التي سنذكر لكم بعضها عن قريب) والتي لا تشكِّل الأخبار التي وضعت في الأحكام الفرعية بالنسبة إليها واحداً من ألف، كما أن الغموض الموجود فيها (أي في الأخبار المتعلقة بالغيبيات والأمور العقائدية) لا يوجد مثله في أخبار الفروع!.

وباختصار فإن التقليد واتّباع الظن أو العمل بالأدلة الظنية من قبيل خبر الآحاد (حتى ولو كان صحيح السند) أو الإجماع المنقول، أو أي دليل لا يفيد العلم لا يجوز بل يحرم ويمنع في جميع المسائل الاعتقادية سواء كانت أصول الدين الخمسة أو أي أمر مرتبط بالعقيدة.

ولأجل رفع سوء التفاهم نرى من الضروري التذكير بنقطة هامة: مشهورٌ بين الشيعة أن على العوام الذين لا يستطيعون الاجتهاد في المسائل الفرعية أن يقلِّدوا المجتهدين في الفقه، لذا فقد يستشكل البعض ويقول: أوليس التقليد ممنوعاً في الإسلام وحراماً؟ ونقول في الإجابة عن ذلك: إننا لو دققنا قليلاً في هذا الأمر لعلمنا أن هذا المعنى ليس في الحقيقة تقليداً بل هو عبارة عن اتباع للعالم وخضوع لعلمه، كما يعتقد علماء الإمامية الكبار بأن التقليد في الأحكام العمليّة هو من باب رجوع الجاهل إلى العالم، وهذا الأمر من الأمور الفطرية البديهية والارتكازية لدى البشر، وهذا ما يقرره بصراحة المرحوم «الآخوند الخراساني» في كتابه «الكفاية» حيث يقول:

[ثم إنه لا يذهب عليك أن جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم في الجملة، يكون بديهياً جبلياً فطرياً لا يحتاج إلى دليل، وإلا لزم سد باب العلم به على العامي مطلقاً غالباً، لعجزه عن معرفة ما دلَّ عليه كتاباً وسنّةً، ولا يجوز التقليد فيه أيضاً، وإلا لدار أو تسلسل، بل هذه هي العمدة في أدلته، وأغلب ما عداه قابلٌ للمناقشة..](48).

أي أنه لما كان إيجاب استنباط الأحكام العملية على كل فرد يؤدي إلى العسر والحرج ويؤدي بالنتيجة إلى اختلال نظام المجتمع لذا وجب أن يقوم أفراد في كل مجتمع بهذا الواجب ليتمكن الباقون من الرجوع إليهم، كما يُوجب حفظ نظام الاجتماع هذا المعنى ذاته بالنسبة إلى سائر العلوم والقوانين التي يحتاجها البشر في حياتهم.

 

+                     +                    +


 

مكانة الحديث وتاريخ تدوينه في الإسلام

السنة أو الحديث بشكل عام هي كل قول أو فعل أو تقرير للنبيِّ أو الأئمة المعصومين(49)، ولما كان الحديث يتضمّن بيان مجملات القرآن الكريم ويفصّل عموماته ومطلقاته ويبين جزءاً هاماً من أحكام الإسلام الفرعية كان ذا أهمية بالغة تتلو في الدرجة مرتبة القرآن الكريم، خاصة أن الحديث كان في صدر الإسلام في غاية الأهمية في نظر عامة المسلمين، فكان الصحابة والتابعون إذا أشكل عليهم فهم آية أو حكم من أحكام الإسلام يرجعون إلى تلك الأحاديث التي كانت في حوزة كل منهم حيث كان كلٌّ منهم يحفظ شيئاً منها قلّ أو كثر، ويستدلون بها، وكانت عنايتهم بالحديث كبيرةً إلى درجة أنهم لما تفرقوا على إثر خروجهم في الفتوحات الإسلامية، إلى مدن مختلفة، ولم يكن كلُّ واحد منهم بالطبع يحفظ جميع الأحاديث، كانوا يرحلون من مدينة إلى أخرى لسماع ما لا يعرفونه من الحديث فتجد أحدهم يرحل من دمشق أو الكوفة مثلاً، إلى بلدان أخرى كمكة أو المدينة أو مصر أو الري لكي يأخذ الحديث من الصحابة الآخرين الذين استقروا فيها، فمثلاً نجد جابر بن عبد الله الأنصاري لما سمع أن «عبد الله بن أُنيس الجهني» يعرف حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ اشترى راحلة وانطلق بها إلى دمشق لا لشيء إلا ليسمع منه ذلك الحديث(50)، وباختصار كان مرجع مسلمي الصدر الأول في كلِّ أمر بعد القرآن الكريم الأحاديثُ النبويّةُ الشريفةُ.

ولكن بالنسبة إلى تاريخ تدوين الحديث ليس لدينا حتى اليوم أي مستند صحيح يثبت أن هذا التدوين بدأ بنحوٍ رسميٍّ في زمن حضرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، ومن المسلّمات التاريخية التي لا ينكرها أحد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ لم يتّخذ أشخاصاً معينين يأمرهم بجمع وتدوين أحاديثه كما فعل بالنسبة إلى تدوين آيات القرآن الكريم التي اتّخذ لأجلها جماعةً عُرفوا بـاسم «كتبة الوحي»، وليس من المعلوم أن يكون الصحابة قد أقدموا على جمع وتدوين الأحاديث من تلقاء أنفسهم، بل كما يُستفاد من بعض الأحاديث التي روتها كتب الشيعة والسنة مَنَعَ رسولُ الله صحابَتَه من فعل ذلك، كما يدل عليه الحديث الذي رُوي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ](51).

ويرى بعض علماء السلف أن سبب ذلك المنع كان الخشية من اختلاط الحديث بالقرآن.

نعم، يُستفاد من بعض الروايات كالحديث الذي نقله البخاري(52) والحديث الذي رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن «عبد الله بن عمرو» واثنان أو ثلاثة من الصحابة الآخرين كانوا يكتبون كل ما يسمعونه من فم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ (53)، وعلى فرض صحة هذه الروايات فمن المسلّم به أن هذا الأمر لم يتّخذ في زمن حضرة النبيّ شكلاً رسميّاً عامّاً بل اقتصر على كتابة بعض الصحابة والتابعيين لمحفوظاتهم من الحديث في صحف خاصة بهم، والخلاصة أنه بعد رحلة النبي الأكرم صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ لم يكن لدى المسلمين سوى كتابٍ سماويٍّ مدوّنٍ واحدٍ ومجموعة من الأحاديث غير المدونة التي كان الصحابةُ يحفظها في صدورهم، وحتى الخلفاء (الراشدين) لم يأمر أيُّ أحدٍ منهم بجمع وتدوين الحديث بشكل رسمي بل ربما لم يكن ذلك الأمر ميسوراً لهم أساساً لأن عدد الصحابة الذين نقلوا الحديث عن حضرة النبي يصل إلى حدود (114000)(54) كانوا موزّعين في أطراف الأرض، وكان كلٌّ منهم يحفظ من الأحاديث ما لا يحفظه غيره، فكيف يمكن للخلفاء أن يجمعوا كل أولئك الأفراد في مكان واحد ويستمعوا منهم جميع الأحاديث التي كانوا يحفظونها ثم يدوِّنوها في كتاب جامع واحد؟! ولو فرضنا أن الخلفاء كانوا يستطيعون فعل ذلك، فإن بقية الصحابة الذين كان أغلبهم أمِّيَّاً وكانوا يكتفون - في حفظ ما يعرفونه - بالاعتماد على ذاكرتهم، يبدو من البعيد جداًَ أن يتمكّنوا من إحصاء كلّ ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فَعَله في مدة ثلاثةٍ وعشرين عاماً من بدء الوحي إلى الوفاة(55).

وباختصار لم يتم في القرن الهجري الأول جمع وتدوين الحديث بشكل رسمي منظَّم، وإذا قام بعضهم أحياناً بالتدوين، كان ما دوّنه أشبه بمذكّرات خاصّة به، لذا كان باب وضع الحديث مفتوحاً أمام الوضّاعين لأن الحديث لم يكن قد جُمِعَ ودُوّن بعد ولأن الحديث كان له أهمية بالغة يتلو بها مرتبة القرآن، وكان في النهاية مرجع المسلمين في جميع شؤونهم، لذا لما كان بعض الناس لا يجدون حديثاً يؤيّد مواقفهم في جميع اختلافاتهم السياسية والدينية والعلمية وجميع الخصومات الشخصية وغيرها كانوا يضعون الحديث لنصرة موقفهم أو مذهبهم، ولم يكن من السهل الانتباه إلى هذا الدسّ لأن الحديث كما قلنا لم يكن قد جُمِعَ ودُوّن وضُبط بعد، وزاد الطين بِلَّة أنه لما دخل في الإسلام أعدادٌ كثيرةٌ من شعوب البلدان المجاورة لبلاد العرب كالفرس والروم والبربر وأهل مصر والشام وغيرهم على إثر الفتوحات الإسلامية وعزّ على طوائف منهم أن يتخلَّوْا عن عاداتهم وتقاليدهم القديمة المألوفة، توسّلوا إلى حفظ عاداتهم وتقاليدهم بوضع أحاديث ودسّ أخبار في هذا الصدد ونَشْرِها بين الناس.

كما لجأت بعض الجماعات التي لم تدخل في الإسلام حقيقةً بل أسلمت ظاهراً خضوعاً لقوة المسلمين وسيطرة الإسلام، إلى تخريب الإسلام من داخله بوضع خرافات في قالب أحاديث نبوية، ونشرها وإشاعتها بين الناس. بل يدلُّ الحديثُ النبويُّ القائل: [أَيّهَا النَّاسُ! قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الْكَذَّابَةُ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. ثُمَّ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ!](56) الذي رواه الشيعة والسنة، والذي يعتبره المرحوم الشهيد الثاني في كتابه «الدراية» من الأحاديث المتواترة، على أن عمليّة الوضع هذه قد بدأت وراجت منذ زمن باكر في زمن حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، إذ أنه من الواضح أن تلك الجملة لم تصدر عن حضرته إلا بعد وضع أحاديث كثيرة.

إلى أن بدأ جمع وتدوين الحديث تدريجيّاً بشكل رسميّ في القرن الثاني، ولكن هذا أيضاً لم يتمّ بأن يجتمع الجميع في مكان واحد ثم يدونوا جميع الأحاديث الصحيحة التي سمعوها من النبيّ أو شاهدوها بعد المداولات والمناقشات وتبادل الآراء ويضعوها بين أيدي الناس لكي يحولوا بذلك دون وضع الحديث، بل قام كل عالم في كل مدينة بتدوين ما سمعه من الصحابة وما اعتقد حسب فهمه أنه صحيح لا بل لم يراعِ بعضهم صحة وسقم ما يدوّنه بل قام بجمع كل ما وصل إليه.

وكما يقول المؤرخون وعلماء علم الرجال والدراية كانت الأصول الأربعمئة من أول الكتب الحديثية التي دُوّنت لدى الشيعة، في حين: [وجدت هذه النزعة إلى تدوين الحديث (لدى أهل السنة الجماعة) في أمصار مختلفة وفي عصور متقاربة، ففي مكة جمع الحديثَ ابن جُرَيج (الرومي الأصل) المتوفى نحو سنة 150 هـ، ولم يوثقه البخاري وقال: [إنه لا يُتَابَع في حديثه]، وفي المدينة محمد بن إسحق (151 هـ)، ومالك بن أَنس (179هـ)، وبالبصرة الربيع ابن صَبيح (160 هـ)، وسعيد بن أبي عَرُوبَة (156 هـ)، وحماد بن سَلَمة (176 هـ)، وبالكوفة سفيان الثوري (161 هـ)، وبالشام الأوزاعي (156 هـ)، وباليمن مَعْمَر (153 هـ)، وبخراسان ابن المبارك (181)، وبمصر الليث بن سعد (175 هـ)](57)

وكان أول من بدأ بكتابة الحديث من هؤلاء قبل الجميع - كما يقول ابن حجر في شرح البخاري - «ربيع بن صبيح» و«سعيد بن أبي عروبة»(58)، وفي رواية أخرى «ابن جُرَيْج»(59)، وفي قول آخر «مالك»(60).

وكان سند طريقة الشيعة إلى الحديث بعد الصحابة، الأئمة عليهم السلام، وسند طريقة أهل السنة والجماعة من أهل الحجاز مالك وأصحابه كالشافعي وأحمد بن حنبل، وسند أهل العراق أبو حنيفة وأتباعه(61).

والخلاصة لما لم يتم في هذا القرن عملٌ أساسيٌّ شاملٌ في جمع وتدوين الحديث بل قام كلُّ شخص في بلدته بجمع ما رآه صحيحاً طبق وجهة نظره، بقي باب وضع الحديث كما كان سابقاً مفتوحاً أمام الوضّاعين، فلم يَمْنَع ذلك التدوين للحديث من استمرار الوضاعين في وضعهم الحديث، وليس هذا فحسب بل قد شاع الوضع في هذه الفترة أكثر من ذي قبل، كما تدلُّ عليه رواياتٌ صحيحةٌ عديدةٌ من جملتها ما رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام من قوله: [إنّا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذَّابٍ يكذب علينا فيَسْقُطُ صدقُنا بِكَذِبِه علينا عند الناس..](62)، أو قوله أيضاً: [لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة، فإنَّ المغيرة بن سعيد - لعنه الله - دسَّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدِّث بها أبي! فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وآله، فإنّا إذا حدّثنا قلنا: قال الله عز وجل وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وَآلِهِ وَسَلَّمَ](63).

وكذلك رُوي عن يونس أنه قال: [وافيتُ العراقَ فوجدتُ بها قطعةً من أصحاب أبي جعفر عليه السلام، ووجدتُ أصحابَ أبي عبد الله عليه السلام متوافرين فسمعتُ منهم وأخذتُ كُتُبَهُم، فعرضْتُها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرةً أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السلام وقال لي إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله عليه السلام لعن الله أبا الخطاب! وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسُّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السلام فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن](64).

وفي النهاية ظهر في القرن الهجري الثالث بين أهل السنة والجماعة المحدثون من أصحاب كتب الحديث الذين دوّنوا الكتب التي عُرفت فيما بعد بالصحاح الستة، فألَّف محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 هـ الجامع الصحيح، وألَّف مسلم المتوفى سنة 261 هـ صحيحه، وفيه أُلِّفَتْ سنن ابن ماجه المتوفَّى سنة 273 هـ، وسنن أبي داود المتوفَّى سنة 275 هـ، وجامع الترمذي المتوفَّى سنة 279 هـ، وسنن النسائي المتوفَّى سنة 303 هـ، وهي التي تُسمَّى - عادةَ - الكتب الستَّة، والتي عُدَّت أصحّ كتب الحديث(65).

وفي القرن الهجري الرابع ظهر محدّثو الشيعة الذين دوّنوا كتب الحديث الأساسية وهم «محمد بن يعقوب الكُلَيْنيّ» (المتوفَّى 328 هـ) صاحب كتاب «الكافي» و«أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ» (المتوفَّى 381 هـ) صاحب كتاب «مدينة العلم» و«من لا يحضره الفقيه»، ثم ظهر بين الشيعة في القرن الهجري الخامس «أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسيّ» (المتوفَّى 460 هـ) صاحب كتابَي «التهذيب» و«الاستبصار»، جمع كل واحد من هؤلاء بقدر همّته ما وصله من الحديث ووضع كتابه بين أيدي الناس، وهذه الكتب المعروفة لدى الشيعة بالأصول الخمسة مأخوذة من الأصول الأربعمئة، ولكن تلك الكتب لم تكن حاويةً لجميع الحديث الصحيح ولا خاليةً من كل حديث ضعيف. ويمكن باختصار أن نُقَسِّم جميع محدثي الشيعة والسنة منذ بدء تدوين الحديث (أواسط القرن الهجري الثاني) وحتى أواخر القرن الحادي عشر، غير أولئك الذين كانوا يضعون الحديث ويكذبونه، من ناحية طريقتهم في نقل الحديث وتدوينه إلى أربع مجموعات:

1- أشخاص لم يكن هدفهم من تدوين الحديث انتخاب ما صحّ منه بل كان هدفهم جمع وكتابة كل ما كان متداولاً في عصرهم من الحديث بشكل عام وذلك مثل يحى بن معين الذي سُئل كم كتبت من الحديث فقال: كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث... وخلَّف من الكتب - كما يقول ابن خلِّكان - مائة قمطر وثلاثين قمطراً وأربعة حباب شرابية مملوءة كتباً(66). واتَّبَع المرحوم المجلسي عليه الرحمة - الذي يُعدُّ من محدِّثي الإماميّة الكبار في القرن الحادي عشر - ذلك المنهج في تدوينه لكتابه «بحار الأنوار» الذي يشكّل في الواقع دائرة معارف أحاديث الشيعة تقريباً، فكان هدفه الجمع العام لكل الأحاديث والآثار المنقولة عن الأئمة الأطهار أو المنسوبة إليهم، لذا يمكن القول أنه ينتمي إلى هذه المجموعة الأولى من مدوني الحديث.

2- المجموعة الثانية رغم أن أصحابها قاموا بانتخاب ما يدوِّنونه من حديث إلا أنهم لم يلتزموا بالاقتصار على تدوين الحديث الصحيح فقط، ومن أمثال هؤلاء «أبو داود» و«أبو عيسى» و«النسائي» أصحاب صحاح العامة(67)، ومصنفي الأصول الخمسة من الشيعة، مثل «محمد بن يعقوب الكليني»، إذ المشهور أن مجموع أحاديث كتابه «الكافي» يبلغ حوالي 16199حديثاً رغم انه انتخبها من الأصول الأربعمئة، والصحيح منها حوالي «5070» حديثاً فقط.

3- المجموعة الثالثة (من مدوِّني الحديث) لم يكن هدفهم أثناء رواية الحديث ونقله أن يختاروا أحاديث معينة، ولكنهم التزموا أثناء تدوينهم للحديث أن لا يُدوِّنوا إلا ما يعتقدونه صحيحاً، وذلك مثل «مالك» رغم أنه روى آلاف الأحاديث غير أنه لم يصحّ عنده في كتابه «الموطّأ» سوى 300 حديث (نبوي)(68)، و«أحمد بن حنبل» الذي روى مليون حديث(69)، ولكن لم يدوّن في «مسنده» سوى 50000 حديث(70)، و«البخاري» اشتمل صحيحه على 9200 حديث منها 3000 مكرَّرة، دوَّنها من أصل 600000 حديث، و«مسلم» الذي استخرج أحاديث صحيحه من 300000 حديث مسموعة(71).

4- المجموعة الرابعة (من مدوِّني الحديث) -خلافاً للمجموعات التي سبقت- لم يكن لها اهتمامٌ كبير بالحديث لأنها كانت تستعمل، في أغلب الأحكام، القياسَ، لذا تشدَّدت في شروط صحّة الحديث وبالغت في الإقلال من روايته وهم أصحاب الرأي وشيخهم أبو حنيفة فلم يصح عنده إلا 17 حديثاً فقط(72).

 وبشكل عام بما أنه لم يتم تدوين الحديث أصلاً في القرن الأول، ثم لم يُهتَم بشكل جدي ومنظَّمٍ بجمعه وتدوينه بشكل جامع في القرون التالية، بقي باب وضع الحديث مفتوحاً أمام أعداء الإسلام والمنافقين، لاسيما الأشخاص المتعصِّبون لمذاهبهم وأصحاب الأهواء.

والآن حان الوقت لكي نذكُر باختصار الدوافع والدواعي لوضع الحديث:

 

+                     +                    +


 

الدوافع لوضع الحديث

1- النزاع حول الخلافة والخصومة السياسية:

 رغم أن الإسلام اهتمّ أكثر من أي شيء آخر بالوحدة الاجتماعية وجعل من أهم أهدافه إيجاد الاتحاد بين أتباعه، ونهاهم بشكل أكيد عن كل موجبات التفرقة وذكّرهم بمضارّ التنازع والاختلاف بذكره عدد من الشواهد التاريخية في القرآن الكريم؛ إلا أنه للأسف قبل أن يجفّ ماء غسل جثمان حضرة الرسول الأكرم صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، بدأ الاختلاف بين المسلمين حول خلافته صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ واشتعلت نار الفتنة التي فرّقت تلك الجماعة التي كان يجمعها جميعاً صبغة واحدة هي صبغة ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ﴾ [آل عمران:19]، و﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات:10]، ونداء واحد هو نداء (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فكانت جماعةً متحدةً متآخيةً أخوَّةً حميمةً تحت لواء الإسلام، فتفرّق أعضاؤها حتى وصل الأمر في عهد بني أمية إلى أن كل فرقة أصبحت ترى أن إزهاق أرواح الفرق الأخرى وإتلاف أموالها فريضةٌ دينيّةٌ واجبةٌ عليها! ولا زال المسلمون يَكْتَوُون بنار هذا الاختلاف حتى يومنا هذا!

أجل، إن الاختلاف بشأن الخلافة الذي سبَّب نشأة عديد من الفرق والأحزاب في الإسلام وخاصة تلك الخصومات بين الأمويين والعباسيين والفاطميين أدت إلى قيام بعض أتباع كل فرقة بوضع أحاديث في صالحها وفي ذم الفرق المخالفة وفيما يلي نذكر باختصار نماذج منها:

بعد أن أسكت أبو بكر مخالفيه بقراءته لحديث (الأئمّة من قريش) قام بعض أنصاره ممن عُرفوا باسم «البكريّة» بوضع أحاديث في فضله (وفي أن رسول الله عيَّنه خليفة له)، وهي أحاديث يعترف أهل السنة والجماعة بأنها من الأحاديث الموضوعة من ذلك:

- قال أنس [كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء جاءٍ فاستفتح الباب، فقال: يا أنس! اخرج فانظر من هذا؟ فخرجت فإذا أبو بكر فرجعت فقلت: هذا أبو بكر يا رسول الله! فقال: ارجع فافتح له وبشِّرْهُ بالجنّة وأخبره بأنه الخليفة من بعدي ثم جاء جاءٍ إلى آخره في عمر وعثمان](73).

- [قال عليٌّ: أول من يدخل الجنة من هذه الأمة أبو بكر وعمر وإني لموقوف مع معاوية للحساب](74)

- وفي المقاصد [لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الناس لرجح إيمان أبي بكر](75)

- وفي الخلاصة [ما صبّ اللهُ في صدري شيئاً إلا وصببته في صدر أبي بكر](76)

- وفي المختصر [إنَّ الله يتجلّى للنّاس عامّة ولأبي بكر خاصّة].

- [كل مولود يولد يُذَرُّ على سُرَّتِهِ من تربته فإذا طال عمره ردَّه اللهُ إلى تربته التي خلقه منها وأنا وأبو بكر وعمر خُلِقْنَا من تربة واحدة وفيها ندفن].

- وفي الترمذي عن ابن عمر وعائشة [لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره].

- [إن لإبراهيم الخليل ولأبي بكر الصديق لِـحْيَةً في الجنّة!](77).

 وكذلك وضعوا أحاديث حول الخليفة الثاني (كما يذكر ذلك صاحب كتاب «تذكرة الموضوعات») منها:

- [لو لم أبعث فيكم لبعث عمر](78). [لو كان بعدي نبيٌّ لكان عمر بن الخطاب](79). [قال لي جبريل لِـيَـبْكِ الإسلامُ على موتِ عُمَر](80)

- الخلاصة [الحق مع عمر حيث كان](81) وكذا [عمر سراج أهل الجنة](82).

وحول الخليفة الثالث وضعوا أحاديث كذلك مثل:

- [إن لكل نبي خليلاً من أمته وإن خليلي عثمان](83)

- جابر [بينا نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: لينهض كل رجل كفأه فنهض النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان فاعتنقه وقال له: أنت وليِّي في الدنيا والآخرة](84).

- وعن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، إنَّما ولِيِّيَ اللهُ وصالحُ المؤمنين!](85).

وحول أم المؤمنين وضعوا: [خذوا شطر دينكم عن الحميراء](86).

و مما وضعوه حول «معاوية»:

- قال عليٌّ [بينا أنا جالس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أكتب إذ جاء معاوية فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القلم من يدي فدفعه إلى معاوية فما وجدت في نفسي من ذلك إذ علمت أن الله أمره بذلك. فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مني يا معاوية وأنا منك ولتزاحمني على باب الجنة كهاتين السبابة والوسطى] و[الأمناء سبعة اللوح والقلم وإسرافيل وميكائيل وجبرائيل ومحمد ومعاوية بن أبي سفيان] وعن العرباض: [اللهم علمه الكتاب] و[اللهم اجعله هادياً مهديّاً]، و[أوّل من يختصم من هذه الأمة بين يدي الرب عز وجل علي رضي الله عنه ومعاوية وأوّل من يدخل الجنة أبو بكر وعمر] فيه أبو حمدان كذاب(87).

وفي مقابل ذلك قام «الغلاة»: أي أولئك الأشخاص الجهلاء ذاتهم الذين جرحوا قلب عليٍّ أمير المؤمنين وأولاده الأطهار أكثر من أيّ أحد آخر ولطّخوا تاريخ «الشيعة»، بوضع سلسلة من الخرافات بقالب أحاديث نسبوها إلى الذوات المقدّسة لعليٍّ وسائر الأئمّة، وأثبتوا في تلك الأحاديث الموضوعة كثيراً من الصفات الخاصة بالله تعالى وكثيراً من معجزات النبيّ لعليٍّ والأئمّة من ولده، وأثبتوا لهم «الرَّجْعَة» و«التناسخ» وأشياء أخرى لا أساس لها في الإسلام! ومن جملة ذلك الخطب التي نسبوها إلى عليّ مثل «خطبة البيان» و«الخطبة التَّطْنَجِيَّة» التي نضع بعض عباراتها أمام القرّاء الكرام لأنها تتضمن أغلب مقالات الغلاة وأساطيرهم:

 [أنا الذي عندي مفاتيح الغيب لا يعلمها بعد محمَّد غيري، أنا بكل شيء عليم... أنا ذو القرنين المذكور في الصحف الأولى] إلى أن يقول: [أنا الذي أتولى حساب الخلائق، أنا اللوح المحفوظ، أنا مقلب القلوب والأبصار، إن إلينا إيابهم ثم علينا حسابهم] إلى أن يقول:[أنا فتاح الأسباب، أنا منشئ السحاب الثقال... أنا مورق الأشجار، أنا مفجر العيون]، إلى أن يقول: [أنا دابة الأرض أنا الراجعة..... أنا أول ما خلق الله حجة... أنا مخرج المؤمنين من القبور، أنا صاحب نوح ومنجيه، أنا صاحب أيوب المبتلى ومنجيه، أنا صاحب يونس، أنا أقمت السموات السبع، أنا الغفور الرحيم، وإن عذابي هو العذاب الأليم](88).

[أنا الذي أسلم أبي إبراهيم الخليل، أنا عصا الكليم، أنا الذي نظرت في عالم الملكوت فلم أجد غيري شيئاً.... أنا بعثتُ النبيين والمرسلين، أنا الذي أرسيتُ الجبال وبسطت الأرضين، أنا مخرج العيون ومنبت الزرع، ومسمع الرعد، ومشرق البرق، أنا مضيء الشمس ومطلع القمر، أنا الذي أقوم الساعة، أنا الذي إن أُمِتُّ لم أمُت، وإن قُتِلت لم أُقْتَل، أنا الذي قال رسول الله أنا وعليٌّ من نور واحد، أنا أهلكت الجبارين والفراعنة المتقدمين بسيفي ذو الفقار، أنا الذي حملت نوحاً في السفينة، أنا الذي أنجيت إبراهيم من نار نمرود، أنا صاحب موسى وخضر ومعلِّمهما، أنا منشئ الملكوت في الكون، أنا الباري المصور في الأرحام، أنا الذي أبرى الأكمه والأبرص، أنا البعوضة التي ضرب الله بها مثلاً، أنا الذي كسوت العظام لحماً.... أنا الذي رُدَّتْ إليَّ الشمسُ مرتين، أنا الذي أنشر الأولين والآخرين...... أنا صاحب القرون الأولى، أنا أحيى وأميت وأنا أخلق وأرزق أنا السميع العليم، أنا البصير، أنا المتكلم على لسان عيسى في المهد، أنا يوسف الصدِّيق، أنا العذاب الأعظم، أنا الذي يصلي في آخر الزمان عيسى خلفي، أنا الآخرة والأولى، أنا أُبدِئُ وأعيد، أنا فرع من فروع زيتون، أنا الذي أرى أعمال العباد، لا يعزب عني شيء في الأرض ولا في السماء، أنا الذي أُقْتَل قتلتين وأُحْيَى مرّتين وأظهرُ كيف شئت، أنا المذكور في سالف الزمان والخارج في آخر الزمان، أنا معذِّبُ الجبت والطاغوت.... أنا محمّدٌ المصطفى وعليٌّ المرتضى كما قال رسول الله عليٌّ منِّي وأنا منه](89).

إنَّ جُمَل تلك الخطبة تدلُّ بشكل عام على ثلاثة أمور:

1- إثبات صفاتِ اللهِ تعالى وأفعاله لعليٍّ، مثل جُمَل: (أنا أقمت السموات السبع)، (أنا بعثتُ النبيين)، (أنا بسطت الأرَضين)، (أنا أقوم الساعة)، (أنا أحيي وأميت وأنا أخلق وأرزق)، و(أنا البارئ المصور في الأرحام)، (وأنا أُبدئ وأعيد).

2- إثبات «التناسخ» و«الحلول» المستفاد من كلمات مثل: (أنا ذو القرنين، أنا عصا الكليم، أنا المتكلم عن لسان عيسى في المهد، أنا يوسف الصدّيق، أنا أظهر كيف شئت، أنا محمد المصطفى).

3- إثبات «الرَّجْعَة» المستفادة من عبارة (أنا الذي أُقْتَل قتلتين وأُحْيَى مرتين، أنا الخالد في آخر الزمان).

وهذه العقائد الثلاثة من بدع فرق «الغُلاة» من الشيعة، والشيعة الإمامية الاثني عشرية منزّهون من تلك العقائد ويبرؤون بشدة من تلك المقولات، ولكن نتيجةً لتلك الخطب وأمثالها من الخطب والأحاديث المتضمّنة لتلك الأمور الثلاثة وبسبب غفلة محدثي الشيعة الإمامية الاثني عشرية مع الأسف، اختلطت هذه الخطب بأحاديث الإمامية وسرت العقائد المستنبطة منها إلى أذهان عوام الشيعة بشكل تدريجي، وبدأ بعضهم يعتبر «الرجعة» من العقائد الدينية، في حين أنها كلها من وضع الغلاة!

ولأجل توضيح هذه النقطة بشكل كامل أرى لزاماً عليّ أن أذكر عقائد عدد من فرق الغُلاة الرئيسة مع مراعاة الاختصار:

(الغُلاة): [هم الذين غالوا في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقية، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية؛ فربما شبَّهوا واحداً من الأئمة بالإله،و ربما شبَّهوا الإله بالخلق. وهم على طرفي الغلوّ والتقصير. وإنما نشأت شبهاتهم من مذاهب الحلولية، ومذاهب التناسخية، ومذاهب اليهود والنصارى؛ إذ اليهود شبَّهت الخالق بالخلق، والنصارى شبَّهت الخلق بالخالق. فَسَرَت هذه الشبهات في أذهان الشيعة الغلاة؛ حتى حكمت بأحكام الإلهية في حق بعض الأئمة. وكان التشبيه بالأصل والوضع في الشيعة وإنما عادت إلى بعض أهل السنة بعد ذلك، وتمكّن الاعتزال فيهم؛ لما رأوا أن ذلك أقرب إلى المعقول، وأبعد من التشبيه والحلول. وبدع الغلاة محصورة في أربع: التشبيه، والبداء، والرجعة، والتناسخ](90).

وينقسم الغلاة إلى أصناف أولهم -كما يقول الشهرستاني-:

السبئية» أصحاب عبد الله بن سبأ؛ الذي قال لعليٍّ كرَّم الله وجهه: أنت أنت يعني: أنت الإله!؛ فنفاه إلى المدائن. زعموا: أنه كان يهودياً فأسلم؛ وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وصيُّ موسى عليهما السلام مثل ما قال في علي رضي الله عنه. وهو أوّل من أظهر القول بالنص بإمامة عليٍّ رضي الله عنه. ومنه انشعبت أصناف الغلاة. وزعم أن علياً حي لم يمت؛ ففيه الجزء الإلهي؛ ولا يجوز أن يستولي عليه، وهو الذي يجيء في السحاب، والرعد صوته، والبرق تبسمه: وأنه سينزل إلى الأرض بعد ذلك؛ فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. وإنما أظهر ابن سبأ هذه المقالة بعد انتقال علي رضي الله عنه.](91).

ويقول «أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي» -وهو من كبار متكلِّمي الشيعة الإمامية- في كتابه «فِرَق الشيعة»: [وحكى جماعة من أهل العالم: أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) في عليٍّ بمثل ذلك.](92).

والخلاصة بقي عبد الله بن سبأ هذا ينشر دعوته مدة من الزمن في البصرة والكوفة ومصر واجتمعت عليه جماعة عُرفوا باسم «السـبئية» كانوا - كما يقول الشهرستاني: [..أول فرقة قالت بالتوقف، والغيبة، والرجعة؛ وقالت بتناسخ الجزء الإلهي في الأئمة بعد علي رضي الله عنه](93).

العلبائية» أصحاب: العلباء بن ذراع الدوسي؛ وقال قوم: هو الأسدي. وكان يفضل علياً على النبي صلى الله عليه وسلم، وزعم أنه الذي بعث محمداً؛ يعني علياً، وسماه إلهاً. وكان يقول بذم محمد، وزعم أنه بعث ليدعو إلى علي فدعا إلى نفسه. ويسمون هذه الفرقة: الذمية.

ومنهم من قال بإلهيتهما جميعاً ويقدمون علياً في أحكام إلهية، ويسمونهم: العينية.

ومنهم من قال: بإلهيتهما جميعاً، ويفضلون محمداً في الإلهية ويسمونهم: الميمية.

ومنهم من قال بالإلهية لجملة أشخاص أصحاب الكساء: محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين. وقالوا خمستهم شيء واحد، والروح حالة فيهم بالسوية، لا فضل لواحد منهم على الآخر؛ وكرهوا أن يقولوا: فاطمة بالتأنيث؛ بل قالوا: فاطم؛ بلا هاء](94)

«الكيسانية» وهم عدة فرق يُنْسَبون جميعاً - بشكل عام - إلى المختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي كان يلقَّب بـ«كيسان». ويقول «النوبختي» في وصف فرقهم ومقالاتهم:

[وفرقةٌ (أي من الكيسانية) قالت أنَّ محمَّدَ بن الحنفية حيٌّ لم يَمُتْ، وأنه مقيم بجبال رضوي بين مكة والمدنية تغذوه الآرام تغدو عليه وتروح فيشرب من ألبانها ويأكل من لحومها وعن يمينه أسد وعن يساره أسد، يحفظانه إلى أوان خروجه ومجيئه وقيامه، وقال بعضهم: عن يمنيه أسد وعن يساره نمر، وهو عندهم الإمام المنتظر الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله أنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً فثبتوا على ذلك حتى فنوا وانقرضوا إلا قليلاً من أبنائهم وهم إحدى فرق الكيسانية](95).

[وقالت «الكيسانية» يرجع الناس في أجسامهم التي كانوا فيها ويرجع محمد صلى الله عليه وآله وجميع النبيين فيؤمنون به ويرجع علي بن أبي طالب فيقتل معاوية بن أبي سفيان وآل أبي سفيان ويهدم دمشق ويغرق البصرة](96).

[وفرقةٌ (أي من الكيسانية) قالت أن محمد بن الحنفية هو المهدي سماه علي عليه السلام مهدياً لم يمت ولا يموت ولا يجوز ذلك ولكنه غاب ولا يدري أين هو وسيرجع ويملك الأرض ولا إمام بعد غيبته إلى رجوعه وهم أصحاب «ابن كرب» ويسمون «الكربية» وكان «حمزة بن عمارة البربري»(97) منهم، وكان من أهل المدينة ففارقهم وادّعى أنه نبيٌّ وأن محمد بن الحنفية هو الله عز وجل -تعالى عن ذلك علواً كبيراً - وأن حمزة هو الإمام وأنه ينزل عليه سبعة أسباب من السماء فيفتح بهن الأرض ويملكها، فتبعه على ذلك ناس من أهل المدينة وأهل الكوفة فلعنه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام وبرئ من كذبه وبرئت منه الشيعة فاتّبعه على رأيه رجلان من نهد يقال لأحدهما (صائد) (98) وللآخر (بيان) (99) فكان بيان تبّاناً يتبن التبن بالكوفة ثم ادّعى أن محمّد بن علي بن الحسين أوصى إليه، وأخذه خالد بن عبد الله القسري هو وخمسة عشر رجلاً من أصحابه فشدهم بأطنان القضيب وصبَّ عليهم النفط في مسجد الكوفة وألهب فيهم النار فافلت منهم رجل فخرج بنفسه ثم التفت فرأى أصحابه تأخذهم النار فكرَّ راجعاً إلى أن ألقى نفسه في النار فاحترق معهم!، وكان حمزة بن عمارة نكح ابنته وأحل جميع المحارم وقال من عرف الإمام فليصنع ما شاء فلا إثم عليه، فأصحاب «بن كرب» أصحاب «صائد» وأصحاب «بيان» ينتظرون رجوعهم ورجوع أصحابه ويزعمون أن محمد بن الحنفية يظهر بنفسه بعد الاستتار عن خلقه،ينزل إلى الدنيا ويكون أمير المؤمنين وهذه آخرتهم](100).

وكما يقول «السيد مرتضى» في كتابه «تبصرة العوام في معرفة مقالات الأنام»: [كل فرق الكيسانية كافرة في نظر الإمامية](101).

«الخطابية»: [أصحاب: أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأسدي الأجدع مولى بني أسد، وهو الذي عزا نفسه إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه، فلما وقف الصادق على غلوه الباطل في حقه: تبرأ منه ولعنه، وأمر أصحابه بالبراءة منه، وشدد القول في ذلكن وبالغ في التبري منه، واللعن إليه؛ فلما اعتزل عنه ادعى الإمامة لنفسه.

زعم أبو الخطاب: أن الأئمة أنبياء ثم آلهة، وقال بإلهية جعفر بن محمد وإلهية آبائه رضي الله عنهم؛ وهم أبناء الله وأحباؤه. والإلهية نور في النبوة، والنبوة نور في الأمانة، ولا يخلو العالم من هذه الآثار والأنوار وزعم أن جعفراً هو الإله في زمانه، وليس هو المحسوس الذي يرونه؛ ولكن لما نزل إلى هذا العالم: لبس تلك الصورة فرآه الناس فيها.](102)

وقال «النوبختي» واصفاً مقالات أصحاب «أبي الخطاب»(103):

[وأما أصحاب «أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع الأسدي» ومن قال بقولهم فإنهم افترقوا لما بلغهم أن أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام لعنه وبريء منه ومن أصحابه فصاروا أربع فرق وكان (أبو الخطاب) يدّعى أن أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام جعله قيّمه ووصيّه من بعده وعلّمه اسم الله الأعظم ثم ترقى إلى أن أدعى النبوة ثم أدعى الرسالة ثم أدعى أنه من الملائكة وأنه رسول الله إلى أهل الأرض والحجة عليهم.

(ففرقة) منهم قالت أن أبا عبد الله جعفر بن محمد هو الله عز وجل وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - وأن (الخطاب) نبي مرسل أرسله جعفر وأمر بطاعته وأحلُّوا المحارم من الزنا والسرقة وشرب الخمر وتركوا الزكاة والصلاة والصيام والحج وأباحوا الشهوات بعضهم لبعض وقالوا من سأله أخوه ليشهد له على مخالفيه فليصدقه ويشهد له فإن ذلك فرض عليه واجب، وجعلوا الفرائض رجالاً سموهم والفواحش والمعاصي رجالاً وتأولوا على ما استحلوا قول الله عز وجل: ﴿ يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ﴾ [النساء:28] وقالوا خفف عنا بأبي الخطاب ووضع عنا الأغلال يعنون الصلاة والزكاة والصيام والحج فمن عرف الرسول النبي الإمام فليصنع ما أحبّ](104).

وقد تتعجب أيها القارئ العزيز كيف أمكن لمثل ذلك الوضع أن يسود بين المسلمين وبين الشيعة بالذات؟! فلا تتعجب من ذلك لأنك لو تأملت قليلاً لرأيت أن شبيه تلك المقالات بل عينها منتشرة بيننا أيضاً وتوجد في كتبنا كذلك.

ففي كتاب «زاد المعاد» (للمجلسي) رواية مضمونها أن القلم يُرفع عن شيعة علي في ثلاث ليال من ربيع الأول (عيد الزهراء!) أي يمكنهم ارتكاب كل منكر في تلك الليالي!

وفي كتاب «بحار الأنوار» حديثٌ معروفٌ باسم «النورانية» فسّر آية ﴿ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ﴾ [الحج:41]، بأن الصلاة والزكاة عليٌّ عليه السلام!، وفسّر آية ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾ [البقرة:45]، بأن الصبر هنا هو رسول الله! والصلاة هنا أمير المؤمنين!، وفسّر آية ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت:45]، بأن الصلاةَ هنا عليٌّ والفحشاءَ والمنكرَ الشيخان!

أليس مفاد هذه الرواية ورواية: [نحن الصلوة ونحن الزكوة ونحن صوم شهر رمضان] المروية في كتاب «بصائر الدرجات»(105) عن الإمام الصادق هو بذاته مفاد تلك المقالات الباطلة الفاسدة لأبي الخطاب الذي كان يقول أن ما جاء في القرآن من واجب وحلال أو حرام إنما هو أسماء أشخاص؟ ألم تلاحظوا كيف أنه في كتاب «آيات الولاية»(106) أُوِّلَت سدس آيات القرآن تقريباً -ألف آية- استناداً إلى عدة أحاديث موضوعة أو تأويلات باردة جداً، بولاية وفضائل أمير المؤمنين؟ وبمقتضى تلك الروايات اعتُبر البعوض والنحل والجَمَل أيضاً من ألقاب ذاته المقدسة؟! ألم تشاهدوا ذلك في تفسير آية ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ [البقرة:26]، وآية: ﴿ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [الغاشية:17]، بأن المقصود من البعوضة والإبل فيها -استناداً إلى عدد من الروايات- عليّ عليه السلام؟! أولم تعلموا على أيِّ أساس أُلِّفَ كتاب «فصل الخطاب في تحريف الكتاب»؟ أليس أنه لما أراد مؤلفه أن يُثبت فضائل لعليّ والأئمة الأطهار، جَمَد على مجموعة من الروايات الموضوعة وقام، بشكل أعمى، بزلزلة أركان الإسلام وتلطيخ مقام القرآن الكريم؟!!! سبحان الله! هل كان عليٌّ وأولاده عليهم السلام مجهولي الحال إلى تلك الدرجة حتى يتوسل الإنسان إلى التعريف بهم بمثل تلك الوسائل الفاضحة؟ أليس من المخجل التشبُّث بمثل تلك الروايات التي لا تؤدّي إلا إلى إضعاف وإهانة تلك الذوات المقدسة وزلزلة مقام القرآن الكريم لأجل إثبات ولايتهم وفضائلهم؟!

ولكن رغم ذلك يمكننا القول إن الأشخاص الذين دوّنوا ونشروا أمثال تلك الروايات والأحاديث ليس عليهم ذنب كبير، فماذا يفعلون؟ من جهة كان منهجهم وعادتهم أن لا يدقِّقُوا في الروايات كثيراً إلا إذا كانت تتعلق بالفرائض وما هو واجب أو محرّم! ومن جهة أخرى كانت تلك الأخبار بشكل عام توافق عواطفهم، والخروج من تحت تأثير العاطفة صعبٌ جداً عادةً، كما أن مقتضيات بيئتهم وعصرهم كانت تفرض إشاعة مثل تلك الأخبار، لذا مع أخذ تلك الأمور بعين الاعتبار لا ينبغي الاعتراض عليهم إذا قاموا بجمع وتدوين مثل تلك الأحاديث.

 إذن أصبح معلوماً أن أساس ومرتكز عقائد تلك الفرق الغالية هو: [التشبيه والتناسخ والرجعة]، وأما سائر عقائد فرق «الغُلاة» فيخرج شرحها عن مهمة هذا الكتاب ومن أراد الاطلاع الكامل على عقائد جميع فرق «الغُلاة» من الشيعة فليرجع إلى كتاب «فِرَق الشيعة» للنوبختي.

إذن أصبح معلوماً الآن أن «الرجعة» من عقائد «الغُلاة». فلنر الآن هل كان لدى الشيعة الاثني عشرية مثل تلك العقيدة أم لا؟ لأنه من الممكن أن تشترك فرق الغلاة مع الشيعة الاثني عشرية في هذه العقيدة، كما هو حال أغلب فرق ومذاهب العالم التي مهما اختلفت لا بد أن تشترك في موضوع أو أكثر من الموضوعات.

ونقول في الإجابة عن ذلك: إن فرقة الاثني عشرية كانت في البداية مبرّاة ومنزّهة تماماً عن القول بمثل هذه المقالة، لأن جميع كتّاب كتب الملل والنحل الذين سجّلوا ووثّقوا عقائد جميع فرق الإسلام بكل حياديّة، اعتبروا جميعاً عقيدة «الرجعة» من عقائد «الغلاة»، في حين أنهم عندما يصلون إلى شرح عقائد فرقة الاثني عشرية ويبيّنون جميع اعتقاداتهم ما كانوا يذكرون «الرجعةَ» من ضمنها، فمثلاً عبد الكريم الشهرستاني (المتوفى سنة 548هـ) في كتابه «الملل والنحل»، وابن حزم الأندلسي (المتوفى سنة 456هـ) في كتابه «الفِصَل في الملل والأهواء والنحل»، اعتبرا «الرجعة» من عقائد الغلاة -والأمر ذاته يُستفاد من الأخبار المنقولة في كتاب بحار الأنوار-، ولمّا وصلا إلى بيان جميع عقائد «الاثني عشرية» لم يذكرا من ضمنها أبداً شيئاً اسمه «الرجعة».

وكذلك اعتبر عبد الرحمن بن الجوزي (المتوفى 597هـ) في (ص22) من كتابه «تلبيس إبليس»: «الرجعيَّةَ» فرقةً خاصّةً من فرق الشيعة الغلاة وقال: [..والرجعية زعموا أن علياً وأصحابه يرجعون إلى الدنيا وينتقمون من أعدائهم]، ولكنه لما وصل لذكر عقائد فرقة الشيعة الاثني عشرية لم يتعرض لذكر «الرجعة» أبداً من ضمن عقائدهم.

كما اعتبر «أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري» المتوفى سنة (324هـ) في كتابه «مقالات الإسلاميين واختلاف المصليين» «الرجعةَ» من عقائد قسم من الروافض، ولكنه عندما وصل إلى بيان عقائد الإمامية لم يتعرض لذكر عقيدة «الرجعة»(107).

كما أن «أبا محمد الحسن بن موسى النوبختي» الذي يُعَدّ من كبار متكلمي الشيعة الاثني عشرية في أوائل القرن الهجري الثالث والذي أثنى عليه وعدّله كثير من علماء الإمامية الكبار(108) ذكر في كتابه «فِرَق الشيعة» خلال شرحه لعقائد فرق الغلاة عقيدة «الرجعة» كما هي اليوم شائعة بين الشيعة في عداد عقائد فرق «الكيسانية»، «المختارية»، «البيدنية»، «الخرمدينية»، و«الواقفة»، لكنه لما وصل إلى بيان عقائد الاثني عشرية في آخر كتابه لم يأت على «الرجعة» بذكر، هذا مع أنه بذاته من الإمامية الاثني عشرية وكان يهدف إلى بيان جميع عقائدهم ورغم ذلك لم يتعرّض أبداً إلى ذكر «الرجعة».

واعتبر «السيد المرتضى» الذي يُعَدُّ من مفاخر علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية في كتابه الموسوم بـ«تبصرة العوام في معرفة مقالات الأنام» خلال نقله لآراء ومقالات فرق الشيعة المختلفة «الرجعةَ» من عقائد فرقة «البترية»: أصحاب «كثير النواء الأبتر»، ولكنه عندما وصل إلى بيان عقائد الاثني عشرية لم يشر إلى «الرجعة» بشيء.

وخلافاً لكتّاب كتب الملل والنحل لم يكن هدف المرحوم «السيد المرتضى» في كتابه المذكور مجرد نقل وذكر عقائد فرق الإسلام المختلفة وغيرها، بل كان غرضه إبطال جميع الأديان والفرق الهامة وإثبات حقية فرقة الاثني عشرية ولذلك تعرّض في هذا المجال إلى جميع تفاصيل عقائدها حتى الأمور الجزئية مثل قضية فدك وغيرها، ومع كل ذلك لم يتعرّض أبداً إلى «الرَّجْعَة» التي جعلها بعض أصحاب النظر القاصر اليوم في عداد «ضروريات» مذهب الشيعة الإمامية.

ورغم أن عدم تعرّض المرحوم النوبختي والسيد المرتضى إلى موضوع «الرَّجْعَة» كجزء من عقائد الشيعة الاثني عشرية رغم كونهما إماميين اثني عشريين وأن هدفهما كان شرح عقائد الشيعة الاثني عشرية، دليل كبير على إثبات مدعانا، إلا أن الأهم منه أيضاً هو عدم تعرّض مخالفي الإمامية كالشهرستاني وابن حزم وابن الجوزي وأبي الحسن الأشعري إلى ذلك، لأن هؤلاء - بسبب تعصّبهم ضد الشيعة- لم يكونوا يوفِّرون أي طعنٍ ونقدٍ يمكن توجيهه إلى جميع فرق الشيعة وخاصة «الاثني عشرية» منهم، ومع ذلك ورغم أنَّهم كانوا يعتبرون القول بالرجعة من المطاعن الكبيرة بحق فرق الغلاة، توسّلوا للطعن في الاثني عشرية بأمور أخرى ولم يطعنوا فيهم لقولهم «بالرجعة» أصلاً، ولا شك أنهم لو احتملوا ولو احتمالاً بعيداً أن تكون «الرجعة» من عقائد الشيعة الاثني عشرية لجعلوها على رأس قائمة مطاعنهم فيها.

إذن اتَّضَح تماماً مما ذُكر أن «الرجعة» كانت في الأساس جزءاً من عقائد فرق «الغُلاة»، ولم تكن من عقائد الشيعة الإمامية الاثني عشرية وبالتالي فإنَّ الخطبة المذكورة وسائر الأحاديث المتضمنة للرجعة هي من موضوعات «الغُلاة» ومفترياتهم.

2- التعصُّب:

يعتقد علماء الاجتماع أن عظمة كل شعب رهينةٌ بوجود روح عامة مشتركة تربط بين أفراده، وطالما كانت تلك الروح قوية استمرت عظمة ذلك الشعب ودامت عزّته ومَنَعَته، وكلما ضعفت تلك الروح أو تلاشت انفرط معها عقد المجتمع ومُحيت هويته من صفحة الوجود، ويكفي لإثبات ذلك المعنى أن نلقي نظرةً على تاريخ الإسلام: فتلك الجماعة القليلة من أهل البادية الذين التفُّوا حول نبيِّ الإسلام استطاعوا في مرحلة زمنية قصيرة، رغم ما كان في صدورهم من قَبْل ومِنْ أمدٍ بعيدٍ من رعب وهيبة من عظمة أكاسرة الفرس وقياصرة الروم إذْ كانوا ينظرون إليهم دائماً بعين التعظيم والاحترام، ورغم افتقادهم لكلِّ الوسائل الماديَّة، استطاعوا بسيوفهم المكسورة التي كانوا يشدُّونها إلى خصورهم بأحزمةٍ من ألياف النخيل أن يحدثوا ثورة في حضارة العالم آنذاك وأن يأخذوا زمام أمور تينك الإمبراطوريتين العظيمتين (إمبراطورية الفرس والروم)، وأثبتوا في النهاية بكل إجلال عظمةَ أمتهم وقومهم للعالم وأهل الدنيا، وعلة ذلك هي تلك الروح العامة المشتركة أي عقيدة «التوحيد» التي ربطت بينهم ووحَّدَتْهم وأزالت من بينهم جميع العصبيات والاختلافات وجعلتهم إخوة متحدين، رغم أنهم كانوا حتى عهد قريب يقتلون أولادهم خشية الفقر والجوع ويئدون بناتهم حيّات، ولكنهم أصبحوا في ظل تعاليم الإسلام المقدّسة يصمدون أمام أكبر شدائد الدنيا بقلوب يملؤها حبّ ذلك الدين والاعتزاز به، ولم تكن تؤثّر فيهم أية مصائب وأحزان، بل كانوا جميعاً أصحاب شهامة وشجاعة وأصحاب إيمان كامل وعزم راسخ وإرادة حديديَّة، وباختصار كانوا في كامل الوحدة والاتحاد تحت راية الإسلام متَّبعين بكل نيّة صافية وعقيدة خالصة تعاليمَ رسول الله مستسلمين لأحكام الإسلام وتشريعاته، إلى أن ارتحل حضرة صاحب المرتبة الخاتمة، ورغم بروز اختلاف حول خلافته كما ذكرنا إلا أن ذلك لم يؤد إلى تفرّق المسلمين وذهاب وحدتهم الأممية والاجتماعية، ولكن لما ولي أمر الخلافة معاوية وسائر خلفاء بني أمية وحوّلوا الخلافة إلى ملك جائر عضوض، وضحُّوا بمصالح الإسلام في سبيل شهواتهم وظلمهم وتعصبهم، وكفَّروا أول مجاهد في الإسلام (أي عليّ) ولعنوه علناً وتبرؤوا منه على منابر المسلمين، وشدَّدُوا الخناق على أصحابه، ومارسوا التمييز والأذى ضد المسلمين من غير العرب - لِـمَا كان في قلوبهم منذ سنوات متمادية من تعصُّب وكره لغير العرب- فعذّبوهم وضغطوا عليهم، وباختصار أعادوا عادات عصر الجاهلية وأبعدوا الإسلام عن صورته الأولى الناصعة. وبذلك بدأ المسلمون تدريجياً يفقدون تلك الأخلاق والآداب الإسلامية لاسيما ذلك الاتحاد وتلك الوحدة والإخوّة التي كانت تجمع بينهم وتفرّقوا عن بعضهم في ظل العصبيات الجاهلية وصاروا أحزاباً مُـمَزّقين.

[قال أحد كبار علماء الألمان في الآستانة (اسطنبول) لبعض المسلمين وفيهم أحد شرفاء مكة: إنه ينبغي لنا أن نقيم تمثالاً من الذهب لمعاوية بن أبي سفيان في ميدان كذا من عاصمتنا (برلين)! قيل له: لماذا؟ قال: لأنه هو الذي حوَّل نظام الحكم الإسلامي عن قاعدته الديمقراطية إلى عصبية الغلب، ولولا ذلك لعَمَّ الإسلامُ العالمَ كلَّه ولَكُنَّا نحن الألمان وسائر شعوب أوروبة عرباً مسلمين](109).

والحاصل أن أكبر ضربة وُجِّهَت إلى عالم الإسلام وحالت دون تقدُّم الإسلام السريع كانت تعصُّب الخلفاء الأمويين الجاهلي، حيث عادت في عصرهم من جديد تلك العصبية التي كانت زمن الجاهلية وكانت أهم سبب لتفرّق العرب وتمزقهم وانحطاطهم عندما كانت قبائل العرب تتفاخر بأنسابها على بعضها وعلى غير العرب وكان لا شغل لها سوى مدح الذات وهجاء الآخرين كما يظهر ذلك واضحاً في أشعار ذلك العصر، حيث نلاحظ بشكل خاص تعصب العرب ضد المسلمين من غير العرب لاسيما الإيرانيين منهم فلم يكونوا يؤمنون بأي شأن وفضل لهم وليس هذا فحسب بل كانوا يهضمون حقوقهم المشروعة ولا يألون جهداً في تحقيرهم وإهانتهم حتى كانوا يحرمونهم من الكنية والألقاب الشريفة ويطلقون عليهم اسم «الموالي» (جمع المولى أي العبد)، ولا يسمحون لهم بالدخول إلى مجالسهم، ولا يمشون معهم في صف واحد، وكانوا يُهينون جنائزهم أيضاً، فمثلاً إذا مرَّت جنازة عربي فإن قيل قرشي أو عربي صاحوا متأثرين وا قوماه، وا بلدتاه، ولكن إن قيل من الموالي قالوا بلهجة لا تخلو من تحقير: [كان عبداً مملوكاً لِـلَّهِ ولِـلَّهِ أن يأخذ من يشاء وأن يترك من يشاء]، علاوة على أنهم كانوا يهجون الأعاجم بأشعارهم وقصائدهم، ووضعوا أحاديث كثيرة في فضل العرب ومذمة الفرس وفي ما يلي نذكر بعض تلك الأحاديث:

[في المقاصد [أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي] وروي [أنا عربي والقرآن وكلام أهل الجنة عربي].. وفي الوجيز [أحبوا العرب لثلاث]..الخ..

في اللآلئ [كلام أهل الجنة بالعربية وكلام أهل السماء وكلام أهل الموقف بين يدي الله بالعربية].

في الذيل [خير الناس العرب وخير العرب قريش وخير قريش بنو هاشم]

وفي اللآلئ أبو هريرة [أبغض الكلام إلى الله تعالى الفارسية وكلام الشيطان الخوزية وكلام أهل النار البخارية وكلام أهل الجنة العربية]

عن أبي هريرة [إن الله تعالى إذا رضي أنزل الوحي بالعربية وإذا غضب أنزل الوحي بالفارسية].

عن طلحة بن زيد [من تكلم بالفارسية زادت في خسته ونقصت من مروءته] [من أحسن منكم أن يتكلم بالعربية فلا يتكلمن بالفارسية فإنه يورث النفاق]

في المقاصد [قال عمر: إياكم وزيّ الأعاجم] واعتمده مالك حيث قال: [أميتوا سنة العجم وأحيوا سنة العرب](110).

ومنها أيضاً: [من غَشَّ العرب لم يَدْخل في شفاعتي ولم تَنَلْه مَوَدَّتي](111)، ومثل [إذا اختلف الناس فالحق في مُضَر]، ومثل [أحِبُّوا العربَ لثلاث لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة في الجنة عربي]، ومن ألطف ذلك أنهم رووا حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم مع سلمان الفارسي نفسه، ذلك أن رسول الله قال: يا سلمان لا تُبْغِضْني فتفارقَ دينك، قال: قلت: يا رسول الله! كيف أبْغضك وبك هداني الله! قال لا تبغض العربَ فتبغضني](112)الخ.

وكذلك وضعوا أحاديث كثيرة في فضل مدنهم مثل:

[في الملاحم [إن الناس يمصرون أمصاراً وإن مصراً منها يقال له البصرة فإن أنت مررت] الخ... وفي المقاصد [الشام صفوة الله من بلاده يجتبي إليه صفوته من خلقه].. [مصر أطيب الأراضين تراباً وعجمها أكرم العجم أنساباً].. [الحيرة روضة من رياض الجنة ومصر خزائن الله في أرضه]](113). وكذلك وضعوا أحاديث كثيرة حول فضائل الشام وسائر البلاد العربية نُعْرِض عن ذكرها رعاية للاختصار.

وفي المقابل عارض المسلمون من غير العرب تلك الأحاديث بوضع أحاديث مناقضة لها، وكانوا يطعنون في العرب ويذمونهم، سراً في عهد الأمويين، وعلناً وبوسائل متعددة في عهد بني العباس، من جملتها أنهم كتبوا كتباً كثيرةً في فضيلة العجم وذمّ العرب، فمن ذلك أن «سعيد بن حميد بختگان» الذي كان يعتبر نفسه من أمراء ملوك إيران ألّف كتاباً تحت عنوان «انتصاف العجم من العرب»، وكتاباً آخر باسم «فضل العجم على العرب وافتخارها»(114).

وألَّف «أبو عبيدة معمر بن المثنى»الذي كان من يهود فارس، كتباً باسم «أدعياء العرب» و«لصوص العرب» و«فضائل الفرس»، كما ألَّف «الهيثم بن عدى» كتباً في معايب العرب وفي ذمِّهم مثل: (كتاب المثالب الصغير). (كتاب المثالب الكبير). (كتاب مثالب ربيعة). (كتاب من تزوج من الموالى في العرب). (كتاب أسماء بغايا قريش في الجاهلية وأسماء من ولدن)(115).

و عَمِلَ «علانٌ الشعوبىُّ»، وأصله من الفرس، كتاب «الميدان في المثالب» الذي هتك فيه العرب وأظهر مثالبها(116)، حتى أن «سهل بن هارون» الذي كان - كما وصفه ابن النديم في الفهرس- حكيماً فصيحاً شاعراً، فارسي الأصل، شعوبي المذهب، شديد العصبية على العرب؛ لما وجد أن العرب في ذلك الزمن مشهورون بالكرم والسخاء ألّف - نكايةً بالعرب - كتاباً يمدح فيه «البُخل» ويرغِّب فيه ويعتبره من الملكات الفاضلة ويذمّ الكرم والسخاء ويعتبره من الصفات الرذيلة!.

إضافة إلى ذلك وضعوا أحاديث كثيرة في فضائل أعراقهم وبلادهم، ومن ذلك ما اخترعه شعوبية النبط من حديث نسبوه إلى علي بن أبي طالب فقد رووا أن رجلاً سأله فقال: أخبرني يا أمير المؤمنين عن أصلكم معاشر قريش؟ فقال: [نحن قوم من نبط كُوثَى!](117).

ومن ذلك: [لا تَسبُّوا فارساً فما سبَّه أحدٌ إلا انْتُقِمَِ منه عاجلاً أو آجلاً](118).

و رَوَوْا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد:38] فقالوا من يستبدل بنا؟ فضرب صلى الله عليه وسلم على مَنكِب سلمان: ثم قال: [هذا وقومه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريّا لناله رجالٌ من فارس](119).

و رَوَوْا [[إنَّ لِـلَّهِ في السماء جنوداً وفي الأرض جنوداً، فجُنْدُه في السماء الملائكة وجُنْدُه في الأرض أهل خراسان]، و[بابان مفتوحان في الجنة للدنيا عبادان وقزوين وأول بقعة آمنت بمحمد عبادان وأول بقعة آمنت بعيسى بن مريم قزوين]. و[لولا أن الله أقسم بيمينه وعهد أن لا يبعث بعدي نبياً لبعث من قزوين ألف نبيٍّ]، و[يكون لأمتي مدينة يقال لها قزوين الساكن بها أفضل من الساكن بالحرمين]، و[من بات بالري ليلة واحدة صلى فيها وصام فكأنما بات في غيره ألف ليلة صامها وقامها وخير خراسان نيسابور وهرات ثم بلخ..](120).

ووضعوا أحاديث كثيرة أيضاً في فضائل «قم» و«ساوه» و«أصفهان» و«خوزستان» و..... نُعْرِض عن ذكرها لأن أكثرها معروف وفي متناول الجميع.

***

هذه الروايات وأمثالها التي تفضِّل العرب على العجم أو العكس أو تثبت فضيلة للقبيلة الفلانية أو مزية لأهل المدينة الفلانية كلها من آثار العهد الأموي المنحوس ومن موضوعات الشعوبية، وهي تخالف تعاليم الإسلام لأن الإسلام دعا الناس بصراحة إلى الأخوّة والمؤاخاة فقال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات:10]، وألغى التفاخر بالعرق وسائر العناوين البشرية فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات:13]. واعتبر العلمَ مقياساً للفضيلة فقال: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [الزمر:9].

وبالإجمال هل يمكن أن نتصور أن يفضّلَ الإسلامُ، الذي هو دين الأخوّة والمساواة بين جميع أبناء البشر، جماعةً ليس إلا لكونهم عرباً أو عجماً أو من أهل المدينة الفلانية أو البلد الفلاني على الآخرين؟! وهل من الممكن للنبيِّ الذي قال: [إنَّ الناسَ من آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربيِّ على العجميِّ ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى](121) وأبلغ أمَّته في خطبة حجة الوداع بكل صراحة فقال: (..يَا أيُّهَا الناسُ، إنّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الجَاهِلِيّةِ وفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، كُلُّكُمْ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيْسَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ فَضْلٌ إلا بِالتَّقْوَى)(122)، أن يُثبت لمجموعات من الناس بمثل تلك العناوين العرقية أو القبلية الموهومة فضيلةً ومزيّةً على الآخرين؟!

أجل كما كتبتُ إجمالاً، كان المسلمون من غير العرب سواء كانوا من الفرس أم من غيرهم يعيشون في جوٍّ من التمييز والظلم ضدهم خلال فترة الخلفاء الأمويين، ومن الجهة الأخرى لما كان حضرة علي أمير المؤمنين وأولاده، يعاملون جميع المسلمين، كما كان يفعل النبي الأكرم صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، بالعدل والمساواة طبقاً لتعاليم الإسلام، ولم يكونوا يرجحون أحداً على آخر إطلاقاً إلا بالعلم والتقوى، لذا وقع في قلوب المسلمين من غير العرب منذ ذلك الزمن بغض بني أمية وترسّخت فيهم محبة آل علي عليه السلام، فكانوا عندما ينعمون بنعمة الحرية يقومون بوسائل مختلفة ببيان فضائل آل علي ومفاسد أخلاق بني أمية، وأفرط بعضهم في هذا الأمر فاندفع إلى وضع وإشاعة أحاديث ظاهرها إثبات فضائل لأولاد علي عليهم السلام لكنها في الحقيقة لا تليق بمقامهم، كما وضع أحاديث تتضمن مطالب فاسدة في مذمّة بني أمية لم تكن لائقة بهم ونسب تلك المطالب الباطلة والفاسدة إلى الأئمة الأطهار ونشرها عنهم!.

من هنا يمكننا أن نستنبط أن قصةً مثل «الرجعة» من ناحية كونها تشعر بفضلٍ لآلِ عليٍّ وذمٍّ لبني أميَّة كانت في تلك الفترة تلقى ترحيباً كاملاً وكانت الأوضاع السائدة تساعد على القول بها لأن الناس في تلك الفترة، كما قلنا، كانوا مستعدين نفسياً لمدح عليٍّ وسائر الأئمَّة، وذمِّ بني أمية والطعن بهم وعدم توفير أي جهد في هذا الأمر، فكانوا يتمسَّكون بكلِّ جِدِّيَّةٍ حتى بأبسط وسيلة لتحقيق ذلك الغرض، لذا والأمر كذلك فإنه يبدو من البعيد جداً أن يصرفوا النظر عن قضية «الرجعة» التي نشرها الغلاة في زمن علي بن أبي طالب نفسه والتي تتضمن من أولها إلى آخرها موضوع انتصار وسلطنة وسيادة آل عليٍّ وذمّ بني أمية وغلبهم وهزيمتهم، وأن لا يستفيدوا منها في هذا المجال.

وخلاصة الكلام أننا عندما ندقِّق النظر في تاريخ العهد الأموي والعباسي لاسيما تاريخ ظهور الشعوبية ووضع الفرس في ذلك العصر، يتضح لنا أن القول بالرجعة الذي طُرح أساسه في زمن علي عليه السلام من قبل الغلاة، بلغ في ذلك العصر درجة الاستحكام بسبب وجود مؤيدين كثيرين له أقدموا على توسعته وزخرفته، هذا إضافة إلى أن هذا الموضوع يتضمن قضايا توافق بشكل عام العاطفة، وعامة الناس (إلا قليلاً من العقلانيين) يستسلمون عادةً للعاطفة، ولا ريب أن مثل ذلك الحب والبغض خاصة عندما يعود إلى آل عليٍّ وبني أمية يجد له آذاناً صاغية وقلوباً مستعدَّةً لقبوله مما يساعد على تثبيته وتأييده بشكل كامل.

3- اختلاط المسلمين بالأجانب ودخول الفلسفة إلى الإسلام:

من جملة دواعي وضع الحديث ومزج تعاليم الإسلام بخرافات سُرِّبَتْ إليه بصورة أحاديث موضوعة، اختلاط المسلمين بالملل المجاورة من يهود ونصارى وهندوس و....، فبعد أن دخل كثيرٌ من أبناء تلك الطوائف المتنوِّعة في الإسلام على إثر الفتوحات الإسلامية، أو لم يدخلوا في الإسلام ولكنهم خضعوا لسلطان الإسلام وحمايته، اختلط بهم المسلمون حُكْماً، وسَرَتْ بعضُ عقائدهم وعاداتهم إلى المسلمين نتيجةَ هذا الاحتكاك، وقام بعض اليهود والنصارى في هذا المجال بنقل بعض خرافاتهم بوسائل مختلفة، لاسيما عن طريق وضع الحديث، إلى المسلمين، لاسيما أن بعض أولئك الأقوام، خاصة يهود اليمن، صاروا بعد دخولهم في الإسلام من الصحابة أو التابعين وفي عداد القرّاء والمحدِّثين، وبالتالي أصبحوا في النهاية محلاً لثقة المسلمين بهم وتقبّل أقوالهم التي كثيراً ما :تسرَّبَتْ بصورة أحاديث وأخبار، خاصَّةً الأحاديث المتعلقة بتفسير قصص القرآن والآيات التي تتكلم عن أسرار الكون والخلق، وكما يقول ابن خلدون: [والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية. فإذا تشوَّقوا إلى معرفة شيء مما تتشوّق إليه النفوس البشريّة في أسباب المكونات، وبدء الخليقة، وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى. وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ! بادية مثلهم، ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامّة من أهل الكتاب، ومعظمهم من حِمْيَر الذين أخذوا بدين اليهودية. فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم، مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها، مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك. وهؤلاء مثل «كعب الأحبار» و«وهب بن منبه» و«عبد الله بن سلام» وأمثالهم. فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم، في أمثال هذه الأغراض، أخباراً موقوفة عليهم، وليست مما يرجع إلى الأحكام فيُتَحرَّى في الصحَّة التي يجب بها العمل. وتساهل المفسِّرون في مثل ذلك وملؤوا كتب التفسير بهذه المنقولات، وأصلها كما قلناه عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك، إلا أنهم لِبُعْد صيتهم وعظمت أقدارهم لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة، فتُلُقِّيَتْ بالقبول من يومئذ] (123)، مثل قصّة آدم وحواء بتفصيلاتها كالكلام عن أنّ الجنّة كانت في مكان كذا وكذا وأنّ الشجرة المنهي عنها كانت كذا وأن الملائكة أكلت من ثمرتها لأجل الخلود في الجنّة وذهاب الشيطان في جوف حيّة وأن الحيّة كان لها أقدام وأرجل و... و... (124). وكذلك سائر ما ذُكر من الأساطير والأخبار في تفسير قصة هاروت وماروت وقصص الأنبياء مثل قصة عيسى ومريم وهابيل وقابيل وزكريا ويحيى، والتي أوردتها التفاسير تحت اسم الحديث والأخبار الواردة في تفسير الآيات والتي هي في الواقع جميعاً من الإسرائيليات المأخوذة من التوراة أو الإنجيل، ونجد بشكل خاص أن الطبري قد نقل في تفسيره لأغلب تلك القصص خاصة قصة آدم وحواء وعيسى بن مريم المذكورة في التوراة والإنجيل أقاويل «أسباط» و«السُدِّيّ» و«ابن جُرَيْج» و«وهب بن منبه» الذي كان فارسيَّ الأصل ثم صار يهودياً وفي النهاية أصبح من محدِّثي الإسلام.

إضافةً إلى ما ذُكر، فقد سَرَتْ بعضُ آراء تلك الملل ومقالاتهم اللاهوتيّة والفلسفيّة إلى المسلمين وأدَّت تدريجيّاً إلى ظهور مذاهب متعدِّدة تحت عناوين مختلفة في الإسلام، وتفصيل ذلك [أن كثيراً ممّن دخلوا في الإسلام بعد الفتح كانوا من ديانات مختلفة: يهودية ونصرانية ومانوية وزردشتية وبراهمة وصابئة ودهريين الخ، وكانوا قد نشؤوا على تعاليم هذه الديانات، فلما اطمأنّوا وهدأت نفوسهم واستقرَّت على الدّين الجديد وهو الإسلام، أخذوا يفكِّرون في تعاليم دينهم القديم، ويثيرون مسائل من مسائله ويُلْبِسُونها لباس الإسلام، وهذا ما يعلِّل ما نرى في كتب الفرق من أقوال بعيدة كلَّ البعد عن الإسلام؛ فنرى أحمد بن حائط رأس فرقة «الحائطية» مثلاً يقول في التناسخ شبه ما يقول البراهمة، ويقول في المسيح (عليه السلام) قولاً يشبه قول النصارى](125).

(فلما انشغل المسلمون في عهد الخلفاء العباسيين، لاسيّما عهد الخليفة «المأمون»، بترجمة كتب العلوم والفلسفة اليونانية والإيرانية والهندية و... ووقفوا على آرائهم ومقالاتهم، بدأ البحث في تلك المسائل، وأسسوا نتيجةً لذلك علماً باسم «علم الكلام»، واشتدَّ بذلك ساعد «الاعتزال» الذي كان قد نشأ في أواخر القرن الهجري الأول، وازدهر أمره، أي أن «المعتزلة» تلقوا تلك الفلسفة تلقي الظمآن لموارد الماء وأقبلوا على تصفُّحها والتبحُّر فيها للاستعانة بها في تأييد مذهبهم، وإحكام أسسه وتقوية استدلالاتهم، خاصة عندما تظاهر «المأمون» بالاعتزال وقال بخلق القرآن وعمل على تأييد مقولات المعتزلة وحمايتها فازدهر بذلك مذهب «الاعتزال» وبلغ أوجه، بحيث أنهم أصبحوا يظهرون علنا مقولاتهم كالقول بـ«خلق القرآن وحدوثه» التي لم يكونوا يجرؤون من قبل على الإعلان بها خوفاً من الفقهاء..)(126).

[وفي هذا العصر تفرّق الناس إلى شيع وأحزاب ومذاهب... وكل طائفة تَفَرّع منها فروع يصعب عدها، فقد انقسم المعتزلة إلى نحو ثلاث عشرة فرقة، والخوارج إلى نحو عشرين، والشيعة إلى نحو ثلاثين، والمرجئة إلى نحو سبع.](127)، وكل واحد منها كان يعتبر نفسه حامي الإسلام ومتِّبعاً للقرآن ويعتبر الآخرين ضالين أو مرتدين! وكانوا يُؤَوِّلُون آيات القرآن والأحاديث لتنطبق على أقاويلهم، وأحياناً يضعون الأحاديث لتأييد أقاويلهم ويبثُّونها بين الناس! مع أنه لم تكن في صدر الإسلام أيٌّ من تلك العناوين والأسماء وعلى قول المرحوم الشيخ الصدوق عليه الرحمة: [كان أصحاب رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) اثني عشر ألفاً، ثمانية آلاف من المدينة وألفان من مكة وألفان من الطلقاء، ولم يُرَ فيهم قدريٌّ ولا مرجئ ولا حروريٌّ ولا معتزليٌّ ولا صاحب رأي](128).

من هنا نفهم منبع الأحاديث التي تتحدَّث عن حقيقة مراتب النفس وأرباب الأنواع وغيرها من الأفكار الفلسفية المنسوبة إلى النبيّ الأكرم وإلى عليٍّ أمير المؤمنين، ولا شك أن القارئ الكريم صادف مثل هذه الأحاديث في الكتب الفلسفية والصوفية، فهي أحاديث وُضِعَت كلُّها في ذلك العصر، لأنه قبل حضرة الإمام الرضا عليه السلام لم تكن الفلسفة قد دخلت إلى عالم الإسلام بعد، ولذلك ما كان لعامَّة المسلمين أيُّ معرفةٍ بمصطلحاتها ومطالبها فضلاً عن أن يقوم النبي الأكرم أو عليٌّ أمير المؤمنين ببيان مثل تلك المصطلحات والأفكار التي ليس فيها أيّ فائدة دينيّة ولا دنيويّة، والحاصل أن الأحاديث المنسوبة إلى النبيّ الأكرم والأئمّة قبل الإمام الرضا إذا كانت تتضمن مطالب ومصطلحات فلسفية فهي بلا شك من الموضوعات المخْتَلَقة في العهد العباسي.

وخلاصة الكلام، إن اختلاط المسلمين بأبناء الملل الأجنبية ومعاشرتهم لهم وترجمتهم لكتبهم العلمية والفلسفية أدَّى إلى تسرّب كثير من المقالات الفلسفية والمطالب اللاهوتية الكَنَسِيَّة وخرافات اليهود إلى الإسلام، مما أوقع اختلافات كثيرة بين المسلمين وأوجد فرقاً لا حصر لها يخرج شرحها عن عهدة هذا الكتاب، ونحن نشير فيما يلي على نحو الاختصار إلى جزء من تلك المطالب والمسائل:

1- تناسخ الأرواح:

يقول أبو ريحان البيروني في كتابه الموسوم بـ: «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة» عن عقيدة «تناسخ الأرواح»: [كما أنَّ الشهادةَ بكلمة الإخلاص شعارُ إيمان المسلمين، والتثليثَ علامةُ النصرانيّة، والإِسباتَ علامةُ اليهوديّة، كذلك التناسخ عَلَمُ النِّحلة الهندية، فمن لم ينتحله لم يكُ منها، ولم يُعدَّ من جملتها](129).

ويقول أحمد أمين: [وقد لعبت نظرية التناسخ درواً هاماً في الفلسفة اليونانية وفي الديانة المانوية، وفي المذاهب الإسلامية وفي التصوف وفي النصرانية. فقد قال «فيثاغورث» بنظرية التناسخ، ويرجِّح كثيرون من مؤرخي الفلسفة اليونانية أنها مأخوذة -في الأصل- من الفلسفة الهندية، ثم أخذها عن فيثاغورس، إمْبدُكلِيس، وأفلاطون. وقد كان فيثاغورس يرى تناسخ الأرواح بين الإنسان والحيوان أن تحرير النفس بترقِّيها في دورة الحياة، وذلك بالشعائر الدينية وبالفكر والتأمل والفلسفة](130).

وقد حكى «البيروني» أن «ماني» نُفِيَ من بلاد فارس فدخل أرضَ الهند، ونقل التناسخ منهم إلى نِحْلَـتِه(131).

وقبل هؤلاء روى «السبئِيَّةُ»، أصحابُ عبد الله بن سبأ، عنه أنه قال لعليّ: أنت أنت! أي أنت الإلـه! وتبعته فرقته فقالت بتناسخ الجزء الإلـهي في الأئمّة بعد عليّ، وبمثل ذلك قال الغالية من الشيعة.

وبعد هؤلاء كان النصيرية يعتقدون أن مرتكبي الآثام يعودون إلى الدنيا يهوداً أو نصارى أو مسلمين سُنِّـيِّين، أما من لم يؤمن بعليّ فيعودون جِمالاً أو بغالاً أو حميراً أو كلاباً أو نحو ذلك من أصناف الحيوان، وبمثل ذلك يقول عوام الدروز(132).

وبعد هؤلاء قال «أحمد بن حائط» (أو أحمد بن خابط) رأس فرقة الحائطية وتلميذه «أحمد بن نانوس» و«أبو مسلم الخراساني» رأس طائفة «المسلمية»، و«القرامطة»، و«محمد بن زكريا الرازي» قالوا جميعاً بالتناسخ وجعلوه أساس مذهبهم؛ فقالوا إن الأرواح بعد مفارقتها للأجساد تنتقل إلى أجساد جديدة (حتى لو لم تكن من نوع الأجساد الأولى نَفْسِه)، كل ما في الأمر أن أرواح الأشخاص المسيئين والفجّار تنتقل إلى أجساد بهائم خبيثة.

وبناء على ذلك فإن جميع الأحاديث والخطب التي تشعر بالتناسخ إنما هي من موضوعات أتباع تلك الطوائف والفرق.

2- مسألة خلود وأبديّة عذاب جهنّم

يذكر «فون كريمر» أن هذه المسألة كانت من المسائل التي تجادلت فيها الكنائس النصرانية أي مسألة خلود العذاب، فقد ذهب آباء الكنيسة اليونانية إلى إنكار أبدية عذاب النار(133)، ويبيِّنُ القرآن الكريم بصراحة أن ذلك القول كان من مقالات أهل الكتاب فيقول: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [آل عمران:23-24].

والحاصل أن النقاش والبحث في هذه المسألة لم يحصل في صدر الإسلام لأنه لا يوجد ما يُرشد إليه من نصوص القرآن أو من مسلمات عقيدة المسلمين، وكما يقول ابن حَزْم [اتفقت فرق الأمة كلّها على أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها ولا للنار ولا لعذابها إلا جُهَم بن صفوان وأبا الهذيل العلاف وقوماً من الروافض فأمَّا جُهَم فقال: إنَّ الجنَّة والنّار يفنيان ويفنى أهلهما](134). ومع الأسف سرت هذه الفكرة إلى بعض أقطاب التصوّف في الإسلام الذين أنكروا خلود العذاب لأنه في رأيهم يتنافى مع مبدأ الخير المحض!!! وأوَّلُوا جميع الآيات التي تدل على خلود العذاب وأبديته، كما قاموا بوضع بعض الأحاديث التي تثبت عقيدتهم.

3- مسألة قِدَم وحُدُوث كلام الله:

أي البحث في كلام الله هل هو مخلوق وحادث أم قديم وغير مخلوق؟

شَغَلَتْ هذه المسألة حَيِّزاً من مباحث علم الكلام، بل كانت من أهم عوامل إيجاد ذلك العلم. ولو رجعنا إلى التاريخ لعلمنا أن هذه الفكرة ليس لها أي سابقة في الإسلام، بل هي من المباحث اللاهوتية لعلماء اليهود، كما يشير إلى ذلك ابن الأثير الجزري (في كتابه الكامل في التاريخ) عند حديثه عن عقائد القاضي أحمد بن أبي داود المعتزلي فيقول:

[...القاضي أبوعبد الله (أحمد) بن أبي دؤاد (المعتزلي)..وكان داعيةً إلى القول بخلق القرآن وغيره من مذاهب المعتزلة، وأخذ ذلك عن بشر المريسي(135)، وأخذه بشر من الجهم بن صفوان، وأخذه جهم من الجعد بن درهم، وأخذه الجعد من أبان بن سمعان، وأخذه أبان من طالوت ابن أخت لبيد الأعصم وختنه، وأخذه طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم وكان لبيد يقول بخلق التوراة، وأول من صنف في ذلك طالوت](136).

فالخلاصة أن هذه المسألة التي أصبحت من مسائل علم الكلام المهمة وجزءاً من عقائد المعتزلة هي من جملة الإسرائيليات وتُحَف اليهود.

4- مسألة القدر (الجبر والتفويض) والبحث في صفات الله:

كل من له اطلاع بسيط على تاريخ الكنيسة يعلمُ جيداً أن مثل هذه المباحث هي في الواقع من مسائل علم اللاهوت الخاص بالكنيسة، والتي كانت مثاراً لكثير من الجدل والقيل والقال بين قساوسة النصارى الذين كانوا طفيليين على المجتمع ولم يكن لهم عمل أو شغل فأخذوا يتناقشون في مثل هذه القضايا ويصرفون في بحثها أوقاتاً جمّةً، حتى أن بعض علماء الغرب لما عرف أنَّ ثمَّةَ فرقةً في الإسلام باسم المعتزلة بَحَثَتْ تلك المسائل حكم يقيناً بأن تلك الفرقة نشأت من النصرانية، إذْ رأى رأي العين أنها بحثت في ذات المسائل التي كانت الكنيسة تتنازع فيها، ورأى من الجهة الأخرى أن مسلمي الصدر الأول لم يتباحثوا إطلاقاً في مثل تلك القضايا. ومن الغربيين الذين قالوا بذلك الرأي الأستاذ «فون كريمر» الذي يذهب إلى [أن فرقة المعتزلة نشأت من النصرانية لأن آباء الكنائس كانوا يتجادلون في حرية الإرادة وأن الإنسان مجبور أو مختار، وبعبارة أخرى في مسألة القدر، كما كانوا يتجادلون في صفات الله وقد تسرَّبَت هذه العقائد إلى المعتزلة من طريق النصارى بعد فتح المسلمين للشام، ومن أشهر من احتكَّ بالمسلمين في ذلك العصر الأموي: «يحيى الدمشقي» و«ثيودور أبوكارا»(137).

والحاصل أن المعتزلة علاوة على تأويلهم آيات القرآن لتنطبق على مذاهبهم وأقوالهم، وضع بعضهم أحاديثَ كثيرةً خاصّةً في باب الجبر والتفويض، نعرض عن ذكرها تجنباً لإطالة الكلام.

5- البحث في كيفية المعراج:

هذا الموضوع أيضاً من الموضوعات التي اختلف فيها المسلمون وفرَّقتهم، كما صار في الوقت ذاته وسيلةً يُظْهر عددٌ من المتفلسفين بها فضلَهم وأصبح رأسمال حانوت جماعةٍ آخرين، وللأسف كان ذلك أيضاً من صادرات دكان خرافات تثليث الكنيسة!

لا بدَّ أنك سمعتَ أيها القارئ المحترم بقصَّة قساوسة مسجد «أيا صوفيا» -الذي كان في الأساس كنيسةً-: لمّا حاصر السلطان محمد الفاتح مدينة القسطنطينية (اسطنبول الحالية)، حيث كان أولئك القسيسون، طلّابُ الدّعة والراحة، يهيمون في وادٍ آخر إذْ كانوا يبحثون عن كيفيّة عروج عيسى إلى السماء: هل عرج ببدنه العنصري أم ببدنه المثالي؟ ولم يدروا أن المسلمين أصبحوا على أبواب عاصمة مملكتهم وأنهم عن قريب سيبدّلون كنيستهم تلك ذاتها ومركز تثليثهم إلى مسجد ومحلٍّ للتوحيد!

على أيّ حال لا يظهر من أيّ تاريخ من التواريخ أن هذه المسالة كانت مداراً للجدل في صدر الإسلام بل كان المسلمون يتقبّلون ما جاء في القرآن حول هذا الموضوع وما أخبرهم به النبي الأكرم صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ دون بحث في التفاصيل، إلى أن جاء جماعة فيما بعد وأخذوا يتعمّقون في هذه المسألة مع أنه ليس في بحثها أيّ فائدة دينية أو دنيوية، وأخذوا يجادلون فيها ويجعلونها موضوعاً لخطبهم!

وما أريد قوله أنه ما لنا ولمثل هذه القضية التي هي من خصائص صاحب المرتبة الختميَّة صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ حتى نتدخَّل فيها؟ وكيف يمكن أن نتصوَّر أن بإمكاننا أن نقف على خصوصيّات هذه القضية ونطَّلع على كيفيَّاتها مع كونها من الأحوال الشخصيّة الخاصّة بحضرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ ؟ إن الذي لم يصل في عمره أبداً إلى مرحلة العشق، ولا خَبَرَ له عن مزايا العشق والحبّ، هل يمكنه أن يدرك خصوصيّات ليلة وصل العاشقين مهما شرحناها له؟

فعلينا أن نعتقد بهذه المعجزة كما شهد بها القرآن وأخبرنا بها حضرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ وما عدا ذلك فهو خارج عن حدود وظيفتنا.

وتوجد حول هذا الموضوع أحاديث عديدة يشعر بعضها بالتشبيه والتجسيم وُضِعت وتسللت إلى كتب الحديث.

وخلاصة الأمر أنه بالرجوع إلى تاريخ الإسلام والكنيسة يتضح أن هذه المسائل التي شكّلت أساس علم الكلام لم يكن لها سابقة في الإسلام ولم يبحثها المسلمون الأوائل أبداً، بل جميعها من المباحث الكنسية اللاهوتيّة التي شاعت بين المسلمين تدريجياً بعد الفتوحات الإسلامية وأدّت فيما بعد إلى تشكيل عدد من الفرق في الإسلام!

وفضلاً عن أن البحث والجدل في تلك القضايا والمسائل كان ضربةً قويّةً وُجِّهَت لاتِّحاد الأمة ولوحدة مجتمع المسلمين وسبباً لوقوع التفرقة بينهم، فإنها شغلت للأسف أفكار مفكري الإسلام الذين كان من الواجب أن يهتمّوا بدلاً من ذلك بإصلاح المفاسد الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع الإسلامي لكنهم اشتغلوا بمثل تلك المقولات فأصبح وجودهم كعدمه إذْ خاضوا في مسائل لا تُقَدّم ولا تُأَخّر!

إن راقم هذه السطور يعتقد أن أهم عامل مؤثر في انحطاط عالم الإسلام وأقوى سبب لتخلفنا عن ركب التطور والرقيّ هو أن كثيراً من علمائنا بدلاً من بذل مساعيهم في طريق نشر حقائق الإسلام واهتمامهم بإصلاح المفاسد الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع، صرفوا أعمارهم في دراسة وبحث مثل تلك المسائل التي لا طائل تحتها وفي النهاية حكموا على أنفسهم وعالمهم بالشقاء!!.

6- الرجعة:

 يذكر الشهرستاني في كتابه «الملل والنحل» أن «الرجعة» من عقائد اليهود القديمة وأن منشأ تلك العقيدة بينهم هو قصة عزير المعروفة وخاصة قضية هارون ويقول في هذا الصدد:

[وأما جواز الرجعة: فإنما وقع لهم من أمرين: أحدهما حديث عزير عليه السلام؛ إذ أماته الله مائة عام ثم بعثه، والثاني حديث هارون عليه السلام؛ إذ مات في التيه، وقد نسبوا موسى إلى قتله بألواحه قالوا: حسده؛ لأن اليهود كانوا أميل إليه (أي إلى هارون) منهم إلى موسى. واختلفوا في حال موته: فمنهم من قال: إنه مات وسيرجع، ومنهم من قال: غاب وسيرجع](138)، ولذلك بقوا ينتظرون عودته.

أما في الإسلام فليس لهذه المسألة أي ذكر في الإسلام، وهي -كما سيظهر عن قريب- تخالف نصوص القرآن، إلى أن قام عبد الله بن سبأ اليهودي كما ذكرنا مراراً بنشر هذه القضية بين المسلمين، ثم أصبحت من أسس مذهب فرقة «السبئية» وسائر فرق الغلاة كما بيناه فيما سبق، وقد وُضعت أخبارٌ عديدةٌ في هذه العقيدة ونُشرت بين المسلمين سنبيِّنُها إن شاء الله في مبحث أحاديث «الرَّجْعَة» عن قريب.

وهذه المسألة فضلاً عن أنها لعبت دوراً في تفريخ عددٍ من المذاهب والفرق، وسبَّبت تشكيل فرقٍ كـ«البابية» و«البهائية» و«الأزلية» وألقت بكثير من المسلمين المساكين في أودية الضلالة والشقاء، وجَّهت أيضاً لطمةً كبيرةً لأساس التشيّع وجعلت هذا المذهب رغم كل مبانيه المتقنة وأسسه المحكمة التي اختصَّ بها هدفاً لهجمات عنيفة مِن قِبَلِ بقيَّة طوائف المسلمين وغيرهم، وفي الوقت ذاته عرّفت مذهب التشيُّع وكأنَّه مذهبٌ موهومٌ عديم الأصل، كما هي نَظْرةُ جماعةٍ من علماء أهل السنة والجماعة وكُتَّابهم المتقدّمين، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، والمعاصرين مثل السيد محمد رشيد رضا صاحب «المنار»، وشكيب أرسلان، ومؤلف ضحى الإسلام وفجر الإسلام، وحتى عدد من علماء الغرب مثل «رينان» الفرنسي، و«ستيوارت» الأمريكي، الذين اعتبروا الشيعة بشكل كلِّيٍّ حزباً سياسياً انشق عن اليهود استناداً إلى هذا الموضوع بالذات وسائر مقالات فرق «الغُلاة» من الشيعة، وكتبوا في مؤلفاتهم بصراحة أن اليهود اتخذوا شكل الشيعة لكي يقوموا بتخريب الإسلام، وأنَّ العجم أيَّدوا، من الجهة الأخرى، ذلك المذهب بسبب عداوتهم للعرب وبالتالي شكلوا مذهب «الشيعة» الحالي!

7- مسألة التشبيه:

أي تشبيه الخالق بالخلق والذي هو باتفاق جميع علماء الملل والنحل من خصائص ملّة اليهود، (لا في كلِّهم، بل في القرّائين منهم)؛ كما أن التثليث وتشبيه الخلق بالخالق من مختصّات أتباع المسيح. ومنشأ شبهة التشبيه لدى اليهود - كما يقول الشهرستاني - أنهم وجدوا في التوراة ألفاظاً كثيرة تدلّ على ذلك(139) ويقول: [وزادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها إلى النبي عليه السلام، وأكثرها مقتبسة من اليهود؛ فإن التشبيه فيهم طباع، حتى قالوا: اشتكت عيناه فعادته الملائكة، وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، وإن العرش ليئط من تحته كأطيط الحل الجديد، وإنه ليفضل من كل جانب أربع أصابع] (140)، ونحوها من الأساطير التي أدخلها اليهود مع الأسف في الإسلام وبالنتيجة صارت من العقائد المهمة لفرق الغلاة. فنحن إذا طالعنا مقالات الغلاة في كتب الملل والنحل وجدنا أن قسماً مهماً من مقالاتهم يدور حول هذه المسألة، وقد سبق أن نقلنا قول الشهرستاني أن بدع الغلاة محصورة في أربع: التشبيه، والبداء، والرجعة، والتناسخ.

وفضلاً عما ذُكر فإن هذا الموضع أيضاً لعب بدوره دوراً في تفرقة المسلمين وإيجاد فرقٍ باسم «المشبِّهة» و«المجسِّمة» في الإسلام، وانقسم المشبهة إلى فرق عدة من جملتها «الهشامية» و«الحشوية»، وشرح عقائدهم يطول ويخرج عن موضوع بحثنا.

والخلاصة أن هؤلاء بشكل عام يشبِّهون الخالق بالإنسان بكل معنى الكلمة حتى أنهم يثبتون لِـلَّهِ الحواس الخمسة والأطراف أي الأيدي والأقدام والعين والأنف و...الخ. وهؤلاء، علاوة على تفسيرهم آيات القرآن طبقاً لمقالاتهم، وضعوا أحاديث كثيرة في هذا الباب نسبوها للنبي الأكرم والأئمة مثل روايتهم عن النبيّ عليه السلام أنه قال: [لقيني ربِّي؛ فصافحني، وكافحني، ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله](141). ومنها ما رووا عن النبيّ عليه السلام أنه قال: [ينادي الله تعالى يوم القيامة بصوت يسمعه الأولون والآخرون](142).

و[رُويَ في اللآلئ عن ابن عباس رفعه [رأيت ربي في صورة شاب له وفرة]، وروي [في صورة شاب أمرد]. وفي الذيل [رأيت ربِّي بِمِنَى يوم النَّفْر على جمل أوْرِق عليه جُبَّة صوف أمام الناس]، ورُوِيَ [إذا أراد الله أن ينزل إلى السماء الدنيا نزل عن عرشه بذاته]] (143). ولدينا في كتب الأخبار لاسيما مجلدات «بحار الأنوار» أحاديث كثيرة تتضمن تشبيهاً وتجسيماً.

ومن المعلوم أن هؤلاء السادة المشبّهة والمجسّمة كان لهم باعٌ في موضوع الرجعة، لأن بعض أحاديثها يذكر أنه تعقيباً على حرب الشيطان مع حضرة الأمير ينزل الجبّار (أي الله تعالى) إلى الأرض و... مما سننقله لاحقاً إن شاء الله ومما هو صريح في التشبيه.

8- تحريف كتاب الله:

يذكر علماء الملل والنحل أن مما اختصّ به اليهود تحريفهم لكتاب الله -أي التوراة-، إذ كانوا يحذفون أشياء من التوراة إذا اقتضت مصلحتهم أو يضيفون أشياء إليها، حتى تشكّلت التوراة الحالية(144).

وقد أخبرنا القرآن في عدة مواضع بشكلٍ إجماليٍّ عن هذا العمل القبيح لليهود، فقال تعالى مثلاً: ﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:75]، وقال تعالى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ [النساء:46]، وقال: ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة:41].

فهذا العمل الذي كان طبقاً لصريح القرآن واتفاق علماء الملل والنحل من أوصاف اليهود، سرى للأسف إلى المسلمين أي إلى فرق «الغلاة» الذين ارتكبوا بدورهم جناية كبيرة بحق عالم الإسلام!.

كل ما في الأمر أن اليهود نجحوا في مسعاهم، واستطاعوا أن ينقصوا ويزيدوا في التوراة ويوجدوا «التوراة الحالية»، أما القرآن الكريم فلمّا أخذ الله على نفسه العهدَ بحفظه وحراسته؛ حَفِظَهُ من كلِّ تبديل وتغيير، لذا فإن الآيات التي حرّفها أو وضعها الغلاة بقيت حبيسةَ حفنةٍ من الكتب المغبرّة ولم تستطع أن تلوث صفحات القرآن الجميلة.

وعلى كل حال لقد كانت فرق «الغلاة» التي تنبع جميع مقالاتها من خرافات اليهود عاراً على العالم الإسلامي، وقد قام هؤلاء «الغلاة» باتباع اليهود في نشرهم لمقالات طفولية، أي نشرهم لعقائدهم في قالب ألفاظ يخرجونها بشكل آيات قرآنية مُدَّعين أنَّ ثمَّةَ سورة كذا قد أُسقطت من القرآن ووضعوا أحاديث تفيد أن تلك الجملة أو تلك السورة حُذفت من القرآن ونسبوا تلك الأحاديث إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ والأئمّة عليهم السلام.

وقد مرّ معنا كيف أوَّلَتْ فرقة «الخطابية» أسماء جميع العبادات والمحرّمات بأسماء أشخاص، وأجاز أتباعُها وطءَ المحارم واستندوا في مقالاتهم تلك إلى تحريفهم لمعنى آية ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ﴾ [النساء:28] فقالوا لقد خُفِّفَ عنَّا بأبي الخطاب ووضع عنا الأغلال: يعنون الصلاة والزكاة والصيام والحج فمن عرف الرسول النبي الإمام فليصنع ما أحبّ!!. ووضعوا أحاديث مكذوبة افتروها في ذلك الأمر! كما قام سائر فرق «الغلاة» بصياغة كلمات تتضمَّن فضائل لأمير المؤمنين وسائر الأئمة عليهم السلام وغير ذلك من مقالاتهم بشكل سور قرآنية وأحاديث موضوعة وبثّوها بين الناس، وللأسف جَمَد بعض محدِّثينا على تلك الروايات الموضوعة وأوردوها في كتبهم دون أن يتأمّلوا ولو قليلاً في مضمونها ويحقّقوا في مصدرها! ويا ليتهم اكتفوا بذلك فقط ولم يقم أحدهم بتأليف كتابٍ على حدة جمع فيه جميع ذلك النوع من الروايات!

أجل لقد قام أحدهم لأجل إثبات تحريف كتاب الله بتأليف كتابٍ خاصٍّ خلّفه ذكرى باقية له! وقدَّم بهذا عوناً كبيراً لأعداء الإسلام لاسيما المنصِّرِين من رجال الكنيسة فأعطاهم بأيديهم حربةً قويّةً يطعنون بها الإسلام! وقام بعض عديمي العقل في عصرنا بأخذ تلك الحربة بتقليد أعمى وأخذوا يجرحون بها جسد الإسلام دون أن يدروا ماذا يفعلون!!

للوهلة الأولى يبدو أن هؤلاء لم يقرؤوا قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9]، ولكن عندما ندقق قليلاً، نرى أن علة الأمر أن أتباع القرآن أولئك (!) لم يعرفوا القرآن بوصفه كتاباً سماوياً عَمَليّاً، بل كل ما يفعلونه مع القرآن هو أنهم يقرؤونه كالببغاوات كفَّارةً لذنوبهم، أو يجعلونه رواق مجالس العزاء والترحّم على الأموات، أو سلاحاً لمحاربة الجن أو وسيلة للاستجداء، ولم يعرفوا له مقاماً ومنزلة غير ذلك! ويعتبرونه وكأنه مكتوب بلغة هندية خارجة عن حدود إدراكهم ويحيلون فهمه إلى الوجود المقدّس لحضرة وليّ العصر عجّل الله فرجه! فلا شك أنه بمثل هذا الوضع يمكنهم أن يضحُّوا بالقرآن فداءً لكل خبر لا أصل له أو حديثٍ مكذوب موضوع!!

أجل إن موضوع إثبات عدم تحريف الكتاب في غاية الأهمية وهو في الحقيقة من المسائل الحياتية للمجتمع الإسلامي، وهو من المواضيع التي يجب أن تُكتب حولها كتب وأبحاث عديدة، وأن تُلقى فيه خطبٌ كثيرةٌ، وفي النهاية يجب إفهام العالم بكل وسيلة ممكنة أن دين الإسلام منزه تماماً من هذه النقيصة وأن كتاب الإسلام مبرأ تماماً من تلك التهمة.

ونحن نأسف أن وضع هذا الكتاب المختصر لا يسمح لنا أن نطيل البحث في هذا الموضوع ونشرح كل ما يتعلق حوله، ولكن حتى لا نترك هذا الأمر دون توضيح كلياً، ننقل فيما يلي -باختصار- آراء ونظريات علماء الإسلام الكبار في هذا الشأن:

يقول المرحوم الشيخ الصدوق (محمد بن علي بن بابويه القمي) في كتابه «الاعتقادات»: [اعتقادنا: أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك. ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشر سورة... ومن نسب إلينا أنا نقول: إنه أكثر من ذلك فهو كاذب](145).

 ويقول المرحوم الشيخ الطَبرسي في تفسيره «مجمع البيان في تفسير القرآن»:

[فقد روىٰ جماعةٌ من أصحابنا وقومٌ من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهبنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى(146) قدس الله روحه واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيّات. وذكر في مواضع أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظيمة والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة. فإن العناية اشتدَّت والدواعي توفَّرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حدٍّ لم يبلغه فيما ذكرناه، لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه، وقراءته، وحروفه، وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً، مع العناية الصادقة، والضبط الشديد؟!. وقال أيضاً قدّس الله روحه: إن العلم بتفسير القرآن وأبعاضه في صحّة نقله، كالعلم بجملته، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزنيّ(147)، فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمون من جملتها حتى لو أنَّ مُدْخِلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً من النحو ليس من الكتاب لَعُرِفَ ومُيِّزَ وعُلِمَ أنه ملحق وليس من أصل الكتاب وكذلك القول في المزنِيّ ومعلومٌ أن العناية بنقل القرآن وضبطه أضبط(148) من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء. وذكر أيضاً رضي الله عنه أن القرآن كان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مجموعاً مؤلَّفَاً على ما هو عليه الآن واستدلَّ على ذلك بأن القرآن كان يُدرَّس ويُحفَظ جميعه في ذلك الزمان حتى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنه كان يُعرض على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ويُتْلى عليه وأن جماعةً من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبى بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عدّة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمّل على أنه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث. وذكر أن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يُعْتَدُّ بخلافهم فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قومٍ من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً صحيحةً ظنّوا صحتها لا يُرْجَع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته](149).

وقال المرحوم الشيخ «المفيد» في أواخر فصل الخطاب من كتابه «أوائل المقالات»: [وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزَّلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجِز.. وعندي أن هذا القول أشبه من مقال من ادَّعى نقصان كَلِمٍ من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل](150).

وقال «الشيخ البهائي» قُدّس سرّه(151): [الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظٌ عن التحريف، زيادةً كان أو نقصاناً، ويدلّ عليه قوله تعالى: [وإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ] وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع، مثل قوله تعالى: [يا أيُّها الرسولُ بَلّغ ما أُنْزِل إليكَ - في عليّ -] وغير ذلك، فهو غير معتبرٍ عند العلماء](152).

وعن المقدّس البغداديّ في «شرح الوافية»: [وإنما الكلام في النقيصة والمعروف بين أصحابنا، حتى حُكِيَ عليه الإجماع، عدمُ النقيصة أيضاً

وعنه أيضاً عن الشيخ «علي بن عبد العال الكركي»(153) أنّه صنَّف في نفى النقيصة رسالةً مستقلّةً وذكر كلام الصدوق المتقدِّم ثم اعترض بما يدلُّ على النقيصة من الأحاديث وأجاب [بأن الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من الكتاب والسنة المتواترة أو الإجماع ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه وجب طرحه](154).

وقال القاضي «نور الله الشوشتري»(155) في كتابه «مصائب النواصب»: [ما نسب إلى الشيعة الإمامية بوقوع التغيير في القرآن ليس مما قال به جمهور الإمامية إنما قال به شرذمةٌ قليلةٌ منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم](156).

وقال المرحوم الشيخ جعفر كاشف العطاء(157)في كتابه «كشف الغطاء» (ص 299) ما نصه: [المبحث السابع في زيادته: لا زيادة فيه من سورة ولا آيةٍ من بسملة وغيرها لا كلمة ولا حرف وجميع ما بين الدفتين مما يتلى، كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين وإجماع المسلمين، المبحث الثامن في نقصه: لا ريب في أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان كما دلّ صريح القرآن وإجماع العلماء في جميع الأزمان].(158)

وقال العالم المعاصر فريد وجدي في «دائرة معارف القرن العشرين» تحت عنوان «سلامة القرآن من التحريف»: [لغط بعض المشاغبين بأن القرآن قد لا يسلم من التحريف فإن اختلاف الناس في قراءته قد تكون سبباً لزيادة بعض كلمات فيه أو نقصها منه، وهذا ظن لا يجول إلا في خيال من يريد إنكار الحس.

فقد قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستكتب القرآن عشرات من القراء وكان قد حفظه هو نفسه عن ظهر قلب وحفظه معه عشرات من الناس وكانوا يتعبّدون بتلاوته في صلواتهم ويفصلون بآياته في أقضيتهم فكيف يعقل أن يقع فيه التحريف مع هذه العناية كلها؟!.

لم يكن القرآن كغيرة من الكتب التي سبقته محتكراً في يد طائفة من الطوائف حتى يسبق إلى الذهن ظنٌّ في احتمال طروء التحريف إليه قصداً أو عفواً بل كان عاماً شائعاً بين أيدي المسلمين أُمِرُوا أن يتعبَّدوا بتلاوته وأن يَحكموا به فكيف يُتَصَوَّر أن يقع فيه تحريف ولا يدري به جمهورهم وهم إذ ذاك جاعلوه دستورهم في كل محاولاتهم الدينية والدنيوية والاجتماعية؟! وهل يعقل أن يقع فيه تحريف أو تبديل ولم يأتنا خبر ذلك مع علمك بأن الصحابة كانوا يتنافسون في ضبط ألفاظ الأحاديث وصغريات الأمور المتعلقة بالدين؟ هل يُتَصَوَّر أن يقع مثل هذا الأمر الجلل ولا يرفعون به رأساً وهم كانوا على ما علمت من العناية والاهتمام بشأنه؟.

ثم إن القرآن جُمِعَ على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وكان الكثيرون من جامعيه في مصاحف يتلونَه في بيوتهم، ولما جمعه عثمان أخيراً كان كتَّابه وحفَّاظه لا يزالون على قيد الحياة فكيف يعقل أن يتطرق إليه التحريف والحال كما رأيت؟.

إن شأن المسلمين في الأحاديث وتحرّيهم للصادق منها، ونبذهم ما لم يبلغ سنده غاية القوة أمر معلوم مشهور، لم تقم على مثله أمة من أمم المعمور، وقد كُذِب على رسول الله في حياته حتى اضطرَّ لأن يخطب الناس ويقول: [مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ] ولكنه لم يقل في يوم من الأيام: مَنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ مُتَعَمِّدًا فليتبوأ مقعده من النار، لأن ذلك كان مستحيلاً لحفظ القرآن بالكتابة كما قدمنا](159)

4- تخريب الإسلام وترويج المذاهب الباطلة:

من جملة أسباب وضع الحديث قيام جماعة من الزنادقة المتظاهرين بالإسلام بنشر سلسلة من الأوهام والخرافات بصورة أحاديث موضوعة لأجل إفساد تعاليم الإسلام والترويج لمذاهبهم الباطلة، ومن أولـئك الزنادقة عبد الكريم بن أبي العوجاء وبيان بن سمعان ومحمد بن سعيد الشامي وغلاة الشيعة كأمثال أبي الخطاب، ويونس بن ظبيان، ويزيد الصائغ، وأضرابهم، الذين قاموا بوضع جملة من الحديث ليفسدوا به الإسلام، وينصروا به مذهبهم.

وقد قُتل عبد الكريم بن أبي العوجاء بسبب زندقته وصُلب في زمان المهدي بن المنصور قال ابن عدي: لما أُخِذَ لتُضْرَبَ عُنُقُه، قال: وضعتُ فيكم أربعة آلاف حديثٍ أُحَرِّمُ فيها الحلال وأحلِّلُ الحرام!.

وكذلك قُتِلَ «بيان بن سمعان» في الزندقة، قتله خالد القسري وأحرقه بالنار.

و روى العقيلي عن حماد بن زيد قال: وَضَعَتْ الزنادقةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث، وروى عن عبد الله بن زيد المقري، أن رجلاً من الخوارج رجع عن بدعته فجعل يقول: «انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه فإنا كنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً!»(160).

وذكر ابن خلِّكان في تاريخه: [... وقال أبو عبد الرحمن النَّسائي: الكذّابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعةٌ: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بخراسان، ومحمد بن سعيد ويُعْرَف بالمصلوب بالشام](161).وأضاف ابن الجوزي عليهم أيضاً «أحمد ابن عبد الله الجويبارى» و«محمد بن عكاشة الكرماني» و«محمد بن تميم الفارابى»، وأسند إلى سهل بن السرى الحافظ أنه قال: إن هؤلاء وضعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف حديث (162).

5- التقرّب إلى الخلفاء وإحراز المنزلة والمقام في المجتمع

من جملة دواعي وضع الحديث أن بعض الأشخاص كانوا يتشبّثون بذيل الحديث للتقرّب إلى الخلفاء والنبلاء ونيل الحظوة لديهم فيضعون لهم أحاديث توافق هواهم وذلك مثل «غياث بن إبراهيم» الذي دخل على المهدي بن المنصور وكان يُعجب بالحمام الطيّارة الواردة من الأماكن البعيدة فروى له فوراً حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال: [لا سبق إلا في خفٍّ أو حافرٍ أو نصلٍ أو جناح] فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم، فلمّا خرج قال المهدي: [أشهد أن قفاه قفا كذّاب على رسول الله، ما قال رسول الله «جناح». ولكن هذا أراد أن يتقرّب إلينا]، وأمر بذبحها وقال: أنا حملته على ذلك(163).

وقد أشار ابن خلدون إلى أنه لما انتشر بين الناس الطرب واللهو واللعب في زمن خلفاء بني العباس تأسيّاً بالخلفاء العباسيين وضعوا أخبار كثيرة بشأن الملاذ والملاهي تقرّباً إلى الخلفاء وأكابر القوم(164).

كما قام فريق من الكسالى وضعيفي الأهلية ممن يبحثون في الوقت ذاته عن الشهرة والمكانة في المجتمع، بوضع أحاديث وإضافتها إلى محفوظاتهم والتحدُّث بها في المجامع، خاصَّةً أنَّ نقل الحديث في تلك الأزمنة كان علامة على الفضل ويُكسب صاحبه أهمية وجاهاً بين الناس.

وباختصار، إذا راجعنا كتب الدراية والتاريخ علمنا أنه منذ بدء اتساع الإسلام تمّ وضع أحاديث كثيرة تقرّباً إلى الخلفاء والأكابر حسب مقتضيات كل عصر وانتشرت بين الناس.

6- الارتزاق:

من موجبات وضع الحديث أن قوماً كانوا يضعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث يكتسبون بذلك ويرتزقون به كأبي سعيد المدائني وغيره، وقد ذكر الشهيد الثاني في «الدراية» من هذا الباب ما اتفق لأحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة حيث دخلا المسجد فسمعا قاصَّاً يقول: [أخبرنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس أنه صلى الله عليه وآله قال: من قال: لا إله إلا الله خلق من كل كلمة طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجانة، وأخذ في قصة طويلة، فأنكرا عليه الحديث، فقال: أليس في الدنيا غير كما أحمد ويحيى!!](165).

7- الترغيب والترهيب:

من جملة أسباب وضع الحديث قومٌ يُنْسَبون إلى الزهد والصلاح بغير علم، كانوا يضعون أحاديث حسبةً لِـلَّهِ وتقرُّباً إليه، ليجذبوا بها قلوب الناس إلى الله تعالى بالترهيب والترغيب، فَقَبِلَ الناسُ موضوعاتهم، ثقةً بهم، وركوناً إليهم، لظهور حالهم بالصلاح والزهد، ويظهر لك ذلك من أحوال الأخبار التي وضعها هؤلاء في الوعظ والزهد، وضمنوها أخباراً عنهم، ونسبوا إليهم أقوالاً وأحوالاً خارقة للعادة وكرامات لم يتفق مثلها لأولي العزم من الرسل، بحيث يقطع العقل بكونها موضوعة وإن كانت كرامات الأولياء ممكنة في نفسها.

وقد ذهب الكرّاميّة (أتباع محمد بن كرام السجستاني) وبعض المبتدعة من المتصوِّفة إلى جواز وضع الحديث للترغيب والترهيب ترغيباً للناس في الطاعة وزجراً لهم عن المعصية! قال يحيى بن القطان: [ما رأيتُ الكذبَ في أحد أكثر منه في من ينسب إلى الخير والزهد](166).

ويقول المرحوم الشهيد الثاني في كتابه «الدراية»:

[وأعظمهم (أي واضعي الأحاديث) ضرراً، مَنْ انتسب إلى الزهد والصلاح بغير علم، فاحتسب وضعه حسبةً لِـلَّهِ وتقرُّباً إليه ليجذب بها قلوب الناس إلى الله تعالى بالترغيب والترهيب، فقبل الناس موضوعاتهم، ثقة منهم بهم، وركونا إليهم، لظهور حالهم لصلاح والزهد.

ويظهر لك ذلك من أحوال الأخبار التي وضعها هؤلاء في المواعظ والزهد وضمّنوها أخباراً عنهم، ونسبوا إليهم أفعالاً وأحوالاً، خارقة للعادة وكرامات لم يتفق مثلها لأولى العزم، بحيث يقطع العقل بكونها موضوعة وإن كانت كرامات الأولياء ممكنة في نفسها، ومن ذلك ما رُوِىَ عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي أنه قيل له: مِنْ أين لك عن عكرمة، عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبةً!.

وكان يقال لأبي عصمة، هذا، الجامع، فقال أبو حاتم بن حبان: «جمع كل شيء إلا الصدق!».

وروى ابن حبان عن أبي مهدي قال: قلت لميسرة بن عبد ربه من أين جئت بهذه الأحاديث، من قرأ كذا فله كذا؟ فقال: وضعتها لأرغِّبَ الناس فيها!(167)، وهكذا قيل في حديث «أبي الطويل» في فضائل سور القرآن، سورة سورة، فروى عن المؤمل، عن ابن إسماعيل قال: حدّثني شيخ به! فقلت للشيخ: من حدّثك؟ فقال: حدّثني رجل بالمدائن وهو حيّ. فصرت إليه فقلت: من حدّثك؟ فقال: حدّثني شيخ بواسط وهو حيّ. فصرت إليه فقال: حدّثني شيخ بالبصرة، فصرت إليه فقال: حدّثني شيخ بعبادان! فصرت إليه فأخذ بيدي فأدخلني فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ فقال: هذا الشيخ حدثني. فقلت: يا شيخ من حدثك؟ فقال: لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن، فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن! وكل من أودع هذه الأحاديث تفسيرَه كالواحدي والثعلبي والزمخشري، فقد أخطأ في ذلك، ولعلّهم لم يطلعوا على وضعه، مع أن جماعة من العلماء قد نبهوا عليه.](168).

ثم قال بعد عدة أسطر:

[وقد ذهب الكرّامية وبعض المبتدعة من المتصوِّفة إلى جواز وضع الحديث في الترغيب والترهيب، ترغيباً للناس في الطاعة وزجراً لهم عن المعصية، واستدلُّوا بما روى في بعض طرق الحديث: «من كذب علي متعمداً ليضلّ به الناس فليتبوَّأ مقعده من النار» وهذه الزيادة قد أبطلها نقلة الحديث، وحمل بعضهم حديث من كذب عليَّ....... علي من قال «أنه ساحر أو مجنون» حتى قال بعض المخذولين: إنما قال من كذب عليَّ ونحن نكذب له ونقي شرعه!!» نسأل الله السلامة من الخذلان.

وحكى القرطبي في (المفهم) عن بعض أهل الرأي أن ما وافق القياس الجلي جاز أن يعزي إلى النبي صلى الله عليه وسلم!.

ثم المرويُّ تارةً يخترعه الواضع، وتارةً يأخذ كلام غيره كبعض السلف الصالح، أو قدماء الحكماء، أو الإسرائيليات، أو يأخذ حديثاً ضعيف الإسناد فيركب له إسناداً صحيحاً ليروج.](169)

وينقل المرحوم «المامقاني» في كتابه «مقباس الهداية» تلك المضامين ذاتها بذات العبارات عن الشهيد الثاني.

 

+                     +                    +


 

العلامات التي يُعرف بها الحديث الموضوع

رغم أنه يمكننا أن نميِّز الحديث الموضوع من غيره بالرجوع إلى علم الرجال، إلا أن علماء «علم الدراية» وضعوا مجموعةً من الدلائل والعلامات تُعتبر كلُّ واحدةٍ منها ضابطةً كليّةً يمكن من خلالها بسهولة أن نشخِّص الحديث الموضوع، وهذه العلامات هي التالية:

1- ركاكة الألفاظ والمعاني، أي أنَّ كلَّ حديثٍ يتضمّن ألفاظاً أو معانٍ ركيكةً يُعلَم أنه حديثٌ موضوعٌ(170).

2- مخالفة الحديث للعقل بحيث لا يقبل التأويل(171).

3- تدلُّ معارضة الحديث للقرآن أي مخالفته لدلالة الكتاب القطعيّة على أنه موضوع قطعاً(172). وقد جاءت رواياتٌ عديدةٌ عن النبيِّ الخاتم والأئمّة الأطهار، يصل عددها في نظر المرحوم الشيخ مرتضى الأنصاري وفي نظر جماعةٍ آخرين من العلماء الكبار إلى حدّ التواتر، تدلّ على وجوب عرض الأحاديث على «كتاب الله»، فإذا عارضَ متنُ حديثٍ القرآنَ الكريمَ وخالفه لا بدّ من طرحه جانباً، حتى أن قسماً من تلك الأخبار تأمرنا أن نطرح جانباً كل حديث لا يتوافق مفاده مع القرآن الكريم أيضاً فضلاً عن أن يُعارضه ويخالفه.

وهنا نرى من اللازم أن ننقل بعض تلك الأحاديث كما أوردها المرحوم الشيخ الأنصاري في كتابه «الرسائل» حيث قال:

[[إن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: [ما جاءكم عنّي لا يوافق القرآن فلم أقُلْه](173).

وقول أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): [لا يُصدّق علينا إلا ما يوافق كتابَ الله وسنّةَ نبيّه صلّى الله عليه وآله](174).

وقوله عليه السلام:ذا جاءكم حديثٌ عنَّا فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به، وإلا فقفوا عنده، ثم ردّوه إلينا حتى نبيِّن لكم](175).

ورواية ابن أبي يعفور قال: [سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف الحديث، يرويه من نثق به ومن لا نثق به؟ قال: إذا ورد عليكم حديثٌ فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخذوا به، وإلا فالذي جاءكم به أولى به](176).

وقوله عليه السلام لمحمد بن مسلم: [ما جاءك من روايةٍ - من برٍّ أو فاجرٍ - يوافق كتاب الله فخُذْ به، وما جاءك من روايةٍ - من برٍّ أو فاجر - يخالف كتاب الله فلا تأخذ به](177).

وقوله عليه السلام: [ما جاءكم من حديث لا يصدِّقُه كتابُ الله فهو باطل](178).

وقول الصادق عليه السلام: [كلُّ شيءٍ مردودٌ إلى كتاب الله والسنَّة، وكلُّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف](179).

وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام: [لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق الكتاب والسنة، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دسَّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدِّث بها أبي، فاتّقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربِّنا وسنَّة نبيِّنا صلّى الله عليه وآله](180)]](181).

 

والحاصل أن الأخبار الواردة في هذا الخصوص كثيرةٌ إلى درجة جعلت المرحوم الشيخ الأنصاري -رغم قوله في «الرسائل» إن الأخبار المتواترة نادرةٌ تقريباً في شرع الإسلام- ينصّ صراحةً على تواتر هذه الأخبار فيقول خلال بيانه لأدلّة الأشخاص الذين يجيزون العمل بخبر الآحاد: [والأخبار الواردة في طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنة ولو مع عدم المعارض متواترةٌ جداً](182). ويقول بعد عدة أسطر: [أخبار العرض على الكتاب متواترةٌ بالمعنى](183).

وقد طبّق بعض العلماء هذه الأخبار -استناداً إلى عمومها- على المسائل الفرعية أيضاً، فجعلها تشمل مخالفة العموم والخصوص أي لم يجيزوا تخصيص عمومات القرآن بأخبار الآحاد.

والخلاصة لا يجوز العمل بخبر الآحاد الذي لا يفيد العلم بصدوره إن لم يكن محفوفاً بالقرائن التي تؤيّد صدوره من كتاب أو سنّة معلومة، ولكن المرحوم الشيخ بعد بيانه لاتفاقه مع أولئك العلماء في مسألة محددة فقط وهي أن (الخبر الذي يُخالف القرآن على نحو التباين الكلي هو فقط الذي يجب طرحه في المسائل الفرعية) يقول: [فالأقرب حملها (أي الأحاديث الدالة على وجوب طرح ما لا يتفق مع الكتاب) على الأخبار الواردة في أصول الدين، مثل مسائل الغلو والجبر والتفويض التي ورد فيها الآيات والأخبار النبوية](184).

فالحاصل ما يستفاد يقيناً من تلك الروايات المتواترة -كما استنبطه المرحوم الشيخ - أن الأحاديث العائدة إلى المسائل الاعتقادية بشكل عام لا بد من عرضها على القرآن الكريم فإن كانت مخالفةً له أو حتى لم يكن لها ما يوافقها في القرآن؛ فلا بدّ من طرحها.

4- ومن دلائل الوضع أيضاً أن يكون الحديث مخالفاً لدلالة السنّة المتواترة، أو الإجماع القطعي مع عدم إمكان الجمع(185).

5- ومنها: أن يكون إخباراً عن أمرٍ جسيمٍٍ تتوفَّر الدواعي على نقله بمحضر الجمع ثم لا ينقله منهم إلا واحدٌ(186).

6- ومنها الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير(187)، كالرواية التي تقول أن من حلق لحيته فكأنما زنا بأمه في حَرَم الله سبعين مرَّة!! فلا ريب أن مثل هذه الأحاديث موضوعة.

7- ومنها الوعد بالثواب العظيم على الفعل الحقير(188). مثل بعض الروايات المتعلِّقة بمأتم حضرة سيد الشهداء(189).

 

+                     +                    +

 

 


 

أقسام الحديث

قسّم علماء «علم الدراية» الحديثَ بشكل عام إلى قسمين: متواتر وآحاد.

فالمتواتر: هو ما بلغ رواتُهُ من الكثرة مبلغاً تحيلُ العادةُ معه إمكان تواطئهم- أي اتفاقهم - على الكذب، واستمرّ ذلك الوصف في جميع الطبقات حيث تتعدّد. ولأجل تحقّق التواتر على نحو يصبح الحديث مفيداً للعلم والقطع بصدوره، لا بدّ من تحقّق عدّة شروط أهمّها: أن يكون عدد الرواة في كل طبقة كثيراً إلى درجةٍ يستحيل معها اتّفاقهم على الكذب، أي أنْ يرويَهُ جماعةٌ كُثُرٌ يحيل الإنسانُ عادةً احتمال تواطئهم على الكذب، يرووهُ مباشرةً -أي بدون وسائطَ مجهولة- عن جمٍّ غفيرٍ آخر يحقّقون أيضاً الشرط ذاته، أي استحالة اجتماعهم على الكذب، عن جماعة أخرى مماثلة حتى يصل الأمر إلى جماعة كثيرة أيضاً سمعوا الحديث مباشرة من النبي أو الإمام، بحيث أنه لو وُجد شخصٌ واحدٌ في إحدى الطبقات أو وُجدَت جماعةٌ من الأشخاص لم يتّصفوا بذلك الوصف (أي استحالة التواطؤ على الكذب) لم يكن الحديث متواتراً.

ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن تحقُّق هذا المعنى (أي استحالة التواطؤ على الكذب) لا ينحصر في عدد خاصّ من الرواة بل المعتبر العدد المحصّل للوصف فقد يحصل في بعض المخبرين بعشرة وأقلّ، وقد لا يحصل بمئة، بسبب قربهم إلى وصف الصدق وعدمه.

وخلاصة الأمر أن تحقق التواتر في الحديث مرتبطٌ بأن يبلغ رواتُهُ في الكثرة مبلغاً تحيل العادةُ تواطُؤَهم على الكذب وأن يستمر ذلك الوصف في جميع الطبقات حيث تتعدد فيكون أوله في هذا الوصف كآخره ووسطه كطرفيه، وبهذا -كما يقول الشهيد الثاني- [ينتفي التواتر عن كثير من الأخبار التي بلغت رواتها في زماننا ذلك الحدّ لكن لم يتفق ذلك في غير زماننا خصوصاً في الابتداء، وظنّ كونها منها من لم يتفطّن لهذا الشرط](190).

ويقول بعد صفحتين موضحاً هذا المعنى [وحديثُ إنما الأعمال بالنيّات ليس من المتواتر وإن نقله الآن عدد التواتر وأكثر، فإن جميع علماء الإسلام ورواة الحديث الآن يروونه وهم يزيدون عن عدد التواتر أضعافاً مضاعفة، لأن ذلك التواتر المدّعى قد طرأ في وسط إسناده دون أوّله، فقد انفرد به جماعة مترتبون أو شاركهم من لا يخرج بهم عن الآحاد، وأكثر ما ادُّعي تواتره هو من هذا القبيل... بل ربما صار الحديث «الموضوعُ» ابتداءً، متواتراً بعد ذلك!... نعم حديث «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» يمكن ادعاء تواتره فقد نقله عن النبيِّ الجمّ الغفير (من الصحابة)(191).

والحديث المتواتر أيضاً ينقسم إلى قسمين: لفظيٌّ ومعنويٌّ.

فالحديث المتواتر لفظاً: هو ما اتّحدت فيه ألفاظ المخبرين في خبرهم، أي أن تتطابق ألفاظ وجمل مَن رَوَوْهُ في كل الطبقات.

والحديث المتواتر معنوياً: إذا اتّحد معنى الحديث ومدلوله فقط ولكن تعدّدت ألفاظ المخبرين به وجُمَلُهم، غير أنها تدلُّ بالتضمُّن والالتزام على ذلك المعنى الواحد.

وعلى كل حال إن إحراز تواتر الحديث -باستثناء موارد «ضروريّات الدين»- أمرٌ عسيرٌ للغاية بل هو من المحالات تقريباً، لأنه بعد حصول كل تلك الثورات والتغيّرات في الإسلام خاصّة تلك المعارك المتعلّقة بالحديث، كيف يمكن أن نحرز أن رواة الحديث الفلاني مثلاً يَصِلُون في جميع طبقاتهم -أي من زمان المعصوم وحتى زماننا- إلى حدّ التواتر؟. ولهذا يقول الشهيد الثاني: [إن التواتر يتحقق في أصول الشرائع كوجوب الصلاة اليومية وأعداد ركعاتها والزكاة والحج تحقّقاً كثيراً وفي الحقيقة مرجع إثبات تواترها إلى المعنوي لا اللفظي...وتحقّقه (أي التواتر) قليلٌ في الأحاديث الخاصة المنقولة بالألفاظ المخصوصة لعدم اتفاق الطرفين والوسط فيها وإن تواتر مدلولها في بعض الموارد كالأخبار الدالّة على شجاعة عليٍّ عليه السلام وكرم حاتم ونظائرهما](192).

إذن أصبح معلوماً مما ذُكر أنه لا توجد أخبارٌ حول تعاليم الإسلام يمكن القول على نحو اليقين أنها متواترة سوى ضروريات الدِّين، والمتواتر من بين الأحاديث التي بين أيدينا، لاسيما المتواتر اللفظي، في غاية الندرة، ويوجد عدد من الأحاديث التي تتعلّق بمسائل الدِّين الضرورية متواترةً تواتراً معنوياً.

وللأسف لقد وقع اشتباه عجيب في هذه المسألة كما وقع في مسألة «ضروريات الدين» وسائر المسائل الدينية! فكما أن عديمي العقل يعتبرون كلَّ أمر شائع مشهور، ولو لم يكن له أصل بل كان مجرَّد خرافة، من ضروريات الدِّين، ويعتبرون منكره كافراً، كذلك كلَّما رؤوا حديثاً منتشراً في عدد من الكتب (خاصة الكتب المطبوعة) أو سمعوا عدداً من الأفراد يروونه ويتناقلونه، اعتبروه دون تأمّل من الأحاديث المتواترة!!!

خبر الآحاد: وهو ما لا ينتهي إلى المتواتر أي الذي لا يصل رواته إلى حدّ التواتر سواء كان الراوي واحداً أم أكثر، فإذا كان الراوي واحداً سُمي الحديث «غريباً» وإن كانا اثنين أو ثلاثة سُمي الحديث «مستفيضاً» أو «مشهوراً».

وقد قسّموا أخبار وأحاديث الآحاد من ناحية أحوال رواتها وأوصافهم على عدّة أقسام هي التالية:

1- الصحيح، وهو ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل الإماميِّ العدل عن مثله في جميع الطبقات، بحيث لو فَقَدَ رُوَاتُهُ أو راويه في إحدى الطبقات ذينك الوصفين لم يعد الحديث صحيحاً.

فصحَّةُ الحديث منوطةٌ بكون تمام رواته إماميين عدول، وتُعرف العدالة بتنصيص عدلين عليها وبالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم، أي أنه عندما لا تكون العدالة مشهورةً مستفيضةً فلا بدَّ من شاهدَي عدل ينصُّون صراحةً على كون الراوي إمامياً عادلاً (193).

وهذا كلّه بشرط أن لا يكون هناك مَن قَدَحَ في ذلك الراوي بفسق أو بفساد عقيدة لأنه في مثل تلك الحالة يُقَدَّم قول الجارح -باتفاق جمهور العلماء- حتى ولو كان عدد المعدّلين أكثر من عدد الجارحين(194).

فمثلاً «المعلّى بن خُنيس» رغم أن المرحوم الشيخ والمحقق البحراني والمجلسي الأول وابن طاووس عدّلوه ووثّقوه، ولكن بما أن النجاشي والغضائري ضعّفاه واعتبراه من الغلاة لذا لن نقبل رواياته بوصفها روايات صحيحة.

ولكن تقديم قول الجارح إنما يتمّ عندما لا يلزم تكذيب كلام المعدّل في شهادته كما إذا قال المزكّي: «هو عدلٌ»، وقال الجارح: «رأيته يشرب الخمر»، فإنَّ المزكّي إنما شهد بالملكة وهي لا تقتضي العصمة حتى يُنافي صدور المحرّم منه فيجتمعان، فإنه لا يُعتبر في العدالة ملازمتها في جميع الأحوال، فلعلّه ارتكب الموجب للجرح في بعض الأحوال التي فارقته (العدالة) فيها(195).

أما إذا لم يمكن الجمع بين الجرح والتعديل كما إذا شهد الجارح بقتل إنسان في وقت، فقال المعدّل: «رأيته بعده حياً»، فهنا لما تعارض الخبران فقد ذهب بعض العلماء - وهو المحكي عن الشيخ الطوسي رحمه الله في الخلاف- إلى تساقطهما(196) (أي رفض كلا القولين)، وذهب الشهيد الثاني إلى أنه إن حصل المرجِّحُ، بأن يكون أحدهما أضبط وأورع أو أكثر عدداً أو نحو ذلك فيُعمل بالراجح ويُترك المرجوح فإن لم يتّفق الترجيح وجب التوقّف للتعارض، مع استحالة الترجيح من دون مرجِّح(197).

2- الحسن، وهو ما اتصل سنده بإماميّ ممدوح من غير نصّ على عدالته ولا تصريح بضعفه، مع تحقّق ذلك في جميع مراتبه، ومع اتّصاف بقيّة رجاله بأوصاف رواة الحديث الصحيح، أي الحديث الحسن هو الحديث الذي يكون واحدٌ من رواته أو أكثرُ إمامِيِّين ممدوحين، ويكون بقيةُ رواتِهِ عدولاً إمامِيِّين.

3- الموثّق، وهو ما دخل في طريقه مَن نصّ الأصحابُ على توثيقه مع عدم كونه إماميّاً، وكان سنده متّصلاً إلى المعصوم، وهنا أيضاً لا بدّ من اتصاف جميع الرواة بهذا الوصف أو اتصاف بعضهم بذلك واتصاف البقية بأوصاف رواة الصحيح.

4- الضعيف، وهو ما لا يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة المتقدّمة، أي بأن يشتمل طريقُه على مجروح بالفسق ونحوه أو مجهول الحال أو ما دون ذلك كالوَضَّاع.

وقد عبّروا عن الحديث الضعيف بألفاظ متنوعة أو قسّموه إلى عدّة أقسام هي التالية:

1- الموقوف، هو الحديث الذي رُويَ عن مصاحب المعصوم. فالأحاديث التي رُويت في تفسير آيات القرآن عن أصحاب النبي الأكرم كلّها من نوع الحديث الموقوف.

2- المضمر، وهو ما يُطوى فيه ذكر المعصوم عليه السلام عند انتهاء السند إليه، بأن يُعبَّر عنه عليه السلام في ذلك المقام بالضمير الغائب، إما لِتقيَّةٍ، أو سبق ذكرٍه في اللفظ أو الكتابة ثم عَرَض القطع لِداع، وذلك كما لو قال «سَأَلتُه»، أو «سَمِعتُه يقول» أو عنه، أو نحو ذلك.

3- المرسل، هو الحديث الذي حُذف جميع رواته أو بعضهم أو ذُكر بألفاظ مبهمة مثل: قال بعض أصحابنا، فإن سقط شخص واحد من إسناده سُمي «مقطوعاً» ومنقطعاً، وإن سقط أكثر من واحد فهو«المعضل».

4- المهمل، وهو ما لم يُذكر بعض رواته في كتب الرجال ذاتاً ووصفاً.

5- المجهول، وهو ما ذُكر رواته في كتب الرجال ولكن لم يُعلَم حال البعض أو الكلّ بالنسبة إلى العقيدة.

6- الموضوع، وهو المكذوب المختلق المصنوع وهو - كما يقول الشهيد الثاني- شرّ أقسام الضعيف ولا تحل روايته للعالم إلا مبيناً لحاله من كونه موضوعاً(198).

 

إلى هنا أختتم ما أردتُ ذكره حول التعريف بجانب من مزايا الإسلام، وشرح وضع الحديث، والذي أمطتُ خلاله اللثام عن كثير من الخرافات والأساطير التي تسربت من ملة اليهود وسائر الملل الأجنبية إلى الإسلام وحوَّلها مرُور الزمان إلى جزء من تعاليم الإسلام ومعارفه، لاسيّما موضوع «الرَّجْعَة» الذي اتّضح إلى حدٍّ ما وفَهِمَ أولو الألباب من أمره ما يجب أن يفهموه، والآن ولأجل أن تتضح هذه المسألة لإخوتي في الدين بشكلٍ كاملٍ سآتي إلى تفصيل القول في هذه المسألة «الرَّجْعَة» وأبحث فيما كتبوه أو قالوه بشأنها.

 

+                     +                    +

 


 

الرجعة تُخالف الأصل الثابت في عالم الكون وسنة الله الحتمية

 لا يخفى أن رجعة الأموات إلى عالم الدنيا من ناحية استلزامه للحركة إلى الوراء، ويستلزم -على قول الفلاسفة- الخروجَ من الفعل إلى القوة، أمرٌ مخالفٌ للسنة الإلهية ومجانبٌ لجريان نظام عالم الطبيعة، وفي النهاية أمرٌ محالٌ في العادة، كما أنَّ عودةَ الإنسان المسنّ إلى مراحل خلقته الأولى خلافٌ للسنن الحتمية ونواميس التغيير الإلهية التي لا تتخلّف والتي تستحيل عادةً.

وبعبارة أخرى فإن من السُّنَن الحتمية والأصول الإلهية المسلّمة التي لا تجد لها تبديلاً في عالم الكون، العالم الذي تتجه جميع أجزائه نحو الرقيّ والتكامل، وتتحرك موجوداتُه باستمرار نحو الكمال، أنه عندما ينتقل موجودٌ من عالم إلى عالم آخر فإنه لا يعود إلى العالم الأوليّ لأنه يكون قد استوفى جميع مزايا العالم الأول، وكل ما كان يملكه بالقوة من خصوصيات ذلك العالم وصل إلى المرحلة الفعلية، ومن البديهيّ أن العودة إلى العالم السابق يستلزم الخروج من الفعلية إلى القوة وهو أمرٌ محالٌ بداهةً، فمثلاً عندما ينتقل الإنسان بعد طيّه الأطوار الابتدائية لخلقته إلى عالم الإنسانية، وتتحقق فيه جميع مزايا الإنسان، لا يمكننا أبداً أن نتصوّر أنه يعود إلى عالم الحيوان المنويّ وسائر العوالم السابقة، وكذلك عندما ينطلق من هذا العالم الفاني نحو عالم روحانيٍّ أرقى وأوسع، فمن غير الممكن أن يعود من جديد إلى حفرة الحياة الدنيوية، لأنه عندما انتقل إلى العالم الجديد فإنه كان قد استوفى جميع المراحل الطبيعية للعالم الأول واستفاد من كل ما كان متناسباً مع أهليته واستعداده وقام ببذر كل بذرة بالتناسب مع أهليته ولياقته، وفي النهاية فإنه طوى تلك المراحل بالطريقة والأعمال التي أرادها، وانتقل إلى آخر مرحلة من مراحل السفر وإلى منزل الثبات الأبدي، وهو المنزل الذي يحصده من البذور التي زرعها في منزله المؤقت في الحياة الدنيا، وقد حان الوقت الآن لظهور آثارها وبروز نتيجتها، ولم يعد يوجدُ هنا مكانٌ للنقص والحركة ولا مكانٌ للعمل والسعي والكدّ للوصول للمطلوب بل هو مكانٌ للكمال والفعلية، مكانٌ لم يَعُد فيه لأي شخص حالةُ انتظار بل هو محلٌّ وصلت فيه جميع القوى إلى فعليتها وجميع الحركات إلى السكون. ففي ذلك المنزل يُزال الستار عن خفايا أمور الإنسان الترابيّ وأعجوبة الدهر هذا، ويظهر كل ما كان خافياً ومستتراً في أعماق قلبه من مكنوناته بصور مختلفة ويصل في النهاية إلى المنزل الذي هو مكانه الأبدي وموطنه الدائم، لذلك كيف يمكن لِـلَّهِ الحكيم على الإطلاق أن يُعيد الإنسان القهقرى من جديد إلى مراحله الأولى؟ وكيف يمكن للموجود الذي وصل إلى المرحلة الفعليّة بكل معنى الكلمة ونال كماله اللائق بحاله أن يعود إلى مرحلة القوَّة ويتنزَّل إلى حالة النقص السابقة؟

أجل إن هذا المبدأ المسلّم والسنة الإلهية بشأن الإنسان فضلاً عن كونها قابلة لأن يدركها كلُّ مسلم محقّق، فإن القرآن الكريم أيضاً أشار إليها في عدة مواضع، كقوله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون:12-16].

فهذه الآيات -كما نلاحظ- تخبرنا عن جميع مراحل تطوّر خلقة الإنسان وأطوار سيره التكاملي وهي في الحقيقة تتضمن ذلك الأصل والناموس الذي ندركه بفطرتنا ووجداننا.

بعد أن عرفتَ أن «الرجعة» تخالف المبدأ والقانون والسنة الجارية في هذا العالم، آن الآن أن تفهم ما هو الأصل الذي ارتكز إليه القائلون بالرجعة وجعلهم يصرفون النظر عن ذلك المبدأ والسنة الجارية في الطبيعة، وما هو البرهان والدليل القطعي على ثبوت تلك القضية المخالفة للسنة الإلهية ولنظام عالم الطبيعة؟ إذْ من البديهي أنّه لا يمكن الخروج من مقتضيات مبدأ ثابت وسنة إلهية مسلّمة دون دليل قطعي، وبعبارة أوضح إذا لم يكن لدينا برهانٌ ودليلٌ علميٌّ يقول لنا إن مشيئة الله في المورد الفلاني مثلاً تعلّقت بما يخالف سنّته الجارية بناء على حكمةٍ ومصلحةٍ معيّنةٍ للبشر؛ لا يمكننا أبداً أن نتخلّى عن ذلك الأصل وتلك السنة، فمثلاً في قضية ولادة حضرة عيسى بدون أب لمّا وجدنا القرآنَ ينصُّ على هذا المعنى آمنّا به واعتقدناه رغم كونه حسب الظاهر مخالفاً للأصل والسنة الإلهية. وكذلك معجزات الأنبياء الكرام رغم أنها جميعاً تخالف حسب الظاهر سنن الطبيعة وتخرق قوانينها، إلا أنها لمّا دلّ القرآن ومجموعة من الأخبار المتواترة على وقوع كثير منها فإننا نؤمن بها تعبّداً. وباختصار، بما أننا نملك في هذه الأمور المخالفة للأصول والسنن الإلهية أدلَّةً قطعيّةً كالقرآن الكريم أو الخبر المتواتر لذا فإنّنا نتخلّى في تلك الموارد المحدَّدة عن تلك الأصول، أما في كلِّ مورد آخر لا نملك بشأنه دليلاً قطعياً فلا بدّ أن نبقى متمسِّكين بكلِّ قوَّة بتلك الأصول والنواميس الإلهيّة الجارية.

بناءً على ما ذُكر لا بدّ من دراسة الأدلّة التي يستند إليها القائلون بالرجعة بشكل دقيق لنرى هل هي أدلّةٌ قطعيّةٌ تتيحُ لنا أن نصرف النظر عن الأصل الثابت والسنّة المسلّمة الجارية في الكون أم لا؟ لذا سنبحث الآن بما قالوه أو كتبوه في هذا الشأن بكل تجرّد وإنصاف وفي البداية يجب أن نعرف أولاً عدد الأدلة التي ذكروها في هذا الصدد:

 

+                     +                    +

 


 

القائلون بالرجعة لم يقيموا على قولهم إلا دليلاً واحداً

 الأدلة التي أقامها المرحوم المجلسي عليه الرحمة والآخرون رغم أنها حسب الظاهر ثلاثة أدلة: (الكتاب والخبر والإجماع)، ولكن نظراً إلى أنهم إنما يستدلُّون بالآيات استناداً للروايات، خاصَّةً في هذا الموضوع حيث تمسّكوا بعدّة آيات فُسِّرت بواسطة بعض الروايات المنسوبة للأئمّة، كما أنّ الإجماع المنقول شُعبةٌ من شعب خبر الآحاد وباصطلاح علماء الأصول هو خبرُ واحدٍ لُبِّـيٌّ؛ لذا يمكننا القول: إن القائلين بالرجعة لا يملكون في الواقع إلا دليلاً واحداً ألا وهو (الأخبار والروايات) فحسب، ولكن رغم ذلك سنتماشى معهم ونعالج كل واحد من أدلتهم بوصفه دليلاً مستقلاً فندرسه ونمحِّصه:

أمّا الأخبار، فيجمعها الأخبار التي نقلها المرحوم المجلسي في المجلد الثالث عشر من «بحار الأنوار»(199) وعددها (198) رواية فسنستعرضها عن قريب ونمحّصها، ولكن قبل ذلك نقول من الآن أنه ينبغي أن نعرف هل هذه الأخبار أخبار آحاد أم متواترة، وعلى فرض تواترها هل هي متواترة تواتراً لفظياً أم معنوياً، وإن كانت أخبار آحاد فهل هي صحيحة أم ضعيفة؟

 

+                     +                    +

 


 

أخبار الرجعة ليست متواترة لا لفظياً ولا معنوياً

كما ستلاحظون بعد عدّة صفحات لا يوجد في موضوع «الرجعة» أيُّ خبرٍ متواترٍ لفظاً، والذين نقلوا أخبار الرجعة عن المعصوم -حسب الظاهر- نقلوها بألفاظ مختلفة وجمل متنوعة، كلّ ما في الأمر أنّ ثمّة شبهة -كما يُسمع كثيراً في مثل هذه الموارد- أن تكون تلك الأخبارُ متواترةً معنوياً، لذا أرى من اللازم رفعاً لهذه الشبهة أن أذكّر من جديد بشروط تحقّق التواتر المعنوي في الخبر وموارد وقوعه:

الخبر المتواتر معنويّاً عبارة عن مجموعة من أخبار الآحاد تدلّ جميعاً، سواء على نحو التضمّن أم الالتزام، على موضوع واحد، ولكن يجب أن يصل عدد رواة مجموع تلك الأخبار في كل الطبقات إلى حدّ التواتر، أي يشكِّلوا جماعة من الناس تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، بحيث لو لم يصل عددهم في كل طبقة من الطبقات إلى هذا الحدّ لا يمكننا القول بأن هذا الخبر متواتر.

وتحقُّق هذا القسم من التواتر -كما ذكرنا قبل عدة صفحات نقلاً عن المرحوم الشهيد الثاني وعبد الصمد الهمداني والمامقاني- أكثره في أصول الشرائع كوجوب الصلاة والزكاة والحج وسائر المسائل المعلومة من الدين بالضرورة.

فإذا عرفت معنى التواتر المعنوي عندئذ على الشخص الذي يدّعي هذا التواتر المعنوي في أخبار الرجعة أن يُثبت بشكل واضح أن جميع رواة تلك الروايات التي يصل كلٌّ منها إلى الإمام عبر خمسة إلى عشرة رواة، هم في كل طبقة من طبقاتهم الخمسة أو العشرة بالغون في عددهم حدّ التواتر، أي يشكلون جماعة تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.

إن مجموع روايات الرجعة كما قلنا (198) رواية وكلها -كما سيتبين في الصفحات الآتية- باستثناء ستة منها التي هي اصطلاحاً في رتبة الحديث الحسن- أحاديث ضعيفة كما يلي:

(79) رواية، في سندها أشخاص غلاة

(15) رواية في سندها أشخاص ضعّفهم علماء الرجال لفساد عقيدتهم

(46) رواية سقط رواتها بشكل كامل فهي من قبيل الحديث المرسل اصطلاحاً

(35) رواية حال رواتها مجهولٌ أي لا علم لنا بحقيقة عقيدتهم الدينية

(17) رواية رواتُها مجهولون أي لا ذكر لأسمائهم في كتب الرجال

والآن أسألك أيها القارئ المنصف هل يمكننا أن نحكم بتواتر مثل تلك الأخبار التي أكثر من ثلثيها «مرسل» و«مهمل» و«مجهول»(200) وبقية رواتها من الغلاة؟ هل يمكن لإنسان عاقل أن يحكم بمثل ذلك الحكم استناداً إلى منقولات عدد من الأشخاص كانوا يعيشون قبل ألف عام معظمهم من مجهولي الحال؟ خاصة عندما يتعلّق الأمر بموضوع كان هناك منذ زمن خلافة عليّ أمير المؤمنين وحتى عهد قريب -كما قلنا- دواعٍ كثيرةٌ للقول به وانتشاره بين عامة الناس؟!

أجل بلا أدنى شبهة لا يمكن تحقُّق التواتر بمثل هذه الأخبار لأنه من المحتمل جداً أن يكون الرواة الساقطون من السند في الروايات المرسلة، وكذلك الرواة المجهولون، أن يكونوا من «الغُلاة» الذين تواطؤوا مع بعضهم على إشاعة مثل تلك الأخبار، لاسيما أننا بيّنا فيما سبق أن «الرَّجْعة» كانت من بدع الغلاة وأسس مذهبهم لذا لا عجب أن يضعوا أحاديث لنشرها وتثبيتها وينسبوها إلى الأئمة عليهم السلام، والذي يُقَوِّي هذا الاحتمال تماماً بل قد يوصله إلى درجة القطع واليقين هو تلك الـ(79) رواية التي ينتهي سندها إلى «الغُلاة» بل إلى بعض رؤوسهم، فمع هذا الاحتمال القوي هل يمكن أن نحكم بأنّ رواة هذه الأخبار في تمام طبقاتهم يشكلون جماعة تحيل العادة تواطؤهم على الكذب؟؟.

علاوة على ذلك فإنه من المحتمل أن يكون في الروايات المرسلة شخص واحد بعينه سقط من جميع الأسانيد أي أن تنتهي جميع الطرق المختلفة إلى هذا الراوي وبالتالي يكون الحديث في الواقع حديث آحاد فرد. وبالنسبة إلى بقية الروايات ذات السند الكامل فإنها إذا حُذف منها الرواة المشتركون تؤول إلى اثنتي عشرة رواية فقط، وبالتالي فإنَّ جميع الروايات الـ(198) تقريباً لها حكم (13) رواية فقط، فهل يمكن ادعاء التواتر بـ(13) رواية معظم أسانيدها تنتهي إلى «الغُلاة»؟

إضافة إلى ما ذُكر، فإن تلك الروايات التي تقول إن الحسين بن عليّ عليهما السلام سوف يحكم بعد حضرة المهدي (ع) مدة مديدة أو أربعين ألف سنة وأن أمير المؤمنين وسائر الأئمة عليهم السلام كلٌّ منهم سيحكم مدَّةً عند الرجعة، تُعارض الروايات الصحيحة التي تقول إنه بعد 40 يوماً من رحلة حضرة القائم (ع) ستقوم القيامة وبعد دولة المهدي لن تقوم دولةٌ لأحد، ولن يكون هناك خير وسعادة في الحياة لأحد، ومعظم هذه الروايات رواها الشيخ الصدوق ابن بابويه القمي في كتابه «إكمال الدين» والشيخ «مير محمد باقر داماد» في كتابه «شرعة التسمية» و«مير لوحي» في كتابه «الأربعين» و«الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني» في كتاب «الأربعين» وقد ذكرها جميعاً صاحب «كشف الغمّة في معرفة الأئمة»(201) ولكن بحذف الأسانيد(202).

ولذلك يقول المرحوم «الشيخ المفيد» في نهاية كتابه «الإرشاد» بشكل واضح:

[و ليس بعد دولة القائم (ع) لأحد دولةٌ إلا ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك، ولم ترد به على القطع والثبات، وأكثر الروايات أنه لن يمضي مهدي هذه الأمة (ع) إلا قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الهرج وعلامات خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء. والله أعلم](203).

فالحاصل أن هذه الأخبار لما كانت معارضة للروايات الصحيحة الواردة حول حضرة القائم، ولما كانت أضعف سنداً من أن تملك القدرة على مقاومة تلك الروايات الصحيحة لذا لا بد من طرحها جميعاً وبالتالي فكيف يمكن أن يتحقَّق التواتر بواسطة مثل هذه الأخبار؟

وبمعزل عن كل ما سبق، لنفرض أن جميع روايات «الرَّجْعة» هذه «صحيحة» و«مسندة» فلا يمكننا مع ذلك أن نثبت تواترها، لأن إحرازَ التواتر، خاصة في مثل هذه الموضوعات المتعلّقة بالعقيدة والتي كانت هناك دواعٍٍ كثيرة لانتشارها، أمرٌ في غاية العسر بل يقترب من المحال؛ ولذا فقد صرّح المرحوم الشيخ مرتضى الأنصاري رغم كل ما كان يتمتَّع به من علم ومعرفةٍ بالحديث والروايات بأن الأخبار المتواترة نادرةٌ جداً في شريعة الإسلام.

وكما قلنا فقد قال المرحوم الشهيد الثاني في كتابه «البداية»:

[والتواتر يتحقق في أصول الشرايع كوجوب الصلاة اليومية وأعداد ركعاتها والزكاة والحج.... وقيل (والقائل هو أبو الصلاح): مَن سأل عن إبراز مثالٍ لذلك (أي للحديث المتواتر) أعياه طلبه](204).

ففي مثل هذا الوضع كيف يتسنّى أن نثبت وصولَ جميع رواة تلك الأخبار -التي ينتهي كلٌّ منها إلى الإمام بواسطة عشرة وسائط- إلى حدِّ التواتر في كل طبقة من طبقاتهم؟

من هنا واستناداً إلى جميع ما ذكرناه يتضح أن الروايات الواردة حول «الرَّجْعة» ليست متواترةً لفظاً ولا متواترةً معنوياً، بل جميعها من نمط أخبار الآحاد، كما يقرّ بذلك المرحوم السيد المرتضى -طبقاً لما ينقله عنه المرحوم المجلسي في «بحار الأنوار» (ج13/ص235)(205) حيث يقول:

[وقال السيد الشريف المرتضى رضي الله عنه وحشره مع آبائه الطاهرين في أجوبة المسائل التي وردت عليه من بلد الري حيث سألوا عن حقيقة الرجعة لأن شذاذ الإمامية يذهبون إلى أن الرجعة رجوع دولتهم في أيام القائم (ع) من دون رجوع أجسامهم.... (فقال) الجواب:...

... فأمّا من تأوَّل الرجعة في أصحابنا على أن معناها رجوع الدولة والأمر والنهي من دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات فإن قوماً من الشيعة لما عجزوا عن نصرة الرجعة وبيان جوازها وأنها تنافي التكليف عوّلوا على هذا التأويل للأخبار الواردة بالرجعة. وهذا منهم غير صحيح لأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيطرق التأويلات عليها، - فكيف يثبت ما هو مقطوع على صحته بأخبار الآحاد التي لا توجب العلم؟- وإنما المعول في إثبات الرجعة على إجماع الإمامية... انتهى].

فإذا علمت أن أخبار «الرَّجْعة» أخبار آحاد حان الوقت لتعلم من أي قسم من أقسام خبر الواحد هي: هل هي أخبارٌ صحيحةٌ أم ضعيفةٌ أم موثّقةٌ أم حسنةٌ؟.

و لكي نجيب على هذا السؤال على نحو التفصيل ومن خلال ذلك نؤيد ما قاله علماء الملل والنحل حول «الرَّجْعَة» -كما ذكرناه في الصفحات الماضية- سنقوم بنقل جميع هذه الأخبار ونترجم لرواتها، ونأمل أن يستفيد القرّاء أشياء لم نستطع أن نذكرها بوضوح هنا من خلال مندرجات هذه الروايات.

 

+                     +                    +

 


 

تمحيص روايات الرجعة التي نقلها المرحوم المجلسي في «بحار الأنوار»

1- [مُنْتَخَب البصائر](206): سعد عن ابن عيسى وابن أبي الخطاب عن البزنطي عن حماد بن عثمان عن محمد بن مسلم قال سمعت «حمران بن أعين» و«أبا الخطّاب» يحدِّثان جميعاً -قبل أن يُحْدِثَ «أبو الخطّاب» ما أحدث - أنهما سمعا أبا عبد الله عليه السلام يقول: [أوّل من تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السلام وإن الرجعة ليست بعامّة وهي خاصّة لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً أو محض الشرك محضاً](207).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «أبو الخطّاب»: هو باتّفاق جميع علماء الرِّجال، مؤسِّس أحد أهم فرق «الغُلاة» وهي فرقة «الخطَّابيَّة»، وهو وضَّاعٌ للحديث، وقد ذمَّهُ الأئمَّة الأطهار ولعنوه(208). و«حمران بن أعين»: ذكر المرحوم المامَقَانيّ أن الشهيد الثاني وصاحب المدارك ضعَّفُوا رواياته كلِّيّاً(209).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف)(210).

2- [مُنْتَخَب البصائر]: بهذا الإسناد عن حماد عن بكير بن أعين قال قال لي من لا أشكّ فيه -يعني أبا جعفر عليه السلام -: [إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ وعليّاً سيرجعان](211).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: رواةُ هذا الحديث وثَّقهم معظم علماء الرجال.

حُكْمُ الحديث: (حسن).

3- [مُنْتَخَب البصائر]: بهذا الإسناد عن حماد عن «الفضيل» عن أبي جعفر عليه السلام قال: [لا تقولوا الجبت والطاغوت ولا تقولوا الرجعة فإن قالوا لكم فإنكم قد كنتم تقولون ذلك فقولوا أما اليوم فلا نقول!، فإن رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) قد كان يتألّف الناس بالمائة ألف درهم ليكفُّوا عنه فلا تتألَّفونهم بالكلام](212).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «الفضيل» مجهولٌ.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

4- [مُنْتَخَب البصائر]: بهذا الإسناد عن حماد عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها فقال: [إن هذا الذي تسألون عنه لم يجئ أوانه، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ولَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ (213).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: رواةُ هذا الحديث مُوَثَّقون لدى علماء الرجال.

حُكْمُ الحديث: (حسن).

5- [مُنْتَخَب البصائر]: سعد عن ابن يزيد وابن أبي الخطاب و«اليقطيني» وإبراهيم بن محمد جميعاً عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن محمد بن الطيار [عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ﴾ [النمل:83] فقال: ليس أحد من المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل](214).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن عيسى اليقطيني» ضعَّف المرحومُ الشيخ الطوسي في كتابيه «الرجال» و«الفهرس» والمحقِّق في «المُعْتَبَر» والعلّامة الحِلِّيّ في «المُخْتَلَف» والشهيد الثاني في «روض الجنان»، والفاضل المقداد في «التنقيح» وابن طاوس وصاحب المدارك وصاحب الذخيرة، جميعَ رواياته واعتَبرَهُ بعضُهم غالياً.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

6- [مُنْتَخَب البصائر]: سعد عن ابن عيسى عن الأهوازي عن حماد بن عيسى عن «الحسين بن المختار» عن أبي بصير قال قال لي أبو جعفر عليه السلام: [ينكر أهل العراق الرجعة؟! قلت: نعم. قال: أما يقرؤون القرآن: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ﴾ [النمل:83](215).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «الحسين بن مختار» ضعَّف المرحومُ الشيخ والعلامةُ والمحقِّقُ في «المُعْتَبَر» والشيخُ البهائي في كتاب «مشرق الشمسين» جميعَ رواياته واعتبروه «واقفيّاً».

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

توضيحٌ: لقد استُدِلَّ في الروايتين (5) و(6) -الذين أثبتنا ضعفهما- بهذه الآية التي يعتبرها القائلون بالرجعة من أقوى أدلتهم؛ لهذا أرى من الضروري أن أذكر شرحاً مجملاً لهذه الآية يكشف حقيقة معناها ويبين خطأ المستدلين بها على «الرَّجْعَة» فأقول: لو تأملنا متن الرواية المذكورة أعلاه بدقة لرأينا أن ما يطرحه راويها من استناد الإمام إليها للاستدلال على الرجعة إنما يعتمد في الواقع على أن «مفهوم» الآية أي قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ [النمل:83]، يعارض «منطوق» قوله تعالى: ﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف:47]، لذا فلا بد من حمل الآية الأولى على «الرَّجْعَة» رفعاً للتعارض.

ولا يخفى على أهل العلم أن «الوَصْف» لا يكون له مفهومٌ إلا إذا كانت علّة ثبوت الحكم منحصرةً في موضوع هذا الوصف، وإلا فلا يكون للوصف أيُّ مفهومٍ أبداً؛ مثلاً إذا قلتَ سأستضيفُ اليومَ العلماءَ، فإذا لم تكن علة استضافتك هي صفة العلم في العلماء فلا يكون لجملتك أيُّ مفهومِ مخالفةٍ، أي لا تدل أبداً على أنك لن تستضيف أطيافاً أخرى من الناس غير العلماء. وبناء على ذلك لو كان للآية مفهومٌ لكان وصف «التكذيب» علة منحصرة لثبوت الحشر أي «الرَّجْعَة»، ففي تلك الصورة لا ينبغي على الأئمة والسعداء أن يرجعوا، على عكس عقيدة الرجعة التي أساسها وقاعدتها رجعة الأئمة والأشخاص السعداء؛ وإضافة إلى ذلك إذا كان لـ«الوصف» في تلك الآية مفهومٌ، فيجب أن يكون لآية: ﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ﴾ [النحل:84]، التي تتحدّث بلا أي شبهة عن يوم القيامة، مفهومٌ أيضاً، وبالتالي يجب أن نقول إن البعث في القيامة خاصٌّ بالشهداء أي الأنبياء مع أنه لا يمكن لعاقل أن يلتزم بمثل هذا المعنى، اللهم إلا أن يحمل القائلون بالرجعة هذه الآية أيضاً على الرجعة؛ وليس هذا ببعيد عنهم، لأننا نراهم كلما صادفوا في القرآن كلمة: «حشر» و«بعث» و«آخرة»، وباختصار كلما صادفوا كلمةً تعود إلى القيامة فإنهم يؤوِّلونها بالرجعة!.

وثانياً لو فرضنا -فرض محال- أن للوصف في الآية المذكورة مفهومٌ، فإنه مما لا شبهة فيه أنّه لا يمكن لـ«مفهوم» جُمْلَةٍ، خاصة المفهوم المخالف، أن يقوى على معارضة «منطوق» جملةٍ أخرى أبداً، حتى يحتاج الإنسان إلى رفع التعارض، فعُلِمَ أن الاستدلال بهذه الآية في خصوص «الرَّجْعَة» خطأ محض ولا أساس له من الصحة، ومن هنا نفهم أيضاً أن الروايات التي استُدِلَّ فيها بهذه الآية على «الرَّجْعَة» موضوعةٌ ومختلقةٌ، لأن مثل هذه المغالطة والاستدلال الخاطئ لا يليق بالمقام الشامخ لحضرة الإمام «جعفر بن محمد» بل لا يليق حتى بمقام شخص عادي!

وبمعزل عن كل ما ذكر لو فرضنا أن هذه الآية نزلت بشأن الرجعة فإن أقصى ما يُستفاد منها هو رجوع الأشقياء والمكذبين فقط، فكيف يخبر الله عن رجوع المكذّبين ولكنه يسكت تماماً عن رجوع الأئمّة والسعداء ولا يأتي بذكر لحكومة الحسين مدة (44) ألف عام ورسالة النبي الأكرم ومقتل الشيطان الفلاني...الخ!

إذا علمتَ أنَّ هذه الآية لا علاقة لها بالرجعة لا من قريب ولا من بعيد، نأتي الآن إلى تفسيرها مراعين الاختصار فنقول: إن أفضل طريقة لتفسير القرآن هي القرآن نفسه طبقاً لقاعدة (القرآن يفسّر بعضه بعضاً) فما يُستفاد بوضوح من قوله تعالى: ﴿ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا * إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا * يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾ [النبأ:16-18]، هو أن أفراد البشر سيحشرون يوم الميقات والقيامة، بعد النفخ في الصور، فوجاً فوجاً وجماعة جماعة، والآية:

﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الملك:8-9].

تجعل المكذبين بكل وضوح فوجاً وجماعة خاصة، فانطلاقاً من مفاد الآيتين المذكورتين يتضح بشكل كامل أن آية:

﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ [النمل:83]، إنما تبين كيفية حشر أفواج المكذبين يوم القيامة ولا علاقة لها بالرجعة.

وبعبارة أخرى فإن آية: ﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾ [النبأ:18]، تخبرنا من جهة أن الناس سيحشرون يوم القيامة فوجاً فوجاً، ومن الطرف الآخر فإن آية ﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ﴾ [الملك:8] تقول بصراحة إن المكذبين فوج مخصوص، فمن ملاحظة الآيتين مع بعضهما يتبين بكل وضوح أن آية: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ﴾ [النمل:83] إنما تعود إلى القيامة وتخبر عن كيفية حشر المكذبين.

 7- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن أبي الخطاب عن عبد الله بن المغيرة عمن حدثه عن «جابر بن يزيد» عن أبي جعفر عليه السلام قال: [سُئِلَ عن قول الله عزَّ وجلَّ ﴿ ولَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ ﴾ فقال: يا جابر! أتدري ما سبيل الله؟ قلت: لا والله إلا إذا سمعت منك! فقال: القتل في سبيل عليٍّ عليه السلام وذريَّتِهِ، فمن قُتِل في ولايته قُتِل في سبيل الله! وليس أحدٌ يؤمن بهذه الآية إلا وله قتلةٌ وميتةٌ، إنَّه من قُتِل يُنْشَر حتى يموت ومن مات يُنْشَر حتى يُقْتَل!](216).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «جابر بن يزيد الجعفي» قال عنه النجاشي: [روى عنه جماعةٌ غُمِزَ فيهم وضُعِّفُوا، منهم: عمرو بن شمر، ومفضل بن صالح، ومنخل بن جميل، ويوسف بن يعقوب. وكان في نفسه مختلطاً... وقلَّ ما يورد عنه شيءٌ في الحلال والحرام](217).

واعتبره الفاضل الجزائري من «الضعفاء» غير مقبولي الرواية.

وعلّق الشهيد الثاني على قول العلامة في «الخلاصة» بشأن روايات جابر الجعفي: [وأرى الترك لما روى هؤلاء عنه، والتوقُّف في الباقي إلا ما خرج شاهداً]، فقال: [التوقُّف في ما رواه الضعفاء عن جابر لا محل له بل الواجب ردها جميعاً، والأجدر بالمصنف - أي العلامة - أن يتوقف بالروايات التي رواها جابر نفسه لأن الناس اختلفوا فيه مدحه وذمه، هذا إنْ لم نُقَدِّم قولَ الجارح].

أي أما إذا قلنا بأن قول الجارح مقدمٌ على قول المعدِّل - كما هو رأي الشهيد الثاني ذاته وقول كثير من العلماء كما أوضحناه سابقاً -، فينبغي عندئذ طرح جميع روايات جابر لجعفي.

وقال ابن الغضائري: [إن جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ثقة في نفسه، ولكنَّ جُلَّ من روى عنه ضعيفٌ](218).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

توضيحٌ: تذكرتُ هنا نقطةً لا بد من بيانها: وهي أن بعض معاصرينا يقول - خلال سعيه لإقامة الأدلة على إثبات «الرَّجْعَةِ»-: لما ردَّ علماء أهل السنة والجماعة روايات جابر الجعفي لقوله بالرجعة دلَّ ذلك على أن «الرَّجْعَةَ» كانت من الأقوال الخاصة بالشيعة التي امتازوا بها عن غيرهم. فأقول: إن هذا الادعاء خطأ كبير لأن الذين طعنوا في «جابر الجعفي» من أهل السنَّة وردّوا رواياته لم يكونوا يعتبرونه من الشيعة الإمامية الاثني عشرية بل كانوا جميعاً يعتبرونه -بسبب قوله بالرجعة- من الغلاة أي «السبئية» أتباع «عبد الله بن سبأ»، وللتأكُّد من ذلك يمكن للقارئ أن يرجع إلى ترجمة «جابر الجعفي» في كتاب «تنقيح المقال»/الجزء الأول، لكي يتضح له أن «الرَّجْعَة» كانت من عقائد الغلاة وخصائصهم لا من عقائد الإمامية الاثني عشرية.

8 - وروى «العياشيّ» الرواية ذاتها في تفسيره وفي سندها «جابر» و«ابن المغيرة» أيضاً.

تَرْجَمَةُ الرُّواة: انظر ترجمة رواة الرواية السابقة.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

9- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن عيسى عن البزنطي عن الحسين بن عمر بن يزيد عن عمر بن أبان عن ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [كأني بحمران بن أعين وميسر بن عبد العزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة](219).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «الحسين بن عمران بن يزيد» إماميٌّ ولكنَّ حالَه مجهولٌ.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

 10- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن فيض بن أبي شيبة قال: [سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وتلا هذه الآية ﴿ وإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ.. الآية ﴾ قال ليؤمنُنَّ برسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) ولينصُرُنَّ عليّاً أميرَ المؤمنين عليه السلام! قلتُ: ولينصرنَّ أمير المؤمنين؟! قال عليه السلام: نعم والله من لدن آدم فهلم جرّا فلم يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا ردّ جميعهم إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام!](220).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن سنان» اعتبره المرحوم الشيخ الطوسي والنجاشي والمفيد والمحقِّق في «المُعْتَبَر» والعلّامة الحِلِّيّ في «المُخْتَلَف» والشهيد الثاني وكثير من علماء الرجال والفقهاء الكبار، غالياً ومن الضعفاء. قال عنه النجاشي في رجاله (ص 328): [وهو (أي محمد بن سنان) رجلٌ ضعيفٌ جداً لا يُعوَّل عليه ولا يُلتفت إلى ما تفرَّد به، وقد ذكر أبو عمرو في رجاله:.. قال أبو محمد الفضل بن شاذان: لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان].

وقال العلامة الحلي في «خلاصة الأقوال» (ص 394): [وقد اختلف علماؤنا في شأنه، فالشيخ المفيد رحمه الله قال: إنه ثقة، وأما الشيخ الطوسي رحمه الله فإنه ضعَّفه، وكذا قال النجاشي، وابن الغضائري قال: إنه ضعيف غالٍ لا يلتفت إليه، وروى الكشي فيه قدحاً عظيماً، وأثنى عليه أيضاً. والوجه عندي التوقف فيما يرويه، فان الفضل بن شاذان رحمه الله قال في بعض كتبه: إنَّ من الكذَّابين المشهورين ابنُ سِنان] (221).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

11- وروى «العيَّاشيّ» في تفسيره مضمون الرواية الأخيرة ذاته عن «فيض بن أبي شيبة».

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «فيض بن أبي شيبة» لا ذكر لاسمه في كتب الرجال، فهو اصطلاحاً مهملٌ ومجهولٌ.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

12- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن عمار بن مسروق عن المنخل بن جميل عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام: [في قول الله عزّ وجلّ ﴿ يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ يعني بذلك محمداً (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) وقيامه في الرجعة ينذر فيها وقوله ﴿ إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً ﴾ يعني محمداً (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) ﴿ نَذِيراً لِلْبَشَرِ ﴾ في الرجعة وفي قوله ﴿ إنا أرسلناك كَافَّةً لِلنَّاسِ ﴾ في الرجعة!](222).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن سنان» عرفنا حاله وأنه من «الغُلاة»، و«منخل بن جميل» باتفاق جميع علماء الرجال من «الغُلاة»(223)، و«عمار بن مسروق» لا ذكر لاسمه في كتب الرجال.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

13- [مُنْتَخَب البصائر] بهذا الإسناد عن أبي جعفر عليه السلام أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول: [إن المدثر هو كائن عند الرجعة. فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! أحياةٌ قبل القيامة ثم موتٌ؟؟ قال فقال له عند ذلك: نعم! والله لكفرة من الكفر بعد الرجعة أشد من كفرات قبلها](224).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: راجع ترجمة رواة الرواية السابقة.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

14- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن أبي الخطاب عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم الحضرمي عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن إبليس قال أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فأبى الله ذلك عليه قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ فإذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس لعنه الله في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين عليه السلام فقلت وإنها لكرات قال نعم إنها لكرات وكرات ما من إمام في قرن إلا ويكر معه البر والفاجر في دهره حتى يديل الله المؤمن من الكافر فإذا كان يوم الوقت المعلوم كر أمير المؤمنين عليه السلام في أصحابه وجاء إبليس في أصحابه ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال له الروحا قريب من كوفتكم فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله عزَّ وجلَّ العالمين فكأني أنظر إلى أصحاب على أمير المؤمنين عليه السلام قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مائة قدم وكأني أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات فعند ذلك يهبط الجبار عزَّ وجلَّ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ والْمَلائِكَةُ وقُضِيَ الْأَمْرُ رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) أمامه بيده حربة من نور فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقرى ناكصاً على عقبيه فيقولون له أصحابه أين تريد وقد ظفرت فيقول: إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ فيلحقه النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) فيطعنه طعنةً بين كتفيه فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه، فعند ذلك يُعبَد الله عزَّ وجلَّ ولا يُشرَك به شيئاً ويملك أمير المؤمنين عليه السلام أربعاً وأربعين ألف سنة حتى يلد الرجل من شيعة عليّ عليه السلام ألف ولد من صلبه ذكراً وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله](225).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أوَّلاً: «موسى بن سعدان»: ذكر العلامة الحلي في «الخلاصة» والنجاشي وابن الغضائري أنه من «الغُلاة»(226).

ثانياً: «عبد الله بن قاسم الحضرمي»: ذكر النجاشي وابن الغضائري والعلامة في «الخلاصة» وابن داود أنه كذَّابٌ وضّاعٌ للحديث، واعتبره بعضهم «غالياً» واعتبره آخرون «واقفياً» يروي كثيراً عن الغلاة، وبشكل عام ردّوا رواياته(227).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

15- [مُنْتَخَب البصائر] بهذا الإسناد عن عبد الله بن القاسم عن الحسين بن أحمد المنقري عن «يونس بن ظبيان» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن عليّ عليه السلام فأمّا يوم القيامة فإنما هو بعثٌ إلى الجنة وبعثٌ إلى النار(228])(229).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أوَّلاً: «الحسين بن أحمد المنقري» ذكر العلامة في «الخلاصة» والمجلسي في «الوجيزة» والنجاشي وابن داود... أنه ضعيفٌ جداً لا تُقبل رواياته(230).

ثانياً: «يونس الظبيان» قال عنه النجاشي في رجاله (ص 448): [يونس بن ظبيان مولى، ضعيفٌ جداٌ، لا يُلْتَفَتُ إلى ما رواه. كلُّ كُتُبه تخليطٌ]. وقال الشيخ الطوسي في «اختيار معرفة الرجال» (ج 2/ص 657 - 658): [قال محمد بن مسعود: يونس بن ظبيان مُتَّهَمٌ غالٍ.... (وقال) أبو الحسن (أي الإمام الرضا) عليه السلام:... ولعن اللهُ يونسَ بن ظبيان ألف لعنة يتبعها ألف لعنة كل لعنة منها تبلغك قعر جهنم، أما إن يونس مع أبي الخطاب في أشد العذاب مقرونان، وأصحابهما إلى ذلك الشيطان مع فرعون وآل فرعون في أشد العذاب، سمعت ذلك من أبي عليه السلام] (231).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

16- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن أيوب بن نوح والحسن بن علي بن عبد الله معا عن العباس بن عامر عن سعيد عن داود بن راشد عن حمران عن أبي جعفر عليه السلام، قال: [إن أول من يرجع لجاركم الحسين عليه السلام فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر](232).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «داود بن راشد» إماميٌّ إلا أنه حاله مجهولٌ(233).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

 17- [مُنْتَخَب البصائر] الراوية السابقة ذاتها نقلها جماعة ينتهي سندهم إلى «داود بن راشد».

تَرْجَمَةُ الرُّواة: تقدّم حال «داود بن راشد» في الراوية السابقة.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

18- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن أحمد بن محمد السياري عن أحمد بن عبد الله بن قبيصة عن أبيه عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ [يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ] قال: [يُكْسرون في الكرّة كما يكسر الذهب حتى يرجع كل شي‏ء إلى شبهه يعني إلى حقيقته](234).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «أحمد بن محمد السيّاري» قال عنه النجاشي وابن الغضائري والعلامة في «الخلاصة» والمجلسي في «الوجيزة» وابن داود و...: «غالٍ»ومن القائلين بالتناسخ(235).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف)(236).

19- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن اليقطيني عن القاسم عن جده الحسن عن أبي إبراهيم عليه السلام قال قال: [لترجعن نفوس ذهبت وليقتصن يوم يقوم ومن عذب يقتص بعذابه ومن أغيظ أغاظ بغيظه ومن قتل اقتص بقتله ويرد لهم أعداؤهم معهم حتى يأخذوا بثأرهم ثم يعمرون بعدهم ثلاثين شهراً ثم يموتون في ليلة واحدة...الخ](237).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن عيسى اليقطيني» من «الغُلاة»، كما تقدّمت ترجمته لدى ترجمة رواة الراوية رقم (5) فراجعها. و«القاسم» حالُه مجهولٌ.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

20- [مُنْتَخَب البصائر] بهذا الإسناد عن الحسن بن راشد عن محمد بن عبد الله بن الحسين قال: [دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه السلام فجرى بينهما حديث فقال أبي لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في الكرَّة؟ قال: أقول فيها ما قال الله عزَّ وجلَّ وذلك أن تفسيرها صار إلى رسول الله قبل أن يأتي هذا الحرف بخمس وعشرين ليلة قول اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ﴾ إذا رجعوا إلى الدنيا ولم يقضوا ذحولهم(238)...الخ](239).

 تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن عبد الله بن الحسين» إماميٌّ إلا أنَّ حالَه مجهولٌ(240).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

21- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن جماعة من أصحابنا عن ابن أبي عثمان وإبراهيم بن إسحاق عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال: [سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿...إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا.. (المائدة:20)؟ فقال: الأنبياء رسول الله وإبراهيم وإسماعيل وذريته والملوك الأئمة عليهم السلام قال: فقلتُ: وأيُّ ملك أُعْطيتم؟ فقال: مُلك الجنة وملك الكَرَّة](241).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «ابن أبي عثمان» ملعونٌ على لسان أغلب علماء الرِّجال الذين اعتبروه «غالياً» من أتباع مذهب «العلائية»(242).

وثانياً: «محمد بن سليمان الديلمي» كان من «الغُلاة» أيضاً، كما ذكر ذلك المرحوم الشيخ «الطوسي» في «رجاله» وابن الغضائري والنجاشي و...، وقد ضعّفوا جميع رواياته(243).

وثالثاً: «سليمان الديلمي» قال عنه ابن الغضائري: [«محمد بن سليمان بن زكريا الديلمي أبو عبد الله»: ضعيفٌ في حديثه، مرتفعٌ في مذهبه، لا يُلتَفَت إليه]، وقال النجاشي فيه: [«محمد بن سليمان بن عبد الله الديلمي»: ضعيفٌ جداً، لا يُعوَّل عليه في شيءٍ... وقيل: كان غالياً كذّاباً وكذلك ابنه محمد لا يُعمل بما انفردا به من الرواية](244).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف)(245).

22- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن عيسى عن الأهوازي ومحمد البرقي عن النضر عن يحيى الحلبي عن المعلى أبي عثمان عن «المعلى بن خنيس» قال: [قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أول من يرجع إلى الدنيا الحسين بن عليّ عليه السلام فيملك حتى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر قال فقال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص:85]، قال: نبيُّكم (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) راجع إليكم](246).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «المعلى بن خُنيس» كان «غالياً» و«مغيريَّاً» (أي من أتباع الغالي الملعون المغيرة بن سعيد). قال عنه الشيخ محمد تقي التستري في «قاموس الرجال» (ج10/ص 158): [معلى بن خنيس.. عَنْوَنَهُ ابن الغضائري، قائلاً: مولى أبي عبد الله (عليه السلام) كان أول أمره مغيريَّا، ثم دعا إلى محمد بن عبد الله (أي النفس الزكية)، وفي هذه الظنة أخذه داود (بن علي) فقتله، والغلاة يضيفون إليه كثيراً، ولا أرى الاعتماد على شيء من حديثه. و(عَنْوَنَهُ)النجاشي، قائلاً: أبو عبد الله مولى جعفر بن محمد (عليه السلام) ومن قبله كان مولى بني أسد، كوفيٌ بزَّازٌ، ضعيفٌ جداً، لا يُعوَّل عليه](247).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

23- [مُنْتَخَب البصائر] عن «محمد بن الحسن بن عبد الله الأطروش» عن جعفر بن محمد البجلي عن «البرقي» عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام: [إن الله تبارك وتعالى أحدٌ واحدٌ تفرَّد في وحدانيته ثم تكلَّم بكلمة فصارت نوراً ثم خلق من ذلك النور محمداً (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) وخلقني وذريتي ثم تكلَّم بكلمة فصارت روحاً فأسكنه الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلماته فبنا احتجَّ على خلقه فما زلنا في ظلة خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف نعبده ونقدسه ونسبحه وذلك قبل أن يخلق الخلق وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة..... (حتى يقول):...ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها وليبعثن الله أحياء من آدم إلى محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) كل نبيّ مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعا فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبون زمرة زمرة بالتلبية لبيك لبيك يا داعي الله قد تخللوا بسكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبارة الأولين والآخرين.... (حتى يقول):...وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والكرات... (حتى يقول):... وإليَّ إياب الخلق جميعاً... وإليَّ حساب الخلق جميعاً... (حتى يقول):.. وأنا الذي سخرت لي السحاب والرعد والبرق والظلم والأنوار والرياح والجبال والبحار والنجوم والشمس والقمر...الخ](248).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «محمد بن خالد البرقيّ»: قال التُستري في «قاموس الرجال» (ج 9/ص 249 - 250): [.. وكان محمد (بن خالد البرقي) ضعيفاً في الحديث، وكان أديباً حسن المعرفة بالأخبار وعلوم العرب. وعنونه ابن الغضائري قائلاً:..حديثه يُعرف ويُنكر، ويروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل] وعدَّه ابن داود في جملة الضعفاء(249).

وثانياً: «محمد بن حسن بن عبد الله الأطروش» لا ذكر لاسمه في كتب الرجال فهو اصطلاحاً «مُهْمَلٌ».

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

24- [تفسير العياشي] عن صالح بن ميثم قال: [سألت أبا جعفر عن قول الله: ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران:83] قال: ذلك حين يقول عليّ عليه السلام: أنا أولى الناس بهذه الآية:

﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [النحل:38]](250).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن مسعود العيَّاشِيّ» رغم أن علماء الرِّجال وثّقوه، إلا أن المرحوم الشيخ «محمد» ابن «الشهيد الثاني» طعن في توثيقه، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى لما كانت أغلب روايات «العيَّاشِيّ» عن الضعفاء فلا ثقة بها ولا يُعْتَمَدُ عليها، وعلى كل حال فهذه الراوية ضعيفة من جهة إرسالها لأن «العيَّاشِيّ» -كما يقول المرحوم الشيخ الطوسي في رجاله- لم يرو عن الأئمة، والمعنى الظاهر من كلامه أنه لم يدرك زمن الأئمة، وبالتالي فلا يمكن أن يروي بلا واسطة عن «صالح بن ميثم» الذي كان من أصحاب حضرة الإمام الباقر، لأننا لو فرضنا أن «صالح بن ميثم» عمّر بعد وفاة الإمام الباقر -التي وقعت سنة 114هـ- مئةً وعشرين عاماً، فلا يمكن أيضاً تصوّر لقاء «العيَّاشِيّ» به لأن وفاة الإمام العسكري كانت سنة 260هـ والغيبة الكبرى بدأت عام 328هـ!

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

25- [الأمالي للصدوق] ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن عامر بن معقل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: [قال لي يا أبا حمزة لا تضعوا عليّاً دون ما وضعه الله ولا ترفعوا عليَّاً فوق ما رفعه الله كفى بعليٍّ أن يقاتل أهل الكرَّة وأن يزوّج أهل الجنَّة](251).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عامر بن معقل» مهمل ومجهول.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مهمل).

 26- وروى صاحب [مُنْتَخَب البصائر] الرواية ذاتها عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن النعمان عن عامر بن معقل مثله.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مهمل).

27- [تفسير القمي] أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [ما بعث الله نبيّاً من لدن آدم فهلم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين عليه السلام وهو قوله لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ يعني برسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) ولتنصرن أمير المؤمنين](252).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: وثّقهم علماء الرجال.

حُكْمُ الحديث: (حسن).

28- [تفسير القمي] ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء:159] فإنه روي أن رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) إذا رجع آمن به الناس كلّهم. قال وحدثني أبي عن القاسم بن محمد عن «سليمان بن داود المنقري» عن أبي حمزة عن «شهر بن حوشب» قال: [قال لي الحجَّاجُ: يا شهر! آيةٌ في كتاب الله قد أعيتني! فقلتُ: أيها الأمير أيَّةُ آيَةٍ هي؟ فقال: قوله: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ [النساء:159] والله إني لآمُرُ باليهودي والنصراني فتُضرب عُنُقه ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يُحْمَل!. فقلتُ: أصلح الله الأمير! ليس على ما تأوّلت. قال: كيف هو؟ قلتُ: إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا غيره إلا آمن به قبل موته ويصلي خلف المهدي. قال: ويحك! أنَّى لك هذا ومن أين جئت به؟! فقلتُ: حدَّثني به (الإمام الباقر) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. فقال: جئت والله بها من عين صافية](253).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «سليمان بن داود المنقري» قال عنه ابن الغضائري: إنه ضعيفٌ جدّاً لا يُلْتَفَتُ إليه يضع كثيراً على المهمَّات، وأورده العلامة في القسم الثاني من «الخلاصة» المخصَّص للضعفاء، وعدَّه المجلسيُّ من الضعفاء أيضاً(254).

ثانياً: «شهر بن حوشب» إماميّ ولكنه مجهول الحال(255).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

29- [تفسير القمي] ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ [يونس:39] أي لم يأتهم تأويله ﴿ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [يونس:39]: قال: نزلت في «الرَّجْعَة» كذَّبوا بها أي أنها لا تكون.... (256).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل)(257).

توضيحٌ: لو رجعنا إلى الآية التي قبل الآية المذكورة في الرواية لوجدنا قوله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [يونس:38]، ثم عقَّب سبحانه وتعالى على ذلك بقوله: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ [يونس:39] أي أن الكفار إنما كذبوا بالقرآن لأنهم لم يفهموا مقاصده ولا مرامه فكذبوا به تكذيباً أعمى قبل أن يعرفوا تأويله ﴿ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ أي ولم يأتهم بعد حقيقة تأويله أي حقيقة ما وعد به القرآن مما سيؤول إليه أمرهم من العقوبة؛ أي تلك العقوبة التي أوعدهم الله إياها وهي خسارة الدنيا والآخرة فلن يدركوا هذه العقوبة حتى تقع بهم، عندئذ سيصدقون أن القرآن وحي سماوي منزّل من عند الله سبحانه وتعالى. أو أن المراد من قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ أنه لما كانت في القرآن الكريم معانٍ ومطالب لا بد لفهمها من مراجعة الشخص المبيِّن للقرآن أي النبي الأكرم، ولما كان الكفار يمتنعون عن مراجعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ تكبراً منهم وعنجهيَّةً، لذا كذَّبوا بالقرآن جهلاً بحقيقة تأويله.

والخلاصة أن هذه الآية من آيات التحدي ولا علاقة لها بالرجعة من قريب ولا من بعيد، ولا ينقضي العجب من المرحوم «علي بن إبراهيم القميّ» -الذي كان طبقاً لقول علماء رجال الشيعة: عالماً جليل القدر -، كيف يذكر في تفسيره مثل تلك التأويلات التي هي بكل وضوح من تأويلات الملاحدة والباطنية! اللهم إلا أن نقول أن ذلك التفسير المنسوب إليه تفسيرٌ موضوعٌ مختلقٌ وليس من تأليف ذلك العالم الجليل، وإلا فكيف يمكن لمثل ذلك العالم أن يكون عديم الاطلاع على مباني القرآن الكريم إلى ذلك الحدّ فيلوثه بمثل تلك التأويلات الباطلة عديمة الأساس!!.

30 - [تفسير القمي] ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ﴾ آل محمد حقهم ﴿ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ ﴾ في ذلك الوقت يعني «الرَّجْعَة»(258).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف:مرسل(259].

توضيحٌ: كمال الآية التي جاء ذكرها في الرواية هو: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يونس:54-56].

هذه الآيات تبيِّن عدل الله تعالى، وقبح الظلم بشكل عام وتبين عاقبة الظالمين الوخيمة، ولا تختصُّ بالكلام عن الظلم الذي وقع على آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، نهاية ما في الأمر أن هذا الظلم هو أحد مصاديق الآية، إنه لمن المخجل حقاً أن يتم حشر جمل لا تناسب معاني الآية من قريب ولا من بعيد، رغم وضوح المقصود من الآية الأخيرة أي قوله تعالى: ﴿ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يونس:56]، لا لشيء إلا ليُقال أن الآية نزلت بشأن «الرَّجْعَة»!

31- [تفسير القمي] ﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف:47]، [سُئِلَ الإمام أبو عبد الله عليه السلام عن قوله: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ﴾ [النمل:83] قال ما يقول الناس فيها؟ قلتُ: يقولون إنها في القيامة. فقال أبو عبد الله عليه السلام: [أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجا ويترك الباقين؟! إنّما ذلك في «الرَّجْعَة» فأمّا آيةُ القيامة فهذه ﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف:47] إلى قوله ﴿ مَوْعِدًا ﴾](260).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

32- [تفسير القمي] أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن المستنير عن معاوية بن عمار قال: [قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾ قال هي والله للنُصَّاب! قال: جُعِلْتُ فداك! قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتى ماتوا. قال ذاك والله في «الرَّجْعَة» يأكلون العَذَرَة](261).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «عمر بن عبد العزيز بن أبي يسار» من الضعفاء وذلك طبقاً لما ذكره علماء الرِّجال مثل: العلامة والنجاشي وابن داود والكشيّ والمجلسي في الوجيزة، واعتبره بعضهم من «الغُلاة». قال التفرشي في «نقد الرجال» (ج 3/ص 358 - 359): [عمر بن عبد العزيز: عربي، بصري، مخلَّط; له كتاب،... وقال الكشي: عمر بن عبد العزيز بن أبي يسار، أبو حفص، المعروف بزحل، قال محمد بن مسعود: حدثني عبد الله بن حمدويه البيهقي قال: سمعت الفضل بن شاذان يقول: زحل أبو حفص، يروي المناكير وليس بغال](262).

ثانياً: «إبراهيم بن منير» إماميٌّ ولكن حاله مجهولٌ(263).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

توضيحٌ: قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾ [طه:124]، جاء بعد بيان قصة آدم وحواء التي ابتدأت من الآية (115) وانتهت بالآية (126) كما يلي:

﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ﴾ [طه:115-123]. فبعد هذه الآيات قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾ [طه:124].

هذه الآيات من أبرز آيات القرآن الكريم وتتضمن أفضل نموذج يُحتذى لحياة البشر، فهي توقظ عقولنا إلى أسرار الحياة ورموزها وتذكرنا بمصدر جميع أنواع الشقاء وأسباب التعاسة، كما تبين لنا في الوقت ذاته طريق السعادة. وبعبارة واضحة تذكِّرنا هذه الآيات بصراحة أنه في ساحة التزاحم في الحياة لا بد من الوقوف في وجه الأشخاص الدجالين ذوي الصفات الشيطانية ومقاومتهم وعدم السماح لأنفسنا أن نُفتَنَ بكلامهم الخلّاب المنمّق الذي يختزن السم في داخله طمعاً في الوصول إلى آمالنا وأمنياتنا، فهذه الآيات تخبرنا بكل وضوح عن العواقب الوخيمة للطمع وعدم السيطرة على النفس، وخاصة عن النتائج السيئة للإعراض عن كلمات الله ونصائحه وذكره، ذلك الإعراض الذي هو سِرُّ كلِّ شقاء، وهي توصينا وتؤكِّد علينا أن نذكر الله تعالى دائماً ونتَّبع هُداهُ في هذه الحياة المشوبة بآلاف أنواع المحن والآلام، والخلاصة توصينا أن نكون عاملين دائماً بالقرآن الكريم ومتَّبعين لسنَّة وسيرة من جاء بالقرآن، عندئذ لن نضل أبداً ولن نشقى.

ولكن جميع هذه الأمور إنما تكون عندما لا يُقصد من تلك الآيات المقدَّسة بيان ما يصلح لأن يكون حجَّةً لأعداء أهل البيت بشأن «الرَّجْعَة»!!

ويا للقرآن المسكين!! حقاً لقد وصل بي التأثُّر والانفعال إلى حدّ لم أعد أعلم ما أكتبه فيه؟! ولا أجد مندوحةً سوى أن أختم كلامي هنا وألزم الصمت.

33- وروى صاحب [مُنْتَخَب البصائر] الحديث ذاته عن سعد عن أحمد بن محمد مثله.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

34- [تفسير القمي] قـوله: ﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ﴾ [الأنبياء:95]، فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليه السلام قالا: [كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في «الرَّجْعَة»، فهذه الآية من أعظم الدلالة في «الرَّجْعَة» لأن أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى القيامة من هلك ومن لم يهلك فقوله ﴿ لا يَرْجِعُونَ ﴾ [الأنبياء:95] عَنَى في «الرَّجْعَة» فأما إلى القيامة يرجعون حتى يدخلوا النار](264).

حُكْمُ الحديث: (حسن).

توضيحٌ: لا يدلُّ «منطوق» الآيـة ﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ﴾ [الأنبياء:95]، على «الرَّجْعَة» إطلاقاً، وليس هذا فحسب بل ينفيها بكل صراحة، لأن الآية تقول: كل قرية أهلكناها وأَمَتْنا أهلها فإنهم لن يرجعوا إلى الدنيا(265)، كما أنه لا يمكن استفادة معنى «الرَّجْعَة» من «مفهوم» الآية -حتى لو قلنا أن الوصف له مفهوم- وليس هذا فحسب بل لا يُستفاد من مفهومها أيُّ معنىً أساساً لأن مفاد مفهومها سيكون: القرية التي لم نهلك أهلها ولم نمتهم سيرجعون إلى الدنيا! وبديهيٌّ أن «الرَّجْعَة» لا تكون إلا بعد الموت ولا معنى لها قبله، أما إذا أراد أحدٌ أن يستفيد من مفهوم الآية شيئاً -هذا على فرض ثبوت المفهوم للوصف- فلا بدّ أن يُقدّر بعد كلمة «أهلكناها» كلمة «بالعذاب»، أو يُثبت أن «الهلاك» في اللغة واصطلاحات القرآن هو في الهلاك بالعذاب فقط، لأنه في هذه الحالة سيصبح مُفاد منطوق الآية كما يلي: كل قرية أهلكناها وأمتنا أهلها بالعذاب لا يرجعون إلى الدنيا، وبناء على ذلك فمفاد مفهومها سيكون: كل قرية لم نهلك أهلها بالعذاب سيرجعون، ولكن كلا الأمرين لا يمكن القول بهما هنا، أولاً لأن الأصل عدم التقدير، وثانياً لأن ادّعاء أن «الإهلاك» في اللغة أو في اصطلاح القرآن هو الإهلاك بالعذاب فقط ادعاءٌ غير صحيح، لأن الإهلاكَ لغةً هو الإفناءُ سواء كان بالعذاب أم بغيره، وهو «الإهلاك» في اصطلاح القرآن أيضاً، إذ إنه كلما ذُكر الهلاك في القرآن بشكل مطلق (دون قيد) أُريد منه الموت والفناء بشكل عام وليس الفناء نتيجة لإنزال العذاب، وذلك كما في الآيات التالية:

﴿ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ﴾ [النساء:176]، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص:88]، و﴿ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ﴾ [الإسراء:58]، ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾ [الجاثية:24]، و﴿ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾ [الأعراف:164].

أما عندما يريد القرآن من «الهلاك» الإهلاك بواسطة العذاب، فإنه يذكره مقيداً بالعذاب كقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ ﴾ [طه:134].

فأصبح معلوماً أن «الإهلاك» في القرآن معناه مطلق الإفناء، ولذا لما ذُكر «الإهلاك» في الآية موضع الاستشهاد في الحديث، مطلقاً من أي قيد، فإن معناه الموت والفناء المطلق، لذا حتى لو فرضنا أن للوصف مفهوماً، فلا يمكن أن نستفيد منه «الرَّجْعَة»، أي أن ذلك المفهوم لا معنى له أبداً لأن مفاد مفهومه -كما قلنا- سيكون: كل قرية لم نهلك أهلها ولم نفنيهم فإنهم سيرجعون! فهل هناك أي معنى أو مفهوم لرجعة الأحياء إلى الدنيا وهم لا يزالون فيها؟!

ولو تنزّلنا وقلنا إن «الإهلاك» في الآية معناه الإماتة بواسطة العذاب واعتبرنا أن لمفهومه معنى، فإن هذا لا يكون إلا عندما يكون وصف «الإهلاك بالعذاب» علةً وحيدةً (حصريَّةً) لعدم ثبوت الرجعة، إذْ أنّ ثبوت المفهوم للوصف - كما قلنا مراراً - رهينٌ بأن يكون الوصفُ علَّةً وحيدةً وحصريَّةً لثبوت الحكم في موضوعه، وعندئذ فينبغي أن لا يرجع أيضاً إلى الدنيا كل أولئك المشركون الخاسرون الذين أهلكهم الله بعذابه في القرون الماضية -كما ينص على ذلك القرآن-، مع أن مضمون قسمٍ من أدلة القائلين بالرجعة هو رجعة كل المشركين الذين محضوا الكفر.

إذا علمت أن الآية والرواية لا تصلحان دليلاً على «الرَّجْعَة» نقول من الممكن أن نستفيد من تلك الجملة مؤيداتٍ لنفي «الرَّجْعَة»، لأنه إذا أُريد من الهلاك الموت والفناء العام -كما هو حقيقة الأمر فعلاً- فإن الآية تدل بصراحة على نفي «الرَّجْعَة» تماماً، لأن مفاد الآية الصريح هو: كل قرية أهلكناها أي أهلكنا كل الذين كانوا يعيشون فيها، فمن اللازم أن لا يعودوا بعد موتهم إلى الدنيا، وإن أُريد إهلاكهم بالعذاب، كما يقوله المفسرون وتقوله الرواية، فأيضاً يُفهم من الآية نفي رجوع قسم من أفراد البشر، لأنها تقول إن الذين أُهلِكوا بالعذاب لن يرجعوا، فإن قلتَ: إذن هذا يدل على أن الذين لم يُهلكوا بسبب العذاب سيرجعون إلى الدنيا، قلنا: إن الوصف لا مفهوم له، لأن نفي الشيء لا يدل على ثبوت ما عداه، كما أن إثبات الشيء لا يدل على نفي ما عداه.

 35- [تفسير القمي] أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [انتهى رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحركه برجله ثم قال: قم يا دابة الله! فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله! أنسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه:

﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ﴾ [النمل:82].

ثم قال: يا عليّ! إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك فقال الرجل لأبي عبد الله عليه السلام إن العامة يقولون هذه الآية إنما تكلمهم فقال أبو عبد الله كلمهم الله في نار جهنم إنما هو تكلمهم من الكلام](266).

حُكْمُ الحديث: (حسن).

توضيحٌ: رغم أن فهم القرآن يعتمد في الدرجة الأولى على معرفة اللغة العربية وأسلوب الخطاب العربي زَمَنَ الجاهلية، وباختصار يعتمد على معرفة آداب اللغة العربية في عصر نزول القرآن، ويعتمد ثانياً على القرآن ذاته، إلا أننا نجد للأسف أن أشخاصاً لا حظّ لهم من كلا الأمرين لأسباب نعرفها جميعاً يقومون بتفسير الآيات القرآنية بنحو منحرف ويذهبون مذاهب منحرفة ضالّة، ونتيجة لذلك يبتعدون عن مرام الآيات ومقاصدها وليس هذا فحسب بل يُضلُّون الآخرين معهم.

إن راقم هذه السطور يعتقد أن السبب الأساسي لكل هذه التفرقة التي وقعت بين المسلمين وجعلت كلَّ فرقة منهم مبتلية بأوهام وخرافات هو هذا الأمر (أي الجهل بالقرآن وتحريف معانيه)، وهو السبب أيضاً وراء نفور جماهير غفيرة من الناس لاسيما أبناء اليوم من الإسلام، بل خروج جماعات منهم عن ملَّة الإسلام بشكل كامل!

ولا ريب أنّ هؤلاء القوم لو تلقَّوْا القرآنَ بالبساطة التي تلقّاها به المسلمون الأوائل الذين تربَّوْا بالقرآن في صدر الإسلام، ولم يسمحوا لأفكار فلان أو علان ولا لأخبارٍ وأحاديث لا يُعرف صحيحها من سقيمها أن تتدخّل في فهمهم للقرآن، لكان وضع الإسلام وأوضاع المسلمين غير ما نشاهده عليه اليوم! ولديَّ على كل ما أقوله أدلَّةٌ يخرج شرحها عن موضوع هذا الكتاب.

أجل إن آية «دابة الأرض» من الآيات التي سعى المهووسون من أصحاب الأهواء منذ زمن بعيد إلى تفسيرها على هواهم وأتى كل منهم بنغمة جديدة حولها، فبعضهم اعتبرها حيواناً ذا ذنب وريش وأربعة قوائم، وبعضهم اعتبرها دابَّةً ذات ريش ودون ذنب، وآخرون اعتبروها حيواناً طوله ستون ذراعاًً يمتلك عصا موسى وخاتم سليمان والقدرة على تشخيص الكفر والإيمان!، وآخرون اعتبروها طائراً له صورة كصورة الإنسان، وآخرون مع وجود كل تلك الأساطير اعتبروها الإمام علي عليه السلام!! والأسوأ من كل ذلك أنهم نسبوا كل تلك الأساطير المتهافتة إلى حضرة النبي الخاتم صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ والأئمة الأطهار! وللأسف الشديد يقوم بعض العلماء اليوم برواية كل تلك الأساطير في كتبهم على أنها أحاديث آل محمد!، ثم يأتي آخرون من خطباء المنابر فينشرونها في عقول الناس!

يا إلهي! لماذا كل هذه التناقضات؟ وما الفائدة من نقل كل تلك الأمور المتهافتة؟! أليست تلك الأخبار والأقوال من وضع أناس أرادوا تخريب الإسلام ونسبوها إلى آل بيت النبي لإهانتهم، فلماذا يقوم أولئك الذين كنا نظنّهم حتى اليوم علماءَ وأتقياءَ ولا نذكر اسمهم إلا بإجلال واحترام بذكر مثل هذه الأساطير في كتبهم؟! سبحان الله! هل كان الله تعالى يمارس «التقيّة» مع أهل التسنُّن حتى يذكر عليّاً أميرَ المؤمنين مرَّةً باسم «بعوضة» وأخرى باسم «فيل» وثالثةً باسم «دابَّة الأرض» في كتابه؟!

حقاً لقد كان عليٌّ أميرُ المؤمنين مظلوماً جداً في هذه الدنيا، فتارةً يؤلِّهوه وطوراً يرفضون حتى الاعتراف بخلافته!، وأحياناً يلعنوه على المنابر وأخرى يصفه أصدقاؤه الجهلاء في كتبهم ومجامعهم الإسلامية بأنه المقصود من «البعوضة» و«الفيل» و«دابَّة الأرض» في القرآن!

وعلى كلّ حال يجب تفسير هذه الآية بالرجوع إلى آيات القرآن الأخرى، فأوّلاً يجب أن ننظر إلى معنى كلمة «الدابة» في القرآن، لذا يجب أن نرجع إلى جميع الآيات التي تتضمَّن هذه الكلمة. لقد أُطْلِقَتْ كلمة «الدابة» في القرآن على عدّة معان، فأطلقت في عديد من المواضع على مطلق الحيوان، كما في الآيات التالية:

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود:6].

﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ [هود:56].

﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل:49].

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ﴾ [البقرة:164].

﴿ خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ... ﴾ [لقمان:10].

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى:29].

وأُطلقت الدابة في ثلاثة مواضع من القرآن على الحيوانات في مقابل الإنسان كما في الآيات التالية:

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ﴾ [الحج:18].

﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية:4].

﴿ وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت:60].

وأُطلقت «الدابة» في مورد واحد على ما يقابل الطير وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ [الأنعام:38].

وفي موضع آخر أُطلقت «الدابة» على الحيوانات التي تقابل الإنسان وتقابل الأنعام كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ [فاطر:28].

وفي أحد الموارد أُطلقت الدابة على كل من يدّب على الأرض من الناس الظالمين كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [النحل:61].

وفي مورد آخر أُطلقت الدابة على الناس الذين لا عقل لهم ولا فهم كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [الأنفال:22].

وفي مورد آخر أُطلقت على الكفار كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنفال:55].

وفي مورد آخر أُطلقت على الحيوانات الصغيرة كما في قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ:14].

فإذا علمنا موارد استعمال كلمة «الدابة» في القرآن الكريم أمكننا الآن أن نفهم معنى الآية مورد البحث أي قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ﴾ [النمل:82] دون أي تكلّف، فكلمة «وقع» معناها وجب وثبت، والمقصود من «القول» العذاب أو الغضب، كما في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يس:7]. وقوله سبحانه: ﴿ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ [القصص:63]. حيث فسَّر الطبريُّ القولَ هنا بالعذاب والغضب(267).

فيحتمل أن يكون المراد من «دابة الأرض» في الآية، الأشرار والظالمين والجهلاء كما في الآيات الثلاث التي أوردناها أعلاه والتي أُطلقت فيها الدابة على الظالمين والكفار وعلى الصم البكم الذين لا يعقلون، وقد قال الراغب الأصفهاني في كتابه «المفردات» خلال شرحه لمعنى «الدابة»: [قيل إنها حيوان بخلاف ما نعرفه يختص خروجها بحين القيامة، وقيل عنى بها الأشرار الذين هم في الجهل بمنزلة الدّواب](268).

بناء على ذلك يمكن أن يكون معنى الآية هو التالي: إذا وجب عذاب الله وغضبه على الناس الظالمين الأشرار أخرجنا لهم وسلّطنا عليهم رجالاً ظالمين وأشراراً لا يعقلون، أي إذا ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحقّوا عذاب الله وغضبه فسلّط الله تعالى عليهم أشخاصاً ظالمين كالدواب لا يعقلون.

وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ [آل عمران:110]. مما يدل على أن الطريق الوحيد لسيادة قوم وعزتهم هي إشاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بينهم، وقد ذكّرنا الله بكل وضوح في قوله: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة:143] بأن الأمة الوسط ستكون شاهدة على الناس ومرشدة لهم وفي النهاية سيدة على سائر أهل الدنيا، وهنا يريد أن يقول إن الجماعة الذين يتخلَّوْن عن هذه الخصلة الحميدة ووسيلة السيادة، سنسلّط عليهم الأشرار والأراذل.

والخلاصة لمّا كان ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى الانحطاط والانقراض، كان مورداً لغضب الله الذي ينتقم من ذلك المجتمع بأن يسلّط عليه الظالمين الذين لا يعقلون ويحرمهم من نعمة السعادة والسيادة، ويسير بهم نحو الهلاك والانقراض.

ويُحتمل أيضاً أن يُراد من «دابة الأرض» الحيوانات الصغيرة أي «الجراثيم» كما جاء في الآية 14 من سورة سبأ التي ذكرناها أعلاه، فيكون معنى الآية على هذا القول: إذا حلّ غضب الله وعذابه على قوم أخرج لهم دوّاباً أي حيوانات صغيرة «جراثيم الأمراض» أو الحيوانات التي تحمل الجراثيم وذلك ليهلكهم بهذه الجراثيم أو لينشر بينهم الحيوانات التي تحمل تلك الجراثيم، ففي هذه الحالة يجب أن تُفسَّر كلمة «تكلِّمهم» على أنها مشتقة من «الكَلِم» أي الجرح كما قرأها بعضهم كذلك(269).

وعلى كل حال فالآية من الآيات الاجتماعية البارزة في القرآن الكريم والتي تتضمّن أصلاً هاماً من أصول الاجتماع، ولا علاقة لها من قريب ولا من بعيد برجعة عليّ بن أبي طالب أو غيره، وإنه لمن المخجل حقاً أن تُؤوَّل هذه الآية الثمينة الدالّة على معنى اجتماعي يتضمّن حلاً لأهم المشاكل الاجتماعية المهمّة بمثل تلك الأسطورة.

36 - [تفسير القمي] ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [غافر:11] قال الصادق عليه السلام: [ذلك في «الرَّجْعَة»](270).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

توضيحٌ: سياق الآية المذكورة هو التالي: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [غافر:10-11].

فمعنى ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ [غافر:11] ربنا خلقتنا في البدء أمواتاً ثم وهبتَ لنا الحياة فأحييتنا وبعد ذلك أمتَّنا في الدنيا ثم أحييتنا ثانيةً للبعث والنشور يوم القيامة ﴿ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ﴾ [غافر:11]، وهذا السؤال جوابه مقدّرٌ محذوفٌ يدلُّ عليه سياق الكلام وتقديره «لا سبيل إلى خروجكم»، أي لا سبيل إلى عودتكم إلى الدنيا لأنكم كذّبتم من دعاكم إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، ولو دعاكم إلى أن تشركوا بالله أصناماً ومعبودات أخرى لصدّقتموه وأجبتموه، فالحكم فيكم اليوم لِـلَّهِ العليِّ القدير. هذا رغم أن بعض المفسّرين احتمل تفسيراً آخر لقوله تعالى: ﴿ فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ؟ ﴾ ولكن لما كانت أفضل طريقة لفهم القرآن هي العودة إلى القرآن ذاته لذا فإننا بالرجوع إلى قوله تعالى: ﴿ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [الأنعام:28-29].

الذي يتضمن مقالة الكفار في الآخرة يظهر لنا أن جملة: ﴿ فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ؟ ﴾ متمِّمة -كما قلنا- لمقالة الكفار والمراد منها طلب الكفار أن يعودوا إلى الدنيا، كما فسّرها بذلك -جازماً- كلٌّ من الزمخشري في «الكشاف» والبيضاوي في تفسيره وفسّرها على سبيل الاحتمال الشيخ الطبرسي في «مجمع البيان»، ومن هنا يمكننا أن نعتبر هذه الآية -التي يظنُّها القائلون بالرجعة من الأدلّة القويّة على قولهم- دليلاً على نفي «الرَّجْعَة».

نعم لقد أوّل القائلون بالرجعة آية: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ [غافر:11] فتلاعبوا بمعناها منذ البداية وأوّلوها تأويلاً خاطئاً ليجعلوها دليلاً على «الرَّجْعَة» فقالوا أن الموتتين هما الموت الأول في الدنيا والموت الثاني بعد «الرَّجْعَة»، والحياتين الحياة عند الرجعة والحياة الجديدة يوم القيامة، ثم ذكروا عدة روايات، من جملتها الرواية المذكورة هنا، دليلاً على تفسيرهم المذكور، ثم إن بعض العلماء المعاصرين لما اعتبروا أن فهم القرآن منحصر في الأخبار -دون رعاية لصحيحها وسقيمها- جمدوا على هذه الأخبار الضعيفة فاعتبروا الآيةً المذكورة مثبتةً للرجعة، ولو أنهم عادوا إلى القرآن الكريم وانتبهوا قليلاً إلى سائر آياته ولاحظوا قوله تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة:28]، التي تفسّر الآية المذكورة وتبينها بكل وضوح لما وقعوا في ذلك الاشتباه، فالآية الأخيرة تقول في مقام بيان السير التكاملي لبني البشر أن للإنسان موتتين: موتٌ قبل الخلقة وموتةٌ بعد الخلقة، وحياتين: حياة في الدنيا وحياة في الآخرة، وهذا بلا أي شبهة يُنزّل على معنى آية: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ [غافر:11] التي تدل على موتتين وحياتين للإنسان، أي المُستفاد من آية: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ﴾ [البقرة:28] هو أن الله يقول موبّخاً الكفار: كيف تُنكِرون المبدأ والمعاد وتجعلون الموت والحياة من أفعال الطبيعة رغم تلك التطورات التي تشاهدونها بأنفسكم، وفي آية: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ [غافر:11] يريد أن يقول إن ما ينكره المشركون في الدنيا (أي إنكارهم الحياة الأخروية وإنكارهم استناد الموت والحياة الدنيوية إلى الله) سيصدقون به يوم القيامة عندما يواجهون في الآخرة عذاب الله، أي أن المشركين بقولهم: ﴿ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ يريدون أن يقولوا: [يا رب خلقتنا في البداية كائنات ميتة ثم أحييتنا ثم أمتنا ثانية ثم ها أنت أحييتنا ثانية، فاعترفنا بذنوبنا].

فعُلِمَ مما سبق أن المقصود من قوله تعالى: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ هو عين المقصود من آية: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ باللهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ ولا علاقة لتلك الآية بالرجعة.

وقد يُشكل أحدهم على ما ذكرناه بأن آية: ﴿ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ تتضمن إماتتين وإحيائين في حين أن آية: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله ﴾ تدل على موت واحد وإحيائين فكيف تكون مفسرة للآية السابقة؟ فنقول: إن كلمة «إماتة» كما تستعمل في معنى «إنهاء الحياة» تُستعمل أيضاً -كما يذكر ذلك الزمخشري في تفسيره الكشاف (ص274) والآلوسي في تفسيره روح المعاني (ج24/ص46) والبيضاوي في تفسيره (ص224)- بمعنى إيجاد الشيء ميتاً وجعل الشيء معدوم للحياة، وذلك مثل كلمة «تصغير» و«تكبير» اللتان تُستخدمان بمعنى تصغير الشيء بعد أن كان كبيراً أو تكبيره بعد أن كان صغيراً، كما تُستعمل في جعل الشيء من الأصل صغيراً أو كبيراً كما في قول القائل: [سبحان مَن صغّر جسم البعوضة وكبّر جسم الفيل] وبناء على ذلك فمعنى آية: ﴿ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ هو موت وإماتة، مثلما هو معنى آية: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله ﴾، أما إذا أُريد من ﴿ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ إماتتان أي إماتة في الدنيا وإماتة بعد الرجعة، فلا بد أن يكون للإنسان على هذا ثلاث إحياءات، وهذا المعنى يُخالف صريح القرآن.

37- [تفسير القمي] أبي عن النضر عن يحيى الحلبي عن عبد الحميد الطائي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليه السلام في قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص:85]، قال: يرجع إليكم نبيكم (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ)(271).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «يحيى الحلبي» مهمل ومجهول، و«أبو خالد الكابلي» ذكر صاحب «الحاوي» أنه ضعيف(272).

حُكْمُ الحديث: (ضعيفٌ: مهملٌ).

38 - [تفسير القمِّيّ] جعفر بن أحمد عن عبيد الله بن موسى عن «الحسن بن علي بن أبي حمزة» عن أبيه عن أبي بصير [في قوله: ﴿ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ ﴾ [الطارق:10]؟ قال: ما له قوة يَقْوَى بها على خالقه ولا ناصر من الله ينصره إن أراد به سوءاً. قلتُ: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴾ [الطارق:15]، قال كادوا رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) وكادوا عليّاً عليه السلام وكادوا فاطمة عليها السلام فقال الله: يا محمد! ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾ [الطارق:15-17]، لو قد بعث القائم (ع) فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أمية وسائر الناس](273).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «الحسن بن علي بن أبي حمزة» اتفق علماء الرجال على أنه كان واقفياً وعدّه ابن الغضائري والعلامة وابن داود ضعيفاً، وقال الكشي: قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن ابن فضال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني فقال: كذَّابٌ ملعونٌ(274). وثانياً: «علي بن أبي حمزة» واقفيٌّ باتفاق أغلب علماء الرجال، وكذّابٌ ومُتَّهمٌ في دينه لدى بعضهم(275).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

39- [تفسير القمي] بالإسناد المتقدم عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام [في قوله ﴿ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى ﴾ [الضحى:4] قال يعني الكرَّة هي الآخرة للنبي (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ])(276)

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

40- [عيون أخبار الرضا عليه السلام] تميم القريشي عن أبيه عن أحمد الأنصاري عن الحسن بن الجهم قال: [قال المأمون للرضا عليه السلام: يا أبا الحسن! ما تقول في الرجعة فقال عليه السلام: إنها الحق قد كانت في الأمم السالفة ونطق بها القرآن وقد قال رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.](277).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «تميم القريشي» عدّه العلامة في «الخلاصة» والمجلسي في الوجيزة وابن داود وابن الغضائري من الضعفاء(278). وثانياً: «عبد الله بن تميم» مهمل في الظاهر.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

41 - [معاني الأخبار] أبي عن سعد عن البرقي عن محمد بن علي الكوفي عن سفيان عن فراس عن الشعبي قال: [قال ابن الكواء لعلي صلى الله عليه يا أمير المؤمنين! أرأيت قولك العجب كل العجب بين جمادى ورجب؟؟ قال: ويحك يا أعور! هو جمع أشتات ونشر أموات وحصد نبات وهنات بعد هنات مهلكات مبيرات لست أنا ولا أنت هناك](279).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن علي الكوفي» ذكر الشيخ في «الفهرست» والكشي في رجاله أن محمد بن علي الصيرفي الكوفي المعروف بـ«أبو سمينة» غال ومدلِّس، وعن الفضل بن شاذان في بعض كتبه: الكذَّابون المشهورون: أبو الخطاب ويونس بن ظبيان ويزيد الصايغ ومحمد بن سنان ومحمد ين علي الكوفي (أبو سمينة)، وأبو سمينة أشهرهم (280).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

42 - [معاني الأخبار] ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن صالح بن ميثم عن عباية الأسدي قال: [سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه -وهو مشتكي وأنا قائم عليه-: لأبْنِيَنَّ بمصر منبراً ولأنقضنَّ دمشق حجراً حجراً ولأخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب ولأسوقنَّ العرب بعصاي هذه. قال: قلتُ له يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعد ما تموت! فقال: هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني!(281])(282)

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عثمان بن عيسى» ذكر الفاضل الجزائري في «الحاوي» والمحقق في «المعتبر» والمحقق الأردبيلي في «مجمع الفائدة» والفاضل المقداد في «التنقيح» والعلامة في القسم الثاني من «الخلاصة» وصاحب المدارك أن عثمان بن عيسى ضعيفٌ وواقفيٌّ(283).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

43 - [تفسير القمي] أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام: في قوله ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ﴾ [آل عمران:81]، قال: [ما بعث الله نبيّاً من لدن آدم إلا ويرجع إلى الدنيا فينصر أمير المؤمنين! وقوله ﴿ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ﴾ يعني رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) ﴿ ولَتَنْصُرُنَّهُ ﴾ يعني أمير المؤمنين عليه السلام](284).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عبد الله بن مسكان» رغم أن علماء الرِّجال وثَّقوه، إلا أن الكشي روى عن يونس أن عبد الله بن مسكان لم يسمع من الصادق عليه السلام إلا حديث: (من أدرك المشعر فقد أدرك الحج)، ونقل المرحوم العلامة هذا القول ذاته عن النجاشي. كما ذكر الكشي في رجاله أن أبا النضر محمد بن مسعود زعم أن ابن مسكان كان لا يدخل على أبي عبد الله عليه السلام شفقة أن لا يوفيه حق إجلاله، وكان يسمع من أصحابه، ويأبى أن يدخل عليه إجلالاً له وإعظاماً.(285).

وبناء على ذلك يمكننا أن نقول أن الروايات التي جاء فيها رواية عبد الله بن مسكان عن الإمام الصدق بلا واسطة هي من جملة هذه الروايات التي لم يكن يسمعها من الصادق مباشرة بل كان يسمعها من أصحابه، فهي جميعاً مرسلةٌ.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

44- [تفسير القمي] أبي عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر قال: [ذُكِرَ عند أبي جعفر عليه السلام جابرٌ، فقال: رحم الله جابراً لقد بلغ من علمه أنه كان يعرف تأويل هذه الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص:85] يعني الرجعة](286).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عمرو بن شمر» ذكر النجاشي أنه ضعيف جداً وقال: زِيْدَ أحاديث في كتب جابر الجعفي يُنسب بعضها إليه [أي كان يضع أحاديث باسم جابر]، وعده العلامة وابن الغضائري أيضاً ضعيفاً (287).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

45- [الخرائج والجرائح] سهل بن زياد عن ابن محبوب عن ابن فضيل عن سعد الجلاب عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: [قال الحسين عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل إن رسول الله قال لي يا بني إنك ستساق إلى العراق وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين وهي أرض تُدعى عمورا وإنك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد وتلا قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ يكون الحرب بردا وسلاما عليك وعليهم فأبشروا فوالله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا قال ثم أمكث ما شاء الله فأكون أول من ينشق الأرض عنه فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمنا ثم لينزلن على وفد من السماء من عند الله لم ينزلوا إلى الأرض قط ولينزلن إلى جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة ولينزلن محمد وعلي وأنا وأخي وجميع من من الله عليه في حمولات من حمولات الرب خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق ثم ليهزن محمد لواءه وليدفعنه إلى قائمنا مع سيفه ثم إنا نمكث من بعد ذلك ما شاء الله ثم إن الله يخرج من مسجد الكوفة عينا من دهن وعينا من ماء وعينا من لبن ثم إن أمير المؤمنين عليه السلام يدفع إلي سيف رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) ويبعثني إلى المشرق والمغرب فلا آتي على عدو لله إلا أهرقت دمه ولا أدع صنماً إلا أحرقته حتى أقع إلى الهند فأفتحها... (إلى قوله).. ولا يبقى رجل من شيعتنا إلا أنزل الله إليه ملكا يمسح عن وجهه التراب ويعرفه أزواجه ومنزلته في الجنة.. الخ](288).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «سهل بن زياد» الرازي غالٍ وضَّاعٌ للحديث، وذكر النجاشي وابن الغضائري أنه ضعيفٌ في الحديث غيرُ معتمد عليه فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها. وجاء في «تحرير الطاووسي» و«رجال الكشِّيّ» أن الفضل بن شاذان كان لا يرتضي أبا سعيد (سهل بن زياد) الآدمي ويقول: "هو أحمق"، وضعَّفه سائر علماء الرِّجال والفقهاء كالشيخ في «الفهرست» والعلامة في «الخلاصة» والمحقِّق في «الشرائع» والشهيد الثاني وصاحب المدارك والمحقق الأردبيلي والمحقق السبزواري والشيخ البهائي والملا صالح المازندراني و... (289). وثانياً: «محمد بن فُضيل»: ذكر الشيخ في رجاله والعلامة في «الخلاصة» وابن داود أنه كان غالياً (290).وثالثاً: «جابر بن يزيد الجعفي» تقدّم الكلام عليه في ترجمة رواة الرواية رقم (7) فراجعه.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

46 - [مُنْتَخَب البصائر] مما رواه لي السيد علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد الحسني بإسناده عن سهل (أي سهل بن زياد) مثله.

تَرْجَمَةُ الرُّواة: تقدّم الكلام على «سهل بن زياد» في الرواية السابقة.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

47- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن أبي الخطاب وابن يزيد عن أحمد بن الحسن الميثمي عن محمد بن الحسين عن أبان بن عثمان عن موسى الحناط قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: [أيام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم (ع) ويوم الكرَّة ويوم القيامة](291).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «موسى بن سعدان الحنّاط»: ضعيفٌ في مذهبه غلوٌّ كما نصَّ عليه ابن الغضائري والعلامة في «الخلاصة», واعتبره النجاشي وابن داود أيضاً ضعيفاً في الحديث(292).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

48 - وعن سعد عن ابن يزيد عن محمد بن الحسن الميثمي عن مثنى الحناط عن أبي جعفر عليه السلام مثله.

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «مثنى الحنّاط» إماميّ حاله مجهول(293).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

49 - [معاني الأخبار] أبي عن الحميري عن ابن هاشم عن ابن أبي عمير عن المثنى (الحنَّاط) مثله.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

50 - [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن عيسى عن عمر بن عبد العزيز عن رجل عن جميل بن دراج عن المعلى بن خنيس وزيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قالا سمعناه يقول: [إن أول من يكرُّ في الرجعة الحسين بن عليّ عليه السلام ويمكث في الأرض أربعين سنة حتى يسقط حاجباه على عينيه](294).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «المعلّى بن خُنيس» تقدّم الكلام عليه في التعليق على رواة الحديث رقم (22) وأنه من الغلاة فراجعه ثمة.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف ومرسل).

51 - [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل بن جميل عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال ليس من مؤمن إلا وله قتلة وموتة، إنه من قُتِل نُشِر حتى يموت ومن مات نُشِر حتى يُقِتَل ثم تلوت على أبي جعفر عليه السلام هذه الآية: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران:185]، فقال: ﴿ وَمَنْشُورَةٌ ﴾ قلتُ قولك ﴿ وَمَنْشُورَةٌ ﴾ ما هو؟؟ فقال هكذا أنزل بها جبرئيل على محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَمَنْشُورَةٌ ﴾!...الحديث](295).

 تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن سنان» و«منخل بن جميل» كلاهما من الغلاة وتقدّم الكلام عليهما في التعليق على الحديثين رقم (10) و(12) فراجعه.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

52- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن ابن عميرة عن أبي داود عن بريدة الأسلمي قال: [قال رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) كيف أنت إذا استيأست أمتي من المهدي فيأتيها مثل قرن الشمس يستبشر به أهل السماء وأهل الأرض؟. فقلت: يا رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ)! بعد الموت؟ فقال: والله إن بعد الموت(296) هدىً وإيماناً ونوراً. قلتُ: يا رسول الله! أيُّ العُمْرَيْن أطول؟ قال: الآخر بالضعف](297).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «بريدة الأسلمي» مجهول الحال(298).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

53- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن عيسى عن عمر بن عبد العزيز عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له: [قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ [غافر:51]؟

 قال ذلك والله في «الرَّجْعَة»، أما علمتَ أن في أنبياء الله كثيراً لم يُنْصَروا في الدنيا وقُتِلُوا وأئمَّةٌ قد قُتِلُوا ولم يُنْصَروا؟ فذلك في «الرَّجْعَة». قلتُ: ﴿ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴾ [ق:41-42]؟ قال: هي «الرَّجْعَة»](299).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عمر بن عبد العزيز» تقدّم الكلام عليه في الحديث رقم (32).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

 54- [تفسير القمي] أحمد بن إدريس عن ابن عيسى مثله وفيه: (والأئمة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا في الدنيا.).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

55- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى وابن أبي الخطاب جميعاً عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن زرارة عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام في حديث طويل آخرُهُ قولُ الإمام: [.. إن مَنْ قُتِلَ لا بدَّ أن يرجع إلى الدنيا حتى يذوق الموت](300).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عبد الله بن محمد بن عيسى» مهمل ومجهول الحال(301).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

56 - [تفسير العياشي] عن زرارة مثله.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

57 - [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن أبي الخطاب عن الصفوان [عن الرضا عليه السلام قال سمعته يقول في الرجعة من مات من المؤمنين قُتِلَ ومَنْ قُتِلَ منهم مات](302).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: رواة هذا الحديث من الثِّقاة.

حُكْمُ الحديث: (حسن).

58- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن أبي جميلة عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام قال إنه بلغ رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) عن بطنين من قريش كلامٌ تكلّموا به فقال يرى محمد أن لو قد قضى أن هذا الأمر يعود في أهل بيته من بعده فأعلم رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) ذلك فباح في مجمع من قريش بما كان يكتمه فقال كيف أنتم معاشر قريش وقد كفرتم بعدي ثم رأيتموني في كتيبةٍ من أصحابي أضرب وجوهكم ورقابكم بالسيف... الحديث](303).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «عبد الله بن محمد بن عيسى» تقدّم الكلام عليه عند الحديث رقم (55) فراجعه. وثانياً: «أبو جميلة المفضّل بن صالح»: ضعيفٌ، كذَّابٌ، يضع الحديث كما ذكر ذلك عنه ابن الغضائري والعلامة في «الخلاصة»، وعدّه سائر علماء الرِّجال كالنجاشي وابن داود والمجلسي و... ضعيفاً وبعضهم عدَّه غالياً (304).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

59 - [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن عيسى عن اليقطيني عن علي بن الحكم عن المثنى بن الوليد عن أبي بصير عن أحدهما (ع) في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء:72]؟ قال: في «الرَّجْعَة»](305).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن عيسى اليقطيني» تقدّم الكلام عليه في الرواية رقم (5).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

 60- [تفسير العياشي] عن علي الحلبي عن أبي بصير مثله.

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «علي الحلبي» مهمل وحاله مجهول.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

61 - [مُنْتَخَب البصائر] بهذا الإسناد عن علي بن الحكم عن رفاعة عن عبد الله بن عطا عن أبي جعفر عليه السلام قال: [كنت مريضا بمنى وأبي عليه السلام عندي فجاءه الغلام فقال هاهنا رهط من العراقيين يسألون الإذن عليك فقال أبي عليه السلام أدخلهم الفسطاط وقام إليهم فدخل عليهم فما لبث أن سمعت ضحك أبي عليه السلام قد ارتفع فأنكرت ووجدت في نفسي من ضحكه وأنا في تلك الحال ثم عاد إليَّ فقال: يا أبا جعفر! عساك وجدت في نفسك من ضحكي فقلتُ: وما الذي غلبك منه الضحك جُعلت فداك؟! فقال: إن هؤلاء العراقيين سألوني عن أمر كان مضى من آبائك وسلفك يؤمنون به ويقرُّون فغلبني الضحك سرورا أن في الخلق من يؤمن به ويقرّ. فقلتُ: وما هو جُعلت فداك؟! قال: سألوني عن الأموات متى يبعثون فيقاتلون الأحياء على الدين](306).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عبد الله بن عطا» مهمل ومجهول الحال.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مهمل).

 62- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن السندي بن محمد عن صفوان عن رفاعة مثله.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مهمل).

63- [مُنْتَخَب البصائر] بالإسناد عن علي بن الحكم عن حنان بن سدير عن أبيه قال: [سألت أبا جعفر عن الرجعة فقال: القدرية تنكرها ثلاثاً](307).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «حنان بن سُدير» غالٍ من «الكيسانية» كما يذكر صاحب تنقيح المقال، و«واقفيّ» حسبما يذكر الشيخ الطوسي والعلامة الحلي وابن داود (308).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

64- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن أبي الخطاب عن وهيب بن حفص عن أبي بصير قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلتُ: إنا نتحدث أن عمر بن ذر لا يموت حتى يقاتل قائم آل محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ)؟ فقال: [إن مثل ابن ذر مثل رجل كان في بني إسرائيل يقال له عبد ربّه وكان يدعو أصحابه إلى ضلالة فمات فكانوا يلوذون بقبره ويتحدّثون عنده إذا خرج عليهم من قبره ينفض التراب من رأسه ويقول لهم كيت وكيت](309).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «وهيب بن حفص» إماميّ مجهول الحال(310).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

65- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن هشام عن البرقي عن محمد بن سنان أو غيره عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام: [قال رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) لقد أسرى بي ربي عزَّ وجلَّ فأوحى إليَّ من وراء حجاب ما أوحى.... (إلى قوله)..يا محمد! عليٌّ أول ما آخذ ميثاقه من الأئمة، يا محمد! عليٌّ آخر من أقبض روحه من الأئمة وهو الدابة التي تكلّمهم. يا محمد! عليٌّ أظهره على جميع ما أوحيه إليك ليس لك أن تكتم منه شيئاً. يا محمد! أبطنه الذي أسررته إليك فليس ما بيني وبينك سر دونه... الحديث](311).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن سنان» تقدّم الكلام عليه أكثر من مرة وأنه من «الغُلاة» فانظر التعليق على حديث رقم (10).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

66- [مُنْتَخَب البصائر] من كتاب سليم بن قيس الهلالي رحمة الله عليه الذي رواه عنه أبان بن أبي عياش وقرأ جميعه على سيدنا علي بن الحسين عليه السلام بحضور جماعة أعيان من الصحابة منهم أبو الطفيل فأقره عليه زين العابدين عليه السلام وقال: [هذه أحاديثنا صحيحة قال أبّان لقيتُ أبا الطفيل بعد ذلك في منزله فحدّثني في الرجعة عن أناس من أهل بدر وعن سلمان والمقداد وأبي بن كعب وقال أبو الطفيل فعرضتُ هذا الذي سمعته منهم على عليِّ بن أبي طالب سلام الله عليه بالكوفة فقال هذا علمٌ خاصٌّ لا يسع الأمّة جهله ورُدَّ علمه إلى الله تعالى ثم صدَّقَني بكل ما حدثوني.... (إلى قوله).. فقلت يا أمير المؤمنين قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ﴾ [النمل:82] ما الدابة؟! قال:.. هي دابّةٌ تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وتنكح النساء. فقلتُ: يا أمير المؤمنين! من هو؟؟ قال: هو زر الأرض الذي تسكن الأرض به. قلتُ: يا أمير المؤمنين! من هو؟؟ قال: صدِّيق هذه الأمة وفاروقها ورِبيّها وذو قرنيها!... إلى آخر الحديث](312).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «أبّان بن أبي عيّاش»: تابعيٌّ ضعيفٌ جداً كما قال العلامة في «الخلاصة»، وقال السيد علي بن أحمد العقيقي في كتاب الرجال أنه كان فاسد المذهب، وقال ابن الغضائري: ضعيفٌ لا يُلتَفَت إليه، وينسب أصحابنا وضع كتاب «سليم ابن قيس» إليه(313).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

67- [تفسير العياشي] عن سلام بن المستنير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [لقد تسموا باسم ما سمى الله به أحداً إلا علي بن أبي طالب وما جاء تأويله. قلتُ: جُعلت فداك! متى يجي‏ء تأويله؟ قال إذا جاءت جمع الله أمامه النبيين والمؤمنين حتى ينصروه وهو قول الله: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران:81]، فيومئذ يدفع رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) اللواء إلى عليِّ بن أبي طالب عليه السلام فيكون أمير الخلائق كلهم أجمعين يكون الخلائق كلهم تحت لوائه ويكون هو أميرهم فهذا تأويله](314).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «سلام بن مستنير» إماميّ حاله مجهول(315).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

68- [تفسير العياشي] عن زرارة قال أبو جعفر عليه السلام: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران:185]: لم يذق الموت من قُتِلَ، وقال: لا بد من أن يرجع حتى يذوق الموت](316).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: راجع ما ذكرناه عن «العياشي» عند التعليق على الحديث رقم (24).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

69- [تفسير العياشي] عن سيرين قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ قال: [ما يقول الناس في هذه الآية: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ﴾ [النحل:38]؟ قال: يقولون لا قيامة ولا بعث ولا نشور؟ فقال: كذبوا والله إنما ذلك إذا قام القائم وكرَّ(317) معه المكرون... الحديث](318).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «سيرين» لا ذكر لاسمه في كتب الرجال.

حُكْمُ الحديث: (ضعيفٌ، مُهْمَلٌ).

70- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن أبي الخطاب عن وهيب بن حفص عن أبي بصير قال: [سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:111].

فقال: ذلك في الميثاق ثم قرأتُ ﴿ التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ ﴾ فقال أبو جعفر عليه السلام لا تقرأ هكذا ولكن اقرأ ﴿ التائبين العابدين ﴾ إلى آخر الآية. ثم قال: إذا رأيت هؤلاء فعند ذلك هم الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم يعني في «الرَّجْعَة» ثم قال أبو جعفر عليه السلام ما من مؤمن إلا وله ميتة وقتلة؛ من مات بعث حتى يقتل ومن قتل بعث حتى يموت](319).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «وهيب بن حفص» تقدّم الكلام عليه عند التعليق على الحديث رقم (64) فراجعه.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

71 - [تفسير العياشي] عن أبي بصير مثله.

تَرْجَمَةُ الرُّواة: انظر ما ذكرناه عن العياشي عند التعليق على الحديث رقم (24).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

72- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن عيسى وابن عبد الجبار وأحمد بن الحسن بن فضال جميعاً عن الحسن بن علي بن فضال عن حميد بن المثنى عن شعيب الحذاء عن أبي الصباح قال سألت أبا جعفر عليه السلام فقلتُ: جُعِلْتُ فِداكَ! أكره أن أسميها له. فقال لي: [هو عن الكرَّات تسألني؟ فقلتُ: نعم! فقال: تلك القدرة ولا ينكرها إلا القدرية، لا تنكر تلك القدرة، لا تنكرها.. الحديث](320).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «الحسن بن علي فضال» رغم توثيق جماعة له بل قوله بجلالته إلا أنَّ بن إدريس وصاحب المدارك اعتبروه كافراً ملعوناً وقالوا إنه كان «فطحياً» (321). و«شعيب الحذّاء» مجهول الحال.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

73- [مُنْتَخَب البصائر] ابن عيسى عن الحسن عن الحسين بن علوان عن محمد بن داود العبدي عن الأصبغ بن نباتة: [أن عبد الله بن أبي بكر اليشكري قام إلى أمير المؤمنين سلام الله عليه فقال: يا أمير المؤمنين! إن أبا المعتمر تكلَّم آنفا بكلام لا يحتمله قلبي! فقال: وما ذاك؟ قال: يزعم أنك حدثته أنك سمعت رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) يقول إنا قد رأينا أو سمعنا برجل أكبر سنا من أبيه!! فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فهذا الذي كَبُرَ عليك؟ قال: نعم فهل تؤمن أنت بهذا وتعرفه؟ فقال: نعم ويلك يا ابن الكواء اِفْقَهْ عني أخبرك عن ذلك، إن عزيراً خرج من أهله وامرأته في شهرها وله يومئذ خمسون سنة فلما ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بذنبه أماته مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ فرجع إلى أهله وهو ابن خمسين سنة فاستقبله ابنه وهو ابن مائة سنة ورد الله عزيراً إلى الذي كان به... إلى آخر الحديث](322).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «الحسين بن علوان»: عدَّه العلامة في القسم الثاني من «الخلاصة» والفاضل الجزائري في «الحاوي» من الضعفاء(323). وثانياً: «محمد بن داود العبدي» مهمل ومجهول، وثالثاً: «عبد الله بن أبي بكر» إماميّ لكن حاله مجهول(324).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

74- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن أبي الخطاب عن أبي خالد القماط عن عبد الرحمن القصير [عن أبي جعفر عليه السلام قال قرأ هذه الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:111].

فقال: هل تدري من يعني؟ فقلتُ: يقاتل المؤمنون فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ. فقال: لا! ولكن من قُتِل من المؤمنين رُدَّ حتى يموت ومن مات رُدَّ حتى يُقتَل. وتلك القدرة فلا تنكرها](325).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: لدينا أربعة أشخاص يُكنّون بـ«أبي خالد القمّاط» وهم: 1- خالد بن زيد أبو خالد القمّاط، 2- خالد بن يزيد أبو خالد القمّاط، 3- صالح أبو خالد القمّاط، 4- خالد بن سعيد أبو خالد القمّاط: فالأخير ثقة والبقية حالهم مجهول، ورغم كثرة البحث لم أستطع أن أقف على ما يميّزهم لذا فالراوي مجهول الحال. و«عبد الرحمن القصير» مجهول الحال(326).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

75- [تفسير العياشي] عن عبد الرحيم مثله.

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عبد الرحيم» لدينا عديدٌ من الرواة يحملون هذا الاسم والثقة الوحيد فيهم هو «عبد الرحيم بن عبد ربه»، أما «عبد الرحيم القصير» فهو حسن والبقية حالهم مجهول، ورغم شدة التفحّص لم أقف على ما يميِّز عبد الرحيم هذا الذي ذكره العياشي، ولما كان العياشي ينقل أغلب أخباره عن الضعفاء -كما بيّنا ذلك فيما سبق-؛ لذا لا يمكننا الاطمئنان إلى كون عبد الرحيم هذا هو عبد الرحيم الثقة أو الحسن، وعلى كل حال فالراوي مجهول.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

76 - [مُنْتَخَب البصائر] بهذا الإسناد عن أبي خالد القماط عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: [قلت له كان في بني إسرائيل شي‏ء لا يكون هاهنا مثله؟ فقال: لا! فقلتُ: فحدثني عن قول الله عزَّ وجلَّ:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ﴾ [البقرة:243] حتى نظر الناس إليهم ثم أماتهم من يومهم أو ردّهم إلى الدنيا؟ فقال: بل ردهم إلى الدنيا حتى سكنوا الدور وأكلوا الطعام ونكحوا النساء ولبثوا بذلك ما شاء الله ثم ماتوا بالآجال](327).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «أبو خالد القمّاط»، و«حمران بن أعين» تقدّمت ترجمتهما عند التعليق على الحديث رقم (74) و(1) على الترتيب.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

77- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن عيسى عن اليقطيني عن الحسين بن سفيان عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [إن لعليّ عليه السلام في الأرض كرّة مع الحسين ابنه صلوات الله عليهما يقبل برايته حتى ينتقم له من بني أمية ومعاوية وآل معاوية ومن شهد حربه، ثم يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً ومن سائر الناس سبعين ألفاً فيلقاهم بصفّين مثل المرّة الأولى حتى يقتلهم ولا يبقى منهم مخبراً ثم يبعثهم الله عزَّ وجلَّ فيدخلهم أشدّ عذابه مع فرعون وآل فرعون ثم كرّة أخرى مع رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) حتى يكون خليفة في الأرض وتكون الأئمة عليهم السلام عمّاله وحتى يبعثه الله علانيةً فتكون عبادته علانيةً في الأرض كما عبد الله سرّاً في الأرض ثم قال: إي والله وأضعاف ذلك، ثم عقد بيده أضعافاً يعطي الله نبيه (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) ملك جميع أهل الدنيا منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم يفنيها حتى ينجز له موعودة في كتابه كما قال لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ](328).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «اليقطيني» و«عمرو بن شمر» و«جابر بن يزيد الجعفي» كلهم ضعفاء سبق بيان حالهم في التعليق على الأحاديث ذات الأرقام (5) و(44) و(7) على الترتيب، فراجعها.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

78- [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن موسى بن عمر عن عثمان بن عيسى عن خالد بن يحيى قال: [قلت لأبي عبد الله عليه السلام سمى رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) أبا بكر صديقاً؟ فقال: نعم إنه حيث كان معه أبو بكر في الغار قال رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) إني لأرى سفينة بني عبد المطلب تضطرب في البحر ضالة. فقال له أبو بكر: وإنك لتراها؟ قال: نعم! فقال: يا رسول الله! تقدر أن ترينيها؟ فقال: ادن مني، فدنا منه فمسح يده على عينيه ثم قال له انظر فنظر أبو بكر فرأى السفينة تضطرب في البحر ثم نظر إلى قصور أهل المدينة فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر! فقال له رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ): صدِّيق أنت. فقلتُ: لم سمِّي عمر الفاروق؟ قال: نعم! ألا ترى أنه قد فرق بين الحق والباطل وأخذ الناس بالباطل؟ فقلتُ: فلم سمي سالما الأمين؟ قال: لما أن كتبوا الكتب ووضعوها على يد سالم فصار الأمين. قلتُ: فقال اتقوا دعوة سعد؟ قال: نعم! قلتُ: وكيف ذلك؟ قال: إن سعداً يكرّ فيقاتل عليَّاً عليه السلام!](329).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عثمان بن عيسى» سبق بيان ضعف حاله عند التعليق على الحديث (42).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

79 - [الغيبة للشيخ الطوسي] محمد الحميري عن أبيه عن علي بن سليمان بن رشيد عن الحسن بن علي الخزاز قال دخل عليُّ بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له أنت إمام؟ قال: نعم. فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد عليه السلام يقول لا يكون الإمام إلا وله عقب. فقال: أنسيت يا شيخ أم تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر، إنما قال جعفر: لا يكون الإمام إلا وله عقب إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن عليّ عليه السلام فإنه لا عقب له. فقال له: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدك يقول](330).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «علي بن سليمان بن رشيد» إمامي حاله مجهول(331). ثانياً: «علي بن أبي حمزة سالم البطائني» واقفي باتفاق علماء الرِّجال، واعتبره بعضهم، كابن الغضائري، كذّاباً ملعوناً متهماً في روايته(332).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

80 - [تفسير العياشي] عن رفاعة بن موسى قال قال أبو عبد الله عليه السلام: [إن أول من يكر إلى الدنيا الحسين بن عليّ عليه السلام وأصحابه ويزيد بن معاوية وأصحابه فيقتلهم حذو القذة بالقذة ثم قال أبو عبد الله عليه السلام:

﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ [الإسراء:6]](333).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «العياشيّ» تقدّم الكلام عليه في التعليق على الحديث رقم (24).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

توضيحٌ: سياق الآية التي ذكرها هو:

﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ﴾ [الإسراء:4-7].

هذه الآيات، كسائر قصص القرآن، رغم بيانها لقصة تاريخية محددة، إلا أن معناها يتضمن بيان فلسفة التاريخ كالقصص التي يذكرها علماء الاجتماع والأخلاق، فالآية ترشدنا إلى عاقبة الظلم والنتائج السيئة للفساد في الأرض والتكبر فيها، وتخبرنا عن المنقلب السيئ لمن يُعرِضون عن الله ورسوله، كما تُبيِّن لنا فوائد الصلاح والإحسان، وباختصار تدلنا على طريق الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.

إذا علمتَ ذلك عرفتَ أن هذه الآية لا علاقة لها بالرجعة إطلاقاً، وإنه لمن العجيب المحيّر فعلاً درجة المغالطة التي يقوم بها «الغُلاة» في هذه القصّة! وكيف أنهم لشدّة هوسهم بإثبات «الرَّجْعَة» أصبحوا كلّما صادفوا كلمة «كرّة» أو «رجوع» أو «حشر» أو «بعث» أو «آخرة» وأمثالها يسارعون فوراً إلى الجزم بأن المقصود منها «الرَّجْعَة»! غافلين عن أن الله تعالى سيقيّض في الوقت المناسب مَن يكشف تلاعبهم بآياته ويبطل أعمالهم السوداء التي أساؤوا فيها إلى الإسلام منذ زمن طويل، ويبرِّئُ رجال الإسلام العظام ممّا نسبوه إليهم ويطهّر المسلمين من وصمة العار تلك.

81 - [كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة] روى الحسن بن أبي الحسن الديلمي بإسناده إلى محمد بن علي عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ ﴾ [القصص:61] قال: [الموعود علي بن أبي طالب وعده الله أن ينتقم له من أعدائه في الدنيا ووعده الجنة له ولأوليائه في الآخرة](334).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «الحسن بن أبي الحسن الديلمي» مهمل ومجهول الحال(335). و«محمد بن علي» حاله مجهول أيضاً.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف(336).

82 - [المجالس للمفيد] الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن إسماعيل بن أبان عن الفضل بن الزبير عن عمران بن ميثم عن عباية الأسدي قال: [سمعت عليّاً عليه السلام يقول: أنا سيّد الشيب وفيَّ سنَّةٌ من أيوب. والله ليجمعن الله لي أهلي كما جمعوا ليعقوب](337).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «إسماعيل بن أبّان» و«الفضل بن الزبير» و«عمران بن ميثم التمّار» كلهم مجهولو الحال(338).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

83 - [رجال الكشي] أبو صالح خلف بن حماد عن سهل بن زياد عن علي بن المغيرة عن أبي جعفر عليه السلام قال: [كأني بعبد الله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء وذؤابتاها بين كتفيه مصعداً في لحف الجبل(339) بين يدي قائمنا أهل البيت في أربعة آلاف مكبّرون ومكرُّون](340).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «سهل بن زياد» تقدّم بيان حاله في التعليق على الحديث رقم (45).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

 84 - [رجال الكشي] عبد الله بن محمد عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: [إني سألت الله في إسماعيل أن يبقيه بعدي فأبى ولكنه قد أعطاني فيه منزلةً أخرى إنه يكون أول منشور في عشرة من أصحابه ومنهم عبد الله بن شريك وهو صاحب لوائه](341).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «سالم بن مُكرم أبو خديجة» غالٍ من أتباع «أبي الخطاب»، وعدّه المرحوم الشيخ في «الفهرست» وابن داود في رجاله من الضعفاء(342).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

85 - [مُنْتَخَب البصائر] سعد عن ابن عيسى وابن أبي الخطاب معا عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن «أبي سلمة سالم بن مكرم الجمال» مثله(343).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

86 - [رجال الكشي] وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار القمي بخطه حدثني الحسن بن أحمد المالكي عن جعفر بن فضيل قال: [قلت لِـ«محمد بن فرات» لقيت أنت الأصبغ؟ قال: نعم لقيته مع أبي فرأيته شيخاً أبيض الرأس واللحية طوالاً قال له أبي: حدثنا بحديث سمعته من أمير المؤمنين عليه السلام؟ قال سمعته يقول على المنبر: أنا سيد الشيب وفي شبه من أيوب وليجمعن الله لي شملي كما جمعه لأيوب!.](344).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «جعفر بن فضيل» مجهول. وثانياً «محمد بن فرات»: ذكره العلامة في القسم الثاني من «الخلاصة»، وقال: (أورد الكشّيّ أخباراً متعددة في ذمّه... وكان محمد بن فرات يدَّعِي أنه بابٌ وأنه نبيٌّ... وقال ابن الغضائري محمد بن فرات بن أحنف ضعيفٌ وابن ضعيفٍ لا يُكتَب حديثه. وذكر الكشي في رجاله عن محمد بن فرات أنه كان يغلو في القول وكان يشرب الخمر. فقتله إبراهيم بن المهدي بن منصور(345).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

87 - [رجال الكشي] طاهر بن عيسى عن الشجاعي عن الحسين بن بشار عن «داود الرقي» قال: [قلت له إني قد كبرت ودق عظمي، أحب أن يختم عمري بقتلٍ فيكم. فقال: وما من هذا بدٌّ إن لم يكن في العاجلة تكون في الآجلة](346).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «داود الرقيّ»: ذكر ابن الغضائري والنجاشي أنه كان فاسد المذهب ضعيف جداً لا يُلتَفَت إليه وأن الغلاة تروي عنه، وعده المحقق البحراني والفاضل الجزائري والشهيد الثاني وابن داود ضعيفاً أيضاً (347).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

88 - [رجال الكشي] أحمد بن محمد بن رباح عن محمد بن عبد الله بن غالب عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب عن عبد الله بن خفقة قال: [قال لي أبان بن تغلب مررت بقوم يعيبون على روايتي عن جعفر عليه السلام قال فقلت كيف تلوموني في روايتي عن رجل ما سألته عن شي‏ء إلا قال قال رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ)، قال فمر صبيان وهم ينشدون العجب كل العجب بين جمادى ورجب فسألته عنه فقال لقاء الأحياء بالأموات](348).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «محمد بن عبد الله بن غالب» بشهادة النجاشي والعلامة وابن داود «واقفيّ». وثانياً: «محمد بن الوليد» فطحيٌّ إلا أن علماء الرجال وثّقوه(349). وثالثاً: «عبد الله بن خفقة» لا ذكر لاسمه في كتب الرجال.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مهمل).

89 - [مُنْتَخَب البصائر] وقفتُ على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن طاوس، ما صورته هذا الكتاب، ذَكَرَ كاتبُه رجلين بعد الصادق عليه السلام فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد المائتين من الهجرة لأنه عليه السلام انتقل بعد سنة 240 من الهجرة وقد روى بعض ما فيه عن «أبي روح فرج بن فروة» عن «مسعدة بن صدقة» عن «جعفر بن محمد» وبعض ما فيه عن غيرهما ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام تسمى «المخزون»، وجاء ضمنها: [.. يا عجبا كل العجب بين جمادى ورجب فقال رجل من شرطة الخميس ما هذا العجب يا أمير المؤمنين؟؟ قال: وما لي لا أعجب وسبق القضاء فيكم وما تفقهون الحديث إلا صوتات بينهن موتات حصد نبات ونشر أموات... إلى آخر الخطبة الطويلة..](350).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(351].

90 - [الكافي] الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى عن محمد بن سالم بن أبي سلمة عن الحسن بن شاذان الواسطي قال: [كتبتُ إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أشكو جفاء أهل واسط وحملهم عليَّ وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني فوقع بخطِّه: إنَّ اللهَ جلَّ ذكره أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فلو قد قام سيد الخلق لقالوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وصَدَقَ المُرْسَلون](352)

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني» اعتبره العلامةُ في القسم الثاني من «الخلاصة» والمجلسيُّ في الوجيزة وابنُ داود وابنُ الغضائري: ضعيفاً(353).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

91 - [تفسير العياشي] عن «صالح بن سهل» عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى ﴿ ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ﴾؟ قال: [خروج الحسين عليه السلام في الكرّة في سبعين رجلاً من أصحابه الذين قتلوا معه عليهم البيض المذهبة لكل بيضة وجهان إلى آخر ما مر في باب الآيات المؤولة بالقائم (ع])(354).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «صالح بن سهل» ذكر ابن الغضائري والكشي والعلامة في القسم الثاني من الخلاصة والسيد طاووس في التحرير وابن داود أنه من «الغُلاة» الوضّاعين للحديث(355).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

92 - [الإرشاد] مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: [أنا سيد الشيب وفي سنة من أيوب وسيجمع الله لي أهلي كما جمع ليعقوب شمله وذلك إذا استدار الفلك وقلتم مات أو هلك..](356).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «مسعدة بن صدقة» عدّه العلامة في الخلاصة والمجلسي في الوجيزة والفاضل الجزائري: من الضعفاء(357).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

93- [منتخب البصائر] سعد عن أحمد بن محمد وعبد الله بن عامر بن سعد عن محمد بن خالد (بن عبد الله البجلي) عن الثمالي قال قال أبو جعفر عليه السلام: [كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من أراد أن يقاتل شيعة الدجال فليقاتل الباكي على دم عثمان والباكي على أهل النهروان، إن من لقي الله مؤمناً بأن عثمان قتل مظلوماً لقي الله عزَّ وجلَّ ساخطاً عليه ولا يدرك الدجّال. فقال رجلٌ: يا أمير المؤمنين! فإن مات قبل ذلك؟! قال: فيبعث من قبره حتى يؤمن به وإن رغم أنفه](358).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن خالد بن عبد الله البجلي» إماميٌّ ولكن حاله مجهول(359).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

94- [علل الشرائع] ماجيلويه عن عمه عن البرقي عن أبيه عن محمد بن سليمان عن داود بن النعمان عن عبد الرحيم القصير قال قال لي أبو جعفر عليه السلام: [أما لو قد قام قائمنا لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة عليها السلام منها.](360).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «أحمد بن محمد بن خالد البرقي» رغم أنه ثقة جليل القدر ولكن - كما ذكر النجاشي والشيخ في «الفهرست» والعلامة في «الخلاصة» -، يروي غالباً عن الضعفاء ويعتمد المراسيل كثيراً، مما جعل القمّيين يطعنون فيه كما نصَّ على ذلك ابن الغضائري، لذا فرواياته غير موثوقة عند العلماء(361). ثانياً: «محمد بن خالد البرقي» ضعّفه جماعة كالنجاشي وابن الغضائري والشهيد الثاني(362). ثالثاً: «محمد بن سليمان الديلمي» من «الغُلاة» وراجع التعليق على الحديث رقم (21). رابعاً «عبد الرحمن القصير» ضعيف في رأي صاحب المعتبر وحسنٌ في رأي جماعة من العلماء(363).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

95- [الإرشاد] روى عبد الكريم الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [إذا آن قيام القائم مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطرا لم تر الخلائق مثله فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب](364).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عبد الكريم الخثعمي»: واقفي باتفاق العلماء، ورغم توثيق جماعة له، إلا أن العلامة في القسم الثاني من الخلاصة نقل عن ابن الغضائري قوله فيه: [إن الواقفة تدعيه، والغلاة تروي عنه كثيراً]، ثم قال العلامة: [والذي أراه التوقف عما يرويه](365).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

96- [إعلام الورى] [الإرشاد] روى «المفضل بن عمر» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [يخرج مع القائم (ع) من ظهر الكوفة سبع وعشرون رجلاً خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام الذين كانوا يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسلمان وأبو دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصاراً وحكّاماً](366).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «المفضل بن عمر الجعفي»: كان غالياً، كما نص على ذلك ابن الغضائري والنجاشي، وكان خطّابياً وكذاباً وضّاعاً للحديث، وعده العلامة في القسم الثاني من «الخلاصة» والمجلسي في الوجيزة وابن داود و... ضعيفاً(367).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

97 - [تفسير العياشي] عن المفضل مثله بتغيير ما، وقد مرّ.

98 - [الغيبة للنعماني] أحمد بن محمد بن سعيد عن يحيى بن زكريا عن يوسف بن كليب عن ابن البطائني عن ابن حميد عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: [لو قد خرج قائم آل محمد لنصره الله بالملائكة وأول من يتبعه محمد وعلى الثاني إلى آخر ما مرّ](368).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «أحمد بن عبيد» مجهول الحال، و«يحيى بن زكريا النرماسيري» طبقاً لشهادة العلامة في القسم الثاني من الخلاصة وابن داود وابن الغضائري والنجاشي: غالٍ وضَّاع للحديث(369). وأما «علي بن أبي حمزة سالم البطائني» فكذابٌ متَّهمٌ في دينه: كما مرّت ترجمته في التعليق على الحديث (38) فراجعها.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

99 - [الغيبة للشيخ الطوسي] سعد عن الحسن بن علي الزيتوني والحميري معا عن أحمد بن هلال عن ابن محبوب عن الرضا عليه السلام في حديث له طويل في علامات ظهور القائم (ع) قال: [والصوت الثالث يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس هذا أمير المؤمنين قد كرَّ في هلاك الظالمين.. الخبر](370).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «الحسن بن علي الزيتوني الأشعري» إماميٌّ ولكنه مجهول الحال(371). ثانياً: «أحمد بن هلال»: ذكر الشيخ في رجاله وصاحب كتاب التهذيب في باب الوصية وصاحب التحرير أن أحمد بن هلال «غالٍ»، وبعضهم لعنه وذكر العلامة في الخلاصة أنه غالٍ ورد فيه ذم كثير وتوقَّف ابن الغضائري في حديثه... وقال عندي أن روايته غير مقبولة(372).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

100 - [الغيبة للنعماني] محمد بن همام عن أحمد بن مابنداذ والحميري معاً عن أحمد بن هلال مثله.

101 - [الغيبة للشيخ الطوسي] الفضل عن محمد بن علي عن جعفر بن بشير عن خالد بن أبي عمارة عن المفضل بن عمر قال ذكرنا القائم عليه السلام ومن مات من أصحابنا ينتظره فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام: [إذا قام أتي المؤمن في قبره فيقال له يا هذا إنه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم](373).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «المفضّل بن عمر» مرّ بيان حاله في التعليق على الحديث (96).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

102 - [من لا يحضر الفقيه] علي بن أحمد بن موسى والحسين بن إبراهيم بن أحمد الكاتب عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن «محمد بن إسماعيل البرمكي» عن موسى بن عبد الله النخعي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام في الزيارة الجامعة وساق الزيارة إلى أن قال: [وجعلني ممن يقتص آثاركم ويسلك سبلكم ويهتدي بهداكم ويحشر في زمرتكم ويكر في رجعتكم ويملك في دولتكم ويشرف في عافيتكم ويمكن في أيامكم وتقر عينه غدا برؤيتكم وفي زيارة الوداع ومكنني في دولتكم وأحياني في رجعتكم](374).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن إسماعيل البرمكي» ذكر ابن الغضائري أنه ضعيف. و«موسى بن عبد الله النخعي» إماميّ ولكنه مجهول الحال ظاهراً(375).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

103 - [تهذيب الأحكام] جماعة من أصحابنا عن هارون بن موسى التلعكبري عن محمد بن علي بن معمر عن علي بن محمد بن مسعدة والحسن بن علي بن فضال عن سعدان بن مسلم عن صفوان بن مهران الجمال عن الصادق عليه السلام في زيارة الأربعين: [وأشهد أني بكم مؤمن وبإيابكم موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي](376).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «علي بن محمد بن مسعدة» مهمل حسب الظاهر، وثانياً: «الحسن بن علي بن فضّال» مرّت ترجمته في التعليق على الحديث رقم (72) فراجعها.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(377].

104 - [من لا يحضره الفقيه] قال الصادق عليه السلام: [ليس منا من لم يؤمن بكرَّتنا ولم يستحل متعتنا](378).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(379].

105 - [الكافي] جماعة عن «سهل بن زياد» عن «محمد بن سليمان الديلمي» عن أبيه عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام قوله تبارك وتعالى: ﴿ وأَقْسَمُوا باللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾؟ قال: فقال لي يا أبا بصير! ما تقول في هذه الآية؟.... إلى آخر الحديث](380).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: مرّت ترجمة رواة هذا الحديث عند التعليق على الحديثين رقم (45) و(21) فراجعها.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف(381].

106- [تفسير العياشي] عن أبي بصير مثله.

تَرْجَمَةُ الرُّواة: راجع الكلام على العياشي ورواياته في تعليقنا على الحديث (24).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

107- أقول روى السيد في كتاب سعد السعود من كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السلام تأليف المفيد رحمه الله عن ابن أبي هراسة عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد عن أبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام مثله.

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «إبراهيم بن إسحاق»: كان غالياً كما ذكر ذلك المرحوم الشيخ في «الفهرست» وابن الغضائري والنجاشي (382).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

108 - [الكافي] العدة عن سهل عن «ابن شمُّون» عن الأصم عن عبد الله بن القاسم البطل عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ وقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ﴾ قال قتل علي بن أبي طالب عليه السلام وطعن الحسن عليه السلام ﴿ ولَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ﴾ قال: قتل الحسين عليه السلام ﴿ فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما ﴾ إذا جاء نصر دم الحسين ﴿ بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ ﴾ قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وترا لآل محمد إلا قتلوه ﴿ وكانَ وَعْداً مَفْعُولًا ﴾ خروج القائم (ع) ﴿ ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ﴾ خروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهبة لكل بيضة وجهان المؤدون إلى الناس إن هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه وإنه ليس بدجّال ولا شيطان والحجّة القائم بين أظهرهم فإذا استقرّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين عليه السلام جاء الحجّة الموت فيكون الذي يغسله ويكفنه ويحنّطه ويلحده في حفرته الحسين بن عليّ عليه السلام ولا يلي الوصيّ إلا الوصيّ](383).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «سهل بن زياد» و«عبد الله بن قاسم البطل» من «الغُلاة» كما تقدّم بيانه في التعليق على الحديث رقم (45) ورقم (14) على الترتيب فراجعها. و«محمد بن حسن بن شمّون» من «الغُلاة» كما ذكر الشيخ والنجاشي والعلامة في «الخلاصة» وابن داود و...(384). وأخيراً «خالد الأصم» مجهول الحال(385).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

109 - [المصباح] روى لنا جماعة عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال عن أبيه عن جده صفوان قال استأذنت الصادق عليه السلام لزيارة مولانا الحسين عليه السلام وسألته أن يعرفني ما أعمل عليه وساق الحديث إلى أن قال عليه السلام في الزيارة: وأشهد الله وملائكته وأنبياءه ورسله أني بكم مؤمن وبإيابكم موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي](386).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

110 - [المصباح] في زيارة العباس أني بكم مؤمن وبإيابكم من الموقنين(387).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(388].

111 - [المصباحين] [مصباح الزائر] زيارة رواها «ابن عياش» قال: حدثني خير بن عبد الله عن الحسين بن روح قال: [زر أي المشاهد كنت بحضرتها في رجب تقول إذا دخلت... وساق الزيارة إلى أن قال... حتى العود إلى حضرتكم والفوز في كرَّتِكم](389).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «أحمد بن محمد بن عبيد الله بن حسن بن عيّاش»: ذكر الشيخ في رجاله والنجاشي والعلامة في القسم الثاني من «الخلاصة» وابن داود أنه اختل في آخر عمره، وقال بعضهم إن المقصود الاختلال العقليّ، ولكن عبارة النجاشي تدلّ على اختلاله في المذهب والعقيدة، وعلى كلّ حال عدَّهُ علماء الرِّجال والفاضل الجزائري والمجلسي في الوجيزة ضعيفاً(390).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

112- [إقبال الأعمال] [المصباحين] خرج إلى أبي القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد عليه السلام أن مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصمه وادع فيه بهذا الدعاء, وساق الدعاء إلى قوله: [وسيد الأسرة الممدود بالنصرة يوم الكرَّة... إلى قوله: [فنحن عائذون بقبره نشهد تربته وننتظر أوبته.](391).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

113 - [مصباح الزائر] في زيارة القائم (ع) في السرداب: [ووفقني يا رب للقيام بطاعته (إلى قوله): فاجعلني يا رب فيمن يكرّ في رجعته ويملك في دولته ويتمكن في أيامه..الخ](392).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(393].

114- [مصباح الزائر] في زيارة أخرى له (ع): [وإن أدركني الموت قبل ظهورك فإني أتوسل بك إلى الله سبحانه أن يصلي على محمد وآل محمد وأن يجعل لي كرة في ظهورك ورجعة في أيامك لأبلغ من طاعتك مرادي وأشفي من أعدائك فؤادي](394).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

115 - [مصباح الزائر] في زيارة أخرى: [اللهم أرنا وجه وليك الميمون في حياتنا وبعد المنون اللهم إني أدين لك بالرجعة بين يدي صاحب هذه البقعة](395).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

116 - [مصباح الزائر] عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: [من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة... (ثم أورد متن هذا العهد])(396).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

117 - [مصباح الزائر] روي عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: [من أراد أن يزور قبر رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) والأئمة صلوات الله عليهم من بعيد فليقل: (وساق الزيارة إلى قوله) إني من القائلين بفضلكم مقرٌّ برجعتكم.](397).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(398].

118- [الكافي] محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن «محمد بن سنان» عن عمار بن مروان عمَّن سمع أبا عبد الله عليه السلام في حديث طويل في صفة قبض روح المؤمن قال: [ثم يزور آل محمد في جنان رضوى فيأكل معهم من طعامهم ويشرب معهم من شرابهم ويتحدث معهم في مجالسهم حتى يقوم قائمنا أهل البيت فإذا قام قائمنا بعثهم الله فأقبلوا معه يلبون... إلى آخر الحديث](399).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن سنان» مرّت ترجمته في التعليق على الحديث رقم(10).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

119- وروى الشيخ «حسن بن سليمان» في كتاب المحتضر من كتاب القائم للفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن سنان مثله.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

120 - [كامل الزيارات] «الحسين بن محمد بن عامر» عن أحمد بن إسحاق بن سعد عن سعدان بن مسلم قائد أبي بصير قال حدثني بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في زيارة الحسين عليه السلام: إلى قوله ونصرتي لكم معدّة حتى يحكم الله ويبعثكم، فمعكم معكم لا مع عدوِّكم إني من المؤمنين برجعتكم... الخ](400).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «الحسن بن محمد بن عامر» إماميّ ولكن حاله مجهول(401).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

121 - [الحسين بن عبد الله الرجائي] روى عن الصادق أن علياً عليه السلام قال: [أنا الفاروق الأكبر وصاحب الميسم وأنا صاحب النشر الأول والنشر الآخر وصاحب الكرات ودولة الدول وعلى يدي يتم موعد الله وتكمل كلمته.] (402).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «الحسن بن عبد الله الرجائي» إماميّ ظاهراً، ولكن حاله مجهول(403).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

122 - [كامل الزيارات] أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن الحسن العسكري ومحمد بن الحسن جميعاً عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن مروان عن أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام في زيارة الحسين عليه السلام: [ونصرتي لكم معدة حتى يحييكم الله لدينه ويبعثكم...إلى آخر الزيارة](404).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن مروان» مجهول الحال(405).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

123- [كامل الزيارات] أبي وجماعة مشايخي عن محمد بن يحيى العطار وحدثني محمد بن مت الجوهري جميعا عن محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن حسان عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [إذا أتيت عند قبر الحسين عليه السلام.. (وساق إلى قوله): [اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر ابن نبيك وابعثه مقاماً محموداً تنتصر به لدينك وتقتل به عدوك..](406).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن مجيب الجوهري» إماميّ حاله مجهول (407).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

124- [إقبال الأعمال] «للسيد علي بن طاووس» يستحب أن يدعى في يوم دحو الأرض بهذا الدعاء: (وساقه إلى قوله): [وابعثنا في كرته حتى نكون في زمانه من أعوانه](408).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(409].

125- [تفسير القمي] ﴿ قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ﴾ قال: هو أمير المؤمنين قال: [ما أَكْفَرَهُ؟] أي ما ذا فعل وأذنب حتى قتلوه ثم قال: ﴿ مِنْ أَيِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴾ قال: يسر له طريق الخير ﴿ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ﴾ قال: في الرجعة ﴿ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ ﴾ أي لم يقض أمير المؤمنين ما قد أمره وسيرجع حتى يقضي ما أمره].

 أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن جميل بن دراج عن أبي سلمة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله ﴿ قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ﴾... وذكر الحديث(410).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: لدينا ستة أشخاص يحملون كنية «أبو سلمة» وهم: 1- محمد بن حنظلة العبدي أبو سلمة، 2- محمد بن حنظلة القيسي أبو سلمة، 3- خالد بن سلمة الجهني الكوفي أبو سلمة، 4- راشد بن سعيد الفزاري أبو سلمة، 5- عليم بن محمد البكري أبو سلمة، 6- غيلان بن عثمان أبو سلمة، وهم جميعاً -كما يقول المرحوم المامقاني في «نتائج التنقيح» في الصفحات (136) و(48) و(53) و(110) و(120) على الترتيب- مجهولو الحال.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

126 - ورُوِيَ متن الرواية السابقة ذاته في كتاب [كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة] عن «أبي سلمة» أيضاً.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

127 - [كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة] محمد بن العباس عن جعفر بن محمد بن الحسين عن عبد الله بن عبد الرحمن (الأصم) عن محمد بن عبد الحميد عن مفضل بن صالح عن جابر عن أبي عبد الله الجدلي قال دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام يوماً فقال: [أنا دابة الأرض](411).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «عبد الله بن عبد الرحمن الأصم» قال عنه العلامة في «الخلاصة»: [بصريٌّ ضعيفٌ غالٍ، ليس بشيء، وله كتابٌ في الزايات يدلُّ على خبث عظيم ومذهب متهافت، وكان من كذّابة أهل البصرة]، وذكر عنه مثل ذلك النجاشي في رجاله وابن الغضائري وابن داود(412). وثانياً: «المفضّل بن صالح» تقدّمت ترجمته عند التعليق على الحديث رقم (58).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

128- [الغيبة للشيخ الطوسي] الفضل بن شاذان عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر الجعفي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: [والله ليملكن منا أهل البيت رجلٌ بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً. قلتُ: متى يكون ذلك؟ قال: بعد القائم. قلتُ: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: تسع عشرة سنة ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين ودماء أصحابه فيقتل ويسبي حتى يخرج السفاح(413])(414).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز العجلي»: زيديٌ بتريٌ كما ذكر ذلك الأردبيلي في جامع الرواة، وقال عنه العلامة الحلي في «الخلاصة»: ضعيفٌ جداً، وضعَّفه كذلك المجلسي في الوجيزة والفاضل الجزائري وابن الغضائري(415).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

129- ورُوِيَ متن الحديث السابق ذاته في كتاب [الاختصاص] عن «عمرو بن ثابت» عن جابر. (416).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

130- [الكافي] محمد بن يحيى وأحمد بن محمد جميعا عن محمد بن الحسن عن علي بن حسان عن أبي عبد الله الرياحي عن أبي الصامت الحلواني عن أبي جعفر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ): [لقد أعطيت الست علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب وإني لصاحب الكرات ودولة الدول وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس](417).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «أبو عبد الله الرياحي» و«أبو صامت الحلواني» كلاهما حاله مجهول(418).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

131- وروى صاحب كتاب [بصائر الدرجات] الحديث السبق ذاته بسنده عن علي بن حسان عن أبي عبد الله الرياحي عن أبي الصامت الحلواني مثله.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

132- [الكافي] محمد بن مهران عن محمد بن علي ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان أمير المؤمنين (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) عليه كثيراً ما يقول: [أنا قسيم الله بين الجنة والنار وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم.. الخبر](419).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن سنان» و«المفضّل بن صالح» تقدّمت ترجمتهما عند التعليق على الحديث رقم (10) والحديث رقم(58).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

133- وروى صاحب [الكافي] الرواية السابقة ذاتها عن الحسين بن محمد عن «المعلى» عن «محمد بن جمهور» عن «محمد بن سنان» مثله.

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «المعلى بن محمد البصري»: قال عنه العلامة في «الخلاصة»: [مضطرب الحديث والمذهب، وقال ابن الغضائري: المعلى بن محمد البصري، أبو محمد، يعرف حديثه وينكر، ويروي عن الضعفاء، ويجوز أن يخرج شاهداً](420). ثانياً: «محمد بن الجمهور»: عربيٌّ بصريٌ غالٍ، بشهادة المرحوم الشيخ في رجاله والنجاشي والعلامة في القسم الثاني من «الخلاصة» وابن الغضائري(421). وثالثاً: «محمد بن سنان»: غالٍ أيضاً، وقد تقدمت ترجمته مراراً، انظر التعليق على الرواية رقم (10).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

134- وروى صاحب [الكافي] الرواية السابقة ذاتها عن علي بن محمد ومحمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي عن سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام مثله.

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «سهل بن زياد» و«محمد بن وليد» تقدمت ترجمتهما في التعليق على الحديث رقم (45) و(88) على الترتيب فراجعها. و«سعيد بن عبد الرحمن الأعرج» مجهول الحال كما نصّ على ذلك العلّامة الحِلِّيّ في «المُخْتَلَف» والفاضل المقداد في «التنقيح» والفخر في «الإيضاح»(422).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

135- [تهذيب الأحكام] [الكافي] علي عن أبيه عن حماد عن «حريز» عن «بريد بن معاوية» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الحق إلى أهله... إلى آخر الحديث](423).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «حُريز»: ذكر علماء الرجال أن «حريز» كان ممن شهر السيف في قتال الخوارج في سجستان في حياة أبي عبد الله عليه السلام بدون إذنٍ منه، ولما كان هذا العمل ممنوعاً في الشرع حَجَبَه الإمامُ الصادق عن مجلسه، واحتمل بعضهم أن يكون سبب منعه من حضور مجلس الصادق ارتكاب عمل قبيح فاحش، وعلى كل حال اعتبر صاحب التكملة، ومنتهى المقال روايات «حريز» غير موثوقة لهذا السبب(424). ثانياً: «بُريد بن معاوية»:رغم أنه ثقة جليل القدر وثَّقه علماء الرجال، إلا أن الكشيّ روى أنه كان من أهل البدع، وروى أن الإمام الصادق لَعَنَهُ!(425).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

136- [منتخب البصائر] مما رواه لي السيد الجليل بهاء الدين علي بن عبد الحميد الحسيني رواه بطريقه عن أحمد بن محمد الأيادي يرفعه إلى أحمد بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام سئل عن الرجعة أحق هي؟ قال: [نعم]. فقيل له: من أول من يخرج؟ قال: [الحسين يخرج على أثر القائم (ع). قلتُ: [ومعه الناس كلهم؟ قال: لا! بل كما ذكر الله تعالى في كتابه ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً ﴾ قومٌ بعد قوم](426).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(427].

 137- وعنه عليه السلام: [ويقبل الحسين عليه السلام في أصحابه الذين قتلوا معه ومعه سبعون نبيا كما بعثوا مع موسى بن عمران فيدفع إليه القائم (ع) الخاتم فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواريه في حفرته].

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

138- وعن جابر الجعفي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: [والله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً. قلتُ: متى يكون ذلك؟ قال: [بعد القائم (ع]). قلتُ: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: [تسع عشرة سنة].

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل)(428).

 139- ورويت عنه أيضاً بطريقه إلى «أسد بن إسماعيل» عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال حين سُئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرآن ﴿ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾: [وهي كرّة رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) فيكون ملكه في كرته خمسين ألف سنة ويملك أمير المؤمنين في كرته أربعة وأربعين ألف سنة].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «أسد بن إسماعيل» حاله مجهول(429).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(430].

140- الشيخ علي بن عبد الحميد صاحب كتاب «الأنوار المضيئة» بإسناده عن الفضل بن شاذان بإسناده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: [إذا ظهر القائم ودخل الكوفة بعث الله تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صديق فيكونون في أصحابه وأنصاره].

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(431].

141- [منتخب البصائر] من كتاب «السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان» تصنيف السيد الجليل بهاء الدين علي بن عبد الكريم الحسني يرفعه إلى علي بن مهزيار قال: كنتُ نائماً في مرقدي إذ رأيت فيما يرى النائم قائلاً يقول: حُجَّ السنةَ فإنك تلقى صاحب الزمان.. وذكر الحديث بطوله، ثم قال: يا ابن مهزيار! إنه إذا فقد «الصين» وتحرك «المغربي» وسار «العباسي» وبويع «السفياني» يُؤذن لوليِّ الله، فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر فأجي‏ء إلى الكوفة فأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة وأحجّ بالناس حجّة الإسلام، وأجي‏ء إلى يثرب فأهدم الحجرة وأخرج من بها وهما طريان فأمر بهما تجاه البقيع وآمر بخشبتين يصلبان عليهما فتورقان من تحتهما فيفتتن الناس بهما أشد من الأولى فينادي مناد الفتنة من السماء يا سماء انبذي ويا أرض خذي!! فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان! قلت: يا سيدي! ما يكون بعد ذلك؟ قال: الكرّة الكرّة الرّجعة! ثم تلا هذه الآية: ﴿ ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وبَنِينَ وجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ﴾](432).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(433].

142 - [كامل الزيارات] محمد بن جعفر الرزاز عن ابن أبي الخطاب وأحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن مروان بن مسلم عن بريد العجلي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يا ابن رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول ﴿ واذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ أكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم فقال عليه السلام: [إن إسماعيل مات قبل إبراهيم وإن إبراهيم كان حجة لِـلَّهِ قائماً صاحب شريعة، فإلى من أرسل إسماعيل إذاً؟] قلتُ: فمن كان جعلت فداك؟! قال: [ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي عليه السلام بعثه الله إلى قومه فكذّبوه وقتلوه وسلخوا فروة وجهه فغضب الله له عليهم فوجه إليه سطاطائيل ملك العذاب فقال له يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك العذاب وجهني رب العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب كما شئت فقال له إسماعيل لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل فأوحى الله إليه فما حاجتك يا إسماعيل فقال إسماعيل يا رب إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولأوصيائه بالولاية وأخبرت خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن عليّ عليه السلام من بعد نبيها وإنك وعدت الحسين أن تكره إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به فحاجتي إليك يا رب أن تكرني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي ما فعل كما تكر الحسين فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك فهو يكر مع الحسين بن عليّ عليه السلام](434).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «أحمد بن حسن بن علي الفضّال»: رغم أنه فَطَحِيٌّ، وثَّقَهُ معظم علماء الرِّجال، إلا أن العلامة اعتبره في القسم الثاني من «الخلاصة» ضعيفاً(435). وثانيا: «بريد العجلي» تقدم بيان حاله في التعليق على الحديث رقم (135).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل)(436).

143- [كامل الزيارات] الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد الله بن حماد البصري عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن أبي عبيدة البزاز عن حريز قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك! ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق إليكم؟! فقال: [إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضر وأتاه النبي ينعى إليه نفسه وأخبره بما له عند الله وإن الحسين صلوات الله عليه قرأ صحيفته التي أعطيها وفسر له ما يأتي وما يبقى وبقي منها أشياء لم تنقض فخرج إلى القتال وكانت تلك الأمور التي بقيت أن الملائكة سألت الله في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتى قتل فنزلت وقد انقطعت مدته وقتل صلوات الله عليه. فقالت الملائكة: يا رب! أذنت لنا في الانحدار وأذنت لنا في نصرته فانحدرنا وقد قبضته؛ فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم أن الزموا قبته حتى ترونه قد خرج فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته وإنكم خصصتم بنصرته والبكاء عليه، فبكت الملائكة تقرباً وجزعاً على ما فاتهم من نصرته فإذا خرج صلوات الله عليه يكونون أنصاره](437).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عبد الله بن عبد الرحمن الأصم» من «الغُلاة» راجع التعليق على الرواية رقم (127).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

144- [كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة] محمد بن العباس عن جعفر بن محمد بن مالك عن القاسم بن إسماعيل عن علي بن خالد العاقولي عن عبد الكريم الخثعمي عن سليمان بن خالد قال قال أبو عبد الله عليه السلام في قوله تعالى ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾ قال: [الراجفة الحسين بن عليّ عليه السلام والرادفة علي بن أبي طالب عليه السلام وأول من ينفض عن رأسه التراب الحسين بن عليّ عليه السلام في خمسة وسبعين ألفاً، وهو قوله تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ولَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾](438).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «جعفر بن محمد بن مالك»: ذكر النجاشي وابن الغضائري والعلامة في القسم الثاني من «الخلاصة» أنه غالٍ كذَّاب وأنه كان يضع الحديث، وقال عنه ابن الغضائري بشكل خاص: [إنه كان كذَّاباً متروكَ الحديث جملةً، وكان في مذهبه ارتفاعٌ، يروى عن الضعفاء والمجاهيل، كل عيوب الضعفاء مجتمعة فيه!]. ويقول الشيخ الطوسي: [جعفر بن محمد بن مالك: كوفيٌّ ثقةٌ ويضعِّفه قومٌ، روى في مولد القائم عليه السلام أعاجيب!] (439). ثانياً: «علي بن خالد العاقولي» ليس لاسمه ذكر في كتب الرجال وهو اصطلاحاً مهمل(440).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

145- وهذه الرواية السابقة ذاتها رُوِيَت في [تفسير فرات بن إبراهيم] عن أبي القاسم العلوي معنعناً عن أبي عبد الله عليه السلام مثله وفيه في خمسة وتسعين ألفاً.

 حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(441).

146 - ورواها صاحب كتاب «روضة الفضائل» عن أبي عبد الله عليه السلام مثله.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(442).

147- [منتخب البصائر] من كتاب التنزيل والتحريف «أحمد بن محمد السياري» عن محمد بن خالد عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن نجيح اليماني قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ﴿ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾؟ قال: [النعيم الذي أنعم الله عليكم بمحمد وآل محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ). وفي قوله تعالى ﴿ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾ قال: المعاينة. وفي قوله تعالى ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ قال: مرة بالكرة وأخرى يوم القيامة](443).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «أحمد بن محمد السياري» من «الغُلاة» القائلين بالتناسخ، وقد تقدّمت ترجمته في التعليق على الحديث رقم (18).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

148- وقال النجاشي في [الفهرست]: [كانت لمؤمن الطاق مع أبي حنيفة حكاياتٌ كثيرةٌ فمنها أنه قال له يوماً: يا أبا جعفر! تقول بالرجعة؟ فقال: نعم! فقال له: أقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار فإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك! فقال له في الحال: أريد ضميناً يضمن لي أنك تعود إنساناً وإني أخاف أن تعود قرداً فلا أتمكن من استرجاع ما أخذت!!(444))(445).

149 - وذكرت القصة ذاتها بشيء من التغيير في كتاب [الاحتجاج].

150- وروى إبراهيم بن محمد الثقفي في كتابه [الغارات] حديثاًٍ عن أمير المؤمنين عليه السلام منه قيل له فما ذو القرنين؟ قال عليه السلام: [رجلٌ بعثه الله إلى قومه فكذبوه وضربوه على قرنه فمات ثم أحياه الله ثم بعثه إلى قومه فكذبوه وضربوه على قرنه الآخر فمات ثم أحياه الله فهو ذو القرنين لأنه ضربت قرناه!!](446).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل)(447).

151- وفي حديث آخر وفيكم مثله يريد نفسه.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

152- ومنه أيضاً حدثنا عبد الله بن أسيد الكندي وكان من شرطة الخميس عن أبيه قال: [إني لجالس مع الناس عند عليّ عليه السلام إذ جاء ابن معز وابن نعج معهما عبد الله بن وهب قد جعلا في حلقه ثوباً يجرانه فقالا يا أمير المؤمنين: اقتله ولا تداهن الكذابين قال: ادنه فدنا فقال لهما فما يقول؟ قالا: يزعم أنك دابة الأرض وأنك تضرب على هذا قبيل هذا يعنون رأسه إلى لحيته! فقال: ما يقول هؤلاء؟ قال: يا أمير المؤمنين! حدثتهم حديثا حدَّثَنيه عمار بن ياسر. قال اتركوه فقد روى عن غيره... الحديث](448).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عبد الله بن أسيد الكندي» وأبوه «أسيد الكندي» مهملان ومجهولان ظاهراً، فضلاً عن أن «إبراهيم بن محمد الثقفي» -كما ذكرنا في حاشية الروايتين السابقتين- تُوفي عام 283هـ وبالتالي فمن البعيد جداً أن يتمكن من الرواية عن أسيد الكندي الذي التقى بعلي عليه السلام طبقاً لمضمون الرواية المذكورة، عبر واسطة واحدة، لأن هناك فاصل زمني بين وفاة علي عليه السلام وبين إبراهيم الثقفي مقداره (243) سنة! وعلى كل حال فهذه الرواية ضعيفة إما لجهة إهمال رواتها وكونهم مجهولي الحال أو لجهة إرسالها وحذف رواة سندها.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

153- وروى إبراهيم بن محمد الثقفي في كتابه المذكور [الغارات] أيضاً عن «عباية» قال سمعت عليا عليه السلام يقول: أنا سيد الشيب وفيَّ سنَّةٌ من أيوب لأن أيوب ابتلي ثم عافاه الله من بلواه وآتاه أهله ومثلهم معهم كما حكى الله سبحانه فروي أنه أحيا له أهله الذين قد ماتوا... الخ](449).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عباية بن رفاعة» مجهول الحال(450).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل)(451).

154 - حدثنا علي بن عبد الله بن أسد (الأسدي) عن إبراهيم بن محمد عن أحمد بن معمر الأسدي عن محمد بن فضل عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عزَّ وجلَّ ﴿ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ﴾ قال: [هذه نزلت فينا وفي بني أميّة يكون لنا عليهم دولة فتذل أعناقهم لنا بعد صعوبة وهوان بعد عزّ](452).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «علي بن عبد الله بن أسد» و«أحمد بن معمر» لا ذكر لاسمهما في كتب الرجال.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مهمل).

155 - حدثنا الحسين بن أحمد عن محمد بن عيسى (اليقطيني) عن يونس عن بعض أصحابنا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزَّ وجلَّ ﴿ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ﴾ قال: [تخضع لها (أي للآية) رقاب بني أمية، قال ذلك بارز عند زوال الشمس قال وذلك (أي الآية هي) علي بن أبي طالب يبرز عند زوال الشمس على رءوس الناس ساعة حتى يبرز وجهه يعرف الناس حسبه ونسبه، ثم قال أما إن بني أمية ليخبين الرجل منهم إلى جنب شجرة فتقول هذا رجل من بني أمية فاقتلوه](453).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن عيسى اليقطيني» مرت ترجمته في التعليق على الحديث رقم (5).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(454].

157- حدثنا علي بن أحمد بن حاتم عن (إسماعيل بن إسحاق الراشدي) عن (خالد بن مخلد) عن (عبد الكريم بن يعقوب الجعفي) عن جابر بن يزيد عن أبي عبد الله الجدلي قال دخلتُ علَى عليِّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: [ألا أحدّثك ثلاثاً قبل أن يدخل علَّي وعليكَ داخلٌ؟ قلتُ: بلى! فقال: أنا عبد الله أنا دابة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبيها وأنا عبد الله. ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه؟ قال قلت: نعم! فضرب بيده إلى صدره فقال أنا](455).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «إسماعيل بن إسحاق» و«خالد بن مخلد» و«عبد الكريم بن يعقوب» لا ذكر لاسمهم في كتب الرجال فهم مهملون حسب الظاهر.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مهمل).

158- حدثنا (محمد بن الحسن بن الصباح) عن الحسين بن الحسن القاشي عن علي بن الحكم عن (أبان بن عثمان الأحمر البجلي) عن عبد الرحمن بن سيابة عن (أبي داود) عن أبي عبد الله الجدلي قال دخلتُ علَى عليٍّ عليه السلام فقال: [أحدثك بسبعة أحاديث إلا أن يدخل علينا داخلٌ قال قلت افعل جعلت فداك قال أتعرف أنف المهدي وعينه؟ قال قلت أنت يا أمير المؤمنين..](456).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «محمد بن حسن الصبّاح» مجهول الحال(457). ثانياً: «أبان بن عثمان»: غالٍ من الناووسية(458)، ومع ذلك وثَّقه أغلب علماء الرِّجال، طبقاً لما نقله الكشي من أن العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح عن أبان والإقرار له بالفقه، غير أن ابن داود وفخر المحققين اعتبراه: ضعيفاً، وعن فخر المحققين أنه قال: سألت والدي رحمه الله عنه فقال: الأقرب عدم قبول روايته لقوله تعالى ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ ولا فسق أعظم من عدم الإيمان، انتهى(459). وثالثاً: «أبو داود» الذي روى عن أبي عبد الله الجدلي مجهول الحال(460).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

159 - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد عن الحسن السلمي عن أيوب بن نوح عن صفوان عن يعقوب بن شعيب عن (عمران بن ميثم التمّار) عن (عباية) قال أتى رجلٌ أميرَ المؤمنين عليه السلام فقال حدثني عن الدابة؟ قال: وما تريد منها؟ قال: أحببت أن أعلم علمها. قال: [هي دابة مؤمنة تقرأ القرآن وتؤمن بالرحمن وتأكل الطعام وتمشي في الأسواق](461).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عمران بن ميثم التمّار» و«عباية» مرت ترجمتهما في التعليق على الحديث رقم (82) و(153).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

160- حدثنا الحسين بن أحمد عن محمد بن عيسى عن صفوان مثله وزاد في آخره قال: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: هو عليٌّ ثكلتك أمك(462).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن عيسى اليقطيني» مضت ترجمته في التعليق على الحديث رقم(5).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

 161- حدثنا إسحاق بن محمد بن مروان عن أبيه عن (عبد الله بن الزبير القرشي) عن يعقوب بن شعيب عن (عمران بن ميثم التمّار) أن عباية حدثه أنه كان عند أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول: [حدثني أخي أنه ختم ألف نبيّ وإني ختمت ألف وصيّ وإني كلفت ما لم يكلّفوا وإني لأعلم ألف كلمة ما يعلمها غيري وغير محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) ما منها كلمة إلا مفتاح ألف باب بعد ما تعلمون منها كلمة واحدة غير أنكم تقرءون منها آية واحدة في القرآن وإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ وما تدرونها من](463).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: لدينا في كتب الرجال أربعة أشخاص اسمهم «عبد الله بن الزبير»: 1- عبد الله بن الزبير القرشي، 2- عبد الله بن الزبير الأسدي، 3- عبد الله بن الزبير والد أبي أحمد الزبيري، 4- عبد الله بن الزبير الرسان. فالأول عدوٌّ لعلي بن أبي طالب ومن مدعي الخلافة، والثاني والثالث مجهولا الحال، والرابع اعتبره العلامة الحلي في «الخلاصة» ضعيفاً لكونه زيدياً، وقد بحثتُ كثيراً لأعرف أياً منهم هو عبد الله بن الزبير المذكور في الرواية فلم أصل إلى شيء، ولكن الظاهر أن المراد منه عبد الله بن الزبير القرشي المعروف، لأن البقية غير معروفين بلقب القرشي. ولكن هذا الشخص لما كان من مدعي الخلافة وأعداء علي عليه السلام فمن البعيد جداً أن يروي مثل هذه الرواية التي تدل صراحة على خلافة علي عليه السلام، وعلى كل حال لما كان هذا الاسم متردداً بين الضعيف والمجهول فإن الرواية ضعيفة.

و«عمران بن ميثم التمّار» أشرنا إلى حاله في التعليق على الحديث رقم (82).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

 162- حدثنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن سعيد عن (أحمد بن محمد بن إسحاق الحضرمي) عن أحمد بن مستنير عن جعفر بن عثمان وهو عمه قال حدثني صباح المزني ومحمد بن كثير بن بشير بن عميرة الأزدي قالا حدثنا عمران بن ميثم عن عباية بن ربعي قال كنت جالساً عند أمير المؤمنين عليه السلام خامس خمسة وذكر نحوه(464).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «أحمد بن محمد بن إسحاق» لا ذكر لاسمه في كتب الرجال.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

163- حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي عن عبد الله بن أيوب المخزومي عن (يحيى بن أبي بكر) عن أبي حريز عن علي بن زيد بن جذعان عن خالد بن أوس عن (أبي هريرة) قال قال رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ): [تخرج دابة الأرض ومعها عصى موسى عليه السلام وخاتم سليمان عليه السلام تجلو وجه المؤمن بعصا موسى عليه السلام وتسم وجه الكافر بخاتم سليمان عليه السلام](465).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «يحيى بن أبي بكر» مهمل ومجهول(466). ثانياً: «أبو هريرة» لدينا في كتب الرجال ثلاثة أشخاص كنيتهم «أبو هريرة»:

 1- أبو هريرة الدوسي الذي كان من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، وهو غير مقبول الرواية لدى الشيعة، بل ضعَّف روايته بعض أهل السنة (467) كابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة وأبو أسامة والخوارزمي والجاحظ في كتابه «التوحيد» والسمعاني (468)،

 2- أبو هريرة البزاز: قال عنه العلامة في «الخلاصة»: [أبو هريرة البزاز: قال العقيقي: ترحم عليه أبو عبد الله عليه السلام، فقيل إنه كان يشرب النبيذ!، فقال: أيعز على الله أن يغفر لمحبِّ عليٍّ عليه السلام شرب النبيذ والخمر!](469)

 3- أبو هريرة العجلي وهذا الشخص من أصحاب الإمام الصادق أو الإمام الباقر ظاهراً، كما يروي ذلك ابن شهر آشوب في كتابه «المعالم»...(470). ولما كان أبو هريرة في الحديث المذكور قد نقل حديثه عن النبي الأكرم مباشرة من غير واسطة فلا بدَّ أن يكون أبا هريرة الصحابي المعروف ذاته.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مهملٌ).

164- حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن الفقيه عن أحمد بن عبيد بن ناصح عن (الحسين بن علوان) عن (سعد بن طريف) عن الأصبغ بن نباتة قال: [دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل خبزاً وخلاً وزيتاً فقلت: يا أمير المؤمنين! قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ﴾ فما هذه الدابة؟؟ قال: هي دابَّةٌ تأكل خبزاً وخلاً وزيتاً!].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «الحسين بن علوان» مرت ترجمته في التعليق على الحديث رقم (73). و«سعد بن ظريف الحنظلي الإسكافي»: غالٍ وناووسيٌّ كما ذكر العلامة الحلي في «الخلاصة» وابن داود في رجاله نقلاً عن الكشي، كما عده النجاشي وابن الغضائري وصاحب الحاوي ضعيفاً(471).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

165- حدثنا الحسين بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن سماعة بن مهران عن الفضل بن الزبير عن الأصبغ بن نباتة قال قال لي معاوية: يا معشر الشيعة! تزعمون أن عليّاً عليه السلام دابة الأرض فقلت نحن نقول واليهود تقول فأرسل إلى رأس الجالوت فقال: ويحك تجدون دابة الأرض عندكم مكتوبة! فقال: نعم! فقال: ما هي؟ فقال: رجلٌ. فقال: أتدري ما اسمه؟ قال: نعم اسمه إليا. قال: فالتفت إلي فقال: ويحك يا أصبغ! ما أقرب إليا من علياً].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «سماعة بن مهران» نصّ المرحوم الشيخ الطوسي وجماعة من الفقهاء أنه كان واقفيّاً، ولهذا السبب لم يعمل برواياته المرحوم الصدوق وصاحب المدارك و..(472). وثانياً: «الفضيل بن الزبير» مجهول الحال(473).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

166- حدثنا الحسين بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي بصير قال قال أبو جعفر عليه السلام أي شي‏ء يقول الناس في هذه الآية ﴿ وإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ﴾ فقال هو أمير المؤمنين عليه السلام].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن عيسى» مرّ بيان حاله في التعليق على الحديث رقم (5).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(474].

167- حدثنا «محمد بن الحسن بن الصباح» عن الحسين بن الحسن عن علي الحكم عن «أبان بن عثمان» عن عبد الرحمن بن سيابة ويعقوب بن شعيب عن «صالح بن ميثم» [قال قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: حدِّثني. قال فقال: أما سمعت الحديث من أبيك؟ قلتُ: لا كنتُ صغيراً، قال قُلتُ: فأقولُ فإن أصبتُ قلتَ نعم وإن أخطأتُ رددتَني عن الخطأ. قال: ما أشد شرطك! قال قلتُ: فأقولُ فإن أصبتُ سكتَّ وإن أخطأتُ رددتَني! قال: هذا أهون عليَّ. قلتُ: تزعم أن عليا عليه السلام دابة الأرض..].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: راجع التعليق على رواة الحديث رقم (158).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

168- حدثنا حميد بن زياد عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك عن عيسى بن هشام عن أبان عن عبد الرحمن بن سيابة عن صالح بن ميثم عن أبي جعفر عليه السلام قال قُلتُ له: حدثني. قال: أليس قد سمعت أباك؟ قلت: هلك أبي وأنا صبيٌّ. قال قُلتُ: فأقول فإن أصبتُ سكتَّ وإن أخطأتُ رددتَني عن الخطاء. قال: هذا أهون. قال قُلتُ: فإني أزعم أن عليَّاً دابة الأرض(475) قال وسَكَتَ قال فقال أبو جعفر عليه السلام: وأراك والله ستقول إن عليّاً راجعٌ إلينا وقرأ ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ﴾! قال قُلتُ: والله قد جعلتها فيما أريد أن أسألك عنها فنسيتُها. فقال أبو جعفر عليه السلام: أفلا أخبرك بما هو أعظم من هذا؟ ﴿ وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً ونَذِيراً ﴾ لا تبقى أرضٌ إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) وأشار بيده إلى آفاق الأرض].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عيسى بن هشام» مجهول الحال(476).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

 169- حدثنا الحسين بن أحمد عن (محمد بن عيسى) عن يونس عن إبراهيم بن عبد الحميد عن (أبان - بن عثمان - الأحمر) رفعه إلى أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ﴾ فقال أبو جعفر عليه السلام: ما أحسب نبيكم (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) إلا سيطّلع عليكم اطّلاعة].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: راجع ما ذكرناه في التعليق على الحديث رقم (5) و(158) لمعرفة حال رواة هذا الحديث.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(477].

 170- حدثنا (جعفر بن محمد بن مالك) عن الحسن بن علي بن مروان عن سعيد بن عمار عن أبي مروان قال: [سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ﴾؟ قال فقال لي: لا والله! لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) وعليّ بالثوية فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجداً له اثنا عشر ألف باب يعني موضعا بالكوفة].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «جعفر بن محمد بن مالك» غالٍ وكذَّاب، وراجع ما ذكرناه في التعليق على الحديث رقم (144).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

 171- حدثنا أحمد بن هوذة الباهلي عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن أبي مريم الأنصاري قال سألت أبا عبد الله عليه السلام وذكر مثله.

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «إبراهيم بن إسحاق النهاوندي» قال عنه العلامة في «الخلاصة»: [إبراهيم بن إسحاق، أبو إسحاق الأحمري النهاوندي، كان ضعيفاً في حديثه متَّهماً في دينه وفي مذهبه ارتفاع وأمره مختلط لا أعمل على شيءٍ مما يرويه، وقد ضعَّفه الشيخ رحمه الله في الفهرست](478).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

172- قوله ﴿ ولَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ ﴾: حدثنا الحسين بن محمد عن (محمد بن عيسى) عن يونس عن (مفضل بن صالح) عن زيد الشحّام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر الرجعة].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن عيسى» من «الغُلاة»، و«مفضل بن صالح» وضّاع للحديث وراجع في ذلك التعليق على الرواية رقم (5) و(58).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

173- حدثنا الحسين بن محمد عن (محمد بن عيسى) عن يونس عن (مفضل بن صالح) عن زيد الشحّام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [العذاب الأدنى دابّة الأرض].

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

174- حدثنا هاشم بن أبي خلف عن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن (سلمة بن كهيل) عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) أنه قال في خطبة خطبها في حجة الوداع: [لأقتلنّ العمالقة في كتيبة فقال له جبرئيل عليه السلام أو علي قال أو علي بن أبي طالب عليه السلام].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «سلمة بن كهيل» كان - في الظاهر - معاصراً للإمام السجاد ومن أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهم السلام، وكان - طبقاً لما ذكره ابن داود والكشي والعلامة - من «البتريَّة» بل من رؤسائهم، وضعَّفُوا حديثه.(479).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

175- محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عمن ذكره عن الحسن بن موسى الخشاب عن (جعفر بن محمد) عن (كرام) قال قال أبو عبد الله عليه السلام: [لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام عليه السلام وقال إن آخر من يموت الإمام عليه السلام لئلا يحتجَّ أحدٌ على الله أنه تركه بغير حجّةٍ لِـلَّهِ عليه].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «جعفر بن محمد بن حكيم» في رأي صاحب المدارك والمجلسي في الوجيزة: مجهول الحال(480). و«عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي» واقفيٌّ، وراجع في ذلك ما ذكرناه في التعليق على الحديث رقم (95).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

176- محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه عن علي بن أحمد بن موسى الدقاق عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي عن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير قال: [قلت للصادق عليه السلام يا ابن رسول الله! سمعت من أبيك أنه قال يكون بعد القائم (ع) اثنا عشر إماما؟ فقال: قد قال اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماً ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا!].

تَرْجَمَةُ الرُّواة: أولاً: «موسى بن عمران النخعي» مجهول الحال(481). وثانياً: «الحسين بن يزيد النوفلي»: قال عنه العلامة في «الخلاصة»: [الحسين بن يزيد بن محمد بن عبد الملك النوفلي، نوفل النخع، مولاهم كوفي، أبو عبد الله، كان شاعراً أديباً وسكن الري ومات بها، وقال قوم من القميين: إنّه غلا في آخر عمره، والله أعلم. وقال النجاشي: وما رأينا له رواية تدل على هذا. وأما عندي في روايته توقُّف لمجرد ما نقله عن القميين وعدم الظفر بتعديل الأصحاب له]، ونقل ابن داود أيضاً عن الكشي أن الحسين بن يزيد غلا في آخر عمره، وعلى أي حال رد علماء الرِّجال كالعلامة وابن داود وشارح التهذيب والفاضل المجلسي رواياته(482). وثالثاً: «علي بن أبي حمزة» مرت ترجمته حاله في التعليق على الحديث رقم (79).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

177- ومن كتاب البشارة للسيد رضي الدين علي بن طاوس وجدت في كتاب تأليف جعفر بن محمد بن مالك الكوفي بإسناده إلى حمران قال: [عمر الدنيا مائة ألف سنة: لسائر الناس عشرون ألف سنة، وثمانون ألف سنة لآل محمد!] (483).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «جعفر بن محمد بن مالك» غالٍ وكذّاب، وقد ذكرنا حاله في التعليق على الحديث رقم (144).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

178- [منتخب البصائر] من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب بإسنادي المتصل إليه عن محمد بن سالم عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ قال عليه السلام: هو خاص لأقوام في الرجعة بعد الموت ويجري في القيامة ﴿ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ (484).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن سالم» مجهول الحال(485).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

179- [كامل الزيارات] الحسين بن محمد عن (المعلى بن خنيس) عن (أبي المفضل) عن ابن صدقة عن (المفضل بن عمر) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [كأني بسرير من نور قد وضع وقد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكللة بالجوهر وكأني بالحسين عليه السلام جالساً على ذلك السرير وحوله تسعون ألف قبة خضراء وكأني بالمؤمنين يزورونه ويسلمون عليه فيقول الله عزَّ وجلَّ لهم أوليائي سلوني فطالما أوذيتم وذللتم واضطهدتم فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها لكم فيكون أكلهم وشربهم من الجنة فهذه والله الكرامة](486).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «المعلى بن خنيس» و«المفضل بن عمر» كلاهما من «الغُلاة» فالأول من فرقة «المغيرية» (أتباع «المغيرة بن سعيد»)، والثاني من «الخطابية» (أتباع «أبي الخطاب الأسدي»)، وراجع ما ذكرناه في التعليق على الحديثين رقم (22) و(96). و«أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني»: قال عنه العلامة في «الخلاصة»: [محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني، يكنى أبا المفضل، كثير الرواية حسن الحفظ، ضعَّفه جماعة من أصحابنا. وقال ابن الغضائري: إنّه وضّاعٌ، كثير المناكير، رأيت كتبه وفيها الأسانيد من دون المتون والمتون من دون الأسانيد. وأرى ترك ما تفرد به](487)، وضعَّف المرحوم الشيخ في رجاله وجماعة آخرون رواياته وكذلك ضعَّفه المرحوم المجلسي في الوجيزة(488).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

180- [المناقب لابن شهرآشوب] قال الرضا عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ﴾ قال عليّ عليه السلام](489).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

181- [المناقب لابن شهرآشوب]: أبو عبد الله الجدلي قال أمير المؤمنين عليه السلام: [أنا دابة الأرض](490).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن علي بن شهرآشوب» المازندراني صاحب كتاب «المناقب» كان حياً في القرن السادس الهجري ومعاصراً لابن إدريس صاحب السرائر وتُوفي سنة 578 هـ، ولا شك أن مثله لا يمكنه أن يروي دون واسطة حديثاً عن عبد الله الجدلي الذي كان من أصحاب علي أمير المؤمنين!، ولا أن يروي عن حضرة الإمام الرضا -كالرواية السابقة-، فلا شك أن هناك وسائط حُذفت من السند.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

182- [تفسير العياشي] عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ ﴾ يعني كفار غير مؤمنين، وأما قوله: ﴿ وما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ فإنه يعني أنهم لا يؤمنون وأنهم يشركون ﴿ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ﴾ فإنه كما قال الله، وأما قوله: ﴿ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ فإنه يعني لا يؤمنون بالرجعة أنها حقّ](491).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(492].

183- [تفسير العياشي] عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام مثله(493).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

184- [تفسير فرات بن إبراهيم] عبد الرحمن بن محمد العلوي معنعناً عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ والنَّهارِ إِذا جَلَّاها ﴾؟

 قال: [يعني الأئمّة منّا أهل البيت يملكون الأرض في آخر الزمان فيملؤونها عدلاً وقسطاً](494).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: موقوف(495].

185- [بصائر الدرجات] عبد الله بن محمد عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن بعض من رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: [قال أمير المؤمنين: إني لصاحب العصا والميسم الخبر](496).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(497].

186- [بصائر الدرجات] أحمد بن محمد وعبد الله بن عامر عن (محمد بن سنان) عن (المفضل) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [قال أمير المؤمنين: أنا صاحب العصا والميسم](498).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: راجع التعليق على الحديث رقم (10) و(96).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

187- [بصائر الدرجات] أبو الفضل العلوي عن سعد بن عيسى عن (إبراهيم بن الحكم بن ظهير) عن أبيه عن شريك بن عبد الله عن عبد الأعلى عن أبي وقاص عن سلمان الفارسي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: [أنا صاحب الميسم وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب الكرات ودولة الدول الخبر](499).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «إبراهيم بن الحكم بن ظهير الفزاري» مجهول الحال(500).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

188- [المناقب لابن شهرآشوب] عن الباقر عليه السلام في شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام على يدي تقوم الساعة قال: [يعني الرجعة قبل القيامة ينصر الله بي وبذريتي المؤمنين](501).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل).

189- [تفسير القمي] جعفر بن أحمد عن عبيد الله بن موسى عن ابن البطائني عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً ﴾ قال: [كادوا رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) وكادوا عليّا عليه السلام وكادوا فاطمة عليها السلام فقال الله: يا محمد! ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ يا محمد أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾ لو قد بعث القائم (ع) فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أمية وسائر الناس](502).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «علي بن أبي حمزة» راجع ما ذكرناه في التعليق على الحديث رقم (79). و«سالم البطائني» أبو علي بن أبي حمزة مجهول الحال(503).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

190- [كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة] محمد بن العباس عن علي بن محمد عن (المفضل بن صالح أبي جميلة) عن الحلبي ورواه أيضا عن علي بن الحكم عن (أبان بن عثمان) عن (الفضل بن العباس) عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: ﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها ﴾ قال في الرجعة ﴿ ولا يَخافُ عُقْباها ﴾ قال لا يخاف من مثلها إذا رجع](504).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «المفضل بن صالح» وضّاع للحديث وكذّاب. و«أبان بن عثمان» من «الغُلاة»، راجع ما ذكرناه في ترجمتهما في التعليق على الحديثين رقم (58) و(158). و«الفضل بن العباس» مجهول الحال(505).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

191- [كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة] في تفسير أهل البيت عليهم السلام قال حدثنا بعض أصحابنا عن محمد بن علي عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن نجيح قال: قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ قال: [يعني مرّة في الكرّة ومرّة أخرى يوم القيامة](506).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عمر بن عبد العزيز» من «الغُلاة» راجع ما ذكرناه في ترجمته في التعليق على الحديث رقم (32). و«عبد الله بن نجيح» مهمل ومجهول.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(507].

192- [كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة] روي مرفوعا بالإسناد إلى محمد بن خالد عن ابن سماعة عن عبد الله القاسم عن محمد بن يحيى عن ميسر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزَّ وجلَّ ﴿ خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ ﴾ قال: يعني يوم خروج القائم (ع)](508).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «عبد الله القاسم الحارثي»: قال عنه العلامة في «الخلاصة»: [عبد الله بن القاسم الحارثي، كان ضعيفاً غالياً، صحب معاوية ابن عمار، ثم خلط وفارقه، وكان متروك الحديث، معدولاً عن ذكره] وقال عنه ابن الغضائري: [عبد الله بن القاسم بن البطل، الحارثي، بصريٌّ، كذّابٌ، غالٍ، ضعيفٌ، متروكُ الحديث، معدولٌ عن ذكره] (509).

قلت: وكذبه واضحٌ من هذه الأحاديث التي يرويها.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

193- [رجال الكشي] قال (أحمد بن علي بن كلثوم) كان أحكم بن بشار إذا ذكر عنده الرجعة فأنكرها فنقول أحد المكذّبين](510).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي»: قال عنه المرحوم الشيخ الطوسي: [متَّهمٌ بالغلوِّ]، ويُستفاد من ظاهر كلام الكشيّ أنه كان غالياً، وعلى أي حال فقد رد حديثه جماعةٌ مثل الفاضل المجلسي في الوجيزة والعلامة الحلي في الخلاصة وابن داود وصاحب الحاوي.(511).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

194- [رجال الكشي] أحمد بن علي القمي عن إدريس بن أيوب عن الحسين بن سعيد عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: [جابرٌ يعلم قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ﴾](512).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «إدريس بن أيوب» مهمل ومجهول. و«عبد العزيز العبدي» ضعيفٌ في رأي العلامة في «الخلاصة» والمجلسي في الوجيزة وابن داود والنجاشي.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

195- [رجال الكشي] بهذا الإسناد عن الحسين عن هشام بن سالم عن محمد بن مسلم وزرارة قالا سألنا أبا جعفر عليه السلام عن أحاديث نرواها عن جابر فقلنا ما لنا ولجابر فقال بلغ من إيمان جابر أنه كان يقرأ هذه الآية إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ](513).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

196- [رجال الكشي] بهذا الإسناد عن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن ابن أذينة عن زرارة مثله(514).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «محمد بن إسماعيل» مهمل ومجهول.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

197- كتاب صفات الشيعة، للصدوق عن علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي بإسناده عن الصادق عليه السلام قال: [من أقرّ بسبعة أشياء فهو مؤمن وذكر منها الإيمان بالرجعة](515).

حُكْمُ الحديث: (ضعيف: مرسل(516].

198- وروى أيضا فيه عن ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: [من أقر بتوحيد الله... (وساق الكلام إلى أن قال): وأقر بالرجعة والمتعتين وآمن بالمعراج والمساءلة في القبر والحوض والشفاعة وخلق الجنة والنار والصراط والميزان والبعث والنشور والجزاء والحساب فهو مؤمن حقاً وهو من شيعتنا أهل البيت](517).

تَرْجَمَةُ الرُّواة: «ابن عبدوس» من الضعفاء في رأي صاحب الحاوي، ومجهول الحال في رأي المامقاني وغيره.

حُكْمُ الحديث: (ضعيف).

*       *      *

 

أيها القارئ المحترم لقد أدركتَ من مطالعتكَ لتراجم رواة تلك الأحاديث أنه لا يوجد من بين جميع تلك الأحاديث حديثٌ صحيحٌ واحدٌ، بل جميع تلك الأحاديث التي عددها 198 حديثاً -باستثناء ستة منها رتبتها (حسن)- هي اصطلاحاً من الأحاديث الضعيفة المردودة التي لا يمكن الاعتماد عليها إما لأن سندها ينتهي إلى رواة غلاة أو مجهولي الحال ومهملين، أو لأنها روايات مرسلة بلا سند أصلاً.

وحتى لو فرضنا أن جميع تلك الروايات صحيحةٌ فإنها لن تكون مقبولةً لإثبات هذا الموضوع لأن خبر الآحاد -كما قلنا مراراً - من الأدلة الظنية، وجواز العمل بالدليل الظني -على فرض ثبوته- منحصرٌ في المسائل الظنية أي المسائل التي يكفي فيها الدليل الظني، مثل الأحكام الفرعية العمليّة، أما الأحكام القلبية والمسائل الاعتقادية والتي يعبِّر عنها العلماء بالأحكام العلمية واليقينية فإنها لما كان ثبوتها منوطاً بالعلم واليقين؛ لا يُعتبر فيها -بأي وجه من الوجوه- الدليلُ الظنيُّ كخبر الآحاد. وقد سبق أن أوضحنا هذه القضية في كتابنا هذا بما نقلناه عن علماء الإمامية الكبار كالشيخ «مرتضى الأنصاري» و«الشهيد الثاني» و«الشيخ الطوسي» و«ابن إدريس» و«الشيخ الطبرسي» و«السيد المرتضى» الذين أطبقوا جميعاً على أنه لا يجوز التعويل في الأحكام الاعتقادية على الأدلة الظنية كخبر الآحاد حتى لو كان صحيحاً، وأن «الإجماع المنقول» وغيره، من الأدلة الظنية التي لا تُقبل في الأحكام الاعتقادية مطلقاً.

فإذا علمتَ أن هذه الأخبار ضعيفةٌ ومردودةٌ سنداً؛ فمن المناسب الآن أن نعرضها على القرآن الكريم، لأن أقوى ميزان لمعرفة صحّة الحديث من سقمه -خاصة الأحاديث المتعلقة بالمسائل الاعتقادية- هو القرآن الكريم، أي أن الحديث الذي يتضمن أحد الأحكام والمسائل الاعتقادية، إذا خالف متنه القرآن أو لم يوافق ما في القرآن؛ يجب طرحه، كما نص على ذلك المرحوم الشيخ الأنصاري الذي صرّح في كتابه «الرسائل» -رغم اعتقاده بأن الخبر المتواتر نادر جداً في شريعة الإسلام- أن الأخبارَ الواردةَ عن الأئمة في وجوب طرح كل خبر يُخالف القرآن أو لا يوافق ما في القرآن في المسائل الاعتقادية أخبارٌ متواترةٌ، لذا نرجع الآن إلى القرآن الكريم لنرى ماذا يقوله عن موضوع «الرَّجْعَة»؟

 

+                     +                    +

 


 

القرآن يقول: الموتى لا يرجعون إلى الدنيا أبداً

 إذا ثبتَ أن القرآن ينصُّ على أن الموتى لا يرجعون أبداً إلى الدنيا فإنّ كلّ حديث يخالف هذا الأمر هو -كما يقول الإمام جعفر بن محمد عليه السلام - زخرف وباطل.

1- يقول تعالى: ﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ * حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ﴾ [الأنبياء:95-96].

تدلُّ هذه الآية على أن الموتى لا يرجعون إلى الدنيا حتى يوم القيامة لأن فتح سدّ يأجوج ومأجوج، بقرينة الآية التي بعدها، وباتفاق جميع المفسرين الشيعة والسنة، هو من علامات القيامة، خاصة طبقاً لقراءة ابن عباس وابن مسعود اللذَيْن قرأا (جَدْث) بمعنى القبر، بدلاً من (حَدَبٍ)، وأن ضمير (هم) قبلها يشير إلى كافة بني البشر، مما يدلُّ على أن فتح يأجوج ومأجوج من علامات القيامة، فيكون معنى الآية الصريح: كل قرية أهلكناها يلزم أن لا تعود إلى الدنيا حتى قيام الساعة، بعد فتح يأجوج ومأجوج وخروج الناس من قبورهم أي حتى قيام القيامة؛ وباختصار إن ما تفيده الآية هو أنّ سنّة اللهِ وما جرى من قضائه الحتميّ يقضيان بأن من يهلكهم اللهُ من أهل الدنيا لن يعودوا إليها مادامت الدنيا باقة، ولا تكون عودتهم إلا في نشأة الآخرة كي ينالوا جزاء أعمالهم.

ولا يخفى أن هذا المعنى ينفي بكل صراحة «الرَّجْعَة»، وحتى أولئك الذين جعلوا هذه الآية دليلاً على إثبات «الرَّجْعَة» مثل: «علي بن إبراهيم القميّ» و«العلامة المجلسي» فسّروا هذه الآية على النحو الذي ذكرناه، ولكن القائلين بالرجعة لما عجزوا عن الاستدلال بظاهر الآية ومنطوقها بل لم يتمكنوا من الاستدلال حتى بمفهومها -كما شرحنا ذلك على نحو مبسوط في التعليق على الحديث رقم (34)- قاموا حسب ظنهم بتدبيرٍ ماهرٍ فاستخرجوا بواسطة المفهوم المخالف للوصف في الآية ما يثبتون به مرادهم مع أن مفهوم الوصف، لاسيما المفهوم المخالف، لا حجّيّة له باتفاق العلماء.

أجل إن جميع المفسرين متفقون على تفسير الآية على النحو الذي ذكرناه، نهاية ما في الأمر أن كلاً منهم ذهب مذهباً في كيفية استفادته هذا المعنى من الآية طبقاً للقواعد اللغوية، فبعضهم فسّر الآية طبقاً لما رُوي عن ابن عباس ورأي الكسائي والفرّاء والزجّاج الذين قالوا إنّ كلمة حرام هنا معناها «واجب»(518)، كما جاء ذلك المعنى في قوله تعالى: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [الأنعام:151]، إذْ من البديهي أن الله أوجب أن لا نشرك به، وقد استُعملت كلمة حرام في هذا المعنى أيضاً في أشعار العرب عصرَ الجاهلية كقول عبد الرحمن بن جمانة المحاربي الجاهلي:

وإن حراماً لا أرى الدهر باكياً *** على شجوة إلا بكيت على عمرو(519)

أي يجب أن لا أرى الدهر باكياً، كما أنه من الشائع في محاورات العرب استخدام مثل هذه الألفاظ التي لها معنيان متضادان.

وقال بعضهم أن كلمة حرام استُخدمت في معناها المعروف ذاته، ولكنها خبر لمبتدأ محذوف وقرؤوا «إنّ» في كلمة «إنهم» بالكسرة، أي حرام على قرية أهلكناها رجوعهم، إنهم لا يرجعون. وبعضهم رغم تفسيره كلمة حرام بمعناها المشهور ذاته إلا أنه اعتبر حرف «لا» زائداً وذلك كحرف «لا» الذي جاء في قوله تعالى: ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف:12]، وبناء على ذلك فمعنى الآية «كل قرية أهلكنا أهلها حرام عليهم أن يعودوا ثانية». ويؤيد هذا المعنى نهاية الآية التالية:

2- ﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ * وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ [يس:31-32].

اللطيفة في ذكر حرف «كَمْ» التكثيريّة قبل فعل «أهلكنا» في الآية: إفهامنا أنه لما كان عدم عودة الأموات إلى الدنيا من النواميس الإلهية الحتمية؛ لذا فأنتم أيضاً ستكونون مثلهم، أي عندما ستموتون لن تعودوا إلى الدنيا، ولكنكم ستبعثون يوم القيامة لتنالوا جزاء أعمالكم، لذا سنحضركم جميعاً لدينا يوم القيامة للحساب والجزاء، فهذه الآية كما هو ملاحظ تنفي «الرَّجْعَة» بصراحة، ولذلك قال «الزمخشري» في تفسيره: [وهذا مما يردّ قول أهل الرجعة. ويحكى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل له: إن قوماً يزعمون أنّ علياً مبعوثٌ قبل يوم القيامة، فقال: بئس القوم نحن إذن: نكحنا نساءه وقسمنا ميراثه](520).

وينقل ابن الأثير أيضاً في كتابه «الكامل في التاريخ» عن الحسن بن علي روايةً بمضمون الرواية السابقة ذاته فيقول: [قال عمرو بن الأصم: قلت للحسن بن علي: إن هذه الشيعة تزعم أن علياً مبعوثٌ قبل القيامة! فقال: كذب والله هؤلاء الشيعة، لو علمنا أنه مبعوث قبل القيامة ما زوجنا نساءه ولا قسمنا ماله]، ويعقّب ابن الأثير على هذه الرواية بقوله: [أما قوله: هذه الشيعة، فلا شك أنه يعني طائفة منها، فإن كل الشيعة لا تقول هذا إنما تقوله طائفة يسيرة منهم، ومن مشهوري هذه الطائفة: جابر بن يزيد الجعفي الكوفي، وقد انقرض القائلون بهذه المقاتلة فيما نعلمه](521).

3- ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية:24-26].

فهذه الآية تدل على أن «الرَّجْعَة» وعودة الأموات إلى الدنيا مخالفٌ للسنّة الإلهية وقضاء الله الحتمي، فإن قيل لما كانت الآية تنفي رجعة الكفار فقط فهي تخالف الأخبار التي تتضمن عودة الكفار ولا تخالف الأخبار والروايات التي تفيد رجعة الأئمّة والمؤمنين، فنقول لو أن النبيّ الأكرم قال في جوابه على مقولة الكافرين ﴿ ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ﴾: إن آبائكم لن يرجعوا إلى الدنيا، لكان هناك محلٌ لذلك الإشكال، ولكن الإجابة كانت شاملة لجميع أفراد البشر لأن قوله تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية:26]، صريح في بيان أحد النواميس الإلهية الكلية التي تعتبر جزءاً من نظام عالم الملك والملكوت وتشمل بلا شك جميع أفراد البشر، ومثل ذلك كمن طلب من إدارة منظمة شيئاً ما فذكَّرَهُ رئيسُ الإدارة بأحد بنود التعاليم والمقررات العامة لنظام الإدارة المتعلق بسؤاله، فجواب المدير وإن كان ظاهره متجهاً إلى الشخص السائل لكنه لما أحاله إلى المواد العامة لنظام الإدارة فإن كلامه في الحقيقة موجه إلى كل سائل أيضاً. ويؤيد ذلك الآية التالية:

4- ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون:99-100].

فهذه الآية صريحة في نفي رجعة الإنسان إلى الحياة الدنيا بعد موته وغنية عن التعليق.

*       *       *

لقد عرفتَ إذن أن «الرَّجْعَة» تخالف نصوص القرآن الكريم، ونتيجة لذلك فإن جميع الروايات التي تتضمن «الرَّجْعَة» هي -بتعبير الإمام جعفر بن محمد الصادق- زخرف وباطل، لأنها تخالف القرآن الكريم، ويجب طرحها جميعاً وأن يُضرب بها عرض الحائط.

ولو فرضنا أنه لا توجد في القرآن الكريم آيةٌ واحدةٌ تخالف «الرَّجْعَة»، فيكفي لردِّ روايات «الرَّجْعَة» أنه لا توجد في القرآن أية آية توافق هذا المعنى، وذلك طبقاً للقاعدة التي نقلناها عن الشيخ مرتضى الأنصاري في بدايات هذا الكتاب (في فقرة «العلامات التي يُعرف بها الحديث الموضوع»).

خلاصة هذا البحث:

 إن الروايات التي نقلها المرحوم المجلسي في الجزء 13 من بحار الأنوار ضعيفةٌ من عدة وجوه فهي تتضمن مجموعة من الجمل والكلمات التي لا يجوز أبداً -طبقاً للموازين الشرعية التالية- أن نعتبرها من أحاديث الأئمة الأطهار:

1- بسبب ضعف سندها أو ضعف رواتها كما أثبتنا ذلك بالتفصيل، فضلاً عن أن معظمها يتضمن حكم الأئمة بعد المهدي وهو أمر يعارض الروايات الصحيحة الواردة بشأن المهدي، لذا فهي ساقط من الاعتبار.

2- بسبب معارضة متونها لنصوص القرآن الكريم.

3- بسبب عدم وجود آيات في القرآن الكريم توافق مضمون تلك الروايات.

4- وعلى فرض كون جميع تلك الروايات صحيحة ولا يخالف مضمونها نصوصَ القرآن الكريم؛ فإنها لما كانت أخبار آحاد فليست حجة في المسائل الاعتقادية.

ولِكُلِّ ما ذُكِرَ من الأسباب يجب أن نشطب بخط البطلان على جميع تلك الروايات وننزِّه الأئمّة الأطهار وفرقة الشيعة الإمامية من مثل تلك العقيدة الباطلة عديمة الأصل والأساس.

والآن نطالب القائلين بالرجعة بالإنصاف ونسألهم: هل يمكن بناء عقيدة على أساس حفنة من أخبار الآحاد الضعيفة المخالفة للقرآن التي لا تقوى على إعطاء ظن ضعيف للإنسان، مع أن العقائد طبقاً لدستور العقل والشرع لا بد أن تُبْنَي على العلم واليقين؟؟ خاصة أن الأمر يتعلق بعقيدة تخالف الأصل الثابت والسنة الإلهية التي لا تتبدل ولا تتغير في عالم الكون!

يا ربّ! بماذا سيجيبك يوم القيامة هؤلاء الأشخاص الذين يجمدون على مثل تلك الأخبار الموضوعة ويملؤون أدمغتهم بمثل تلك الخرافات، فيزلزلون بذلك أساس التشيّع المتين الذي ليس سوى اتباع عليٍّ والتعبّد بنصوص الإسلام الواضحة البسيطة، وبالتالي يقضون على جميع أتعاب علي بن أبي طالب وجعفر بن محمد وسائر الأئمة الأطهار؟

يا ربّ! أنت شاهد أنني لا أقصد من كلامي هذا أشخاصاً محدَّدين وحتى الأشخاص الذين دوّنوا تلك الأخبار لا ألومهم كثيراً لأنهم أصبحوا في ذمَّة الله، ولكن ألمي هو لماذا نجد أخوتنا في العقيدة والإيمان غير مهتمّين بالدين الذي هو الوسيلة الوحيدة لسعادتهم وفلاحهم، فلا يصرفون أدنى وقت للتحقيق بعقائده وفهم حقائقه؟ لماذا فقدنا موازين الإسلام إلى الحد الذي أصبح كل جاهل قادراً على أن يفرض علينا كل خرافة ووهم؟ لماذا لا نزال - مثل الشعوب البدائية- نمارس التقليد الأعمى لكل ما ورثناه عن أسلافنا، حتى ولو كانت عقائدهم أوهاماً باطلة لا أساس لها؟

سبحان الله! لماذا نجد التقليد الجاهل حاكماً على الناس على نحو يجعل أذهانهم محلاً لكل عقيدة وهمية، رغم أن دينهم اهتم غاية الاهتمام بدعوة البشر للتفكير والتدبُّر, وفرضَ فرض عين على كل مسلم أن يجتهد ويحصِّل اليقين في أمور عقيدته؟

إنها لقصَّةٌ غريبةٌ حقاً! إن هؤلاء القوم عندما يلتزمون بالدين تجدهم يقلِّدون آباءَهم تقليداً أعمى، فإذا تخلوا عن الدين تجدهم يصبحون أتباعاً مقلِّدين لكل جاهل عديم الدين! لا أدري إلى متى سيبقى هؤلاء القوم أسرى العبودية والتقليد، وكأنهم خلقوا للعبودية أساساً.

يا ربّ! رغم أنك قلت في كتابك: ﴿.. نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ... (التوبة: 67)، إلا أننا نتضرّع إلى ساحتك المقدسة أن ترحم هذا الشعب المسكين، فأنت تعلم أن الطريق الذي سلكوه طريقٌ عظيم الخطر.

 

+                     +                    +

 


 

استدلال السيد المرتضى على الرجعة والإجابة عنه

روى الفريقان عن النبيّ الأكرم حديثاً هو التالي: روى الحميدي في الجمع بين الصحيحينٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ﴿ لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ! قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟. ﴾

وروى الزمخشري في تفسيره «الكشاف» فقال: [وعن حذيفة: أنتم أشبه الأمم سمتاً ببني إسرائيل: لتركبنَّ طريقهم حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا؟](522).

خلاصة استدلال المرحوم السيد المرتضى بالحديث المذكور ما يلي: [إذا كانت هذه بعض رواياتهم في متابعة الأمم الماضية وبني إسرائيل واليهود فقد نطق القرآن الشريف والأخبار المتواترة أن خلقاً من الأمم الماضية واليهود لما قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فأماتهم الله ثم أحياهم فيكون على هذا في أمتنا من يحييهم الله في الحياة الدنيا](523).

وفيما يلي الإجابة عن استدلاله مع شرح معنى الحديث المذكور، فنقول: 1- يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة:55-56].

هذه الآية ليست صريحة في أن الله تعالى أحيا جماعة وأرجعهم إلى الدنيا بعد أن أماتهم زمنَ موسى عليه السلام، لأنه من المحتمل أن يُراد بقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ﴾ [البقرة:56] بعثة الأنبياء، أي بعد أن أمتناكم بعثنا بينكم أنبياء(524). كما أن من المحتمل أن يُراد بالموت في الآية الإغماء وفقدان الوعي، كالموت الذي جاء في قوله تعالى: ﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ﴾ [إبراهيم:17]، وأن يكون المقصود بالبعث «الاستيقاظ والعودة إلى الوعي» فيكون المعنى: أيقظناكم وأعدناكم إلى وعيكم بعد أن صعقتم وأُغمي عليكم.

كما أنه من المحتمل أن يُقصد بالموت الجهل كما في قوله تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾ [الأنعام:122]، كما استخدم الشعراء الموت بهذا المعنى كقول الشاعر:

أخو العلم حيّ خالد بعد موته           وأوصاله تحت التراب رميمُ

وذو الجهل ميّت وهو ماش على الثرى          يُظَنُّ من الأحياء وهو عديمُ

أي أن معنى الآية: جعلناكم علماء بعد أن كنتم جهلاء(525)، وكذلك من المحتمل أن يُراد بالبعث كثرة النسل، أي بعد أن متم على إثر الصاعقة وظُنّ أنكم انقرضتم كثّرنا ذريتكم وأولادكم(526).

وعلى كل حال لا تدل الآية المذكورة صراحةً على بعث جماعة بعد موتهم ورحيلهم عن الدنيا زمن حضرة موسى، ورجوعهم إلى الدنيا.

2- ولو فرضنا أن الآية تدل على هذا المعنى وأن جماعةً عادوا إلى الدنيا بعد موتهم زمن موسى فلا شك أن هذه القضية كانت معجزةً خاصّةً لموسى عليه السلام، أي أن بني إسرائيل لما كذَّبوا دعوة موسى وكانوا لا يُذعِنون لعقيدة المبدأ والمعاد؛ أمات الله جماعةً منهم ثم أحياهم تأييداً لنبوة موسى عليه السلام، وهذا الموضوع كان خرقاً لنظام عالم الطبيعة كي يكون تعريفاً برسالة موسى ودليلاً على صحتها، فما علاقة ذلك ببعثة جماعة في آخر الزمن ورجعتهم إلى الدنيا بعد موتهم لا لشيء إلا لينتقم بعضهم من البعض الآخر؟ وهل هناك نبيٌّ سيبعث في آخر الزمان حتى يُحْيي اللهُ أقواماً تأييداً لنبوته؟

3- قال النبي الكريم في ذلك الحديث الشريف أن المسلمين سيتَّبعون سنن اليهود والنصارى، فهل إحياء الموتى وإعادتهم إلى الحياة من سنن اليهود حتى يُقال أن الحديث الذي يُثبت متابعة المسلمين لسنن اليهود، يدل على أنه لا بد أن يموت منهم جماعة ثم يحيون ويعودون إلى الدنيا؟ ومثلاً لو قلنا أن القرويين يتبعون في الغالب سنن أهل المدن بحيث لو ورد أهل المدن أيّ مستنقع وحفرة لاتبعهم أهالي القرى إتباعاً أعمى فيها وسلكوا مسلكهم، فهل مقصود ذلك أنه لما كان أهالي المدن يموت منهم ألف بأجلهم وألفان بالزلزال وسائر الكوارث الطبيعية فإن أهل القرى سيقع عليهم ذلك أيضاً؟! من الواضح أنه لا يمكن لأي طفل أن يفهم هذا المعنى، بل المقصود أن أهالي القرى بسبب ضعفهم الأدبي والعلمي والأخلاقي يقبلون عادة أخلاق وعادات وسنن أهالي المدن دون تأمل بل اتَّباعاً أعمى إذْ يُفتَنون بمظاهر مدنيِّتهم فيفقدون سننهم وعاداتهم الخاصة ويركضون بشكل جنوني وراء عادات أهل المدن، فهذا الحديث النبوي أيضاً يقول: إن المسلمين سيتّبعون سنن اليهود، وليس مقصوده أنه إذا أحيا الله جماعة من اليهود بعد إماتتهم فإن الله سيحيي جماعة من المسلمين بعد موتهم ويرجعهم إلى الدنيا، لأنه من البديهي أن إحياء الأموات من سنن الله لا من سنن اليهود! إن المقصود من ذلك الحديث أن المسلمين سيهجرون تعاليم القرآن الكريم وسنة وسيرة خاتم المرسلين ويتَّخذون أحكام شريعتهم ظِهْرِيَّاً ويتخلَّقون بأخلاق اليهود تلك الأخلاق التي ستجرّهم إلى مستنقع الذلّ والشقاء، وتجعل من أمّةٍ كانت لها تلك العظمة أمام سائر الملل، ملّةً ضربت عليها الذلَّة والمسكنة لاتباعهم أخلاق اليهود وسننهم في نظامهم الاجتماعي المبني على التفكُّك والتنازع وسائر الأفعال التي أصابت اليهود-كما يقول القرآن- بالذلّ والمسكنة!

 

+                     +                    +

 


 

اتباع كثير من المسلمين سنن من قبلهم لاسيما اليهود

نعم، صدق الحديث النبوي الشريف فلقد اتّبع المسلمون كثيراً من أخلاق وسنن اليهود، ومن ذلك:

1- الخروج من دائرة التوحيد: كما أن اليهود اتجهوا بسرعة إلى تقليد المصريين في عبادة العجل بسبب اختلاطهم بالمصريين الذين كانوا يعبدون العجل فأخذوا عنهم هذه العادة الوثنية، فكذلك سيفعل بعض المسلمين -خاصة جماعة من الشيعة- الذين هجروا منذ زمن طويل التوحيد الخالص والحرية الأولى التي جاءهم بها الإسلام، ووضعوا على أعناقهم نير عبادة آلاف العجول! ويا ليت أولئك المقلدين الجهلاء اكتفوا بذلك ولم يصبحوا أكثر تحمُّساً لمعبوداتهم من المشركين ذاتهم، حتى عبدوا الأحجار والأشجار والقبور وجعلوا عبادتها شعارهم!

2- الاغترار في الدِّين نتيجة الإيمان بشفاعة عبثيّة لا حد لها ولا حساب: كان اليهود مغترين بشفاعة أجدادهم ويعتقدون أنهم لن تمسهم النار إلا أياماً معدودات لذا كانوا يعرضون عن الالتزام بأحكام كتاب الله «التوراة» وبعبارة أخرى كانوا يعتقدون أنهم - بفضل انتسابهم إلى يعقوب «إسرائيل» عليه السلام وكونهم من ذريته- أحباءُ الله وسينالون الشفاعة، فلذلك أخرجوا أنفسهم من الحدّ الوسط الواقع بين الخوف والرجاء وهو الحالة المعتدلة التي تحرّك الإنسان نحو كل كمال، وتعلّقوا بأماني محضة واتخذوا كتاب الله ظهريّاً وارتكبوا كل قبيح مسرورين بأن يعقوب أخذ عهداً من الله أن لا يعذب ذريته إلا أياماً معدودات: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [آل عمران:23-24].

وكذلك فعل إخوتنا في الدين حيث آمنوا -كما نعلم جميعاً- بشفاعة بغير حساب للنبي والأئمة الكرام، وضحوا بالقرآن الكريم ومعظم أحكام الإسلام على مذبح محبَّة كاذبة لآل عليٍّ ومشاركة في مآتمهم التي معظمها رياء وتزوير، وقالوا بكل صراحة: إن كل ما بذله النبيُّ وعليٌّ وسائر رجال الإسلام العظام وتحملوه في سبيل نشر الإسلام حتى قضوا نحبهم في سبيل الله بطرق مفجعة: فهذا عليٌّ عليه السلام الذي ضُرب على رأسه بالسيف وسقط صريعاً في محراب العبادة وذاك الحسين عليه السلام قُتل في كربلاء وأُخذت نساؤه وأبناؤه وأطفاله أسرى دون ذنب ارتكبوه وغير ذلك من المصائب التي تحملها الأئمة الكرام في سبيل الدين، كل ذلك لم يكن إلا ليشفعوا للعصاة والمذنبين من شيعتهم؛ كل ذلك كان لأجل أن نتمكن نحن شيعة عليّ عليه السلام أن نرتكب كل قبيح ومنكر في الدنيا، ثم يأتي عليٌّ والأئمة يوم القيامة فيأخذوا بأيدينا نحو غرف الجنة الجميلة ويضعوننا في أحضان الحوريات الجميلات لا لشيء إلا لكوننا قد صرفنا شيئاً من أموالنا في الدنيا في طريق محبة آل عليّ أي خصَّصنا شهرين من كل سنة لإقامة مجالس عزاء الحسين عليه السلام، مجالسَ لا تخلو من مفاسد أخلاقية واجتماعية، هذا على الرغم من وجود فقراء كثر حولنا لم نكن نسمع أصوات مسكنة نسائهم الجائعات وأطفالهم الحفاة رغم علوّها، أو قمنا بزيارةٍ عبادية ظاهراً -وللنزهة والتجارة باطناً- مرَّةً كل بضع سنوات إلى مراقد الأئمة أو أبنائهم أو بناتهم في قم ومشهد والعراق!!

والخلاصة كما أن اليهود عُبَّاد الدنيا والجاه آمنوا بمعنى خاطئ ولا أساس له للشفاعة، وتعاملوا نتيجةً لذلك مع تعاليم كتاب الله وشريعتهم بكل استهتار، فإن جماعتنا وإخوتنا استغلوا موضوع الشفاعة أسوأ استغلال وتعاملوا مع معظم تعاليم القرآن والإسلام ببرودة وقلّة اهتمام.

أيها القارئ العزيز! إن الذين لا يهتمُّون بأحكام وتشريعات الإسلام -سوى قلة معدودة يؤدونها بسبب العادة والتقليد- وينتهكون كل يوم حرمة شريعة الإسلام ويرتكبون المنكرات، الأشخاص الذين ابتعدوا عن رحمة الحق بسبب أخلاقهم السيئة وأعمالهم القبيحة، وسلبوا عن أنفسهم أهلية الغفران والعفو، وباختصار الأشخاص الذين لا يقدِّمون من عمل سوى إظهار المحبة للنبيِّ الأكرم والأئمة الكرام وبذلك لا يكسبون سوى نفور الأرواح الطاهرة لتلك الذوات المقدسة منهم، ويهيئون أنفسهم لعذاب الله الأليم، هل ممكن للنبي والأئمة أن يشفعوا لأمثالهم؟ هؤلاء الذين لا يوجد أي شبه أو تناسب بينهم وبين النبي والأئمة في محكمة العدل الإلهية؟!

هل يُنال الفلاح والسعادة الأخروية بأشياء مادية كالمال والجاه والمنصب التي تُعطى للناس بتوسّط النبي؟ هل يمكن أن نتصور أن الله العادل على الإطلاق والقائل في كتابه: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾ [الزلزلة:7-8]، والقائل في موضع آخر:

﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء:72]، أن يأذن بالشفاعة لمثل أولئك الناس؟

وإذا وصل الكلام إلى هنا فمن المناسب أن نوضح باختصار معنى «الشفاعة» بقدر ما يسمح به علمي الضعيف:

المعنى الحقيقي للشفاعة:

كلمة «الشفاعة» مشتقة من «الشفيع» بمعنى القرين. فعندما يجد صاحب الحاجة نفسه وحيداً فإنه يجعل الشخص الشفيع قرينه، أي عندما يجد أنه عاجز عن قضاء حاجته والوصول إلى مطلوبه وحده، فإنه يمدّ يد التوسّل إلى شخص آخر أي «الشفيع» ويطلب منه مساعدته. ويجب أن نعلم أن نوع شفاعة الشفيع ليس واحداً في كل مكان، بل تتغير الشفاعة بتغير مورد الحاجة وكونه من الماديات أم من الأمور المعنوية.

فمثلاً التلميذ الفقير الذي يجعل معلمه شفيعاً وواسطة له لدى وزير المعارف لكي يؤمن له وسائل عيشه، تختلف طريقة شفاعة المعلم هنا عن شفاعته عندما يطلب منه أحد أن يتوسط له لدى الوزير ليرفع من مقامه ويرقيه إلى مقام علميّ أفضل، لأنه في الحالة الأولى تكون صورة الشفاعة أن يأخذ المعلم يد التلميذ ويذهب به إلى الوزير ويشرح له أوضاع هذا التلميذ وفقره ويلتمس منه مساعدته في تأمين مصاريف دراسته، أما في الحالة الثانية فلما كان طلب التلميذ يتعلّق بأمور مرتبطة بالروح، وبعبارة أوضح يتعلق بأشياء مرتبطة برقيّ النفس وتنتج عادة عن كمال النفس وباختصار يتعلّق بأمور هي من المقامات النفسية والروحية، فإن شفاعة المعلم في هذه الحالة هي أن يُذكِّرَ التلميذَ بوسائل الرقيِّ بالنفس ومزايا كمال الروح، وشروط أهلية الوصول إلى المقامات العلمية الرفيعة، وبعبارة أخرى أن يجعل التلميذ خاضعاً لتعليمه وتربيته ويعمله أن يأخذ بالأسباب ويتعلّم المزايا العلمية والأخلاقية التي توصله إلى المقام الذي يبحث عنه.

فالآن لو اتبع التلميذ معلّمه بشكل كامل ووضع نصب عينيه على الدوام نصائح وتعليمات معلّمه، وباختصار قَرَنَ روحَه بروح المعلم فإنه سينال أهلية الوصول إلى ذلك المقام الذي يهدف إليه، وعندئذٍ بمجرد أن يُطْلِع الوزيرَ العالمَ على هذا الأمر فإنَّه سيضعه في ذلك المنصب الذي يستحقه. وهنا يجب أن نقول أن المعلم شفع لذلك التلميذ لدى محضر ذلك الوزير ودخل التلميذ في شفاعته، أما لو أن التلميذ أهمل تعليمات معلمه واستهتر في دراسته وأمضى أوقاته بالكسل والبطالة وبدلاً من ابتدائه باتباع أفعال معلمه واهتمامه بأقواله اكتفى بإبراز المحبة له وتوقع في الوقت ذاته أن يقوم الوزير بسبب وساطة المعلم له بمنحه مقام الأستاذية مثلاً، فلا شبهة أن مثل هذا التلميذ قد حرم نفسه بسوء صنيعه من شفاعة المعلم وبالتالي فلا يحق لمثل هذا التلميذ توقع شفاعة المعلم لإيصاله لذلك المنصب ولو توقع مثل ذلك فلا ينبغي أن يُعتبر من العقلاء.

والحاصل أن الشفاعة في الحالة الثانية لها قواعد ومبادئ، وهي في الحقيقة مثل الشجرة التي لها بذور وأغصان وأوراق وثمار، بذرها التعليم الذي زرعه المعلم في أعماق قلب التلميذ، وأغصانها وأوراقها وثمراتها هي المقامات العلمية التي كانت محط نظر التلميذ؛ فإذا قام التلميذ بسقاية تلك البذور العلمية والأخلاقية بأعماله، فلا شك أنه سيتمتع بثمارها في الوقت المطلوب، أي ستقوم روح المعلم أو روح التلميذ ذاته التي هي في الواقع من رشحات ومظاهر روح المعلم بإيصاله قهراً إلى ذلك المقام العلمي المطلوب. وباختصار ستُدْخِلُ هذا التلميذَ في إطار المعلم وحريم شفاعته.

أيها القارئ المحترم! لا بد أنك أدركت من هذا المثال معنى شفاعة الأنبياء - المعلمون في مدرسة الإنسانية - وفهمت جيداً أن شفاعتهم ليست عبثيّةً بل لها عدة أسس ومبادئ، ولها بذور وأغصان وأوراق وثمار؛ فبذرها تلك التعاليم التي جاء بها أولئك الأنبياء مربّو البشر، كل واحد منهم بدوره، وبذروها في قلوب الناس، فالذين ربوا تلك البذور في أعماق قلوبهم بعملهم طبقاً لتعليمات الأنبياء، فلا شك أنهم سيتمتعون في نهاية الأمر بشجرة ذات أغصان وأوراق وبالثمار الناتجة عن المشقات والأتعاب التي تحمّلوها في تربية تلك الشجرة وتنشئتها والتي تمثل الفلاح والنجاح، وسوف يعيشون بلا نهاية في ظلها الوارف.

والخلاصة، إن كل من قرن روحه في هذه الدنيا بأرواح الذوات المقدسة للنبي والأئمة الأطهار وسار على هديهم أي جعل القرآن وسنة النبي والأئمة وسيرتهم نبراس حياته وميزان أعماله فإنه سيصل إلى منزل السعادة الأبدية وفي النهاية سيدخل في حريم شفاعتهم ويحشر معهم: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران:31].

وما جاء في الأحاديث المروية من طرق الشيعة والسنة أن «العلماء» أيضاً سيكونون من الشفعاء يؤيد جيداً هذا المعنى ذاته، لأن العلماء هم في الحقيقة ورثة الأنبياء، إنهم أولئك الذين يعلّمون الناس ما تعلموه من أولئك المعلّمين الإلهيين، وما درسوه من كتاب الله وسنة النبيّ والأئمّة وسيرتهم، وفي النهاية يبذرون بدورهم بذر الشفاعة في قلوب أفراد البشر، فكلّ مَن اتّبع أولئك العلماء وباتّباعهم اتّبع في الحقيقة النبيَّ وعمل بأقواله، وفي النهاية قرن روحه بأرواحهم فلا شك أنه سيدخل في الآخرة في دائرة شفاعتهم ويحشر في زمرتهم.

فهذا معنى شفاعة الأنبياء والأولياء، وهذه هي الشفاعة التي تدفع الإنسان دائماً إلى العمل والجدّ والاستكثار من الخيرات، بدلاً من جعل الإنسان يتكّل على غيره في أمور الدِّين ويستهتر بتعاليمه ويتكاسل في تطبيق شرائعه، وهذه هي الشفاعة التي تجعل الإنسان يعيش دائماً بين الخوف والرجاء وهو الشعور الوحيد المؤثّر في دفع الإنسان نحو السعي والعمل، وتجعله ينظر بعين الإجلال والتعظيم لشعائر الله وأوامره واحترام أحكامه، وبالنتيجة يرى نفسه أصغر من أن يمكنه يخطو خطوة في طريق معارضتها ومخالفتها، بدلاً من أن يعيش على الأماني الفارغة التي تغريه بالتساهل في انتهاك نواميس الشرع وبارتكاب المعاصي.

 وباختصار هذا هو فقط معنى الشفاعة التي توجب سعادة الدنيا والآخرة للمسلم، وليس قيام النبي والأئمة وجماعة آخرون في الآخرة بالشفاعة لأناس لا لشيء إلا لأنهم كانوا يظهرون محبتهم لهم ولكن في الوقت ذاته يستهترون بجميع أحكام دينهم ويعرِّضون أنفسهم لنار جهنم التي ستكون ملازمة لهم لا تنفك عنهم نتيجة عصيانهم اللهَ ورسولَه وتعدِّيهم حدودَه، فينقذونهم من هذا العذاب ويأخذونهم إلى جنات الرضوان التي لا ينالها إلا من اتبع الله ورسوله، لأنه كما قلنا مراراً إن السعادة والشقاء الأخرويين -طبقاً لحكم الشرع والعقل ونصوص القرآن الكريم الصريحة- رهينان بأعمال الإنسان: ﴿ فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [يس:54].

﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر:17].

فذلك اليوم تُجزى فيه كل نفس بما اكتسبته وبما عملته، فتنال فيه جزاءَها الذي تستحقه بالضبط، ولا ظلم اليوم: أي لا تُظلم نفس شيئاً فلا يُنقص من ثواب أحد شيئاً ولا يُعاقب شخصٌ زيادةً على ما يستحق.

3- كتمان الحق: كما قام علماء اليهود وأحبارهم بابتداع أمور باطلة من عند أنفسهم لمصالحهم الشخصية وخلطوها بحقائق التوراة وكتموا بعض حقائقها واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً من منافع الدنيا وجعلوا الجهل والباطل وسيلتهم لحفظ منافعهم وإغفال عوام الناس كما قال تعالى:

﴿ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:40-42].

كذلك اتبع جماعة من المتلبسين بلباس علماء الدين بين المسلمين منذ قديم الأزمان هذا النهج ذاته فخلطوا تعاليم الإسلام الحقة بأباطيل مبتدعة وجرُّوا الإسلام والنظام الاجتماعي للمسلمين إلى حالة يُرثى لها.

4- النفاق: فقد اليهود على إثر ضعف نفوسهم وجبنهم الفطري ملكة الصدق واستشرى فيهم النفاق والتلوّن بوجهين وتمثلوا رذيلة الكذب التي لها أسوأ الأثر في تخريب المجتمعات وانحلالها مما ضرب عليهم الذلة والمسكنة: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة:76].

كذلك فقد كثير من المسلمين شيمة الصدق التي هي أساس الفضائل ومنبع المكارم الأخلاقية، وحلّ محلها النفاق والتلون بوجهين والكذب بجميع مظاهره.

5- أمرُ الناس بالبر ونسيان أنفسهم: كما حصل بين اليهود من أمرهم الناس بالتقوى والصلاح وتخلّقهم في الوقت ذاته بآلاف الأخلاق السيئة وفي الحقيقة اعتبار أنفسهم وكأنهم فوق القانون ومقربون من الله مهما فعلوا، فلم يكونوا يهتمون حقَّ الاهتمام بأحكام دينهم وتعاليمه الأخلاقية وكانوا مثالاً حياً للواعظ غير المتّعظ كما قال سبحانه: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة:44]؛ كذلك اتبع جماعة من المسلمين هذه الطريقة اليهودية القبيحة فكانوا يدْعُونَ الناسَ إلى الأخلاق وشريعة الإنسانية وفي الوقت ذاته يبتعدون بأنفسهم مراحل كثيرة عن العمل بهذه الأخلاق، ورغم ما يظهرونه في كل محفل ومجلس من محبتهم للدين وتعلّقهم الشديد به، يتصرفون عملاً تصرّف أعداء الإسلام ولا يخطون خطوة في سبيله تتعارض مع مصالحهم! أجل لو لم يكن الأمر كذلك لما وجدنا الإسلام يعاني من هذا الانحطاط ولما وجدنا المسلمين واقعين في هذه الذلة والمسكنة التي نراها اليوم.

6- تحريف كتاب الله: كما قام أحبار اليهود بتحريف كتاب الله لتحقيق مآربهم الشخصية كما قال سبحانه:

﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:75].

كذلك قامت «فِرَقُ الغُلاة» من الشيعة - كما مرّ مبسوطاً في الفقرة الثامنة من فصل أسباب وضع الحديث في هذا الكتاب - بتحريف معاني القرآن الكريم وتأويلها لتنطبق على عقائدهم الباطلة، وكانوا ينشرون حفنة من الآراء المطابقة لعقائدهم السخيفة بوصفها من تعاليم القرآن ويضعون لتأييدها أحاديث ينسبونها إلى الأئمة الأطهار ويشيعونها بين الناس.

نهاية ما في الأمر أن اليهود نجحوا في هذا المسعى واستطاعوا أن يكتموا ما أرادوا كتمانه من التوراة ويضيفوا ما أرادوا إضافته إليها وفي النهاية أوجدوا هذه التوراة الحالية، أما الآيات الموضوعة التي افترتها «فِرَقُ الغُلاة» فبقيت لحسن الطالع حبيسةً ضمن الأحاديث الموضوعة ولم تستطع حتى اليوم ولِـلَّهِ الحمد أن تلوِّث القرآن المقدّس.

أيها القرّاء المحترمون! لو تأمَّلتم عادات اليهود وأخلاقهم الفردية والاجتماعية وعادات كثير من عوام المسلمين -خاصّة الشيعة- لفهمتم أن كثيراً من أخلاق اليهود التي شرحتُها سَرَتْ إلى المسلمين، وفي النهاية ستصدِّقون أنَّ ذلك الحديث الشريف هو من جملة معجزات النبيِّ الخاتم صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

كما ذكرنا في الصفحة (144) من هذا الكتاب، لم يستطع القائلون بالرجعة أن يُبرزوا دليلاً لإثبات عقيدتهم سوى «الخبر» (أي الحديث)، بل ليس لديهم من دليل سوى ذلك، ورغم تمسكهم ببعض الآيات القرآنية وبالإجماع المنقول، إلا أنهم لما كانوا يفسرون الآيات طبقاً لمُفاد تلك الأحاديث ولا يفهمون القرآن الكريم إلا من خلال تلك الروايات، كما أن «الإجماع المنقول» هو من شعب خبر الواحد ويسمى في الاصطلاح بـ«خبر الواحد اللّبي»؛ لذا فإن مرجعهم الحقيقي في استدلالهم بالآيات والإجماع هو إلى «خبر الآحاد» ذاته. ومع ذلك ولأننا وعدناكم أن نتماشى مع القائلين بالرجعة وأن نبحث كل دليل من أدلتهم الثلاثة على حدة، لذا بعد أن فصّلنا الكلام عن أدلتهم من الأخبار وكذلك أجبنا خلال ذلك عن استدلالاتهم من بعض آيات القرآن، نأتي الآن إلى مناقشة استدلالهم بالإجماع فنقول:

ذكر المجلسي بعد نقله لأخبار الرجعة ناقلاً عن السيد المرتضى أن عمدة الأدلة على الرجعة هو إجماع الطائفة الذي يعكس قول المعصوم.

فأقول: إن جميع المحققين يتّفقون على أن «الإجماع المنقول» ليس دليلاً مستقلاً بل هو أحد أقسام خبر الآحاد ويُعبَّر عنه بـ«خبر الواحد اللّبي»، ولم ير جماعة من المحققين كالشهيد الثاني والشيخ مرتضى الأنصاري والآخوند الخراساني وغيرهم حجيّته حتى في المسائل الفرعية التي تكفي فيها الأدلة الظنية، فضلاً عن المسائل الاعتقادية التي تتوقف على العلم واليقين.

والخلاصة فإن «الإجماع المنقول» على فرض ثبوت حجيّته، من الأدلّة الظنيّة، والدليل الظنيّ كما بيّنا في بداية الكتاب لا يُقبَل في المسائل الاعتقادية إطلاقاً.

أصبح معلوماً إذن مما تمَّ ذكره أنَّ «الرَّجْعَة» وعودة الأموات إلى الدنيا لما كانت أمراً مخالفاً للأصل الثابت في عالم الكون ولسنّة الله الحتميّة وأنه ليس لدينا أي دليل عقليٍّ أو نقليٍّ صحيح يسمح لنا أن نُعرض عن هذا الأصل المسلّم، فلا مندوحة أمامنا من أن نعتبر هذه العقيدة عقيدة موهومة لا أصل لها.

أجل إن تلك الأخبار التي ذكرناها، بمعزل عن مخالفتها للقرآن الكريم ولحكم العقل، أو عدم وجود آيات قرآنية تؤيدها، يمكن تأويلها بأن يكون المراد من الرجعة فيها رجعة آثار الأئمة الأطهار ودولتهم كما أشار السيد المرتضى -فيما نقله المرحوم المجلسيّ عنه- إلى ذهاب بعض الإمامية إلى هذا الرأي وقال: [فأما من تأوَّل الرجعةَ في أصحابنا على أنَّ معناها رجوع الدولة والأمر والنهي من دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات فإن قوماً من الشيعة لما عجزوا عن نصرة «الرَّجْعَة» وبيان جوازها وأنها تنافي التكليف عوّلوا على هذا التأويل للأخبار الواردة بالرّجعة..]

فأقول: لما كانت عقول البشر وأفكارهم في حالة ترقٍّ وتكامل متواصلَيْن فسيأتي يومٌ في النهاية يصبح فيه أكثر الناس عقلاءً مفكرين، ولا شك أن الناسَ ستدرك في مثل ذلك اليوم حقائقَ دين الإسلام وشريعةَ الفطرة والعقل التي هدفها منذ اليوم الأول هم العقلاء وأولو الألباب، وسيعود الإسلام في النهاية إلى عظمته وازدهاره الأوَّل وهذه العودة هي في الحقيقة عودةٌ أيضاً لآثار الأئمّة الكرام ورجعةٌ لهم.

وبالطبع فرضٌ على كل مسلم اعتقد بالرجعة بهذا المعنى أن ينتظر دائماً مثل هذا اليوم.

وفي الختام نسلّم على كل مَن اتّبع الدِّين الحقّ أو هو يبحث عنه.

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين


 

قائمة المصادر والمراجع

(ملاحظة: لم يذكر المؤلف قائمة مصادره، ولكني استقرأتُ مصادره ومراجعه هذه من حواشي كتابه، بيد أنه لا يشير في حواشيه إلى تاريخ ومكان النشر للمصادر التي يرجع إليها، بل أحياناً لا يشير حتى لاسم مؤلف المصدر، بلي يكتفي بذكر اسم المصدر مختصراً ورقم الصفحة. فتواريخ وأماكن النشر المذكورة أدناه من عندي وهي للطبعات التي رجع إليها وأحياناً لتلك التي وَثَّقْتُ أنا منها.) (المترجم)

1-         القرآن الكريم.

2-         ابن الأثير الجزري، عز الدين أبو الحسن علي (630 ﻫ)، «الكامل في التاريخ»، القاهرة، 1302ﻫ.

3-         ابن الجوزي، أبو الفـرج عبد الرحمن بن عليّ البغدادي الحنبلي (597 هـ)، «الموضوعات».

4-   ابن الجوزي، أبو الفـرج عبد الرحمن بن عليّ البغدادي الحنبلي (597 هـ)، «تلبيس إبليس»، ط1، بيروت: دار الكتاب العربي، 1405ﻫ/ 1985م.

5-         ابن النديم، أبو الفرج محمّد بن أبي يعقوب، (ت 380)، «الفهرست»، طبع طهران.

6-   ابن حزم الأندلسي، أبو محمد علي بن أحمد (456 ﻫ)،. «الفِصَل في الملل والأهواء والنحل»، القاهرة: مكتبة الخانجي.

7-         ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي (808 هـ)، «المقدمة»، طبع القاهرة.

8-   ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (681هـ)،«وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» (المعروف بتاريخ ابن خلّكان)، تحقيق: د. إحسان عباس، بيروت: دار الثقافة، 1978م. (8 أجزاء).

9-   ابن طاووس، السيد عليّ بن موسى بن جعفر الحلّي (644 هـ).، «فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم».

10- ابن كثير، الحافظ أبو الفداء إسماعيل الدمشقي (774 هـ)، «تفسير القرآن العظيم»، طبع بيروت، 1401هـ.

11- أبو الحسن الأشعري، الإمام علي بن إسماعيل (324 أو 330ﻫ؟)، «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين»، ط2، القاهرة. بتحقيق وتعليق محمد محي الدين عبد الحميد، 1389ﻫ.

12-   أبو علي الحائري، الشيخ محمد بن إسماعيل (1215 هـ)، «منتهى المقال في علم الرجال».

13-   أحمد أمين، «ضحى الإسلام»، ط10، بيروت: دار الكتاب العربي، بدون تاريخ.

14-   أحمد أمين، «فجر الإسلام»، ط11، بيروت: دار الكتاب العربي، 1975م.

15-   الآخوند الخراساني، «كفاية الأصول».

16- الأسترآبادي، الميرزا محمد (1021 هـ)، «منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال» المعروف بالرجال الكبير، طبع طهران، 1306هـ.

17- الأنصاري، الشيخ مرتضى (1281 هـ)، «فرائد الأصول» (ويُعْرَف أيضاً بـ«الرسائل»)، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، ط1، قم: مجمع الفكر الإسلامي، 1419 هـ، (4 مجلدات).

18- البغدادي، الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي (429 ﻫ)، «الفَرق بين الفِرَق وبيان الفرقة الناجية»، بيروت: دار الآفاق الجديدة، ط2، 1977م.

19-   البلاغي، الشيخ محمد جواد النجفي (1352هـ)، «آلاء الرحمن في تفسير القرآن».

20- التفرشي، آقا مير مصطفى بن الحسين الحسيني (1015 أو 1031 هـ؟)، «نقد الرجال»، طهران، 1318هـ.

21-   جرجي زيدان، «تاريخ التمدن الإسلامي»، ط2، مصر: مطبعة الهلال بالفجالة، 1918 م.

22- الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن (1104ﻫ)، «أمل الآمل في معرفة علماء جبل عامل» (المطبوع في نهاية كتاب منهج المقال للأسترآبادي)، طهران، 1306 هـ.

23- حسن، الشيخ، المعروف بـ«صاحب المعالم» جمال الدين بن منصور بن زين الدين الشهيد الثاني (1011 هـ) «منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان».

24-   الحلي، العلامة الحسن بن يوسف بن المطهر (726 هـ)، «خلاصة الأقوال في معرفة الرجال».

25-   الراغب الأصفهاني، «المفردات في غريب القرآن»، تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني، ط2، طهران.

26-   رشيد رضا، السيد محمد منشئ مجلة المنار، «الوحي المحمَّدي»، طبع مصر، 1352هـ/1933م

27- الزبيدي، محب الدين محمّد مرتضى الحسيني الواسطي (1205 هـ)، «تاج العروس»، تحقيق علي شيري، بيروت: دار الفكر، 1414 هـ.

28-   الزمخشري، أبو القاسم محـمود بن عمر (538 هـ)، «تفسير الكشاف».

29- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن (911 هـ)، «الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير»، بيروت: دار الكتب العلمية، 1410هـ.

30-   الشريف الرضي، نهج البلاغة، طبع بيروت.

31-   الشهرستاني، أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم (548 هـ)، «الملل والنحل»، بيروت: دار الكتب العلمية.

32- الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين العاملي (966 هـ)، «حقائق الإيمان»، تحقيق السيد مهدي الرجائي، ط1، قم: مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي العامة، 1419 هـ..

33-   الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين العاملي (966 هـ)، «البداية في علم الدراية».

34-   الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين العاملي (966 هـ)، «المقاصد العلية».

35- الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين العاملي، (966 هـ)، «الدراية»، ط3، قم: منشورات مكتبة المفيد، 1409 هـ، طبعة مصورة بالأفست عن طبعة قديمة نشر محمد جعفر آل إبراهيم، النجف: مطبعة النعمان.

36-   الشوشتري، الشهيد الثالث القاضي نور الله (1021 هـ)، «مجالس المؤمنين».

37-   الصدر، السيد حسن الموسوي العاملي الكاظمي (1354 هـ)، «الشيعة وفنون الإسلام».

38-   الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي (381 ﻫ)، «الخصال».

39- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي (381 ﻫ)، «الاعتقادات في دين الإمامية» أو الطبعة الحجرية (المطبوعة مع شرح الباب الحادي عشر)

40-   الصفّار، الشيخ محمد بن الحسن بن فروخ (المتوفى 290 هـ)، «بصائر الدرجات»، طبع طهران.

41- صفي الدين، أبو تراب المرتضى بن الداعي بن القاسم الحسيني الرازي الملقب بعلم الهدى (القرن 6 الهجري) «تبصرة العوام ومعرفة مقالات الأنام» (بالفارسية في الملل والنحل).

42- الطبرسي، الشيخ أمين الإسلام أبو على الفضل بن الحسن (560 هـ)، «مجمع البيان في تفسير القرآن»، طبع بيروت، 1379هـ. (6 أجزاء)

43- الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير الآملي (310 هـ)، «تفسير الطبري أو جامع البيان في تأويل القرآن». (20 جزءاً)

44-   الطوسي، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن (460 هـ)، «اختيار معرفة الرجال».

45-   الطوسي، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن (460 هـ)، «الفهرست» طبع كلكوتة.

46-   الطوسي، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن، (460 هـ)، «عدَّة الأصول».

47-   عبده، الشيخ محمد، «التفسير».

48-   الفتني، المحدث محمد طاهر بن علي الهندي (986 هـ)، «تذكرة الموضوعات».

49-   فريد وجدي، الأستاذ محمد، «دائرة معارف القرن العشرين»، ط3، بيروت: دار المعرفة، 1971م.

50-   الكشي، «اختيار معرفة الرجال أو رجال الكِشِّي»، طبع كربلاء.

51-   الكليني، الشيخ المحدث محمد بن يعقوب (329 هـ)، «الأصول من الكافي»، طبع طهران.

52- المامَقَانيّ، الشيخ عبد الله (1350 أو 1351 هـ)، «تنقيح المقال في أحوال الرجال»، الطبعة الحجرية القديمة (في 3 مجلدات).

53- المامقاني، الشيخ عبد الله (1350 أو 1351 هـ)، «مقباس الهداية في علم الدراية». (المطبوع مع كتابه الرجالي الكبير: تنقيح المقال).

54-   المامقاني، الشيخ عبد الله (1350 أو 1351 هـ)، «نتائج التنقيح».

55-   مجلة «إيرانشهر» طبع برلين. (بالفارسية).

56-   مجلّة «آينده»، طبع طهران. (بالفارسية).

57-   مجلة «وظيفة»، طبع طهران. (بالفارسية).

58-   المجلسي، الملا محمد باقر بن محمد تقي(1111 هـ)، «الوجيزة».

59- المجلسي، الملا محمد باقر بن محمد تقي(1111 هـ)، «بحار الأنوار»، الطبعة الحجرية القديمة، وطبعة بيروت: مؤسّسة الوفاء، عام 1404هـ، (110 مجلدات).

60-   المجلسي، الملا محمد باقر بن محمد تقي(1111 هـ)، «زاد المعاد» (بالفارسية).

61-   المجلسي، لملا محمد باقر بن محمد تقي (1111 هـ)، «السماء والعالم».

62-   مسلم، الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (261 ﻫ)، «صحيح مسلم».

63- المفيد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم أبو عبد الله، العكبري البغدادي (413 هـ)، «أوائل المقالات»، تحقيق إبراهيم الأنصاري الزنجاني الخوئيني، بيروت: دار المفيد، ط2، 1414 هـ/ 1993م.

64- المهدي لدين الله، الإمام الزيدي أحمد بن يحيى بن المرتضى (840 هـ) «المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل».

65- مير داماد، محمّد باقر الحسيني المرعشي، «الرواشح السماوية»، قم: منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1405هـ.

66-   الميرزا الأصفهاني، عبد الله الأفندي التبريزي (1134 هـ)، «رياض العلماء وحياض الفضلاء».

67-   ميرزا بابا الشيرازي (1286هـ)، «آيات الولاية» (بالفارسية)، طبع طهران.

68- النجاشي، الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن علي (405 هـ)، «الرجال»، طبع بمبئي. وط5، قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، 1416 هـ.

69- النوبختي، أبو محمد الحسن بن موسى (توفي بين300 و310 هـ)، «فرق الشيعة»، (الطبعة القديمة)، صححه وعلق عليه: السيد محمد صادق آل بحر العلوم، النجف 1355ﻫ. وط2، بيروت: دار الأضواء، 1404/1984م.

70-   النوري الطبرسي، الميرزا حسين المازندراني (1320 هـ)، «مستدرك الوسائل».

المراجع الإضافية التي رجعت إليه أيضاً في التحقيق والحواشي:

1- ابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (213 أو 218ﻫ)، «السيرة النبوية»، تحقيق مصطفى السقا وآخرين، القاهرة.

2- الأردبيلي، محمد بن علي الغروي الحائري (1101 هـ)، «جامع الرواة»، طبع قم، 1403 هـ.

3- الألباني، المحدِّث محمد ناصر الدين، «صحيح الجامع الصغير»، الرياض: المكتب الإسلامي، 1406هـ.

4- الأمين، السيد محسن العاملي الدمشقي (1370 ﻫ)، «أعيان الشيعة»، تحقيق حسن الأمين، بيروت: دار المعارف، 1406هـ.

5- البخاري، الإمام محمد بن إسماعيل الجعفي (256 ﻫ)، «صحيح البخاري»، المكتبة العصرية، بيروت، 1418هـ.

6- البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين (458 هـ)، «شعب الإيمان»، طبع مصر، 1410 هـ.

7- الطهراني، آقا بزرگ (1388هـ أو 1389 هـ)، «الذريعة إلى تصانيف الشيعة»، إعداد وتنسيق وفهرسة: السيد أحمد الحسيني، ط2، 1406 - 1986 م، بيروت: دار الأضواء. (26 جزءاً)

8- التستري، الشيخ محمد تقي (القرن 14 هـ)، «قاموس الرجال»، طهران، 1379 هـ. (11 مجلداً).

9- الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن (1104ﻫ)، «وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة»، الطبعة الحجرية، وط مؤسسة آل البيت، قم، 1409ﻫ.

10-        الطباطبائي العلامة السيد محمد حسين (1412 هـ)، «تفسير الميزان»، طبع بيروت. (20 جزءاً)

11-                      الطوسي، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن، «التبيان في تفسير القرآن»، الطبعة الحجرية.

12-        الهيثمي، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807هـ)، «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد»، القاهرة: دار الريان للتراث، وبيروت: دار الكتاب العربي، 1407 هـ.

 

+                     +                    +

 


 

الهوامش

(1) حيدر حب الله، «نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي، التَكَوُّن والصيرورة»، بيروت: مؤسسة الانتشار العربي، 2006م، ص 612 فما بعد. وقد استفدتُ منه بعضَ ما ذكرتُهُ في هذه المقدمة عن «شريعت سنغلجي» و«عبد الوهاب فريد».

(2) الخميني، «كشف الأسرار» (عربي)، ص 78.

(3) شريعت سنغلجي، «كليد فهم قرآن»، ص 5-7.

(4) شريعت سنغلجي، كليد فهم قرآن، ، ص 3- 4-5.

(5) المصدر السابق نفسه، ص 39-41.

(6) طبع هذا الكتاب - كما يذكر آقا بزرگ الطهراني في «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» - عام 1318 هجرية شمسية (الموافق لسنة 1942م) وكُتِبَتْ عليه ردودٌ عديدة، من أبرزها ما كتبه الميرزا عبد الرزاق المحدث الهمداني، بعنوان: «سلاسل الحديد على عنق العنيد عبد الوهاب فريد»، وكتاب: «الدين والرجعة في الرد على الإسلام والرجعة» للشيخ حسن بن الحسين السردرودي المولود سنة 1306هـ، راجع: آقا بزرگ الطهراني، الذريعة، ج 11/ص 112، وج12/ص 210 وج 26/ص 302.

(7) هو شيخ المؤلف وأستاذه أي المرحوم آية الله الشيخ محمد حسن شريعت سَنْگِلَجِي (1890م - 1943م) أحد رواد الإصلاح والتصحيح بين الشيعة الإمامية في إيران في عهد الشاه رضا خان البهلوي، كان من الداعين إلى تصحيح العقائد وإصلاح المسار ونبذ الغلوّ والأعمال البدعية المشوبة بالشرك والرائجة بين العوام في عصره، والعودة إلى القرآن الكريم وتوحيده الناصع، وألف في ذلك كُتُباً (بالفارسية) أشهرها: كتاب [كليد فهم قرآن] أي مفتاح فهم القرآن، وكتاب [توحيد عبادت] أي توحيد العبادة، وغيرها، وقد طبعت كتبه عدّة مرات. (المترجم)

(8) الظرف متعلق بالمصدر الذي بعده وفعل التكليف يتعدّى بنفسه وعلماء الأصول والفقه يُعَدُّونَه بالباء.

(9) محمد رشيد رضا، الوحي المحمَّدي، طبع مصر، 1352هـ/1933م، ص 108.

(10) كما أشار الله تعالى إلى هذا المعنى في آيات أخرى كقوله سبحانه: ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) [هود:1187-119].

(11) وهذا النوع من الناس أقليّة دائماً خاصة في عصرنا الحاضر الذين أصبح فيه أمثالهم نادرون وربما سيأتي يوم في المستقبل ينقرضون فيه بمقتضى قانون الحركة الفكرية والتطور العقلي.

(12) إذ إن الله تعالى يقول: ((كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)) [غافر:35]. (المترجم)

(13) يقصد بذلك مؤسس نحلة البهائية «حسين علي بهاء المازندراني» الذي ادَّعى الإلـهية وأطلق على أتباعه في كتابه «الأقدس» عبارة «أغنام الله»! (المترجم)

(14) محمد رشيد رضا، «الوحي المحمدي»، ص108- 111، باختصار وتصرف.

(15) محمد رشيد رضا، الوحي المحمَّدي، ص 111.

(16) رواه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى البيهقي في شعب الإيمان والطبراني في المعجم الأوسط والكبير وغيرها من مصادر الحديث وصححه الألباني في «صحيح الجامع الصغير (3913)» (المترجم).

(17) إسماعيل بن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، المقدّمة، ج1 /ص7.

(18) مجلة «إيرانشهر» طبع برلين.

(19) مجلة «إيرانشهر» طبع برلين.

(20) الملك فيليب الثاني (1527 -1598م) درس في بداية حياته في الكنيسة وصار من رجالها ثم خَلَفَ أباه على عرش إسبانيا فمارس تعصباً شديداً خلال فترة حكمه واستخدم محاكم التفتيش لملاحقة من تعتبرهم الكنيسة مرتدين أو مشكوكاً في استقامة إيمانهم !! (المترجم نقلا عن موسوعة إنكارتا).

(21) مجلة وظيفة: ج1/ص79.

(22) مجلة وظيفة: ج1/ص80.

(23) مجلة وظيفة: ج1/ص83.

(24) مجلة وظيفة: ج1 /ص82.

(25) مجلة وظيفة ج1/ص 87-89.

(26) مجلة وظيفة ج1/ص88-89.

(27) مجلة وظيفة ج1/ص 89-92.

(28) مجلّة آينده: ج9.

(29) مجلّة آينده: ج9.

(30) علم الاجتماع، ج1/ص92-96.

(31) هذا في الطبعة الحجرية القديمة التي كانت لدى المؤلِّف، أما في الطبعة التي رجعتُ إليها لنقل الاقتباس فانظر: (الشيخ مرتضى الأنصاري (1281 هـ)، «فرائد الأصول» (ويُعْرَف أيضاً بـ«الرسائل»)، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، ط1، قم: مجمع الفكر الإسلامي، 1419 هـ ، (4 مجلدات)، ج1/ص 555 - 557). (المترجم)

(32) راجع الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، 18: 111، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، في وجوب التوقف والاحتياط.

(33) انظر الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، 18: 23، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(34) الشهيد الثاني، المقاصد العلية، ص 25.

(35) الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، العدَّة ، 1: 131.

(36) انظر ابن إدريس الحلي، السرائر 1: 50، وانظر رسائل الشريف المرتضى 1: 211.

(37) لأنه إذا لم تكن أخبار الآحاد معتبرة في أصول الفقه فهي غير معتبرة في أصول الاعتقاد من باب أولى.

(38) الشيخ مرتضى الأنصاري، الرسائل، ج1/ص 555 - 557. (المترجم)

(39) الشيخ مرتضى الأنصاري، الرسائل، ج1/ص 569 - 570.

(40) هذا في النسخة القديمة التي كانت لدى المؤلِّف، أما التي رجعت إليها لنقل الاقتباس فانظر: الشهيد الثاني (966 هـ)، «حقائق الإيمان»، تحقيق السيد مهدي الرجائي، ط1، قم: مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي العامة ، 1419 هـ. ص53-54.

(41) أي كتابه: «فصول العقائد»، ص 48.

(42) الشهيد الثاني، «حقائق الإيمان»، ص53-54.

(43) الشهيد الثاني، حقائق الإيمان، ص 59.

(44) الشهيد الثاني، حقائق الإيمان، ص 148 - 149.

(45) الشيخ الطبرسي، تفسير مجمع البيان، ج 6 / ص 251.

(46) انظر: أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج3/ص 63.

(47) فريد وجدي، دائرة معارف القرن العشرين، ج3/ص 109.

(48) الآخوند الخراساني، كفاية الأصول، ص472. (المترجم)

(49) أما في الاصطلاح فيُقَال لقول المعصوم وفعله وتقريره «سنة»، في حين يطلق «الحديث»على النصوص التي تروى عنهم.

(50) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3 / 495، والبخاري في «الأدب المفرد» (970)، والخطيب البغدادي في "الرحلة" (31)، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في «الفتح» 1 / 158، وصحَّحه الحاكم في «المستدرك»: 2 / 437، 438، ووافقه الذهبي. (المترجم)

(51) صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق/باب التثبُّت في الحديث وكتابة العلم. (المترجم)

(52) أي [حول الخطبة التي خطبها النبيُّ عام فتح مكَّة فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ الله! فَقَالَ اكْتُبُوا لِأَبِي فُلَانٍ]، انظر صحيح البخاري: كتاب العلم/باب كتابة العلم. (المترجم)

(53) أحمد أمين، فجر الإسلام، ص250.

(54) أحمد أمين، فجر الإسلام، ص256، والشهيد الثاني، «الدراية»، ص152.

(55) انظر أحمد أمين، فجر الإسلام، ص 265.

(56) الأصول من الكافي، الجزء الأول، طبع طهران، ص62. ولفظ الحديث عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: [قَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى عَهْدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ: أَيّهَا النَّاسُ! قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الْكَذَّابَةُ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. ثُمَّ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ!] وقارن بما جاء في نهج البلاغة، الخطبة 210، طبع بيروت. (المترجم)

(57) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج2 /ص107.

(58) أحمد أمين، فجر الإسلام، ص 266.

(59) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج2 /ص107.

(60) تاريخ التمدن الإسلامي، ج3/ص 68.

(61) مقدمة ابن خلدون، ص242.

(62) رجال الكِشِّي، طبع كربلاء، ص257 - 258.

(63) رجال الكِشِّي، ص 195، طبع كربلاء.

(64) رجال الكِشِّي، ص195، طبع كربلاء، ورواه المجلسي في بحار الأنوار: ج2/ص 250.

(65) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج2/ص 109 - 110.

(66) ابن خلِّكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (المعروف بتاريخ ابن خلّكان)، تحقيق الد. إحسان عباس، بيروت: دار صادر، ج 6 /ص138 - 139. (المترجم).

(67) مقدمة ابن خلدون، الصفحات 442 و444 على الترتيب.

(68) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، ج3/ص 67، وابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ص444.

(69) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، ج3/ص 66-67.

(70) المصدر السابق.

(71) المصدر السابق.

(72) المصدر السابق.

(73) محمد طاهر بن علي الهندي الفتني (986 هـ)، تذكرة الموضوعات، ج 1/ص 92، وقال بعده: كذب موضوع وإلا لما جعل عمر الخلافة شورى.

(74) الفتني، تذكرة الموضوعات، ج1/ص92. وقال بعده: أخرجه ابن الجوزي في الواهيات وفي اللسان هذا أولى بكتاب الموضوعات.

(75) الفتني، تذكرة الموضوعات، ج 1/ص 93. وقال بعده: عن عمر موقوفاً بسند صحيح وعن ابن عمر مرفوعا بسند ضعيف لكنه متابع وله شاهد.

(76) (5) (6) (7) الفتني، تذكرة الموضوعات، ج 1/ص 93. وحكم بوضعها جميعاً.

(77) الفتني، تذكرة الموضوعات، ج 1 /ص 109. وقال بعده: قال شيخنا لم يصحّ ولا أعرفه في شيء من كتب الحديث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة.

(78) المصدر السابق، ج 1 /ص 109.

(79) المصدر السابق، ج 1 /ص 109. وقال بعده: حسّنه الترمذي.

(80)المصدر السابق، ج 1/ص109. وقال بعده: لأبي بكر في الشريعة وابن الجوزي في الموضوعات.

(81) المصدر السابق، ج 1 /ص 109. وقال بعده: قال الصغاني موضوعٌ.

(82) المصدر السابق، ج 1 /ص 109.

(83) المصدر السابق،، ج 1 /ص 109. وقال بعده: من أباطيل الملطي.

(84) المصدر السابق، ج 1 /ص 109.

(85) أحمد أمين، فجر الإسلام، ص 255.

(86) الفتني، تذكرة الموضوعات، ج 1 /ص 100. وقال بعده: قال شيخنا لا أعرف له إسناداً ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في نهاية ابن الأثير، وإلا في الفردوس بغير إسناد ولفظه [خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء] وسئل المزني والذهبي فلم يعرفاه. انتهى.

(87) كلها في الفتني، تذكرة الموضوعات، ج1/ص100، وبين وضعها وعدم صحتها جميعاً.

(88) آيات الولاية، ميرزا بابا الشيرازي (1286 هـ) (بالفارسية)، ص 405 - 417.

(89) آيات الولاية، ميرزا بابا الشيرازي (1286 هـ) (بالفارسية)، ص 405 - 417.

(90) الشهرستاني، الملل والنحل، ص81.

(91) المصدر السابق.

(92) النوبختي، فرق الشيعة، ص 20.

(93) الشهرستاني، الملل والنحل، ص81.

(94) الشهرستاني، الملل والنحل، ص83.

(95) الحسن بن موسى النوبختي، فرق الشيعة، ص 26 (الطبعة القديمة)، أو ص 29 من الطبعة الثانية، بيروت: دار الأضواء، 1404 /1984م

(96) النوبختي، فرق الشيعة، ص 37 (الطبعة القديمة)، أو ص41-42 من الطبعة الثانية.

(97) حمزة بن عمارة البربري من السبعة الذين لعنهم الإمام الصادق عليه السلام كما ذكره الكشي والعلامة الحلي في الخلاصة وغيرهما. (من تعليق محمد صادق آل بحر العلوم على كتاب فرق الشيعة للنوبختي).

(98) صائد النهدي قد وردت في ذمه رواية بريد العجلي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام حيث عد الشياطين المقصودين بقوله تعالى: [هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم] سبعةً أحدهم صائد النهدي، وقد عده الصادق (ع) في رواية عنه فيمن كَذَبَ عليه، انظر رجال الكشي والخلاصة وغيرهما. (من تعليق محمد صادق آل بحر العلوم على كتاب فرق الشيعة للنوبختي).

(99) هم أتباع بيان بن سمعان النهدي بالباء ثم الياء بعدهما الألف والنون على ما في الطبري والمقريزي والفرق بين الفرق للبغدادي وقد ضبطه الشهرستاني في الملل والنحل بالباء ثم النون وسمَّى الفرقة المنسوبة إليه البنانية قتل سنة 119هـ وقد ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار والطبري في تاريخه والصفدي في الوافي بالوفيات والكشي في رجاله والذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة بيان الزنديق وغير هؤلاء. (من تعليق محمد صادق آل بحر العلوم على كتاب فرق الشيعة للنوبختي).

(100) النوبختي، فرق الشيعة، ص 25- 26(الطبعة القديمة) ، أو الطبعة الثانية في بيروت: ص 27-29.

(101) تبصرة العوام، ص178.

(102) الشهرستاني، الملل والنحل، ص84.

(103) هو محمد بن مقلاص أبي زينب الأسدي الكوفي الأجدع الزراد البزاز ويكنى تارة أبو الخطاب وأخرى أبو الظبيان وثالثة أبو إسماعيل وقد أورد الكشي في رجاله روايات كثيرة صريحة في ذمه. قتله عيسى بن موسى صاحب المنصور بسبخة الكوفة. انظر تاريخ ابن الأثير والمقريزي ومنهج المقال ومنتهى المقال وغيرها. [من تعليق محمد صادق آل بحر العلوم على كتاب فرق الشيعة للنوبختي).

(104) النوبختي، فرق الشيعة، الصفحات 38-39-40 (من الطبعة القديمة). أو الصفحات: 42-43 من الطبعة الثانية (بيروت: دار الأضواء).

(105) «بصائر الدرجات»من كتب الحديث القديمة لدى الإمامية، تأليف الشيخ محمد بن الحسن بن فروخ الصفّار (المتوفى 290 هـ)، وقد طبع مراراً. (المترجم)

(106) «آيات الولاية» كتاب باللغة الفارسية من تأليف أحد الغلاة المتأخرين من الإمامية هو الميرزا أبي القاسم بن محمد نبي الحسيني الشريفي الذهبي الشهير بـ «ميرزا بابا الشيرازي»، المتوفى سنة 1286هـ.، وطبع سنة 1322هـ في مجلدين فسَّر فيه إحدى وألف آية من كتاب الله العزيز بأنها نازلة في أهل البيت! ثلاثمائة منها باتفاق المفسرين الشيعة والسنة، والباقي حسب الروايات المنقولة عن أئمة أهل البيت من طرق الإمامية خاصة. وللميرزا بابا الشيرازي هذا - الذي أطلق عليه آقا بزرگ الطهراني في الذريعة لقب «قطب العرفاء»!- عدة كتب تدل على مدى غلوه منها (معالم التأويل والتبيان في شرح خطبة البيان)!! و(ترجمة تفسير الإمام الحسن العسكري) وديوان شعر بالفارسية طبع بعنوان «ديوان ميرزا بابا» في (1312هـ) و(1320هـ) (انظر آقا بزرگ الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 1 /ص 49 و ج 26 / ص 92 و ج 21 / ص 198 و ج 12 /ص 282و ج 9 ق 2 / ص 346. (المترجم)

(107) انظر أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين، ج1/ص46 و30. (المترجم)

(108) كما نجد ذلك مثلاً في ما ذكره المصلح المعظّم والأستاذ المحترم السيد هبة الدين الشهرستاني في مقدمته على كتاب «فرق الشيعة»، حيث ذكر أن الذين أثنوا على النوبختي ومدحوه وزكّوه كثيراً: التفرشي في كتابه «نقد الرجال» (ص69)، والنجاشي في «الفهرست» (طبع بومبي/ص47)، والعلامة الحلي في «الخلاصة» (ص21)، الذين قالوا عن النوبختي: [شيخنا المتكلم ، المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها]. وقال عنه صاحب كتاب «منهج المقال» في (ص108) والشيخ الطوسي في «الفهرست» (طبع كلكوتة،ص98): [ابن أخت أبي سهل بن نوبخت، مُكَنَّى بأبي محمد متكلمٌ فيلسوفٌ إثنا عشريٌّ حسن الاعتقاد وثقةٌ]. وقال عنه صاحب كتاب «معالم العلماء» في موضعين من كتابه: [ابن موسى النوبختي، ابن أخت أبي سهل أبو محمد كان متلكماً وثقةً]، وقال عنه القاضي نور الله الششتري في كتابه «مجالس المؤمنين» (ص177): [الحسن بن موسى ابن أخت أبي سهل بن نوبخت من أكابر هذه الطائفة وعظماء هذه السلسلة كان متكلماً وفيلسوفاً واثنا عشرياً في عقيدته]، وأثنى عليه صاحب روضات الجنات في (ص319)خلال ترجمة أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي بشرح مبسوط وقال في آخره [النوبختي من علماء المئة الثالثة الكبار]. وأثنى عليه ابن النديم في كتابه «الفهرست» (ص177) خلال بيانه لمتكلِّمي الشيعة، والسيد بن طاووس في كتابه «فرج الهموم» ثناءً بالغاً. واعتبر المرحوم المجلسي في كتابه «السماء والعالم» (ص142) هذا الشخص وأباه موسى بن الحسن النوبختي في عداد علماء الشيعة الاثني عشرية وفقهائهم الكبار الذين كان لهم معرفة كاملة بعلم النجوم وتركوا مؤلفات كثيرة في هذا العلم. واعتبره كلٌّ من صاحب كتاب «منتهى المقال» (ص105) وصاحب كتاب «رياض العلماء» وصاحب كتاب «أمل الآمل» (ص469) وصاحب كتاب «عيون الأنباء» (ص216) وصاحب كتاب «الشيعة وفنون الإسلام» وصاحب كتاب «المنية والأمل» (ص62) من علماء الشيعة الإمامية الكبار، بعد أن أثنوا عليه ووثّقوه.

(109) السيد محمد رشيد رضا، الوحي المحمدي، ص 124.

(110) كلها في: الفتني، تذكرة الموضوعات، ج1/ص 113.

(111) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1/ص76.

(112) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1/ص76، نقلا عن ابن قتيبة في رسائل البلغاء ص 293.

(113) كلها في الفتني، تذكرة الموضوعات، ج1/ص 119.

(114) ابن النديم، الفهرست، ص179. ومن الجدير بالذكر أن النسخة التي في أيدينا من الفهرست ليس فيها سوى ذكر هذا الكتاب ولا إشارة إلى غيره، ولكن الدكتور أحمد أمين في الجزء الأول من كتابه «ضحى الإسلام » ذكر له كتاباً آخر باسم «انتصاف العجم من العرب»، فمن الممكن أن تكون هذه الجملة كانت في النسخ القديمة من الفهرست وسقطت من النسخ التي بين أيدينا.

(115) ابن النديم، الفهرست، ص 79 - 80.

(116) ابن النديم، الفهرس، ص 153 - 154.

(117) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1/ص 74. قال و«كوثى» بلدةٌ بسواد العراق.

(118) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1/ص 75.

(119) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1/ص 75.

(120) كلها في الفتني، تذكرة الموضوعات، ج 1/ص120.

(121) المجلسي، بحار الأنوار، ج22/ص348 نقلاً عن كتاب الاختصاص للشيخ المفيد. ولدى أهل السنة روايات عديدة بهذا المعنى بألفاظ قريبة كالذي رواه الطبراني في الأوسط: [عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ ربكم واحد وأباكم واحد فلا فضل لعربي على أعجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى] انظر الهيثمي في مجمع الزوائد: كتاب الأدب/باب لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. (المترجم)

(122) لم أجده بهذا اللفظ ويوجد نحوه في سيرة ابن هشام، (ج2/ص 411) : [.. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! إنّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيّةِ وَتَعَظّمَهَا بِالْآبَاءِ، النّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ [ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ] الْآيَةَ كُلّهَا]. والبيهقي في شعب الإيمان (باب 34- في حفظ اللسان) بعدة ألفاظ منها: [عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «... والله أذهب فخر الجاهلية وتكبرها بآبائها، كلكم لآدم وحواء، كطف الصاع بالصاع، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم.] (المترجم).

(123) ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، الباب السادس من الكتاب الأول (العلوم وأصنافها)/الفصل الخامس: علوم القرآن من التفسير والقراءات، ص 440.

(124) انظر مثلاً الطبري، تفسير الطبري، ج1/ص186.

(125) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج3/ص 7، وأحال إلى «الملل والنحل» للشهرستاني 1/77 على هامش الفِصَل لابن حزم. والموجود في «الملل والنحل» وفي «الفِصَل» هو «أحمد بن خابط» بالحاء المعجمة وليس أحمد بن حائط وأنه رأس فرقة «الخابطية» إحدى فرق المعتزلة. (المترجم)

(126) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، ج3/ص139-140، (بحذف واختصار وتصرف).

(127) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج3 /ص348.

(128) الصدوق ابن بابويه القمي، الخصال، ج 2/ص 640.

(129) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1 / ص 238، نقلاً عن البيروني ص 24.

(130) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1 / ص 239.

(131) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1 / ص 239، نقلاً عن البيروني، «ما للهند من مقولة»، ص 32.

(132) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1 / ص 240 - 241.

(133) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1 /ص 344.

(134) ابن حزم الأندلسي، الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج4/ص 70.

(135) يقول أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام (ج1/ص 337-338) : [كان «بشر المريسي» من أصل يهودي وكانت له آراء كثيرة انفرد بها، وكرهه الناس من أجلها حتى كادوا يقتلونه، وكان من أشهر الناس القائلين بخلق القرآن].

(136) ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، ج 7/ص 26.

(137) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1/ ص 344.

(138) عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، ص 102

(139) عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، ص 102

(140) عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، ص 105

(141) عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، ص 48.

(142) عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، ص 49.

(143) الأحاديث الأربعة الأخيرة كلها من الفتني، تذكرة الموضوعات، ج1/ص 12 - 13.

(144) انظر مثلاً الشهرستاني، الملل والنحل، ص103، وابن حزم، الفصل، ج1/ص160.

(145) انظر الشيخ الصدوق، كتاب « الاعتقادات في دين الإمامية» ص 59، أو الطبعة الحجرية (المطبوعة مع شرح الباب الحادي عشر)، ص 93.

(146) هو علي بن الحسين بن موسى المشهور بالسيد المرتضى علم الهدى (355 - 433 هـ.) وهو أخو الشريف الرضي جامع« نهج البلاغة» وقد تولى رئاسة الطائفة الإمامية في عصره وترك عدداً من المؤلفات أهمها:«الشافي» وكتاب «تنزيه الأنبياء والأئمة». (المترجم)

(147) إسماعيل المزنى هو تلميذ الشافعي وناشر فتاويه، كتابه «المختصر» معروف ومشهور، وقد جمع فيه خلاصة فتاوى الفقه الشافعي بالإضافة إلى تعليقاته، توفي عام 256 هـ. (المترجم)

(148) جاء في النسخة المطبوعة ببيروت كلمة «أصدق». (المترجم)

(149) انظر تفسير مجمع البيان (مقدمة الكتاب) طبع بيروت الصفحة 30 -31 (أو في الصفحة 15 من طبعة بيروت عام 1379هـ).

(150) الشيخ المفيد، «أوائل المقالات»، تحقيق إبراهيم الأنصاري الزنجاني الخوئيني، بيروت: دار المفيد، ط2، 1414 هـ / 1993م، ص 80. (المترجم)

(151) هو الشيخ محمد بن الحسين الحارثي العاملي الشهير ببهاء الدين العاملي المتوفّى 1030 هـ. (المترجم)

(152) محمد جواد البلاغي، آلاء الرحمن: ج1/ص 26.

(153) هو الشيخ علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي، العاملي، المعروف بالمحقق الثاني، والمحقق الكركي، وبالشيخ العلائي، من أعلام فقهاء الشيعة في عصره، له عدد من الكتب أشهرها: «جامع المقاصد في شرح القواعد في الفقه في ست مجلدات»، و«صيغ العقود والإيقاعات» توفي سنة 940 هـ.

(154) محمد جواد البلاغي، آلاء الرحمن في تفسير القرآن، ج1/ص25 - 26.

(155) هو القاضي نور الله، أحد علماء الشيعة الإمامية المبرّزين المشهورين في القرن الحادي عشر الهجري، عاش في الهند مدّةً طويلةً واستلم دكّة القضاة هناك، ومن تصنيفاته المشهورة كتاب «إحقاق الحق»، وقد قتل بسبب الاختلافات الطائفية عام 1019هـ.ق. (المترجم)

(156) المصدر السابق.

(157) هو الشيخ جعفر الكبير النجفي المعروف بـ«كاشف العطاء» من كبار علماء الشيعة الإمامية المتأخرين، تولى رئاستهم والمرجعية الدينية فيهم، ومن كتبه: «كشف الغطاء» و«الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الأخباريين»، توفي سنة 1228 هـ.ق. (المترجم)

(158) ويقول الشيخ محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (المتوفى سنة 460 هـ) في تفسيره: «التبيان في تفسير القرآن»(ج1/ص2): «اِعلَم أن القرآنَ معجزةٌ عظيمةٌ على صدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بل هو أكبر المعجزات (إلى أن قال) وأما الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به». (المترجم).

(159) محمد فريد وجدي، دائرة معارف القرن العشرين، ط3، بيروت: دار المعرفة، 1971م، ج7/ص667-668.

(160) الشهيد الثاني، البداية في علم الدراية، ص 73 - 74، والمامقاني، مقباس الهداية، ص 53.

(161) ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج 5 / ص 256. وابن الجوزي، الموضوعات، ج1/ص 48.

(162) انظر: عبد الرحمن بن الجوزي، «الموضوعات»، ج1/ص 48.

(163) الشهيد الثاني زين الدين العاملي، «الدراية»،ط3، قم: منشورات مكتبة المفيد، 1409 هـ، طبعة مصورة بالأفست عن طبعة قديمة نشر محمد جعفر آل إبراهيم، النجف: مطبعة النعمان، ص56.

(164) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج1/ص162.

(165) المامقاني، «مقباس الهداية»، ص53. وانظر عبد الرحمن بن الجوزي، الموضوعات، ج1، ص46، ونور الدين علي القاري، الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، طبع بيروت، ص54-55.

(166) المامقاني، «مقباس الهداية»، ص53، وانظر أيضاً ابن الجوزي، الموضوعات، ج1/ص41.

(167) وانظر ما يؤيد ذلك لدى ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، ترجمة ميسرة بن عبد ربه. (المترجم)

(168) الشهيد الثاني، الدراية، ص 57 - 58.

(169) الشهيد الثاني، «البداية في علم الدراية»، ص 71 - 75، أو «الدراية» (الطبعة الثالثة): ص 58-59.

(170) المامقاني، «مقباس الهداية»، ص52، والشهيد الثاني، «البداية في علم الدراية»، ص 70 (أو ص 55 من الطبعة الثالثة).

(171) المامقاني، «مقباس الهداية»، ص52، الشهيد الثاني، «البداية»، ص70.

(172) المامقاني، «مقباس الهداية»، ص52.

(173) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 18/ص 79 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15، وفيه بدل "لا يوافق القرآن" : "يخالف كتاب الله".

(174) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 18/ص 89، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 47، وفيه بدل "لا يصدق" : "لا تصدق".

(175) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 18/ص 80، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 18. وفيه: "حتى يستبين".

(176) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 18/ص 78، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 11.

(177) النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل، 17: 304، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

(178) النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل 17: 304، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 7. وفيه: "ما أتاكم".

(179) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 18/ص 79، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 14.

(180) المجلسي، بحار الأنوار، ج2/ص 250، الحديث: 62.

(181) الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول (أو «الرسائل»)، ج1/ص 243 - 244. (المترجم)

(182) الشيخ الأنصاري، الرسائل، ج1/ص245 (أو ص68 من الطبعة الحجرية القديمة).

(183) الشيخ الأنصاري، الرسائل، ج1/ص247 (أو ص69 من الطبعة الحجرية القديمة).

(184) الشيخ الأنصاري، الرسائل، ج1/ص251 (أو ص70 من الطبعة الحجرية القديمة).

(185) المامقاني، مقباس الهداية، ص 52.

(186) المصدر السابق.

(187) المامقاني، مقباس الهداية، ص 52.

(188) المامقاني، مقباس الهداية، ص 52.

(189) أي الواردة بترتيب الثواب العظيم والغفران العميم لمن حضر مجلس عزاء الإمام الحسين عليه السلام أو أقامه ونحو ذلك. (المترجم)

(190) الشهيد الثاني، البداية في الدراية، ص12-13.

(191) الشهيد الثاني، البداية في الدراية، ص15.

(192) الشهيد الثاني، البداية في الدراية، ص14.

(193) الشهيد الثاني، البداية في الدراية، ص86-87، (من الطبعة القديمة)، أو ص69 من الطبعة الجديدة.

(194)الشهيد الثاني، البداية في الدراية، ص91 (من الطبعة القديمة)، أو ص 73 من الطبعة الجديدة

(195) انظر مقباس الهداية، ص64، والبداية، ص91.

(196) مقباس الهداية ص64.

(197) البداية، ص92. (أو في الطبعة الثالثة للدراية: ص73.

(198) الشهيد الثاني، البداية، ص21- 70، والدراية، ص77-103. والمامقاني، مقباس الهداية، ص33-52. (وهو في الطبعة الثالثة من الدراية للشهيد الثاني في ص19-55).

(199) هذا في الطبعة الحجرية القديمة للبحار، أما في طبعة بيروت الأحدث (نشر مؤسّسة الوفاء، عام 1404هـ) ذات ال 110 مجلدات، فأحاديث الرجعة تقع في المجلّد (53) منها، وقد أشرتُ في الحاشية إلى رقم كل حديث ورقم صفحته في هذه الطبعة البيروتية المنتشرة ليسهل على من أراد الرجوع إليها.

(200) لأجل توضيح ما ذكرناه هنا كي لا يحصل سوء تفاهم لدى القرّاء، أرى من اللازم أن أوضح نقطة هي أن الـ(72) رواية التي ينتهي سندها إلى «غلاة»: 9 منها سقط بعض رجال سندها فهي من قبيل المرسل، و18 منها بعض رواتها أشخاص مجهولو الحال، و9 منها ينتهي سندها إلى أشخاص مهملين، ولهذا كتبتُ أن أكثر من ثلثي روايات «الرجعة»: مرسلة ومجهولة ومهملة.

(201) وهو الشيخ والشاعر بهاء الدين علي بن عيسى الإربلي (692هـ). (المترجم)

(202) كتاب «الأربعين» لـ«مير لوحي» لم يُطبع وهو مخطوط توجد منه نسخة في مكتبة المرحوم الحاج الشيخ فضل الله نوري.

(203) الشيخ المفيد، الإرشاد، ج 2 /ص 387.

(204) الشهيد الثاني، البداية، ص15( وفي طبعة النجف في ص15أيضاً).

(205) وهو في ج 53/ ص139 من الطبعة الجديدة لبحار الأنوار، بيروت: مؤسسة الوفاء، 1404هـ. وقد اختصر المؤلف الاقتباس من المصدر فوسعته قليلاً ليتضح سياقه أكثر. (المترجم)

(206) «منتخب البصائر» أحد المصادر الرئيسة التي نقل المجلسي منها أحاديث الرجعة، حيث أورد منه أكثر من 60 حديثاً، وهو للشيخ «الحسن بن سليمان بن محمد الحلي» تلميذ الشهيد الأول صاحب كتاب «المحتضر» وكتاب «الرجعة» (كان حياً سنة 802 هـ)، ذكروا أنه انتخبه من كتاب «بصائر الدرجات» لسعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمِّي (المتوفى 301 أو 299هـ)، عِلْماً أن كتاب الأشعري هذا قد فُقِدَ ولا يوجد اليوم إلا منتخبه المشار إليه، بل حتى هذا المنتخب لم يعد له وجود ولولا ما نقله المجلسي عنه لما سمعنا به. (انظر ترجمته في: السيد محسن الأمين العاملي، أعيان الشيعة، ج 5 /ص 106). (المترجم).

(207) بحار الأنوار، طبعة بيروت: مؤسسة الوفاء، 1404هـ، ج 53/ص 39.

(208) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج 3 /ص 189.

(209) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج 1 /ص 371.

(210) ينبغي الإشارة إلى أن مقصود المؤلف من كلمة (ضعيف) ليس المعنى المشهور في مصطلح الحديث لدى أهل السنة، بل مقصوده من الضعيف ما هو مقابل للحديث المقبول، فالضعيف هنا معناه: المردود الذي لا يصحّ صدوره بل هو ساقط من الاعتبار لا يُعتمد عليه، كما سيظهر من كلامه ذاته. (المترجم)

(211) بحار الأنوار، ج 53/ص 39.

(212) بحار الأنوار، ج 53/ص 39-40.

(213) بحار الأنوار، ج 53/ص 40.

(214) بحار الأنوار، ج 53/ص 40.

(215) بحار الأنوار، ج 53/ص 40.

(216) بحار الأنوار، ج 53/ص 40-41.

(217) النجاشي (450 هـ) ، رجال النجاشي، ط5، قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، 1416 هـ، ص 12.

(218) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج 1 /ص 201 - 204.

(219) بحار الأنوار، ج 53/ص 40. وهو الحديث رقم 7 في الطبعة الجديدة

(220) بحار الأنوار، ج 53/ص 41. وهو الحديث رقم 9 في الطبعة الجديدة

(221) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص125.

(222) بحار الأنوار، ج 53/ص 42. وهو الحديث رقم 10 في الطبعة الجديدة.

(223) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص247.

(224) بحار الأنوار، ج 53/ص 42. وهو الحديث رقم 11 في الطبعة الجديدة.

(225) بحار الأنوار، ج 53 /ص 42- 43، وهو الحديث رقم (12) في الطبعة الجديدة.

(226) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص256.

(227) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص203.

(228) هذه الرواية -إضافة لضعفها بسبب ضعف سندها- مرفوضةٌ لمخالفتها للقرآن الكريم لأن القرآن ينصّ على أن حساب الخلق يكون يومَ القيامة فقط وليس قبله وقد سمّى القرآنُ يومَ القيامة بيوم الحساب.

(229) بحار الأنوار، ج 53 /ص 43، وهو الحديث رقم (13) في الطبعة الجديدة.

(230) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص319.

(231) وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص337-338.

(232) بحار الأنوار، ج 53/ ص 43 - 44، وهو الحديث رقم (14) في الطبعة الجديدة.

(233) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص408.

(234) بحار الأنوار، ج 53/ ص 44، وهو الحديث رقم (15) في الطبعة الجديدة.

(235) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص87.

(236) هذه الرواية ضعيفة من ناحية إرسالها أيضاً حيث سقط بعض رواة سندها.

(237) بحار الأنوار، ج 53/ ص 44، وهو الحديث رقم (16) في الطبعة الجديدة.

(238) قال المجلسي في شرحه لهذه الرواية: [الذحول جمع الذحل وهو طلب الثأر ولعل المعنى أنهم إنما وصفوا هذه الكرة بالخاسرة لأنهم بعد أن قتلوا وعذبوا لم ينته عذابهم بل عقوبات القيامة معدة لهم أو أنهم لا يمكنهم تدارك ما يفعل بهم من أنواع القتل والعقاب] اهـ (بحار الأنوار، ج 53/ ص45).

(239) بحار الأنوار، ج 53/ ص 44 -45، وهو الحديث رقم (17) في الطبعة الجديدة.

(240) نتائج التنقيح ، ص139.

(241) بحار الأنوار، ج 53/ ص 45- 46، وهو الحديث رقم (18) في الطبعة الجديدة.

(242) الرجال الكبير، ص102.

(243) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص122.

(244) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص60.

(245) وهذه الرواية ضعيفة أيضاً بسبب إرسالها وسقوط عدد من رجال سندها.

(246) بحار الأنوار، ج 53/ص 46، وهو الحديث رقم (19) في الطبعة الجديدة.

(247) وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص230.

(248) بحار الأنوار، ج 53/ص 46 - 49، وهو الحديث رقم (20) في الطبعة الجديدة.

(249) وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص113.

(250) بحار الأنوار، ج 53/ص 50، وهو الحديث رقم (21) في الطبعة الجديدة.

(251) بحار الأنوار، ج 53/ص 50، وهو الحديث رقم (22) في الطبعة الجديدة.

(252) بحار الأنوار، ج 53/ص 50، وهو الحديث رقم (23) في الطبعة الجديدة.

(253) بحار الأنوار، ج 53/ص 50 -51، وهو الحديث رقم (24) في الطبعة الجديدة.

(254) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص59.

(255) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص89.

(256) بحار الأنوار، ج 53/ص 51، وهو الحديث رقم (25) في الطبعة الجديدة.

(257) حذف المرحوم «علي بن إبراهيم القميّ» رواة هذه الرواية جميعاً.

(258) بحار الأنوار، ج 53/ص 51، وهو الحديث رقم (26) في الطبعة الجديدة.

(259) حذف علي بن إبراهيم القميّ جميع رواة السند.

(260) بحار الأنوار، ج 53 /ص 51، وهو الحديث رقم (27) في الطبعة الجديدة. وراجع ما ذكره المؤلف حول التفسير الصحيح لهذه الآية عند تعليقه على الحديث رقم 6.

(261) بحار الأنوار، ج 53 /ص 51، وهو الحديث رقم (28) في الطبعة الجديدة.

(262) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص344-345.

(263) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص34.

(264) بحار الأنوار، ج 53 /ص 52، وهو الحديث رقم (29) في الطبعة الجديدة.

(265) هذا تفسير وهناك تفسير آخر أن المقصود بالآية: حرامٌ أي ممتنعٌ على من أهلكناهم عدم رجعتهم إلى الحساب يوم القيامة، أي لا بد من رجوعهم، حيث نفي النفي إثبات، فالآية إثبات للبعث. (المترجم)

(266) بحار الأنوار، ج 53 /ص 52 - 53، وهو الحديث رقم (30) في الطبعة الجديدة.

(267) تفسير الطبري (ج20/ص10).

(268) الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني، (ط2/ص164).

(269) الأولى عدم الجزم بالمراد من هذه الدابة وعدم الخوض في تأويلها عملاً بقوله تعالى في شأن المتشابهات: [هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ] (آل عمران:7)، ولنعم ما ذكره المرحوم العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره الميزان حيث قال: [وقوله: [.. أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ.. ] بيان لآية خارقة من الآيات الموعودة في قوله: [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ] (فصِّلت:53) وفي كونه وصفاً لأمر خارق للعادة دلالةٌ على أن المراد بالإخراج من الأرض إما الإحياء والبعث بعد الموت وإما أمر يقرب منه، وأما كونها دابة تكلّمهم فالدابة ما يدبّ في الأرض من ذوات الحياة إنساناً كان أو حيواناً غيره فإن كان إنساناً كان تكليمه الناس على العادة وإن كان حيواناً أعجم كان تكليمه كخروجه من الأرض خرقاً للعادة. ولا نجد في كلامه تعالى ما يصلح لتفسير هذه الآية وأن هذه الدابة التي سيخرجها لهم من الأرض فتكلمهم ما هي؟ وما صفتها؟ وكيف تخرج؟ وماذا تتكلم به؟ بل سياق الآية نعم الدليل على أن القصد إلى الإبهام فهو كلام مرموز فيه. ومحصل المعنى: إنه إذا آل أمر الناس - وسوف يؤول - إلى أن كانوا لا يوقنون بآياتنا المشهودة لهم وبطل استعدادهم للإيمان بنا بالتعقل والاعتبار؛ آن وقت أن نريهم ما وعدنا إراءته لهم من الآيات الخارقة للعادة المبينة لهم الحق بحيث يضطرون إلى الاعتراف بالحق فأخرجنا لهم دابة من الأرض تكلّمهم. هذا ما يعطيه السياق ويهدي إليه التدبُّر في الآية من معناها، وقد أغرب المفسرون حيث أمعنوا في الاختلاف في معاني مفردات الآية وجملها والمحصل منها وفي حقيقة هذه الدابة وصفتها ومعنى تكليمها وكيفية خروجها وزمان خروجها وعدد خروجها والمكان الذي تخرج منه في أقوال كثيرة لا معوَّل فيها إلا على التحكُّم، ولذا أضربنا عن نقلها والبحث عنها، ومن أراد الوقوف عليها فعليه بالمطولات] انتهى. (المترجم)

(270) بحار الأنوار، ج 53 /ص 56، وهو الحديث رقم (36) في الطبعة الجديدة.

(271) بحار الأنوار، ج 53 /ص 56، وهو الحديث رقم (33) في الطبعة الجديدة.

(272) تنقيح المقال، ج3/ص314، و297 على الترتيب.

(273) بحار الأنوار، ج 53 /ص 58، وهو الحديث رقم (42) في الطبعة الجديدة.

(274) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص290.

(275) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص261.

(276) بحار الأنوار، ج 53 /ص 59، وهو الحديث رقم (43) في الطبعة الجديدة.

(277) بحار الأنوار، ج 53 /ص 59، وهو الحديث رقم (45) في الطبعة الجديدة.

(278) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص187.

(279) بحار الأنوار، ج 53 /ص 59، وهو الحديث رقم (46) في الطبعة الجديدة.

(280) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص157.

(281) علّق المجلسي على هذه الرواية بعد إيرادها بقوله: [(قوله رجلٌ منِّي أي من ذريتي). قال الصدوق رضي الله عنه إن أمير المؤمنين اتقى عباية الأسدي في هذا الحديث واتقى ابن الكواء في الحديث الأول لأنهما كانا غير محتملين لأسرار آل محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) ] (المترجم).

(282) بحار الأنوار، ج 53 /ص 59 -60، وهو الحديث رقم (47) في الطبعة الجديدة.

(283) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص247.

(284) بحار الأنوار، ج 53 /ص 61، وهو الحديث رقم (50) في الطبعة الجديدة.

(285) انظر: المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص216.

(286) بحار الأنوار، ج 53 /ص 61، وهو الحديث رقم (51) في الطبعة الجديدة.

(287) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص332.

(288) بحار الأنوار، ج 53 /ص 61 - 62، وهو الحديث رقم (52) في الطبعة الجديدة.

(289) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص75.

(290) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص172.

(291) بحار الأنوار، ج 53 /ص 63، وهو الحديث رقم (53) في الطبعة الجديدة.

(292) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص256.

(293) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص105.

(294) بحار الأنوار، ج 53 /ص 63 -64، وهو الحديث رقم (54) في الطبعة الجديدة.

(295) بحار الأنوار، ج 53 /ص 64، وهو الحديث رقم (55) في الطبعة الجديدة.

(296) قال المجلسي : بيانٌ: قولُه (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ): (إن بعد الموت) أي بعد موت سائر الخلق لا المهدي.

(297) بحار الأنوار، ج 53 /ص 65، وهو الحديث رقم (56) في الطبعة الجديدة.

(298) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص164.

(299) بحار الأنوار، ج 53 /ص 65، وهو الحديث رقم (57) في الطبعة الجديدة.

(300) بحار الأنوار، ج 53 /ص 65 - 66، وهو الحديث رقم (58) في الطبعة الجديدة.

(301) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص184.

(302) بحار الأنوار، ج 53 /ص 66، وهو الحديث رقم (59) في الطبعة الجديدة.

(303) بحار الأنوار، ج 53 /ص 66 - 67، وهو الحديث رقم (60) في الطبعة الجديدة.

(304) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص238.

(305) بحار الأنوار، ج 53 /ص 67، وهو الحديث رقم (61) في الطبعة الجديدة.

(306) بحار الأنوار، ج 53 /ص 67، وهو الحديث رقم (62) في الطبعة الجديدة.

(307) بحار الأنوار، ج 53 /ص 67، وهو الحديث رقم (63) في الطبعة الجديدة.

(308) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص381.

(309) بحار الأنوار، ج 53 /ص 67 - 68، وهو الحديث رقم (64) في الطبعة الجديدة.

(310) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص282.

(311) بحار الأنوار، ج 53 /ص 68، وهو الحديث رقم (65) في الطبعة الجديدة.

(312) بحار الأنوار، ج 53 /ص 68 - 70، وهو الحديث رقم (66) في الطبعة الجديدة.

(313) انظر العلامة الحلّيّ، خلاصة الأقوال، ص325-326، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص3.

(314) بحار الأنوار، ج 53 /ص 70، وهو الحديث رقم (67) في الطبعة الجديدة.

(315) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص43.

(316) بحار الأنوار، ج 53 /ص 71، وهو الحديث رقم (68) في الطبعة الجديدة.

(317) كرَّ معه: أي رجع معه إلى الحياة.

(318) بحار الأنوار، ج 53 /ص 71، وهو الحديث رقم (69) في الطبعة الجديدة.

(319) بحار الأنوار، ج 53 /ص 71، وهو الحديث رقم (70) في الطبعة الجديدة.

(320) بحار الأنوار، ج 53 /ص 72، وهو الحديث رقم (71) في الطبعة الجديدة.

(321) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص298-299.

(322) بحار الأنوار، ج 53 /ص 72 - 74، وهو الحديث رقم (72) في الطبعة الجديدة.

(323) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص336.

(324) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص162.

(325) بحار الأنوار، ج 53 /ص 74، وهو الحديث رقم (73) في الطبعة الجديدة.

(326) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص147.

(327) بحار الأنوار، ج 53 /ص 74، وهو الحديث رقم (74) في الطبعة الجديدة.

(328) بحار الأنوار، ج 53 /ص74 - 75، وهو الحديث رقم (75) في الطبعة الجديدة.

(329) بحار الأنوار، ج 53 /ص 75، وهو الحديث رقم (76) في الطبعة الجديدة.

(330) بحار الأنوار، ج 53 /ص 75 - 76، وهو الحديث رقم (77) في الطبعة الجديدة.

(331) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص219.

(332) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص261.

(333) بحار الأنوار، ج 53 /ص 76، وهو الحديث رقم (78) في الطبعة الجديدة.

(334) بحار الأنوار، ج 53 /ص 76، وهو الحديث رقم (79) في الطبعة الجديدة.

(335) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص294.

(336) لما حُذف بعض رواة هذا الحديث اعتبرناه ضعيفاً.

(337) بحار الأنوار، ج 53 /ص 76، وهو الحديث رقم (80) في الطبعة الجديدة.

(338) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص126 وج3/ص13و ج2/ص352 على الترتيب.

(339) قال المجلسي في شرحه: [اللحف: بالكسر أصل الجبل].

(340) بحار الأنوار، ج 53 /ص 76، وهو الحديث رقم (81) في الطبعة الجديدة.

(341) بحار الأنوار، ج 53 /ص 76، وهو الحديث رقم (82) في الطبعة الجديدة.

(342) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص6.

(343) بحار الأنوار، ج 53 /ص 77، وهو غير مرقَّم في الطبعة الجديدة.

(344) بحار الأنوار، ج 53 /ص 77، وهو الحديث رقم (83) في الطبعة الجديدة.

(345) انظر العلامة في «الخلاصة»، ص401، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص170.

(346) بحار الأنوار، ج 53 /ص 77، وهو الحديث رقم (84) في الطبعة الجديدة.

(347) انظر التفرشي، نقد الرجال، جزء 2، ص219-220، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص414.

(348) بحار الأنوار، ج 53 /ص 77، وهو الحديث رقم (85) في الطبعة الجديدة.

(349) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص197.

(350) بحار الأنوار، ج 53 /ص 77 - 88، وهو الحديث رقم (86) في الطبعة الجديدة.

(351) لم يُذكَرْ الراوي الخاص لهذه الخطبة بل ذُكرت مرسلة دون سند، لذا اعتُبر الحديث ضعيفاً. وحتى لو فرضنا أن راويها «فرج بن فروة» و«مسعدة بن صدق» فإن الأول -كما يذكر المامقانيّ في تنقيح المقال (ج3/ص4)- مجهول الحال، والثاني -كما يذكر العلامة في الخلاصة والفاضل الجزائري والمجلسي والمامَقَانيّ في تنقيح المقال( ج3 /ص212) ضعيفٌ. لذا فالحديث سيبقى ضعيفاً أيضاً.

(352) بحار الأنوار، ج 53 /ص 89، وهو الحديث رقم (87) في الطبعة الجديدة.

(353) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص118.

(354) بحار الأنوار، ج 53 /ص 89، وهو الحديث رقم (90) في الطبعة الجديدة.

(355) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص92.

(356) بحار الأنوار، ج 53 /ص 89-90، وهو الحديث رقم (91) في الطبعة الجديدة.

(357) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص212.

(358) بحار الأنوار، ج 53 /ص 90، وهو الحديث رقم (92) في الطبعة الجديدة.

(359) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص114.

(360) بحار الأنوار، ج 53 /ص 90، وهو الحديث رقم (93) في الطبعة الجديدة.

(361) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص82.

(362) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص113.

(363) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص150.

(364) بحار الأنوار، ج 53 /ص 90، وهو الحديث رقم (94) في الطبعة الجديدة.

(365) انظر العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص381، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص160.

(366) بحار الأنوار، ج 53 /ص 90-91، وهو الحديث رقم (95) في الطبعة الجديدة.

(367)الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ج2/ص612-614، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص238.

(368) بحار الأنوار، ج 53 /ص91، وهو الحديث رقم (96) في الطبعة الجديدة.

(369) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص67. وج3/ص315 على الترتيب.

(370) بحار الأنوار، ج 53 /ص 91، وهو الحديث رقم (97) في الطبعة الجديدة.

(371) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص295.

(372) انظر العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص320، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص99.

(373) بحار الأنوار، ج 53 /ص91-92، وهو الحديث رقم (98) في الطبعة الجديدة.

(374) بحار الأنوار، ج 53 /ص 92، وهو الحديث رقم (99) في الطبعة الجديدة.

(375) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص81. ثم ج3/ص257.

(376) بحار الأنوار، ج 53 /ص92، وهو الحديث رقم (100) في الطبعة الجديدة.

(377) سقط بعض رواة هذه الرواية فهي ضعيفة أيضاً لإرسالها.

(378) بحار الأنوار، ج 53 /ص92، وهو الحديث رقم (101) في الطبعة الجديدة.

(379) سقط بعض رواة سند هذه الرواية فهي ضعيفة لإرسالها.

(380) بحار الأنوار، ج 53 /ص92-93، وهو الحديث رقم (102) في الطبعة الجديدة.

(381) عبّر عن بعض رواته بكلمة «جماعة» فذُكِر بنحو الإرسال، فهو اصطلاحاً ضعيفٌ من هذه الجهة أيضاً.

(382) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص13.

(383) بحار الأنوار، ج 53 /ص93-94، وهو الحديث رقم (103) في الطبعة الجديدة.

(384) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص102-103.

(385) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص386.

(386) بحار الأنوار، ج 53 /ص94، وهو الحديث رقم (104) في الطبعة الجديدة.

(387) بحار الأنوار، ج 53 /ص94، وهو الحديث رقم (105) في الطبعة الجديدة.

(388) هذه الرواية والتي سبقتها مرويتان بإسناد منقطع أو بدون إسناد فهما ضعيفتان لجهة إرسالهما.

(389) بحار الأنوار، ج 53 /ص94، وهو الحديث رقم (106) في الطبعة الجديدة.

(390) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص88.

(391) بحار الأنوار، ج 53 /ص94-95، وهو الحديث رقم (107) في الطبعة الجديدة.

(392) بحار الأنوار، ج 53 /ص95، وهو الحديث رقم (108) في الطبعة الجديدة.

(393) ذكر مؤلفا الكتب المشار إليها هذه الرواية والتي قبلها مرسلتين دون سند.

(394) بحار الأنوار، ج 53 /ص95، وهو الحديث رقم (109) في الطبعة الجديدة.

(395) بحار الأنوار، ج 53 /ص95، وهو الحديث رقم (110) في الطبعة الجديدة.

(396) بحار الأنوار، ج 53 /ص95-97، وهو الحديث رقم (111) في الطبعة الجديدة.

(397) بحار الأنوار، ج 53 /ص97، وهو الحديث رقم (112) في الطبعة الجديدة.

(398) ذكر مؤلفو الكتب المذكورة في الأحاديث الأربعة الأخيرة، أي: من رقم (114) حتى (117) رواياتهم مرسلةً بلا سند، فهي ضعيفةٌ لجهة إرسالها.

(399) بحار الأنوار، ج 53 /ص97، وهو الحديث رقم (113) في الطبعة الجديدة.

(400) بحار الأنوار، ج 53 /ص98، وهو الحديث رقم (115) في الطبعة الجديدة.

(401) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص342.

(402) بحار الأنوار، ج 53 /ص98، وهو الحديث رقم (114) في الطبعة الجديدة.

(403) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص333.

(404) بحار الأنوار، ج 53 /ص98، وهو الحديث رقم (116) في الطبعة الجديدة.

(405) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص182.

(406) بحار الأنوار، ج 53 /ص98-99، وهو الحديث رقم (117) في الطبعة الجديدة.

(407) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص178.

(408) بحار الأنوار، ج 53 /ص99، وهو الحديث رقم (118) في الطبعة الجديدة.

(409) هذه الرواية والتي سبقتها ذُكرتا من غير سند فهما ضعيفتان أيضاً لجهة الإرسال.

(410) بحار الأنوار، ج 53 /ص99، وهو الحديث رقم (119) في الطبعة الجديدة.

(411) بحار الأنوار، ج 53 /ص100، وهو الحديث رقم (120) في الطبعة الجديدة.

(412) انظر العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص 372، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص196.

(413) قال المجلسي معلقاً: الظاهر أن المراد بالمنتصر الحسين وبالسفاح أمير المؤمنين (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) كما سيأتي.

(414) بحار الأنوار، ج 53 /ص100، وهو الحديث رقم (121) في الطبعة الجديدة.

(415) انظر محمد علي الأردبيلي، جامع الرواة، ج1/ص 139، والعلامة الحليّ، خلاصة الأقوال، هامش ص 212-213، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص324.

(416) بحار الأنوار، ج 53 /ص100-101، وهو الحديث رقم (122) في الطبعة الجديدة.

(417) بحار الأنوار، ج 53 /ص101، وهو الحديث رقم (123) في الطبعة الجديدة.

(418) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3، فصل الكِنى /ص25و20 على الترتيب.

(419) بحار الأنوار، ج 53 /ص101، وهو الحديث رقم (124) في الطبعة الجديدة.

(420) العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص 409، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص233.

(421) انظر الطوسي، «اختيار معرفة الرجال»، ج1/شرح ص 416، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص96.

(422) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص27.

(423) بحار الأنوار، ج 53 /ص102، وهو الحديث رقم (125) في الطبعة الجديدة.

(424) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص261.

(425) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص165.

(426) بحار الأنوار، ج 53 /ص103، وهو الحديث رقم (130) في الطبعة الجديدة.

(427) سقط في هذه الرواية الرواة الواقعون بين «أحمد بن محمد» و«أحمد بن عقبة» فهي ضعيفة لانقطاع سندها.

(428) هذه الرواية والرواية التي قبلها جاءت في كتاب «منتخب البصائر» وهو للحسن بن سليمان بن خالد الذي كان -طبقاً لما ذكره المرحوم المامقاني في «تنقيح المقال» ج1/ص284 من تلاميذ المرحوم الشهيد (الأول)، ومثل هذا الشخص لا يمكنه أن يروي عن الإمام الصادق بلا واسطة، كما لا يمكنه أن يروي عن جابر بن يزيد الجعفي الذي كان -على قولٍ- من أصحاب الإمام الباقر أو - على قولٍ آخر - من أصحاب الصادق، فمن اليقين أن هناك عدة رواة محذوفون من السند فالحديثان مرسلان وضعيفان لإرسالهما.

(429) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص122.

(430) حّذف بعض رواة السند في هذا الحديث لذا فهو ضعيف لجهة إرساله.

(431) حذف مؤلف كتاب «الأنوار المضيئة» الوسائط بينه وبين «الفضل بن شاذان» وكذلك الوسائط بينه وبين الإمام الباقر، فالحديث ضعيف لإرساله.

(432) بحار الأنوار، ج 53 /ص104-105، وهو الحديث رقم (131) في الطبعة الجديدة.

(433) حَذَفَ «علي بن عبد الكريم» صاحب الكتاب المذكور -كما أشار بنفسه إلى ذلك- الوسائط بينه وبين «علي بن مهزيار» فهذه الرواية والتي قبلها ضعيفتان لجهة إرسالها.

(434) بحار الأنوار، ج 53 /ص105، وهو الحديث رقم (132) في الطبعة الجديدة.

(435) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص55.

(436) لو لاحظنا أصل هذه الرواية في البحار لرأينا أن ابن أبي الخطاب يرويها بلا واسطة عن مروان بن مسلم، ولكن الرواية ذاتها موجودة من عدة طرق في باب الحجة من كتاب أصول الكافي وفي أسانيدها ثلاث أو أربع وسائط بين ابن أبي الخطاب ومروان بن مسلم، لذا فالظنُّ أنه ثمَّة وسائط بين الشخصين المذكورين في هذه الرواية تم حذفهما فالرواية مرسلة؛ كما نوَّه بذلك «المامقاني» في تنقيح المقال (ج1/ص209) حيث ذكر أن المرحوم الشيخ حسن صاحب «المنتقى» والمرحوم الشيخ محمد وجماعة من المحققين مثل محمد أمين الكاظمي وغيره اعتبروا جميعاً هذا الأمر من علامات الإرسال في الرواية، أي أننا إذا رأينا أن شخصاً يروي عادة عن آخر من خلال عدة وسائط ثم رأينا له رواية عن هذا الآخر بدون واسطة حكمنا أن الرواية الأخيرة مرسلة، لذا فهذه الرواية المذكورة في المتن رغم أن رواتها أي «بريد» و«أحمد بن الحسن بن علي الفضّال» من الثقاة كما ينص على ذلك جماعة من علماء الرِّجال إلا أنها ضعيفة من ناحية إرسالها.

(437) بحار الأنوار، ج 53 /ص106، وهو الحديث رقم (133) في الطبعة الجديدة.

(438) بحار الأنوار، ج 53 /ص106-107، وهو الحديث رقم (134) في الطبعة الجديدة.

(439) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص225.

(440) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص288.

(441) أرسل الراوي «أبو القاسم العلوي» روايته من غير سند عن الإمام الصادق، كما يظهر ذلك من أصل الرواية، فهي رواية مرسلة

(442) أسقط صاحب كتاب «روضة الفضائل» جميع الرواة بينه وبين الإمام الصادق، لذا فالرواية مرسلة بلا سند وضعيفة، هذا فضلاً عن أن كتاب «روضة الفضائل» بحد ذاته -كما يذكر المرحوم المجلسي في الجزء الأول من البحار خلال بيانه لمراجع ومصادر كتابه البحار- كتاب غير موثوق.

(443) بحار الأنوار، ج 53 /ص107، وهو الحديث رقم (135) في الطبعة الجديدة.

(444) حقاً إنه لبعيد جداً عن المقام الشامخ للمرحوم المجلسي أن يذكر قصة فكاهية جرت بين شخصين في عداد أحاديث الأئمة ويعتبرها جزءاً من الأدلة المثبتة لمسألة اعتقادية يفترض أن تستند إلى العلم واليقين!! إلا أن نقول أن تلاميذه لما كانوا يكتبون له أبواب كتاب «البحار» وويرتبونها له ثم يعرضونها عليه، كان لكثرة مشاغله وكونه شيخ إسلام البلاد، لا ينتبه إلى هذه الأقسام في كتابه.

(445) بحار الأنوار، ج 53 /ص107، وهو الحديث رقم (136) في الطبعة الجديدة.

(446) بحار الأنوار، ج 53 /ص107، وهو الحديث رقم (137) في الطبعة الجديدة.

(447) روى «إبراهيم بن محمد الثقفي» هذه الرواية والتي بعدها دون واسطة عن علي أمير المؤمنين مع أن الثقفي -كما يذكر أبو علي وسائر علماء الرِّجال في كتبهم- متوفى سنة 283هـ في حين أن علياً عليه السلام تُوفي سنة 40هـ فهناك فاصل زمني بمقدار 243 سنة بينهما! فمن المؤكد أنه كانت هناك وسائط من الرواة تم حذفهم، لذا فالروايتان مرسلتان وبالتالي ضعيفتان. 

(448) بحار الأنوار، ج 53 /ص 108، وهو تابع للحديث رقم (137) في الطبعة الجديدة.

(449) بحار الأنوار، ج 53 /ص 108، وهو تابع للحديث رقم (137) في الطبعة الجديدة.

(450) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص132.

(451) نقل إبراهيم الثقفي هذه الرواية مباشرة من غير واسطة عن علي عليه السلام وبالتالي فهي مرسلة وضعيفة لهذا السبب أيضاً.

(452) بحار الأنوار، ج 53 /ص109، وهو تابع للحديث رقم (138) في الطبعة الجديدة.

(453) بحار الأنوار، ج 53 /ص 109- 110، وهو تابع للحديث رقم (138) في الطبعة الجديدة.

(454) حُذف بعض رواة سند هذا الحديث فهو ضعيف أيضاً من جهة إرساله.

(455) بحار الأنوار، ج 53 /ص110، وهو تابع للحديث رقم (138) في الطبعة الجديدة.

(456) بحار الأنوار، ج 53 /ص110، وهو تابع للحديث رقم (138) في الطبعة الجديدة.

(457) نتائج التنقيح للمامقاني: ص135.

(458) «الناووسية» فرقة من الغلاة كانت تعتبر أن الإمام جعفر بن محمد الصادق هو المهدي المنتظر.

(459) انظر التفرشي، نقد الرجال، ج 1/ص 43 - 46، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص5-6.

(460) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3، فصل الكِنى /ص15.

(461) بحار الأنوار، ج 53 /ص 110 - 111، وهو تابع للحديث رقم (138) في الطبعة الجديدة.

(462) بحار الأنوار، ج 53 /ص 111، وهو تابع للحديث رقم (138) في الطبعة الجديدة.

(463) بحار الأنوار، ج 53 /ص 111، وهو تابع للحديث رقم (138) في الطبعة الجديدة.

(464) بحار الأنوار، ج 53 /ص 111، وهو تابع للحديث رقم (138) في الطبعة الجديدة.

(465) بحار الأنوار، ج 53 /ص 111، وهو تابع للحديث رقم (138) في الطبعة الجديدة.

(466) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص308.

(467) الواقع أن الذي ضعَّف روايته أو انتقدها هم بعض المعتزلة فقط كالذين أشار إليهم المؤلف في المتن، أما بقية جمهور أهل السنة فهو عندهم صحابيٌّ جليلٌ وعندهم جميع الصحابة ثقاتٌ عدولٌ يُحْتَجُّ بروايتهم.

(468) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص165.

(469) انظر العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص 306، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 فصل الكِنى /ص38.

(470) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3، فصل الكِنى /ص38. وحقيقةً نحمد الله ونشكره أن شيعةَ عليِّ لا يشربون الخمر ولا يمارسون المعاصي ليلاً نهاراً، رغم وجود مثل هذه الأحاديث المكذوبة الموضوعة!

(471) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص15.

(472) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص67.

(473) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص13.

(474) حُذف بعض رجال سند هذا الحديث فهو مرسل وضعيف من هذه الجهة أيضاً.

(475) يجدر عليك أيها القارئ العزيز عندما تصل إلى مثل هذه الروايات التي تفسّر دابة الأرض بأنها علي عليه السلام أن تعود إلى ما ذكرناه في التعليق على الحديث رقم (35).

(476) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص364.

(477) حُذف بعض رجال سند هذا الحديث فهو مرسل وضعيف من هذه الجهة أيضاً.

(478) انظر العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص 314، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص13.

(479) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص50.

(480) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص224.

(481) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص258.

(482) انظر العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص 339، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص349.

(483) الأحاديث الأخيرة من رقم 164 - إلى رقم 177 كلها في ج 53/الصفحات من 112 إلى 115 من بحار الأنوار، وكلها تابعة للحديث رقم (138) من الطبعة الجديدة.

(484) بحار الأنوار، ج 53 /ص 116، وهو الحديث رقم (139) في الطبعة الجديدة.

(485) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص119.

(486) بحار الأنوار، ج 53 /ص 116، وهو الحديث رقم (140) في الطبعة الجديدة.

(487) العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص 397.

(488) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج3 /ص146.

(489) بحار الأنوار، ج 53 /ص 117، وهو الحديث رقم (145) في الطبعة الجديدة.

(490) بحار الأنوار، ج 53 /ص 117، وهو الحديث رقم (146) في الطبعة الجديدة.

(491)بحار الأنوار، ج 53 /ص 118، وهو الحديث رقم (147) في الطبعة الجديدة.

(492) راجع ما ذكرناه عن العياشي وتفسيره في تعليقنا على الحديث رقم (24).

(493)ب حار الأنوار، ج 53 /ص 118، وهو تابع للحديث رقم (147) في الطبعة الجديدة.

(494) بحار الأنوار، ج 53 /ص 118، وهو الحديث رقم (148) في الطبعة الجديدة.

(495) لما كانت الرواية كن كلام بن عباس فهي في الاصطلاح موقوفة، والحديث الموقوف من أقسام الحديث الضعيف وراجع في ذلك ما ذكرناه في باب أقسام الحديث الضعيف.

(496) بحار الأنوار، ج 53 /ص 119، وهو الحديث رقم (150) في الطبعة الجديدة.

(497) حذف إبراهيم بن محمد الثقفي جميع رواة السند بينه وبين المعصوم.

(498) بحار الأنوار، ج 53 /ص 119، وهو الحديث رقم (151) في الطبعة الجديدة.

(499) بحار الأنوار، ج 53 /ص 119، وهو الحديث رقم (152) في الطبعة الجديدة.

(500) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص15.

(501) بحار الأنوار، ج 53 /ص 120، وهو الحديث رقم (153) في الطبعة الجديدة.

(502) بحار الأنوار، ج 53 /ص 120، وهو الحديث رقم (154) في الطبعة الجديدة.

(503) المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص4.

(504) بحار الأنوار، ج 53 /ص120، وهو الحديث رقم (155) في الطبعة الجديدة.

(505) المامَقَانيّ، نتائج التنقيح ، ص121.

(506) بحار الأنوار، ج 53 /ص120، وهو الحديث رقم (156) في الطبعة الجديدة.

(507) حُذف بعض رواة السند فالحديث مرسل وضعيف من هذه الجهة أيضاً.

(508) بحار الأنوار، ج 53 /ص120، وهو الحديث رقم (157) في الطبعة الجديدة.

(509) انظر العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص 373، وانظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج2 /ص202.

(510) بحار الأنوار، ج 53 /ص 121، وهو الحديث رقم (158) في الطبعة الجديدة.

(511) انظر المامَقَانيّ، تنقيح المقال، ج1 /ص73.

(512) بحار الأنوار، ج 53 /ص 121، وهو الحديث رقم (159) في الطبعة الجديدة.

(513) بحار الأنوار، ج 53 /ص 121، وهو الحديث رقم (160) في الطبعة الجديدة.

(514) بحار الأنوار، ج 53 /ص 121، وهو تابع للحديث رقم (160) في الطبعة الجديدة.

(515) بحار الأنوار، ج 53 /ص 121، وهو الحديث رقم (161) في الطبعة الجديدة.

(516) كما يظهر من متن الرواية، حذف البرقي الوسائط بينه وبين المعصوم.

(517) بحار الأنوار، ج 53 /ص121، وهو تابع للحديث رقم (161) في الطبعة الجديدة.

(518) تاج العروس، ج8/ص241.

(519) تاج العروس، ج8/ص242.

(520) الزمخشري، تفسير الكشاف، ج2/ص251.

(521) ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، ج3/ص157. هذا وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/ 148، وبرقم 1265 (ط.شاكر) وقال: إسناده صحيح) بسنده عن عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِنَّ الشِّيعَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه يَرْجِعُ! قَالَ: [كَذَبَ أُولَئِكَ الْكَذَّابُونَ، لَوْ عَلِمْنَا ذَاكَ مَا تَزَوَّجَ نِسَاؤُهُ وَلا قَسَمْنَا مِيرَاثَهُ]. وكذلك أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج3 /ص39) بسنده عن أبي إسحاق عن عمرو قال: قيل للحسن بن علي إن ناساً من شيعة أبي الحسن عليٍّ عليه السلام يزعمون أنه دابّة الأرض، وأنه سيبعث قبل يوم القيامة، فقال: [كذبوا، ليس أولئك شيعته أولئك أعداؤه، لو علمنا ذلك ما قسـمنا ميراثه ولا أنكحنا نسـاءه] (المترجم).

(522) الزمخشري، تفسير الكشاف، ذيل تفسيره للآية رقم (44) من سورة المائدة.

(523) المجلسي، بحار الأنوار، ج 53/ص 141.

(524) انظر الطبرسي، مجمع البيان، ج1/ص48.

(525) الآلوسي، روح المعاني، ج1/ص339-340.

(526) انظر تفسير الشيخ محمد عبده، ج1/ص322.

 

+                     +                    +

 


 

فهرس المحتويات

مقدمة المترجم 3

افتتاحية 11

ديباجة 13

الإسلام دين الفطرة وشريعة الإنسانية 21

أجل الإسلام دين العقل والفكر : 22

الإسْلامُ دِيْنُ الوَسَطِيَّة 31

الإسلام دين العلم والحكمة! 47

الإسلام دين البرهان والحجَّة! 53

الكنيسة والعلم 57

الإسلام عدو التقليد الأعمى والتعصّب الجاهل. 64

مكانة الحديث وتاريخ تدوينه في الإسلام 80

الدوافع لوضع الحديث.. 90

1- النزاع حول الخلافة والخصومة السياسية: 90

2- التعصُّب: 107

3- اختلاط المسلمين بالأجانب ودخول الفلسفة إلى الإسلام: 116

1- تناسخ الأرواح: 121

2- مسألة خلود وأبديّة عذاب جهنّم 122

3- مسألة قِدَم وحُدُوث كلام الله: 123

4- مسألة القدر (الجبر والتفويض) والبحث في صفات الله: 124

5- البحث في كيفية المعراج: 125

6- الرجعة: 127

7- مسألة التشبيه: 129

8- تحريف كتاب الله: 131

4- تخريب الإسلام وترويج المذاهب الباطلة: 139

5- التقرّب إلى الخلفاء وإحراز المنزلة والمقام في المجتمع 140

6- الارتزاق: 141

7- الترغيب والترهيب: 142

العلامات التي يُعرف بها الحديث الموضوع. 145

أقسام الحديث.. 150

الرجعة تُخالف الأصل الثابت في عالم الكون وسنة الله الحتمية 157

القائلون بالرجعة لم يقيموا على قولهم إلا دليلاً واحداً 161

أخبار الرجعة ليست متواترة لا لفظياً ولا معنوياً 163

تمحيص روايات الرجعة التي نقلها المرحوم المجلسي في «بحار الأنوار». 170

القرآن يقول: الموتى لا يرجعون إلى الدنيا أبداً 286

خلاصة هذا البحث: 291

استدلال السيد المرتضى على الرجعة والإجابة عنه 294

اتباع كثير من المسلمين سنن من قبلهم لاسيما اليهود 298

المعنى الحقيقي للشفاعة: 301

قائمة المصادر والمراجع 303

المراجع الإضافية التي رجعت إليه أيضاً في التحقيق والحواشي: 303

فهرس المحتويات. 303

 

+                     +                    +

 


 

 

 

 

 

 

تم بحمد الله...

 

 

 

 

 

+                     +                    +